النقد السابع والستون

١٨ / ٥ / ١٩٥٤

قابل الأستاذ حسني فريز في حديثه «الآباء والأبناء» بين السلف الصالح والجيل الطالع، وذكر الإمام علي بن أبي طالب الذي كان يخصف نعله ويحمل حوائجه، فذكرني بذاك الشاب الذي كان يفتش عن حمال ينقل له حاجة صغيرة إلى بيته، فتقدم منه جورج واشنطن المتنكر وذهب بتلك الحاجة وسلمها لأم الشاب قائلًا: قولي لابنك: إن عتاله كان جورج واشنطن، ثم دفع لها الأجر الذي أخذه من ابنها.

وحدثنا الأستاذ أنور أحمد عن أثر المرأة في حياة كبار أدبائنا، فإذا ببطلة قصة «عودة الروح» لتوفيق الحكيم هي بنت الجيران، وإذا بتلك الرواية التي قامت عليها شهرة الحكيم هي ثمرة حبه الأول، كما أن حبه الثاني كان في باريس، وبرزت صورته ناتئة في «عصفور من الشرق»، ثم ذكر العقاد في قصته سارة، والصاوي في «حياة قلب»، والرافعي في «رسائل الأحزان» و«أوراق الورد».

ألا رحم الله مي التي أثرت في الكثيرين ثم ذهبت هي ضحية واحد …

وكان حديث الأستاذ إسماعيل الحبروك في ركن «بيني وبينك» نافعًا للأمهات والآباء معًا، فدراسة الولد وسياسته ومعاونته في شق طريقه نحن أحوج ما نكون إليها؛ لأن الأطفال هم نواة المجتمع وشجيرات الروضة الإنسانية، فإذا ما أحسنا سياستهم وتوجيههم خلقنا ناسًا في أحسن تقويم، وحسنًا قال الصاغ أركان حرب كمال الدين حكيم لمقدمه الأستاذ محمد علوان في ركن شخصية الأسبوع: إنه أول ما يُعنى به هو تربيته بنيه، ولو أن كل واحد قد فعل فعله لخدم وطنه أجل خدمة، فالوطن برجاله.

وتحدث الأستاذ رافائيل بطي عن الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر وأسلوبه، فعرَّفنا بشخصية أدبية كنا نجهلها، فهل لي أن أسمي الأستاذ بطي محيي الموءودين بعد ما رأيت من عنايته بمن لا يذكرهم أحد؟

أما أطرف الندوات، فكانت ندوة الكاتبة المجاهدة السيدة أمينة السعيد، كانت تلك الجلسة حملة شعواء على الرجعيين المقاومين لحقوق المرأة. أدلت السيدة أمينة ورفيقتها بالحجج الدامغة التي تؤيد تلك الحقوق، حتى إذا أدت بهن خاتمة المطاف إلى الطلاق رفعت السيدة أمينة السعيد الصوت جهرة مطالبة بالتعويض للمرأة متى طلقت عملًا بقانون العمال والموظفين … إنها صرخة مؤلمة، والجمرة لا تحرق إلا في موضعها كما يقول المثل عندنا …

فإلى السيدة أمينة أقول: إلى الإمام، وإذا لم تفلحي في صومتك الأولى فتذكري أن دودة القز تصوم أربع مرات لتكسو الناس خزًّا وديباجًا …

وأقصوصة الآنسة أنجل عبود حسنة السياق لولا أن الآنسة كانت تجعل نصف الجملة من الفصيح، والنصف الآخر من العامي، «دخلك يا ستي، كما يساوي هذا الكتاب»، فالحوار إما أن يكون فصيحًا كله أو عاميًّا كله، وليس طريفًا أن تتكلم الخادم بلغة العوام، وتجيبها سيدتها بلهجة خواص الخواص.

أما شعر الأستاذ عبد النور إبراهيم فكانت قوافيه من التعابير الجاهزة، لا تبقي ولا تذر، وفي خدها صعر، وفي الجملة كان الشاعر شديد التأثر بالقديم، فجاء نسجه شديد الأسر، ولكن الخيال فيه نادر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤