الدراسة الثانية

التفكير العلمي وإشكالية التجارب الحاسمة بين التأييد والتفنيد (دراسة تحليلية–نقدية في فلسفة العلم المعاصرة)

تقديم

يرجع مفهوم «التجارب الحاسمة» إلى الأصل اللاتيني Experimentum Crucis؛ حيث Experimentum تعني «تجربة»، Crucis وتعني «حاسمة» أو فاصلة أو قاطعة، ومنهما اشتُقَّت الكلمة الإنجليزية Crucial Experiments، وتعني أنه عندما يكون لدينا فرضان أُخضِعا للاختبار عن طريق التجربة، فإن التجربة وحدها تنفي أحدَهما وتُثبِت الآخر؛ عندئذٍ يُقال إنها «تجربة حاسمة»؛ فحيثما تُوجد تجربة من هذا النوع، فذلك يُفهم منه أن «أحدًا يُمكِن له التحقق من فرضٍ نظري، وذلك بحذفٍ حاسم لكل المنافسين له؛ أي الفروض»،١ وبهذا فإن التجربة الحاسمة هي التي يمكن أن تحسم في لحظة بين عدة نظرياتٍ متنافسة، ووضع بدلًا من ذلك نظريةً لفحص وفرز نتائجَ سابقة لنظرياتٍ متنافسة، ليرى ما إذا كانت فاسدةً أو متقدمة.
ويمكن توضيح ذلك بهذا المثال الذي ذَكَره الفيلسوف الوضعي «كارل همبل Karl Hemple»؛ حيث يقول: «إذا افترضنا أن ق١، ق٢ فرضان متنافسان بخصوص موضوع معيَّن، وأنهما صَمَدا إلى حدٍّ بعيد وبقَدْرٍ متساوٍ في الاختبارات الإمبريقية لدرجة أن البيِّنة التي في متناول أيدينا لا تفصل أحدهما عن الآخر. ويمكن التوصل إلى اتخاذ قرار بشأنهما، إذا أمكن تحديد اختبار للفرضَين عن طريق التنبؤ بنتائجَ متضاربة؛ أي إذا كان بالنسبة لنوعٍ معيَّن من شروط الاختبار «ط» أنتج الفرض الأول اللزوم الاختباري القائل «إذا كان ط إذن ﻫ١» حيث ﻫ١، ﻫ٢ نتيجتان استبعاديتان بالتبادل. هنا إجراء الاختبار الحاسم من المفترض أن يدحض أحد الفرضَين ويؤيد الآخر.»٢
ويمكن تطبيق ذلك على تلك التجربة الحاسمة التي أجراها فوكولت Foucault (١٨١٩–١٨٦٨م) لاتخاذ قرار بصدد تصوُّرَين متنافسَين عن طبيعة الضوء. أحد التصوُّرَين قدَّمه العالم الهولندي «هويجينز Huyghens» (١٦٢٩–١٦٩٥م) وطوَّره فيما بعدُ كلٌّ من العالم الفرنسي «فريزنيل Fresnel» (١٧٨٨–١٨٢٧م) والطبيب الإنجليزي «يونج Yong» (١٧٧٣–١٨٢٩م) اللذَين قالا بأن الضوء يتألف من موجاتٍ عرضية منتشرة في وسطٍ أثيري، وكان التصور الثاني لطبيعة الضوء، هو تصوُّر «إسحاق نيوتن Isaac Newton» (١٦٤٢–١٧٢٧م)، القائل بأن الضوء يتألف من جزيئاتٍ صغيرة للغاية متطايرة بسرعةٍ عالية؛ فقد ترتَّب على كلا الفرضَين أنه أصبح بالإمكان استخلاص النتيجة القائلة بأن أشعة الضوء تتطابق مع قوانين الانتشار للأشعة الضوئية في خطوطٍ مستقيمة من جانب، وتتطابق أيضًا مع قوانين الانعكاس والانكسار الضوئية. ولكن التصور الموجي أدى إلى اللزوم الاختباري القائل بأن الضوء يسير في الهواء أسرعَ منه في الماء، بينما التصور الجُسيمي يؤدي إلى نتيجةٍ مضادة. وفي سنة ١٨٥٠م نجح فوكولت في إجراء تجربةٍ قارن فيها بين سرعة الضوء في الهواء مباشرة، فأنتجَت صورتَين لنقطتَين ضوئيتَين منبعثتَين بواسطة أشعة الضوء المارَّة عَبْر الهواء والماء على التوالي، ثم تُعكسان في مرآه تدور بسرعةٍ فائقة، واعتمادًا على أن سرعة الضوء في الهواء أعظم أو أقل منها في الماء تظهر صورة المصدر الضوئي الثاني؛ ولذلك أمكن أن تُوضَع بإيجاز اللزومات الاختبارية المتضاربة التي تضبطها هذه التجربة على النحو التالي: إذا أُجريَت تجربة فوكولت تظهر الصورة الأولى إلى يسار الصورة الثانية. وقد أبانت التجربة عن أن اللزوم الاختباري الأول كان صادقًا. واعتُبرَت هذه النتيجة دحضًا وعلى نطاقٍ واسع للتصور الجُسيمي للضوء، وانتصارًا حاسمًا للتصور الموجي.٣
وقد ظهَرَت فكرة التجربة الحاسمة في القرن السابع عشر، وذلك من خلال «فرنسيس بيكون Francis Bacon (١٥٦١–١٦٢٦م)» في كتابه «الأورجانون الجديد Novum Organum»؛ حيث استخدم فكرة الشواهد الحاسمة Instantiae Crucis، وهي التي تُبيِّن لنا عندما نتردَّد بين صورتَين لتفسير طبيعةٍ معيَّنة أن اتحاد إحدى هاتَين الصورتَين بهذه الطبيعة اتحادٌ ثابت غير منفَك، وأن اتحاد الأخرى متغير؛ هذه الشواهد يمكن إدراج الصورة المتغيرة منها في قائمة الغياب.٤
ومن الشواهد التي استخدمها بيكون ليُعبِّر بها عن التجربة الحاسمة هو مثال «الإشارة بالأصابع Instance of the Fingerposts» ليُعبِّر به عن مفترق الطرق؛ حيث يذكُر أن هناك نظريتَين للمد والجزر؛ النظرية الأولى تقول إن المد والجَزْر يرجع إلى حركة المياه جيئةً وذَهابًا على شواطئ الأرض. بينما النظرية الثانية تُثبِت أن المد والجَزْر يرجع إلى حركة الصعود والهبوط الدوري للمياه، وهنا يتساءل بيكون: «أيٌّ من هاتَين النظريتَين صادق وأيهما كاذب؟» وهنا يُجيب بيكون بأنه اكتشف من خلال ملاحظاته أن شخصًا ما ممن يُجيدون السباحة إذا ألقى نفسه من مكانٍ عالٍ ليسقُط على حمَّام السباحة، فإن المياه تندفع في الجزء المقابل للحمَّام، فيحدُث هبوطٌ للمياه أثناء لحظة السقوط وصعودٌ في الجزء المقابل؛ هذا من ناحية. ومن ناحيةٍ أخرى يذكُر بيكون أن أحد الباحثين اكتشَف أنه في حالة وجود فيضان على شواطئ فلوريدا هناك ارتفاع وانخفاضٌ وقتي للمياه، وفي نفس الوقت واللحظة لا يكون هناك ارتفاع وانخفاض للمياه على شواطئ إسبانيا وأفريقيا. ونفس الشيء كذلك أنه في حالة وجود فيضانٍ على شواطئ بيرو فإن هناك ارتفاعًا وانخفاضًا وقتيًّا للمياه، وفي نفس الوقت واللحظة فإن المياه على شواطئ الصين لا يكون هناك فيها ارتفاع وانخفاض للمياه. وهنا تَوصَّل بيكون إلى أن النظرية الثانية أصدقُ من النظرية الأولى؛ فقد كشفَت النظرية الثانية أن المد والجزر ظاهرتان طبيعيتان تحدُثان لمياه المحيطات والبحار بتأثير من القمر؛ فالمد هو الارتفاع الوقتي التدريجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر، والجَزْر هو انخفاضٌ وقتي تدريجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر.٥
وفي القرن الثامن عشر استخدم «نيوتن» لأول مرة لفظ Experimentum Crucis في سنة ١٦٧٢م، وذلك من خلال الخطاب الذي أرسلَه للجمعية الملكية للعلوم يُخبِرها عن اكتشافه الجديد في الضوء واللون، وهذا الاكتشاف يردُّ فيه «نيوتن» على التفسير الميكانيكي-الديكارتي للألوان، والذي يُعوِّل فيه «ديكارت Descartes (١٥٩٦–١٦٥٠م)» أن «الألوان ميكانيكية، وأن المنشور هو الذي يُحوِّل الضوء الأبيض إلى ألوان». لكن هذه النظرية في نظر «نيوتن» لم تكن كافية، بل غامضة أيضًا. وهنا قام بإجراء تجربةٍ حاسمة للكشف عما يحدُث عندما يَمُر ضوء الشمس الأبيض خلال منشور. وقد عمد نيوتن إلى عمل ثقبٍ صغير في النافذة حصل بوساطته على حزمةٍ ضيقة من ضوء الشمس، فاعترض سبيلَها بمنشور قبل أن تسقُط على ستارةٍ بيضاء أو حاجزٍ خلفه على قربٍ منه؛ فبدلًا من أن يشاهد صورةً مستديرة (كالتي يحصل عليها من آلة التصوير ذات ثقب الدبوس) للشمس على الحاجز، كما هي في الحالة من غير المنشور، رأى صورةً مستطيلة ذات لونٍ خفيف من الزرقة في قمَّتها، ولونًا خفيفًا من الحمرة في القاعدة. ولقد ألهمَتْه هذه النتيجة وقادَتْه إلى فكرة أن ضوء الشمس الأبيض يُمكِن أن يتكوَّن من أشعةٍ مختلفة الألوان؛ من الأشعة الزرقاء الأكثر قابليةً للانكسار، إلى أقلِّها قابليةً للانكسار، وهي الأشعة الحمراء. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من أن تتكوَّن الصورة المستطيلة التي على الحاجز من عدة صورٍ متداخلة للشمس لها ألوانٌ مختلفة، فلا يبقى غير أحد طرفَيها النهائيين أزرق خالصًا، كما يبقى الطرفُ الآخر أحمرَ نقيًّا، ولكن لكي يتخلص من تداخُل صور الشمس على الحاجز أدخل نيوتن على حزمة الضوء عدسةً تعمل على تجميع صورة الثقب الصغير الذي بالنافذة على الحاجز. وعند ذلك قنع برؤية حزمةٍ رأسية ذات ألوانٍ ناصعة؛ الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، والبنفسجي، مع جميع الظلال المتخلِّلة أو المتوسِّطة بين كل زوجٍ منها. وكان هذا أول جهازٍ من أجهزة المطياف أو «سبكتروسكوب»، وأول برهانٍ حاسم على الحقيقة القائلة إن الضوء الأبيض يتكون من أشعةٍ ذات ألوانٍ مختلفة وتتباين قابليتها للانكسار.٦
وفي هذه التجربة تمكَّن «نيوتن» من أن يُوجِد برهانًا حاسمًا يُثبِت أن رواية «ديكارت» حول أصل اللون محضُ كذبٍ وهُراء؛ فقد اعتمد على سؤال هو: هل أصل الضوء الأبيض صافٍ، وهل المنشور يصنع الألوان بأن يُعدِّلها كما ادَّعى ديكارت؟ اختبَر «نيوتن» هذا التوكيد بأن حفَر ثقبًا في شاشة مجيزًا لجزء الطيف الأحمر فقط من المرور من خلاله، وقد شكَّل ذلك لحظة الحقيقة؛ بمعنى إذا كان «ديكارت» محقًّا، فإن المنشور ثانيًا قد يتسبب بتعديل الضوء الأحمر، وينتج عن ذلك ألوانٌ جديدة؟ أما إذا كان «نيوتن» محقًّا فإن الضوء الأحمر يبقى كما هو ولا يتبدل؟ ولأن الضوء الأحمر مَرَّ عَبْر المنشور الثاني من دون أي تعديل، فإن اختبار «نيوتن» الحاسم بَرهَن على أن المنشور لا يُعدِّل الألوان، وأثبَتَ أن الألوان كالأحمر على سبيل المثال هو لونٌ أساسي، وأن الضوء الأبيض قد تشكَّل نتيجةَ دمجِ الألوان المختلفة لأنه يحتوي على كل ألوان قَوس قُزح. كما كان نيوتن أول مَن أثبت مِن خلال تلك التجربة الحاسمة أن الضوء الملوَّن يمكن تركيبه ليكون ضوءًا أبيض. كما أدرك نيوتن أن الأشعة الضوئية ذاتها ليست ملوَّنة، ولكن الإحساس باللون ينتج في الدماغ. باستنتاجه هذا تمكَّن نيوتن من اختراع التلسكوب العاكس ليتغلَّب على مشكلة الألوان التي تظهر في التلسكوبات المعتمدة على الضوء المُنكسِر.٧

ومن هذا المنطلق دخلَت فكرة التجربة الحاسمة أدبيات فلسفة العلم، حيث استقبلها فلاسفةُ العلم المعاصرون ما بين مؤيد ومعارض؛ فالمؤيدون ويمثلهم «التجريبيون المناطقة»، قد أكَّدوا على أهمية ودَورِ التجارب الحاسمة في تاريخ العلم، وهي لديهم نتيجة لإمبريقية المعرفة العلمية؛ لذا قد تظهر في صورة صاحبة الدور العبقري الذي يقدِّم معايير لتأييد أو تفنيد النظريات العلمية في الحال.

ومن المؤيدين أيضًا الفيلسوف النمساوي «كارل بوبر» Karl Popper (١٩٠٢–١٩٩٤م)، والذي يرى أن التجربة الحاسمة عليها عاملٌ كبير في التكذيب، وبالتالي نمو المعرفة العلمية؛ فهي ضرورية من أجل تكذيب النظريات العلمية أو تعزيزها، فالنظريات التي تم تكذيبها بتجربةٍ حاسمة، يجب نبذُها واستبدالُها بأخرى في الحال، يُطلَق عليها فرضية تكذيب؛ فالعلم لا ينمو إلا بواسطة التكذيب القائم على التجارب الحاسمة؛ وبالتالي فإن الرؤية العلمية الصحيحة في العلم، كما يرى بوبر، هي أن تتخذ النمط النقدي صوب قوانينه ونظرياته؛ أي إنه على العالم أن ينظر إلى القانون والنظرية من زاوية تقبل النقد، مما يجعل كل الاختبارات الحقيقة محاولات لتفنيدها، وإذا تجاوزت بنجاح هذه التفنيدات، فإنها تُصبِح معزَّزة عن طريق التجربة الحاسمة.٨
وأما المفنِّدون والمُعارِضون للتجارب الحاسمة وهم كُثر، فقد أداروا ظهورهم لمنطق اليقين التجريبي، واستحدثوا معاييرَ أخرى غير المعايير التي اعتادوا عليها، في ظل فيزياء نيوتن التي سيطرت على العقل العلمي، بسبب اكتشاف زيف فرض الأثير، وأنه فرضٌ ميتافيزيقي، ولا يمكن أن يُبْنى منطق التحقق المعاصر على ردود الأفعال، بل على الفهم الصحيح لمنطق العلم؛ إذ كيف أتحقق مما لا أراه. إذن في ظل التطورات العلمية المعاصرة ليس هناك تجاربُ حاسمةٌ فورية ذات واقعٍ تجريبي في تاريخ العلم، فهل عندما نادى ديراك بنظريته عن الوجود السالب (البوزيترون Positron) كان يتكلم عن الواقع التجريبي، أو بالأحرى عن عالَمِ ما وراء الخبرة، فلنقارن مثلًا بين تجربة «جاليليو Galileo» (١٥٦٤–١٦٤٢م) من فوق برج «بيزا» عن السقوط الحر للأجسام، وبين تجربة المِصعَد عند «أينشتين Einstein» (١٨٧٩–١٩٥٥م)، نجد أن الفرق شاسع؛ لأنه فرق بين عصرَين؛ عصرٍ كان يعاني من أزمةٍ قديمة، فألقى بكل ثقله على التجربة الحسية الحاسمة المباشرة، ورأى فيها القول الفصل في صدق أية قضيةٍ علمية، وعصرٍ آخر لا يرى بأسًا من الاعتماد على التجربة التخيُّلية بعد أن أفلت الواقع من مصداقية الخبرة.٩
لكل ما سبق قصدتُ إلى إنجاز بحث عن «التجارب الحاسمة بين التأييد والتفنيد»، وقد اخترنا أهم ممثلي التأييد: التجريبية المنطقية، وكارل بوبر، كما اخترنا أهم ممثلي التفنيد: العالم والفيلسوف الفرنسي «بيير دوهيم» Pierre Duhem (١٨٦١–١٩١٦م) والعالم والفيلسوف المجري «إمري لاكاتوش» Imre Lakatos (١٩٢٢–١٩٧٤م). ويمكن توضيح ذلك بشيء من التفصيل وذلك على النحو التالي:

أولًا: المؤيدون للتجارب الحاسمة

(أ) التجريبية المنطقية

تُعَد التجريبية المنطقية من أهم تيارات فلسفة العلم المعاصرة؛ فقد تسيَّدَت إلى حدٍّ ما المسرح الفلسفي في الربع الثاني من القرن العشرين. ويُمكِننا القول إنه حتى عام ١٩٦٠م كانت التجريبية المنطقية هي فلسفة العلم الأنجلو-أمريكية، وبدون منافسٍ يمثِّل خطرًا حقيقيًّا. فقد قدَّمَت المشكلاتِ الأساسيةَ التي ينبغي على فلسفة العلم أن تُعالِجها، والمناهج الملائمة لحلِّها، والأهداف التي تَرمي الوصول إليها. وكانت مبادئها من القوة والوضوح بحيثُ أثَّرَت على كل دارسٍ لفلسفة العلم.١٠
إن موقف التجريبية المنطقية المؤيد للتجارب الحاسمة يقوم على أساس عدة مفاهيمَ جوهرية، أهمها «معيار التحقيق»، وهذا المعيار الهدف منه هو وضع حدٍّ فاصل بين القضايا التي لها علاقة بالوقائع، والتي ليست لها علاقة بها؛ وبالتالي لا بد من الربط بين المعنى الواقعي للعبارات، وبين الخبرة — أي محاولة تثبيتِ حُكمٍ ما حول صحتها وكذبها عن طريق اختبارها بالملاحظة.١١
ويُعَد «مورتس شليك» Murtiz Schlick (١٨٨٢–١٩٣٦م) أوَّل من قام بصياغة هذا المبدأ صياغةً محدَّدة في عبارته المشهورة التي يقول فيها إنه حتى نفهَم قضيةً ما ينبغي أن نكون قادرين على أن نُشير بدقةٍ للحالات الفردية التي تجعل القضية صادقة، وكذلك الحالات التي تجعلها كاذبة، وهذه الحالات هي وقائع الخبرة؛ فالخبرة هي التي تقرر صدق القضايا أو كذبها؛ فالقضية تُوصف بالصدق أو الكذب عن طريق إحالتها للخبرة مباشرة، لنرى هل هناك في الواقع الخارجي واقعةٌ تشير إلى ما تقوله القضية أم لا.١٢
أما «نيراث» Neurath (١٨٨٢–١٩٤٥م) فله رأيٌ مختلف في معيار التحقيق عن رأي شليك؛ فهو يرى أن القضايا تُقارَن بقضايا مثلها، لا بالخبرة أو الوقائع، أو بأي شيءٍ آخر فالخبرة أو الوقائع أمور بلا معنى وتنتمي للميتافيزيقيا؛ وبالتالي لا بد من رفضها، والبحث عن الأصل الذي يخلو من الميتافيزيقيا؛ ومن ثَم فإنه يرى أن القضايا لا بد وأن تجيء صياغتُها متفقةً مع نوع من القضايا التي يُطلَق عليها قضايا البروتوكول Protocol Propositions، وقضية البروتوكول تحتوي على اسم علَم أو وصفٍ معيَّنٍ لشخصٍ ما يلاحظ شيئًا محدَّدًا، أو تحتوي على كلماتٍ تشير إلى فعل الملاحظة. وفي قضايا البروتوكول نشير إذن إلى أن الشخص فلان يُدرِك كذا وكذا من المعطيات في زمانٍ محدَّد تحديدًا تامًّا.١٣

والواقع أن معيار التحقُّق قد أثار جدلًا واسع النطاق؛ فقد كان قد أوقف علمية القضية على التحقَّق فعلًا، سواء عن طريق الخبرة كما قال شليك أو بمقارنة قضايا البروتوكول بقضايا مثلها كما قال نيراث، فماذا يرى بشأن قضيةٍ لا تقبل التحقُّق الآن لأسبابٍ فنية ربما قد ترجع إلى قصور أو قلة الإمكانيات أو لأسبابٍ أخرى؟

ولا شك في أن هذه هي الأزمة التي واجهَت التجريبية المنطقية بعد ظهور علم الفيزياء النظري وضرورة تطوير الموقف، فهل تغلَّبَت على الأزمة؟

الحقيقة لم تتغلب عليها تمامًا، لكن حاول كبار التجريبيين المناطقة وضع مسكِّنات لتفادي الأزمة؛ فقد نزع «أير» إلى استبدال مصطلح «مبدأ التحقيق» ﺑ «مبدأ إمكانية التحقيق»، وهو يستند إلى افتراضٍ مُسبقٍ يقرِّر «أنه بالنسبة لكل قضية ينبغي أن يكون ممكنًا، حتى إن لم يكن عمليًّا، إقرارُ ما إذا كانت القضية صادقة أو كاذبة».١٤
وقد اتفق «أير Ayer» (١٩١٠–١٩٨٩م) مع «هيوم Hume» (١٧١١–١٧٧٦م) في أنه يمكننا تصنيف القضايا التي لدينا إلى مقولتَين أساسيتَين؛ الأولى تنطوي على القضايا التي لها معنًى، وتشمل القضايا القبلية مثل قضايا الرياضيات والمنطق، التي لا يتوقف صدقُها على إجراء تحقيقٍ تجريبي؛ لأنها لا تتعلق بعالم الخبرة ولا تقدِّم أخبارًا عنها؛ ومن ثَم فإنها صادقةٌ صدقًا مطلقًا. والثانية تتضمَّن القضايا التجريبية التي تتصل بالواقع التجريبي، ويتوقف صدقها بالتالي على عالم الخبرة. والقضايا التي لا تندرج تحت أيٍّ من المقولتَين وتتسم بكونها قضايا ميتافيزيقية فارغة من المعنى.١٥
ويقدِّم لنا «أير» تمييزًا بين نوعَين من التحقيق في إطار تصنيفه للقضايا إلى قبلية وتجريبية، حيث يميِّز بين التحقيق بمعناه القوي والتحقيق بمعناه الضعيف. التحقيق بمعناه القوي تُوصف به القضية إذا كان من الممكن إثباتُ صدقها إثباتًا حاسمًا. وهذا المعنى للتحقيق تتمتَّع به القضايا القبلية؛ أي قضايا المنطق والرياضيات والقضايا الأولية، وهي القضايا الوجدانية والقضايا التي تُعبِّر عن الإحساسات والانفعالات الشخصية، ويكون تحقيقها بالرجوع إلى الوقائع مباشرةً من حيث تمثُّل الخبرة الراهنة. أما القضية التي تتصف بأنها ممكنة التحقيق بالمعنى الضعيف؛ فهي تلك التي إذا كان من الممكن للخبرة أن تجعل لتلك القضية صدقًا احتماليًّا، بمعنى الميل للتصديق، وهذا المعنى ينسحب على قضايا العلوم التجريبية مثل الفيزياء.١٦
وأما كارناب (١٨٩١–١٩٧٠م) فقد استعاض عن مبدأ إمكانية التحقيق بمبدأ القابلية للتأييد أو الاختبار Confirmability or Testability؛ حيث ميَّز كارناب بين نوعَين من القضايا القابلة للتأييد بواسطة الملاحظات؛ أما النوع الأول فيتمثل في القضايا القابلة للتأييد والاختبار مباشرة. وأما النوع الثاني فيتمثل في القضايا القابلة للتأييد والاختبار بصورة غير مباشرة. بالنسبة للنوع الأول، ويتمثَّل عندما تكون الظروف متاحةً بحيث تجعلنا بكل سهولة نقول إنها مؤيِّدة أو غير مؤيِّدة بناءً على عددٍ قليل من الملاحظات التي تفصل الموافقة أو الرفض؛ فعندما أقول مثلًا: «هناك مفتاحٌ في دُرج مكتبي.» هنا لكي تكون العبارة مؤيدة، أن تتوافر الشروط اللازمة للاختبار، أن أقف قريبًا من درج المكتب، أن تكون الإضاءة متوافرة بحيث تتيح الفرصة للرؤية. أما شرط التوافُق فهو أن أرى بنفسي المفتاح في دُرج مكتبي. النوع الثاني يكمن في اختبار وتأييد قضايا مُستنتَجة من القضايا الكلية موضع التساؤل، ولمَّا كانت القوانين العلمية قضايا كلية، كان من الممكن أن تؤيد بدرجةٍ أعلى أو أقل في ذلك من خلال توافُق القضايا المشتقة من هذه القوانين؛ ومن ثَم يمكن قبولها.١٧
إن فهم القضية العامة أو القانون العلمي يتطلَّب في واقع الأمر أن لدينا القدرة على أن نشير إلى الحالات الجزئية التي تجعل هذه القضايا صادقة، وكذلك الحالات التي تجعلها كاذبة، وهذا لا يكون إلا من خلال وقائع الخبرة؛ فالخبرة هي التي تُقرِّر صدق القضايا وكذبها،١٨ وفيما يتعلق بصدق القضايا وكذبها، فقد حَرصَ كارناب على أن يميِّز بين الصادق والمؤيد، والصادق هو الذي يُستخدم دون تقيد بالتحديد الزمني، في حين أن المؤيد يستند إلى عنصر الزمن؛ فعندما يقول شخصٌ ما إن هذه العبارة أو تلك مؤيدةٌ بدرجة أعلى، وذلك عن طريق الملاحظات، فإنه من الضروري أن نُضيف إلى هذه العبارة «في هذا الوقت أو ذاك».١٩
وهنا يُحاوِل كارناب أن يُبرِز فكرة أن الخبرة أساسٌ قوي للاختبار في تأييد القانون العلمي، كما أنه ليس هناك اختلافٌ نوعي بين القضايا الكلية والقضايا الجزئية، بل كل ما هنالك اختلافٌ في الدرجة وحَسْب، فإذا أخذنا القضية «هذا المعدن يتمدَّد بالحرارة»، فإنه يمكننا التثبُّت منه بواسطة بعض الملاحظات. أما في حالة القضية العامة الكلية «كل المعادن تتمدَّد بالحرارة»، فإننا نختبر القضايا التي نشتقُّها منها على أساس أن القانون العلمي أو العبارة العامة تقدِّم استنتاجات أو تنبُّؤات. ولمَّا كان عدد هذه التنبؤات أو الحالات التي يمكن اشتقاقُها منه هو عددٌ غير محدود ولا نهائي؛ لذلك لا يمكن التحقُّق منه بصورةٍ تامة وقاطعة. ومن الناحية العملية لن نستطيع الوصول إلى يقينٍ كافٍ بعد إجراء عددٍ قليل من التجارب؛ ومن ثَم يمكننا أن نقف بعملية التجريب عند بعض الأمثلة الإيجابية، فليس هنالك تحققٌ كامل وتام، بل كل ما هنالك هو تأييدٌ متزايد وباستمرار.٢٠

ومن جهةٍ أخرى فقد حاول كارناب ربط الفهم الوظيفي للقانون من وصف وتفسير وتنبؤ بالقابلية للتأييد للقانون موضع التساؤل؛ فعندما حاول وضع الطريقة التي يتأيد بها القانون في ضوء البيِّنة المتوفرة لدينا، كان في واقع الأمر، لا يريد سوى تحديد أو معرفة الأسس التي يمكن الاعتماد عليها للتنبؤ بوقوع أحداثٍ مستقبلية أو أحداثٍ لم يتم معاينتُها بعدُ؛ الأمر الذي يجعل القانون العلمي يقوم بمهامه.

ننتقل إلى نقطةٍ أخرى وهي: كيف يمكن التحقق من النظرية في ضوء ملاحظات التجربة؟

كانت البداية التي انطلق منها كارناب بشأن التأييد أو عدم التأييد هو أن «العلم يبدأ بملاحظاتٍ مباشرة لوقائعَ مفردة، ولا شيء آخر يمكن ملاحظته. بالتأكيد لا يمكن ملاحظة الانتظام بشكلٍ مباشر، وإنما يتم اكتشاف الانتظامات عندما نقوم بمقارنة العديد من الملاحظات الواحدة بالأخرى. يتم التعبير عن مثل هذه الانتظامات بقضايا تُسمَّى «قوانين»؛٢١ ومجموع القوانين يشكِّل النظرية، والنظرية بحسب مفهوم كارناب لها تتألف من حسابٍ مجرَّد مقترن بتأويلٍ تجريبي»؛٢٢ أي تتألف من قوانينَ نظرية وقواعدَ للتطابق مهمتُها «ربط النظريات بالوقائع أو معطيات الملاحظة».٢٣ وعندئذٍ تكون «النظريات أنساقًا ذاتَ محتوًى تجريبي»،٢٤ مما يجعل أمر اختبارها سهلًا يسيرًا، وذلك عن طريق الملاحظات والوقائع التجريبية.٢٥
وإذا كانت هذه القاعدة عند كارناب تجعل اشتقاقات النظرية قابلةً للاختبار تجريبيًّا من خلال ربطها بأقوال الملاحظة والتجربة، فإن أيَّ اشتقاقٍ منها لا يكون، في واقع الأمر، ذا أهميةٍ ما لم يكن قابلًا للاختبار التجريبي ولو مبدئيًّا؛ وبالتالي فإن أيَّ نظرية لا تكون مثمرة لتنبؤاتٍ أو استنتاجاتٍ أو اشتقاقاتٍ غير قابلةٍ بدَورها للاختبار لا تقبل التأييد أو عدم التأييد تجريبيًّا.٢٦ وبعبارةٍ أخرى تتلقى النظريات التأييد عندما تمتلك الإمكانية في أن تُنتج تنبؤاتٍ أو نتائجَ دقيقة. والتنبؤ يشير دائمًا إلى حادثةٍ ممكنة. لكن لكي يكون هذا التنبؤ سليمًا بغض النظر عن كونه صادقًا أو كاذبًا فينبغي أن يكون محسوبًا بدقة.
في هذا الضوء يكون هذا التنبؤ كافيًا للعالم أو لفيلسوف العلم لأن يقول بصدده: إنه — أي التنبؤ — ممكنٌ استنباطه. وهنا يظهر دور الملاحظات والتجربة في تأييد النظرية أو فشلها. هذا معناه أنه في ضوء التجربة يمكن مواجهة التنبؤات الخاصة بالنظرية بحالات الملاحظة … فإذا نجحَت التنبؤات هذه كانت النظرية مبرَّرة، وإذا كذبَت كانت مفنَّدة أو كاذبة أو غير مبرَّرة؛ أي إن اختبارات الملاحظة للنظرية العلمية موضع التساؤل تمدنا بإشارة نعم أو لا لتنبؤاتها — أي تنبؤات النظرية.٢٧ لكن نتساءل: كيف يمكن لنا أن نختبر نظريةً علمية في ضوء فلسفة كارناب؟
لا بد أن يكون لدينا نظريةٌ قابلة للاختبار التجريبي.
  • أن نستخدم المنهج الفرضي الاستنباطي؛ حيث يتم اشتقاق نتائج النظرية أو تنبؤاتها.

  • إعداد إجراءٍ تجريبي أو الملاحظات الخاصة بهذه النظرية، وذلك لتأييدها أو رفضها.

وبعد التوصُّل إلى تأييد النتائج التجريبية المُستنبَطة منها يمكن للشخص الحكم على النظرية وصحتها، كما يمكنه أيضًا معرفة أن حالات التأييد الكثيرة والمتنوعة لا شك في أنها ترفع من قبول النظريات، والعكس صحيح.

وينتهي كارناب إلى القول بأن التطور العلمي إنما يتم عن طريق «تأييد» المشاهَدَة المستقاة من التجربة للنظرية المقترحة من العقل، وكلما ظهَرَت نتائجُ جديدة لتجاربَ مختلفة حول نظريةٍ ما تأيدَت صدقيةُ هذه النظرية؛ وعلى ذلك فالتقدم إنما يتم بتراكُم المعرفة شيئًا فشئيًا؛ الأمر الذي يُستشهد فيه عادةً بمقولة إسحاق نيوتن الشهيرة: «إنني لم أستطع أن أرى أبعدَ من الآخرين إلا عندما صعدتُ على أكتاف من سبقوني.» ورغم الجهد الذي بذله كارناب في تنقيح وتعديل «التجريبية المنطقية» لإنقاذها من النقد الشديد الذي وُجِّه إليها، إلا أنها لم تستطع أن تحافظ على بريقها القديم، فنشأَت بعدها تياراتٌ فلسفية أخرى، كان من أشدها عليها المنهج التكذيبي الذي تبنَّاه كارل بوبر.

وخاتمة القول فإن التجريبية المنطقية برغم اختلاف أصحابها حول معيار التحقيق، إلا أنهم أجمعوا جميعًا على ضرورة الأخذ بالتجربة الحاسمة للمفاضلة بين النظريات، وذلك لأنها بالنسبة لهم تمثِّل نتيجةً لإمبريقية المعرفة العلمية؛ لذا قد تظهر في صورة صاحبة الدَّور العبقري الذي يقدِّم معايير لتأييد أو تفنيد النظريات العلمية في الحال.

(ب) كارل بوبر

يُعَد بوبر واحدًا من أهم فلاسفة العلم المعاصرين؛ فقد أثَّرَت مؤلَّفاته على غالبية الدارسين للفلسفة وما زالت تؤثِّر عليهم حتى اليوم. ومن المعروف أن بوبر كان من أوائل الفلاسفة الذين انتقدوا حركة التجريبية المنطقية منذ بدايتها، واتسمَت انتقاداتُه بالقوة والتأثير إلى درجة أنها مهَّدَت في نهاية الأمر إلى ثورةٍ شاملة على التجريبية المنطقية. ولم يكتفِ بوبر بنقد هذه الحركة، بل قدَّم نظريةً جديدة عن العلم تتفادى الصعوبات التي واجهَتْها؛ ولذا شكَّلَت نظريتُه المنافس الرئيسي لحركة التجريبية المنطقية، كما أنها المدرسة — إن جاز هذا التعبير — التي تخرَّج فيها معظم فلاسفة العلم المعاصرين.٢٨
إن مفهوم بوبر للتجارب الحاسمة يقوم على أساس مبدأ التكذيب، وليس مبدأ التحقيق والتأييد؛ بمعنى أنه إذا كان دَور التجربة أو الخبرة عند التجريبيين المناطقة قائمًا على فكرة أن العلم يبدأ بمشاهدات أو ملاحظات ويشتق عنها قوانينه ونظرياته بطريقةٍ استقرائية، وأن دَورها — بالإضافة إلى ذلك — يؤيد القوانين والنظريات، فإن بوبر يرى أن منهج العلم عكسُ ذلك؛ فهو قائم على التخمينات والمحاولات المتكرِّرة بوصفها صيغةً ﻟ «منهج المحاولة واستبعاد الخطأ» Method of Trial and Error؛ ومن ثم فإن نمو المعرفة يتقدم ابتداءً من حذف الخطأ Elimination of Error، ويمكن الإشارة إلى هذه العملية بصيغة بوبر الآتية:
P1───TT───EE───P2
حيث نبدأ بمشكلةٍ ما، ونصوغ حلًّا مؤقتًا، أو نظريةً مؤقتة، ثم نُعرِّضها بعد ذلك لكل الاختبارات الشاقة الممكنة في إطار عملية حذف الخطأ الذي يقودنا لصياغة مشكلاتٍ جديدة، وهذه المشكلات تنشأ من نشاطنا الخاص المبدع،٢٩ يقول بوبر: «يستند التقدم في العلم أو في الكشف العلمي إلى الاستخدام الثوري لعملية المحاولة النقدية وحذف الخطأ، التي تتضمن بدورها البحث عن اختباراتٍ تجريبية عديدة أو محاولاتٍ ممكنة لضعف النظريات العلمية أو تفنيدها.»٣٠
والموقف الذي اتخذه بوبر هنا من العلم قائمٌ على أن هناك سمةً أساسية في ضوئها تميِّز بين ما هو علميٌّ وما هو غيرُ علمي. هذه السمة هي «القابلية للتكذيب Falsifiability»؛ حيث إن ما يشغل خيالنا بل ويشُده فيما يرى بوبر هو تفنيد نظريته المبكرة؛ عندئذٍ يكتسب العلم دلالته، وخصوصًا عندما يكون واحدًا من المغامرات الفكرية التي يسعى إلى ممارستها الإنسان. وبوبر هنا يرى أن مبدأ القابلية للتكذيب يُقرِّر ما إذا كانت النظرية تعطينا محتوًى إخباريًّا أم لا، وذلك في ضوء حُججٍ تجريبية وملاحظات … فمهمَّة العلماء هي أن يُحكِموا النظريات في ضوء اختباراتٍ قاسية.٣١
إذا ما تَم لنا اختبارُ النظريات، فإننا نقبل النظريةَ الأكثر قابليةً للتكذيب، والأكثر قابليةً للاختبار، والأكثر في المحتوى (سواء المحتوى التجريبي أو المحتوى المنطقي). وعندما نتعرَّض للعلاقة بين القابلية للتكذيب وبين المحتوى المعرفي للقوانين والنظريات، نجدها علاقةً وطيدة؛ إذ إن المستهدف من وراء ذلك هو محاولة تكذيب أو تفنيد المحتوى المعرفي لأي قانون أو نظرية. والواقع أن سبب هذه العلاقة القوية بينهما هو أن التحليل الدقيق لنظرية القابلية للتكذيب يُظهِر لنا أنه من الضروري أن نبحث عن النظريات الأكثر في محتواها المعرفي، النظريات الجسورة أو الجريئة، متذكِّرين دائمًا أن النظرية الأفضل هي التي تُخبِرنا أكثر، أو ذات محتوًى معرفي أكثر؛ وهي بالتالي الأكثر قابليةً للتكذيب. في ضوء هذه العلاقة، يمكننا تفضيل نظرية أينشتين — مثلًا — عن نظرية نيوتن. والسبب هو أن دلالة النظرية الأولى — النسبية — فيما يرى بوبر دائمًا ما تظهر في اعتمادها على السياقات الأكثر شمولًا.٣٢
والمحتوى المعرفي يتضمَّن الحديث عن المحتوى التجريبي Empirical Content والمحتوى المنطقي Logical Content. والمحتوى التجريبي يُعوِّل على أن النظرية التي تُخبِرنا بالكثير عن الوقائع المشاهَدة هي التي تمنع الكثير أيضًا من الوقائع وتُحرم حدوثها، بحيث إذا صدقَت من هذه الوقائع المحرَّمة والمُناهِضة للنظرية تَم تكذيب النظرية على الفور. ولا يعني ذلك أن «بوبر» يطالبنا بأن نتفرغ لتكذيب كل النظريات العلمية القائمة، وإنما يطالبنا بالبحث الدءوب عن الأمثلة السالبة للنظرية القائمة. ونجد عند «كارناب» قضايا من نفس النوع وإن اختلفَت مشاربه عن «بوبر»؛ حيث يذكُر «كارناب» أن القوة الحقيقية للقضية تتمثَّل في استبعادها بعضَ الحالات الممكنة. ويؤكد «بوبر» قائلًا: إن ما يشير إليه «كارناب»، بالحالات الممكنة يعني طبقًا لتَصَوُّره عن العلم نظرياتٍ أو فروضًا ذات درجةٍ عالية أو ذات درجةٍ منخفضة من العمومية.٣٣
وإذا كان المحتوى التجريبي هو فئة المكذِّبات المُحتمَلة التي تجعل النظرية قابلة للتكذيب، فإن محتواها المنطقي هو فئة النتائج التي يمكن أن تُستنتَج من القضية العلمية سواء كانت قانونًا أو نظرية. في ضوء ذلك، فإن ما يميِّز هذه النظريةَ عن تلك أو هذا القانونَ عن ذاك إنما هو القابلية للاشتقاق، بحيث نتأكَّد أنه كلما أمكن اشتقاقُ أكبر عددٍ من القضايا منها كانت أكثر قابليةً للتكذيب، وكانت بالتالي النظرية علميةً أكثر من غيرها.٣٤

والسؤال الآن: ماذا نفعل إذا وجدنا أنفسنا بمواجهةِ أكثر من نظرية تتوافر فيها شروط القابلية للتكذيب، القابلية للاختبار والمحتوى المعرفي؟ كيف نُفاضِل بين النظريات ونختار؟

يذهب بوبر إلى أننا نختار من بين النظريات المتكافئة أو المتنافسة، تلك التي تُقدِّم حلولًا عدة لمشكلةٍ واحدة، نختار أكثرها قابليةً للتعزيز، ويتسنَّى لنا هذا باختبار النظرية في المواضع التي تتعارض فيها مع بقية النظريات المُتنافِسة، ونسترسل في إجراء الاختبارات بين هذه النظريات حتى نضَع أيدينا على أكثرها موجبةً في التعزيز Corroboration.٣٥
ودرجات التعزيز عند بوبر هي تقريرٌ مُوجز لبيان حالة البحث النقدي لنظريةٍ ما في زمنٍ معيَّن، في ضوء طريقة النظرية في حل المشكلات، ودرجة قابليتها للاختبار، وصرامة الاختبارات التي تَمُر بها النظرية وطريقتها في مواجهة تلك الاختبارات.٣٦
لكن التعزيز هو فقط بالنسبة للقضايا المُختبَرة، هي مرةً أخرى، اختبارية، وموضع بحث دائمًا وما أن تنتهيَ عملية اختبار القوانين أو النظريات إلا ونجد نتيجتَين مختلفتَين. هاتان النتيجتان من المحتمَل وقوعُهما، لكن ليس معًا، وهما أن تكون النظرية كاذبةً أو مُعزِّزة؛ فالأولى تحدُث عندما تَناقَض التنبؤات المُستنبَطة مع الواقع التجريبي أو العبارات الأساسية. أما إذا تعرَّضَت النظرية أو القانون إلى اختبار القابلية للتكذيب واستنبطنا منها تنبؤاتٍ جديدة، وكانت هذه الأخيرة متوافقةً مع الواقع؛ أي مع العبارات الأساسية، فقد تَم تعزيز النظرية أو القانون والتعزيز هنا يعني أن القانون خضع لاختبارٍ قاسٍ، وقد اجتازه.٣٧
ويرى بوبر أن النظرية التي تجتاز هذه الاختبارات القاسية يُمكِن القول بأنه تَم تعزيزها. لكن التعزيز لا يُثبِت صدق النظرية، بل يعني فحَسْب قبولَها بصورةٍ مؤقتة ثم القيام بمحاولاتٍ أخرى لنقدها وتكذيبها. وعلى هذا لا يُوجَد شيءٌ يقيني في العلم؛ إذ إن كل النظريات تقبل المراجعةَ المستمرة. لكن الفكرة الأساسية التي تكمُن وراء التعزيز هي أن النظرية الجديدة لا بد أن تتجاوز نطاق النظريات القديمة وتتنبأ بوقائعَ جديدة، أو أن الاكتشافات الجديدة تؤيِّد النظرية الجديدة في حين تُكذِّب وتُفنِّد النظرية القديمة؛ ولذا يستشهد بوبر ببعض الاكتشافات، مثل اكتشاف كوكب نبتون Neptune أو الموجات الكهرومغناطيسية Electromagnetic، ثم يقول: كل هذه الاكتشافات تمثِّل تعزيزاتٍ أدَّت إليها الاختباراتُ القاسية؛ أي تنبُّؤات كانت غيرَ محتملة في ضوء معرفتنا السابقة؛ أي تلك المعرفة السابقة على النظرية التي تم اختبارُها وتعزيزُها.٣٨
ويُطوِّر بوبر تلك الفكرة من خلال فكرة التجارب الحاسمة التي نستخدمها عندما نُقارِن بين نظريتَين علميتَين متنافستَين؛ فهو يُلاحِظ أن بعض النظريات العلمية لم يتمَّ تفنيدُها قبل ابتكار النظرية الجديدة؛ فلم يتم تفنيد نظرية كبلر أو جاليليو قبل ظهور نظرية نيوتن، ولم يتم تفنيد نظرية بطليموس قبل ظهور نظرية كوبرنيقوس؛ وبناءً على هذا يقول بوبر: «في حالاتٍ مماثلة لهذه تُصبِح التجارب الحاسمة مهمةً على نحوٍ قاطع أو فاصل؛ فليس ثمَّة ما يدعونا لاعتبار النظرية الجديدة أفضلَ من النظرية القديمة … حتى نشتَق من النظرية الجديدة تنبؤاتٍ جديدة لم يكن من الممكن الوصول إليها عن طريق النظرية القديمة … وهذا النجاح وحدَه هو الذي يُبيِّن أن النظرية الجديدة لها لزوميَّاتٌ صادقة؛ أي محتوًى صادق، في حين أن النظريات القديمة لها لزوميَّاتٌ كاذبة؛ أي محتوًى كاذب.»٣٩
ونستطيع انطلاقًا من مفهوم التعزيز والتجارب الحاسمة، أن نُعيد بناء تصور بوبر لتقدُّم العلم. فيبدو أننا نستطيع أن نميِّز بين حالتَين يمكن أن تُظهِرا النظرية الجديدة أو على وجهٍ أدقَّ تحدُث بهما الثورات العلمية. ونبدأ في الحالة الأولى من نظريةٍ واحدة، ثم نُخضِعها للاختبارات التجريبية، ونُحاوِل نقدَها ورفضَها في نهاية الأمر. ويُرغِم التفنيد التجريبي العلماءَ على أن يبحثوا عن نظريةٍ أخرى أفضل. ونبدأ في الحالة الثانية من فرضَين — متنافسين أو أكثر — موجودَين في ذات الوقت؛ أي في فترةٍ زمنية قصيرة جدًّا. وأثناء سياق النقاش النقدي الذي ينتج عن ذلك مباشرة، يتصوَّر العلماء تجربةً تقوم بتفنيد أحد الفرضَين المقترَحَين. وهذه التجربة، كما يقول بوبر، هي التجربة الحاسمة.٤٠
وهنا على العالِم أن يُجريَ تجاربَ حاسمة تساعد على تكذيب واستبعاد بعض هذه النظريات. على أننا قد نجد أنفسنا في مواجهة نظرياتٍ متكافئة؛ بمعنى أنها تقدِّم حلولًا لبعض المشكلات الفرعية لمشكلةٍ أساسية واحدة، بحيث لا تشارك كل نظريةٍ النظرية الأخرى في هذه الحلول الفرعية. وهنا يقترح علينا بوبر بأن نختار النظرية التي تتميز بأنها تحلُّ المشكلة الأساسية، وتعطي أكبر قدْرٍ ممكن من حلول المشكلات الفرعية، والتي تفشل بقية النظريات المُنافِسة في تقديم حلولٍ مماثلة لها.٤١
ووصولنا إلى هذه النظرية لا يعني نهاية المطاف؛ فالبحث النقدي لا يتوقف، وإنما على الباحث أن يُخضِع النظرية في أي وقت لاختباراتٍ جديدة، وكلَّما تخطَّت النظرية من هذا النوع ظلَّت هي الأعظم في المحتوى المعرفي، ومن حيث قوة تفسير، وأبقينا عليها مؤقتًا؛ فهي أفضل ما لدينا من نظريات حتى الآن.٤٢

ومن ناحيةٍ أخرى فلم تعُد التجربة الحاسمة بمثابة تأييد لأحد الفروض كما كان مُتَّبعًا، وإنما أصبحَت التجارب بمثابة اختباراتٍ للنظريات القائمة ومحاولاتٍ من جانبنا للبحث عن الخطأ في النظريات، ومن ثَم استبعادها. وإذا كان «التجريبيون المناطقة» قد اعتقدوا أنه يمكن الأخذ بالتجربة الحاسمة وذلك عن طريق التحقُّق من صدقها، فإنها عند بوبر يُؤخَذ بها لكونها ترفُض النظرية بتكذيبها.

لكن ألَا تؤدي التجربة أي دَورٍ إيجابي للنظرية؟ إن هذا الدور الإيجابي يتمثَّل في نجاح النظرية وفشل التجربة؛ بمعنى أنه إذا لم تنجح التجربة في رفض نظريةٍ معيَّنة، فإن النجاح يكون من حظ النظرية، وعندها نقول إن النظرية أصبَحَت مُعزَّزة عن طريق التجارب. وكلما تخطَّت النظرية تجاربَ جديدةً زادت درجة تعزيزها. ودَور التجربة هنا وثيقُ الصلة بتصوُّر بوبر للمعرفة؛ فكلما نجَحَت تجربةٌ واستبعَدنا نظريةً كان علينا أن نبحث عن نظريةٍ بديلة أكثر سعةً وشمولًا طبقًا للمنهج البوبري.٤٣
إننا نستطيع أخيرًا أن نعترض على فكرة التجارب الحاسمة على أساسِ أن تلك الفكرة تفترض ثباتَ معنى الحدود العلمية المتعاقبة. لكن إذا كانت تلك الحدود نظريةً فما الذي يضمن لنا أن تقرير ملاحظة لإحدى التجارب الحاسمة سيُمكِّننا بالفعل من الفصل بين النظريتَين؟ فلو سلَّمنا بأن الحدود تتغير معانيها تبعًا لتغيُّر النظريات العلمية، فسينتُج عن ذلك أن عبارات الملاحظات المستخدَمة في التجارب الحاسمة لا تستطيع أن تعزِّز نظرية أو أن تكذِّب أخرى.٤٤
إننا نعتقد مع بعض الباحثين أن فكرة التعزيز لا تتجاوز كثيرًا فكرة التأييد عند كارناب؛ ذلك لأن كلتا الفكرتَين تقوم على أساس تحليل النظريات العلمية في إطار النسق الفرضي-الاستنباطي؛ فالتأييد يقوم على أساس أن النظرية تستلزم تنبؤات أو عبارات ملاحظة. وإذا كان التنبؤ كاذبًا، فإن النظرية تُكذَّب، أما إذا كانت هناك تنبؤاتٌ عديدة صادقة، فإن النظرية يتم تأييدها.٤٥ يقول هيلاري بوتنام: «ورغم كل الهجوم الذي شنَّه بوبر على المذهب الاستقرائي، فالشكل الذي يُقدِّمه لا يختلف اختلافًا كبيرًا. وآية هذا أن النظرية تستلزم تنبؤات؛ أي عباراتٍ أساسية. وإذا كان التنبؤ كاذبًا فإن النظرية تُكذَّب. أما إذا كانت هناك تنبؤاتٌ عديدة صادقة بدرجةٍ كافية، مع استيفاء شروطٍ إضافية معيَّنة، فإن النظرية يتم تعزيزها بدرجةٍ كبيرة.»٤٦

ثانيًا: المفنِّدون للتجارب الحاسمة

(أ) بيير دوهيم

شَهِد القرن العشرون في فلسفة العلم ظهور مجموعة من الفلاسفة والعلماء أُطلِق عليهم دعاةُ المذهب «الأداتي-الاصطلاحي»؛ فقد نظروا إلى القوانين والنظريات والأنساق العلمية بوصفها أدواتٍ أو اصطلاحاتٍ للربط بين الظواهر والتنبؤ بها والسيطرة عليها، تُوصف بالصلاحية أو عدم الصلاحية، وليست تعميماتٍ استقرائية أو قضايا إخبارية ذات محتوًى معرفي عن العالم التجريبي لتُوصَف بالصدق أو الكذب، فتُقاس قيمة النظرية العلمية بقُدرتها على أداء وظائف العلم، وليس بقُدرتها على التعبير عن الواقع بصدق.٤٧
بمعنى أن القوانين العلمية والنظريات والأنساق العلمية ليست صورةً عقلية طبق الأصل من الطبيعة، بل الأمر في مُجمله أشبه بصيادٍ رمى بشبكة في بقعةٍ ما من البحر يريد صيدًا، فهل ما تخرج به الشبكة يعبِّر عن حقيقة ما يُوجَد في أعماق البحر، أم أن ذلك يتوقف على المكان الذي اختاره الصياد للصيد ونوع الشباك واتساع فتحاتها وغير ذلك، ولو تغير أحد هذه الأشياء لتغير لذلك الصيد كمًّا وكيفًا؟ وهكذا فمفاهيم وقوانين العلم عندهم كشبكة الصياد؛ أي اصطلاحات مُتعارَف على معانيها بين العلماء. إنها مجرَّد وسائلَ مفيدةٍ لفهم الطبيعة، فإذا صادفنا ما هو أفضل منها «وظيفيًّا» بادرنا بالتخلُّص منها كأي شيءٍ استهلاكي عادي. بيد أن هذا لا يعني أن قوانين الطبيعة هي قراراتٌ عشوائية يتفق عليها العلماء اليوم ليختلفوا غدًا، بل لها بالتأكيد مضمون واقعي.٤٨
كما أصَر الأداتيون-الاصطلاحيون على أنه لا يمكن اعتبار القانون العلمي مشتقًّا من الاختبارات التجريبية؛ لأن القانون عام والتجربة جزئية، والقانون محدَّد بدقة والتجربة تقريبيةٌ تحتوي على كثيرٍ من التعقيدات يستبعدها القانون، والتجربة منتهية والقانون قابل دائمًا للتطور والتقدم، فكيف تكون النظرية العلمية نتاجًا للواقع التجريبي؟! إنها نتاج العقلية العلمية المبدعة، وتكشف عن عملياتٍ منطقية أكثر مما تكشف عن وقائعَ تجريبية؛ فقد تتكيَّف النظرية وفقًا لمقتضيات التجربة التي لا تمثِّل أكثر من مرشد؛ فدورها استشاري فقط لتحديد أنسب الفروض العلمية والأكثر ملاءمة؛ أي الأدق في التنبؤ والأوسع في العمومية، من دون الزعم أن القانون حقيقةٌ متمثلة في الواقع التجريبي.٤٩
وقد جاء بيير دوهيم ليسحب التفسير الأداتي-الاصطلاحي على العلم بأَسْره، وذلك في كتابه «هدف وبنية النظرية الفيزيائية»، رأى أن النظرية العلمية تُمِدُّنا بنظامٍ صوري عام لضم عددٍ كبير من القوانين الجزئية، وهي بهذا بنية من كياناتٍ مجرَّدة، ليست وصفًا ولا تفسيرًا لوقائع العالم التجريبي، بل هي مجرَّد أدواتٍ اصطلحنا عليها للتنبؤ، صيغَت لتكونَ أكفأ وتنبؤاتها أدق. كل ما يبدو وصفًا هو مجرَّد تعيينٍ لعلاقاتٍ تجعل التنبؤ أسهل وأدق. أما التفسير فليس له قيمة ولا دَور، مهمة العلم تنحصر في تحديد العلاقات بين الظواهر.٥٠
كما يعتقد دوهيم، إضافةً لما سبق، أن الفكرة الاصطلاحية في العلم قد أتت من تحليله لاستحالة التأييد العلمي. وهذا بالطبع، هو ما جعلَه يفكِّر في كون هذا الفرض صادقًا أو كاذبًا. والسبب هو أن العالم منشغل — وبحرية — في أن يغيِّر أيَّ الفروض الماثلة في مقدِّمات النظرية. وهنا يأتي اصطلاحُ الفرض؛ أي إن عملية الصدق والكذب ليست واردة هنا.٥١ وبناءً عليه فإن دوهيم قال إن التجربة الحاسمة تبدو مستحيلةً في الفيزياء.
A “Crucial Experiment” is Impossible in Physics.٥٢
وقد برهن على ذلك من خلال عدة توجهات:
  • التوجُّه الأول: ويتمثَّل في التحفُّظات الخاصة بالتجربة الحاسمة التي أجراها فوكولت عام ١٨٥٠م، والتي حسَم بها النظريتَين الجُسيمية والموجية؛ حيث تبيَّن له أن سرعة الضوء أقلُّ سرعةً في الماء عنها في الهواء؛ ومن ثَم تأيَّدَت النظرية الموجية وأُهملَت الجُسمية. لم تكن تجربةً حاسمة بالمعنى الدقيق، وإنما كانت إجراءً فوريًّا. وهذا الإجراء لم يثبُت على طول الخط؛ فقد جاء العالم الألماني «ماكس بلانك Max Plank» (١٨٥٨–١٩٤٧م) ليُعلِن أن النظرية الجُسيمية للضوء لم تكن بالنظرية الفاشلة في تاريخ العلم؛ فلقد أثبَت بلانك أن الضوء يتألَّف من جُسيماتٍ هي الفوتونات، وهذه الفوتونات تتكون من طبيعةٍ جُسيمية لا موجية. لقد اكتشف بلانك أن الفوتون يسافر عَبْر الخلاء في خطوطٍ مستقيمة. استدل على ذلك بتجربةٍ بسيطة؛ حين يَمُر إشعاع في غازٍ ما فإن عددًا قليلًا من جُزيئات هذا الغاز تتبعثَر، بينما لا يتأثَّر عددٌ كبير من الجُزيئات بمرور الإشعاع، فإذا كان الإشعاع مؤلفًا من موجاتٍ تسير عَبْر الأثير كنا نرى كل جزيئات الغاز تبعثَرَت؛ ومن ثَم أيَّد بلانك نظريةَ نيوتن في النظرية الجُسيمية في الضوء. وكان «أينشتين» متابعًا لنتائج أبحاث بلانك في «الفوتونات Photon»؛ فقد أعلن سنة ١٩٠٥م أن الإشعاع يتألف من وحداتٍ جُسيمية منفصلٍ بعضها عن بعض، وهذه الوحدات تُسمَّى بالفوتونات.
    وهنا يُعقِّب دوهيم بأنه إذا كان نيوتن قد قال إن الذرات والضوء من طبيعةٍ جُسيمية. وإذا كان هويجنز قد قال إن الذرات والضوء من طبيعةٍ موجية. وظل الخلاف حاسمًا حتى جاء فوكولت بالتجربة الحاسمة في صف النظرية مؤيدًا لهويجنز. لكن لمَّا جاء القرن العشرون عاد بلانك، وأيَّده ألبرت أينشتين، إلى النظرية الجُسيمية للضوء. وظل الأمر كذلك حتى جاء العالم الفرنسي «لويس دي بروي Louis de Broglie» المولود عام ١٨٩٢م، والعالم النمساوي «إيرفين شرودنجر Erwin Schrodinger» (١٨٨٧–١٩٦١م) وعادا إلى النظرية الموجية للضوء والمادة، وعاد الخلاف الحاسم بين النظريتَين من جديد. لكن الأمر الآن استقر على موقفٍ تبنَّاه العالِم الألماني «فيرنر هيزنبرج V. Heisenberg» والعالِم «بورن Born»، وهو أن الذرَّة والضوء يمكن أن يُفسَّرا بالتصوُّر الموجي والجُسيمي معًا، لكن ليس في لحظةٍ واحدة. المادة والضوء يُفسَّران تفسيرًا جُسيميًّا في السرعات المحدودة لحركة المادة، ويُفسَّران تفسيرًا موجيًّا حين تصل سرعة المادة إلى سرعة الضوء.٥٣
    وأخيرًا يختم دوهيم حديثه بأنه لا تُوجد ثمَّة تجربةٌ حاسمة حقيقية في علم الفيزياء. قد تكون هناك تجاربُ حاسمة في علومٍ أخرى مثل علم الفسيولوجيا. أما في الفيزياء فإن التجربة الحاسمة تكون مستحيلة؛ ذلك لأنها — أي التجربة — بدلًا من ذلك تبدو رحبة، بحيث تقبل الأنساق النظرية (فروضًا ونظريات) لنفس الظاهرة موضع التساؤل، فإذا كنا قد ركَّزنا اهتمامنا على فرضَين بصدَد الضوء، فإن هذا ليس معناه أنه إذا وُجِد أكثر من ذلك فتكون غير مقبولة، بل على العكس فإن الاصطلاحية تعلمنا كيف يمكننا طرح أكثر من فرضَين متباينَين ليغطي ذات الظاهرة، وليس لنا الحق في الحكم على أحد من هذه الفروض بأنه هو الصادق دون الآخر طالما أن التجربة المرنة قد رحَّبَت وأقرَّتْه باعتباره مرشدًا فقط.٥٤
  • التوجُّه الثاني: ويتمثَّل في التحفُّظات التي أبداها دوهيم في مسألة الفروض المساعدة، حيث طرح دوهيم هذا السؤال: ماذا نفعل عندما تتمثَّل أمامنا صعوبةٌ تحول دون إتمام الاختبار الحاسم؟ هل يتطلَّب الأمر دخول فروضٍ جديدة تحلُّ هذه الصعوبة أو تلك؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي الفروض الجديدة، هل هي فروضٌ مساعدة تُخِل بمعيار التكذيب وتُبطِل التجربة الحاسمة؟
    يرى دوهيم أن الفيزيائي حين يقوم بإجراء تجاربه لا بد له أن يخضع في عملية التجريب لقاعدة الفروض المتعددة Multiple hypotheses؛ أي إن العالِم لا بد أن يضع أكبر عددٍ من الفروض، تظل كلها ماثلةً أمام الذهن أثناء التجربة، ونتائج التجربة وحدها هي التي تُقرِّر الفرض في النهاية، على حين تكذِّب نتائج التجربة الفروضَ الأخرى؛ ومن ثَم نستبعدها. ويتضح لنا هذا المعنى من نص «دوهيم» القائل: «إن الفيزيائي لا يمكنه أن يُخضِع فرضًا واحدًا بمفرده للاختيار التجريبي، بل مجموعةً كاملة من الفروض.»٥٥ وهذا يعني أن التجارب الفيزيائية هي ملاحظةٌ للظواهر مصحوبةٌ بتأويلٍ لها في ضوء النسق المعمول به؛ لذلك فإن الفيزيائي لا يُخضِع فرضًا منفردًا للتجريب، بل مجموعةَ فروض معًا.
    ومن ناحيةٍ أخرى يرى دوهيم أنه عندما تكون التجربة على عدم وفاقٍ مع تنبؤاتهم أو نتائج النظرية تُخبرنا بأنه على الأقل، واحد من هذه الفروض المؤلِّفة لهذه المجموعة خطأ، أو تحتاج إلى تعديل، ولكنها — وهذه هي المشكلة — لا تخبرهم بالفرض تحديدًا الذي هو موضع الخطأ الذي يجب تغييره. ويستطرد دوهيم قائلًا: «كلا، الفيزياء لم تكن آلةً تضع نفسها في فوضى وتفكُّك … الفيزياء يجب أن تكون كائنًا عضويًّا قائمًا، في قطعةٍ واحدة، يستحيل على أي عضوٍ في هذا الكائن أن يقوم بوظيفة دون الإجراءات الأخرى؛٥٦ وبالتالي فإن ثوبَ أي نظريةٍ فيزيائية يشكِّل كلًّا غير قابل للتجزئة … كما أنه لو افترضنا أن تأييدًا تجريبيًّا لتنبؤ أو نتيجةٍ من نتائج هذه النظرية أو تلك، فإن هذا التأييد لهذا التنبؤ أو ذلك لا يكون ألبتةً برهانًا حاسمًا للنظرية … ولا يكون ذلك بمثابةِ تأكيدٍ على أن النتائج الأخرى لهذه النظرية غيرُ متناقضةٍ عن طريق التجربة.»٥٧ وعندما يقول دوهيم إن ثوبَ النظرية كلٌّ متكامل، فهذا معناه أنه لم يكن ممكنًا أن تخضع أجزاء النظرية على انفصالٍ لاختبار التجربة؛ ومن ثَم نُبعِد التحقيق التجريبي المُهلهَل عن اختبار النظرية؛٥٨ وبالتالي لا يُمكِن أن يُعَد الدليل التجريبي في حد ذاته تكذيبًا حاسمًا للفرض، وليس هناك تجربةٌ حاسمة بصورةٍ قاطعة.
    خلاصة القول فإنه في هذا التوجه يتمسك دوهيم بضرورة أن تكون جميع فروض النظرية ماثلةً أمام الذهن (وهو ما كان يفعله العلماء قبله) حين يقوم العالم بإجراء عملية حذف أو إسقاط بعض الفروض. بيد أن حذف فرضٍ ما يعني الانتقال من هذا الفرض إلى الآخر، إلى أن يتم حذفها جميعًا. وهذا إن أدى إلى شيء، فإنما يؤدي إلى فشل التجارب تمامًا؛ ومن ثَم لا تنتهي إلى نتيجةٍ ما في حينها، بل الأمر يتطلب تمثُّل الفروض جميعًا أمام الذهن، مما يُتيح لهذا العالِم الفرصة في الكشف عن تفسير الظاهرة موضع التساؤل.٥٩
  • التوجُّه الثالث: ويتمثَّل في التحفُّظات التي أبدها دوهيم في مسألة صدق وكذب النظريات العلمية؛ حيث يتساءل: كيف نبني النظرية العلمية؟
    وهنا يرى دوهيم أن النظرية العلمية تتألف من نَسَق من القضايا الرياضية المُستنبَطة من عددٍ قليل من المبادئ التي تُفضي بنا في النهاية إلى مجموعةٍ من القوانين التجريبية؛ ومن ثَم فإنه يميِّز لنا أربعَ خطواتٍ تتركب بمقتضاها النظرية العلمية:٦٠
    • انتخاب الخصائص الفيزيائية التي نجد أنها تمثِّل مجموعة المبادئ البسيطة، التي تتحكَّم في اختيار ما يليها من مبادئ. وعن طريق «القياس» measurement يمكن أن نرمز لهذه المبادئ برموزٍ رياضية Mathematical Symbols ليست بينها وبين الخصائص الفيزيائية «علاقاتٌ داخلية» Internal Relation، بل تُستخدَم كدلالات. Relation، بل تُستخدَم كدلالات.
    • إيجاد عملية الربط بين مجموعة في قليل من القضايا، التي نستخدمها كمبادئ أساسية في استنباطنا، وهذه المبادئ لا تمثل بدورها علاقات حقيقية بين الخصائص الأساسية للأجسام، بل إننا نتفق أوليًّا على صحتها، والاتفاق المنطقي يحكمها، وهذه المبادئ هي ما يُسمِّيه «دوهيم» بالفروض.
    • التأليف بين هذه الفروض، وفق قواعد التحليل الرياضي Mathematical Analysis وهنا يتدخل المنطق والرياضيات، وتصبح عملياتها الأساسية هي التي يسير وفقًا للتحليل الرياضي.
    • والنتائج التي نستخلصها من الفروض يتم ترجمتُها إلى قضايا، تُعبِّر عن الخصائص الفيزيائية للأجسام. وعن طريق مقارنتها بالنتائج التي نحصُل عليها من التجربة، يمكن لنا أن نتبيَّن ما إذا كانت صادقة — إذا ما جاءت مطابقةً للنظرية — أو كاذبة — إذا لم تتفق معها.
    من خلال هذه الخطوات التي يُحدِّدها دوهيم، نجد أن الفرصة الحقيقية تُقدِّم لنا بطريقةٍ مقنعة، مجموعةً من القوانين التجريبية. والاتفاق مع التجربة يُعَد بمثابة «المعيار الوحيد» Sole Criterion للصدق بالنسبة للنظرية.٦١
    لكن إذا افترضنا أن هدف العلماء يكمُن في الاكتشاف في ضوء الوقائع المطَّردة في الجزء المُلاحَظ من العالم، فإن هذا يحتاج بالطبع إلى التجريب. بيد أن هذه الاطِّردات كثيرًا ما نجدها معقَّدة. وهذا ما يجعل التصميم التجريبي في غاية الصعوبة والغموض. وهنا تأتي الحاجة إلى بناء نظرياتٍ ترشد البحث التجريبي؛ فالمعرفة مفترضة، فيما يرى دوهيم، بحيث تكون المُلاحَظة العلمية نظريةً محمَّلة Theory Loaded، مثل القياسات، وقرارات الخبرة في أوَّل فهم الشيء، على العكس من الفكرة المطروحة عند التجريبية المنطقية وغيرها، التي تؤكِّد على أن الملاحظة — بدلًا من ذلك — تبدو كافيةً للبرهان على صدق أو كذب النظرية، أو بعبارةٍ أخرى، حل لمشكلة وليس إثارة. لكن المطلوب منها أن تكون السبب لمشكلات لا لحلولها. ومن مُنطلَق أن نظرياتنا العلمية يستحيل أن نُبرهنَ عليها بكونها صادقة أو كاذبة؛ ذلك لأنها غير مُستنبَطة من النتائج التجريبية. من هذا المنطق فإنه من غير الممكن أن يكون هناك تجربةٌ تحكُم على الفرض من فروض النظرية أو النتائج منفصلًا. والسبب أنه من الصعوبة بمكانٍ أن نجد فرضًا بذاته يمتلك حيثياته من نتائجَ تجريبية، فإذا رمزنا إلى فرضٍ نظري بصدَد نظرية ﺑ «ك» فإنه من غير الممكن أن يكون هذا الفرض أو ذاك قابلًا للتكذيب مثلًا، وذلك عن طريق فصله عن كل الفروض الأخرى للنظرية بغرض اختياره. الفروض النظرية ينبغي ألا تكون منفصلةً لغرض الاختيار.٦٢
    هذه أهم التوجُّهات والدواعي والتي جعلَت دوهيم يُصِر على أن التجربة الحاسمة مستحيلةٌ في الفيزياء. ولا شك أن هذا الموقف قد كانت له ردودُ فعلٍ واسعةُ النطاق، من قِبل كثيرٍ من فلاسفة العلم، لنذكُر منهم، موقف كارل بوبر؛ حيث رفض فكرة تجنُّب التفنيدات التجريبية والتملُّص من التكذيب، وذلك بأن نُضيف للنظرية فروضًا مساعدة تتلافى في ضوئها مواطنُ الكذب، أو بأن نُنكِر التجارب المفندة. وفي هذا يقول: «أما بالنسبة للفروض المساعدة، فإننا نقترح أن نضع القاعدة القائلة: إننا نقبل الفروض المُساعِدة التي لا يكون إدخالها مفضيًا إلى تقليلِ درجةِ قابلية التكذيب، أو قابلية اختبار النَّسَق موضع التساؤل، وإنما على العكس من ذلك نقبل الفروض المُساعِدة التي تزيد من قابلية التكذيب أو قابلية الاختبار … وإذا زادت درجةُ قابلية التكذيب، فقد أثَّر إدخال الفروض في النظرية فعلًا. لقد كان النَّسَق الآن محكمًا أكثر مما كان، ويُمكِن أن نُوضِّح ذلك كما يلي: إن إدخال فرضٍ مساعد يجب أن يُنظر إليه دائمًا على أنه محاولة لبناء نسقٍ جديد. وهذا النسق يجب الحكم عليه دائمًا في ضوء الاتجاه بأنه يؤلِّف تقدمًا حقيقيًّا في معرفتنا عن العالم.»٦٣
    وفي موضعٍ آخر يصُب جامَ غَضبِه على المذهب الاصطلاحي وروَّاده بمن فيهم دوهيم، فيقول: «لقد أدرك كلٌّ من بوانكاريه ودوهيم استحالة تصوُّر نظريات علم الطبيعة على أنها قضايا استقرائية. وقد تحقَّق لهما أن المشاهدات القياسية التي قيل إن التعميمات تبدأ منها، هي على العكس من ذلك، تأويلات في ضوء نظريات … ومن ثَم فالنظرية العلمية لا تحوي معرفةً صادقة أو كاذبة، فهي ليست إلا أدوات لنا أن نقول عنها فقط إنها ملائمة أو غير ملائمة، مقتصدة أو غير مقتصدة، مرنة، دقيقة أو جامدة؛ لذلك نجد دوهيم يقول إنه لا تُوجَد أسبابٌ منطقية تمنعُنا من أن نقبل في وقتٍ واحد نظريتَين متناقضتَين أو أكثر … وعلى الرغم من أنني أوافقهما على ذلك، إلا أنني أختلف معهما عندما اعتقدا باستحالة وضع الأنساق النظرية موضع الاختبار التجريبي، فلا بد أن تكون قابلة للاختبار — أي قابلة للتفنيد من حيث المبدأ وليست أدوات.»٦٤
    ومن ناحيةٍ أخرى يؤكِّد بوبر في كتابه براهين وتفنيدات أنه: «إذا كان فرنسيس بيكون قد أعتقد أن التجربة الحاسمة يمكن أن تؤسِّس أو تُثبِت النظرية»، أما نحن فنقول بأنها يمكن أن تُفنِّد أو تُكذِّب النظرية، ثم يُعلِّق بوبر بأن «دوهيم في نقده المشهور للتجارب الحاسمة نجح في توضيح أن التجارب الحاسمة لا يُمكِن بحالٍ أن تؤسِّس النظرية؛ ومن ثَم فقد أخفق في توضيح أنها لا يمكن أن ترفض النظرية»٦٥
    ومن جانبٍ آخر، يرى «وارتوفسكي أن التجارب الحاسمة في رأي «دوهيم» ليست ممكنة، وهذا ما جعل «دوهيم» يُشبِّه الفيزيائي النظري بالطبيب بدلًا من «صانع الساعات»».٦٦
    إلا أن فليب كواين يُفنِّد دعوى «بوبر» في ثلاثة أدلةٍ متصلة تُوضِّح فساد رأيه في نقد «دوهيم»؛ فالحجة الأساسية التي يستند إليها «دوهيم» تقوم على أن التجربة الحاسمة لم تُوضَع لتحقيق فرضٍ نظري واحد، بل لاختبار مجموعة من الفروض، هذا من جهة. كما أن «دوهيم» كان معنيًّا في المقام الأول بتوضيحِ أنه لا يمكن أن نُبطِل فرضًا نظريًّا واحدًا عن طريق الملاحظات، هذا من الجهة الثانية. وأخيرًا فإن «دوهيم» اهتم في الجزء الثاني من كتابه هدف وبنية النظرية الفيزيائية ببيان أنه يُمكِن عن طريق التجربة إبطال الفروض النظرية؛ ومن ثَم فإن حديث «دوهيم» عن التجارب الحاسمة يعني أنه بالإمكان رفض النظرية والفروض كلِّها عن طريق التجربة.٦٧

(ب) إمري لاكاتوش

في الوقت الذي جاءت فيه أطروحة بيير دوهيم القائلة بأنه لا يجب اختبار الفرض على حِدَة وبصورةٍ منفصلة بل النسق ككل، كان إمري لاكاتوش يُصمِّم نوعًا فريدًا من العقلانية. وهذه العقلانية تتمثَّل في نقد وتغيير برامج البحث أو المعرفة العلمية (من مفاهيم وقوانين ونظرياتٍ علمية) عَبْر تاريخ العلم؛ فلقد رفض لاكاتوش فكرة تبرير المعرفة التي تُشكِّل النمو العقلاني للمعرفة العلمية، وتسعى إلى أن تحوُّل التاريخ الداخلي للعلم مجرَّد وقائعَ تجريبية وعباراتٍ صُلبة تعقُبها تعميماتٌ استقرائية أو قوانينُ علمية، كما هو واضح عند التجريبية المنطقية أو التيار الاستقرائي بشكلٍ عام، الذي ينصرف إلى صدق القضايا الواقعية والأولية وصحة الاستدلالات الاستقرائية؛ أي إنهم انشغلوا بالمشكلات المعرفية والمنطقية إلى الدرجة التي صرفَتهم عن الاهتمام المناسب بالتاريخ الواقعي.٦٨

وبالتالي لم تَعُد فلسفة العلم عند لاكاتوش مجرد تبرير المعرفة العلمية من خلال التأييد وعدم التأييد أو الصدق والكذب بعيدًا عن تاريخ العلم. وهذا ما جعله يرفض النزعة الاستقرائية عمومًا والتجريبية المنطقية على وجه الخصوص.

ومن ناحية أخرى، اعترض لاكاتوش على بوبر بشأن التقدُّم العلمي؛ فقد أكد بوبر على اختبار الفرض على حِدَة وبصورةٍ منفصلة. وعَدَّ ذلك مسألةً جوهرية لتقدُّم العلم وقياس ما يُضاف إليه حقيقة؛ فالذي لا شك فيه أنه لا يمكن أن يُقرِّر أحدٌ إذا كانت نظريةً جسورة مهما كانت، وذلك عن طريق اختيارها على انفصال، لكن فقط عن طريق اختبارها في ضوء سياقها المنهجي التاريخي.٦٩
وهذا معناه أنه إذا كان بوبر في محاولته للتقدم العلمي يؤكِّد عمومية النظرية العلمية، مع وضع في الاعتبار تكذيب النظرية اللاحقة للنظرية السابقة عند تناقُضها، فإن لاكاتوش يؤكِّد على أن أي نظرية تتمثَّل وتُولَد في خِضَمٍّ هائل من التناقُضات؛ ومن ثَم يمكن عمل تعديل في النَّسَق النظري العلمي. وطبقًا لذلك رأى لاكاتوش أن أي برنامج بحثٍ يتألف من قواعدَ منهجية؛ حيث إن البعض منها يُخبِرنا بطرق البحث تجنبًا للموقف السلبي، والبعض الآخر يُوضِّح لنا طرق تَبنِّي الموجِّه المساعد على الكشف السلبي أو الإيجابي. بيد أن الموجِّه السلبي لبرنامج البحث دائمًا ما يعزل النواة الصُّلبة للقضايا التي لا تُعرض للتكذيب، وهذه القضايا يتم التوافق عليها اصطلاحًا؛ ومن ثَم فهي غير قابلة للتفنيد عن طريق برنامج البحث. أما الموجِّه الإيجابي فيُعَد بمثابة استراتيجية لبناء سلسلة من النظريات والاقتراحات الإجرائية للتعامل مع الشواذِّ المتوقَّعة. وبينما يتضح برنامج البحث، نجد أن حزامًا واقيًا من الفروض المساعِدة يلتف حول النواة الصُّلبة.٧٠
ويعطينا «لاكاتوش» مثالًا على ذلك من برنامج البحث النيوتوني؛ حيث يُلاحظ أن النواة الصُّلبة لهذا البرنامج تتمثل في الجاذبية، وأنه لا شك في أن بين النواة والظواهر الحزامَ الواقي من الفروض المساعِدة التي تحتك بالاختبار والتكذيب. ومن هنا قبل الحزام الواقي التعديل والتطوير ليحمي النواة، وهذا التطوير يتم بناءً على الموجِّه الإيجابي المساعِد على الكشف؛ أي إننا حين اكتشفنا أن كوكب أورانوس لا يتفق مع التنبؤات الخاصة بنظرية نيوتن لم نستنتج من هذا أن النظرية كاذبة، بل على العكس، فالنظرية أو برنامج البحث النيوتوني عامةً لا يزال تقدميًّا. وبعد فترة من الزمن أصبح هذا البرنامج مُتفسِّخًا ومُتدهوِرًا لظهور برنامجٍ آخر، وهو لأينشتين الذي فسَّر حركة الكوكب عطارد التي لم يستطع برنامج نيوتن حلها. هذا فضلًا عن أن برنامج أينشتين قد تنبأ بانحراف الأشعة الآتية من النجوم تحت تأثير مجال الجاذبية.٧١
فاختبار أي برنامج يُعوِّل مباشرة على الحزام الواقي للفروض المساعدة. ومن هنا أكَّد «لاكاتوش» أن أي نتيجة اختبارٍ سالبة مفردة لا تفنِّد برنامج البحث ككل؛ الأمر الذي جعلَه ينتقد «بوبر» عندما عوَّل على أهمية النتائج السلبية؛ حيث إن وجود أي نتيجة اختبارٍ سلبية، إنما هي استراتيجيةٌ مثمرة لتعديل الحزام الواقي للفروض المساعِدة ليُعدِّل أو يُسوِّي الشاذ.٧٢
وعلى هذا رفض «لاكاتوش» أن يكون نمو العلم مجرد واقعةٍ نافية أو بيِّنةٍ تجريبية معارضة تكذِّب نظرية على حِدَة بصورةٍ مستقلة، ليتم رفضها هي فقط في حد ذاتها ويستبدل أخرى تُعرض بدورها على محكمة التجريب! وهنا يؤيد لاكاتوش بيير دوهيم، لا سيما عندما رأى أن المعقبات أو النواتج التي تلزم الفرض العلمي الجديد، والتي تكون محكمة للتجريب لا تخص الجديد وحده، بل تخص النسق المعرفي بأَسْره الذي انتمى إليه الفرض.٧٣
وهنا يمكننا أن ندلُف إلى موقف لاكاتوش من التجارب الحاسمة، حيث ينكر أهمية ودور التجارب الحاسمة في برامج البحث العلمي؛ فهو يقرِّر أن التجارب الحاسمة ليس لها قوة كي تُنحِّي برنامج بحث؛ حيث يؤكِّد التسامُح المنهجي، فلا وجود للبت القاطع؛ إذ إن إلغاء برنامج يستغرق زمنًا، كما أن قبول برنامجٍ جديد يستغرق زمنًا أيضًا؛٧٤ وفي هذا يقول لاكاتوش: «لا يُوجَد هناك تجاربُ حاسمة إذا عنَينا بذلك تجارب تؤدي مباشرةً إلى القضاء على برنامجٍ معرفي معيَّن. وفي الحقيقة فإنه في حال انهزام برنامج بحثٍ معرفي واستبداله ببرنامجٍ معرفي آخر، يمكننا مستفيدين من مرور فترةٍ طويلة من الزمن «تسمية تجربةٍ حاسمة إذا ظهَرَت جليًّا أنها كانت مؤيدةً للبرنامج المنتصر وداحضةً للبرنامج المهزوم»، وبعبارةٍ أخرى لا يُعير العلماء آذانهم بسهولة إلى نتائج التجارب السلبية بادئ الأمر، ولا بد من مرور فترةٍ طويلة من الأبحاث والاختبارات كي يقبل سوادُهم بفشل النظام المعرفي الذي دحضَتْه التجربة، فلا تصبح هذه الأخيرة حاسمةً في انهزامه إلا بعد أن تكون قد ترسَّخَت النظرية الجديدة في الأوساط العلمية، فيمكنُنا فقط عندها القول بأنها تجربةٌ حاسمة.»٧٥
وقد تأخذ الأمور منحًى أكثر تعقيدًا حسب لاكاتوش: «فإذا وضع عالم من أنصار المعسكر المهزوم بعد بضع سنواتٍ تفسيرًا علميًّا لما دُعي ﺑ «التجربة الحاسمة» يجعلها متفقة مع البرنامج المهزوم، فإن صفة الشرف يمكن نزعُها عن تلك التجربة وتتحوَّل بذلك «التجربة الحاسمة» من هزيمة إلى نصر للبرنامج القديم.»٧٦
وهكذا قد تستمر نظريةٌ ما في مقاومة التغيير لفتراتٍ طويلة، وقد تُصبِح عائقًا أمام أي محاولاتٍ جدية لدحضها فتَسُد آذان العلماء عن صوت البنى الطبيعية المناقض لها، وتخلق انقطاعًا مرحليًّا في المسار العلمي نحو الحقيقة. وقد يطول هذا الانقطاع أو يقصُر جاعلًا من مفهوم التقدم نحو البنى الموضوعية مفهومًا تاريخيًّا لا تندرج فيه أية حقبةٍ منعزلة من تطوُّر المعرفة، بل المسار التاريخي برُمَّته.٧٧
ومن ناحيةٍ أخرى يؤكِّد لاكاتوش أن هناك علاقةً حميمة بين التجربة الحاسمة من جهة والعقلانية الفورية Instant Rathionality؛ فالإيمان بالتجربة الحاسمة هو إيمان بالعقلانية الفورية والعكس صحيح كذلك؛ ذلك أن مفهوم التجربة الحاسمة يقوم على تمكين العالم من الاختبار الفوري بين النظريات والبرامج العلمية المتنافسة، لجأ إليها بصورةٍ يوتوبية كلٌّ من التجريبيين المناطقة وكارل بوبر، وفي هذ يقول لاكاتوش: «إن فكرة العقلانية الفورية يمكن أن تكون مثل المدينة الفاضلة «يوتوبيا» لكن هذه الفكرة التي يحلم بها هي خاتمٌ دامغ لكل أنواع نظرية المعرفة. التبريريون يريدون إثبات النظريات حتى قبل نَشْرها. والاحتماليون يأملون في وجود آلةٍ تستطيع أن تُعطيَ في لمحةٍ قيمة النظرية (درجة التحقيق) التي أُعطيَت البرهان. والمكذِّبون السذَّج يأملون أن يكون الاستبعاد هو النتيجة العاجلة لتحقيق التجربة على الأقل.»٧٨

وهذا النص يوضِّح أن لاكاتوش ليس استقرائيًّا ولا تكذيبيًّا. إن لاكاتوش يميِّز المعرفة العلمية وفقًا لكشفيات برامج الأبحاث العلمية؛ ففي داخل برنامج البحث ليس هناك صوتٌ واحد هو صوت التكذيب أو التحقيق (الجدليَّين) هما أحد تلك الأصوات، ولكن حين يتم تقديم صوتٍ واحد على بقية الأصوات، فهذا يكون بواسطة عمليةٍ انتقائية من قِبل التجريبين المناطقة والتبريريين وكذلك التكذيبيين، يقومون بها بعد انتهاء الأحداث، وليس العكس؛ ومن ثَم لاكاتوش يرفض التجربة الحاسمة، والعقلانية الفورية في آنٍ واحد، وذلك بصورةٍ عقلانية، دون نفي إمبريقية المعرفة العلمية.

ونجده من أجل هذا، يخصِّص مساحاتٍ من أبحاثه ودراساته لمناقشة التجربة الحاسمة؛ فهو قد كتب مقالتَين مستقلتَين بذاتهما بخصوص «التجارب الحاسمة»؛ الأولى بعنوان «دور التجارب الحاسمة في العلم». أما الثانية والأهم لأنها تشمل ردودًا لأطروحته عن التجارب الحاسمة، بعنوان «الشواذ في مقابل التجارب الحاسمة».

ويرفض لاكاتوش، في العملَين المذكورَين سلفًا، سواء في حاضر أو ماضي المعرفة العلمية، وجود تجربةٍ معيارية، تخضع لقواعد الميثودولوجيا، ويمكن لها أن تفصل بين نظريتَين متنافستَين. ودليله على ذلك عدم وجود تلك التجارب فعلًا في ماضي العلم. أي إن بعض التجارب العلمية في ماضي العلم، والتي يزعم بعض فلاسفة العلم أنها شكَّلَت تجاربَ حاسمة، لم تكن تجاربَ حاسمة على الإطلاق في حينها، بل هي كذلك فقط عن طريق استردادها بمناهج الميثودولوجيا، على أرضية حاضر المعرفة العلمية. وينتج عن هذا الرأي إنكار وجود معيارٍ فوري في الماضي أو المستقبل قادرٍ على تقديم معاييرَ لرفض أو قبول النظريات العلمية في الحال، ولكن النتيجة الأكثر أهمية هي عدم شرعية الجانب الإرشادي في الميثودولوجيا على الرغم من استبقاء الجانب القيمي لها.٧٩
ومن أجل البرهنة على رفضه للتجارب الحاسمة، يقسِّم لاكاتوش التجارب الحاسمة إلى نوعَين من التجارب:
  • التجارب الحاسمة الصغرى “minor crucial experiments”.
  • التجارب الحاسمة الكبرى “major crucial experiments”.
التجارب الحاسمة الصغرى هي تجاربُ علمية تحدُث في إطار برنامج بحث محدَّد، وهي التي ربما تفصل بين نسختَين مقترحتَين لبرنامج البحث ذاته، ولا يصفها لاكاتوش بأنها «عملٌ روتيني» يحدُث بصورةٍ دورية داخل برنامج البحث العلمي، وهي بالتأكيد التجارب التي تؤكِّد الطابع الأمبيريقي للمعرفة العلمية، ومع ذلك يصف لاكاتوش ذلك العمل الروتيني بأنه نسبي، بمعنى أنه من السهولة بمكان الهروب من التكذيب لتلك التجارب لصالح إحدى نسخ البرنامج. ولعل هذه الإشارة تعني وضع لاكاتوش للتجارب الصغرى كحقيقةٍ موضوعية بين قوسَين، والتشكك في مدى تعبيرها عن حقائق العالم الثالث. ولعله لم يتعمق في دراستها لأنها ليست هي التجارب الحاسمة التي يدور حولها النزاع بينه وبين الوضعيين.٨٠
إن الهروب من التكذيب سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى «التصادم بين برامج الأبحاث وبعضها مع البعض الآخر». وإذا وصل مستوى البحث العلمي إلى هذه الدرجة، تبدأ الحاجة إلى التجارب الحاسمة الكبرى، وهي التي يدور حولها النزاع بين لاكاتوش والوضعيين. وتلك التجارب الحاسمة الكبرى من وجهة نظر لاكاتوش، هي التي يُفترَض أن تحكُم أو تفصل بين برامج الأبحاث المتنافسة.٨١
ويعطينا لاكاتوش مثالًا على ذلك من خلال تفسيره للنظرية الجُسيمية والنظرية الموجية في الضوء، فيقول: «إن التجارب الحاسمة المشهورة لن تكون لها قوة إلغاء برنامج بحث أو أي شيء يفيد … فمن خلال منهج البحث للتجارب الحاسمة الصغرى بين الصياغات المتتالية نجد أن التجارب تُقرِّر بسهولة بين bth، (n+)th الصيغة العلمية، بما أن (n+)th ليس فقط متناقضة مع bth لكنها أيضًا تحل محلها، إذن (n+)th كان لها محتوًى متحقِّق أكثر ضوءًا في نفس البرنامج، وفي ضوء نفس نظريات الملاحظة الثابتة جدًّا، فإن الاستبعاد يكون علميةً روتينية نسبيًّا. وإجراءات الاستئناف أيضًا غالبًا ما تكون سهلة؛ ففي حالاتٍ كثيرة نجد أن النظرية المُلاحَظة المتحدَّاة، بعيدًا عن أن تكون ثابتة جيدًا، فهي في الحقيقة افتراضٌ مختلف ساذج غير مُصاغ، والتحدي هو الوحيد الذي يكشف وجود هذا الافتراض المختفي، ويُسبِّب صياغته واختباره وسقوطه؛ فإن الزمن وأيضًا النظريات المُلاحَظة تكون راسخةً في أحد برامج البحث. وفي مثل هذه الحالات يمكننا أن نحتاج إلى تجربةٍ حاسمة كبرى.»٨٢
ويستطرد لاكاتوش فيقول: «وعندما يتنافس برنامجان للبحث، فإن نماذجهما العليا الأولى عادةً تُعالِج مظاهرَ مختلفةً من الميدان. خذ مثلًا، المثال الأول للمرئيات شبه الكروية عند نيوتن وُصفَت على أنها انكسارٌ ضوئي، والمثال الثاني للمرئيات الموجية عند هويجنز وُصفَت على أنها تداخُلٌ ضوئي. وأثناء توسُّع البرنامجين للبحث، نجد أنهما بالتدرُّج يتجاوزان كلٌّ منهما حدود الآخر. وصيغة nth (النظرية الجُسيمية) للأول نجدها متناقضة بكل وضوح وبطريقةٍ مثيرة مع mth (النظرية الموجية) الثانية. وأُجريَت تجربة عدةَ مرات، وكنتيجة لذلك هُزمَت الأولى في المعركة، بينما انتصَرَت الثانية. لكن الحرب لم تَنتهِ؛ فأي برنامج بحثٍ مسموحٌ له ببعض الهزائم. وكل ما يحتاجه لكي يعود هو أن يقدِّم صيغة (n1)th أو (n+)th وإثبات لبعض محتوياته الجديدة.»٨٣
ويختم لاكاتوش حديثه فيقول: «لكن إذا لم تكن هذه العودة متوقَّعة الحدوث، بعد الجهد المُعلَن، فإن الحرب تكون خاسرة، وتُرى التجربة الأصلية بتفهُّم للماضي على أنها تجربةٌ «حاسمة». لكن بصفةٍ خاصة، إذا كان البرنامج الخاسر ناضجًا، وكان سريع التطور، وإذا قرَّرْنا أن نُسلِّم بصحة نجاحاته العلمية السابقة، ونعترف بفضله العلمي، فإن التجارب الحاسمة المزعومة تتلاشى واحدةً بعد الأخرى في صحوة الاندفاع نحو الأمام بثورةٍ هائلة.»٨٤
والسؤال الآن: ما هي مُبرِّرات لاكاتوش في رفض التجارب الحاسمة؟
يمكن أن نُحدِّد السبب الرئيسي لهذا الرفض من تاريخ العلم نفسه؛ فقد سرد لاكاتوش بصورةٍ مجملة، العديد من التجارب العلمية التي لم تُؤخَذ على أنها حاسمة، إلا بعد عقود من إجرائها. ومن هذه التجارب تجربة «ميكلسون-مورلي Michelson-Morley Experiment»، والتي يزعُم التكذيبيون أنها كانت حاسمةً بين برنامج بحث نيوتن من جهة، وبرنامج بحث أينشتين من جهةٍ أخرى. ويرى لاكاتوش أن التجربة سوف تكون كذلك فقط، إذا نظرنا إليها من وجهة نظر الوضعية؛ فلقد مرَّت تلك التجربة بمراحلَ عديدة من التمحيص والنقد والتعديل، ربما لا يجعلها تستقر على نتيجةٍ ثابتة وفاصلة. بالإضافة إلى هذا لم تكن المُلهِم الرئيسي لأينشتين؛ فهو لم يبدأ منها، بل كانت مجرَّد نتيجةٍ بعدية من نتائج نظريته.٨٥
لقد كان الهدف الرئيسي والمُعلَن من تجربة ميكلسون هو اختبار كلٍّ من نظريتَي «فرينيل» Fresnel من جهة و«ستوك» Stock من جهةٍ أخرى، وهما النظريتان المتنافستان بخصوص حركة الأرض نسبةً للأثير؛ فقد ذهب فرينيل في نظريته إلى أن تلك الحركة إيجابية، سواء قرب سطح الأرض، أو على بُعد ملايين الأميال. أما ستوك فقد ذهب إلى التأكيد أن تلك الحركة تساوي صفرًا قرب سطح الأرض؛ لأن الأثير يتحرك تبعًا لحركة الأرض؛ لذا فهو ثابت كما هو الحال بالنسبة للأجسام الثابتة على سطح الأرض؛ لذلك فليس هناك ضرورةٌ لافتراض وجود الريح الأثيرية التي افترضها فرينيل.٨٦
وتزعُم الاستقرائية والتكذيبية أن النتائج السلبية الفورية التي انتهت إليها تجربة ميكلسون، قد أدت إلى نبذ برنامج البحث النيوتوني، ومحاولة استبداله ببرنامج أينشتين، مما يجعل تجربة «ميكلسون-مورلي» تجربةً فاصلة في وقتها، لدرجة أن نتائجها المكذِّبة لنظرية الأثير تُعَد الأساس الذي انطلقَت منه نظرية النسبية.٨٧
لقد قدَّم لاكاتوش تحليلًا تاريخيًّا لتلك التجربة، جعلَته يبيِّن أن اعتبارها تجربةً فاصلة، هو أمرٌ استردادي قائم على إسقاط تلك الفكرة نفسها من تاريخ العلم؛ فالعلم لم ينمُ فعلًا بسبب التجارب الحاسمة، ولكنه سيبدو وكأنه نما هكذا بسبب استرداد تاريخ العلم على هذا النحو، وهو استردادٌ لا يؤيده تاريخ؛ فلقد أكد لاكاتوش حقيقة المراجعة المستمرة والتنقيح، بل والبلبلة المستمرة التي مرَّت بها تجربة «ميكلسون-مورلي» مما يجعلها تجربةً ذات نتائجَ إشكالية، أكثر منها نتائجَ دوجماطيقية؛ فلاكاتوش يؤكد أن ميكلسون قد أجرى تجربته ثلاث مراتٍ قبل سيادة برنامج أينشتين، وهو أجراها فيما بعدُ من جديد بعد السيادة العلمية لهذا البرنامج، وفي كل مرة كان يخرج بنتيجةٍ مختلفة؛ فلقد ذهب ميكلسون في تجربته الأولى — لعام ١٨٨١م — إلى تأكيد أنها قد أثبتَت بما لا يدَع مجالًا للشك نظرية ستوك، ودحضَت نظرية فرينيل بصورةٍ قاطعة، وهو الأمر الذي تخلى عنه في تجربته الثالثة. والحق أن الاختلاف الموضوعي لنتائج تجربة ميكلسون، لا يدع مجالًا للشك في سخف الرأي الذي يؤكِّد أن تخلي العلماء عن نظرية الأثير، وفقًا لنتائج تجربة «ميكلسون-مورلي» هو الذي أدى إلى ظهور نظرية النسبية؛ فالمشكلة بالنسبة لميكلسون ليست نفي أو تأكيد الأثير الذي ترتكز عليه نظرية البصريات النيوتونية، بل توكيد نسخةٍ معينة من برنامج الأثير.٨٨
لقد ذهب ميكلسون في إحدى كتاباته «إلى أن يصف تجربتَه بأنها فاشلة، وأن النتائج الصفرية أو التي تأكَّد منها تقترب من الصفر لتلك التجربة مناقضة لكل التوقعات. ولعل هذا الرأي لميكلسون، هو الذي أضعَف موقف الوضعيين، وجعلهم يعتبرون أن تجربة ميكلسون قد أدَّت إلى الفشل في إدراك الأثير الذي هو خطوةٌ ضرورية للنسبية، ولكن عبارة ميكلسون تعبِّر عن موقفٍ إشكالي، أكثر من كونه موقفًا باتًّا وقطعيًّا في صالح نظريةٍ ضد أخرى. وآية ذلك أن أينشتين نفسه فكَّر؛ أي تأثير لتجربة ميكلسون عليه؛ بناءً عليه، فإن لاكاتوش ينتهي إلى حقيقة أن التجارب الحاسمة هي اختراعٌ سيكولوجي بَعْدي، من ابتكار أصحاب العقلانية الفورية».٨٩
وهناك تجاربُ أخرى على غرار تجربة ميكلسون-مورلي، يشرحها لاكاتوش بتفصيلٍ دقيق، ليُثبِت أنها لم تُؤخذ على أنها تجاربُ حاسمة، إلا بعد عقود من إجرائها، منها تجارب العالمَين الألمانيَّين «أوتو لومر Otto Lummer» و«إرنست برنجشايم Ernst Pringsheim» التي فنَّدَت بصورةٍ دامغة النظرية الكلاسيكية للإشعاع، وأدت إلى نظرية الكم؛٩٠ وتجربة «بيتا» التي ظن كثيرٌ من العلماء أنه سيصل بها الأمر إلى أن تقف ضد قوانين البقاء والحفاظ، لكنها في الحقيقة انتهت إلى كونها أكبر دليلٍ دامغ لانتصارها.٩١
ومن جهةٍ أخرى لقد أثار رأي لاكاتوش في التجارب الحاسمة حفيظةَ كثيرٍ من فلاسفة العلم، وعلى رأسهم «أدولف جرونباوم A. Grunbaum»؛ فهو على الرغم من كونه فيلسوفًا غير تكذيبي، فإنه شَعَر بوطأة نفي نُمو العلم بواسطة التكذيب الصريح والمباشر، مما جعله يقول عن موقف لاكاتوش بخصوص التجارب الحاسمة إنه «سيؤدي إلى نفي إمبريقية المعرفة العلمية، خصوصًا وأن لاكاتوش فيلسوفٌ غير توكيدي». لقد بيَّن لاكاتوش أنه لا يرفض التكذيب كمفهومٍ منطقي، ولكنه يرفضه كمفهومٍ مفسِّر لنمو المعرفة العلمية. إن التكذيب المنطقي للمعرفة العلمية يتم عَبْر تاريخٍ طويل لبرنامج البحث، وتلعب فيه التجارب الدرامية دَورًا كبيرًا دون أن تكون تجاربَ حاسمة، ولهذا فإن لاكاتوش يضع مفهومًا للتكذيب التاريخي للنظريات العلمية، وهذا المفهوم هو مفهوم «التآكُل الاحتكاكي Attrition» للنظريات العلمية.٩٢

والمقصود بالتآكُل الاحتكاكي للنظريات العلمية أثناء تطوُّر المعرفة العلمية هو نُمو العلم من خلال الصراع الحاد والعنيف، وكذا الحوار والنقاش بين مختلف النظريات العلمية. ولعل هذا التآكُل الاحتكاكي للنظريات العلمية يشابه من وجوهٍ كثيرة الأنموذج الذي قدَّمه لاكاتوش لتطوُّر الرياضيات، من خلال تقديم الفروض، ثم نقدها ومحاولة تفنيدها، ثم الدفاع عنها باستخراج الفروض المُستتِرة منها، وتوجيه سهام التكذيب إلى تلك الفروض المستترة أو الحالات المعاكسة المحلية. وإذا كان هذا الرأي صحيحًا، فهو من ثَم متَّسِق مع القول بأن لاكاتوش لا يفهم الإنجاز النيوتوني، إلا من خلال فهمه للتطور الكشفي للمعرفة الرياضية لمفهوم التآكل الاحتكاكي — الذي لم يجد للأسف الشديد عنايةً فكرية من قِبل لاكاتوش أو حتى من قِبل تلاميذه — هو المعادل الكشفي للمنطق الجدلي والكشفي لشروط تطور المعرفة الرياضية؛ ولذلك يقول لاكاتوش: «إنه حين يرى التكذيبيون تجاربَ سلبيةً حاسمة، أرى أنا وأتنبأ خلف أية مبارزةٍ ضاربة بين النظرية والتجربة ﺑ: «حربٍ معقدة بين برنامجَي بحث متنافسَين بواسطة التآكل».»

In the war of attrition between two Programmes. ٩٣
وهنا يستبدل لاكاتوش مفهوم التجربة المعيارية الفورية الحاسمة بين النظريات العلمية أو برامج الأبحاث، بمفهوم التآكل الاحتكاكي الذي يؤكد تاريخية نُمو المعرفة العلمية، وتشبُّث العلماء بقضاياهم. هذا بالإضافة إلى تأكيده صعوبة التكذيب السريع لقضايا المعرفة العلمية، وذلك دون أن يذكر استبعاد العلم لبرامج الأبحاث ومن ثَم للقضايا والنظريات العلمية؛ فقبول برنامج بحثٍ معيَّن ليس نتيجة للتكذيب الفوري لمنافسه أو التوكيد الفوري لنواته الصلبة، بل هو «نتيجةٌ تاريخية يتخذها العلماء، بعد فترةٍ طويلة من دراسة المعطيات المتاحة من بيِّناتٍ تجريبية وقوًى تفسيرية للبرنامج … إلخ.»٩٤
نخلص مما سبق أن لاكاتوش ينكر وجود التجارب الحاسمة، كحقيقةٍ فعلية في مسيرة تقدُّم المعرفة العلمية. وهو حين يقبل التجارب الحاسمة، فهو يقبلها فقط كحقيقة استردادية زائفة — مثلها مثل الوقائع الاستردادية للأساطير — تطرحُها المنهجيات الاستقرائية والتكذيبية بطريقةٍ أيديولوجية، من خلال تدعيم منطقهما الكشفي؛ وبالتالي فهو كما يرى بعض الباحثين يرفض اعتبار التجارب الحاسمة كبناءٍ عقلي قويم للمعرفة العلمية. وعلى هذا، يمكننا النظر إلى عمل لاكاتوش كإعادة بناء كشفية في مقابل إعادة البناء التي قدَّمَتْها كلٌّ من الاستقرائية والتكذيبية للتجارب الحاسمة.٩٥

نتائج البحث

بعد هذه الجولة السريعة من عرض «التجارب الحاسمة بين التأييد والتفنيد»، فإنه يمكننا أن نخلُص إلى أهم النتائج، وذلك على النحو التالي:
  • (١)

    إن التجريبيين المناطقة بداية من مورتس شليك حتى رودلف كارناب وهمبل يضعون آمالًا موضوعية كبيرة على التجارب الحاسمة؛ فتلك التجارب هي حجر الزاوية في بنائهم الفلسفي، إذا ما لم يتم خلعه من مكانه فقدَت تلك المذاهب موضوعيتَها؛ ولذلك سَعَوا بكل ما استطاعوا من قوة من خلال مَبدَئهم في التحقيق التأييد على أهمية ودَور التجارب الحاسمة في تاريخ العلم، وهي لديهم نتيجة لإمبريقية المعرفة العلمية؛ لذلك فالتجربة الحاسمة تظهر بوضوح صاحبة الدَّور العبقري الذي يقدِّم معايير لتأييد أو تفنيد النظريات العلمية في الحال.

  • (٢)

    إن التجربة الحاسمة عند كارل بوبر عليها عاملٌ كبير في التكذيب؛ وبالتالي نمو المعرفة العلمية؛ فهي ضروريةٌ من أجل تكذيب النظريات العلمية أو تعزيزها؛ فالنظريات التي تم تكذيبها بتجربةٍ حاسمة، يجب نبذُها واستبدالها بأخرى في الحال، يُطلَق عليها فرضية تكذيب؛ فالعلم لا ينمو إلا بواسطة التكذيب القائم على التجارب الحاسمة.

  • (٣)

    إذا كان «التجريبيون المناطقة» قد اعتقدوا أنه يمكن للتجربة الحاسمة بالتحقُّق من صدقها، فإنها عند بوبر ترفض النظرية بتكذيبها.

  • (٤)

    فكرة التعزيز عند بوبر لا تتجاوز كثيرًا فكرة التأييد عند كارناب؛ ذلك لأن كلتا الفكرتَين تقوم على أساس تحليل النظريات العلمية في إطار النسق الفرضي-الاستنباطي؛ فالتأييد يقوم على أساس أن النظرية تستلزم تنبؤات أو عبارات ملاحظة. وإذا كان التنبؤ كاذبًا، فإن النظرية تكذب، أما إذا كانت هناك تنبؤاتٌ عديدة صادقة، فإن النظرية يتم تأييدها.

  • (٥)

    إن بيير دوهيم كان ذكيًّا عندما أخذ بالفروض المساعدة من بوبر التي تحصَّن بها ضد التكذيب، ثم حاول تطويرها عن صورتها الماثلة عند بوبر في النظام الفردي للنظريات، وأصبَحَت مرتبطة بالنسق ككل؛ لذلك فإن الفيزيائي لا يُخضِع فرضًا منفردًا للتجريب بل مجموعةَ فروض معًا.

  • (٦)

    حين أعلن دوهيم بأن التجربة الحاسمة مستحيلة في علم الفيزياء عنه في أي علمٍ آخر؛ فذلك لأنه كان مؤمنًا بأن ثوب أي نظريةٍ فيزيائية يشكِّل كلًّا غير قابل للتجزئة. كما أنه لو افترضنا أن تأييدًا تجريبيًّا لتنبؤ أو نتيجة من نتائج هذه النظرية أو تلك، فإن هذا التأييد لهذا التنبؤ أو ذلك لا يكون ألبتةَ برهانًا حاسمًا للنظرية؛ وبالتالي لا يمكن أن يُعَد الدليل التجريبي في حد ذاته تكذيبًا حاسمًا للفرض، إذن ليس هناك تجربةٌ حاسمة بصورةٍ قاطعة.

  • (٧)

    إذا كان دوهيم قد أنكر التجربة الحاسمة واعتبرها مستحيلة في علم الفيزياء، فذلك لأنه يريد أن يستبدل بدلًا منها نوعًا جديدًا من التجربة العلمية المرنة التي تواكب التقدم العلمي المعاصر، الذي ينفي كل تأييد وتفنيد للقانون والنظرية العلمية.

  • (٨)

    إن النقد الذي وجهه بوبر لدوهيم والذي يقول فيه إن التجارب الحاسمة لا يمكن بحال أن تؤسس النظرية؛ ومن ثَم فقد أخفق دوهيم في توضيح أنها لا يمكن أن ترفض النظرية إن لم يكن نقدًا قويًّا؛ وذلك لأن الحُجة الأساسية التي يستند إليها «دوهيم» تقوم على أن التجربة الحاسمة لم تُوضَع لتحقيق فرضٍ نظري واحد، بل لاختبار مجموعة من الفروض، هذا من جهة. كما أن «دوهيم» كان معنيًّا في المقام الأول بتوضيح أنه لا يمكن أن نُبطِل فرضًا نظريًّا واحدًا عن طريق الملاحظات، هذا من الجهة الثانية. وأخيرًا فإن «دوهيم» اهتم في الجزء الثاني من كتابه هدف وبنية النظرية الفيزيائية ببيان أنه يمكن عن طريق التجربة إبطال الفروض النظرية؛ ومن ثَم فإن حديث «دوهيم» عن التجارب الحاسمة يعني أنه بالإمكان رفض النظرية والفروض النظرية كلها عن طريق التجربة.

  • (٩)

    إن لاكاتوش نجح في أن يُقنِع المجتمع العلمي بأنه لا يُوجَد في حاضر أو ماضي المعرفة العلمية، تجربةٌ معيارية، تخضع لقواعد الميثودولوجيا، ويمكن لها أن تفصل بين نظريتَين متنافستَين. ودليله على ذلك عدم وجود تلك التجارب فعلًا في ماضي العلم؛ أي إن بعض التجارب العلمية في ماضي العلم، والتي يزعم بعض فلاسفة العلم أنها شكَّلَت تجاربَ فاصلة، لم تكن تجاربَ فاصلة على الإطلاق في حينها، بل هي كذلك فقط عن طريق استردادها بمناهج الميثودولوجيا، على أرضية حاضر المعرفة العلمية. وينتج عن هذا الرأي إنكار وجود معيارٍ فوري في الماضي أو المستقبل قادرٍ على تقديم معايير لرفض أو قبول النظريات العلمية في الحال، ولكن النتيجة الأكثر أهميةً هي عدم شرعية الجانب الإرشادي في الميثودولوجيا على الرغم من استبقاء الجانب القيمي لها.

  • (١٠)

    إن لاكاتوش حين ميَّز المعرفة العلمية وفقًا لكشفيات برامج الأبحاث العلمية، أكَّد على أنه في داخل برنامج البحث ليس هناك صوتٌ واحد هو صوت التكذيب أو التحقيق (الجدليَّين) هما أحد تلك الأصوات، ولكن حين يتم تقديم صوتٍ واحد على بقية الأصوات، فهذا يكون بواسطة عمليةٍ انتقائية من قِبل التجريبيين المناطقة والتكذيبيين، يقومون بها بعد انتهاء الأحداث، وليس العكس.

  • (١١)

    إذا كان لاكاتوش قد أنكر وجود التجارب الحاسمة، فقد أنكرها كحقيقة فعلية في مسيرة تقدُّم المعرفة العلمية، وكذلك حين قبلها، فهو يقبلها فقط كحقيقة استردادية زائفة — مثلها مثل الوقائع الاستردادية للأساطير — تطرحها المنهجيات الاستقرائية والتكذيبية بطريقةٍ أيديولوجية، من خلال تدعيم منطقهما التبريري والكشفي.

المراجع

(أ) قائمة المصادر والمراجع العربية

  • (١)

    أسامة عرابي: كارل بوبر مدخل إلى العقلانية النقدية، بيروت، ١٩٩٤م.

  • (٢)

    إمري لاكاتوش: برامج الأبحاث العلمية، ترجمة الدكتور ماهر عبد القادر، الجزء السادس من فلسفة العلوم، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٩٧م.

  • (٣)

    بدوي عبد الفتاح: الاصطلاحية وسأَم العقل، بحث منشور ضمن الكتاب التذكاري للمرحوم الدكتور توفيق الطويل، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ١٩٩٥م.

  • (٤)

    جورج جاموف: قصة الفيزياء، ترجمة وتقديم د. محمد جمال الدين الفندي، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٤م.

  • (٥)

    د. حبيب الشاروني: فلسفة فرنسيس بيكون، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ١٩٨١م، ص٨٣.

  • (٦)

    رودلف كارناب: الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة د. السيد نفادي، دار الثقافة الجديدة.

  • (٧)

    سهام النويهي: تطور المعرفة العلمية، مقال في فلسفة العلم، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٨م.

  • (٨)

    د. سيد نفادي: معيار الصدق والمعنى في العلوم الطبيعية والإنسانية «مبدأ التحقق عند الوضعية المنطقية»، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٩١م.

  • (٩)

    عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: التفسير الأداتي للقانون العلمي، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ٢٠٠٠-٢٠٠١م.

  • (١٠)
    ______: عقلانية التقدُّم العلمي عند إ. لاكاتوش، بحث منشور بمجلة كلية الآداب، جامعة سوهاج، العدد الثامن والعشرون، الجزء الأول، مارس، ٢٠٠٥م، ص١٥٩.
  • (١١)

    عصام محمود بيومي مصطفى: إبستمولوجيا التقدم العلمي عند توماس كون، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة عين شمس، القاهرة، ١٩٩٦م.

  • (١٢)

    كارل بوبر، أسطورة الإطار، ترجمة يمنى طريف الخولي، سلسلة عالم المعرفة، ع٢٩٢، يناير ٢٠٠٣م، الكويت، ص٧.

  • (١٣)
    ______: منطق الكشف العلمي، ترجمة د. ماهر عبد القادر، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٨٦م.
  • (١٤)
    ______: عقم المذهب التاريخي، ترجمة عبد الحميد صبرة، الإسكندرية، منشأة المعارف، ١٩٥٩م، ص١٢٩.
  • (١٥)

    كارل همبل: فلسفة العلوم الطبيعية، ترجمة وتعليق د. جلال موسى، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة-بيروت، القاهرة-بيروت، ١٩٧٦م.

  • (١٦)

    د. ماهر عبد القادر: نظرية المعرفة العلمية، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٨٥م.

  • (١٧)
    ______: فلسفة العلوم «المنطق الاستقرائي»، الجزء الأول، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٨٤م.
  • (١٨)

    د. محمد محمد قاسم: كارل بوبر «نظرية المنهج العلمي في ضوء المنهج العلمي»، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٨٦م، ص١٧٠-١٧١.

  • (١٩)

    هاني مبارز حسن: إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، دراسة تحليلية-نقدية في ميثودولوجية برامج الأبحاث، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة عين شمس، ٢٠٠٣م.

  • (٢٠)

    هيربرت فايجل: التجريبية المنطقية في فلسفة القرن العشرين، ترجمة عثمان نويه، مؤسسة سجل العرب، القاهرة، ١٩٦٣م.

  • (٢١)

    هيلاري بوتنام: تعزيز النظريات، مقال منشور ضمن كتاب الثورات العلمية، تحرير إيان هاكينج، ترجمة وتقديم الدكتور السيد نفادي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٩٦م.

  • (٢٢)

    د. يمنى طريف الخولي: فلسفة العلم في القرن العشرين (الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية)، عالم المعرفة، عدد ٢٦٤، ديسمبر (كانون الأول)، ٢٠٠٠م، الكويت، ص٢٩٨.

(ب) قائمة المصادر والمراجع الأجنبية

  • (1)
    Bacon, F., Advancement of Learning and Novum Organum: With Special Introduction by James Edward Creighton: The World’s Great. Classics The Colonial Press. New York, London, 1900.
  • (2)
    Carnap, R.: Truth and Confirmation, In; Feigl. H. and Sellars (Eds): Reading of Philosophical, New York, Apploton-Century-Crofts, 1949.
  • (3)
    Carnap, P.: The Interpretation of Physics, In; Feigl. H. and Brodbeck (Eds): Reading in Philosophy of Science, New York, Apploton-Century-Crofts, 1953.
  • (4)
    Carnap, P.: Formal and Factual Science, In; Feigl. H. and Brodbeck (Eds): Reading in Philosophy of Science, New York, Apploton-Century-Crofts, 1953.
  • (5)
    Fetzer, J. H. and Almeder, R. F.: Glossary of Epistemology, Philosophy of Science, Paragan House, New York, 1993.
  • (6)
    Giere, N.: Testing Theoretical Hypothesis, In Earman, J., (Ed), Testing Scientific Theories, Un. of Minnessota, USA, 1988.
  • (7)
    Imre Lakatos: Changes in The Problem of Inductive Logic, Amsterdam, North Holland, 1968.
  • (8)
    Imre Lakatos: The Role of Crucial Experiments in Science, In Studies in History and Philosphy of Science, Part A, Volume 4, Issue 4, February, 1974.
  • (9)
    Imre Lakatos: Anomalies Versus Crucial Experiments, (Rejoinder to Professor Grunbaum), In: Imre Lakatos: Philosophical Papers Mathematics, Science and Epistemolgy, Edited By John Worrall and Gregory Currie, Cambridge, Cambridge University, 1993.
  • (10)
    Karl R. Popper: Realism and the Aim of Science, Great Britain, Gwild Ford and King’s Lynn, 1983.
  • (11)
    ______: Objective Knowledge-An Evolutionary Approach, Oxford, At The Clarendon Press, 1972.
  • (12)
    ______: Conjectures and Refutations-The Growth of Scientific Knowledge, London, Routledge and Kegan Paul, 1963.
  • (13)
    Pierre Duhem: The Aim and Structure of Physical Theory, Translated from The French by Philip P. Wiener, Princeton, New Jersey, Perceton University Press, 1954.
  • (14)
    Pierre Duhem: Essays in The History and Philosophy of Science, Translated by Ariew(R) and Baker(P), Cambridge, Hackett Publishing Company, 1996.
  • (15)
    Quine, P. I., What Duhem Really Meant, in Methodological and Historical Essays in The Natural and Social Sciences, Edited by Robert S. Cohen Marx W. Wartofsky, D., Reidel Publishing Company, Dordrecht-Holland/Boston-U.S.A., 1964.
١  Quine, P. I., What Duhem Really Meant, in Methodological and Historical Essays in the Natural and Social Sciences, Edited by Robert S. Cohen Marx W. Wartofsky, D. Reidel Publishing Company, Dordrecht-Holland/Boston-U.S.A., 1964, pp. 39-40.
٢  كارل همبل: فلسفة العلوم الطبيعية، ترجمة وتعليق د. جلال موسى، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة، بيروت، القاهرة، بيروت، ١٩٧٦م، ص٣٧.
٣  المرجع السابق، ص٤٠.
٤  د. حبيب الشاروني: فلسفة فرنسيس بيكون، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ١٩٨١م، ص٨٣.
٥  Bacon, F., Advancement of Learning and Novum Organum: With Special Introduction By James Edward Creighton: The World’s Great. Classics The Colonial Press. New York, London, 1900, XXXVI.
٦  جورج جاموف: قصة الفيزياء، ترجمة وتقديم د. محمد جمال الدين الفندي، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٤م، ص١٢٥-١٢٦.
٧  نفس المرجع، ص١٢٦-١٢٧.
٨  Popper, K.; Conjectures and Refutations, p. 256.
٩  د. بدوي عبد الفتاح: الاصطلاحية وسأم العقل، بحث منشور ضمن الكتاب التذكاري للمرحوم الدكتور توفيق الطويل، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ١٩٩٥م، ص٥٦٨.
١٠  د. عصام محمود بيومي مصطفى: إبستمولوجيا التقدم العلمي عند توماس كون، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة عين شمس، القاهرة، ١٩٩٦م، ص٧.
١١  هيربرت فايجل: التجريبية المنطقية في فلسفة القرن العشرين، ترجمة عثمان نوية، مؤسسة سجل العرب، القاهرة، ١٩٦٣م، ص١٥٩.
١٢  د. ماهر عبد القادر: فلسفة العلوم «المنطق الاستقرائي»، الجزء الأول، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٨٤م، ص٢٠٠.
١٣  نفس المرجع، ص٢٠٠١.
١٤  كارل بوبر: منطق الكشف العلمي، ترجمة د. ماهر عبد القادر، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٨٦م، مقدمة الترجمة العربية، ص٢٠.
١٥  نفس المرجع، ص٢٠٣.
١٦  نفس المرجع، ص٢٠٣-٢٠٤.
١٧  Carnap, P.: Formal and Factual Science, In; Feigl. H. and Brodbeck (Eds): Reading in Philosophy of Science, New York, Apploton-Century-Crofts, 1953, pp. 123–127.
١٨  د. سيد نفادي: معيار الصدق والمعنى في العلوم الطبيعية والإنسانية «مبدأ التحقق عند الوضعية المنطقية»، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٩١م، ص١٦.
١٩  كارل همبل: فلسفة العلوم الطبيعية، ص٧٠ وما بعدها.
٢٠  Carnap, R.: Truth and Confirmation, In; Feigl. H. and Sellars (Eds): Reading of Philosophical, New York, Apploton-Century-Crofts, 1949, 124.
٢١  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: التفسير الأداتي للقانون العلمي، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ص٢٠٠-٢٠١.
٢٢  Carnap, R.: Op. Cit., 124.
٢٣  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: التفسير الأداتي للقانون العلمي، ص٢٠٠-٢٠١.
٢٤  انظر رودلف كارناب: الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة د. السيد نفادي، دار الثقافة الجديدة، ص٢٢.
٢٥  Fetzer, J. H. and Almeder, R. F.: Glossary of Epistemology, Philosophy of Science, Paragan House, New York, 1993, p. 45.
٢٦  Giere, N.: Testing Theoretical Hypothesis, In Earman, J., (ed), Testing Scientific Theories, Un. of Minnessota, USA, 1988, p. 272.
٢٧  Carnap, P.: The Interpretation of Physics, In; Feigl. H. and Brodbeck (Eds): Reading in Philosophy of Science, New York, Apploton-Century-Crofts, 1953, p. 3.
٢٨  د. عصام محمود بيومي: إبستمولوجيا التقدم العلمي عند توماس كون، ص٢٥.
٢٩  د. ماهر عبد القادر: نظرية المعرفة العلمية، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٨٥م، ص٤٩.
٣٠  كارل بوبر، أسطورة الإطار، ترجمة يمنى طريف الخولي، سلسلة عالم المعرفة، ع٢٩٢، يناير ٢٠٠٣م، الكويت، ص٧.
٣١  Karl Popper: Realism and the Aim of Science, Great Britain, Gwild Ford and King’s Lynn, 1983, pp. 174-175.
٣٢  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: التفسير الأداتي للقانون العلمي، ص٢١٧.
٣٣  د. محمد محمد قاسم: كارل بوبر «نظرية المنهج العلمي في ضوء المنهج العلمي»، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٨٦م، ص١٧٠-١٧١.
٣٤  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص٢٢٠.
٣٥  د. محمد محمد قاسم: كارل بوبر، ص١٨٦.
٣٦  نفس المرجع، ص١٨٦.
٣٧  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص٢٢٧.
٣٨  د. عصام محمود بيومي: إبستمولوجيا التقدم العلمي عند توماس كون، ص٣٥.
٣٩  نفس المرجع، ص٣٦.
٤٠  Karl R. Popper: Objective Knowledge-An Evolutionary Approach, Oxford, at the Clarendon Press, 1972, pp. 14-15.
٤١  د. محمد محمد قاسم: كارل بوبر، ص١٨٨.
٤٢  نفس المرجع، ص١٨٨.
٤٣  نفس المرجع، ص٢٠٤.
٤٤  د. عصام محمود بيومي: إبستمولوجيا التقدم العلمي عند توماس كون، ص٣٧.
٤٥  نفس المرجع، ص٣٨.
٤٦  هيلاري بوتنام: تعزيز النظريات، مقال منشور ضمن كتاب الثورات العلمية، تحرير إيان هاكينج، ترجمة وتقديم الدكتور السيد نفادي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٩٦م، ص١٠١-١٠٢.
٤٧  د. يمنى طريف الخولي: فلسفة العلم في القرن العشرين (الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية)، عالم المعرفة، عدد ٢٦٤، ديسمبر (كانون الأول)، ٢٠٠٠م، الكويت، ص٢٩٨.
٤٨  بدوي عبد الفتاح: فلسفة العلوم، ص٥١-٥٢.
٤٩  د. يمنى طريف الخولي: المرجع السابق، ص٢٩٩.
٥٠  نفس المرجع، ص٣٠٧-٣٠٨.
٥١  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص١٠٤.
٥٢  Pierre Duhem: The Aim and Structure of Physical Theory, Translated from The French by Philip P. Wiener, Princeton, New Jersey, Perceton University Press, 1954, p. 188.
٥٣  Ibid., pp. 188–190.
٥٤  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص١٠٥.
٥٥  Ibid., p. 187.
٥٦  Pierre Duhem: Essays in The History and Philosophy of Science, Translated by Ariew(R) and Baker(P), Cambridge, Hackett Publishing Company, 1996, p. 235.
٥٧  Pierre Duhem: The Aim and Structure of Physical Theory, p. 278.
٥٨  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص١٠٦.
٥٩  نفس المرجع، ص١٠٦.
٦٠  د. ماهر عبد القادر: فلسفة العلوم «المنطق الاستقرائي»، ص١٩٣.
٦١  نفس المرجع، ص١٩٤.
٦٢  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص١٠٧.
٦٣  كارل بوبر: عقم المذهب التاريخي، ترجمة عبد الحميد صبرة، الإسكندرية، منشأة المعارف، ١٩٥٩م، ص١٢٩. وانظر كذلك كارل بوبر: منطق الكشف العلمي، ص١٢٢.
٦٤  كارل بوبر: عقم المذهب التاريخي، ١٦٠-١٦١.
٦٥  Karl R. Popper, Conjectures and Refutations-The Growth of Scientific Knowledge, London, Routledge and Kegan Paul, 1963, p. 112.
٦٦  د. ماهر عبد القادر: فلسفة العلوم «المنطق الاستقرائي»، ص١٩٨.
٦٧  نفس المرجع، ص١٩٨.
٦٨  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: عقلانية التقدُّم العلمي عند إ. لاكاتوش، بحث منشور بمجلة كلية الآداب، جامعة سوهاج، العدد الثامن والعشرون، الجزء الأول، مارس، ٢٠٠٥م، ص١٥٩.
٦٩  Imre Lakatos: Changes in the Problem of Inductive Logic, Inductive Logic, Ed. By Lakatos, p. 377.
٧٠  د. عبد النور عبد المنعم عبد اللطيف: المرجع السابق، ص ١٧١.
٧١  نفس المرجع، ص١٧٥.
٧٢  نفس المرجع، ص١٧٥.
٧٣  د. يمنى طريف الخولي: المرجع السابق، ص٤١٠.
٧٤  د. سهام النويهي: تطور المعرفة العلمية، مقال في فلسفة العلم، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٨م، ص١٣٦.
٧٥  إمري لاكاتوش: برامج الأبحاث العلمية، ترجمة الدكتور ماهر عبد القادر، الجزء السادس من فلسفة العلوم، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ١٩٩٧م، ص١٨٤.
٧٦  نفس المصدر، ص١٨٤.
٧٧  انظر د. أسامة عرابي: كارل بوبر مدخل إلى العقلانية النقدية، بيروت، ١٩٩٤م، ص١٠٨.
٧٨  إمري لاكاتوش: نفس المصدر، ص١٨٦.
٧٩  هاني مبارز حسن: إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، دراسة تحليلية–نقدية في ميثودولوجية برامج الأبحاث، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة عين شمس، ٢٠٠٣م، ص٩٢-٩٣.
٨٠  نفس المرجع، ص٩٤-٩٥.
٨١  نفس المرجع، ص٩٥.
٨٢  إمري لاكاتوش: برامج الأبحاث العلمية، ص١٥٧.
٨٣  نفس المصدر، ص١٥٨.
٨٤  نفس المصدر، ص١٥٩.
٨٥  نفس المصدر، ص١٦١-١٦٢.
٨٦  نفس المصدر، ص١٦٣–١٦٥.
٨٧  نفس المصدر، ص١٦٥–١٧٠.
٨٨  هاني مبارز حسن: إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، ص٩٦-٩٧.
٨٩  إمري لاكاتوش: برامج الأبحاث العلمية، ص١٧١–١٧٥؛ وانظر أيضًا:
Imre Lakatos: The role of crucial experiments in science, in Studies in History and Philosphy of Science, Part A, Volume 4, Issue 4, February, 1974, pp. 330–233.
٩٠  هاني مبارز حسن: إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، ص٩٦-٩٧.
٩١  إمري لاكاتوش: نفس المصدر، ص١٧٥–١٨٣؛ وانظر أيضًا:
Imre Lakatos: Ibid., pp. 334–337.
٩٢  Imre Lakatos: Anomalies Versus Crucial Experiments, (Rejoinder to Professor Grunbaum), In: Imre Lakatos: Philosophical Papers Mathematics, Science and Epistemolgy, Edited by John Worrall and Gregory. Currie, Cambridge, Cambridge University, 1993, 211.
٩٣  Ibid., p. 212.
وانظر أيضًا: هاني مبارز حسن: إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، ص ٩٧-٩٨.
٩٤  نفس المرجع، ص٩٨.
٩٥  نفس المرجع، ص٩٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤