الدراسة الأولى

التفكير العلمي عند العرب في ضوء الرؤية الاستشراقية

تمهيد

تُعَد قضية الاستشراق ظاهرةً علمية وثقافيةً غربية ذات تاريخٍ طويل، يرجع لدى بعض الدارسين إلى ألف سنة؛ فهو من حيث الزمان نتاج امتدادٍ زمني قديم، ثم هو من حيث المكان الجغرافي ذو جذورٍ ممتدة في بلادٍ غربية كثيرة، بحيث يمكن القول بأن كل الدول الغربية — تقريبًا — قد أسهمَت فيه، وإن تكن بريطانيا وفرنسا ثم أمريكا وألمانيا في العصر الحديث هي صاحبة الجهد الأكبر فيه، سواء على مستوى المحتوى الحضاري والثقافي للشرق الذي اهتم به المستشرقون، أو على مستوى تنوُّع الجهود العلمية النظرية والعملية التي بذلها هؤلاء لتحقيق غاياتٍ متعددة. على أن قسمًا كبيرًا من هذه الجهود قد انصَبَّ لأسبابٍ متنوعة على دراسة الشرق العربي الإسلامي في علومه وديانته وآدابه وفلسفاته. وهو ما يجعلنا مُطالَبين — أكثر من غيرنا — بدراسة الحركة الاستشراقية وتقويمها، والتركيز على بيان إيجابياتها وسلبياتها حتى نُسهِم في تنوير وتوعية عقول شبابنا من الباحثين والدارسين، ومعاونتهم في فهم محتوى وتوجهات هذه الحركة، ليُفيدوا من إيجابياتها ويكونوا على دراية وإحاطة بسلبياتها؛ ومن ثَم يكونوا في مأمنٍ من التأثَّر بهذه السلبيات علمًا وثقافةً ومنهجًا وسلوكًا.١
لقد تناوَلَ المستشرقون التراثَ العربي والإسلامي بالكشف والجمع والصَّون، والتقويم والفهرسة، لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوَزُوه إلى حيث دراسة هذا التراث وتحقيقه ونشره وترجمته والتنظير له والتصنيف فيه، في منشئه ومصادره وتأثُّره وتطوُّره وأثَره ومقارنته بغيره، مُستعينين في ذلك كله بما أنشئوه من المعاهد والمراكز البحثية والمؤسسات العلمية الجامعية والمطابع والمجلات ودوائر المعارف والمؤتمرات، حتى بلَغوا فيه منذ مئات السنين، وفي شتى البلدان وبسائر اللغات، مبلغًا عظيمًا من العمق والشمول والطرافة. وأصبح إنتاجهم العلمي يُكوِّن أحد الروافد الرئيسية لوعينا القومي، وأحد مصادر المعرفة المباشرة لتُراثنا وثقافتنا العلمية والفلسفية والقومية.٢

وكان للعلم العربي نصيبٌ وافر من هذه الجهود الاستشراقية على تنوُّعها سواء فيما يختص بالكشف عن كنوز تراثه وصيانته وطبعه ونشره وترجمته، أو فيما يتعلق بدراسته وتقييمه ونقده ومعالجة قضاياه ومشكلاته والترجمة لأعلامه. ولم تُقصَر هذه الجهود على مجالٍ واحد من مجالات العلم العربي، وإنما شَملَت جميع مجالاته تقريبًا؛ الطب، والفلك، والميكانيكا، والرياضيات، والزراعة، والملاحة والبيطرة … إلخ. ولولا هذه الجهود الاستشراقية — على ما فيها من سلبيات — لظلَّت معرفتُنا بتُراثنا العلمي محدودةً في أضيق نطاق.

ولهذا السبب حَظِي الاستشراق والمستشرقون باهتمامٍ كبير من علمائنا ومفكِّرينا المعاصرين، ولكن اهتماماتهم انصبَّت إما على تفنيد آراء المستشرقين في تحقيق هذا التراث وفهرسته ونشره، ولكن بحثنا هذا يركِّز على جانبٍ واحد من آراء المستشرقين في الفكر العربي، وهو «الرؤية الاستشراقية للعِلم العربي بين الأصالة والتبعية».

وطريقتنا في هذا البحث نقوم باستعراضِ بعض الآراء الأساسية للمستشرقين فيما يتصل بظاهرة العِلم العربي، ثم نُعقِّب على ذلك بما نستخلصه من المواقف الاستشراقية إزاء العلم العربي.

ونحن بادئ ذي بدء لا ندخُل على المستشرقين هنا دخول المنكر المعاند الباحث عن المثالب، وإنما ندخُل عليهم دخول الباحث الذي يتوخَّى الوصول إلى الحقيقة، وهذا سيجعلُنا نتعرف على ما للمستشرقين من إيجابياتٍ تُذكَر لهم وما لهم من سلبياتٍ تُسجَّل عليهم.

والمحاور الأساسية لهذا البحث تدور على النحو التالي:
  • (١)

    موقف المستشرقين من إشكالية وجود علمٍ عربي.

  • (٢)

    تفنيد رأي المستشرقين القائلين بأن العلم العربي مجرَّد نقل واقتباس عن علوم اليونان.

  • (٣)

    موقف العلماء العرب المعاصرين من الرؤية الاستشراقية لظاهرة العلم العربي.

وسوف نعالج هذه المحاور بشيء من التفصيل فيما يلي:

أولًا: موقف المستشرقين من وجود علم عربي

لا شك في أن التقدم العلمي الذي عرفَته الحضارة العربية-الإسلامية في عصر ازدهارها يُعَد بحق مثلًا رائعًا من أمثلة التفاعل الخصب بين الحضارات؛ فنقطة البداية في هذا العلم كان ذلك التفتُّح الفكري الذي ألهم علماء العرب — تحت رعاية الخلفاء المسلمين في العصر العباسي بوجه خاص — أن ينقلوا كل ما أُتيح لهم من علوم القدماء وفلسفاتهم في ترجماتٍ أمينة تُعَد من أروع الأعمال التي تحقَّقَت حتى ذلك الحين.

وهكذا عَرفَ العرب والمسلمون علوم اليونان والفرس والهنود، ولم يتردَّدوا في استخدام كل الذخيرة الضخمة من المعلومات العلمية التي كدَّسَتها البشرية حتى ذلك الحين من أجل تلبية حاجات المجتمع الذي كان ينمو ويزداد تعقُّدًا يومًا بعد يوم.

ولقد أسهَم في هذه الحركة العلمية النشطة علماءُ من أصلٍ عربي، وآخرون ينتمون إلى مختلف البلاد التي أصبَحَت تدين بالإسلام، ولكن الجميع كانوا يكتبون ويفكِّرون بالعربية، وكان الجو الذي يشيع في كتاباتهم إسلاميًّا بحتًا، وكانوا ينظرون إلى أنفسهم مهما بعُدَت بلادهم في أقصى أطراف آسيا الوسطى أو الأندلس على أنهم ينتمون قلبًا وروحًا إلى تلك الحضارة التي انبعثَت إشعاعاتها الأولى في قلب الجزيرة العربية.٣

ولقد خلَّف لنا العلماء العرب تراثًا علميًّا لا حصر له، فلما أن ظهَرَت حركة الاستشراق وقويَت منذ مطلع القرن التاسع عشر متوجهة بتياراتها ورجالها نحو هذا التراث العربي-الإسلامي، فقد قال المستشرقون ما وجدوا في هذا التراث من ثراءٍ وتنوُّع، فانكبُّوا عليه يَدرُسونه ويُحلِّلونه ويشرحونه ويصنِّفونه ويكشفون غوامضه، ويُجَلُّون واضحَه وينشرون مخطوطاتِه.

وإذا كان معظم المستشرقين قد عُنوا بنشر تراثنا العلمي العربي وتحقيقه وفهرسته، فلا شك أنهم بهذا قدَّموا لنا خدمةً جليلة؛ حيث قدَّموا هذا التراث العلمي الخصيب، والذي لولاهم ما كان لنا أن نقف عليه بمثل هذه الصورة، دون ذلك الجهد. يقول أستاذنا المرحوم الدكتور إبراهيم مدكور: «ولولا قيَّض الله لفلاسفة الإسلام جماعةً من المستشرقين وقَفوا عليه بعضَ بحوثهم ودراساتهم لأصبَحْنا اليوم ونحن لا نعلَم من أمرهم شيئًا يُذكر».٤
ولم تقف جهود المستشرقين عند حد الطبع والنشر، بل حاولوا أن يكشفوا معالم الحياة العلمية والعقلية في الإسلام، وأرَّخوا لها جملة وتفصيلًا، فكتبوا عن العلم والعلماء يَشْرحون الآراء والمذاهب أو يُترجِمون للأشخاص والمدارس، وقد يقصُرون بحثهم على بعض الأشخاص والنظريات والألفاظ والمصطلحات.٥
ولقد وصل بهم التخصُّص درجةً أضحى معها كل مستشرقٍ معروفًا بالناحية التي تفرَّغ لها، ومن ذا الذي يذكُر مثلًا «روسكا»٦ ولا يذكر معه الكيمياء العربية، أو «نلِّينو»٧ ولا يذكر معه الفلك، أو «ماكس مايرهوف»٨ ولا يذكُر معه الطب، أو «فرانز روزنتال».٩ ولا يذكُر معه مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي؟
ويطول بنا السرد لو تتبَّعْنا هؤلاء المستشرقين على اختلاف اختصاصاتهم وتعدُّد جنسياتهم. ونكتفي بما قرَّره أحد أساتذتنا المعاصرين: «بأن الربع الأول من القرن العشرين شهد حركةَ استشراقٍ نشيطةً كل النشاط، وكان للدراسات العقلية والعلمية فيها نصيبٌ ملحوظ».١٠

بيد أن حركة الاستشراق هذه بتياراتها المتلاحقة، قد أفرزَت أحكامًا تجنَّت فيها على العرب والمسلمين تجنِّيًا مُوغِلًا، وأثمرَت تعصُّبًا ليس له مدًى، من حيث شاء بعض المستشرقين أن يبخسوا العرب والمسلمين حقهم في السبق والتقدم والابتكار في شتى مجالات العلم العربي، مع أنهم — أي المستشرقين — كانوا أوَّل الناس وأَحْراهم بالاعتراف بهذا الفضل، وذلك بما صار لهم من صلةٍ وثيقة بهذا التراث فهمًا وتمثُّلًا واستيعابًا في إطار دراساتهم العلمية التحليلية المقارنة.

لكنَّ قليل القليل من رجال الاستشراق كانوا أمناء مع أنفسهم ومع الحقيقة والتاريخ، فقالوا بما أملَتْه عليهم ضمائرهم الحية وروحهم العلمية الموضوعية؛ ومن ثَم قرَّروا لعُلَماء العرب ما هم جديرون به ويستحقُّونه من فضل وعرفان.

إننا هنا نودُّ أن نشير إلى موقف المستشرقين من ظاهرة ما يُسمَّى ﺑ «العلم العربي»، وفي هذا نقول: لقد انقسم المستشرقون بإزاء هذه الظاهرة إلى فريقَين رئيسَين:

(أ) أما الفريق الأول

فقد رأى أنَّ ما يُسمَّى بالعلم العربي ما هو إلا مجرَّد نقلٍ واقتباسٍ عن اليونان والهند وغيرهما من الأمم، فإذا ما عثر على أمرٍ طريف في هذا العلم، فلا بد أن يكون له في العلوم القديمة أصل.

وأصحاب هذا الرأي يمثِّله كثير من المستشرقين من أمثال: «رينان»، «سيرسل ألقود»، «دي بور»، وغيرهم.

فنجد المستشرق الفرنسي «رينان» يقول: «كثيرًا ما يُردَّد القول عن العلم العربي والفلسفة العربية، وفعلًا أن العرب كانوا أساتذتنا فيهما طيلة قرن أو قرنَين من العصر الوسيط، ولكننا ما لجأنا إلى ذلك، إلا ريثما نحصل على الأصل اليوناني، فهذا العلم العربي، وهذه الفلسفة العربية لم يكونا إلا نقلًا حقيرًا للعلم والفلسفة اليونانية. ومتى تركَّزَت اليونانية الحقة أصبَحَت هذه النقولُ الداهشة عديمةَ الجدوى، ولأمرٍ ما شَنَّ عليها علماء اللغة في عصر النهضة حربًا صليبيةً شعواء … هذا إلى أننا إذا تمعَّنَّا في كل هذه الآثار، نجد أن العلم العربي لا شيء فيه، وأن صفحة من روجر بيكون لتحوي من التفكير العلمي الحق أضعافَ ما في هذا العلم غير الأصيل بأكمله، فهو دون شك حلقةٌ محترمة من حلقات التراث، إلا أنه لا يشتمل على شيءٍ وافر من الطرافة».١١
وفي نفس هذا الاتجاه يسير المستشرق الألماني «دي بور»، حيث يقول: «أخذ العربُ عناصر فلسفتهم الطبيعية من مؤلَّفات إقليدس وبطليموس وأبقراط وجالينوس، ومن بعض كُتب أرسطو؛ أخذوها إلى جانب هذا من كتبٍ كثيرة ترجع إلى المذهبَين الفيثاغوري الجديد والأفلاطوني الجديد …» وينتهي «دي بور» إلى أن «العلم العربي» غير أصيل في حد ذاته.١٢
إلا أن هناك مستشرقين آخرين، يَرونَ أن العلم العربي ليس مأخوذًا فقط عن اليونان، بل هو من إنتاج الفرس. ومن هؤلاء المستشرق الفرنسي «سيريل ألقود» الذي يقول: «إن ما عُرف بالعلم العربي ما هو إلا إنتاج الفرس.» وسيستشهد «ألقود» على ذلك ﺑ «براون» Brown في كتابه عن «تاريخ الفرس» الذي يقول فيه: «إذا حذَفنا من علوم العرب ما كان من إنتاج الفرس حذَفنا منها أجَلَّ ما حوَت من مادة.»١٣
صدَرَت هذه الأحكام القاسية على تراثنا العلمي العربي، والغريب أن هؤلاء المستشرقين، قد اعتمدوا في آرائهم تلك، كما يذكُر المستشرق «مارتن بلسنر»، على ما أكَّده ابن خلدون من أن العرب الخُلَّص لعبوا دورًا صغيرًا فحَسْب في التطور الأساسي للعلوم عند المسلمين، وأن معظم الفضل في ذلك ينبغي أن يُنسَب إلى الفرس والنصارى واليهود. وهذا ما ورَد في مقدمة ابن خلدون: الفصل الحادي والعشرون «في أن العربَ أبعدُ الناس عن الصنائع»، وأيضًا في قوله: «من الغريب الواقع أن حمَلَة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم من العَجَم.»١٤ كما يتبنَّى المستشرق الفرنسي (أ. ف. قويتي) آراءَ ابن خلدون ويجعل منه عبقريةً غربية فيقول: «ومما يلُوح للأعين من أول ذلك ينبغي أن يُنسَب إلى الفرس والنصارى واليهود.» ويستشهد على صحة رأيه في نظره بأن ابن خلدون كان له اهتمامٌ كبير بروح النقد؛ أي إن هذا الشرقي كان يتصور التاريخ تصورًا غربيًّا: «أليس في الإمكان أن نُوقِن أنه قد بلغَت نفحةٌ من نهضتنا الغربية إلى روح ابن خلدون الشرقية؟»١٥
وإذا كان بعض هؤلاء المستشرقين قد تمكَّنوا أن يتبنوا رأيًا لرجلِ فكرٍ عربي مسلم مثل «ابن خلدون»، وأن يُؤَوِّلوا ظاهرةً بما يتلاءم مع نزعتهم العنصرية المُستهجَنة للجنس العربي، فقد أخطئوا خطأً فادحًا؛ فابن خلدون ليس مُستهجِنًا للجنس العربي مُستخِفًّا بقدرته على الإنتاج العلمي، وما كان يقصده ابن خلدون بلفظ العرب هم طائفة «الأعراب» أهل البدو الرُّحَّل، الظعن ﻟ «ارتياد المسارح والمياه لحيواناتهم»، المتقلبون في الأرض، فيقول بالحرف الواحد: «وهؤلاء هم العرب، وفي معناهم ظعون البربر وزناتة بالمغرب، والأكراد والتركمان والترك بالمشرق.»١٦
وإلى هذا المعنى تفطَّن المستشرق الفرنسي «دي روسلان»؛ إذ درَس بدقة معجم المصطلحات التي استخدمها «ابن خلدون»، وضبَط مدلولات ألفاظها، فذكَر أن ابن خلدون إنما قصَد بالبدو والرُّحَّل «الأعراب من سكان البادية، الذين يقيمون في الخيام».١٧
وهذا يُعتبَر وضعًا اجتماعيًّا ظرفيًّا فرضَتْه الحياة البدوية في زمن الأزمة، وهذا الوضع لا يُفيد أن أفراده بفطرتهم الأُولى، قاصرون علمًا وعملًا، بل إن ابن خلدون يُصرِّح بكل وضوح، ردًّا على من يعتقد ذلك الذي «ظن أن البدو قاصرةٌ بفطرتها وجبِلَّتها عن فطرته وليس كذلك؛ فإنا نجد في أهل البدو من هو أعلى رتبةً في الفهم والكمال في عقله وفطرته».١٨ كما يردُّ على من «يظُن من رحَّالة أهل المغرب أن أهل المشرق أشد نباهةً وأعظم كَيْسًا بفطرتهم الأُولى، وأن نفوسهم الناطقة أكمل بفطرتها من نفوس أهل المغرب، ويعتقدون التفاوت بيننا وبينهم في حقيقة الإنسانية، يتشيَّعون لذلك، ويُولَعون به لما يَرونَ من كَيْسهم في العلوم والصنائع وليس كذلك».١٩
ومن هنا يتضح لنا أن ابن خلدون كان يُحارِب الجمود والتخلُّف، وأنه لا وجود لعِرقٍ متفوِّق ولا لعِرقٍ وضيع ﻓ «الكل له مَزيَّة، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالسعي والعمل الصالح.»٢٠

(ب) وأما الفريق الثاني

وقد كانوا أكثر إنصافًا؛ حيث أقرُّوا بأن هناك علمًا عربيًّا، وإن ظل في إطاره العام يونانيًّا، فإنه قد أعاد النظر إلى العلم اليوناني من جديد، وبحث فيه بروح تقديمه وفيه قَدْرٌ لا بأس به من الاستقلال والإبداع والابتكار. وخيرُ من يمثِّل هذا الفريق من المستشرقين هو المستشرق الإيطالي «ألدو مييلي Aldo Mieli» في كتابة «العلم عند العرب وأثره في تطوير العلم العالمي»، حيث أكَّد بأن القسم الأكبر من العلماء العرب كانوا من الوثنيين والمسيحيين واليهود والفرس، وهذا العلم العربي وإن كان قد تأثَّر إلى حدٍّ كبير بالعلم اليوناني والهندي والإيراني، إلا أن فيه جانبًا عظيمًا من الابتكار والإبداع، وفي هذا يقول: «ولكن ينبغي ألا تَظُن أن العرب لم يضيفوا شيئًا جديدًا إلى العِلم الذي كانوا أوصياءَ عليه، بل على النقيض من ذلك، وإذا كانت خطوات التنمية والإنضاج التي خطَوها في هذا السبيل كثيرًا ما ضاعَت وتفرَّقَت في الحشد الكبير من الكُتب التي تركوها، فليست تلك الخطوات أقلَّ أصالةً وأبعدَ عن الواقع من أجل ذلك. وليس لأحد أن يقول — كما يقرِّر ذلك بعض المؤلِّفين — إن دور العرب ينحصر ببساطة في المزج والنقل لمعارف الأقدمين التي لولاهم لذهبَت أدراج الرياح؛ الأمر الذي هو في ذاته عنوان فخرٍ عظيمٍ وشرفٍ لا يُستهان به.»٢١
وينتهي ألدو مييلي إلى أن هناك علمًا عربيًّا، وإن كانت التسمية بالعلم العربي، مع كونها ليست دقيقةً على الإطلاق، هي برغم ذلك أحسن العناوين التي يمكن إطلاقها على العلم الذي ازدهَر من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي، في البلدان التي سادها الإسلام، والذي ظهَر في الآثار العلمية وأنواع الإنتاج العلمي والأدبي.٢٢

ثم يناقش ألدو مييلي قضيةً أثارها كثيرٌ من زملائه المستشرقين حول هل هناك علم عربي أم علم إسلامي؟

ويرى ألدو مييلي أن التسمية بالعلم الإسلامي غير دقيقة على الإطلاق، وحُجته في هذا أن كثيرًا من المسيحيين واليهود والزرادشتيِّين والوثنيِّين قد قاموا بقسطٍ وافر في إنضاج ذلك العلم. ثم يستطرد فيقول بأنه ليس من العدالة بحالٍ أن نفصل الكتب التي أُلِّفَت في نفس المحيط بالسريانية أو الفارسية أو العبرية؛ فهي جميعًا تؤلِّف وحدةً من حيث روحها — ومن حيث التأثير المتبادل بينها بوجهٍ عام — هذا التقسيم الصناعي المحض في كتب الآداب العربية والفارسية والعبرية … إلخ.٢٣
كما يذكُر أن بعض سَميِّه من المستشرقين يريد أن يفهم هذا التقسيم، بمعنى أن مؤلِّفي تلك التواريخ يُعْنَون بقوالب الكتب التي يَدْرسونها في اللغات المختلفة أكثر من عنايتهم بالروح والجو الحقيقيَّين لهذه الكتب. بيد أنه حتى في هذا المجال يجد القارئ الحصيف مثل هذا التقسيم متعنتًا وغير طبيعي.٢٤
ويوضِّح ألدو مييلي هذا بوضوح فيقول: «إننا إذا رغبنا الدقة في استعماله ينبغي أن نقتصر على العلم الذي يتعلق فقط بالشعوب التابعة للدين الإسلامي. وعلى ذلك نستطيع أن نتحدَّث عن قانون إسلامي؛ لأن هذا يعترف بالقرآن والحديث أساسًا له، كما يطبَّق فقط على المؤمنين الحقيقيين، على حين أن الأشخاص التابعين لعقائدَ أخرى يخضعون لقوانينهم الخاصة (الدينية بوجهٍ عام)، بل نستطيع أيضًا أن نتحدث عن علم إسلامي، ولكن بمعنًى يختلف عن المعتاد، حين نفهم من لفظ «علم» ذلك المعنى الواسع المدى له عند العرب، ناظرين إلى العلوم الإسلامية بوجهٍ خاص؛ أي الفقه وعلم الكلام الإسلامي … إلخ. وعلى نقيض ذلك ينبغي أن يخرج من هذا المعنى تمامًا ما نُسمِّيه اليوم علمًا بوجه خاص؛ أي الرياضيات والطبيعة وعلم الأحياء … إلخ.»٢٥
وعن سبب اختياره تسمية «العلم العربي» بدلًا من «العلم الإسلامي»، يعطينا ألدو مييلي ثلاثة مُبرِّرات على ذلك:
  • المبرر الأول: أن القسم الأعظم من الآثار المتعلقة بالعلم العربي مكتوبٌ باللغة العربية؛ فإن الإيرانيين بعد سقوط الدولة الساسانية اتخذوا العربية لغةً لهم — دون استثناءٍ تقريبًا — في جميع كتاباتهم العلمية والأدبية، ولا نرى كثرة استعمال الفارسية إلا بعد ذلك منذ نشأَت اللغة الفارسية الحديثة ونظَم الفردوسي شعره العظيم. بيد أن استعمال الفارسية الحديثة ظهر أيضًا بادئ ذي بدء في الآثار الشعرية والأدبية الخاصة فحسب. أما الموضوعات الدينية والفلسفية والعلمية فقد احتفظَت العربية فيها بسلطانها الكامل على وجه التقريب إلى زمنٍ متأخر جدًّا، ولم يتخذ الإيرانيون عادةَ استعمالِ الفارسية في كتبهم العلمية إلا نحو نهاية العصر الذي نَدْرسه.
  • المبرر الثاني: كان المسيحيون السريان — مع كثرة استعمالهم اللغة العربية — يستخدمون اللغة السريانية في كتبهم أيضًا في جميع الأزمنة، ولكن من الواضح الجلي أننا لا نستطيع أن ننظر في شخصٍ واحد كابن العبري، أو إلى شخصَين اثنَين، بأن نبحث كُتبه العربية في مكان وكُتبه السريانية في مكانٍ آخر.
  • المبرر الثالث: ومثل ذلك يمكن أن يُقال إلى اليهود في استعمالهم العِبْرية؛ فإن العلماء العظام منهم، مثل إسحاق الإسرائيلي وموسى بن ميمون كتبوا جميع كُتبهم تقريبًا بالعربية، ولكن كُتبهم هذه سرعان ما تُرجمَت إلى العِبرية. وهناك آخرون كتبوا باللغتَين على التناوب، وفي نهاية العصر الذي نحن بصدده نُلاحِظ عند يهود الأندلس غلبة ظاهرة اللغة العبرية، بل نشاهد أيضًا عندهم الميل إلى تعريف شعوب غربي أوروبا بالكتب العلمية العظيمة المؤلَّفة باللغة العربية، وذلك بواسطة ترجماتها العِبرية، فمن الجلي أن جميع هذه الكتب التي كُتبَت بالعبرية يمكن عدُّها منفصلة عن جملة العلم العربي في دراسةٍ تاريخية جادة.٢٦
ويختم ألدو مييلي كلامه في ذلك فيقول: «ومفهوم أننا نتحدث في هذا الكتاب عن العلم العربي بوجهٍ خاص»؛ أي بالمعنى الذي ذكرناه أخيرًا «ولكن تجنُّبًا لكل التباس ينبغي أن نُوضِّح بصراحةٍ أنه في كل موضٍع نستعمل فيه لفظ «عربي» دون تحديدٍ خاص (مهما كان المعنى المقصود مبهمًا أو مختلفًا فيه) فنحن نفهم من لفظ «عربي» وحده كل ما كان خاضعًا للتأثير المباشر أو غير المباشر للمحيط الذي أوجدَه الفتح الإسلامي، وما حقَّقَه الخلفاء في الدول العربية، أو حقَّقَتْه الدول التي بقيَت إسلامية بعد استقلالها.»٢٧

من هنا يتضح لنا أن حديث ألدو مييلي عن العلم العربي يعني تلك الجهود التي بذلها الباحثون في العالم الإسلامي في مجال الدراسات العلمية (سواء كانت دراساتٍ طبيعيةً أو رياضية) وما تمخَّضَت عنه تلك الجهود من أعمال في هذا المجال سواء كانت هذه الأعمال في صورة مؤلَّفاتٍ أو مترجماتٍ أو شروحٍ أو هوامشَ تدور حول مسائلَ علمية، والباحثون في العالم الإسلامي هنا هم كل من ساهم في حقل العلم أيًّا كانت صورة هذه المساهمة.

وقد سايَر كثيرٌ من المستشرقين والباحثين ألدو مييلي في تسمية العلم الذي ساد البلدان الإسلامية من القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر الميلادي ﺑ «العلم العربي»، فنجد مثلًا «نلِّينو» يُعرِّف العلم العربي بأنه يُطلَق على «جميع الأمم والشعوب القاطنة في الممالك الإسلامية والمُستخدِمة للغة العربية في أكثر تآليفها العلمية».٢٨
ويذكُر «مارتن بلسنر» أن المستشرق الألماني «برجشتريسر».٢٩ يعتبر أن اللغة العربية أداةُ العلم الرئيسية، وقد قامت في المشرق بالدَّور الذي قامت به اللغة اللاتينية في المغرب. وقد قام بإنجازٍ مُقنِع أن اللغة العربية قدَّمَت منذ البداية الأداة الكافية للتعبير العلمي الدقيق. ولم تَحتلَّ العربية هذه المكانة الرفيعة بذاتها، ولكن الموقع المركزي للعربية بوصفها لغة الدين الإسلامي والإرادة، هو الذي أدَّى إلى تطويعها لتُلائم المتطلَّبات العلمية. وهذا النجاح الذي حقَّقَتْه عملية تطويع اللغة العربية، إنما كان إلى حدٍّ كبير نتيجةً لجهدٍ مُتعمَّد مقصود لذاته، والدليل على ذلك أن الأعمال العلمية العربية يمكن أن تُفهَم جيدًا دون الحاجة إلى معرفةٍ عميقة بالشعر القديم أو النثر (أي دون حاجة إلى معرفةٍ تامةٍ عميقة باللغة العربية)، ناهيك عن أعمال النثر الفني التي كُتبَت في العصور المتأخرة، على الرغم من أن النحو والصرف وقَدْرًا كبيرًا من المقرَّرات في اللغة العربية لم يطرأ عليها سوى تغيُّرٍ طفيفٍ منذ أقدم العصور.٣٠

ويُحلِّل الدكتور «جلال موسى» نظرة المستشرقين للعلم العربي فيُذكِّر بأنها نظرةٌ تُدخِل في تسمية العرب أممًا أخرى من المشاركين في لغةِ كتب العلم وفي كونهم تَبَعة الدولة الإسلامية، فكان الاصطلاح «عربي» نسبةً إلى لغة الكتب لا إلى الأمة التي هي إسلامية، فانتَسَب إلى اللغة.

ثم يستطرد فيقول: «فإن قيل: استعمال لفظ المسلمين أصحُّ وأصوبُ من لفظة العرب، وبذلك يكون العلم إسلاميًّا لا عربيًّا. قلنا: إن ذلك غير صحيح لسببَين:
  • الأول: أن لفظ المسلمين يُخرِج النصارى واليهود والصابئة وغيرهم ممن كان لهم نصيبٌ غير يسير في العلوم والتصانيف العربية.
  • الثاني: أن لفظ المسلمين يستلزم البحث عما صنَّفَه أهل الإسلام بلغاتٍ غير العربية.٣١
ونحن نؤيد هذا الرأي ونوافق عليه؛ لأن العلم العربي هو العلم الذي كُتبَت مادَّتُه باللغة العربية وأسهَم في تقديمه أقوامٌ عاشوا في البلاد العربية أو تدين لسلطان العرب (سواء كانوا عربًا أو عجمًا أو مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا أو صابئة) ارتبطوا بمصيرٍ واحد وجمعوا تراثًا مشتركًا وتذوَّق جميعهم العربية، حتى قال قائلهم: «لأن أُهجى بالعربية أحبُّ إليَّ من أن أُمدَح بالفارسية.»٣٢
إنني مع المؤمنين القائلين بأن العلم لا ينتسب لجنسٍ من الأجناس، بل للغة التي بها حُرِّر وبواسطتها نُشِر. إن العلم العربي نتاجُ مجتمع ظهر للعِيان بعد الفتح الإسلامي كانت له دار الإسلام وطنًا مشتركًا، والعربية لغة، وامتزجت فيه الثقافات وانصهر على اليونان بحكمة فارس والهند بتعاليم الإسلام، فأنجب أمة وسطًا جمعت بين النظر والعمل — بين العلم والتطبيق — فقال قائلهم: «إذا أضاف المرء إلى العلم والعمل، فقد نال الأمل، ورحل إلى زُحل، وسما إلى السماء، ولحق بالملأ الأعلى.»٣٣

ومن ناحيةٍ أخرى يجب أن نعترف بأن هناك «علمًا عربيًّا» له منهجه وموضوعه، واشتُهر بآراءٍ ونظريات، وقام على أمره كثيرٌ من المتكلمين والفلاسفة والعلماء، ووُضعَت فيه بحوثٌ ومؤلَّفاتٌ تُعد من بين المؤلفات العلمية الهامة في تاريخ العلم قديمه وحديثه، واعتُبرَت ثروةً بشرية أفادت منها ثقافاتٌ مختلفة، أخذ هذا العلم وأعطى، وأخذ عن العلم الإغريقي وعن بعض البحوث العلمية في فارس والهند، وأضاف إليها ما أضاف وأضحى علمًا عربيًّا خالصًا، أعطى الثقافات المعاصرة له من سريانية وعبرية ولاتينية، وهو جدير بأن يُجنِّد كثيرٌ من المستشرقين حياتهم لدراسة هذا العلم في أصوله ومصادره، في نشأته ومراحل نُموِّه، في مدارسه وكبار رجاله، وأن يتابعوا أثَره، وكيف أفاد الغربُ منه في دفع عجلة التقدم والتطور الذي هو عليه الآن.

ويكفينا ما قالته المستشرقة الألمانية «زيغريد هونكه»، في مقدمة كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»: ولهذا صمَّمتُ على كتابة المؤلَّف، وأردتُ أن أُكرِم العبقرية العربية، وأن أتيح لمواطني فرصة العودة إلى تكريمها، كما أردتُ أن أقدِّم للعرب الشكر على فضلهم الذي حرمَهم من سماعه تعصبٌّ ديني أعمى أو جهلٌ أحمق.»٣٤
ثم تُشيد زيغريد هونكه بفضل العرب في تطوير علم الفلك، وتفسِّر اهتمام المسلمين بهذا العلم فتقول: «والواقع أنه لا الرومان ولا الهنود هم الذين ساهموا في تطوير علم الفلك، وإنما كان من دواعي فخر العرب أن يفعلوا ذلك وحدهم … وكان لعلم الفلك عند المسلمين معنًى «دينيٌّ» عميق؛ فالنجوم ومدارها، والشمس وعظمتها، والقمر وسيره لبرهانٌ ساطع على عظمة الله وقدرته، الخالق الذي جاء باسمه النبي العربي مُبشرًا بأنه خالقُ السموات والأرض، وجاعلُ الظلمات والنور؛ لذلك وكما قال أبو عبد الله محمد بن جابر البتاني، فإن «علم النجوم هو علمٌ يتوجَّب على كل أمرئ أن يعلمه، كما يجب على المؤمن أن يُسلِّم بأمور الدين وقوانينه؛ لأن علم الفلك يُوصل إلى برهان وحدانية الله، وإلى معرفة عظمته الهائلة وحكمته السامية وقوَّته الكبرى».»٣٥
وفي الكيمياء، تشيد هونكه باكتشافات العرب العلمية في هذا المجال وبمنهجيتهم في البحث، وسَبْقهم إلى وضع طرق التجربة والمراقبة المنظَّمة وأثَر ذلك في علم الكيمياء الحديث. وفي ذلك تقول: «كان الفكر الإغريقي يهتم بتفسير المعرفة الحسية بواسطة التأمل الفلسفي، فأوجد الكيمياء النظرية والفلسفة الطبيعية. أما العرب فكانوا أول من أوجد طرق المراقبة والتجربة المنظَّمة في ضوء الشروط التي كان بإمكانهم في كل حين أن يُعيدوها وينوِّعوها ويُراقبوها، فخلَقوا بذلك علم الكيمياء التجريبي في مفهومه العلمي، وأوصَلوه إلى قمةٍ رفيعة أصبَحَت بموجبها اكتشافاتُ علمَي الكيمياء العضوية والكيمياء غير العضوية الحديثَين من الضرورات الماسَّة لإرجاع الكيمياء التجريبية إلى المستوى الذي أوصلها إليه العرب».٣٦

ثانيًا: تفنيد رأي المستشرقين القائلين بأن العلم العربي مجرَّد نقل واقتباس عن علوم اليونان

إذا كان بعض المستشرقين قد رأى أن العالم العربي هو مجرد امتداد للعلم اليوناني، فلم يكتفوا بهذا، بل أكَّدوا أن ما قام به العرب في مجال العلم كان يدور في ذلك الإطار الذي حدَّده اليونانيون قبل ذلك بفترة لا تقل عن ألف عام، بل لقد تجاوزَت حُدودَ الموضوعية حين ذهبوا بأن المرحلة الإسلامية من العلم، إنما كانت همزةَ الوصل بين الحضارة اليونانية والحضارة الأوروبية الحديثة، وأن فضل العرب والمسلمين ينحصر على التراث العلمي اليوناني ونَقلِه بأمانة إلى أوروبا لتبدأ به نهضتَها الحديثة.

وأصحابُ هذا الرأي هم بعض المستشرقين أمثال رينان ودي بور وجولد وماكس هورتن ومن تابعَهُم في هذه المقالة، ورغم اختلاف بعضهم عن بعضٍ فيما يسُوقه من مبرراتٍ تؤيِّد رأيه، فإنهم جميعًا يُنكرون أن يكون للعلم العربي شيءٌ من الجدَّة والأصالة، وأن يكون لعلماء العرب شيءٌ من التجديد والإضافة والابتكار، بل إن بعضهم قد بلغ حدًّا من التطرف فقال: «إن ما يُدعى بالحضارة العربية لا وجود له ألبتَّة كظاهرةٍ مُبرِّرة للعبقرية العربية، فهذه الحضارة إنما أنشأَتها شعوبٌ أخرى كانت لهم مدنياتٌ قائمة قبل أن تُستبعَد قهرًا من قِبل الإسلام، فاستمرت خصالها القومية في نموٍّ برغم ما صَبَّ عليها الفاتح من ألوان الاضطهاد، ولم يُسهِم العنصر العربي إلا بمقدارٍ هزيل لا يُذكر؛ فالكندي مثلًا، وقد كان له صيتٌ عظيم في القرون الوسطى ولُقِّب بالفيلسوف، لم يكن سوى يهوديٍّ من الشام اعتنق الإسلام. وما كتَبه العلماء العرب في مجال الرياضيات والهندسة والطب والفلسفة وغيرها، ليس إلا مجرَّد نقلٍ واقتباسٍ من أرسطو وشُرَّاحه، وكثيرًا ما نُسِب استنباط علم الجبر إليهم، والواقع أنهم لم يكونوا إلا نَسَخةً عملوا على نقل رسائل «ديوفانطس» الإسكندراني الذي كان حيًّا في القرن الرابع للميلاد، وفي الطب أيضًا لا نجد طرافةً ولا ابتكارًا، ورسائل أبي القاسم (الزهراوي) وابن زهر وابن البيطار — وثلاثتهم من أصلٍ إسباني — نُسَخٌ مطابقة بعض المطابقة للأصل؛ أعني لمؤلفات جالينوس وأطباء الإسكندرية، وقد تم نقلُها عن طريق السريانية.»٣٧

ويمكن أن نفنِّد رأي هؤلاء المستشرقين فنقول: نحن لا نُنكِر أن العلم العربي قد تأثَّر بالعلم اليوناني، وأن معظم العلماء والفلاسفة العرب أخذوا عن أرسطو معظم آرائه، وأنهم أُعجبوا بإقليدس وجالينوس وأرشميدس، وتابَعُوهم في نواحٍ عدة. ولو لم يُكرَّر الكلام لنَفِد. ومن ذا الذي لم يتتلمذ على من سبقه ويقتفي أثَر من تقدموه؟

إننا نعترف بأن ظاهرة التأثير والتأثُّر بين الحضارات المتعاقبة، بحيث تؤثِّر الحضارة السابقة في الحضارة اللاحقة حقيقةٌ لا شك فيها، إلا أنه يجب أن نميِّز بأن هذا التأثير تتعدَّد إبعاده وتختلف مجالاته؛ فتارةً يكون التأثير من جانب السابق في اللاحق تأثيرًا قويًّا عميقًا، وعلى درجة من الشمول تكاد تذهب باستقلالية المتأثِّر وهُويَّته العلمية؛ ومن ثَم تظهر العلاقة بين الطرفَين في صورة علاقة تابعٍ بمتبوع ومقلِّد بمُبدِع. وتارةً يكون التأثير ضعيفًا في درجته محدودًا في مجاله بحيث يظل كلٌّ من الطرفَين، المؤثِّر والمتأثِّر، محتفظًا بفردانيته واستقلال نظرته وفكره؛ ومن ثَم تتوارى معدَّلات التأثير فلا تكاد تظهر.٣٨

ولا يختفي على أحد أن العلم اليوناني قد تأسَّس أصلًا وأساسًا على ما أخذَه علماء اليونان من علوم الشرق القديم في مصر وبابل وآشور. ويبدو هذا التأثير واضحًا لدى طاليس وفيثاغورس وأفلاطون وجالينوس بصفةٍ خاصة. ولا يستطيع أحد أن يدَّعي أن هؤلاء اليونان رغم تأثُّرهم بالعلم الشرقي كانوا مجرَّد نقَلَة ومقلِّدين لما كان لدى الشرقيين القدماء من هذه العلوم.

ثم إننا نتساءل إذا كان العلماء العرب قد استَقَوا معظم مادتهم العلمية من التراث اليوناني، فهل وقَفوا عند حد التأثُّر؟ أم تجاوَزُوه إلى حيث قدَّموا بعض عناصر الابتكار والإضافة والتجديد؟

للإجابة على هذا السؤال، نقول: إننا نجد مؤشراتٍ علميةً واضحة عند العلماء العرب تدُل على الأصالة والإبداع والجدَّة والابتكار، فهناك مؤشراتٌ نجدها عند ابن سيناء وأبي بكر الرازي في مجال الطب، وأبو القاسم الزهراوي وابن زهر وابن النفيس في مجال علم الجراحة، وابن الهيثم في مجال علم المناظر، وجابر بن حيان في مجال علم الكيمياء، وابن يونس في مجال علم الفلك، وابن بيطار في مجال علم الصيدلية، وثابت بن قرة في مجال على التفاضل والتكامل، والخوارزمي في مجال علم الجبر … وهلُم جرًّا.

إلا أن هذه المؤشرات رغم أصالتها فلم تبلُغ الحد الذي بلغَتْه على يد العلماء اليونانيين، بل هي دونها مستوًى؛ لأنها تمخَّضَت عن ذا الينبوع فأخرجَت منه الجديد الذي لم يكن من قبلُ، فكان عملُها جديدًا بهذه الدلالة؛ لأنه سينتهي فيما بعدُ إلى أن يكون هذا الجديد مصدرًا لبعض نزعات العلم الأوروبي الحديث. وتلك هِبةٌ تغافَل عنها المُستشرِقون وانحسَرَت أفكارُهم دونها ناقصة من اعترافٍ بجميل أو إنصافٍ لحق.

ونحن لا نتنكَّر في هذا السبيل لتأثيرات العلم اليوناني في العلم العربي، ولكننا نجد في العلم العربي جوانبَ جديدةً يتميَّز ابتكارها بالكيف لا بالكم، والإضافة الحقَّة تمثَّلَت في عمليتَين متتاليتَين؛ تحليلية من جهة، وتركيبية من جهةٍ أخرى، تعتمد على عناصرَ قبلية للتجربة الجديدة في الفكر؛ ففي التحليل نتوصَّل إلى العناصر الأساسية في الموقف أو التجربة، فنُقدِّم شيئًا جديدًا في الرؤية التي نريد والصورة التي نقصد. وفي التركيب حالٌ أخرى تعتمد على التدرُّج من البسيط إلى ما هو أكثر، ومن الأحكام النسبية إلى أحكامٍ أشدَّ عمومًا وأبعدَ ضرورة.

وقد تختلف هذه التجربة حدةً وشدةً باختلاف صانعيها، ولكنها في صميم طبيعتها لا تخرج عن صفة الإبداعية Creative التي قصَدنا، أو بمعنًى آخر أن الأصالة؛ أية أصالة تتفق في مدلولها نوعًا وتختلف كيفًا، بمعنى أن الأصالة هي تحقيقُ نحوٍ من التجريد في عملية التأثير الفكري، من حيث إنها في صدرها الأخير تجديدٌ جاء على غير مثال.٣٩

ولا ندَّعي في حديثنا هذا أن العلم العربي جاء على غيرِ مثال؛ ففي ذلك مبالغةٌ لا نُريدها له ولا نُضيفها إليه؛ لأنها تفتقر في صدقها إلى معايير التحقيق العلمي الدقيق، بل نعني الجانبَ النقديَّ لهذا العلم فيما أضافوه أو حذَفوه من العلم اليوناني.

إن أحد الأمثلة المهمة للتدليل على بروز الجانب النقدي في العلم هو انتشارُ ما يمكن أن نُطلق عليه حركة الشك أو كتب الشكوك؛ فكثير من علماء العرب نقَدوا العلم اليوناني وشكَّكوا بنتائجه بشكلٍ علمي. وكانت هذه خطوةً مهمة للانطلاق نحو معرفةٍ جديدة؛ فلقد كان تقديسُ علوم السابقين هو أحد مُعوِّقات التطور العلمي، سواء في الحضارة العربية الإسلامية أم في أوروبا في العصر الوسيط؛ حيث سيطر أرسطو على حركة الفكر والعلم. وكانت مرحلة إزالة التقديس عن المنهج الأرسطي القديم فاتحةً لتطوير المعرفة الجديدة وتقدُّمها.٤٠
فهذا ثابت بن قرة الحرَّاني يكتب كتابًا في إصلاح المقالة الأولى من كتاب أبلوينوس في قطع النِّسَب المحدودة،٤١ والكندي يكتب كتبًا عديدة في هذا المجال مثل رسالة في إصلاح كُتب إقليدس، رسالة في إصلاح المقالة الرابعة عشرة والخامسة عشرة في كتاب إقليدس، رسالة في تصحيح قول أبسقلاس في المطالع،٤٢ ويكتب محمد بن زكريا الرازي كتاب الشكوك على جالينوس، كتاب في الشكوك على برقليس.٤٣

وهذا ابن مفلح في الأندلس يكتب كتابًا بعنوان «كتاب الهيئة»: إصلاح المجسطي يُحاوِل فيه إصلاح نظام بطليموس، ثم يأتي بعده البتروجي فيكتب كتابًا بالعنوان نفسه وبالموضوع عينه، ويكتب ابن الهيثم في كتابه الموسوم «الشكوك على «بطليموس» قائلًا: «إن حُسن الظن بالعلماء السابقين مغروس في طبائع البشر، وإنه كثيرًا ما يقود الباحث إلى الضلال، ويعوق قُدراتِه على كشف مغالطتهم، وانطلاقِه إلى معرفة الجديد من الحقائق، وما عصَم الله العلماء في شيء من العلوم ولا تفرقَت آراؤهم في شيء من حقائق من الأمور.» فطالبُ الحق عند ابن الهيثم ليس من يستقي حقائقه من المتقدِّمين، ويسترسل مع طبعه في حُسن الظن بتراثهم، بل عليه أن يشُك في إعجابه بهم، ويتوقَّف عن الأخذ عنهم، مستندًا إلى الحُجة والبرهان، وليس معتمدًا على إنسانٍ تتسم طبيعته بالخلل والنقصان، وعليه أن يُخاصِم من يقرأ لهم، ويُمعِن النظر فيما قالوه، حتى تتكشَّف له أخطاؤهم، ويتوصَّل إلى حقائق الأمور.

ومن دلالات هذا عند «ابن الهيثم» أنه يقول عن «بطليموس» إنه «الرجل المشهور بالفضيلة، والمُتقِن في المعاني الرياضية، المشار إليه في العلوم الحقيقية»، وإنه وجد في كتبه «علومًا كثيرة ومعاني غريزة، كثيرة الفوائد عظيمة المنافع» ومع ذلك فإن «ابن الهيثم» حين وقف منها موقف من يُخاصِم صاحبها مع إنصاف الحق منه، وجد فيها مواضعَ متشابهة، وألفاظًا، ومعاني متناقضة».

ويمضي قائلًا: «فرأينا في الإمساك عليه هضمًا للحق وتعديًا عليه، وظلمًا لمن ينظُر بعدنا في كتبه في سترنا ذلك عنه، ووجدنا أَوْلى الأمور ذِكْر هذه المواضع، وإظهارَها لمن يجتهد من بعد ذلك في سد خلَلها، وتصحيح معانيها، بكل وجهٍ يمكن أن يؤدي إلى حقائقها.»٤٤

أما العالم عبد اللطيف البغدادي (ت٦٢٩ﻫ) فإنه يؤكد على أن عظمة جالينوس وتمكُّنه من الطب لا يعنيان علينا تكذيب حواسِّنا وعقولنا عندما تتناقض مع ما يقوله جالينوس؛ ولذلك فإن علينا ألا نُسلِّم بما يقوله الأقدمون تسليمًا أعمى مهما بلغ هؤلاء من رجاجة العقل ومن تمكُّن؛ فإن جالينوس «وإن كان في الدرجة العليا من التحفيظ فيما يُباشِره ويحكيه إلا أن الحسَّ أصدقُ منه».

ويسوق البغدادي مثالًا أثبتَت فيه مشاهدتُه كذب جالينوس في مسألة «عَظْم الفك الأسفل» فيقول: «… إن الكل قد أطبقوا (أجمعوا) على أنه (عظم الفك الأسفل) عظمان بمفصلٍ وثيق عند الحنك. وقولنا الكل نعني به هنا جالينوس وحده (وشُرَّاحه)؛ فإنه هو من باشر التشريح بنفسه، وجعله دأبه ونُصب عينَيه، وصنَّف فيه عدة كتبٍ معظمها موجود لدينا، والباقي لم يخرج إلى لسان العرب. والذي شاهدناه، من هذا العُضو أنه عظم واحد، ليس فيه مفصل ولا درز أصلًا، واعتبَرناه (فحصناه) ما شاء الله من المرات في أشخاصٍ كثيرة تزيد على ألفَي جمجمة بأصناف من الاعتبارات، فلم نجده إلا عظمًا واحدًا من كل وجه، ثم إننا استعنَّا بجماعةٍ متفرقة اعتبَروه (فحصوه) بحضرتنا، فلم يزيدوا على ما شاهدناه منه وحَكَيناه، وكذلك في أشياء أخرى غير هذه. ولئن مكَّنَتْنا المقادير بالمساعدة وضعناه مقالة في ذلك نحكي بها ما شاهدناه وما علِمْناه من كُتب جالينوس، ثم إني اعتبرتُ العظم أيضًا بمقابر بوصير القديمة (في مصر) فوجدتُه على ما حكيتُ، ليس فيه مفصل ولا درز، ومن شأن الدروز الخفيفة والمفاصل الوثيقة إذا تقادم الزمان أن تظهر وتتفرَّق. وهذا الفك الأسفل لا يُوجدُ في جميع أحواله إلا قطعةً واحدة.»٤٥

أما «البيروني» والذي يُسمِّيه المستشرقون العرب، فهو الآخر يشكِّك في معارف السابقين، ومن قوله في مقدمة «القانون المسعودي»: «ولم أسلُك فيه مَسلَكَ مَن تقدَّمني مِن أفاضل المجتهدين … وإنما فعلتُ ما هو واجبٌ على كل إنسانٍ أن يعملَه في صناعته مِن تقبُّل اجتهاد مَن تقدَّم بالمنَّة، وتصحيح خللٍ إن عثَر عليه بلا حشمة، وخاصةً فيما يمتنع إدراكُ صميم الحقيقة فيه من مقادير الحركات، وتخليد ما يلُوح له فيها تذكرةً لمن تأخر عنه بالزمان وأتى بعده، وقرنتُ بكل عملٍ في كل بابٍ من عِلَله، وذكرتُ ما تولَّيتُ من عمله، ما يبعدُ به المتأمل عن تفكيري فيه، ويفتح له بابَ الاستصواب لما أصبحتُ فيه، أو الإصلاح لما زللتُ عنه أو سهوتُ في حسابه.»

وهكذا أبان البيروني في هذا النص أنه لم يقلد أحدًا من سابقيه، وأنه صحَّح ما وقع فيه أسلافه من أخطاء، ودعا قُراءه إلى مناقشة ما أورد، وتصحيح ما يُحتمل أن يكون قد أخطأ فيه.٤٦
ويكتب ابن البيطار، أشهر صيادلة مصر، مؤكدًا ضرورةَ تغليبِ منهج البحث العلمي والحِسِّي على أخبار القدماء ونظرياتهم، فيقول في كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية»: «فما صَح عندي بالمشاهَدة والنظر، وثبَت عندي بالخبْر لا بالخبَر ادَّخرتُه كَنزًا سريًّا، وعدَدتُ نفسي عن الاستعانة بغيري فيه — سوى الله — غنيًّا، وما كان مخالفًا … نبَذتُه ظهريًّا، وهجَرتُه مليًّا، وقلتُ لناقله أو قائله لقد جئتَ شيئًا فريًّا …»٤٧

وهكذا، فإن العلماء العرب لم يكونوا مجرد شارحين ناقلين مُكرِّرين لعلوم اليونان، بل إنهم تَرجَموا هذه الكتب ودرَسوها وتمثَّلوا ونقَدوا نتائجها وأصلَحوا ما يُمكِن إصلاحه، وأقاموا معرفةً جديدة بما يتفق مع إمكانيتهم وحاجتهم ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي لعصرهم الذي عاشوا فيه.

ولقد عبَّر المستشرق «جون برنال» Ghon Bernal عن هذه الحقيقة بالقول: «إن العِلم الإسلامي لم ينقل العِلم الإغريقي نقلًا حرفيًّا، بل أعاده إلى الحياة من جديدٍ بعد هضمه ومزجه بالثقافة الإسلامية؛ أي إنه مَرَّ بنفس العملية التي مَرَّ بها تراث الشرق القديم عندما هضَمه وتمثَّله الفلاسفة اليونانيون الأوائل.»٤٨
وثمَّة نقطةٌ أخرى جديرة بالإشارة نودُّ فيها تفنيد بعض آراء المستشرقين في مسألة انعدام الجانب الحسي التجريبي في العلم العربي، فهذا هو المستشرق الألماني «فرانز روزنتال» يذكر بأن هناك مستشرقين علَّلوا تأخُّر البحث العلمي عند المسلمين نتيجة انعدام الجانب الحسي التجريبي، وفي هذا يقول: «إن المرء لا يتمالك أن يرى التناقُض الظاهر في الآراء السالفة التي استَشهَدنا بها. وليس من العسير أيضًا أن نجد باحثًا يأخذ بوجهات نظرٍ معاكسة تمامًا لتلك، فيبرهن لك بيُسرٍ أن أروع إبداع قام به الباحثون المسلمون كان في حقل التفكير النظري، وأن الباحث المسلم لم يأبَهْ بالملاحظة والتجربة، بل اعتبرهما أمورًا ثانوية، وأنهما أحيانًا تُفقدان فقدانًا يثير العجب. كذلك يستطيع المرء أن يُدلِّل لك أن الباحث المسلم لم يكن رجلًا نفعيًّا ماديًّا، بل كان كثيرًا ما يُمعِن في المغامرات الفكرية دون أن يكون في ذهنه غايةٌ معينة يسعى إليها، أو رغبةٌ في نفع أو كسب.»٤٩
وأعتقد أن هؤلاء المستشرقين الذين ذكرهم «روزنتال» لهم بعض العذر في زعمهم بأن علماء العرب لم يأبهوا بالملاحظة والتجربة في أبحاثهم العلمية، خاصة وأنهم يؤمنون بوجود تقارب بين العلم العربي وتراث اليونانيين؛ إذ إن الأسماء اليونانية، مثل أرسطو وأبقراط وجالينوس، كانت تتردَّد في المؤلَّفات العلمية العربية، كما أن الإطار الفكري لهذه المؤلَّفات كان يحتفظ بقَدْرٍ غير قليل من مفهوم العلم عند اليونانيين؛ إذ نجد عند فلاسفة العرب نظرةً متدرجة إلى العلوم، تُعلي من قَدْر العلم النظري البحت، وتُقلِّل من شأن العلم التطبيقي، وتجعل مكانة أي علمٍ مرتبطةً بمكانة الموضوع الذي يبحث فيه. ولكن كتابات الفلاسفة كانت تسير في طريق وممارسة العلماء كانت تسير في طريقٍ آخر مختلف كل الاختلاف؛ إذ إن الاهتمام بالعلم التجريبي وباستخدام البحث العلمي من أجل فهم قوانين الطبيعة المحيطة بنا، كان هو الهدف الرئيسي من أعمال علماءَ مشهورين مثل جابر بن حيان في الكيمياء، والحسن بن الهيثم في البصريات (علم الضوء)، والبيروني في الفلك والرياضيات، والرازي وابن سيناء وابن النفيس في الطب.٥٠

والشواهد على ذلك كثيرة، نقتطف منها ما يلي:

كان «جابر بن حيان» (ت١٩٨ﻫ/٨١٣م) الذي قيل إنه يحتل من علماء الكيمياء مكانَ أرسطو من علم المنطق، يقول في المقالة الأولى من كتاب الخواص الكبير: «ويجب أن نذكر في هذه الكتب خواصَّ ما رأيناه فقط — دون ما سمعناه أو قيل لنا وقرأناه — بعد أن امتحنَّاه وجرَّبناه، فما صح عندنا بالملاحظة الحسية أوردناه، وما بطَل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضًا قايسناه على أقوال هؤلاء القوم.»٥١

ومعنى هذا أن الملاحظة الحسية وحدها هي وسيلة لكسب الحقائق، ومصدر المعرفة الصحيحة، وأن شهادة الغير مرفوضةٌ ما لم تؤيدها مشاهدات الباحث.

ولم يكتفِ جابر بهذا، بل يرى أن أول واجب على الكيميائي، هو أن يعمل ويُجري التجارب، وفي هذا يقول: «من كان دَرِبا، كان عالمًا حقًّا، ومن لم يكن دَرِبًا، لم يكن عالمًا، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع، أن الصانع الدرِب يَحذِق وغير الدرِب يَعطَل».٥٢
وقد كان جابر يقول أيضًا: «ومِلاك كمالِ هذه الصنعة العملُ بالتجربة؛ فمن لم يعمل ولم يُجرِّب لم يظفَر بشيءٍ أبدًا.»٥٣

من هنا يتضح لنا أن جابر بن حيان كان من المهتمين بالمنهج التجريبي؛ فهو يحتفي بالملاحظة والتجربة، ويدعو إلى تطهير الكيمياء من شوائب الجدل ومظاهر السحر والتعمية، وقد شهد له بهذا بعضُ المستشرقين المُنصِفين، فهذا هو المستشرق «هولميارد» يقول: «لقد أسَّس جابر الكيمياء على الجانب العملي محاولًا تفسير ظواهرها بالنظريات الفلسفية المتفَق عليها في عصره، وكان بفعله هذا يؤكد العلاقة الوثيقة بين «النظرية» و«التطبيق» وبين «الفرض» و«التجربة الواقعية».»

ثم يستطرد هولميارد فيؤكِّد بأن جابر بن حيان يستحق لقب مؤسس علم الكيمياء؛ وذلك لاعتماده البالغ على التجريب والتقنية إلى ضرورة الفعل والمران وفي هذا يقول: «إن التأمل غير المفيد والبُعد عن الملاحظة أمرانِ لم نشهَدْهما في عبقرية جابر الذي كان يُفضِّل العمل تاركًا مجال الخيال. لقد كانت وجهاتُ نظرة واضحةً متقَنة، وبسبب أبحاثه الدقيقة الشاملة استَحَق لقب المؤسس الأول للكيمياء على قواعدَ راسخة وأسسٍ سليمة.»٥٤
وقد سايَر كثيرٌ من العلماء العرب منهج جابر بن حيان في أبحاثهم العلمية، فهذا هو الحسن بن الهيثم (ت٤٢٠ﻫ/١٠٢٩م) يَعْرض في مقدمة كتابه «المناظر» لمراحل المنهج التجريبي فيقول: «ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفُّح أحوال المبصرات، وتميز خواص الجُزيئات، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مطَّرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس، ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاء المقدمات والفحص في النتائج، ونجعل غرضَنا في جميع ما نستقريه ونتصفَّحه استعمالَ العدل لا اتباعَ الهوى، ونتحرَّى في سائر ما نميزه وننقده، طلبَ الحق الذي به يثلُج الصدر، ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، ونظفَر مع النقد والتحفُّظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف، وتنسجم بها موادُّ الشبهات.»٥٥

من هذا النص يتضح لنا أن ابن الهيثم ينصح الباحث أو العالم بملاحظة الظواهر الجزئية وتحديد صفاتها ثم يندرج في بحثه مع التمحيص والحذر من الوقوع في الخطأ حتى يبلغ اليقين.

ولم يكتفِ ابن الهيثم بهذا بل يرى أنه لا بد للعالم من مزاولة التجربة العلمية على أساس أنها مكملة للملاحظة الحسية وهو يسمي التجربة بالاعتبار «وقد قام هو نفسه في كتابه المناظر بالكثير من التجارب التي مكنته من التوصل إلى كشوفه العلمية. فمن ذلك أنه توصل إلى تحليل العلاقة بين الهواء الجوي وكثافته وأبان عن أثرها في أوزان الأجسام، ودرس بقوانين رياضية فعل الضوء في المرايا الكرية وأثناء مروره في العدسات الزجاجية الحارقة، ولاحظ شكل الشمس الذي يشبه صورة نصف القمر أثناء الخسوف مستخدمًا جدارًا يقوم أمام ثقب صغير في مصارع نافذة فكان هذا أول ما عرف من الغرفة المظلمة التي تستخدم في كل صنوف التصوير الشمس».٥٦

وفي هذا يقول الدكتور «مصطفى نظيف»: «إن ابن الهيثم قد استطاع أن يعرف أن امتداد الأضواء على سمت الخطوط المستقيمة يؤدي رأسًا إلى أن الضوء المشرق من جسم مبصر، إذا نفذ من ثقب ضيق في حاجز، واستقبل على حاجز أبيض من خلفه، تكوَّنَت على هذا الحاجز صورة منكوسة الجسم، ويمكن الحصول عليها عن طريق جهاز يُسمَّى في كتب الضوء الابتدائية بالخزانة المظلمة ذات الثقب.

ثم يستطرد فيقول: «وهو بهذا قلب الأوضاع القديمة وأبطل علم الناظر اليوناني وإنشاء علم الضوء بالمعنى والحدود التي نريدها اليوم».٥٧
هذه نماذج تدل على أن العلماء العرب لديهم منهج تجريبي بالمعنى الحديث وبالتالي فليس حقيقة ما يدعيه بعض المستشرقين بأن كتابات علماء العرب تخلو من الجانب التجريبي ويكفينا لتفنيد رأي هؤلاء المستشرقين ما ذكره المستشرق المنصف بريفولت Briffault في كتابه «تراث الإنسانية» making of humanity بقوله: «إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس هو ما قدموه لنا من اكتشافهم لنظريات مبتكرة غير ساكنة. إن العلم يدين للثقافة العربية بأكثر من هذا … إنه يدين لها بوجوده، وقد كان العالم — كما رأينا — عالم ما قيل العلم، إن علم النجوم ورياضيات اليونان كانت عناصرَ أجنبيةً لم تجد لها مكانًا ملائمًا في الثقافة اليونانية. وقد أبدع اليونان المذاهب وعمموا الأحكام. ولكن طرق البحث وجمع المعرفة الوضعية وتركيزها ومناهج العلم الدقيقة والملاحظة المفصلة العميقة، والبحث التجريبي كلها كانت غربية عن المزاج اليوناني … أن ندعوه بالعلم في أوروبا كنتيجة لروح جديدة في البحث ولطرق جديدة في الاستقصاء … طريق التجربة وتلك الملاحظة والقياس ولتطوير الرياضيات في صورة لم يعرفها اليونان. وهذه الروح وتلك المناهج أدخلها العرب إلى العالم الأوربي.»٥٨

وثمة نقطة هامة نأخذها على الكثير من المستشرقين، تتمثل في وضعهم لمقاييس صارمة يحكمون بموجبها على نشأة العلم العربي.

إن أحد الأمثلة المهمة لمثل هذه المقاييس نجده عند المستشرق ألدو مييلي؛ حيث يعتقد أن سبب ترجمة الكتب العلمية والفلسفية ونقلها من اللغات الأخرى وبخاصة اليونانية يعود إلى تشجيع الخلفاء والأوامر، وفي هذا: وطبيعي أن هذا النشاط العظيم للمترجمين وجماع العلوم، كانت تساعده وتشُد من أَزْره حماية الخلفاء الرسمية. ولكن كل أُسرة من أُسر حُماة الآداب والعلوم كانت تتنافس أيضًا في هذا المضمار مع أمير المؤمنين، وهنا ينبغي أن نذكُر ذلك النشاط الخير الذي أبداه — في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي — بنو موسى، وهم الأبناء الثلاثة لموسى بن شاكر، الذين كانوا هم أنفسهم رياضيين فلكيين، ولكنهم كانوا على الأخص حُماة العلوم «والمترجمين الذين جعلوهم في خدمتهم».٥٩
أما المستشرق «مارتن بلسنر» فيفسِّر أن تقدم علم الجغرافيا وتطوره على أيدي الجغرافيين العرب راجع إلى الاهتمام الشخصي لهؤلاء العلماء في معرفة أحوال البلاد والعباد».٦٠
وهناك أمثلة كثيرة لوجود هذه التفسيرات في كتابات المستشرقين، وهذه التفسيرات يغلب عليها طابع حل المشكلات التاريخية المعقدة بالاعتماد على قاعدة السبب والنتيجة (Cause-Effect) معتقدين بإمكانية الإجابة عن أسئلة حضارية معقدة كظاهرة نشوء العلم وتطوره، وهي بلا شك إجابات أحادية الجانب.

إن مثل هذه التفسيرات الساذجة وغيرها كثير تتجاهل الجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لنشأة العلم العربي، وتتناسى أن سبب نشوء هذا العلم هو أعقد بكثير من التفسيرات الساذجة أو أحادية الجانب التي طرحها العديد من المستشرقين، فالعلم العربي هو نتاج مباشر لحاجات اقتصادية واجتماعية، تستمد جذورها من طبيعة التطور الذي شهدته الحضارة العربية الصاعدة في عصر النهضة الإسلامي أبان القرنين التاسع والعاشر الميلادي.

وبالتالي يمكن أن نفسر سبب ترجمة الكتب العلمية والفلسفية بأنه كان نتيجة لاحتياجاتٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية نتيجة حاجةٍ فردية أو ثمرة هوى شخص أو مصادفة عرضية، وإنما كانت الدولة لعربية الجديدة التي كونتها العقيدة الإسلامية، وخرجت بها من حدود العلاقات القبلية في شبه الجزيرة العربية إلى رقعة واسعة من الأرض تضم أجناسًا وشعوبًا مختلفة، وهذه الدولية الجديدة التي كانت تمثل علاقات إنسانية واسعة ومصالح تجارية جديدة متطورة، وقيمًا فكرية ودينية وأخلاقية متصارعة ومشكلات إدارية واقتصادية وفنية، تتعقد يومًا بعد يوم مع تعقد المجتمع واتساع رقعة الدولة، وهذه الدولية كانت في حاجة إلى خبرة الأمم الأخرى إلى جانب خبرتها الذاتية لتواجه بها كل هذه الشئون والمشكلات، وكان لنقل علوم اليونان وغيرها من علوم الهند وفارس صدًى لحاجة هذه الدولة الجديدة إلى فلسفة شاملة تطل منها على الكون العريض وتتيح لها خدمة مصالحها وتطويرها.٦١

ومن ناحية أخرى يجب أن نعترف بأن العلم هو نتاج ثقافي لحضارة معينة، وأن العلم لا يظهر ولا يتطور إلا في مجتمع وصل إلى مرحلة متقدمة من التطور الاقتصادي والاجتماعي تجعل انبثاق العلم في هذا المجتمع في لحظة تاريخية معينة حاجة موضوعية وليس اختيارًا ذاتيًّا، وتعبيرًا عن الحاجة إلى معرفة علمية تؤدي إلى فهم أكبر لظواهر الطبيعة والحياة والإنسان.

إن علمًا متطورًا كعلم الجغرافيا مثلًا لا يمكن أن يكون تطوره وتقدمه على يد الجغرافيين راجعًا إلى الاهتمام الشخصي لهؤلاء العلماء في معرفة أحوال البلاد والعباد أو إلى ترجمة كتب بطليموس الجغرافية أو غير ذلك من الأسباب الأحادية الجانب، فرغم أهمية ترجمة الكتب وأهمية حب الاستطلاع والبحث لدى هؤلاء العلماء، فإن المسألة كانت أبعد بكثير من المسائل الجزئية.٦٢
فالدولة العربية-الإسلامية التي امتدَّت حدودها وشملَت أكثر من قارة، أقامت الجيوش وتوسَّعَت بشكلٍ كبير، إن مثل هذه الدولة كان لا بد لها من تطوير المعرفة الجغرافية وما يستتبعها من علومٍ أخرى كالحساب والمقاييس والأبعاد والأوزان، ومعرفة المناخ والتضاريس والممرات المائية والبحرية؛ فإن جهل حدود الدولة وتضاريسها وأحوال سكانها وطبيعة نشاطهم الاقتصادية وعاداتهم وتقاليدهم، يجعل من المستحيل على الدولة المركزية أن تقوم بعملية جبي الضرائب والمكوس والخراج والجزية والزكاة، ودون رسم الخرائط يكون من الصعب على الجيوش أن تتحرك دون معرفة طبيعة التضاريس والممرات المائية، ويتأخر تطور التجارة الداخلية بين أجزاء الإمبراطورية نفسها ومع العالم الخارجي، سواء أكانت تعتمد على القوافل البرية، أم السفن البحرية لعدم معرفة عواصم هذه البلدان وثغورها ومناخاتها وحركة الرياح والمواسم الزراعية والتجارية.٦٣
ومن الأمثلة على أهمية جغرافية المدن أن «قتيبة بن مسلم الباهلي» عند غزو مدينة بخارى واجهته مشكلة عدم معرفته بهذه البلاد وتضاريسها وعاداتها فأرسل إلى «الحجاج بن يوسف» الذي كتب لقتيبة يطلب منه أن يرسم صورة أو خريطة لمدينة بخارى والمدن المحيطة بها ليسهل عليه دخولها.٦٤
ونجد في كتب الجغرافيين العرب عشرات الأمثلة على ارتباط علم الجغرافيا بالحاجات الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدولة الناشئة، فهذا هو الإمام القدسي، الجغرافي الكبير يذكر أنه لقي «علي بن حازم» بساحل عدن وكان الرجل من أعلم الناس بالبحر الصيني لأنه إمام التجار، ومراكبه دائمًا تسافر إلى أقاصيه فسأله عن صفة البحر فمسح الرمل بكفه ورسم صور البحر أمام المقدس وبيَّن له معارجه وشعبه وخلجانه.٦٥

ولا نريد الاسترسال في الأمثلة، لكن ما نود تأكيده هو أن علم الجغرافيا بدأ بدراسة كتب بطليموس وغيرها، ودراسة الخرائط التي وضعها اليونان، ولكن العرب الذين كانوا بحاجة إلى علم الجغرافيا للأسباب التي ذكرتُها آنفًا فاقوا اليونان وطوَّروا هذا العلم بحسب حاجتهم على يد خرداذبه والإصطخري وابن حوقل والمقدسي وابن فضلان وأحمد بن سهل البلخي والمسعودي والهمذاني وغيرهم، وسار تطور علم الجغرافيا بخط متوازٍ مع تطور علوم الفلك والحساب والهندسة وصناعة الإسطرلابات والبوصلات والسفن البحرية وإقامة المراصد الفلكية.

إن ما ينطبق على الجغرافيا ينطبق هو الآخر على العلوم الرياضية برمتها من فلك وجبر وهندسة، وعلى الجغرافيا ينطبق هو الآخر على العلوم الطبيعة برمتها من كيمياء وفيزياء وطب وغيرها، فلقد تطورت تلك العلوم على أيدي العلماء العرب نتيجة حاجات التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته الحضارة العربية الناشئة آنذاك.٦٦
وبهذا يتضح لنا مدى تهافُت التفسيرات الساذجة التي يفَسِّر بها بعض المستشرقين ظاهرة نشوء العلم العربي. إن هؤلاء لا شك في أنهم يتَّسِمون بروحٍ كسولةٍ لا تكلِّف نفسها عَناء البحث الموضوعي. وُيلاحِظ هذا عن كُتب المستشرقين الألمانيُّ المُنصِف «فرانز روزنتال» فيقول: ومن المزالق التي يندُر أن يتحاماها الباحثون الغربيون عند تقديرهم البحث العلمي عند المسلمين، أنهم يضعون مقاييسَ صارمةً يحكُمون بموجبها على ما أنتجه الفكر الإسلامي، مقاييس أشد صرامةً من تلك التي نُطبِّقها على ذواتنا نحن الغربيين؛ فإن العدل والإنصاف يقتضيان أن نميِّز بين مختلف أنواع النشاط الأدبي ومراتبه التي من شأنها أن تترك أثرًا بعيد الغَوْر في طبيعة النتاج العلمي الرفيع. على أننا قلما نرى عالمًا غربيًّا يُراعي هذا التمييز عندما يكتُب ويؤلِّف قَصْد استمالة أتباع يلتفُّون حول فكرته التي يبشِّر بها، ولا ننتظر منه أن يدعم كل قولٍ من أقواله بمستندات وكل جملة بإثباتات، فلماذا إذن نتطلب ذلك من المسلم الذي يكتب في إحياء الدين مثلًا (يقصد الإمام أبو حامد الغزالي) أن يُدلِّل على صحة كل قول بإثبات وإسناد، حتى وإن كان هذا الكاتب المسلم يتصف بالدقة العلمية والقدرة الفكرية الممتازة؟ ومن جهةٍ ثانية لماذا نُبدِي سخطَنا على كاتبٍ يجمع أسانيد تبعَث على الضجر، أسانيد لا حَصْر لها تتعلق بسيرة رجل، أو براوية من رواة الحديث الذين عاشوا في دمشق، أو مُّروا بها لمامًا، بينما نحن إذا قرأنا مثيل هذا في كتابٍ من كُتب الغرب قلنا صوابًا إنه عملٌ علمي، وإن صاحبه قام بخدماتٍ علمية جليلة؟٦٧

ثالثًا: موقف العلماء العرب المعاصرين من الرؤية الاستشراقية لظاهرة العلم العربي:

يقف كثير من علمائنا ومفكرينا المعاصرين بإزاء الرؤية الاستشراقية لظاهرة العلم العربي إلى فريقين رئيسيين: أحدهما يؤكد هذه الرؤية، وسوف نرى على أي أساس قام تأييدهم هذا، ثم نناقشه لنرى مدى أحقيته، وأما الفريق الثاني فيرفضون تلك الرؤية، وسوف نعرض آراءهم أيضًا.

(أ) أما الفريق الأول

فيتعامل مع ظاهرة العلم العربي وما حققه العرب والمسلمون في مجال العلوم الرياضية والطبيعية بروح المكابرة والتكبر، منكرين أي دور ريادي للعلماء العرب في تاريخ العلم الإنساني. كما أن هذا الفريق ينكر كل التطور الفكري والعلمي والفلسفي ويطرح حله الجاهز، وهو إعلان الطلاق مع كل التراث العلمي العربي، ويطرح مسألة الارتباط بالفكر الغربي المعاصر كمخرج من الأزمة، ويدعو إلى قطع الجذور مع ماضي الأمة وتراثها.

ولقد صدَرَت مثل هذه الأحكام للأسف من قِبل أناس من أعلى الأساتذة قدْرًا وأرفع المفكرين شأوًا، والدليل على هذا الدكتور «محمد عابد الجابري» وما ذكَره في كتابة «مدخل إلى فلسفة العلوم»؛ حيث يقول: «إن تاريخ العلوم السائد الآن تاريخٌ أوروبي النزعة تتجه أنظاره من اينشتين وماكس بلانك إلى نيوتن وجاليليو، ومنها إلى إقليدس وأرسطو. أما العلم العربي فهو لا يحظى في أحسن الأحوال إلا بإشاراتٍ عامة عابرة، أما المسار العام فلا يتخذ منه سوى قنطرة مَرَّ عليها التراث الإغريقي إلى العالم الغربي. ومن هنا كان القديم — في هذا المنظور التاريخي الأوروبي — يعني العلم الأرسطي.»٦٨

ثم يصادر الدكتور الجابري على أن العقل العلمي الغربي هو المعاصرة وأن العقل العلمي العربي هو الأصالة، وعلينا الجمع بينهما، وفي هذا يقول: «ولكننا نحن العرب في العصر الحاضر سجناء رؤيتَين؛ الأوروبية التي فتحنا عليها أعيننا منذ بدء يقظتنا الحديثة، وهي تُكيِّف — بل تُهيمِن على — جانب المعاصرة في شخصيتنا العلمية والحضارية، والرؤية الغزالية–الشهرزورية–العثمانية (نسبةً إلى أبي حامد الغزالي وابن الصلاح الشهرزوري والدولة العثمانية) التي تشوِّش جانب الأصالة في تفكيرنا، وتقف حاجزًا بيننا وبين ربط ماضينا بحاضرنا في اتجاه المستقبل المنشود.»

ثم يستطرد فيقول: «إننا نعتقد أن الانكباب على دراسة جاليليو وديكارت وهويجنز وأينشتين دراسةً تاريخية واعية ستُسلِّحنا بالأدوات الفكرية التي تمكِّننا من اكتشافٍ علمي لا خطابي — موضوعي لا ذاتي — لمختلف الوجوه المشرقة في تراثنا ويا ما أكثرها! هناك طريقٌ واحد يقودنا نحو العلم العربي في الماضي والعلم العربي في المستقبل. إنه الانكباب على دراسة الفكر العلمي الحديث وتطوُّره والاجتهاد في هضمه وتمثيله.»٦٩
ولم يَكتفِ الدكتور الجابري بهذا، بل نراه يطرح لنا فكرة البداية من الصفر فيما يتعلق بتراث الأمة وماضيها، وذلك على أكتاف العلم الحديث. يقول الدكتور الجابري: «إن الماضي كالمستقبل لا يكتشف ولا يبين أو يعاد بناؤه إلا على أساس الحاضر وانطلاقًا منه وحاضرنا العلمي هو العلم الحديث، فلنجعل من دراسة هذا العلم موضوعًا ومنهاجًا، روحًا ومناخًا، وسيلة لبناء حاضرنا وبعث ماضينا والانطلاق نحو مستقبلنا، لنتسلح إذن بهذه الرؤية الجدلية التي تجعل الحاضر منطلقا لبعث الماضي وبناء المستقبل».٧٠

ونحن نخالف هذه النظرية الجابرية، وذلك لأنها تتعامل مع تراثنا العلمي العربي بروحٍ استعلائية فلا نجد في هذا التراث ما ينتمي للتقدم ولا تكلف نفسها إعمال الفكر في البحث والتنقيب والدراسة الموضوعية للتراث.

ومن ناحية أخرى نتساءل مع الدكتور رشدي راشد: «عما إذا كان قد حان الأوان كي يتمسك مؤرخ العلوم بالموضوعات التي تقتضيها مهنته، وكي يكف عن استيرادٍ مختلس ﻟ «أيديولوجيات» بغير ضابط ولا رادع عن ترويجها بدون شعور، وكي يتجنب كل المحاولات التي تُبرِّر أوجه الشبه على حساب التباين. كالمعجزة العلمية الحديثة عند السواد الأعظم. ألم يَحِن الأوان لكتابة التاريخ دون اللجوء إلى البديهيات الكاذبة التي تدعو إلى اصطناعها دواعٍ قوميةٌ تكاد لا تخفى؟»٧١
إذ تطرح هذا التساؤل تهدفُ إلى إزاحة خرافة المعجزة العلمية الغربية الحديثة؛ فالمعجزة عنصرٌ إلهي ديني أولًا وأخيرًا، أو لا شأن للبشر ما دامت هي ما يعجز عنه البشر، فلا بد وأن ننأى عن محاولات تفهُّم أي واقعٍ إنساني — سواء الواقع العلمي أو سواه — إذا أردنا لهذه المحاولات انضباطًا.٧٢

وثمة نقطة هامة نود مناقشتها بالنسبة لهذا الفريق وهي مسألة «حداثة العلم»، فهذا الفريق يعتقد أن العلم لم يبدأ شوطه بمعناه الحقيقي إلا في عصر النهضة الأوروبية في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين، والقائلون بهذا من علمائنا ومفكرينا المعاصرين كثيرون.

ومن أهمهم الدكتور «زكي نجيب محمود» وذلك في كتابة «المنطق الوضعي» حيث يقول: «إن العلم لم يبدأ شوطه في حياتنا الإنسانية بصفةٍ جدية إلا منذ عصر النهضة. على أن ظهور الروح العلمية أيام عصر النهضة، لم يكن ظهورها مصادفةً عمياء جاءت عَرَضًا في سير التاريخ، بل جاءت نتيجةً مباشرة لبذور المنهج العلمي على يد فرنسيس بيكون.»٧٣
وقد برَّر بعض الباحثين ما ذكره الدكتور «زكي نجيب محمود» في هذا النص، بأنه يضع هو وأمثاله من القائلين بحداثة العلم نُصْب أعينهم الآثار العلمية الهائلة التي ترتَّبَت على ظهور العلم الحديث؛٧٤ فلو نظرنا في الفترة من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، نجد أنه قد حدثَت ثورةٌ كمية وكيفية هائلة في المجال العلمي، بمعنى أن نطاق العلم قد اتسع إلى حدٍّ هائل، كما أن إنجازاته قد اكتسبَت صفاتٍ جديدة، وأصبحَت أهميتها تفوق بكثيرٍ كلَّ ما كان العلم يحقِّقه في أي عصرٍ سابق، بل إن هذا التعبير جعل العلم هو الحقيقة الأساسية في عالم اليوم، وهو المحور الذي تدور حوله كل المظاهر الأخرى لحياة البشر.
يقول أستاذنا الدكتور فؤاد زكريا: «… لو نظرنا إلى الأمر من الزاوية الكمية الخالصة ليتبيَّن لنا أن نُمو معدل نُمو العلم، قد تسارع بصورةٍ مذهلة خلال القرن العشرين؛ إذ تقول الإحصاءات إن كمية المعرفة البشرية تتضاعف في وقتنا الحالي خلال الفترة بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، وهو ما كان يستغرق في العصور الماضية مئات السنين.»٧٥

ونحن نعترف بهذا، ولكن كل هذا لا يمنع من القول بحداثة العلم، وأنه وليد القرن السابع الميلاد على يد فرنسيس بيكون، فهذا قولٌ يتنافَى مع الحقيقة الموضوعية؛ فليس من اليسير أن نحدِّد نقطة الصفر التي انطلق منها العلم؛ لأن العلم شأنه شأن صور الفاعليات الإنسانية كائنٌ متطورٌ نامٍ، لم يُولَد كاملًا راشدًا، بل لا بد أن يكون قد مَرَّ بمراحلَ طويلةٍ من الصقل والتهذيب لكي يبلغ مرتبته الراهنة من النضج.

إن القائلين بحداثة العلم لا بد أن يضعوا في اعتبارها بأنه من الصعب أن نُفسِّر سرعة التقدم الذي طرأ على العلم الأوروبي في القرن السابع عشر، والذي نقل أوروبا من التفكير في عالم أرسطو الذي لا يتحرك إلا أنه يعشق «المحرك الأول» إلى عالم نيوتن الذي يسودُه قانونٌ طبيعي هو قانون الجاذبية الكونية. من الصعب أن نُفسِّر ذلك إلا إذا قلنا بأن عواملَ أخرى قد مهَّدَت له بالرغم من أن تأثيرها لم يكن في البداية ظاهرًا.

على أن هذه العوامل المتراكمة لم تكن مجرد تطورٍ داخلي للمعرفة العلمية في أوروبا خلال العصر الوسيط؛ فهذه المعرفة مهما تطوَّرَت لم تكن تبشر بنتائج ذات قيمةٍ كبيرة، وإن كان هؤلاء العلماء في حاجة إلى دفعةٍ قوية تأتيهم من مصدرٍ خارجي لكي تُنير الطريق، وتكشف لهم عن أفضل السبل المتاحة للبحث العلمي في ذلك الحين. وقد تحقَّق ذلك بفضل تأثُّر العلم الأوروبي بالعلم العربي الذي كان يحتل المرتبة العليا في ذلك العصر.٧٦
ونحن هنا نخُالف القائلين بأن العلم الحديث قد خضع في نشأته وتطوره لمجموعة من العوامل الداخلية فقط، هذه العوامل تنمو بقدراتنا الذاتية بقوة دفعها الخاصة، وتخضع لمنطقها البحت، بل لا بد من عوامل خارجية خصوصًا وأن العلم ليس ظاهرةً منعزلة، بل إن أشد علمائنا المعاصرين ميلًا للتفسير الفردي لتطوُّر العلم لا يستطيعون أن يُنكِروا وجود تأثيرٍ مُتبادَل بين العلم وأوضاع المجتمع الذي يظهر فيه، يقول أستاذنا الدكتور حسن عبد الحميد: «يخضع العلم في نشأته وتطوُّره لمجموعةٍ من العوامل الخارجية والداخلية التي يؤدي تفاعُلها معًا إلى نشأة العلم نفسه.»٧٧

(ب) أما الفريق الثاني

وهذا الفريق يقفُ على نقيض الفريق الأول، ولكنها يصُب في نفس المصَب نفسه ويصل إلى النتيجة نفسها. وهو فريقٌ يغلب عليه طابع الحماس الشِّعري والخطابي في تعاطيه مع ظاهرة العلم العربي؛ فهو يتعامل مع هذه الظاهرة بروح التقديس والمبالغة والأساليب الانفعالية.

إن هذا الفريق يُحاوِل إثبات أن العلماء العرب مارسوا كل منهج، وأنشئوا كل علم، وأسَّسوا كل بحث، وعَرفوا كل كشف، وألَّفوا أصول كل نظرية، وراعَوا كل مفهوم، وتلمَّسوا الطريق إلى كل تقانة. ونسوق مثلًا على ذلك ما ذكَره صاحب كتاب «تاريخ العلم ودَور العلماء العرب في تقدُّمه» بقوله: «… وإذا اعتَز العصر الحاضر بنفَرٍ من العلماء فتَّتوا الذرة وشطَروا النواة، وغزَوا الفضاء، وأرسلوا الصواريخ والأقمار، وأطلقوا الكواكب الصناعية، تدور في فلك الشمس أو غيرها من النجوم والكواكب، وإذا اعتَز عصر النهضة العلمية في أوروبا بأمثال نيوتن وداروين وجاليليو وكوبرنيقوس ودا فنشي وكانط وديكارت وباستير وهلُم جرًّا، فلا ينبغي أن نغمطَ علماءنا الذين نقل عنهم الغرب في سالف الأيام. وإنه لدَينٌ يؤديه العصر الحاضر للعصور العربية الإسلامية الذاهبة. وإنها لأمانةٌ في أعناقنا نحن العرب، أن نحمل المشعل مرةً أخرى لنُضيء الطريق، ونقود الإنسانية كما فعل أسلافنا أوَّل مرة.»٧٨
ونسوق مثالًا آخر لصاحب نفس الكتاب بقوله: «لقد طنطَن العالم الغربي في عصر النهضة الأخيرة لآراء كانط وديكارت ونيوتن في الطبيعة والضوء والانكسار والإبصار وما إلى ذلك، وقد ثَبَت أن أغلبها مأخوذٌ من ابن الهيثم المصري … وطنطَن العالم مرةً أخرى لهارفي قال إنه مكتشف الدورة الدموية، مع أن مكتشفها هو ابن النفيس، واهتَز العالم بآراء داروين ولامارك في التطور وها هي ذي قديمة، ذَكَرها إخوان الصفا وابن خلدون والجاحظ.»٧٩
ولا نريد الاسترسال في الأمثلة، لكن ما يمكن أن نقوله هو أن هذا الفريق يتميَّز بالتعالي والادِّعاء الحضاري، ويجهل مجرَّد تطوُّر الحضارة والتراث العلمي العربي. إن دُعاةَ هذا الفريق لا يتردَّدون في تقديس كل شيء في التراث، منطلقين من مقولتهم التبسيطية بأن كل المسائل قد حلَّها الأجداد، وليس أمامنا سوى أن نغرف من بُحيرة الماضي السحرية لنحُل مشكلاتِ الحاضر على حد تعبير الدكتور أحمد الربيعي.٨٠

وهذا الفريق يربط بشكلٍ ميكانيكي وتعسُّفي بين الحاضر والماضي؛ فأزمة الحاضر هي العقاب التاريخي للتخلي عن الماضي، والماضي لديه هو الحاضر، ولا جديد تحت الشمس، مع إغفال كل التغييرات الهائلة في أساليب الحياة ونمطها وتطوُّراتها الفكرية والتكنولوجية.

إن الماضي بالنسبة لهذا الفريق، كما يقول أحمد الربيعي، هو مخدة الريش المريحة التي نضع فوقها رءوسنا المتعَبة، وإن أيَّ «تشكيك في ماضينا هو من فِعل أعداء المسلمين وبخاصة المستشرقون، وهم لا يتردَّدون في أن يضعوا مستشرقين مثل بيكر وأرنست رينان وسانتلانا في السلة نفسها مع هاملتون جب وبروكلمان وماسينيون ومايرهوف وبليياييف.»٨١
إنَّ دُعاة هذا الفريق وإن انتقدوا وبحياءٍ نظرية المركزية الأوروبية لدى بعض المستشرقين، فإنهم يضَعون مركزيتهم الشرقية في مواجهةٍ غربية. المسألة وكأنها أسلحةٌ فاسدة تقاتل أسلحةً فاسدة تأخذ من التراث ما يحلو لها وتترك ما ينسجم مع أطروحاتها الفوقية.٨٢

وخاتمة القول أتمنى أن نكون في هذا البحث قد نجحنا في اختراق صفوف هؤلاء المستشرقين ومن تابعَهُم من علمائنا العرب، وتقديم وجهة نظرٍ تتعدَّى مزاعمهم ومنهجيَّتهم.

تعقيب

من خلال دراستنا الاستطلاعية للرؤية الاستشراقية تَولَّد لدينا اقتناعٌ بأن المستشرقين الذين اهتموا بالعلم العربي وقدَّموا بخصوصه — من خلال دراساتهم — تنظيراتٍ ورؤًى مختلفة في هذا العلم كانوا فريقَين؛ أحدهما ويمثِّله قلةٌ قليلة منهم التَزَم في بحوثه ودراساته الاستشراقية العلمية بدرجاتٍ كبيرة من الموضوعية والنزاهة، وتحرَّروا إلى حدٍّ ما غير كافٍ، من أهوائهم وميولهم الشخصية، وابتعدوا قَدْر استطاعتهم عن الزيف والضلال، وطرحوا جانبًا، بقَدْر ما وَسِعه من الجهد، صنوف التعصُّب الجنسي والديني والثقافي، فكانوا بذلك منصفين بدرجاتٍ مقبولة للحق والحقيقة، فيما يتعلق بآرائهم وأحكامهم ورؤاهم تجاه التراث الفلسفي والعربي.

أما الفريق الآخر، وهم الأكثرية، فكانوا على عكس الأول من حيث قصَدوا بوعي وإرادة إلى أن يبخسوا العرب والمسلمين حقهم في السبق والإبداع والابتكار في شتى مجالات العلم والمعرفة. ولمَّا أن كان الفكر الفلسفي في أية حضارة يُعَد من أهم الميادين التي يظهر فيها العمل الإبداعي المُبتكَر من جانب أصحابه، فقد ظهَر تجني هذا الفريق على العلم العربي وعلمائه، فوصموهم بوصمة التبعية والتقليد والمحاكاة لنظرائهم السابقين من علماء وفلاسفة اليونان، وسلبوهم ما هم جديرون به من إبداع وابتكار، بل إن هذا الفريق من المستشرقين شاء أن يهدم الأساس الذي تقوم عليه كل فلسفة في كل زمان ومكان، وهو العقل فيما يختص بالعقلية العربية والإسلامية، فاتهموا هذه العقلية بالعجز والجمود والتخلف، لكي يقيموا على هذه الأنقاض دعواهم في عدمِ وجودِ ما يُسمَّى بالعلم العربي على الحقيقة، فبَنَوا هذا على انعدام ذاك. وكان الأجدر والأَولى بهؤلاء المستشرقين أن يعترفوا بأحقية العقلية العربية في الإبداع، ثم الاعتراف بوجود علمٍ عربي له موضوعه ومناهجه ونظرياته الخاصة، وذلك بما صار لهم من صلةٍ وثيقة بالتراث الفلسفي العربي الإسلامي، فهمًا وتمثُّلًا واستيعابًا في إطار دراساتهم العلمية التحليلية المقارنة، ولكن غلبَت عليهم مقاصدُهم فكانوا من الظالمين لأنفسهم بالمقام الأول، ولعلماء العرب والإسلام في المقام الثاني.

وأيضًا فإنه لو أن العقلية العربية عاجزةٌ حقًّا عن التفكير العلمي، كما زعم الكثير من المستشرقين وغيرهم، لما أنتجَت هذه العقلية ذلك الكَم الهائل المتنوع من الأفكار والآراء والنظريات والمناهج في مجال العلوم المختلفة، كالجغرافيا والتاريخ والرياضة والفلك والطبيعة والطب والكيمياء والصيدلة والجراحة والنبات والحيوان؛ ذلك لأن العلم هو من صنَع العقل الذي يُرينا ضروب انفعالنا وتأثُّرنا بالنسبة للعالم الخارجي، ولا يحدُّ هذه الانفعالات مجرَّد الظواهر التي تمثُل لحواسنا بطريقٍ مباشر أو غير مباشر، بل يحدُّها بوجهٍ خاص موقفُنا الذي أخذناه تجاهها من قبلُ، ويحدها كل موقفٍ أخذه العقل الإنساني منذ القِدَم تجاه الظواهر المذكورة.

ولو أن العقلية العربية قاصرةٌ عن النظر العلمي الدقيق والتأمل الفلسفي العميق، لما ظهَرَت الحضارة الإسلامية وازدَهَرت وتحقَّق لها التمايُز والسيادة خلال ما يزيد على سبعة قرون.

قائمة المصادر والمراجع العربية

  • (١)

    إبراهيم مدكور: في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه، دار المعارف، القاهرة، ط٣، ١٩٨٣م.

  • (٢)

    أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية ومكانته في تاريخ العلم والحضارة، دار المعارف، ١٩٨٤م، ص٣١.

  • (٣)

    أحمد الربيعي: محاولة تفسير اجتماعي لنشأة العلم العربي الإسلامي وتطوره، بُحيث أُلقي في المؤتمر الفلسفي الثاني الذي نظَّمَته الجامعة الأردنية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٨م.

  • (٤)
    ______: أحمد الربيعي: محاولة تفسير اجتماعي لنشأة العلم العربي الإسلامي وتطوره، بُحيث منشور ضمن بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني الذي نظَّمَته الجامعات الأردنية، والذي وكان عنوانه الفلسفة العربية المعاصرة (مواقف ودراسات)، طبعة مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٨م.
  • (٥)

    ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، طبعة مصر، بدون تاريخ.

  • (٦)

    ابن خلدون: المقدمة، دار ابن خلدون، الإسكندرية، بدون تاريخ.

  • (٧)

    ابن النديم: الفهرست: مكتبة دار المعرفة، القاهرة، بدون تاريخ.

  • (٨)

    أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مطبعة بريل، ليدن، ١٩٦٧م.

  • (٩)

    أبو سعدة (د. محمد حسيني): الاستشراق والفلسفة الإسلامية، دار أبو حريبة، ط٥، ١٩٩٥م.

  • (١٠)

    أبو سعدة (د. محمد حسيني): الآثار السينوية في مذهب الغزالي في النفس الإنسانية، دار أبو حريبة للطباعة، القاهرة، ١٩٩١م.

  • (١١)

    أبو علي محمد بن الحسين بن الهيثم: الشكوك على بطليموس، تحقيق د. عبد الحميد صبرة ونبيل الشهابي، مطبعة دار الكتب، ١٩٧١م.

  • (١٢)

    توفيق الطويل: في تراثنا العربي الإسلامي، عالم المعرفة، عدد مارس ١٩٨٥م.

  • (١٣)

    جابر بن حيان: كتاب الخواص الكبير، ضمن مختارات رسائل جابر بن حيان، صحَّحها ونشرها بول كراوس، القاهرة، ١٩٣٥م.

  • (١٤)
    ______: كتاب السبعين، ضمن مختارات رسائل جابر التي حقَّقها ونشرها بول كراوس.
  • (١٥)
    ______: كتاب التجريد، ضمن مجموعة حقَّقها ونشرها هولميارد، طبعة القاهرة.
  • (١٦)

    ج «د» برنال: موجز تاريخ العلم في التاريخ، بيروت، دار الفارابي، ١٩٨٢م.

  • (١٧)

    جلال محمد موسى: منهج البحث العلمي عند العرب في مجال العلوم الطبيعية والكونية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ١٩٧٢م.

  • (١٨)

    جعفر آل ياسين: المنطق السينوي، عرض ودراسة للنظرية المنطقية عند ابن سينا، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط١، ١٩٨٣م.

  • (١٩)

    الحسن بن الهيثم: المناظر، تحقيق د. عبد الحميد صبرة، طبعة الكويت، ١٩٨٣م.

  • (٢٠)

    ألدو مييلي: العلم عند العرب وأثَره في تطور العلم العالمي، ترجمة د. عبد الحليم النجار ومحمد يوسف موسى، دار القلم، القاهرة، (١٣٨١ﻫ/١٩٦٢م).

  • (٢١)

    زكي نجيب محمود: المنطق الوضعي (الجزء الثاني)، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٠م.

  • (٢٢)

    محمد مهران وحسن عبد الحميد: في فلسفة العلوم ومناهج البحث، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٨٠م.

  • (٢٣)

    زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي، منشورات دار الآفاق الجديدة، ط٦، ١٩٨١م، بيروت.

  • (٢٤)

    القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء، مكتبة المتنبي، القاهرة، بدون تاريخ.

  • (٢٥)

    موفق الدين عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهَدة والحوادث المعايَنة بأرض مصر، القاهرة، مطبعة وادي النيل، ١٢٨٦ﻫ.

  • (٢٦)

    عبد الله بن أحمد البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، طبعة بولاق، القاهرة، ١٨٧٥م.

  • (٢٧)

    عبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودَور العلماء العرب في تقدُّمه، دار المعارف، ١٩٦٦م.

  • (٢٨)

    حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي لنشأة العلم، ملحق ضمن دراسات في الإبستمولوجيا، المطبعة الفنية الحديثة، القاهرة، ١٩٩٢م.

  • (٢٩)

    علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار المعارف، ط٤، ١٩٧٨م، ص٢٧٧.

  • (٣٠)

    فؤاد زكريا: التفكير العلمي، طبعة الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٦م.

  • (٣١)

    فرانز روزنتال: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ترجمة د. أنيس فريحة، الدار العربية للكتاب، بيروت، ط٤، ١٩٨٣م.

  • (٣٢)

    صلاح قنصوه: فلسفة العلم، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ١٩٨١م.

  • (٣٣)

    مصطفى نظيف: الحسن بن الهيثم، بحوثه وكشوفه البصرية، المجلد الأول، طبعة القاهرة، ١٩٤٢م.

  • (٣٤)

    مارتن بلستر: العلوم الطبيعية والطبية، ضمن تراث الإسلام، تصنيف شاخْت وبوزورث، القسم الثالث، ترجمة د. حسين مؤنس وإحسان صدقي العمد، سلسلة «عالم المعرفة»، ديسمبر ١٩٧٨ م.

    رشدي راشد: مفهوم العلم كظاهرة غربية وتاريخ العلم العربي، ترجمة أحمد حسنواتي، ملحق لتاريخ الرياضيات العربية بين الجبر والحساب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٩م.

  • (٣٥)

    محمد السويسي: آراء بعض المستشرقين حول التراث العلمي العربي والرد عليها، بحث نشر ضمن مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الثاني، تونس، ١٩٨٥م.

  • (٣٦)

    دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة، دار النهضة العربية، ط٥، ١٩٤٨م.

  • (٣٧)

    محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة العلوم (العقلانية المعاصرة) وتطور الفكر العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط٣، ١٩٩٤م.

  • (٣٨)

    محمود أمين العالم: معارك فكرية، طبعة دار الهلال، القاهرة، بدون تاريخ، ص١١٤.

  • (٣٩)

    يمنى طريف الخولي: مقدمة لكتاب الرياضيات وفلسفتها عند العرب للدكتور رشدي راشد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ١٩٩٤م، القاهرة.

المراجع الأجنبية

  • (1)
    E. J. Holmyard: Chemistry to the Time of Daltonm, Oxford, 1925, p. 17-18.
  • (2)
    Sharif (M. M): A History of Muslim Philosophy, London, 1963.
  • (3)
    Wat (M): The Influence of Islam on Medieval Europe, Edinburgh, 1972.
١  د. محمد حسيني أبو سعدة: الاستشراق والفلسفة الإسلامية، دار أبو حريبة، ط٥، ١٩٩٥م، ص٩.
٢  نفس المرجع، ص٩-١٠.
٣  د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، طبعة الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٦م، ص١٥١-١٥٢.
٤  د. إبراهيم مدكور: في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه، دار المعارف القاهرة، ط٣، ١٩٨٣م، ص٢٧.
٥  نفس المرجع، ص٢٧-٢٨.
٦  جوليوس روسكا Ruska مستشرقٌ ألماني، تخصَّص في علوم الكيمياء العربية. من أعماله: السيميائيون العرب – جماعة الفلاسفة – الجداول الرمزية.
٧  كارل ألفونسو نلِّينو Carlo Alfonse Nallino (١٨٧٢–١٩٣٨م)، مستشرقٌ إيطالي وُلِد بتورينو وتعلَّم العربية وتخصَّص في علوم الفلك. من أشهر أعماله: «علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى».
٨  ماكس مايرهوف Max Meuhrhof (١٨٧٤–١٩١٥م) مستشرق وطبيب ألماني. استقر في مصر عام ١٩٠٣م، وكرَّس حياته لدراسة الطب العربي. عُيِّن أستاذ تاريخ الطب في جامعة ليبزيج ١٩٣٠م، ولكنه آثَر الحياة في القاهرة وتُوفي فيها، وكان من كبار أطباء العيون العالميين وفي طليعة مؤرِّخي الطب العربي، وتُعتبر اكتشافاته وكتاباته مرجعًا دقيقًا وافيًا.
٩  فرانز روزنتال مستشرق ألماني وُلِد في برلين عام ١٩١٤م، وتلقَّى علومه في جامعتها، حيث حصل على الدكتوراه عام ١٩٣٥م، تخصَّص في التراث العلمي العربي، وله عدة مؤلَّفات في ذلك، من أهمها: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، وقد ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور أنيس فريحة.
١٠  د. إبراهيم مدكور: المرجع السابق، ص٢٧-٢٨.
١١  رينان: الإسلام والعلم، محاضرة أُلقيَت بأربون في ٢٩ مارس سنة ١٨٨٣م، ونُشرَت في باريس ١٨٨٣م، وفي ١٤ نقلًا عن د. محمد السويسي: آراء بعض المستشرقين حول التراث العلمي العربي والرد عليها، بُحيثٌ نُشِر ضمن مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الثاني، تونس، ١٩٨٥م، ص٢٤.
١٢  دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة، دار النهضة العربية، ط٥، ١٩٤٨م، ص١٤١.
١٣  انظر مارتن بلستر: العلوم الطبيعية والطبية، ضمن تراث الإسلام، تصنيف شاخْت وبوزورث، القسم الثالث، ترجمة د. حسين مؤنس وإحسان صدقي العمد، سلسلة «عالم المعرفة»، ديسمبر ١٩٧٨م، ص٨.
١٤  نفس المرجع، ص٨.
١٥  انظر د. محمد السويسي: المرجع السابق، ص٢٦.
١٦  ابن خلدون: المقدمة، دار ابن خلدون، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص١٠٢.
١٧  د. محمد السويسي: المرجع السابق، ص٢٦.
١٨  ابن خلدون: المقدمة، ص٣٠٤.
١٩  انظر د. محمد السويسي: المرجع السابق، ٢٩.
٢٠  راجع د. محمد السويسي، المرجع السابق، ص٢٩-٣٠.
٢١  ألدو مييلي: العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي، ترجمة د. عبد الحليم النجار ومحمد يوسف موسى، دار القلم، القاهرة، (١٣٨١ﻫ/١٩٦٢م)، ص١٤٤.
٢٢  المرجع نفسه، ص١٤٤.
٢٣  المرجع نفسه، ص١٤٥.
٢٤  المرجع السابق، ص١٤٥.
٢٥  المرجع السابق، ص١٤٦.
٢٦  المرجع نفسه، ص١٤٦.
٢٧  المرجع نفسه، ص١٤٧.
٢٨  كارل نلِّينو: علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى، منشورات الجامعة المصرية، روما، ١٩١١م، ص١٧؛ وانظر أيضًا:
Wat (M): The Influence of Islam on Medieval Europe, Edinburgh, 1972.
٢٩  برجشتريسر (G beer gstraosser) مستشرقٌ ألماني تخصَّص في اللغات السامية والعلوم الإسلامية، قَدِم لمصر أستاذًا زائرًا في الموسم الدراسي (١٩٣١-١٩٣٢م) وألقى في جامعتها سلسلة محاضرات في تطوُّر النحو العربي وقواعد نشر النصوص العربية.
٣٠  مارتن بلسنر: العلوم الطبيعية والطب، ص٨٢-٨٣.
٣١  جلال محمد موسى: منهج البحث العلمي عند العرب في مجال العلوم الطبيعية والكونية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ١٩٧٢م، ص٢٠-٢١.
٣٢  د. أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية ومكانته في تاريخ العلم والحضارة، دار المعارف، ١٩٨٤م، ص٣١.
٣٣  د. محمد السويسي: المرجع السابق، ص٣٠.
٣٤  زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي، منشورات دار الآفاق الجديدة، ط٦، ١٩٨١م، بيروت، ص٩.
٣٥  نفس المرجع، ص١٣٠.
٣٦  نفس المرجع، ص٣٢٥؛ وانظر أيضًا:
Sharif (M.M): A History of Muslim Philosophy, London, 1963.
٣٧  د. محمد السويسي: المرجع السابق، ص٢٥.
٣٨  د. محمد حسيني أبو سعدة: الآثار السنوية في مذهب الغزالي في النفس الإنسانية، دار أبو حريبة للطباعة، القاهرة، ١٩٩١م، ٩-١٠.
٣٩  د. جعفر آل ياسين: المنطق السينوي، عرض ودراسة للنظرية المنطقية عند ابن سينا، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط١، ١٩٨٣م، ص٩-١٠.
٤٠  نفس المرجع، ص١٠.
٤١  د. أحمد الربيعي: محاولة تفسير اجتماعي لنشأة العلم العربي الإسلامي وتطوره، بُحيثٌ أُلقي في المؤتمر الفلسفي الثاني الذي نظَّمَته الجامعة الأردنية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٨م، ص١٩٩.
٤٢  ابن أبي أُصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، طبعة مصر، بدون تاريخ، ص٣٠٠.
٤٣  انظر قائمة كتب الكندي: ابن النديم: الفهرست، مكتبة دار المعرفة، القاهرة، بدون تاريخ، ص٣٥٨–٣٦٥.
٤٤  القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء، مكتبة المتنبي، القاهرة، بدون تاريخ، ص١٧٩-١٨٠.
٤٥  أبو علي محمد بن الحسين بن الهيثم: الشكوك على بطليموس، تحقيق د. عبد الحميد صبرة ونبيل الشهابي، مطبعة دار الكتب، ١٩٧١م، ص٣–٥.
٤٦  موفق الدين عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهَدة والحوادث المعايَنة بأرض مصر، القاهرة، مطبعة وادي النيل، ١٢٨٦ ﻫ، ص٦١–٦٦.
٤٧  انظر في ذلك د. توفيق الطويل: في تراثنا العربي الإسلامي، عالم المعرفة، عدد مارس ١٩٨٥م، الكويت، ص٢٦.
٤٨  عبد الله بن أحمد البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، طبعة بولاق، القاهرة، ١٨٧٥م، ص٤-٥.
٤٩  ج «د» برنال: موجز تاريخ العلم في التاريخ، بيروت، دار الفارابي، ١٩٨٢م، ص٧٥.
٥٠  فرانز روزنتال: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ترجمة د. أنيس فريحة، الدار العربية للكتاب، بيروت، ط٤، ١٩٨٣م، ص١٧.
٥١  د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، ص١٥٢-١٥٣.
٥٢  جابر بن حيان: كتاب الخواص الكبير، ضمن مختارات رسائل جابر بن حيان، صحَّحَها ونشرها بول كراوس، القاهرة ١٩٣٥م، ص٢٣٢.
٥٣  جابر بن حيان: كتاب السبعين، ضمن مختارات رسائل جابر التي حقَّقَها ونشرها بول كراوس، ص٤٦٤.
٥٤  جابر بن حيان: كتاب التجريد، ضمن مجموعة حقَّقها ونشرها هولميارد، طبعة القاهرة، ص١٣٧-١٣٨.
٥٥  E. J. Holmyard: Chemistry to the Time of Dalton, Oxford, 1925, pp. 17-18.
٥٦  الحسن بن الهيثم: المناظر: تحقيق د. عبد الحميد صبرة، طبعة الكويت، ١٩٨٣، ص٦٢.
٥٧  المصدر نفسه، ٦٥-٦٦.
٥٨  د. مصطفى نظيف: الحسن بن الهيثم، بحوثه وكشوفه البصرية، طبعة القاهرة، ١٩٤٢م، المجلد الأول، ص١٨٠-١٨١.
٥٩  نقلًا عن د. علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام دار المعارف، ط٤، ١٩٧٨، ص٢٧٧.
٦٠  ألدو مييلي: العلم عند العرب، ص١٣٢.
٦١  محمود أمين العالم: معارك فكرية، طبعة دار الهلال، القاهرة، بدون تاريخ، ص١١٤.
٦٢  د. أحمد الربيعي: محاولة تفسير لنشاء العلم العربي الإسلامي وتطوره، بُحيث منشور بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني الذي نظمته الجامعات الأردنية، والذي كان عنوانه الفلسفة العربية المعاصرة (مواقف ودراسات)، طبعة مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٨م، ص١٩٣.
٦٣  نفس المرجع، ص١٩٣.
٦٤  نفس المرجع، ص١٩٣.
٦٥  أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدس: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مطبعة بريل، ليدن، ١٩٦٧، ص١١.
٦٦  د. أحمد الربيعي: المرجع السابق، ص١٩٥-١٩٦.
٦٧  فرانز روزنتال: مناهج البحث العلمي عند المسلمين، ص١٩.
٦٨  د. محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة العلوم (العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط٣، ١٩٩٤م، ص٢٣٤.
٦٩  المرجع السابق، ص٢٣٤.
٧٠  المرجع السابق، ص٢٣٤.
٧١  د. راشد: مفهوم العلم كظاهرة غربية وتاريخ العلم العربي، ترجمة أحمد حسنواتي، ملحق لتاريخ الرياضيات العربية بين الجبر والحساب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٩م، ص٣٧٥.
٧٢  د. يمنى طريف الخولي: مقدمة لكتاب الرياضيات وفلسفتها عند العرب للدكتور رشدي راشد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ١٩٩٤م، القاهرة، ص٢١-٢٢.
٧٣  د. زكي نجيب محمود: المنطق الوضعي (الجزء الثاني) مكتبه الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٠م، ص١٤٨.
٧٤  د. محمد مهران وحسن عبد الحميد: في فلسفة العلوم ومناهج البحث، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٨٠م، ص١٨١.
٧٥  د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، ص١٨٩.
٧٦  د. صلاح قنصوه: فلسفة العلم، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ١٩٨١م، ص١٠٢.
٧٧  د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، ص١٥٠-١٥١.
٧٨  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي لنشأة العلم، ملحق ضمن دراسات في الإبستمولوجيا، المطبعة الفنية الحديثة، القاهرة، ١٩٩٢م، ص١٨١.
٧٩  د. عبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودَور العلماء العرب في تقدُّمه، دار المعارف، ١٩٦٦م، ص٧٩-٨٠.
٨٠  نفس المرجع، ص٨٠.
٨١  د. أحمد الربيعي: محاولة تفسير اجتماعي لنشأة العلم العربي الإسلامي وتطوره، ص١٩١.
٨٢  نفس المرجع، ص١٩٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤