الباب الثامن والعشرون

قال وانج لنج لعمه، ذات يوم:

«بما أنك شقيق والدي، فهاك قليلًا من التبغ، من صنف أرقى مما تدخنه.»

أخذ عمه التبغ بجشع، إذ كانت رائحته حلوة، واشترى غليونًا، وأخذ يدخن فيه الأفيون، راقدًا طول اليوم على سريره وهو يدخن. وأكثر وانج لونج منه لعمه وزوجة عمه وابنهما. ولم يبخل على شرائه بالنقود، لأنه جلب له راحة البال.

لما اقترب الشتاء، وبدأت المياه تهبط، حتى استطاع وانج لنج أن يخرج إلى أرضه ويسير فيها، حدث أن تبعه ابنه الأكبر ذات يوم وقال له مزهوًا: «سرعان ما سيكون بالمنزل فم آخر، وهو فم حفيدك.»

فرك وانج لنج يديه فرحًا، وقال: «يا له من يوم سعيد حقًّا!»

طيلة الربيع، كان وانج لنج على علم بالولادة التي ستحدث لراحته.

ولما تقدم الربيع ودخل في الصيف، رجع الناس الذين كانوا قد رحلوا، منهوكين ومتعبين من الشتاء، وفرحين بعودتهم، رغم أن منازلهم قد اندثرت وبقي في مكانها طين أصفر ليس غير. بَيْد أنه يمكن بناء تلك البيوت من جديد من هذا الطين. وجاء كثيرون إلى وانج لنج ليقترضوا منه نقودًا. فكان الضمان الذي يطلبه دائمًا هو الأرض. وإذا لم يستطع بعضهم اقتراض نقود، باعوا أرضهم.

بيد أن هناك بعضًا منهم لم يبع أرضه، وإنما باع، بدلًا منها، بناته. فجاء بعضهم إلى وانج لنج ليبيعوه البنات، إذ شاع بينهم أنه ثري وذو نفوذ وطيب القلب.

اشترى وانج لنج خمس إماء في يوم واحد، إذ كان غنيًّا بدرجة تجعله يقرر ما يريده، في سرعة.

بعد ذلك بعدة أيام، جاءه رجل يحمل طفلة صغيرة رقيقة، سنها حوالي سبع سنوات، يريد أن يبيعها. وفي بادئ الأمر رفض وانج لنج أن يشتريها إذ كانت صغيرة وضعيفة. ولكن لوتس رأتها وأعجبت بها، فقالت: «سآخذ هذه الطفلة لأنها جميلة.»

نظر وانج لنج إلى الطفلة، وأبصر عينيها الجميلتين الخائفتين، وهزالها، وقال يداعب لوتس من جهة، ومن جهة أخرى ليطعم الطفلة ويسمنها: «حسنًا. ليكن كذلك ما دمت ترغبين فيها.»

وعلى ذلك اشترى الطفلة بعشرين قطعة فضية، فعاشت في الأبهاء الداخلية. وكانت تنام عند قدمي السرير الذي تنام فوقه لوتس.

•••

بدا لوانج لنج أن في مكنته أن يحظى بالهدوء في بيته، فلما أقبل الصيف، ولزم بذر الأرض، شرع يسير في كل ناحية، وينظر إلى كل قطعة من الأرض. وكان يصحب معه ابنه الأصغر الذي سيخلفه في مباشرة الأرض، أينما ذهب، وذلك حتى يتعلم الصبي أمور الزراعة. وكان الغلام يسير مطأطئ الرأس تتجلى في وجهه أمارات الكآبة. وما من أحد كان يعرف فيمَ يفكر.

لم يستقر الهدوء في بيت وانج لنج بسبب ابن عمه وابنه الأكبر.

عندما عاد وانج لنج من الحقول مع ابنه الأصغر، قابله ابنه الأكبر وانتحى به ناحية، وقال له: «لا أريد ابن عمي هذا في المنزل بعد ذلك، لأنه يسترق النظرات، ويتسكع من ناحية إلى أخرى، ويثبِّت عينيه على الإماء.»

فقال وانج لنج: «أما يرتاح بالي أبدًا من هذه المتاعب بين الذكور والإناث في بيتي؟» وبعد فترة صمت صاح: «وماذا تريد أن أفعل؟»

فأجاب الشاب على الفور: «أود أن نترك هذا البيت، ونعيش في المدينة. تاركين عمي وزوجته وابنه هنا. أما نحن فنعيش في المدينة آمنين وراء أبواب سورها.»

ضحك وانج لنج في حسرة عندما قال ابنه هذا.

ثم قال: «هذا بيتي. ويمكنك أن تعيش فيه أو لا تعيش.» ونهض، وبصق على الأرض، سالكًا سلوك الفلاحين، رغم أنه كان فخورًا بابنه في دخيلة نفسه.

أما الابن الأكبر فلم يكن على استعداد للخضوع. فتابع والده بقوله: «هناك البيت العظيم لأسرة هوانج. يزخر جزؤه الأمامي بعامة الشعب، أما الأبهاء الداخلية فمقفلة وهادئة. وفي استطاعتنا أن نستأجرها ونعيش هناك في سلام.» وذرفت عيناه الدموع، فلم يمسحها.

لا يعرف وانج لنج ما إذا كانت الدموع وحدها هي التي حركت قلبه. ولكنه تأثر بكلام ابنه عندما قال: «البيت العظيم لأسرة هوانج.»

لم ينسَ وانج لنج أبدًا أنه ذهب إلى ذلك البيت العظيم، ووقف خجلان في حضرة مَن كانوا يعيشون فيه. ووثبت الفكرة في ذهنه، فقال في نفسه: «أستطيع أن أجلس على المقعد الذي كانت تجلس فوقه السيدة العجوز.»

لم يرد على ابنه بشيء، بل أخذ يحلم بما يمكنه أن يفعل لو وافق. ومع ذلك فكان مستاءً من بطالة ابن عمه، ورأى أنه حقيقة ينظر إلى الفتيات، فتمتم قائلًا: «لا أستطيع الحياة في بيتي مع هذا الكلب.»

نظر وانج لنج إلى عمه، ثم نظر إلى زوجة عمه، وكانا مغتبطَين بالأفيون، ونعسانَين. وصارَا الآن مصدر قليل من المتاعب، وقد فعل الأفيون ما أراده منه وانج لنج.

عندما ذهب وانج لنج إلى المدينة، في أحد الأيام، ليقابل ابنه الثاني في سوق الغلال، سأله: «ماذا ترى، يا ثاني بَنيَّ فيما يريده أخوك الأكبر، من أن ننتقل إلى المدينة، إلى البيت العظيم، إذا استطعنا أن نستأجر جزءًا منه؟»

كان الابن الثاني قد بلغ وقتئذٍ مبالغ الرجال، رغم صغر جسمه، وبشرته الصفراء، وعينَيه الخبيثتَين، فأجاب قائلًا: «إنها لفكرة رائعة، وتوافقني كثيرًا، إذ عندئذٍ أستطيع أن أتزوج وأعيش مع زوجتي هناك، ونكون جميعًا تحت سقف واحد كأسرة عظيمة.»

لم يكن وانج لنج، حتى ذلك الوقت، قد فعل شيئًا نحو زواج هذا الابن، إذ كانت لديه مشاغل أخرى كثيرة. وعندئذٍ قال في خجل: «لقد حدَّثت نفسي منذ زمن طويل بأنك يجب أن تتزوج. ولكني لم أجد الوقت اللازم لذلك، إذ كان يشغلني هذا المشكل وذاك. أما الآن، فلا بد من تنفيذ هذا الأمر.»

عندئذٍ قال الابن الثاني: «حسنًا، إذن فسأتزوج؛ لأنه شيء حميد وخليق بالرجل أن ينجب البنين. ولكن لا تحضر لي زوجة من بيت بالمدينة مثل زوجة أخي. لأنها ستتحدث باستمرار عما كان في بيت أبيها، وتضطرني إلى إنفاق النقود، الأمر الذي يثير حنقي.»

سمع وانج لنج هذا مستغربًا، لأنه لم يعلم أن زوجة ابنه على هذا النحو، بل كان يرى فقط أنها امرأة تحرص على عدم وجود عيب في مسلكها، وأن تكون جميلة في منظرها. ولاح له ما قاله ابنه، هو عين الحكمة. فنظر إلى الشاب، ابنه الثاني، ولاحظ حركاته الرتيبة، وعينَيه الثابتتَين الكتومتَين، وقال: «أي نوع من الفتيات تريد إذن؟»

فأجاب الشاب كما لو كان قد صمم هذا الأمر من قبل، فقال: «أريد فتاة من الريف، من أسرة طيبة، تملك أرضًا، وليس لها أقارب فقراء. فتاة تُحضر لي معها بائنة طيبة، ليست بسيطة المنظر، ولا جميلة، وماهرة في الطهي. أريد مثل هذه الفتاة.»

دهش وانج لنج عندما سمع هذا الكلام. ومع ذلك فقد أُعجب بحكمة ابنه، وقال ضاحكًا: «حسنًا، سأبحث عن مثل هذه الفتاة، وسيفتش عنها تشنج في القرى.»

انصرف وانج لنج وهو لا يزال يضحك، وسار في الشارع المؤدي إلى البيت العظيم. ولما لم يكن هناك مَن يوقفه، دخل فرأى الأبهاء الأمامية ملأى بالناس الذين يؤمُّون أبهاء العظماء بعد أن يرحل عنها أولئك العظماء.

لو كان في قديم الزمان لأحس وانج لنج بأنه واحد من أولئك العامة. أما الآن وقد صار يملك الذهب والفضة مخبَّئين في مكان أمين، فقد احتقرهم وغدا ضدهم، كما لو كان هو نفسه ينتمي إلى ذلك البيت العظيم.

عندما دخل البهو الداخلي أبصر سيدة عجوزًا نائمة. ولما نظر إليها خطر بباله كم سنة مضت منذ أن كان شابًّا، وحضر بابنه البكريِّ على ذراعيه. وشعر وانج لنج لأول مرة بأن سنه تتقدم به.

قال للسيدة العجوز في نوع من الكآبة: «استيقظي وافتحي لي الباب.»

استيقظت المرأة مذعورة، وقامت تدعك في عينيها، وقالت: «غير مسموح لي بأن أفتح الباب إلا لمَن يستأجر الأبهاء الداخلية كلها.»

فقال وانج لنج فجأة: «حسنًا، سأفعل هذا إن أعجبني المكان.»

سار وانج لنج خلف السيدة، وكان يتذكر الطريق جيدًا. وكانت الأبهاء ساكنة هادئة. وظل يتبعها حتى وصل إلى البهو العظيم نفسه. وطوى السنين القهقرى في ذهنه بسرعة، وتذكر يوم أن وقف هناك ينتظر، ليتزوج عبدة من ذلك البيت. وتقدم إلى الأمام، وجلس حيث كانت تجلس السيدة العجوز في ثيابها الساتينية المفضضة. وملأت قلبه غبطة كان يتوق إليها طول حياته، فقال بغتة: «سآخذ هذا البيت!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤