الباب الثلاثون

يبدو أنه لم ينقص وانج لنج شيء ما، وصار في مكنته الآن أن يجلس على كرسيه في الشمس بجانب بلهائه. وكان من الممكن أن يسير الأمر على هذا المنوال، لولا أن ابنه الأكبر لم يكن قانعًا قط، بل كان يطلب المزيد دائمًا. فجاءه ذات يوم، يقول: «سيتزوج أخي الأصغر مني بعد ستة شهور، وليس لدينا من الحجرات ما يكفي. أقصد أننا يجب أن نستأجر الأبهاء الخارجية أيضًا. ويجب أن يكون لدينا ما يلائم أسرة لها من الأموال والأراضي مثل ما نملك.»

برِمَ وانج لنج بابنه الأكبر، وضاق ذرعًا، وصاح يقول: «افعل ما يحلو لك، افعل ما يحلو لك .. غاية ما في الأمر، لا تزعجني به!»

ما إن سمع الابن هذا من أبيه حتى خرج مسرعًا لئلا يغيِّر أبوه رأيه. ولما جاء العيد، وقُدِّرت الإيجارات، وجد عامة الشعب أن الإيجارات قد رُفِعَت بنسبة كبيرة، فاضطُروا إلى الانتقال من مساكنهم، وهم يتذمرون ويلعنون؛ لأن الرجل الغني يستطيع أن يفعل ما يريد.

استدعى ابن وانج لنج النجَّارين، وأصلح الحجرات وأعاد بناء البرك، وجمَّل كل شيء بقدر ما يعرف للجمال معنًى.

خرجت النقود التي أُنفِقت في كل ذلك من يد وانج لنج شيئًا فشيئًا، وما كان سيعرف كم من النقود أعطى، لولا أن جاء ابنه الثاني إلى البهو ذات صباح وقال: «أمَا من نهاية، يا أبتاه، لإنفاق كل هذه الأموال؟ وهل نحن في حاجة لأن نعيش في قصر؟»

وجد وانج لنج أن هذَين الأخوَين سيتنازعان بسبب هذا الموضوع، فقال: «كل هذا إكرامًا لحفل زواجك.»

فأجابه الشاب بقوله: «إنه لمن الأمور العجيبة أن يتكلف حفل الزفاف عشرة أضعاف ما تتكلفه العروس، فهذا ميراثنا يُنفَق، لا لشيء سوى فخر أخي الأكبر.»

فقال وانج لنج بسرعة: «سأكلم أخاك، وأُقفل يدي.»

تحدث وانج لنج إلى ابنه الأكبر في ذلك المساء، فقال: «كفى إنفاقًا للفضة، هذا يكفي!»

كان الابن الأكبر على استعداد لأن يطيع أباه الآن؛ إذ كان راضيًا كل الرضا بما عمله في الحجرات وفي الأبهاء، على الأقل حتى ذلك الوقت. ولكنه قال ثانية: «فلنكتفِ بهذا، ولكن هناك شيء آخر؛ إنه لأخي الأصغر الذي هو ابنك؛ فلا يليق أن يشب في جهله هذا المطبق. يجب أن نعلِّمه شيئًا. يمكننا أن نُحضر له مدرسًا ليعلِّمه. ولما كنت أنا موجودًا بالمنزل لأساعدك، وأخي الثاني في تجارته الناجحة، فلندع الصبي يختار ما يريده.»

فقال وانج لنج أخيرًا: «أرسله هنا إليَّ.»

•••

ما هي إلا برهة حتى جاء الابن الثالث ووقف أمام أبيه، فرأى وانج لنج أمامه غلامًا طويلًا نحيل العود لا يشبه أباه ولا أمه إلا في أن له صمت أمه.

فقال وانج لنج: «يقول أخوك أنك ترغب في تعلُّم القراءة. وأظن أن هذا يعني أنك لا تريد أن تعمل في الأرض، وأنه لن يكون عندي ابن يرعى شئون الأرض.»

قال هذا بحسرة. ولكن الصبي لم يرد عليه بشيء. وأخيرًا غضب وانج لنج من صمته وصاح فيه: «لماذا لا تتكلم؟ أحقيقي أنك غير راغب في الإشراف على الأرض؟»

فأجاب الصبي بكلمة واحدة: «نعم.»

فصاح وانج لنج ثانية وقد أحس بأن أبناءه يسيئون إليه: «وماذا يعنيني ما تفعله؟ اغرب من أمام وجهي!»

انصرف الغلام بسرعة، فقال وانج لنج لنفسه إن ابنتَيه لَأفضل من كل أبنائه. ومع ذلك، فقد فعل كما كان يفعل دائمًا بعد ذهاب غضبه؛ أن يترك أولاده يفعلون ما يشاءون. فنادى ابنه الأكبر وقال له: «أحضِر مدرسًا للابن الثالث إذا أراد ذلك.»

ونادى ابنه الثاني وقال له: «بما أنه ليس لي ولد يُشرف على الأرض، فمن واجبك إذن أن تُعنَى بأمر الإيجارات والأموال الآتية من الأرض في كل موسم حصاد.»

سرَّ الابن الثاني كثيرًا بهذا التكليف؛ إذ يعني أنه سيعرف ما تغله الأرض. وحتى في يوم زفافه كان حريصًا في إنفاق النقود، فمنح الخدم والإماء أقل مبالغ يمكن أن يُمنحوها، حتى خجل أخوه الأكبر وأعطاهم نقودًا أخرى من عنده. وهكذا دب الشقاق بينهما، حتى في يوم الزفاف.

لم يَدعُ الابن الأكبر غير القليل جدًّا من أصدقائه إلى حفل زواج أخيه؛ لأنه كان يخجل من دناءته، ولأن العروس ليست سوى فتاة قروية.

يبدو أن لا أحد ممن يعيشون في ذلك البيت العظيم الآن، كان في راحة بال، ما عدا الحفيد الصغير الذي وُلِد لوانج لنج. وهذا هو مَن كان وحده يسبب راحة ضمير وانج لنج. فلم يشبع من النظر إليه والضحك معه، وإنهاضه عندما يقع.

لم يكن هناك هذا الحفيد وحده؛ لأن زوجة الابن الأكبر كانت تلد بانتظام، وكذلك زوجة الابن الثاني أيضًا كانت تلد في مواعيدها، فأنجبت بنتًا أول ما أنجبت، كما يليق بها احترامًا لزوجة شقيق زوجها. وعلى ذلك، في خلال خمس سنوات، كان لوانج لنج أربعة حفداء وثلاث حفيدات. وامتلأت الأبهاء بضحكهم وبكائهم.

ليست خمس سنوات بشيء يُذكر في حياة المرء، إلا إذا كان صغير السن جدًّا، أو بالغ الشيخوخة. وإن كانت تلك السنوات قد أعطت وانج لنج كل هؤلاء الحفداء، فقد أخذت منه الحالم العجوز عمه.

لم يعلم وانج لنج في أية ساعة مات عمه، سوى أنه كان راقدًا ميتًا عندما دخلت الخادم ذات مساء لتقدم له طبقًا من الحساء. فدفنه وانج لنج في يوم قارس البرودة، ووضع نعشه في مقبرة الأسرة في مكان منخفض عن قبر والده بقليل، ولكنه أعلى من المكان الذي أعده وانج لنج لنفسه.

صنع وانج لنج ملابس الحداد لجميع أفراد أسرته. وظلوا سنة كاملة يضعون شارة الحداد؛ إذ كان هذا من الواجبات المرعية في الأُسَر العظيمة عندما يموت أحد أقاربها.

بعد ذلك نقل وانج لنج زوجة عمه إلى منزله بالمدينة، وخصَّص لها حجرة في نهاية بهو بعيد، وعبدة تُعنى بها. واشترى لها نعشًا من الخشب. فظلت هذه العجوز تمص أفيونها في رضًا تام، ونعشها بجانبها حيث تستطيع رؤيته وتطمئن على نفسها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤