الباب التاسع عشر

لو هبطت المياه في ذلك الوقت، لانقطع وانج لنج تمامًا عن الذهاب إلى مشرب الشاي العظيم، ولنسي الوجه المدبب المرسوم على المصورة الحريرية. بَيْد أن المياه لم تتحرك، وأصبح وانج لنج قلقًا، ويتحاشى عينَي أو-لان، التي كانت تنظر إليه في بؤس وهو يسير هنا وهناك، يرتمي على مقعد، ثم ينهض من فوقه دون أن يشرب الشاي الذي أفرغته له. وفي نهاية يوم طويل في الشهر السابع، دخل حجرته، من غير أن ينطق بكلمة واحدة، وارتدى معطفه الجديد المصنوع من القماش الأسود اللامع، وذهب إلى مشرب الشاي الجديد.

وقف وانج لنج في مدخل المشرب، في الضوء الساطع. وكان من الممكن أن ينصرف لولا أن خرجت له سيدة كانت متكئة بالداخل دون عمل. تلك هي كوكو. وما إن عرفته حتى قالت: «آه، إنه الفلاح ليس غير!»

غضب وانج لنج فأكسبه غضبه شجاعة لم يعهدها في نفسه من قبل، فقال: «وهلَّا أجيء إلى هذا المكان كما يجيء غيري من الرجال؟»

فضحكت، وقالت: «إن كان معك فضة كما مع غيرك من الرجال.»

عندئذٍ أراد وانج لنج أن يريها أنه غني بدرجة تُمكِّنه من أن يفعل ما يحلو له. فأخرج حفنة من النقود الفضية، وقال لها: «أهذه تكفي، أم لا تكفي؟»

أمعنت كوكو النظر في حفنة الفضة. وقالت: «ادخل وقل ما تريد.»

وبدون أن يدري وانج لنج معنى ما يقوله، تمتم قائلًا: «لست أعرف ما إذا كنت أريد شيئًا.»

ثم همس يقول: «تلك الصغيرة ذات الوجه الشبيه بالزهرة، التي تمسك في يدها برعم لوتس .. أريد مقابلتها.»

•••

أصاب وانج لنج مرضٌ، أعظم مما يصيب أي رجل. كان يذهب كل يوم إلى مشرب الشاي، وكان يلتقي كل مساء بالفتاة المسماة لوتس.

دأب وانج لنج، طيلة الصيف القائظ، على زيارة هذه الفتاة التي لم يعرف عنها شيئًا. وقلما كان يصغي إلى حديثها السريع المتواصل. لم يلاحظ غير وجهها ويديها وجمال عينيها الواسعتين الحلوتين. وعندما ضحكت من ضفيرة شعره، انطلق دون كلمة واحدة وقصَّها، رغم أن أحدًا ما لم يستطع من قبل أن يجعله يقصها.

عندما رأت أو-لان ما فعله، انفجرت مذعورة وقالت: «لقد قطعتَ حياتك.»

ولكنه صاح فيها بقوله: «وهل سأظل أبدو كأبله من الطراز العتيق إلى ما شاء الله؟ إن جميع شبان المدينة يقصون شعورهم قصيرة.»

كان وانج لنج لا يغسل جسمه البني الطيب إلا نادرًا، أما الآن فقد شرع يستحم كل يوم، حتى إن زوجته قالت مهمومة: «ستموت من كل هذا الاستحمام!»

اشترى صابونًا معطرًا، وكان يدعك به جسمه. ولم يعُدْ، بأي ثمن، يأكل الثوم، مع أنه كان يحبه من قبل؛ وذلك حتى لا تكون رائحته كريهة أمام الفتاة لوتس.

لم يعرف أحد، في منزل وانج لنج، معنًى لكل هذه التصرفات.

غير أن أو-لان قالت له ذات يوم في صرامة: «إن في تصرفاتك ما يُذكِّرني بأحد لوردات المنزل العظيم.»

عندئذٍ ضحك وانج لنج عاليًا. ولكنه ابتهج في دخيلة نفسه. وكان رقيقًا معها في ذلك اليوم، أكثر مما كان معها في عدة أيام.

كانت النقود الفضية الطيبة تتدفق الآن من يدي وانج لنج؛ إذ كان عليه أن يشتري الدبابيس الذهبية والجواهر للفتاة. ولم تفاتحه أو-لان في شيء، بل كانت تلاحظه في ضيق شديد؛ إذ كانت تخافه منذ ذلك اليوم الذي لاحظ فيه أنها ليست على شيء من الجمال الشخصي، وأن قدمَيها كبيرتان. وكانت لا تسأله شيئًا خشية غضبه المستعد لها باستمرار.

كان وانج لنج عائدًا، ذات يوم، إلى داره المطلة على الحقول، فاقترب من أو-لان وهي تغسل ملابسه عند البركة. فوقف صامتًا برهة، ثم قال لها بخشونة؛ إذ كان خجلان: «أين اللؤلؤتان اللتان أخذتهما؟»

فأجابته في وجل وهي ترفع بصرها عن الملابس التي كانت تضربها فوق قطعة مستوية من الحجر، قائلة: «اللؤلؤتان؟! معي.»

فصاح فيها فجأة بعد فترة صمت: «هاتيهما .. إنني بحاجة إليهما.»

وضعت أو-لان يدها المبتلة المجعدة، في صدرها ببطء، وأعطته الصرة الصغيرة. وظلت تراقبه وهو يفض الصرة، فعكست اللؤلؤتان أشعة الشمس كاملة لطيفة، فضحك.

أما أو-لان، فعادت تضرب ملابس زوجها، والدموع تنهمر غزيرة من مآقيها في بطء، فلا ترفع يدها لتمسحها، بل كانت تضرب في سرعة أكثر، بعصاها الخشبية، الملابس المنشورة فوق الحجر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤