الباب الثالث عشر

رغم ثراء هذه المدينة، كان يعيش وانج لنج، يومًا بعد يوم، في أسس الفقر التي وُضِع عليها. وبينما كان الطعام يتدفق من الحوانيت، والأغنياء يلبسون الديباج والمخمل (القطيفة)، لم يكن في المنطقة التي يعيش فيها وانج لنج غذاء يكفي لإطعام جائع، ولا ملابس تكفي لستر العظام.

رضي المسنون من الرجال والنساء بالحياة التي يحيونها. بيد أن الشبان كانوا يتحدثون فيما بينهم حديثًا ينم عن التذمر. وذات ليلة، أرهف سمعه لمثل ذلك الحديث، فإذا به يسمع لأول مرة بما يدور خلف الحائط العظيم الذي تستند إليه أكواخهم.

كان في إحدى أمسيات يوم من أواخر الشتاء، أن لاح أن الربيع قد يعود ثانية. كان بالجو رطوبة طفيفة في تلك الليلة أقضَّت مضجع وانج لنج، فتحرك في نفسه حنين بالغ إلى حقوله.

فقال لوالده: «في يوم كهذا يجب تقليب تربة الحقول وبَذْر القمح.»

فقال الشيخ العجوز: «نعم … أعلم ما يدور بخلدك. مرتين، ومرتين في حياتي، اضطررت إلى أن أفعل ما فعلناه هذا العام.»

«ولكنك كنت تعود ثانية، يا أبتاه!»

فقال الأب ببساطة: «كانت هناك الأرض، يا ولدي.»

فقال وانج لنج في نفسه: «حسنًا. إذن فسيرجعون هم أيضًا، إن لم يكن في هذا العام، ففي العام القادم.» ثم قال لزوجته في خشونة: «لو كان لدي شيء أبيعه لبعته لأعود ثانية إلى الأرض.»

كانت أو-لان تغسل أطباق الأرز بقليل من الماء، فنظرت إليه من المكان الذي كانت جالسة فيه.

قالت في تؤدة: «لا شيء يمكن بيعه غير الطفلة.»

فتوقف وانج لنج عن التنفس، وقال بصوت عالٍ: «كلا، لن أبيع طفلًا!»

فأجابت ببطء: «لقد باعني أهلي. باعوني لبيت عظيم حتى يستطيعوا العودة إلى بيتهم.»

– «وهل تبيعين الطفلة، إذن؟»

– «إن كان الأمر من أجلي وحدي لقتلتها قبل بيعها. ولكني أبيع هذه الطفلة من أجلك أنت؛ لأرجع بك إلى الأرض.»

فقال وانج لنج: «كلا، لن أبيعها حتى إذا قضيت حياتي كلها في هذه البرية.»

بَيْد أن الفكرة عاودته بالرغم منه. فنظر إلى الطفلة الصغيرة التي كانت مع جدها. وكما فعلت هذه الطفلة من قبل، ما إن نظر إليها حتى ابتسمت.

فقال في نفسه: «كنت أبيعها إذا لم تبتسم هكذا.»

بعد ذلك أخذ يفكر في أرضه، وصاح بحرقة: «هلا أراها ثانية! فمع كل هذا العمل والتسول، لا نحصل على أكثر من غذائنا.»

فأجابه صوت من وسط الظلام يقول: «لستَ أنت الوحيد الذي هذا شأنه. يوجد مائة مائة من أمثالك بالمدينة.»

جاء الرجل يدخن غليونًا من الخيزران. وكان هو رب الأسرة التي تسكن بعيدًا عن كوخ وانج لنج بكوخين.

فسأله وانج لنج بمرارة: «وهل ستظل الحال هكذا إلى ما شاء الله؟»

أخذ الرجل يدخن من غليونه، وبصق على الأرض، ثم قال: «كلا، ليس إلى ما شاء الله. هناك طرق عندما يكون الأغنياء أغنياء جدًّا، كما أن هناك طرقًا عندما يكون الفقراء فقراء جدًّا. لقد بعنا بنتين في الشتاء الماضي. واحتفظت بعبدة واحدة، هي الأولى. لأن بيع الأُخريات خير من قتلهن. هذه هي إحدى الطرق عندما يكون الفقراء فقراء جدًّا. أما إذا كان الأغنياء أغنياء جدًّا، فهناك طريقة. وإذا لم أكن مخطئًا، فإن هذه الطريقة ستأتي سريعًا.» ثم أشار إلى الحائط القائم خلفهم، وقال: «هل رأيت داخل هذا الحائط؟»

هز وانج لنج رأسه، ونظر إليه. فاستمر الرجل يقول: «أخذت إليه إحدى إمائي لأبيعها هناك، فرأيت داخله. لن تصدقني إذا أخبرتك عن كميات النقود التي تجيء وتذهب كل يوم في ذلك المنزل. فحتى الإماء يلبسن أقراطًا من اليشم واللؤلؤ في آذانهن.»

أصغى وانج لنج وفمه مفتوح. إذن فوراء ذلك الحائط مثل هذه الأشياء!

فقال الرجل: «هناك طريقة عندما يكون الناس أغنياء جدًّا.» وكما لو كان لم يتفوَّه بشيء، أضاف قائلًا: «حسنًا، سأذهب ثانية إلى العمل.» ثم انصرف وسط الظلام لأنه كان ينام النهار كله ويعمل بالليل.

لم ينم وانج لنج بسبب تفكيره في الذهب والفضة واللآلئ الموجودة في الجانب الآخر من هذا الحائط، فقال في نفسه: «من الخير أن أبيع الطفلة لبيت غني حتى يمكنها أن تأكل جيدًا وتلبس الجواهر.» ثم عاد يفكر على الرغم منه، وقال في نفسه: «هل أبيع الطفلة لنموت جوعًا هناك بدلًا من هنا؟ ليس لدينا حتى الحَب الذي نبذر به الأرض.»

لم يعرف وانج لنج شيئًا عن الطريقة التي تحدَّث عنها الرجل عندما قال: «هناك طريقة عندما يكون الأغنياء أغنياء جدًّا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤