الباب التاسع والعشرون

في ذلك الوقت، كان وانج لنج إذا قرر شيئًا لا ينفذه بسرعة. وعلى هذا طلب من ابنه الأكبر أن يرتب المسألة. وأرسل لابنه الثاني لكي يأتي ويساعد في نقل الأثاث. وبعد أن أعد كل شيء، انتقلوا إلى المدينة. أولًا لوتس وكوكو وعبيدهما وأمتعتهما. ثم ابن وانج لنج الأكبر وزوجته وخدمهما والعبيد.

أما وانج لنج نفسه فلم ينتقل معهم سريعًا. وبقي معه ابنه الأصغر. وعندما حانت ساعة مغادرته الأرض التي وُلد فيها، لم ينتقل بسهولة، وقال لأولاده عندما أخذوا يحثونه على الانتقال: «أعِدُّوا لي بهوًا أستعمله وحدي. وسأحضر عندما نعثر على الفتاة التي ستتزوج ابني الثاني.»

لم يبقَ بالمنزل، إذن، إلا العم وزوجته وابنه، وتشنج والعمال، علاوة على وانج لنج وابنه الأصغر والبلهاء.

نام وانج لنج مستريحًا إذ أحس بالتعب فجأة، وكان البيت هادئًا. وكان ابنه الأصغر غلامًا ساكنًا، يبتعد دائمًا عن طريق والده.

وأخيرًا نشَّط وانج لنج نفسه، فأمر تشنج بأن يفتش عن فتاة تتزوج ابنه الثاني. فلما سمع تشنج ما أمره به وانج لنج، استحم وارتدى معطفه القطني الأزرق الجيد، وطفق يذهب إلى هذه القرية وتلك، وأخيرًا رجع يقول: «هناك فتاة في قرية تبعد عنا بثلاث قرى. فتاة حذرة طيبة، لا عيب فيها إلا ضحكتها الحاضرة، ويرغب والدها في تزويجها، والبائنة طيبة في هذه الأيام. كما أنه يملك أرضًا.»

لاح لوانج لنج أن هذه الفتاة مناسبة جدًّا، ولما جاءت الأوراق، وقَّع عليها بخاتمه، وقال: «يبقى أمامي ولد واحد، ثم أنتهي من كل هذه الزيجات. ويسرني أنني قريب جدًّا من الراحة والسكينة.»

عندما تمَّ كل شيء وحدد يوم الزفاف، استراح وانج لنج وجلس في الشمس، ونام كما كان يفعل والده من قبل.

لما رأى وانج لنج أن تشنج قد تقدمت به السن وضعف، وأنه هو نفسه قد صار ثقيلًا في حركاته وكثير النعاس بسبب طعامه وسِنِّه، وأن ابنه الثالث لا يزال صغيرًا، وجد من الأوفق أن يؤجر بعض حقوله البعيدة لغيره من القرويين. فجاء إليه كثيرون من القرى المجاورة ليستأجروا أرضه ويكونوا مستأجرين لديه. فاتفق على شروط التأجير، بأن يأخذ وانج لنج نصف المحصول، ويأخذ المستأجر النصف الآخر.

ولما لم تكن هناك حاجة إلى وجوده بالقرية كما كانت من قبل، فكان يذهب أحيانًا إلى المدينة وينام في الجناح الذي أُعِد له. فإذا أتى وقت الحصاد، ذهب إلى القرية وشم رائحة الحقول اليانعة وابتهج بها.

يبدو أن الآلهة أشفقت عليه مرة فمنحته راحة البال بسبب كِبر سنه. فإن ابن عمه الذي كان دائم الشغب بالمنزل، سمع عن نشوب حرب في الشمال، فقال لوانج لنج: «يقال إن هناك حربًا في الشمال منَّا. سأذهب وأنضم إليها إن أعطيتني فضة أشتري بها ملابس أخرى وفراشًا وبندقية أجنبية أحملها على كتفي.»

أعطاه وانج لنج الفضة في الحال، وقال لنفسه: «هذا حسن، فلربما يُقتل؛ لأن كثيرين يموتون في الحرب أحيانًا.»

إذن فقد ابتهج نفسًا، ولو أنه كان يخفي بهجته، وأخذ يهوِّن الأمر على زوجة عمه عندما بكت قليلًا لما سمعت بذهاب ابنها إلى الحرب.

وأخيرًا حصل وانج لنج على السكينة إذ لم يبقَ هناك غير عجوزَين نعسانَين بالمنزل الريفي. أما في منزل المدينة فاقترب موعد ولادة حفيد وانج لنج.

لما دنت ساعة الولادة هذه، كان وانج لنج يمكث أوقاتًا أكثر في منزل المدينة، يتأمل فيما حدث، وأنه يسكن هو وزوجته وأولاده وزوجات أولاده في هذا المنزل الذي كانت تعيش فيه أسرة هوانج العظيمة. والآن سيولد فيه طفل من الجيل الثالث.

ملأت الغبطة قلب وانج لنج حتى انتفخ فرحًا، ولم يعزَّ نقوده على شراء أي شيء. وصمم على أن يأكل الأطعمة الفاخرة، وذاق جميع الأشياء التي يأكلها الأغنياء كما أكل منها أولاده ولوتس أيضًا. ولما رأت كوكو كل ما آل إليه أمرهم، ضحكت وقالت: «هذا أشبه بالأيام الماضية عندما كنت في هذه الأبهاء.»

ظل وانج لنج ينتظر قدوم حفيده، وهو جالس لا يقوم بأي عمل. وذات صباح ذهب إلى أبهاء ابنه الأكبر، فقابله ابنه وهو يقول: «حانت الساعة، ولكن كوكو تقول إن الوقت سيطول.»

عاد وانج لنج إلى بهوه الخاص وجلس. ولأول مرة في سنوات عدة تملَّكه الخوف وأحس بالحاجة إلى معونة إله ما فنهض وذهب إلى حانوت البخور، واشترى بعض البخور واتجه إلى معبد المدينة ليحرق البخور أمام ربة الرحمة.

وبينما وانج لنج يراقب الكاهن وهو يضع عيدان البخور في الرماد، قال في ذهنه فجأة والرعب يتملكه: «وماذا إذا لم يكن حفيدًا، بل طفلة!» فصاح يقول بسرعة: «إذا كان حفيدًا دفعت ثمن ثوب جديد أحمر للربة، وإن كانت بنتًا لم أدفع شيئًا!»

وبسبب عدم تفكيره في هذا من قبل، خرج واشترى مزيدًا من البخور رغم أن اليوم كان قائظًا ومُتربًا. وذهب إلى معبد الريف الصغير الذي فيه الربان المشرفان على الحقول والأرض، وغرس البخور في الرماد وأوقده، ثم تمتم يقول للربين: «لقد اعتنينا بكما؛ والدي وأنا وابني، فإذا لم يكن المولود ابنًا فلا شيء لكما بعد ذلك!»

وأخيرًا بدا له أن الوقت سرعان ما سيكون ليلًا، وقد انتظر طويلًا. ودخلت لوتس تستند إلى كوكو، لثقل جسمها وصغر قدميها، وضحكت وقالت بصوت عالٍ:

«حسنًا، لقد جاء ابن في هذا البيت لابنك، رأيت الطفل، وإنه لجميل وصحيح الجسم.»

فضحك وانج لنج أيضًا، وقال: «كنت جالسًا هنا كرجل ينتظر مجيء ابنه البكريِّ، ويخاف من كل شيء.»

ولما عادت لوتس إلى حجرتها، جلس ثانيةً، وفكر في نفسه يقول: «لم يعترِني هذا الخوف عندما ولدت زوجتي الأخرى أول مولودها، ابني.» وجلس صامتًا، وتذكر في مخيلته ذلك اليوم الذي ذهبت فيه وحدها إلى الحجرة المظلمة الصغيرة، وولدت وحدها الأبناء ثم الأبناء والبنات. وكانت تلدهم في سكون. وكيف أنها كانت ترجع بعد الولادة وتشتغل ثانية إلى جانبه. ويبدو له أن ذلك كان منذ عهد طويل.

•••

عندما صار عمر الطفل شهرًا، أَوْلَم ابن وانج لنج وليمة الولادة، فدعا إليها عظماء المدينة. وصبغ عدة مئات من بيض الدجاج باللون الأحمر الدموي، وقدم منها لكل مدعو، وأقام لهم وليمة وعمَّ الفرح جميع أرجاء البيت. وعندئذٍ تذكر وانج لنج الثوب الأحمر الذي نذره لربة الرحمة. وعلى هذا ذهب إلى المعبد ودفع ثمنه.

وبينما هو عائد إلى البيت، أقبل شخص يجري من حقول الحصاد ليخبره بأن تشنج راقد يموت فجأة، وطلب أن يأتي إليه وانج لنج ليراه وهو يموت.

كان طعام الظهر معدًّا لوانج لنج على المائدة، ولكن بالرغم من ذلك، ورغم أن لوتس نادته كي ينتظر حتى تأتي شمس المساء، فإنه ذهب إليه. فأرسلت لوتس وراءه عبدة تحمل مظلة من الورق المطلي بالزيت. بَيْد أنه كان يجري بسرعة حتى إن العبدة كانت تجد مشقة بالغة في الاحتفاظ بالمظلة فوق رأسه.

بالمظلة فوق رأسه.

ذهب وانج لنج من فوره إلى الحجرة التي وُضِع فيها تشنج، فجلس إلى جانبه، وأمسك بيده، وانحنى فوقه وقال في أذنه بصوت مرتفع: «ها أنا ذا قد جئت، وسأشتري لك نعشًا لا يفوقه إلا نعش والدي فقط!»

إذا كان تشنج قد سمع وانج لنج، فإنه لم يُبدِ أية إشارة. وإنما كان يلهث وهو يحتضر حتى مات وهو على تلك الحال.

عندما لفظ تشنج نفسه الأخير، انحنى فوقه وانج لنج وبكى بكاءه على موت والده. وطلب نعشًا من أجود نوع، واستأجر كهنة للجنازة، وسار خلفه مرتديًا ملابس الحداد البيضاء. وإمعانًا في الحزن، جعل ابنه الأكبر يضع شريطًا أبيض حول مفصلَي قدميه، كما لو كان الميت أحد أقاربه، رغم أن ابنه تذمر قائلًا: «ما كان إلا رئيس خدم، ولا يليق أن يحزن المرء على خادم بهذه الطريقة.»

لو تُرِكَ وانج لنج يفعل ما يشاء، لدفن تشنج في مقبرة أسرته حيث دفن والده وأو-لان. غير أن أولاده لم يسمحوا له بذلك.

دفن وانج لنج تشنج عند باب السور، وقنع بما فعله، وقال: «هذا عمل صحيح؛ إذ كان يقف دائمًا بيني وبين الشر.» وأمر أولاده بأن يدفنوه، عند موته، في أقرب موضع من تشنج.

بعد ذلك كان وانج لنج لا يذهب لرؤية أرضه إلا لمامًا، أقل من أي وقت مضى، لأن تشنج مات. ولكنه لم يتحدث قط عن بيع قدم واحدة من أية قطعة.

وضع وانج لنج أحد العمال وزوجته وأولاده ليعيشوا في المنزل الريفي ويعنوا بالعجوزَين الحالمَين بالأفيون، ثم قال لابنه الأصغر: «يمكنك أن تأتي معي إلى المدينة، وسأصحب معي بلهائي المسكينة أيضًا. وستعيش معي في البهو الذي أعيش فيه. إن المكان هنا موحش لك، ولا يوجد هنا مَن يعلِّمك شئون الأرض، إذ قد ذهب تشنج.»

وهكذا أخذ وانج لنج معه ابنه الأصغر وبلهاءه، ولم يعد يأتي بعد ذلك إلى البيت القائم في أرضه إلا نادرًا، وبعد مدة طويلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤