النقد الثاني والأربعون

٣ / ٦ / ١٩٥٣
رمضان: خلقت أحاديث رمضان جوًّا روحيًّا موفقًا، انتعش به العقل والقلب، فكانت السيدة وداد سكاكيني متمردة في حملتها على الوعظ الذي أمسى تكرارًا مملًّا لا يتصل بروح رمضان، وحملت حملة شعواء على خطأ الناس في الدين، وتصييرهم إياه جبة وعمامة، فذكرتني بالإمامين محمد عبده والأفغاني، لقد شبهت السيدة سكاكيني الحديث في رمضان بزي أصبح مبتذلًا، وعندي أن ليس حديث رمضان وحده أمسى هكذا بل كل الأحاديث الوعظية ما خلا نفرًا قليلًا من الأئمة والكهنة الذين يحاولون بحث هذه الموضوعات على نمط جديد لا يبتعد عن روح الدين، ولا يتوكأ على الكلام المعتاد، كحديث الشيخ طاهر سبيطة الذي تكلم عن سمو الإسلام بالإنسانية، فأرانا بإيجاز وبلاغة أن الله قريب من عباده، وهذه روح دين الرحمن الرحيم.

وجال الأستاذ بهيج عثمان جولة موفقة في مجاهل الأدب العربي، فأسمعنا ما قاله في رمضان كل من الأخطل والبحتري وابن الرومي وابن عباد وأبي العتاهية وشوقي، فكان حديثه حيًّا بأقوال هؤلاء، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم.

وتحدث الأستاذ الكبير ميخائيل نعيمة في موضوع جديد عنوانه: «ملاذنا الأول والأخير» وعدد أنواعًا كثيرة من النكبات حتى عد موت حيوان عزيز نكبة، وأخيرًا تخلص إلى أن لا ملاذ لنا — أولًا وآخرًا — إلا في الدين، ولو وعظ ألف مطران ومليون خوري لا يؤثرون في الناس مثل كلام رجل خرج من الحظيرة، ثم عاد يقول: إنها الملاذ الأول والأخير.

أما الكاتب الكبير الأستاذ محيي الدين النصولي الذي لم يفارق الحظيرة قَطُّ فكان كلامه صادرًا من أعماق قلبه، تزينه ديباجته الأنيقة الدمقسية النسيج، وهو يتفق مع الأستاذ نعيمة في أن ليس للناس موئل إلا الدين.

وقدم الأستاذ اللوزي شخصيتي الأسبوع، فحدثتنا الدكتور قسطنطين زريق عن التربية ومشاكلها شاكيًا ضعفها عندنا، ثم تعرض للتعليم الآلي، فرأى أنه يخرج تلاميذ بلا شخصية.

ولما سئل عن أَحَبِّ المناصب إليه أجاب: التدريس، وما أظن المربي الحق إلا كبير أمناء الأمة، وحسبه هذه الوظيفة.

أما الشخصية الثانية، وهي الأستاذ جميل المكاوي المستقيل حديثًا من السلك الخارجي، فأرانا بوضوح ودبلوماسية مشاكل لبنان، وفشله في إنشاء الوطن والدولة، ورأى أن هناك ستين ألف عامل بلا عمل، فهل من يصف الدواء لهذا الداء؟

وفي حصاد الفكر العالمي تحدثت الأستاذة زاهية أيوب ملخِّصة كتاب «مستقبل النشء» لكاتب إفرنسي كبير، وقد أعجبتني منه نظرته إلى البكالوريا التي خلبت عقول الفتيان، وهي شهادة ثانوية ليس إلا، كما أعجبني تطبيق السيدة أيوب لأقوال الكاتب على هذه الديار التي تتلهَّى من العلم بالقشور.

أما الأقاصيص الثلاث، فكان خيرها أقصوصةً الأستاذ رشاد دارغوث، وعنوانها: «ربيع الرسول»، كان أسلوبها شعريًّا، والأسلوب الشعري عنصر هام في الأقصوصة، بل إذا خلت منه فاتها شيء كثير.

وهنا لا بد لي من ملاحظة عامة: إن كلمة وحده هي منصوبة دائمًا على الحالية لا تدخل عليها اللام حتى يقال لوحده، ولا تأتي مجرورة إلَّا في قولنا نسيج وَحْدِه.

وكلمة «طيلة» خطأ لغوي، ويقال طوال لا طيلة، أما «حيث» فلا يكون الاسم بعدها إلا مرفوعًا.

وكذلك لا يقال: زف الشيخ إلى زوجه، فالزوجة تزف لا الرجل.

أما حضرة الشيخ إبراهيم، فنصيحتي له ألا يكتفي بمعجم واحد ليعلم أن معنى الزخم الدفع الشديد، فليراجع الفيروزآبادى إذا شاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤