نضال الحركة المصرية للتحرُّر الوطني منذ تأسيسها حتى إعلان الأحكام العرفية في مايو عام ١٩٤٨م

تقرير من هنري كورييل إلى رفاقه بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في سبتمبر-أكتوبر ١٩٥١م.

تمهيد

منذ فبراير سنة ١٩٤٨م والحركة الشيوعية المصرية تعيش أخطر أزمة عرفتها من حيث العمق والاستمرار والآثار المصاحبة لها إذ ركزت الحركات والانقسامات المختلفة التي تنتمي بدرجات شديدة التفاوت إلى الماركسية، هجماتها على الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي كانت أهم تنظيم شيوعي مصري في بداية سنة ١٩٤٨م.

إن هناك مع هذا حدثًا رئيسيًّا في الصراع الأيديولوجي في الحركة، وهو الحدث الذي ظهر بصفة خاصة في المواقف العملية، ثم أخذ يتضح يومًا بعد يوم، فقد تكون معسكران: «الحركة الديمقراطية للتحرُّر الوطني» من ناحية، ومن الناحية الأخرى جميع التنظيمات والانقسامات التي كانت تتناسى خلافاتها لتتحالف ضد الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني؛ أي التيار الثوري الذي تمثله في الوقت الحاضر الحركة الديمقراطية أساسًا، والتيار الانتهازي بأشكاله المختلفة والمتنوعة التي تميل إلى التكتل لإفشال العمل الثوري.

أدَّى هذا الصراع داخل الحركة الشيوعية المصرية إلى سيل من الافتراءات والانتقادات الموجهة ضد الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بهدف إنكار جميع الأعمال الإيجابية للحركة، أي الجانب الثوري من نضالها في مصر؛ ويعرض هذا التقرير، الذي كتب على عجل في ظِل ظروف صعبة، الأعمال الرئيسية للحركة المصرية للتحرُّر الوطني والحركة الديمقراطية للتحرُّر الوطني في إيجاز، فهو لا يُعد دراسة تاريخية ولا سياسية، ولا يشكِّل محاولة للنقد أو النقد الذاتي، حيث إن الهدف منه هو مواجهة الافتراءات والانتقادات، بالتذكير السريع بأعمال أولئك الذين حاولوا إنشاء حزب شيوعي مصري جدير بأن يحتل مكانًا بين الأحزاب الكبيرة الشقيقة في النضال ضد الإمبريالية العالمية من أجل السلام والاشتراكية، على أساس من مبادئ ماركس وإنجلز ولينين وستالين.

نضال الحركة المصرية للتحرر الوطني ثم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني منذ تأسيسهما حتى إعلان الأحكام العرفية في مايو سنة ١٩٤٨م

مقدمة: إن الغرض من هذا التقرير هو إبراز النواة الثورية التي تأسَّست في الحركة المصرية للتحرر الوطني، تلك النواة التي شكلت بالاتحاد مع العناصر الثورية في إسكرا نواة النضال في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، وهي الحركة التي لا يزال النضال مركزًا بها إلى حد كبير؛ أما الوصف التفصيلي لجميع أعمال هذا التيار السياسي المصري فهو أمر يستحيل علينا في ظِل الظروف الحالية.

يمكننا تقسيم حياة الحركة المصرية للتحرُّر الوطني إلى خمس فترات على أساس الظروف الملموسة الخاصة بميلادها وتطورها وتأثيرها الكبير على نشاطها واتجاهاتها؛ وسنكتفي في هذا التقرير بالحديث عن الفترات الأربع الأولى من نشاط الحركة المصرية للتحرر الوطني، أما الفترة الخامسة فسنتحدث عنها فيما بعد؛ حيث إن ظروف كتابة هذا التقرير لا تتيح لنا العرض التفصيلي لعمل الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (٢) منذ إعلان الأحكام العرفية في مصر حتى اليوم.

(١) الفترة الأولى

(١-١) منذ تأسيس الحركة في سنة ١٩٤٣م إلى رفع الأحكام العرفية في سنة ١٩٤٥م

كان للانتصارات العالمية التي ولدت في ظلِّها الحركة المصرية للتحرر الوطني (سحق الجيوش الفاشية في ستالينجراد، والاندحار النازي في العلمين) انعكاس على الرأي العام المصري إذ خلق الصعود المتزايد للقوى الديمقراطية العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي، والهزائم السياسية والعسكرية والفاشية ظروفًا مواتية جدًّا لتأسيس حركة شيوعية مصرية ثورية بحق بشرط أن تتوافر لها القيادة الجيدة والعناصر السليمة.

(١-٢) ميلاد الحركة المصرية للتحرر الوطني

ولدت الحركة المصرية للتحرر الوطني على أثر انشقاق مجموعة صغيرة من العناصر الماركسية غير المصرية التي كوَّنَت حركة إسكرا المنتسبة أيضًا إلى الماركسية، وكانت مشكلة «التمصير» هي السبب في الانشقاق، إذ اعتبرت العناصر الإسكرية الحديث عن ضرورة «تمصير» الحركة الشيوعية وهي لا تزال جنينًا تطرُّفًا وطنيًّا، وفضلت الاحتفاظ بتركيبها العضوي وقيادتها غير المصرية بدعوى أن الفصل بين المصريين والأجانب، والعمال والمثقفين أمر غير وارد «بين الشيوعيين».

كان «التمصير» إذَن هو شعار الحركة التي اتصلت عناصرها بمثقفين مصريين ينتمي أغلبهم إلى البرجوازية المصرية شديدة الفقر، فحمل هؤلاء مذهب الماركسية — اللينينية — الستالينية إلى مجالات عمل أخرى: الطلبة، العمال … إلخ؛ واستمر النشاط الناجح للحركة المصرية للتحرر الوطني في هذا الاتجاه حتى سبتمبر سنة ١٩٤٣م؛ حيث انشقت فجأةً مجموعة من المثقفين المصريين والأجانب الذين ألفوا مجموعة «تحرير الشعب» ذات القيادة الأجنبية، برغم شعار «كل المسئولية للمصريين» الذي اتخذوه، وقد انهارت هذه المجموعة التي لم يتعدَّ عدد أعضائها الثلاثين عضوًا في سنة ١٩٤٧م.

إن الحركة المصرية للتحرر الوطني، برغم ضعفها وبساطتها، لم تتخلَّ أبدًا عن واجبات النضال منذ اليوم الأول لإنشائها:

(١-٣) بين المتمردين اليونانيين

ساعدت الحركة المصرية للتحرر الوطني المتمردين اليونانيين بفعالية في القاهرة والإسكندرية فأمدَّتهم بالمؤن أثناء حصار الجيش البريطاني لهم، وعاونتهم على الهرب والاختفاء، وعلى طباعة وتوزيع نداءاتهم؛ وقد قدمت الحركة المصرية في هذا السبيل تضحيات كبيرة، وأظهرت تفانيًا لا يمكن إثباته في هذا التقرير.

(١-٤) بين العمال

في عام ١٩٤٣م، تضامنت الحركة المصرية للتحرر الوطني مع الحركة النقابية المتصاعدة وشاركت في إعداد قانون عقد العمل الفردي؛ وفي سنة ١٩٤٤م، طورت الحركة نقاط ارتكازها في مجالات نشاط مختلفة، وبصفة خاصة في التجمع العمالي القريب من القاهرة؛ شبرا الخيمة التي تضم ١٥٠٠٠ من عمال النسيج، وكذا في بعض الأحياء العمالية بالإسكندرية، في مصنع السجائر، وبين الميكانيكيين الذين يعملون بالطيران الحربي وبالهندسة، كما اتصلت بعمال المطابع الأميرية وعمال ورش ومخازن السكة الحديد، وعمال شركة قناة السويس بالإسماعيلية.

النضال الخارجي: الذي أخذ خلال هذين العامين ١٩٤٣-١٩٤٤م خطًّا واسعًا جدًّا تبعًا لإمكانات ومبادرة الأعضاء أو مجموعات الأعضاء العاملين في أحد الأوساط، وتبعًا لإمكانات هذا الوسط بدون توجيهات محددة من القيادة إذ كانت الحركة عاجزة عن إدارة أو تنسيق هذه الأعمال؛ ولقد تضاءل هذا الضعف شيئًا فشيئًا مع نمو المد الثوري وتزايد قوى الحركة نفسها.

في سنة ١٩٤٥م استمرَّت الحركة المصرية للتحرر الوطني في تطوير نقاط ارتكازها بين العمال ومدتها إلى الأقاليم لا سيما المحلة الكبرى، مركز صناعة النسيج الكبير الذي يضم حوالي ٣٠٠٠٠ من عمال النسيج الآلي وعشرات من عمال النسيج اليدوي، كما شاركت في عدد من الإضرابات الاقتصادية الكبرى في شبرا والمحلة بنشر وتوزيع المنشورات على نطاق أوسَع من العام السابق.

في شبرا الخيمة، نظمت بعض كوادر الحركة إضرابًا عامًّا للمطالبة بإعادة فتح النقابات التي أغلقتها الحكومة؛ ضم الإضراب ١٥٠٠٠ عامل، واستمر عشرة أيام اضطر بعدها العمال إلى التراجع، ولكن الحركة المصرية للتحرر الوطني نادت بتكوين لجان تنفيذية عن طريق الانتخاب المباشر في المصانع، وذلك للحفاظ على وحدة العمال بالدائرة رغم الإغلاق التعسفي للنقابة، استجاب العمال لهذا النداء وشُكِّلت بالمصانع لجان تتبع لجنة تنفيذية إقليمية انتُخِب بها أعضاء من الحركة المصرية للتحرر الوطني.

وفي الإسكندرية، ناضلت عناصر الحركة المصرية بفعالية داخل نقابات النسيج العمالية التي يسيطر عليها أرباب العمل، وحصلت على ثقة العمال بتشكيل لجان من ممثلي المصانع، وقد أخذت هذه اللجان في البداية شكل لجان الإعانة الاجتماعية.

هكذا لعبت الحركة المصرية للتحرر الوطني دورًا هامًّا جدًّا بين عمال النسيج وعمال الحكومة والجيش، وتمكنت جزئيًّا من القضاء على تأثير الأحزاب البرجوازية في هذه الأوساط العمالية التي ظهر بينها اتجاه جديد، فلأول مرَّة تنعزل الطبقات العمالية التقدمية عن هذه الأحزاب لتقوم ببناء قوتها المستقلة، ومنذ ذلك الحين والعمال أكثر قدرة على مقاومة استغلالها لهم في الصراعات الحزبية والبرلمانية.

قامت الحركة المصرية أيضًا بنشاط كبير من أجل تمثيل مصر في الاتحاد العالمي للنقابات فرشَّحت اثنين من أعضائها لهذا الغرض، وجمعت تفويضات عديدة لهذين المرشحين الذين يضمهما رسميًّا الوفد المصري، كما أعدت جميع التقارير والدراسات المقدمة للاتحاد العالمي للنقابات F.S.M.؛ وبينما يقوم أعضاء الحركة المصرية بالنشاط الدعائي داخل التجمعات العمالية والنقابات لبيان أهمية مشاركة مصر في الاتحاد العالمي، تعمل الحركة المصرية للتحرر الوطني على تأسيس مؤتمر نقابات العمال بالشركات الصناعية والتجارية (الخدمات العامة، صناعات ذات طابع احتكاري … إلخ).

وفي هذه الفترة انضمَّت مجلة «العهد الجديد» العمالية إلى الحركة المصرية للتحرر الوطني التي استعملتها للدعاية للديمقراطية وفي نضالها الوطني.

(١-٥) المشاركة في النضال الاقتصادي

شاركت الحركة المصرية للتحرر الوطني، بالإضافة إلى عملها السياسي ونشاطها في مجال الإعداد في المراكز العمالية، في النضال الاقتصادي لعمال النسيج والأحذية، وعمال الجيش؛ وقد أعطى هذا النضال نتائج إيجابية، منها زيادة أجور عمال النسيج، وتجميع القوى العمالية بغرض إنشاء النقابات المختلفة.

(١-٦) المشاركة في النضال الوطني

في سنة ١٩٤٤م أعدَّت الحركة المصرية للتحرر الوطني تحليلًا للحركة الوطنية في مصر، وحددت فيه المطالب الوطنية، التي لم تكُن واضحة آنذاك، فطالبت بالجلاء، وإلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦م واتفاقية سنة ١٨٩٩م.

أُنشِئ في آنٍ واحد داخل الحركة قسمان: أحدهما: نوبي والآخَر: سوداني، ولقد أصبح القسم السوداني فيما بعد الحركة الشيوعية الوحيدة في السودان؛ الحركة السودانية للتحرر الوطني التي حافظت بعد استقلالها على صِلات النضال الوثيقة التي تربطها بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

أحسَّت الحركة في هذه الفترة بالحاجة إلى جريدة تصبح منبرًا سياسيًّا لها فحصلت على مجلة سودانية تصدر في القاهرة باللغة العربية وهي مجلة «أم درمان» التي أُسمِيَت «النضال المشترك»؛ وتُعد هذه المجلة أول لسان للحركة يعرض آراءها في النضال الوطني وأيضًا في بعض المسائل ذات الأهمية المحلية؛ وقد نشرت المجلة رأيها في المسألة السودانية، ودافعت عن ضرورة النضال المشترك لشعبي مصر والسودان من أجل تحقيق الاستقلال الوطني، وجلاء جيوش الاحتلال الإنجليزية، في مواجهة البرجوازية التي تنادي بوحدة مصر والسودان تحت التاج المصري.

لقد كانت الحركة المصرية للتحرر الوطني هي الحركة الشيوعية المصرية الوحيدة التي تبنَّت موقفًا مستقلًّا من هذه المشكلة، وقد أوضحت الحركة أن على السودانيين، بعد تحرير وادي النيل من قبضة الإمبريالية، ممارسة حقهم الكامل في تقرير المصير بالوحدة أو الانفصال، أو أي حل آخَر.

(١-٧) أنشطة أخرى

طورت الحركة المصرية للتحرر الوطني نشاطها خلال هذه الفترة في مراكز أخرى: الجنود، صف الضباط، الموظفون بالجيش، الجامعة، الجامعة الدينية (الأزهر) وأيضًا في مدن الأقاليم.

هناك أيضًا عملها بين الأسرى الإيطاليين والألمان؛ حيث ساعدت على إصدار نشرتين سريتين باللغتين الإيطالية والألمانية، وقد قامت هاتان النشرتان بدعم الحركة المعادية للفاشية بين الأسرى.

(٢) الفترة الثانية

تبدأ هذه الفترة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث هبت الشعوب الخاضعة للاستعمار تناضل بشراسة من أجل التحرر الوطني بعد الهزيمة الساحقة للفاشية ونمو القوى الديمقراطية لا سيما الاتحاد السوفييتي.

(٢-١) مشاركة الحركة المصرية للتحرر الوطني في النضال الوطني

في نوفمبر سنة ١٩٤٥م رأت الحركة المصرية للتحرر الوطني في الإضرابات التي اندلعت بشائر المد الثوري فاستعدت للمشاركة في النضال وتوجيهه إلى المطالب الوطنية السابق تحديدها وهي: «الجلاء الفوري عن مصر والسودان، إلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦م واتفاقية سنة ١٨٩٩م الخاصة بالسودان.»

كانت الحركة المصرية للتحرر الوطني تعتقد أن المعارضة البرجوازية، لا سيما الوفد الذي أُبعد عن الحكم، ستعمل على تطوير النضال بين الطلبة المحدد شهر أكتوبر لعودتهم إلى الجامعة، فقامت في ٦ أكتوبر سنة ١٩٤٥م، اليوم المحدد لبدء الدراسة في الجامعة، بتوزيع عشرين ألف نسخة من منشورين:

أحدهما: موجَّه إلى الطلبة والعمال والجماهير الكادحة وينادي بالنضال.
والآخر: يخاطب الجنود والبوليس.

ولكن شيئًا لم يحدث في هذا اليوم إذ اتفق الوفد مع حكومة النقراشي على تفادي المظاهرات، وأفسد الإخوان المسلمون محاولة الوحدة داخل الجامعة، وكانت الحركة المصرية للتحرر الوطني أو الحركة الشيوعية بصفة عامة أضعف من أن تقود الحركة بمفردها، فنادت بعقد المؤتمرات المحلية للدعاية والتحريض على الثورة والنضال الفعَّال من أجل تحقيق المطالب الوطنية، وقد انتهت هذه المؤتمرات بسلسلة من المظاهرات؛ وزعت الحركة المصرية أيضًا منشورًا ينادي بالنضال الوطني ويكشف خيانة الأحزاب البرجوازية وتخليها عن النضال الوطني.

لقد كانت الحركة المصرية للتحرر الوطني هي الحركة الشيوعية الوحيدة التي تشارك في النضال الوطني، بينما اكتفت الحركات الماركسية الأخرى ﺑ «مراقبة» المد الثوري غير الطبيعي في رأيهم؛ ومع هذا امتدت دعوة الحركة المصرية للثورة إلى الشباب الوفد الذي تزايد ضغطه على القيادة الوفدية، وقد زاد من اشتعال ثورة الحركة المصرية للتحرر الوطني المذكرة الضعيفة التي بعث بها النقراشي إلى إنجلترا تحت الضغط الشعبي، طالبًا بدء المفاوضات.

في عطلة أعياد المسلمين نادت الحركة المصرية للتحرر الوطني بانتخاب لجان تنفيذية في الجامعة والمدارس تمهيدًا لانتخاب لجنة تنفيذية للطلاب، وقد رفعت النداء نفسه بين عمال شبرا الخيمة التي أُجريت بها انتخابات جديدة وتم بالفعل انتخاب لجنة تنفيذية محلية بها.

وفي ديسمبر تم تشكيل اللجنة الطلابية التنفيذية من الجامعيين وطلبة المدارس الثانوية وطلاب الأزهر، وكان أعضاؤها من الشيوعيين والتقدميين، وقد أثَّر هذا العمل التنظيمي تأثيرًا كبيرًا على الحركة الوطنية في سنة ١٩٤٦م.

(٢-٢) موقف الحركة المصرية للتحرر الوطني من المشكلة الفلسطينية

في الثاني من نوفمبر سنة ١٩٤٥، اليوم الموافق لذكرى إعلان بلفور، حاول الإخوان المسلمون، بتحريض من الإمبريالية والحكومة المصرية، إثارة المظاهرات المعادية للسامية، وقاموا بالفعل بمذبحة حقيقية في حماية البوليس، ولكن الحركة المصرية للتحرر الوطني استعدت لهذا اليوم وكشفت هذه المناورة في منشور يحدد المطالب الوطنية مرة أخرى ويربطها بالمشكلة الفلسطينية، ويرفع الشعارات المعادية للإمبريالية والرجعية العربية والصهيونية؛ وقد أوضحت مجلة «النضال المشترك» موقف الحركة من المشكلة: «استقلال البلاد، جلاء الجيوش الإمبريالية، وحق تقرير المصير للعرب واليهود» إذ رفضت الحركة رؤية المشكلة من زاوية «الهجرة» كما فعلت إسكرا حتى لا تحول الاهتمام عن المشكلة الرئيسية.

لقد استمرت الحركة المصرية للتحرر الوطني في جهودها لدعم الحركة الوطنية فرأت في الأعياد الدينية والتجمعات الشعبية فرصة مواتية لتحقيق الارتباط العضوي بين الطلبة والعمال فأثارت سلسلة من المظاهرات شعارها النضال الوطني، كما وزعت منشورًا بهذا المعنى، وقد اشترك في هذه المظاهرات العمال والطلبة والجماهير.

تحقق إذَن الارتباط العضوي بين العمال والطلبة داخل الحركة المصرية للتحرر الوطني التي أنشأت «اللجنة الوطنية للعمال والطلبة»، وهي لجنة تمثل عمال شبرا الخيمة، وعمال مؤتمر النقابات، وعمال الشركات الكبرى، بالإضافة إلى طلبة الجامعات والمدارس الأخرى، وقد انضمت إليها فيما بعد رابطة طلاب كليات الأزهر، ورابطة خريجي الجامعات، ورابطة خريجي المدارس الصناعية.

بدأت اللجنة عملها في تنظيم الحركة الوطنية تحت إشراف الحركة المصرية للتحرر الوطني في النصف الثاني من يناير سنة ١٩٤٦م، أي في الوقت الذي أدركت فيه الحركات الأخرى لا سيما إسكرا أن المد الثوري ليس صناعيًّا كما تزعم، فاضطرت، تحت ضغط من قواعدها وبخاصة الطلبة، إلى المشاركة في النضال، وإذ رأى الإخوان المسلمون أن قيادة النضال القومي انتقلت إلى الشيوعيين، الأمر الذي قد يؤدي إلى انعزالهم وتخلفهم، انضموا إلى إسكرا في المطالبة بانتخابات جديدة لإعادة تشكيل اللجنة التنفيذية للطلاب وانتخبت بالفعل لجنة جديدة في نهاية يناير، وأحرز الشيوعيون في هذه الانتخابات فوزًا كبيرًا يليهم الوفديون، ثم الإخوان المسلمون فالمستقلون وبعض ممثلي الأحزاب الأخرى، وقد انسحب الإخوان المسلمون من اللجنة بعد فترة قصيرة لأنهم وجدوا التيار الوطني بقيادة الشيوعيين والوفديين شديدًا جدًّا عليهم.

كانت كوادر الحركة المصرية للتحرر الوطني هي التي تقود النضال وتشجِّع الطلبة عليه، عاملة على إبعاد وكشف الإخوان المسلمين الذين يحاولون بث الخوف والتراجع، وفي الخامس والسادس والسابع من فبراير نظمت لجنة الطلاب التنفيذية مظاهرات ضخمة في الأحياء الشعبية بقيادة الشيوعيين والوفديين، وقد فشل الإخوان المسلمون في تحويل المتظاهرين الذين كانوا يهتفون بالشعارات الوطنية.

وفي مظاهرة التاسع من فبراير التي رُفع فيها شعار «الجلاء بالدماء» اصطدم البوليس بالطلبة على كوبري عباس في مذبحة النقراشي الشهيرة التي أسفرت عن مئات من الجرحى وأكثر من عشرة من القتلى.

كان لهذه الأحداث آثار خطيرة استغلتها الحركة المصرية للتحرر الوطني لمضاعفة جهودها التنظيمية فطلبت من العمال الانضمام إلى الطلبة في الجامعة التي حاصرها البوليس والجيش غداة هذا اليوم، وقد انتهى هذا الحصار بصدامات عنيفة أُحرقت فيها الزينات المعدة بمناسبة عيد ميلاد الملك في الحادي عشر من فبراير، وقُتل فيها الطالب السوداني الشاب محمد علي من مجموعة مجلة «أم درمان»، واجتمع الطلبة في كلية الطب للسهر على جثمان زميلهم، وحاصرهم البوليس بها يومين وليلتين، ثم لجأ إلى الغازات المسيلة للدموع والأعيرة النارية لسرقة جثمان الطالب وتحطيم مقاومة المتظاهرين الذين هاجموا الشعلة الملكية عدة مرات.

كانت الحركة المصرية للتحرر الوطني آنذاك توزِّع المنشورات، التي تدور كلها حول القضية المصرية، مطالبة باستقالة النقراشي، وقد اضطر هذا الأخير بالفعل إلى الاستقالة إزاء الضغط الشعبي الضخم وخلفه صدقي باشا فوزعت الحركة في اليوم ذاته منشورًا بعنوان «صدقي عدو الشعب رقم ١» كما قادت مجلة «النضال المشترك»، (أم درمان سابقًا) بالاشتراك مع صحافة المعارضة حملة واسعة ضد صدقي باشا الذي اضطر إلى التنازل قليلًا أمام الحركة الوطنية بغرض استنزافها.

كان يوم ٢١ فبراير هو يوم الجلاء، فاستعدت له اللجنة الوطنية للعمال والطلبة بنشر النداءات وتوزيع المنشورات، كما أعدت له عدته الحركة المصرية للتحرر الوطني وإسكرا، فوزعت المنشورات العديدة — بين العمال بصفة خاصة — لشرح مضمون النضال الوطني، ونادت «بضرورة الإعداد للنضال المسلح».

هكذا بلغت الحركة الوطنية درجة من القوة أفزعت الإمبريالية والرجعية اللتين تحاولان القضاء على الحركة الشيوعية في مصر، لماذا؟ لأن الشيوعيين هم الداعون للاحتفال بهذا اليوم الذي شارك فيه الوفد على استحياء، ولم يشارك فيه على الإطلاق الإخوان المسلمون؛ وقد أدى النجاح الكبير الذي حققه هذا اليوم إلى زيادة النفوذ الشيوعي في الجامعة، والإقلال من نفوذ الإخوان المسلمين، بالرغم من محاولاتهم إفساده بالاشتراك مع التجمعات الفاشية التي شكلت لجنة وطنية أخرى تولت إذاعة الدولة الدعاية لها.

إن أهمية هذا اليوم الذي أُعلن «يومًا لنضال الشعوب المستعمرة» ترجع إلى اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، القيادة الشعبية الجديدة من نوعها في مصر، وإلى تأييد الجماهير التي أعربت عن شكها في الأحزاب البرجوازية التقليدية الخائنة، وانضمام هذا العدد الكبير من عمال النسيج والترام والأوتوبيس والمقاولات العامة والسينما … إلخ، إلى الطلبة والجماهير الوطنية المصرية.

بعد هذا عجزت الحركة المصرية للتحرر الوطني عن الحفاظ على هذا المستوى من النشاط؛ إذ سيطرت العناصر الانتهازية على لجنة العمال والطلبة وقادتها في طريق المهادنة والتبعية، الذي لم يكُن ليقودها إلا إلى الفشل، ولم تملك الحركة حيال هذا إلا توزيع المنشورات وفضح هذه السياسة في مجلتيها «النضال المشترك» و«العهد الجديد»؛ ومع هذا، وبالرغم من الهدوء النسبي الذي ساد القاهرة والإسكندرية عقب فترة الثورة ناضلَ أعضاء الحركة المصرية بطريقة عفوية مع الجماهير في الرابع من مارس، يوم الحداد الوطني على أبطال ٢١ فبراير، وفي مظاهرة الإسكندرية الكبرى يوم السادس من مارس، كما امتد تأثير الحركة إلى الأقاليم؛ حيث قاد أعضاء الحركة مظاهرة كبرى في المنصورة والزقازيق وأسيوط.

وبعد فترة قصيرة انهارت اللجنة الوطنية لأسباب عديدة لا داعي لذكرها جميعًا اكتفاءً بالسبب الرئيسي في هذا الانهيار، وهو ضعف الحركة الشيوعية وعجزها عن التخلص من هذا الضعف من خلال المد الثوري.

قامت عندئذٍ المجموعات الماركسية المختلفة: الحركة المصرية للتحرر الوطني – إسكرا – تحرير الشعب – الفجر الجديد، بتشكيل لجنة للتنسيق بينها في القطاعات العمالية والطلابية، كما أسست تنظيمًا طلابيًّا جامعًا هو «اتحاد الطلاب المصريين» ويُعد إنشاء هذا الاتحاد انتصارًا للحركة المصرية التي دعت إلى تنظيم طلابي «جامع» في مواجهة فكرة تكوين تنظيم «أحمر» التي روَّجت لها «إسكرا».

أخذ اتحاد الطلاب المصريين يستعد بنشاط للمشاركة في مؤتمر جمعية الطلاب الدولية التي أرسلت إليه دعوة لحضوره، وقرَّر إيفاد عضوين، أحدهما من الحركة المصرية.

والآخَر من إسكرا، ولكن عضو إسكرا سافر بمفرده لوجود عضو الحركة المصرية للتحرر الوطني بالسجن آنذاك.

في ١٦ مارس سنة ١٩٤٦م احتفل الديمقراطيون المصريون وعلى رأسهم الشيوعيون بجلاء الجيوش الإمبريالية من سوريا ولبنان، وحدثت صدامات دموية مع الإخوان المسلمين الذين تدخَّلَت النيابة لحمايتهم؛ وفي الثامن من أبريل نظَّمَت الحركة المصرية، بالاشتراك مع الديمقراطيين الآخرين، مظاهرات واسعة في مقر مؤتمر نقابات عمال مصر وفي الجامعة لتكريم الوفد السوداني عملًا بشعار الحركة المصرية «نضال مشترك ضد عدو مشترك، وحق تقرير المصير للسودانيين».

(٢-٣) بين العمال العاطلين

في بداية سنة ١٩٤٦م حاولت الحركة المصرية جاهدةً تنظيم العمال المسرحين من ورش الجيش البريطاني الحربية، وحثَّت على إنشاء اتحاد يجمعهم بالقاهرة والإسكندرية.

انضم هذا الاتحاد فيما بعد إلى مؤتمر نقابات عمال مصر، وأثارت مظاهرات العاطلين التي نظمها ضجة صحفية؛ وفي الإسكندرية قام عدة آلاف من العمال العاطلين بمسيرة تلبية لدعوة قيادة الحركة المصرية للتحرر الوطني.

(٢-٤) المؤتمر الدولي للسيدات الديمقراطيات

في يونيو سنة ١٩٤٦م، أوفدت الحركة المصرية للتحرر الوطني إحدى عضواتها حاملة تفويضات من العاملات للمشاركة في مؤتمر السيدات الديمقراطي التي مثلت إسكرا فيه ثلاث مبعوثات.

(أ) أول مايو ١٩٤٦م

في هذا اليوم احتفل الديمقراطيون بالعيد العالَمي للعمال، وطالبوا بالدعوة لمؤتمر من أجل إنشاء اتحاد عام للنقابات المصرية.

تدخل البوليس لتفريق المؤتمرين الذين عادوا للاجتماع مرة أخرى، ولكن المواقف الانتهازية للفجر الجديد حالت دون بلوغ المؤتمر النتيجة المأمولة.

(ب) في نهاية مايو ١٩٤٦م

نظمت الحركة المصرية للتحرر الوطني أكبر إضراب عرفته مصر في تاريخها، ووقفت «إسكرا» تراقب عن بعد، بينما حاول «الفجر الجديد» إفساده، مثله في ذلك مثل الإخوان المسلمين.

استمر الإضراب خمسة أيام وشارك فيه ١٥٠٠٠ ألف عامل من شبرا الخيمة، وكانت أهدافه هي ضمان حق الإضراب، والحفاظ على مستوى الأجور التي يرغب أرباب العمل في تخفيضها، وإيقاف فصل العمال.

هذا، وقد نظمت الحركة المصرية أيضًا إضراب عمال شركة غزل القطن بالإسكندرية.

(ﺟ) ١١ يوليو ١٩٤٦م

طالبت الحركة المصرية للتحرر الوطني بتشكيل لجنة اتصال للتنسيق بين الحركات الديمقراطية في النضال ضد مشاريع صدقي باشا الإمبريالية في المفاوضات مع إنجلترا، وتشكلت بالفعل لجنة من مجلة «النضال المشترك»، واتحاد الطلاب المصريين، ونظيريه السوداني والنوبي، والشباب الوفد، وشباب الكتلة (الكتلة الوفدية المستقلة)، والشبان المسلمين، والشباب السعدي الحر، وشباب الحزب الوطني … إلخ.

نظمت هذه اللجنة المظاهرات بمناسبة ذكرى قصف الأسطول البريطاني للإسكندرية في الحادي عشر من يوليو، وشاركت الحركة المصرية والجرائد في هذه المناسبة بتوزيع المنشورات ونشر النداءات.

(٣) الفترة الثالثة

(٣-١) من ١١ يوليو سنة ١٩٤٦م إلى سبتمبر سنة ١٩٤٧م: تجمع القوى الرجعية

تشهد هذه الفترة نهاية «الرخاء» الاقتصادي والصناعي الناتج عن الحرب: ارتفع معدَّل البطالة والتسريحات، وأخذ مستوى الأجور في الهبوط، بينما أصبحت الإضرابات العمالية أشد قسوة وأقل نجاحًا لازدياد شراسة وسائل القمع؛ حيث أصبح «النظام القائم» الأداة الطبيعية التي تستخدمها الإمبريالية لتحطيم الحركة الشعبية، والوقوف في وجه المطالب الاقتصادية والنقابية للعمال ولطبقات الشعب المختلفة التي تناضل من أجل رفع مستوى المعيشة.

ومع هذا تفشل الحكومات المتعاقبة في محاولاتها لهدم الحركة الشيوعية، فتتجمع القوى الرجعية بقيادة الإمبريالية للقضاء على الحركة الوطنية في بدء المفاوضات الإنجليزية المصرية، وتحاول أولًا تصفية الحركة الشيوعية في ١١ يوليو سنة ١٩٤٦م؛ حيث يُلقي صدقي باشا القبض على أكثر من مائتي شخص بتهمة تدبير «مؤامرات تخريبية» كما يقوم بإغلاق الأندية والجرائد التقدمية؛ ولكن تنظيم الحركة المصرية السري يتصدى للمحنة بقوة؛ إذ لم يقبض إلا على خمسة من أعضائه بالرغم من أعماله العديدة، ويقوم التنظيم بعد يومين بكشف الأهداف الحقيقية لحملة صدقي باشا الإرهابية كما يصدر العدد الأول من مجلة «المقاومة» نصف السرية، التي تم طبعها في مطبعة التنظيم السرية، وقد قامت هذه المجلة بدور هام في النضال ضد صدقي باشا ومحاولات التراضي مع الإمبرياليين الإنجليز وكشفت عن ضعف وانهزامية بعض مثقفي الحركة الذين انشقوا وشكلوا حركة مستقلة باسم «العصبة الماركسية» منذ أن ضربت الرجعية ضربتها الأولى.

(٣-٢) موقف الحركة المصرية للتحرر الوطني من النضال

لم تنجح «حملة» صدقي باشا في تنفيذ مشروع الإمبريالية والنظام الرجعي الحاكم في مصر إذ انضم الوفد والكتلة، تحت الضغط الشعبي، إلى الحملة الشرسة التي قام بها الشيوعيون والديمقراطيون ضد مفاوضات صدقي-ستانسجات Stansgate (ستانسجات): إن الجامعة فتحت أبوابها في أكتوبر، وبدأ الطلبة، في القاهرة والإسكندرية، سلسلة من حركات الاحتجاج التي كانت كثيرًا ما تُفضي إلى صدامات دموية مع البوليس والجيش، فأعلن «الحصار» الدائم للجامعة بقوات من البوليس والجيش، وفي نهاية سنة ١٩٤٦م اضطر صدقي باشا إلى تقديم استقالته التي كرست نهائيًّا فشل مشروع صدقي-بيفن.

في هذه السنة الدراسية، قدمت الحركة المصرية للتحرر الوطني مشروع ميثاق وطني للطلبة إلى لجنة التنسيق بين الحركات الماركسية، وقام اتحاد الطلاب المصريين بتقديمه إلى شباب الأحزاب المختلفة الذين وافقوا عليه جميعًا باستثناء الإخوان المسلمين، فطُبع الميثاق وتم توزيعه بتوقيعات جميع الموافقين عليه.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يصدر ويُوزَّع فيها في مصر ميثاق وطني يحدِّد بوضوح الأهداف الوطنية ويتعهَّد بالنضال من أجل تحقيقها؛ وبعدها أصبح الشيوعيون، بتحالفهم مع الشباب الوفدي، القوة الرئيسية في الجامعة.

في سنة ١٩٤٧م، يستأنف طلبة الجامعة؛ بالقاهرة والإسكندرية، النضال فيحتفلون بذكرى توقيع المعاهدة الإنجليزية-المصرية بخصوص السودان (سنة ١٨٩٩م) في ١٩ يناير؛ وتنظم الحركة المصرية للتحرر الوطني وإسكرا مظاهرات كبرى للاحتفال «بيوم نضال شعوب المستعمرات» في ٢١ فبراير فيتدخل البوليس بعنف ويفتح الكوبري الذي يصل شبرا الخيمة بالقاهرة لمنع العمال من التظاهر.

في ٣١ مارس: مظاهرات دموية بمناسبة جلاء الإنجليز عن القاهرة والإسكندرية، ويشارك في هذه المظاهرات عناصر من إسكرا والحركة المصرية للتحرر الوطني التي تفضح هذا الجلاء الزائف، ويردد فيها الشعب الشعارات الموجه بعضها ضد السراي خادم الإمبريالية.

في مايو، حوَّل العمال الأعضاء بالحركة المصرية للتحرر الوطني جنازة صبري أبو علم باشا أحد أمناء الوفد إلى مظاهرة وطنية واسعة ضد الإمبريالية، وفي العاشر من أبريل «يوم السودان» كشفت الحركة المصرية علنًا في المظاهرات وفي المجلات والمنشورات عن المواقف الانتهازية للوفد السوداني.

ثم نادت الحركة المصرية بعد هذا «بنقل المشكلة المصرية إلى مجلس الأمن» إذ كانت هذه هي الحلقة التي تتيح للنضال الوطني فرصة التطور، وذلك لعدم استعداد الشعب للقتال المسلَّح بعد فشل المفاوضات المباشرة.

أخذ هذا النداء يتكرر، وأخذ مضمونه في الاتساع حتى أصبح شعارًا وطنيًّا تُسانده جميع القوى الديمقراطية في البلد فاضطرت حكومة النقراشي تحت الضغط الشعبي إلى حمل المسألة المصرية إلى مجلس الأمن.

في هذه الفترة، بدأت أيضًا الحركة المصرية للتحرر الوطني في طبع مجلة «نضال العمال» في مطبعتها السرية الخاصة، وقد أدَّت هذه المجلة دورًا كبيرًا في الدفاع عن الحقوق العمالية وربط نضالهم بالنضال الوطني ضد الإمبريالية.

ومن الأعمال الاقتصادية للحركة في هذه الحقبة أيضًا إضراب الميكانيكيين الحربيين بمطار ألماظة القريب من القاهرة، وقد نجح هذا الإضراب تمامًا بعد أن احتل العمال مواقع العمل؛ لذا لزم التنويه.

(٣-٣) الوحدة

في مايو ١٩٤٧م، تكوَّنَت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني باتحاد الحركة المصرية للتحرر الوطني وحركة إسكرا؛ وفي الشهور الأولى لتكوينها كان العمل الخارجي صعبًا بسبب اتصالات ومشاكل التنظيم الداخلية.

وفي يونيو جمعت الحركة الديمقراطية التوكيلات، وقامت بالدعاية اللازمة لسفر المبعوثين إلى الاتحاد العالمي للنقابات لتمثيل مصر في اجتماع جمعيتها العامة برغم معارضة الحكومة والعقبات التي أقامها «الفجر الجديد»؛ كما شاركت بفعالية في إضراب خريجي المدارس الصناعية من أجل تحسين ظروف العمل.

كررت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني النداء بنقل المسألة المصرية إلى مجلس الأمن في صحافتها السرية والرسمية، وحاولت إيفاد أحد أمنائها لإسماع صوتها في الأمم المتحدة ولكن سفارة الولايات المتحدة رفضت السماح له بدخول الولايات المتحدة.

أعدَّت الحركة الديمقراطية أيضًا دراسة عن المسألة السودانية تتيح للأمم المتحدة إضعاف المواقع الإمبريالية بوادي النيل، ووجهت إلى الوفد المصري في مجلس الأمن نداءً بالمطالبة بوصاية مصر على السودان بدلًا من «وحدة مصر والسودان تحت التاج المصري» التي تُطالب بها البرجوازية المصرية، وبالاعتراف بحق السودانيين في تقرير المصير بعد جلاء الجيوش الإمبريالية؛ هذا بخلاف التقريرين عن معاهدتَي سنة ١٩٣٦م وسنة ١٨٩٩م.

في سبتمبر سنة ١٩٤٧م، ظهر وباء الكوليرا الذي ساهمت الحركة الديمقراطية في مكافحته؛ حيث شكَّلت بواسطة اتحاد الطلاب المصريين ولجان المصانع «لجانًا لمكافحة الكوليرا» في مختلف أحياء المدينة والمصانع والمدارس … إلخ، وأيضًا في الأقاليم؛ وقد ساعدت هذه اللجان على امتداد نفوذ الشيوعيين إلى الكثير من الأوساط.

وفي الشهر نفسه أضربَ المدرسون عن تصحيح الامتحانات بقيادة ومشاركة أعضاء الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

حاولت الحركة الديمقراطية إعادة تشكيل اللجنة الوطنية على قاعدة أكثر متانة فنادت «بتكوين لجان وطنية في المصانع والمدارس والأحياء الشعبية … إلخ»، وتضم هذه اللجان، إلى جانب الشيوعيين، أعضاءً من مختلف الأحزاب؛ وقد صاحبت هذه الحركة المنشورات والنشرات الرسمية وغير الرسمية، وعمل عدد من هذه اللجان بنجاحٍ أدَّى إلى امتداد نفوذ الحركة إلى الأحياء الشعبية، خارج الدوائر المحدودة للعمال والطلبة؛ وقد زادت هذه اللجان من وعي العمال الطبقي وإدراكهم لضرورة الوحدة العمالية.

وفي ديسمبر قادت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني وشاركت في إضراب المدرسين.

(٣-٤) مجالات جديدة للنشاط

امتد نشاط الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني إلى الأقاليم بالوجهين القبلي والبحري؛ حيث أسست مراكز لها في جميع مراكز المديريات تقريبًا، واتصلت بعمال الأتوبيس، وعمال النسيج الآلي واليدوي، وعمال محالج القطن؛ كما أنشأت قِسمًا جديدًا للحركة في دمياط وكفر الدوار وعشرات القرى التي أقيمت بها صِلات مع العمال الصناعيين وعمال مصانع السكر، فضلًا عن صِلاتها بالعصابات المسلَّحة في الريف.

وفي القاهرة، بدأ قسم المرأة في التطور بين المصريات فضم مثقفات، وعاملات … إلخ؛ واجتذبت الحركة أيضًا أعضاءً بالمطبعة الوطنية والنقابة، وبين الميكانيكيين والحجارين كما توسَّعَت بين عمال النسيج والسكك الحديدية ووكلاء النيابة.

(٣-٥) ملاحظات عن الفترة الثالثة

جدير بالذكر أن المشاركة العمالية في النضال الوطني خلال هذه الفترة أضعف منها في الفترة السابقة؛ ويعود هذا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، وتسريح عدد كبير من المناضلين النقابيين بالإضافة إلى ضعف التنظيمات العمالية إزاء الهجمات الوحشية المتكررة للرجعية التي لم تتردد في استخدام الدبابات والبنادق ضد العمال، فاضطر أولئك إلى التركيز ضد النضال الاقتصادي الذي كان بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت بحق (النضال ضد نقل المصانع إلى القاهرة … إلخ).

وبالرغم من هذا، فقد زادت هذه المحن الصعبة من إحساس الطبقات العمالية بوحدتها.

(٤) الفترة الرابعة

(٤-١) الإعداد لحرب فلسطين – إعلان الأحكام العرفية

عاد النقراشي باشا من مجلس الأمن معتقدًا أن الضجة التي أثارها والموقف الانتهازي لحزب الوفد الذي رفض كشفه طوال عرض المسألة المصرية بالأمم المتحدة نجحا في خداع الرأي العام، ولكن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني استقبلته في محطة القاهرة بمظاهرة عنيفة شاركت فيها السيدات.

أخذت إجراءات النقراشي لقمع الحركة الوطنية والحركة العمالية تزداد شدة، وأصبحت القاهرة والإسكندرية ساحتين للقتال ضد المضربين من العمال والممرضين، والطلبة والمدرسين والمهندسين … إلخ؛ وفي بداية سنة ١٩٤٨م وبرغم القمع البوليسي الشديد، حرضت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني الطلبة، بصفة خاصة، على القيام بسلسلة من الإضرابات وحركات الاحتجاج بمناسبة ذكرى معاهدة السودان.

وفور إعلان الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين الذي أيده الاتحاد السوفييتي أصبحت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني هي المدافع عن هذا المشروع برغم معارضة بعض أعضائها ومعارضة الحركات الماركسية الأخرى، وقد أثارت حملتها الصحفية الدعائية الرجعية التي وضعت قنبلة بالجريدة، والبوليس الذي يعتبر الحركة الديمقراطية العدو الرئيسي القادر على تهديد الجيش المصري من الخلف.

(٤-٢) ٢١ فبراير

رغم إجراءات البوليس الشديدة، احتفلت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني «بيوم نضال البلاد المستعمرة» بتوزيع المنشورات ونشر النداءات في مجلاتها؛ وقد حدثت مظاهرات في هذا اليوم بين عمال النسيج والطلبة ولكن البوليس منع العمال من بلوغ المدينة وفرق مجموعة صغيرة من المتظاهرين بميدان الإسماعيلية، موقع المظاهرات الكبرى في سنة ١٩٤٦م.

في أبريل، قام الضباط وصف الضباط بإضراب، وطالبت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بانضمام العمال والطلبة إلى الحركة فحدثت مظاهرات عنيفة بالقاهرة وبصفة خاصة في الإسكندرية، حيث أعادت مظاهرات العمال العنيفة ذكرى أيام سنة ١٩٤٦م العظيمة.

كان للمظاهرة الشعبية الناجحة التي نظمتها لأول مرة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في أحياء الجامعة والأزهر المكتظة بالسكان لتأييد مشروع تقسيم فلسطين تأثير كبير، وقد وجد البوليس صعوبة كبيرة في تفريق المتظاهرين، ولم ينجح في هذا إلا بعد القبض على بعض السيدات بالحركة.

(٤-٣) النضال في المجال الاقتصادي

يعود الفضل في النداء ﺑ «وحدة عمال المهنة الواحدة» إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي عمل أعضاؤها على دعمه من خلال الصحافة والمنشورات كما أنشئت اللجان التي تضم ممثلي المصانع والمناطق المختلفة، وذلك على الرغم من اعتراض الحكومة على هذا الشعار بكل الوسائل.

إن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني قامت بدور أساسي في إضراب المحلة الكبرى الذي شارك فيه حوالي ٢٥٠٠٠ من عمال النسيج، وقد انتهزت الحركة هذه الفرصة لمناشدة جميع عمال النسيج في مصر بالتضامن مع زملائهم فحدثت إضرابات ومظاهرات بين عمال شبرا الخيمة والإسكندرية … إلخ، وفي دمياط تظاهرت جميع المصانع وامتدت المظاهرات إلى المدينة ذاتها كما انعقد اجتماع يضم ممثلي العمال بهذه المناطق لتأييد مطالب المحلة وهي «تغيير النقابة الصفراء، وتعديل لوائح المصنع»، وكانت غالبية المشاركين في الاجتماع أعضاءً بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني أو مؤيدين لها.

انعقدت في هذه الفترة أيضًا اجتماعات لممثلي المطابع المختلفة.

قادت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني حملة قوية ضد مشروع «كادر عمال النسيج» الذي قدمته الحكومة، واحتجَّت عليه لجان المصانع التي تشرف عليها الحركة ونجحت بالفعل في إلغائه.

وإزاء ضعف الحركة النقابية قررت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني إنشاء مكتب نقابي للاتصال بعدد كافٍ من أعضاء النقابات بالقاهرة والأقاليم، وقد قدم المحامون الأعضاء بهذا المكتب خدمات لا تُحصى للعمال المناضلين ودافعوا عن حقوقهم، كما قام المكتب في أول مايو بجمع المساهمات لصالح عمال مصانع «سباهي» المضربين.

بالإضافة إلى هذا تولَّت الحركة طبع ونشر وتوزيع الكتب والمجلات التالية:

(٤-٤) الكتب

  • لماذا ساندنا الاتحاد السوفييتي؟

  • إندونيسيا المناضلة.

  • الجلاء عن فلسطين!

  • تقرير الرفيق جدانوف عن الوضع الدولي.

  • ملخص «رأس المال» لكارل ماركس.

  • أحمد حسين الفاشي.

  • الثالث عشر من نوفمبر، يوم الكفاح الوطني.

  • نريد أن نتعلم.

  • الحكومة والشعب.

  • مائتا مليون سيدة معنا.

  • الجبهة الشعبية.

(٤-٥) المجلات

  • «الجماهير»: مجلة سياسية أسبوعية تصدر رسميًّا ويوزع منها في المتوسط من ٧٠٠٠ إلى ٨٠٠٠ نسخة، ويبلغ الحد الأقصى في التوزيع ١٥٠٠٠ نسخة.
  • «نضال العمال»: مجلة أسبوعية نصف سرية.
  • «صوت الطالب»: من أعمال الحركة الديمقراطية أيضًا في هذه الفترة الإضراب الذي قام به الميكانيكيون بالمطارات الحربية من أجل رفع مستوى المعيشة، وقد حقَّق هذا الإضراب النجاح بعد أيام من بدايته، وأُلقي القبض أثناءه على بعض أعضاء الحركة بصفتهم «المحرضين» عليه، ولكن سرعان ما أُفرج عنهم بعد أن تضامن العمال معهم.

ينبغي هنا الإشارة إلى الأزمة الداخلية التي تنمو داخل الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني وتعرقل العمل بها منذ سنة ١٩٤٨م، وبالإضافة إلى هذا كان نضال أعضاء الحركة قاسيًا بسبب المعارضة الوحشية التي يصطدم بها يوميًّا من جانب البوليس السياسي؛ وقد قدم هؤلاء المناضلون تضحيات مادية لا نظير لها، وأظهروا روح فداء وتفانيًا فريدين.

خاتمة

قدمنا فيما سبق لمحة سريعة عن أعمال الحركة المصرية للتحرر الوطني ثم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بالخارج، ومنها يتضح:
  • (١)

    أن الحركة المصرية للتحرر الوطني هي الحركة الوحيدة التي حاولت منذ البداية:

    • ربط النظرية الماركسية بحركة الجماهير المصرية والعمال بصفة خاصة.

    • الاتصال بالمثقفين المصريين رغم معارضة غالبية العناصر غير المصرية آنذاك.

    • الاتصال بالعناصر الفقيرة والطبقة العمالية.

    • اجتذاب الأعضاء بصفتهم الشخصية.

    • قيادة بعض الأنشطة المحلية بطريقة غير مباشرة.

    • المشاركة الكاملة في صراع الطبقات وفي النضال الوطني.

    وقد عملت الحركة المصرية للتحرر الوطني في هذه المجالات بدون مساعدة خارجية باستثناء مجال الكتب والدراسات التي يصعب فهمها على أشخاص لا خبرة لهم.

    إن الحركة المصرية للتحرر الوطني لم تكن لتستطيع «البقاء» بعد كل الضربات التي وجهتها إليها الرجعية لولا خطها الثوري القائم على تجارب النضال المصري الملموسة في وقت لم تعرف فيه مصر العمل الثوري.

  • (٢)

    إن الحركة المصرية للتحرر الوطني هي الحركة الوحيدة التي أُعدت في أتُّون العمل، بعيدًا عن التأثير البرجوازي غير الثوري، مواقفها من المسائل الحيوية الخاصة بالنضال من أجل التحرير في مصر والسودان والبلاد العربية فكانت الحركة الوحيدة التي تبنَّت موقفًا مستقلًّا من المسائل الوطنية، في مصر والسودان، على أساس مبادئ الماركسية-اللينينية؛ حيث اعترفت بحق تقرير المصير للسودانيين، ونادت بإلغاء معاهدتي سنة ١٩٣٦م وسنة ١٨٩٩م، وطالبت بعرض المشكلة المصرية على مجلس الأمن؛ وكانت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني هي الحركة الوحيدة، سواء في مصر أو على الصعيد العربي، التي تبنَّت موقفًا سليمًا من المسألة الفلسطينية بالدفاع عن مشروع التقسيم.

    ويمكننا اليوم أن نؤكد أن الشعب بأجمعه وافق على الشعارات التي رفعتها الحركة المصرية للتعبير عن تطلعاته رغم اعتراض التنظيمات الأخرى عليها في كل مرة.

  • (٣)

    إن الحركة المصرية للتحرر الوطني هي الحركة الوحيدة التي اتخذت وحدة النضال أساسًا للتنظيم فحولته من تنظيم دراسي شبيه بنظام إسكرا إلى تنظيم نضالي يتفق تطبيقه مع تطور الحركة ويخدمه.

  • (٤)

    إن الحركة المصرية للتحرر الوطني هي الحركة الوحيدة التي لم ترَ في هجمات وضربات الرجعية داعيًا للخوف والقلق إذ اعتبرتها دائمًا سببًا للتفاؤل بمستقبل النضال، وقد نجحت الحركة بالفعل في التكيُّف مع الظروف المتغيرة والقاسية للحفاظ على سيرتها.

    لقد كانت الحركة المصرية هي الحركة الديمقراطية الوحيدة التي ردَّت على حملة صدقي الإرهابية بنشاط متزايد، كما كانت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني هي الحركة الوحيدة التي ساندت علنًا مشروع تقسيم فلسطين رغم هجوم الفاشيين والرجعية بأكملها، بينما سيطر التشاؤم والانهزامية على الحركات الأخرى؛ وكانت العناصر الثورية داخل الحركة الديمقراطية هي التي أصرَّت على دعم العمل الخارجي في الفترة الحرجة من فبراير إلى يونيو سنة ١٩٤٦م، بينما كانت عناصر إسكرا الانتهازية ترغب في التركيز على العمل الداخلي.

  • (٥)

    إن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني تشارك اليوم أيضًا بفعالية في النضال الوطني فتنمي ارتباطها بالطبقة العمالية وبالشعب بينما تجد التنظيمات الأخرى جميع الظروف صالحة للهرب من النضال مفضلة بث الفرقة والانقسام داخل الحركة الشيوعية.

    إن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، امتداد الحركة المصرية والحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، هي الحركة الأكثر تماسكًا، من ناحية الأيديولوجية والتنظيم، في الوقت الذي تزداد فيه الحركات الأخرى انقسامًا، وتكاد تصل إلى حافة اليأس، وهي اليوم تواصل نضالها من أجل التحرر الوطني، ومن أجل نظام ديمقراطي شعبي، ومن أجل الاشتراكية والسلام مليئة بالتفاؤل والثقة في القوى الديمقراطية الوطنية وعلى رأسها قوة الاتحاد السوفييتي ورئيسه الفذ الرفيق ستالين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤