وثائق مجموعة روما للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني مارس ١٩٥١–أبريل ١٩٥٨م

(١) عن التوسع (الانتشار)

تقرير من هنري كورييل
ميلان بتاريخ ٣١ /٣ /٥١

قلنا في تقرير سابق إن المشكلة الرئيسية المطروحة أمامنا هي مكافحة الانتهازية بشكلَيها الرئيسيَين وهما: الطائفية، والتطرف اليساري، اللذان يشتركان في المضمون: التردد وتراجع النضال، بل والخيانة الإجبارية لقضية الطبقة العمالية (البروليتاريا)؛ فالطائفية تعبِّر عن عدم الثقة في الطبقة العمالية وحلفائها — أي الشعب بأكمله — وقدرته على قيادة النضال من أجل التحرير؛ هكذا يُفسح المجال للبرجوازية الخائنة ومعسكر أعداء الشعب، ويُترك الشعب لجلاديه، ويساند التطرف اليساري هذا الاتجاه بكل ما يمتلكه من وسائل للدعاية النظرية الأيديولوجية، متجاهلًا الدور المباشر الذي يجب على الطبقة العمالية أن تلعبه في هذه الفترة، وهو بهذا التجاهل يترك قوى التحرر الوطني بدون قيادتها الطبيعية، كما يترك المجال مفتوحًا أمام البرجوازية الخائنة وكتلة أعداء الشعب؛ هكذا يلحق التطرف اليساري بالطائفية في نهاية الأمر.

قلنا أيضًا في تقريرنا إن هناك تيارَين داخل الحركة التقدمية: تيار «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» الذي يمثِّل نواة الحزب وطليعة التيار الثوري، والتيار الانتهازي المكوَّن من بقية التنظيمات التقدمية، وهو منبع قوى التردد والطائفية والتطرف اليساري.

كانت سياسة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في العام السابق سياسة ثورية قائمة على وجهة النظر المذكورة عاليه؛ والمضمون الرئيسي لهذه السياسة هو النضال ضد المعسكر الرأسمالي في المجالات المختلفة لنشاط الشعب المصري عمومًا من أجل التحرر، والسلام، والديمقراطية، ومن أجل تحقيق المطالب المادية للجماهير الكادحة والطبقة العمالية بصفة خاصة؛ هذا عن العمل الخارجي.

أما في الداخل فكان المضمون الرئيسي لسياستنا هو الكشف عن الانتهازية وإبراز السخط الشعبي، ونزع سلاح الانتهازيين في خداع ضحاياهم وهو الخلافات النظرية والسياسية، والصراع الأيديولوجي … إلخ، وفضح موقفهم المتهرب من النضال القائم على بعض النظريات الانتهازية التي يتيح تطبيقها الهروب؛ وبفضل هذه السياسة الحكيمة نجحت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في إضعاف المعسكر الانتهازي داخل الحركة التقدمية، وذلك بمواجهته بالنضال والكشف عن تردد زعماء هذا المعسكر إزاءه، ويمكننا ذكر هذا المثل لموقف هذه التنظيمات المتردد وتقاعسها عن النضال:
  • (أ)
    الموقف من تنظيم العمال: انقسمت الحركات الأخرى في اتجاهين، الاتجاه الأول هو اتجاه الأغلبية التي لم تتخذ موقفًا بخلاف ضم بعض العناصر العمالية التي لا قيمة لها (على أساس طائفي)، وإلقاء بعض المحاضرات — غير المفيدة علميًّا — عليها؛ أما الاتجاه الثاني فهو ممثل في تنظيم «نحو حزب شيوعي» وهو يهدف إلى تأسيس تنظيم أحمر منعزل عن الجماهير، وهذه سياسة قد ثبت فشلها؛ وفي الواقع فإن اتجاهنا وأسلوبنا في تنظيم العمال هو الذي ينتصر عادة.
  • (ب)

    الموقف من قانون المشتبه فيهم (معروف).

  • (جـ)

    الموقف من حركة السلام ولجنة السلام (معروف).

  • (د)

    الموقف من المجلة.

  • (هـ)

    الموقف من المغرب: ظهر تياران داخل الحركات الأخرى، واكتفى الحزب بالتساؤل وطرح المشكلة على الصعيد الدولي دون إعطاء توجيه عملي للجماهير أما الاتجاه الثاني فقد ربط هذه المشكلة بمشكلة فلسطين واعترض عمليًّا على أية مساندة للقضية المغربية.

هذه بعض الأمثلة للمواقف المترددة والمعارضة الواضحة للنضال في معظم الحالات، وقد أدَّى كشفنا عن المواقف الانتهازية للتنظيمات الأخرى، بالإضافة إلى تزايد قوة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني الواضح في الأعداد الكبيرة من المنشورات التي توزعها في كل المناسبات، إلى إضعاف التنظيمات الأخرى والنيل من مكانتها، ويمكننا ذكر الوقائع التالية لإثبات ما تقدم:
  • (١)

    إن تنظيم «نحو حزب شيوعي» يطلب الوحدة معنا، وبعض عناصره القيادية في طريقها إلى طلب الوحدة غير المشروطة، لكننا لن نقبل إلا بعد الاعتراف بالأخطاء والجرائم السابقة، وإقرار تحليلنا للأزمة السابقة.

  • (٢)

    يساند شهدي الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ويعترف بأن قادتها كانوا على حق.

  • (٣)

    طلب أحد قادة التنظيم الشيوعي المصري الاتصال بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

  • (٤)

    يؤيد الغزالي وبعض عناصر «النجم الأحمر» الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بقوة، ونحن نعتقد أنهم قد ينضمون إلينا بقليل من الجهد.

  • (٥)

    طلب حمدي وزوجته الانضمام إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بشرط إصدار نشرة (شرط غير مفهوم).

  • (٦)

    هناك بعض العناصر الهامة الأخرى في الطريق للانضمام إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

هذه بعض الأمثلة الدالة على نفوذ الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني وضعف المعسكر الآخَر؛ وبالنسبة للتطور المادي يمكنكم الاطمئنان، وسنرسل لكم قريبًا تقريرًا مفصَّلًا عن نشاطنا، ويكفي اليوم أن نخبركم إن لنا نقاط ارتكاز، بخلاف الميس elmaez وكليو cleo، في هذه المناطق: خمس مدن وثلاث عشرة قرية بالشمال بها حوالي خمسمائة من طالبي العضوية والمؤيدين، وثماني مدن بالجنوب؛ ولا شيء يحول دون جمع الآلاف من الأعضاء في وقت قصير إذا تم تعميق سياسة التنظيم القائمة على الثقة بالنفس وبالمعسكر الديمقراطي.
عن التوسع (الانتشار): رغم ما سبق فإننا نواجه بعض التردد في هذه المشكلة، ويعود هذا التردد إلى الاتجاهات الانتهازية الرافضة لسيطرة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني داخل الحركة الثورية، وهي تخشى هذه السيطرة لأنها تعني دمارها بصفتها عدوة للشعب؛ وقد ظهرت هذه الانحرافات في الاتجاه إلى عرض، أو بالأحرى «حصر»، التوسع في مشاريع «محددة» لإعداد كوادر قادرة على قيادة هذا التوسع ورفع مستوى الدعاية … إلخ، وغير ذلك من الاتجاهات … لكن هذا الاتجاه قد تم كشفه، ونعود اليوم لتأكيد ثقتنا في دورنا القائد الذي يجب علينا التمسك به بلا تردد.
كيف ننتشر؟
  • (١)

    يجب محاربة التردد في الانتشار وكشف جذوره، وهو ما قمنا به ولا نزال نقوم به.

  • (٢)

    ينبغي تحقيق الانتشار فورًا، لذا يلزم التالي:

    • (أ)

      الاهتمام بالخلايا وعملها، واعتبارها مصدر قوة للتنظيم والتحقُّق من أنها تمثل بالفعل مجالًا للعمل، وتصفية التنظيمات غير القائمة على إعداد مجال للعمل إلا إذا اقتضت المصلحة العامة الحفاظ عليها.

    • (ب)

      تبسيط عمل الخلايا والتحقُّق من قيامها بمهمتها في العمل الخارجي بصفة خاصة.

    • (جـ)

      تبسيط أساليب العمل حتى تصبح قادرة على خدمة العمل الخارجي والتكيُّف معه.

    • (د)

      تبسيط أساليب العمل على كل المستويات بحيث تدعم التنظيمات الأساسية وتوسعها.

    • (هـ)

      تأكيد مبدأ الإدارة الذاتية للتنظيمات المختلفة لا سيما الخلايا، والتحقق من عمل التنظيمات الداخلية بفعالية بناءً على توجيهات التنظيمات العُليا.

لتحقيق هذا ينبغي العمل فورًا على:

  • (١)

    إصدار مجلة «الكفاح» بصفة منتظمة لربط القاعدة في التنظيمات الخارجية العديدة بالمركز؛ وقد بدأنا باستخدام آلة تصوير لإصدارها.

  • (٢)

    إصدار مجلة نظرية: الوعي.

  • (٣)

    إعداد تقارير دورية في «الكادر».

  • (٤)

    الاستمرار في توزيع المنشورات بانتظام: في شهر مارس وزَّعنا خمسة منشورات بلغ مجموعها حوالي ٩٠٠٠٠ منشور.

  • (٥)

    دعم الخدمة الفنية وبخاصة المطبعة.

(٢) الوضع داخل الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني

ديسمبر سنة ١٩٥١م

مقدمة

إننا نرى من المفيد إرسال رأينا في الوضع داخل حركتنا، وهو رأي قائم على ما نعرفه، عن أنشطتها ومواقفها، وما يصلنا منها من رسائل، وأخيرًا على المناقشات مع الزملاء الزائرين.

ونحن نرغب، قبل كل شيء، في تجديد ثقتنا غير المحدودة بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في ظِل الظروف الداخلية التي تعترضها؛ وليعرف الزملاء أن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني هي، رغم البُعد، ما يُعطي لحياتنا معنًى، وهي الشيء الذي تتجه إليه أفكارنا وأنشطتنا؛ وبالإضافة إلى هذا نحن مع التيار الثوري، ممثَّلًا في القيادة وعلى رأسها الزميل بدر، في الصراع الداخلي ضد العناصر المترددة والانهزامية التي تمثل أيديولوجيات الطبقات الاجتماعية غير العمالية (البروليتارية).

وإذا كنا نريد أن تكون الحركة قادرة على القيام بمهامها، فمن المهم إعطاء رأينا الصريح في ضرورة الإصلاح الحاسم دون أن نتأثر باستخدام الانتهازيين لبعض الانتقادات ضد الحركة لأن مقاومة هؤلاء تقوم قبل كل شيء على إجادة عملنا الخاص الذي يسلبهم تبريراتهم، ويكشفهم ويفقدهم تأثيرهم.

هناك اعتبار آخَر ينبغي مراعاته: لقد جنحنا دائمًا، في مواجهة ما يستهدفنا من جانب المترددين والمستسلمين من هجمات شديدة ووشايات، إلى التركيز على الجوانب الإيجابية للحركة، وفي مواجهة أولئك الذين يؤكدون «فشل» الحركة و«فشل» الشيوعيين المصريين، دافعنا عن إنجازات الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي أصبحت عنصرًا حاسمًا من عناصر الحياة الوطنية في مصر، وفي مواجهة المتشائمين كان تفاؤلنا يقوم على تقدير إيجابي للنضال في الماضي؛ وكنا على حق.

لكن الخطير هو أن يؤدي هذا الموقف إلى «تبرير» ضعفنا بدلًا من الاعتراف به والتغلب عليه، وإلى التظاهر والمكابرة؛ بما يفقدنا أجمل ما يتحلَّى به المناضل العمالي من صفات وهو التواضُع؛ إن رفض رؤية العيوب يقود إلى الرد على النقد ودفعه بصفات جارحة، وإلى تعريض وحدة الحركة للخطر (أو تحقيق الحماية لها بطرد جميع المعارضين حتى نظل «فيما بيننا») والتنازل عن الطريقة الجادة الوحيدة للتقدم، وهي الاستفادة من الأخطاء.

لقد وضع الحزب الشيوعي بالاتحاد السوفييتي سلاحًا قويًّا في متناول الطبقة العمالية الدولية، هذا السلاح هو النقد والنقد الذاتي الذي ركَّز على أهميته الحاسمة المؤتمر التاسع عشر؛ وعلينا احترام تعاليم المؤتمر التاسع عشر إذا كنا نريد الاعتراف، فعلًا لا قولًا فقط، بأهميته التاريخية (لنا عودة إلى هذه النقطة في تقرير خاص).

(٢-١) نقاط الضعف

وحتى يكون التقرير كاملًا، ينبغي أن يشتمل على تحليل للجوانب الإيجابية والسلبية معًا لمواجهة الحملة التي يقوم بها الانتهازيون ضد الحركة، لكن ظروفنا لا تسمح بذلك، لذا سنكتفي بالحديث عن نقاط الضعف دون ذكر التوسع في نشاط الحركة وتزايد تأثيرها، وذلك للتركيز بصفة خاصة على أهمية علاج ضعفنا حتى يمكن للحركة أن تقوم بالدور المنوط بها في الحياة الوطنية لأن التقدم تبعًا لقوانين الجدلية (الديالكتيك)، يتحقَّق بالتغلب على نقاط الضعف وليس بتنمية الجوانب القوية في العمل فقط.

إن هذه النقاط، في رأينا، خطيرة:
  • (أ)
    الضعف الأيديولوجي وضعف الصراع الأيديولوجي: لن نتوسع هنا في هذه النقطة الأساسية في رأينا؛ حيث إن هناك تقريرًا مُعدًّا عنها.
  • (ب)
    الاتجاه التصفوي: وهو الاتجاه إلى إنقاص قدر العمل داخل الحزب بالمقارنة بالعمل الخارجي أي الاتجاه إلى إتمام العمل خارج الحزب لا من «خلاله»، وعدم الربط بين العمل الخارجي والداخلي، مما يؤدي، والحال هكذا، إلى اعتبار العمل الداخلي «سخرة» إضافية ينبغي هجرها في سبيل مهام العمل الخارجي «الهامة»، وإلى الإقلال من دور الخلية وإنشاء «مكاتب» تقوم بالفعل بأكبر جزء من العمل (الخارجي) خارج التدرج التنظيمي للحزب، وإلى ضم الأعضاء دون الاهتمام بتلقينهم حدًّا أدنى من المبادئ الماركسية، وإلى عدم الاهتمام الدائم بالإعداد الكامل للكوادر، وإلى دفع الزملاء إلى اللجنة المركزية على أساس العمل الخارجي فقط دون وضع تكوينهم الماركسي في الاعتبار، وإلى الإقلال من دور اللسان غير الرسمي في الحركة، وهو دور غير موجود فعلًا بالمقارنة بدور الصحافة الديمقراطية الرسمية … وهذه علامة مثيرة للقلق سنعود إليها.

    لقد كانت الحركة على حق عندما ركزت جهدها الرئيسي في سنة ١٩٥٠م على تحقيق «الاتصال بالجماهير» بعد فترة الانقسام الداخلي والإرهاب والأحكام العرفية ومعسكرات الاعتقال، ذلك لأنها كانت منعزلة وكان الضمان لتطوُّرها هو تنمية العمل الخارجي بها، لكن الوضع يختلف الآن حيث يكمن ضمان تطور الحركة، شاملًا العمل الخارجي، في دعم العمل بالداخل، وبهذه الطريقة وحدها يمكننا التقدم.

  • (جـ)
    الاتجاه العملي: هكذا يدعو الاتجاه إلى تخصيص أكثر قوانا (أو في مفهومنا قوانا شبه الكاملة) للقيام بمهام عملية لا تُحصى: قضاء اليوم في لقاءات مستمرة بدون التقاط الأنفاس، وأداء مهام يمكن للغير القيام بها، والاهتمام بتفاصيل عمل الرفاق والرغبة في تنظيمه و«عدم وجود الوقت» للدراسة والكتابة ووضع خطوط العمل … إلخ. إن كل هذا يؤدي إلى سوء توزيع العمل … «لأن أشخاصًا بعينهم هم الذين يعملون» كما يؤدي إلى فوضى تنظيمية وبصفة خاصة إلى عدم قيام القيادة بدورها واختفاء الاجتهاد، وإلى العمل دون وجود خط عام واضح، وبلا خطوط خاصة واضحة الصِّلة بالخط العام.

    وتكون النتيجة هي ضياع الوقت في علاج عدم كفاية التفاصيل بدلًا من اكتشاف وتلبية احتياجات الحركة في مجموعها، وإلى سيطرة النشاط علينا «فنتبعه» بدلًا من أن نتحكم فيه ونقوده، وهكذا يؤدِّي عجزنا عن التحليل المستفيض للوضع إلى «الانقياد» للأحداث.

  • (د)
    الارتجال في العمل بين الجماهير: ضعف وضِيق أفق التنظيمات الديمقراطية والعجز عن تنظيمها جديًّا على الصعيد الوطني، وفي الوقت ذاته الاتجاه إلى العمل «من أعلى» أي تكوين التنظيمات على الصعيد الوطني دون الارتباط بالمراكز المحلية، والعجز عن تحديد واضح للمطالب الملموسة للجماهير وبالتالي عدم القدرة على تجنيد الجماهير للدفاع عن مطالبها؛ وأيضًا ضعف البرامج الموضوعة للمطالب، وضعف الصلة بين المطالب الفورية والأهداف العامة، هذا الضعف الذي يؤدي أحيانًا إلى اتجاه «سياسي» متطرف، وأحيانًا أخرى إلى اتجاه «اقتصادي» عقيم؛ وأخيرًا عدم تقدير وضعف الارتباط بالتنظيمات الديمقراطية الدولية.

نحن نرى أن الاتجاهات الثلاثة الأخيرة غير صحيحة: الاتجاه التصفوي، والاتجاه العملي، والارتجال السائد في العمل بين الجماهير؛ وهي تعود بصفة رئيسية إلى الضعف الأيديولوجي وتترتب عليه.

(٢-٢) أهمية القضية

(أ) ما القضية؟

إن القضية، وهذا أمر ينبغي إدراكه، هي النصر أو الهزيمة حيث يتوقف كل شيء، في الظروف الموضوعية الثورية التي تعيشها مصر، على الحزب وقدرته على أداء دوره … إن الثورة لا تصنع نفسها، بل نحن الذين نقوم أو لا نقوم بها.

ماذا تقول تجربة الأحزاب الأخرى؟ إن ماو تسي تونج، في حديثه عن تاريخ الحزب الشيوعي بالصين يبيِّن كيف أن فشل الثورة في مراحلها الأولى يرجع إلى نقاط الضعف الموجودة بالحزب.

(٢-٣) الاقتراحات

بالنظر إلى الوضع القائم بالحركة، وبعد أن أثبت العامان اللذان قضيناهما بالمنفى أننا لا نطمع في إدارة الحركة من «الخارج»، وأننا كأعضاء مخلصين نرغب في المساعدة بطريقة مباشرة أكثر من ذي قبل، وفي التعاون مع زملاء أوفياء ومخلصين مثل: ليلى، صلاح، عصام، داود، رشيد، أميرة وغيرهم؛ لهذا نقترح القيام بالمهام التالية، أو بالقدر الذي تحدده القيادة منها، بالتوازي مع المهام الأخرى الجارية:
  • (١)

    دعم الصراع الأيديولوجي:

    • (أ)

      تقرير عن الصراع الأيديولوجي.

    • (ب)

      تقرير عن تاريخ الحركة.

    • (جـ)

      المساهمة في «الوعي»، لسان حال الحركة النظري الذي يجب أن يعود للظهور.

    • (د)

      طبع كتب نظرية.

  • (٢)

    دعم العمل بالداخل:

    • (أ)

      إعداد مشروع للوائح مع مذكرة تفسيرية.

    • (ب)

      محاضرات عن أسس التنظيم.

    • (جـ)

      محاضرات سياسية مع مراعاة نوعية الأعضاء المرشحين لها: عمال، فلاحون، سيدات …

  • (٣)

    تحسين المفاهيم ومقاومة النظرة العملية:

    • (أ)

      إعداد مشروع برنامج مع مذكرة تفسيرية.

    • (ب)

      إعداد عناصر الخط السياسي العام.

  • (٤)

    مكافحة الارتجال في العمل بين الجماهير:

    • (أ)

      تشكيل لجان متخصِّصة في العمل الديمقراطي.

    • (ب)

      إلقاء محاضرات عن العمل بين الطبقات المختلِفة.

وينبغي رفض الاختيار الزائف بين «الدراسة والعمل» لأن الموقف الصحيح هو الربط المنسق بينهما، هذا الربط الذي سيؤدي إلى دعم أحدهما بالآخَر بدلًا من إضعاف أحدهما.

ونحن نرفض أيضًا التفرقة المزعومة بين «العمل الداخلي والخارجي» لأن الموقف الصحيح الوحيد هو تطبيق خط واحد يحقِّق ارتباطًا منسقًا بينهما، ومن شأن هذا الارتباط أن يدعم أحدهما بالآخَر بدلًا من أن يضعف أحدهما.

عاشت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ضمانًا أسمى لتحرر مصر، وتحرر الطبقة العمالية المصرية.

لجنة مجموعة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بالخارج
مارس سنة ١٩٥٣م

(٢-٤) من أجل نضال منطقي لتحقيق الوحدة بين الشيوعيين المصريين

إن النضال من أجل الوحدة مهمة مستمرة لجميع الأحزاب الشيوعية على أكثر من صعيد؛ فهناك النضال من أجل الوحدة على الصعيد الوطني، والنضال من أجل وحدة الطبقة العمالية، والنضال من أجل وحدة الحزب، فضلًا عن النضال على الصعيد الخاص الذي تنفرد به مصر، وهو النضال من أجل وحدة الشيوعيين المصريين.

لماذا يُعد هذا الصعيد خاصًّا بمصر؟ إن الجميع يعرفون أن الأحزاب الشيوعية هي طليعة الطبقة العمالية في كل البلاد؛ وينتج عن هذا أن لكل بلد حزبًا شيوعيًّا واحدًا لأن الطبقة العمالية لا يمكن أن يكون لها أكثر من طليعة أو «شكل أسمى من أشكال التنظيم العمالي» (ستالين) ولكن الوضع يختلف في مصر؛ حيث تطالب عدة تنظيمات، لا تنظيم واحد، بهذا اللقب المجيد: طليعة الطبقة العمالية المصرية؛ وهو وضع ينبغي العمل على تصفيته؛ لذا يهدف هذا التقرير إلى تنبيه الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني لهذا الوضع، والكشف عن جذوره وأهميته، وبيان أهمية اتباع سياسة واضحة في هذه المشكلة، ومحاولة تحديد الخطوط العريضة لهذه السياسة.

هل هي مشكلة جديدة؟ كلا، إنها مشكلة تطرح نفسها منذ ميلاد الحركة الشيوعية المصرية إلى جانب مشاكل الصراع الأيديولوجي التي لم نحاول مواجهتها بجدية، لقد كدست الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التجارب الفنية في مشكلة النضال من أجل وحدة التنظيمات الشيوعية المختلفة، ومع هذا ينبغي الاعتراف بأننا توقفنا، بخلاف المراحل السابقة، عن تحليل وتحديد هذه المشكلة التي لم يعُد لنا سياسة واضحة خاصة بها، وهذا يعني في الواقع اتباع سياسة «تلقائية» أي سياسة … «انتهازية». يلزم تغييرها بسياسة واعية قائمة على تحليل الظروف الملموسة وعلى التجربة الغنية للحركة في هذا المجال.

(أ) ما أسباب الوضع الحالي؟

هذه هي بعض الأسباب دون تحديدها جميعًا:

  • (أ)

    أولًا «نظرتنا العملية» للأمور: كنا مثقلين بمهام كثيرة، ولم نرغب في إضافة مهام جديدة تضيع من وقتنا.

  • (ب)

    بالإضافة إلى هذا، دفعنا إدراكنا بأننا نمثل التيار الثوري «بحق» إلى اتخاذ موقف متعالٍ (لا يمت «للثورية» بصلة) من التنظيمات «الانتهازية» الأخرى.

  • (جـ)

    كان تنظيمنا أقوى التنظيمات مما جعلنا نعتبر المشكلة تافهة وبلا أهمية.

  • (د)

    الرغبة في تجنُّب قسوة الصراع الأيديولوجي الطويل والملازم للنضال من أجل الوحدة، وتلافي النقد الموجَّه للأخطاء العديدة التي ارتكبناها ولم نرغب في الاعتراف بها أمام «الانتهازيين» لاعتقادنا أن هذا سيزيد من قوتهم.

  • (هـ)

    الرغبة في تجاهل ضرورة مواجهة وتحليل وحل مشكلة النضال من أجل الوحدة والمرحلة الحالية.

  • (و)

    الميول الطائفية؛ حيث كنا نرغب في البقاء «فيما بيننا، أي بين الثوريين» … إلخ.

(ب) الوضع الحالي

يتميز الوضع الحالي بالخطوط التالية: غياب سياسة محددة بخصوص هذه المشكلة، ولا داعي للإفاضة في هذه الحقيقة التي تفرض نفسها على الجميع؛ لقد كانت لنا «آراء» عديدة عن الوحدة، ولم نتبين كما ينبغي، سياسة عميقة ودائمة: البعض يريد الوحدة، والبعض الآخَر لا يريدها، ولكلٍّ من هؤلاء أو أولئك أسبابه المختلفة لرفض الوحدة أو السعي لها، وكانت هناك أيضًا خلافات على أسس هذه الوحدة.

اعتدنا هذا الوضع واستسلمنا له كخاصية حتمية من خصائص النضال السياسي في مصر، وقد أضعف هذا الاعتياد من إحساسنا بجوانبه السلبية فلم ندرك ضرره، واستمر الوضع كما هو دون أن نفعل شيئًا لعلاجه.

ويمكن تلخيص موقف الحركة من النضال من أجل الوحدة في:
  • عدم تقدير أهمية المشكلة.

  • الاعتقاد بأنها ستُحَل «من تلقاء نفسها»؛ ومن هنا كانت ضرورة التصحيح الحاسم.

خطورة الانقسام داخل الحركة الشيوعية المصرية

ينبغي علينا العمل بقوة وبلا كلل على عدم الإقلال من أهمية هذه المشكلة، وعلى إبراز نقاط الضعف العديدة والخطيرة الناتجة عنها وهي:
  • (أ)

    تشتيت الجهود: رغم أن نضال الشيوعيين هو نضال موحَّد بقيادة موحَّدة، فإن النضال في مصر حاليًّا مشتَّت ومتعدِّد القيادات.

  • (ب)

    تبديد الجهود: إن تعدد التنظيمات في مصر يؤدي إلى بعثرة غير عاقلة للجهود في الصراع بين الشيوعيين أنفسهم؛ إذ يتوهم عدد كبير منهم أنهم يقاتلون في سبيل الشيوعية بينما هم يصارعون بعضهم البعض.

  • (جـ)

    إضعاف تأثير الحركة الشيوعية من الداخل؛ حيث يقوم كل تنظيم بدور الاحتياطي بالنسبة للساخطين؛ هناك شعور عام يسود الجميع، أو يكاد، بأن السخط داخل التنظيم يعني، بالنسبة للتنظيمات الأخرى، الثورية الحقيقية.

  • (د)

    إضعاف نفوذ الشيوعيين المصريين بين المؤيدين الذين أوهَنَ من عزيمتهم انقسام الشيوعيين وعجزهم عن الفصل بين التنظيمات، «وهو أمر صعب بدليل أن الأحزاب الشيوعية الأخرى لم تقُم به حتى الآن».

  • (هـ)

    إضعاف سطوتنا ونفوذنا بين حلفائنا: إن الطبقة العمالية «البروليتاريا» تجتذب الطبقات الأخرى بقدر قوتها وقوة طليعتها، أما الانقسام فهو يتيح لأعداء الوحدة مع الشيوعيين، في الطبقات المختلفة، التذرُّع بتعدد التنظيمات لرفض وحدة العمل؛ في سنة ١٩٥٠م مثلًا رفض تيار الإخوان المسلمين الرجعي النضال مع الشيوعيين أو التنظيم الوحيد الذي اقترح هذا وهو: الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، بحجة تعدد التنظيمات الشيوعية.

  • (و)

    سهولة التدخل البوليسي والحديث عن بعض المشاكل الداخلية للحزب أمام الأعداء.

  • (ز)

    وأخيرًا هي السبب الرئيسي الذي يَحُول دون اعتراف الحركة العمالية الدولية بالحركة الشيوعية المصرية، وهو اعتراف سيكون لها بمثابة دعامة معنوية لا تُقدَّر بثمن.

هذه بعض مساوئ انقسام الشيوعيين المصريين، وهي مساوئ ستختفي بالقضاء على الانقسام؛ لأن الحركة الشيوعية المصرية لن تقوى باتحاد كل المناضلين المتفرقين حاليًّا فحسب، بل إن الوحدة ستُنشئ وضعًا مختلفًا من ناحية الكيف فقد أثبتت التجربة، في العالم كله، أن الوحدة لا تؤدي فقط إلى زيادة أعضاء الحركات العمالية والسياسية والنقابية، ولكنها أيضًا تقدم لها دعمًا ضخمًا كما يؤدي الانشقاق إلى هجر عدد كبير من العمال لنشاطهم؛ لذا تساند الرجعية والإمبريالية دائمًا في كل مكان التنظيمات الانشقاقية حتى لو كانت بلا أهمية، ولهذا ينبغي ألا يدفعنا «ضعف» التنظيمات الأخرى إلى إهمال القوى الجديدة التي يجلبها الاتحاد.

هكذا يُعَد انقسام الحركة الشيوعية ظاهرة ضارة ينبغي مكافحتها، وبوسعنا كثوريين منطقيين النضال ضده والقضاء عليه بدراسة المشكلة بعمق من نواحيها المختلفة؛ ولنحاول وضع الخطوط الأولى لهذا العمل.

تعدد التنظيمات الشيوعية في مصر

إن جذور هذا التعدُّد تعيدنا مرة أخرى إلى ظروف ميلاد الحركة الشيوعية في مصر: لقد ولدت الحركة الشيوعية المصرية حقًّا في سنة ١٩٤٣م؛ حيث «جاء تراشق المدافع في ستالينجراد بالماركسية إلى مصر كما حملها إلى الصين تراشق المدافع في ثورة أكتوبر»؛ وكانت الظروف الموضوعية لهذا الميلاد ظروفًا ثورية للغاية إذ أدَّى تضافُر قهر الإمبريالية والإقطاع مع فساد وإهمال وكسل الطبقة الحاكمة من جهة، ومن جهة أخرى ظروف الاستغلال الرهيبة التي يعيشها الشعب المصري إلى اجتذاب الشيوعية لعدد متزايد من العناصر المنتمية إلى جميع الطبقات الاجتماعية والباحثة عن حلٍّ لبعض المشاكل الضخمة حتى تجعل منها بلدًا مستقلًّا، حرًّا، تقدميًّا وسعيدًا؛ ولكن هذه العناصر لم تجِد إطارًا مُعدًّا لاستقبالها؛ حيث قام الوفد في سنة ١٩٢٤م بتصفية أول حزب شيوعي تأسَّس في مصر عقب انتصار الثورة السوفييتية، ومنذ ذلك الحين و«القسم المخصوص» التابع لجهاز المخابرات الإنجليزي١ يسحق في المهد كل المحاولات لإنشاء تنظيمات شيوعية.
لقد كان على المناضلين الشيوعيين الأوائل مواجهة صعوبات كبيرة، منها قوة الإمبريالية التي حوَّلَت مصر إلى قاعدة حربية، والبرجوازية التي كانت على استعداد دائم للخيانة أو التورط في سبيل الاحتفاظ بامتيازاتها الهائلة، وإدارات الاستخبارات العديدة التي تعمل جميعًا في ظِل الأحكام العرفية وهي: البوليس السياسي، القسم المخصوص، المخابرات البريطانية، إدارة الاستعلامات الإنجليزية C.Q.G.، البوليس السياسي المصري … إلخ، وفي الوقت ذاته لم يكُن لدى هؤلاء الشيوعيين سابق خبرة بالتنظيم وبالعمل السري، كما لم يكُن لديهم كتاب نظري واحد باللغة العربية بينما كان عليهم استيعاب الأسس النظرية للماركسية؛ بالإضافة إلى كل هذا لم يتوافر لهم الإعداد السياسي لعدم مشاركتهم من قبل في الحياة السياسية، مثلهم في ذلك مثل الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها؛ إن المناضلين الشيوعيين الأوائل بدءوا فعلًا من الصفر!

ليس غريبًا إذَن أن تتجمع العناصر، التي اتجهت إلى الشيوعية منذ سنة ١٩٤٣م، والتي استطاعت التفوق عددًا على البوليس السياسي بأنواعه المختلفة لمدة محدودة، في تنظيمات متنوعة على أساس الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه وعلى أساس تجارب ومفاهيم العمل لديها؛ ومنذ البداية وهذه التنظيمات، التي يزعم كلٌّ منها أنه «الأصل» تتصارع فيما بينها، ولم تكُن الدولية الشيوعية المجيدة، التي علقنا عليها الأمل، موجودة لتفصل بينها؛ إذ إنها انحلت في سنة ١٩٤٣م على وجه التحديد، وقد سهَّل حلها عمل الشيوعيين المصريين بطريقة يصعب تصورها في الوقت الحاضر، وإن حرمتهم في الوقت ذاته من وجود سلطة عُليا.

تعود إذَن ظاهرة تعدد التنظيمات الشيوعية التي تنفرد بها مصر إلى ثلاثة عناصر:
  • اجتذاب الشيوعية لعدد من العناصر مختلفة النشأة ومختلفة التجارب.

  • عدم وجود إطار مُعَد لاستقبالها.

  • غياب السلطة العليا القادرة على الفصل بينها.

(ﺟ) ما أوجُه الخلاف الجوهرية بين التنظيمات الشيوعية في مصر؟

إن التمييز بين التنظيمات الشيوعية مسألة أساسية ينبغي البت فيها حتى يمكن اتخاذ موقف منطقي من مشكلة الوحدة: من الواضح أن الخلاف بينها ليس خلافًا نظريًّا؛ لأنها جميعًا تنتمي إلى الماركسية اللينينية الستالينية المتشددة، وهو أيضًا ليس خلافًا سياسيًّا برغم وجود فروق سياسية، فقد أثبتت التجربة أن هذه الفروق تختفي بعد وقت طال أو قصر، عندما ينتهي المفهوم الصحيح بالانتصار كما هو الحال في الموقف من السودان على سبيل المثال، والطبيعة الطبقية الديمقراطية؛ وهي على كل الأحوال فروق سببها الجهل وليس الانحراف.

إن المسائل التنظيمية لم تكُن هي الأخرى موضوع الخلاف لأن جميع الأشكال التنظيمية متقاربة ولا تختلف جوهريًّا، حيث لا وجود مثلًا بشكل صريح على الأقل ﻟ «ماركسية رسمية»، أما اختلاف البرامج فيعود إلى التكوين الأيديولوجي للمناضلين الذين يعدونها، حيث إن المطالب الأساسية لجميع التنظيمات تتفق إجمالًا.

لذا نعتبر أن الاختلاف الأساسي والجوهري بين التنظيمات الشيوعية المصرية يكمن في خطة كلٍّ منها وموقفه من العمل؛ أما أعداؤنا الذين يثيرون ضجة كبيرة حول الخلافات النظرية، والسياسية، والتنظيمية أو حول اختلاف البرامج، فهم إنما يفعلون ذلك بغرض إخفاء الاختلاف الحقيقي. لماذا؟ لأنهم يريدون تكديس الصعوبات الكبيرة أمام الوحدة، ولأنهم لا يستطيعون طرح المشكلة بصراحة دون أن يكشفوا أنفسهم.

لمحة قصيرة عن سياسة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني من أجل الوحدة

على خلاف ما يجري الآن كان لنا دائمًا موقف سياسي من هذه المشكلة، وقد تبين لنا خطأ هذا الموقف الذي نذكر في إيجازٍ خطوطَه العريضة:

في الفترة من سنة ١٩٤٣م إلى سنة ١٩٤٥م

وهي الفترة التي اصطلحنا على تسميتها فترة «التكوين الأولى» للحركة الشيوعية المصرية؛ حيث لا عمل سياسي للجماهير، فالتنظيمات محدودة والاتصالات تحدث عن طريق الصدفة، والشيوعيون لا يشعرون بحاجة عميقة للتعاون وبالتالي الاتحاد، كما أن الفرصة لا تُتاح لهم لتحقيق ذلك.

لم تؤدِّ إذَن محاولات الوحدة إلى نتيجة ملموسة، ويمكننا، دون سرد تفاصيل النضال من أجل الوحدة المذكورة في تقرير كُتب في سنة ١٩٤٩م تعريف السياسة المتبعة آنذاك كالتالي:

«يمكن حل مشكلة الوحدة بالعمل الصحيح والفعال، وتقدمنا وحده كفيل باجتذاب المناضلين الصادقين إلى صفوفنا بعد تصفية التنظيمات الأخرى» التي تتبنَّى معظمها مفاهيم مشابهة.

لقد كنا على خطأ في هذه التوقعات، وسنتحدث قليلًا عن هذا الخطأ، لأن مفاهيم الحركة حاليًّا قريبة من تلك المفاهيم، وأسباب هذا الخطأ عديدة فهو يعود إلى:
  • أننا لم نحدِّد حتى هذه اللحظة الجذور الطبقية التي تجعل التنظيمات المختلفة قادرة على التطور رغم ضعفها الشديد الظاهر.

  • أننا لم نفهم الخلاف الحقيقي بين التنظيمات ولم نمتلك، بالتالي، وسائل قيادة الصراع المذهبي على أسس متينة.

  • أننا لم نقدر عمل الانقساميين حق قدره، وهم الذين نجحوا في إقامة حواجز من الافتراءات بين المناضلين بالحركة.

  • أننا لم ندرك أن التنظيمات الأخرى تستفيد من عملنا بطريقة غير مباشرة؛ حيث تزداد قوة مع كل مجال جديد ندخله، لأنها تجد به عناصر تفضل النضال تحت لواء الشيوعية في تنظيمات أقل ثورية.

  • أننا لم نفهم أن التنظيمات الأخرى تقوم بالنسبة للمناضلين بدور البديل خاصة في مواجهة الصعوبات بالداخل أو في فترات القمع الحكومي.

  • أننا لم نعِ أن الصراع الداخلي بالتنظيم هو الذي يغذي التنظيمات الأخرى بصفة دائمة، أو أنه الأساس الذي تقوم عليه التنظيمات الأخرى.

هذه هي الأسباب التي أدَّت إلى هذا الوضع في نهاية عام ١٩٤٥م، وهو وضع لا يفضل سابقه من ناحية الوحدة، حيث تعددت التنظيمات الشيوعية وزاد عدد أعضائها وإن ظلَّت الحركة المصرية للتحرر الوطني، في كل مجالات النشاط الثوري، في الطليعة.

(د) في الفترة من سنة ١٩٤٥م إلى يونيو سنة ١٩٤٧م

تغير الوضع كثيرًا إذ اتسعت التنظيمات، وضاعفت من الصِّلات والاحتكاك فيما بينها، وازدادت الحاجة للتعاون حين أدرك الشيوعيون فائدة الاتحاد، وقد وضعت الأنشطة الخارجية التي طورتها جميع التنظيمات قواعد متينة للعمل المشترك، حيث يتبع الشيوعيون، بدرجات متفاوتة، الحركة المصرية للتحرر الوطني التي انغمست بعمق في النضال السياسي كما اتخذت موقفًا واضحًا وجريئًا وهو «الوحدة غير المشروطة»؛ إلى هنا والتعاون كامل وأمين.

اعترض على «الوحدة غير المشروطة» بالإضافة إلى غير الراغبين فيها، أولئك الذين يراوغون بوضع شروط غريبة لها: تطالب إسكرا مثلًا بمهلة قدرها ثلاثة أشهر لا يعتقل خلالها أحد أعضاء الحركة المصرية للتحرر الوطني! ولكن النشاط المشترك في بعض المجالات يزيل الأفكار المُسبَقة، ويعمق المواقف من خلال المناقشات المُثمِرة؛ وقد أظهرت هذه المناقشات خلافًا مع إسكرا، وهو الخلاف على المبدأ الأساسي للتنظيم: هل هو المركزية أو «ديمقراطية» مزعومة؟ جعلنا من تصفية هذا الخلاف شرطًا مسبقًا للوحدة وقُدنا صراعًا أيديولوجيًّا عميقًا انتهى بانتصارنا الذي أدَّى إلى الوحدة مع إسكرا رغم تحفُّظات قادتها وسوء نيتهم، لقد كانت الوحدة انتصارًا كبيرًا لنا لم تُتِح لنا قلة خبرتنا الإفادة الكاملة منه.

(ﻫ) الفترة من يونيو سنة ١٩٤٧م إلى يونيو سنة ١٩٤٨م

كانت الوحدة مع إسكرا انتصارًا كبيرًا أدَّى إلى الوحدة مع تنظيمات أخرى، وجعل قوة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني تفوق كثيرًا قوة التنظيمات الأخرى مجتمعة، وقد استغرقنا حتى هذه اللحظة المشاكل الداخلية التي طرحتها الوحدة، والتقدم الضخم الذي أحرزناه بعدها، فأدَّى ذلك الوضع إلى قبول شعار عادل٢ الانتهازي: «لقد تحول النضال من أجل الوحدة إلى صراع داخلي»، وأصبح النضال ضد التقسيم يتم على الصعيد الداخلي فقط، أما التنظيمات الأخرى التي تجمعت بدورها في «جبهة معارضة» فقد أهملنا الصراع معها من أجل الوحدة.

إن تمام الوحدة «لا يدخل في نطاق هذا التقرير، ولكن هناك كلمة ينبغي أن تُقال عن الانقسام الهام الذي حدث في الفترة من فبراير إلى أغسطس سنة ١٩٤٨م: في هذه الفترة ولد العديد من التنظيمات، وهذا أمر لم نتوقعه، ولكن ينبغي إدراك السبب الذي أدى إلى هذه الانشقاقات الكبيرة حتى نفيد من التجربة؛ إننا لم نقلِّل من قدر القادة الانقساميين على صعيد الصراع الداخلي، كما يزعم البعض، بل كان خطؤنا هو عدم الربط بين الانقسام وهجوم الرجعية؛ إذ استغل الانقساميون لصالحهم المشاعر الانهزامية الناتجة عن الهجوم الرجعي، هذه المشاعر التي اتخذوها ذريعة ضد الإدارة الثورية للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

إن الرجعية بدأت هجومها مع التصويت على القرار بتقسيم فلسطين والإعداد للحرب «ديسمبر سنة ١٩٤٧م»؛ وليس من قبيل الصدفة أن انشقاق سليمان٣ حدث في فبراير سنة ١٩٤٨م، وأن الهجوم الشامل بدأ مع الأحكام العرفية في ١٥ مايو سنة ١٩٤٨م؛ ثم توالت بعد ذلك الانشقاقات ابتداءً من شهر يونيو: انشقاق «عمالي ثوري»، «صوت المعارضة»، «نحو حزب شيوعي مصري» ولا يعني هذا أننا على خطأ في موقفنا وفي ندائنا بالاستمرار في العمل، ولكن هذا الموقف التلقائي لم يُتِح لنا كشف مضمون الانشقاق الانهزامي المُستتِر وراء الخطب الرنانة عن «انحراف القوى الوطنية الديمقراطية»، هكذا وجدنا أنفسنا أمام خيارَين: النقاش على الصعيد الذي اختاره الانتهازيون، أو التذرع بأهمية العمل لرفض النقاش مبدئيًّا.

(و) الفترة من يونيو سنة ١٩٤٨م إلى يونيو سنة ١٩٥٠م

في البداية، ساد الاضطراب الشامل إذ استُدرجنا في المعتقلات إلى مناقشات طويلة وعقيمة على صعيد «السياسة العليا» وهو الخط الذي سار عليه أعداؤنا الانتهازيون؛ وفي الخارج كانت سياسة سالم هي «الوحدة بأي ثمن» ولو كان التنازل عن تمثيل تيارنا بالقيادة وإدانة خط «القوى الوطنية الديمقراطية» المزعوم.

إن هذا الموقف الضعيف اليائس الذي يبرِّئ الانقسام — هكذا رآه مَن بالخارج، الأمر الذي أساء إلينا كثيرًا — ما كان ليفضي إلا إلى آثار مُفجِعة، منها استمرار الاضطراب؛ ولكن الوضع سرعان ما تغيَّر حين بدأ جديًّا التحليل العميق للتيارين الموجودين داخل الحركة الشيوعية المصرية، وقد أكد هذا التحليل ثقة الحركة بنفسها إذ ساعد الكشف عن المضمون الانتهازي والجذور الطبقية للتنظيمات الأخرى على تحديد الخلاف الأساسي بينهما، وهو خلاف عملي وخلاف تكتيكي.

إن تعريف الخلاف يؤكد أن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني على حق في رفضها لمقترحات الوحدة من خلال «المؤتمرات، واللوائح، والبرامج» كما يتيح وضع سياسة مذهبية قائمة على «وحدة العمل»، وهي السياسة التي عملنا بها ولم نكتفِ بإعلانها، وأشير هنا إلى مثلين لذلك: اقتراح العمل المشترك من أجل السلام فور إغلاق المعتقلات في فبراير سنة ١٩٥٠م، واقتراح بالتعاون في إصدار أول مجلة رسمية في هذه الفترة؛ لم يلقَ هذان الاقتراحان القبول بين قادة التنظيمات الأخرى فكان الرفض الذي أضعف من شأنهم وزاد في الوقت ذاته من ثقة ووحدة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

(٢-٥) الوضع القائم

لا يمكننا الحديث بدقة عمَّا حدث في الفترة من يونيو سنة ١٩٥٠م حتى وقتنا هذا، ولكن الدلائل تشير إلى عدم وجود قاعدة واضحة يسير عليها حزبنا في مشكلة الوحدة.

  • (أ)
    موقف جمال: دافع جمال، أثناء تنقلاته بالخارج، عن أفكار مشابهة لمواقف سنة ١٩٤٣م البدائية؛ لقد كان يريد الإقناع، ليس بالتحليل السياسي، بأن مشكلة الوحدة قد حلت عمليًّا لأن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني هي التنظيم الشيوعي الوحيد، أما التنظيمات الأخرى فهي تنظيمات تافهة أو بوليسية؛ ولكن هذا الموقف المخالف للواقع أساء إلينا وأضعف إلى حدٍّ ما من نفوذنا.
  • (ب)
    المنشورات: قرأنا منشورات مُؤسِفة للغاية تتحدث عن «الحزب الشيوعي المصري» «كتنظيم بوليسي في خدمة الإمبريالية» مع أنه لم يفعل سوى تبنِّي موقف كثير من الأحزاب الشقيقة في أحداث يوليو؛ هل حققت هذه المنشورات نتيجة إيجابية؟ من البديهي أنها خدمت أساسًا قضية المنقسمين بتكرار الاتهامات التي سبق أن رُمينا بها في ظروف مشابهة واتباع أسلوب السباب، الذي يعبِّر في الواقع عن غياب الحجج، بدلًا من النقاش على صعيد الجدل السياسي.
  • (جـ)
    رفاق غير دائمين: اضطر الرفاق غير الدائمين، ومعظمهم كوادر قيادية، إلى الاعتراف بجهلهم خط الحركة في هذه المشكلة الهامة عندما سألناهم عنه، مما يثبت أن هذا الخط غير محدد؛ ولكنهم على العكس من هذا، أظهروا اتفاقًا وحماسًا لسياسة إيجابية من أجل تحقيق الوحدة مع مناضلي التنظيمات الأخرى؛ وقد أُعِد هذا التقرير بناءً على اقتراحهم.

لصالح مَن يستمر الانقسام داخل الحركة الشيوعية المصرية؟

لا يزال تحليلنا لتعدد التنظيمات الشيوعية تحليلًا «سياسيًّا»، وإليكم تلخيصًا للعرض المذكور عاليه، وهو عرض يعكس مواقفنا التقليدية ولا ينبئنا بجديد:
  • إن اختلاف البيئة والتجارب يؤدي إلى تشكيل تنظيمات شيوعية متعددة.

  • يُفضي هذا التعدد إلى صراع شرِس يقوده الانتهازيون ضد التيار الثوري الذي تمثِّله الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

لقد أبرز المؤتمر التاسع عشر أهمية الوعي، وهذه صفة تنقصنا بدرجة غريبة! فيما يظهر هذا النقص؟ في حصرنا أسباب الانقسام في الأسباب الذاتية فقط، وذلك لأننا كنا نظن أن الإمبريالية لا تهتم بالحركة الشيوعية المصرية إلا من «الخارج»؛ ولأننا اعتقدنا هذا لم نتبين شيئًا.

ومع هذا، هل كنا بحاجة إلى فكر ثاقب لندرك أن الانقسام هو سلاح الإمبريالية المفضَّل؟ وأنها بعد أن حققت «انتصارات» في العديد من الأحزاب، لا يمكن أن تتخذ موقفًا سلبيًّا من تطور الحركة الشيوعية المصرية، العدو الرئيسي لها في الشرق الأوسط كله؟ إنها نجحت في إدخال رجالها في أحزاب أخرى، وهي مهمة لن تصعب عليها في مصر بالطبع.

لقد كان عنف الهجمات التي تعرضنا لها والتي تتجاوز حدود سوء النية والغيظ من ناحية الأعداء كفيلًا بتنبيهنا إلى أن هذه الهجمات صادرة من أفراد يعون الدور الذي يقومون به، والهدف منه وهو إثارة الفرقة وإن حاولوا خداع أتباعهم.

ما الذي يمكن استنتاجه من حقيقة دور الإمبريالية في استمرار الانقسام؟

سنقوم بإعداد تقرير مستقل عن الوعي والدور الذي يمكن القيام به لكشف عملاء الإمبريالية في صفوفنا أو داخل الحركة الشيوعية المصرية؛ ولكن يبقى، فيما يتعلق بالوحدة، أن موقف اللامبالاة والتبعية ليس موقفًا انتهازيًّا فحسب، بل هو موقف يحقق للإمبريالية هدفها.

إن النضال لن يكون سهلًا لأن عملاء الإمبريالية سيبذلون وسعهم لإفشال جهودنا، لكن النصر الذي سنحرزه هو انتصار على الإمبريالية ممثلة في هؤلاء العملاء المقنعين لا أولئك الذين يسبوننا علنًا.

ما هدف التنظيمات الشيوعية المصرية من النضال من أجل الوحدة؟

إن النضال من أجل الوحدة يهدف إلى تجميع المناضلين الصادقين «لا أحد ينكر وجود مناضلين صادقين في كل التنظيمات ممَّن ينتمون إلى الماركسية اللينينية الستالينية» في حزب واحد وتحت قيادة واحدة؛ ولنقُل على الفور إن هذا التجمع لن يصفي كل التنظيمات الشيوعية من تلقاء نفسه، بل إن الشيوعيين سيُنشئون تنظيمات أخرى، ولكن في الإمكان اجتذاب المناضلين الصادقين باتباع سياسة صحيحة للوحدة بدلًا من بث الفرقة بين ذوي الاستعداد الطيب، وهو ما يؤدي إليه تعدد التنظيمات.

هكذا نفيد من النشاط الذي تقوم به هذه التنظيمات لاجتذاب الأعضاء حتى تتمكن من النمو، ولكن هذا الوضع لن يدوم طويلًا، فسرعان ما ستتعرف علينا الطبقة العمالية «البروليتاريا» بفضل سياستنا الواضحة من أجل الوحدة والنجاح المبدئي الذي ستحققه بعض العناصر الحاسمة.

هذه محاولة لتحليل المشكلة وإبراز أهميتها، ولننتقل الآن إلى النضال الثاني والأسلوب العملي لقيادته.

علامَ يرتكز النضال من أجل الوحدة؟

إن الصراع الأيديولوجي والعملي هو ركيزة هذا النضال:
  • (١)
    الصراع الأيديولوجي: إنه يرتكز على الدفاع المستمر عن التحليل المعطى في الجزء الأول وفيما يلي أفكاره الرئيسية:
    أهمية الوحدة: هذا موضوع تدفعنا الاعتبارات السياسية إلى العودة إليه بلا كلل؛ حيث إن شرح هذه المشكلة وإبراز أهميتها سيزيد من قوة موقفنا.

    هناك مناضلون قليلون يعارضون الوحدة، ولكننا نستطيع إثارة الحماس لهذا النضال ودعم الوحدة المذهبية للحركة أثناء المعركة التي سندخلها كما أننا سندعم موقف المطالبين بالوحدة والقانعين بتأييدها في التنظيمات الأخرى.

    هكذا نوجِّه لطمة إلى الأفكار المُسبَقة الشائعة ضدنا، ونثير تعاطف المناضلين الصادقين الذين سيتحالفون معنا في النضال؛ وإذا كان موقف معظم القيادات الأخرى من هذه المشكلة سلبيًّا منذ البداية فإن الفرصة متاحة لكشفهم أمام المناضلين الصادقين.

  • (٢)
    جذور المشكلة: كنا التيار الوحيد الذي ناضل من أجل الوحدة منذ ميلاد الحركة الشيوعية المصرية بحق في سنة ١٩٤٣م، لذا نُعَد وحدنا القادرين على تحليل المشكلة تاريخيًّا، وهذا التحليل التاريخي مهم لحلها وأيضًا لفهم ميلاد التيار.

مساحة بيضاء بالأصل تُقدَّر بنحو ٣٠٠ كلمة.

إن وحدة العمل شعار للتنفيذ، والقدرة على وضع خطنا موضع التنفيذ هي جوهر نشاطنا على صعيد النضال من أجل الوحدة؛ أما الخطر فهو يكمن في الاكتفاء بالنداء بضرورة الوحدة لأن هذا النداء يردِّده كثير من الانقساميين حتى لا يكشفوا أنفسهم في مراحل معيَّنة، ولكن العمل المشترك كفيل بإظهار تفاني المناضلين وأمانتهم وكفاءتهم، وهو سيبرز أيضًا أهمية تجمع القوى وضرورة الوحدة وخطر اتباع سياسة للوحدة دون رغبة صادقة في تحقيقها.

إن قبول التنظيمات الأخرى وقبول رفاقنا لسياسة الدعوة للوحدة لا يعبر بالضرورة عن رغبة حقيقية في الوحدة، لذا ينبغي علينا تنمية هذه الرغبة من خلال العمل.

النضال العملي من أجل الوحدة: وهو يتم على مرحلتين:
  • أولاهما: هي مرحلة الاقتراحات.
  • والثانية: مرحلة العمل المشترك ذاته.

أولًا: اقتراحات العمل المشترك

يجب التركيز على هذه الاقتراحات بطريقة ملموسة:

  • (١)
    ينبغي تقديم الاقتراحات على جميع المستويات: على مستوى القيادة بالطبع وأيضًا على صعيد الدعاية؛ حيث يجب التنسيق الكامل مع عدم إغفال العمل البسيط مثل تبادل الكتب والنشرات، توحيد برنامج الطبع … إلخ. إن صحافتنا الرسمية مثال للعمل المشترك … ويُلاحَظ أن انغماس المناضلين في العمل الفعلي مرتبط بصعيد العمل، فكلما كان الصعيد بسيطًا كلما زاد اقتناعهم بأهمية التعاون الوثيق وضرورة الوحدة الكاملة.

    بالنسبة للعمل الديمقراطي على مستوى الجماهير نقترح العمل المشترك في جميع المجالات: حركة السلام، نقابات العمال، الطلبة، المرأة … إلخ؛ لذا ينبغي تقديم الاقتراحات في كل مكان، في المصانع والنقابات والجامعات … بشرط ألا يكون هناك «تطرف وطني» ولا مناطق «محرَّمة»، ولا «احتكارات»، ولنأخذ مثلًا مجال الاتصال بالتنظيمات الديمقراطية الدولية؛ إن الحصول على «مقاعد» ليس هدفنا فنحن نفتخر بإشراك المناضلين في عمل كفيل بتحقيق فائدة كبرى للطبقة العمالية المصرية، وهذه التنظيمات تعرف أننا الوحيدون الذين نتصل بهم، وسيضاعف من تقديرها لنا اجتذاب المناضلين من التنظيمات الأخرى على أساس العمل، كما أنها ستدين بشدة أية محاولة من جانب هذه التنظيمات لمحاربتنا.

    هكذا يتضح — فعلًا لا قولًا — استعدادنا لبذل التضحيات في سبيل الوحدة، ولا داعي للخوف من ازدياد قوة التنظيمات الانتهازية ومن إعطائها وسائل أخرى للإساءة إلينا لأن هذا النضال كغيره ينطوي على مجازفات، والجرأة في العمل مطلوبة، وهي إحدى خصائص الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.

  • (٢)
    ينبغي تحديد أطول مهلة ممكنة لتنفيذ الاقتراحات: بحيث نترك للآخرين حرية اختصارها ونحن، على كل حال، لن نرفض العمل بحجة قِصر الوقت المحدَّد له.
  • (٣)
    ينبغي عرض هذه الاقتراحات بحيث تبرز إمكان وأهمية العمل المشترك: وتعارض رفضه، رغم الأفكار المسبقة الشائعة عنا، مع مصالح الطبقة العمالية والشعب.
  • (٤)
    وأخيرًا ينبغي أن يعرف بهذه الاقتراحات جميع الشيوعيين والمعنيين بالأمر: العمال بالمصنع والنقابة، وفي بعض الأحيان الشعب كله والطبقة العمالية بأكملها، لأن علينا كطليعة عمالية إثارة اهتمام هذه الطبقة بمشاكل طليعتها حتى تحسَّ بها كمشاكل تمسها مباشرة، ولأننا نعتمد أساسًا على الضغط العمالي والشعبي لتحقيق الوحدة، وتُعَد هذه فرصة جديدة لنا لإثبات أن الحزب لا يحل مشاكله من «الداخل» فقط.

ثانيًا: العمل المشترك والسلوك

إن أشكال العمل المشترك والسلطات التي ينبغي العمل على تأسيسها لا يدخلان في نطاق هذا التقرير لأن حلول هذه المشاكل موجودة في المبادئ العامة والتجربة معًا؛ فلننتقل إذَن إلى السلوك أثناء العمل المشترك ونكتفي بالقول إن الاعتبارات السابقة، رغم أهميتها، ليست سوى مقدمات للعمل المشترك الذي يُعَد الانتصار رهينًا به، علينا إذَن الحصول على ثقة المناضلين الصادقين من خلال مواقف وسلوك يتفقان، بقدر الإمكان، مع الشيوعية، وينبغي قبل كل شيء، التركيز على خط الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في العمل بأمانة.

إن المؤامرات والمناورات غريبة علينا، واحترام الالتزامات جزء من أمانة العمل المشترك، لذا لن نرد بالمثل على الوسائل غير الأمينة المستخدمة ضدنا لكننا سنعمل على كشف المذنبين أمام الجميع.

أسس الوحدة

إن الغرض من هذا التقرير ليس حل مشكلة الوحدة بين الشيوعيين المصريين بقدر ما هو طرح المشكلة وإبراز أهميتها؛ ورغم أن أسس الوحدة بعيدة عن موضوعنا فإنني أتحدث عنها بغرض التركيز على خطورة وضع شروط غير مقبولة في طريقها، وأعني بصفة خاصة الشرط الذي يطالب بحل التنظيمات الأخرى وانضمام أعضائها إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني؛ ما الدافع لهذا الطلب؟ يقول الزملاء الذين يؤيدونه إنهم يقصدون المحافظة على طهارة التنظيم وتاريخه المجيد، لكن هذا الشرط رغم ظاهره البريء يضعف من شأن تنظيمنا لأنه يدل في الواقع على «خوفنا من الوحدة»، وخوفنا من عدم محافظة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني على أثمن ما تملك وهو وحدتها، كما يعني عدم الثقة في التيار الثوري بالحركة وفي قدرته على قيادة جميع المناضلين الثوريين؛ ولنذكر هنا الدروس المستفادة من تجربة الوحدة مع إسكرا: عند إنشائنا للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بالاتحاد مع إسكرا، لم نطلب منها أن تحل نفسها لأن هذا الطلب من جانبنا يعني رفض الوحدة؛ فهل «استوعبنا» التنظيم الجديد؟ هل تنكَّرنا للماضي المجيد للحركة المصرية للتحرر الوطني؟ إن العكس هو الصحيح إذ شعرنا جميعًا أن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي أضافت إلينا عناصر ثورية جديدة هي امتداد للحركة المصرية للتحرر الوطني؛ لقد كنا ندرك كل هذا قبل الوحدة، لهذا لم «نخشاها» بينما كانت قيادة إسكرا هي التي تخافها دائمة الضجر، كما روى لنا رشيد، من اقتراحات الحركة المصرية الجريئة.

إننا نرى الموقف الثوري الحقيقي الذي ينبغي للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني أن تتخذه يرتكز على قيادة النضال من أجل الوحدة إلى نهايته أي حتى النصر؛ لهذا تُعَد الشروط المستحيلة للوحدة مرفوضة إذ إن هذه المطالب التي من شأنها أن تعرقل الوحدة أو تؤخرها تحقِّق أهداف الانقساميين وتؤدي إلى استمرار الانقسام في الحركة الشيوعية المصرية.

المهادنة

قبل أن أنتهي، أود أن أذكر الخطر المُسمَّى ﺑ «المهادنة» وهي لا تشكِّل خطرًا رئيسيًّا ولكن ستالين علَّمنا أن الخطر الرئيسي هو الخطر الذي لا نقاومه أو الذي نكف عن مقاومته، ومن المؤكَّد أن اتجاهًا للمهادنة سيظهر أثناء النضال من أجل الوحدة.

إن «المهادنين» هم أولئك الذين يتذرَّعون بالوحدة للاتحاد مع الانتهازيين الحقيقيين على غير أسس، وتُعَد محاولة سالم لقيادة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في «نحشم» (نحو حزب شيوعي مصري) للمهادنة لقد كان اتحادًا بلا مبادئ نجح خليل في معارضته كما قمنا بإدانته بشدة من المعتقل.

إن كثيرًا من الزملاء، يظنون خطأً أن الوحدة مع إسكرا هي وحدة بلا أساس، ولكن لم يكُن هناك في الواقع خلاف أساسي بين التنظيمين، لأن خلافنا على الخطة لم يظهر إلا فيما بعد، أما الخلاف على المبدأ فقد طلبنا تسويته على أساس الاعتراف بالمبدأ الصحيح؛ أما الشاكون فهم أولئك الذين يخافون الصراع الداخلي والذين أرادوا أن يوفر عليهم الاتفاق المُسبَق مشقة الصراع؛ ولكن هذا حلم مناقض للروح الثورية التي تتغلب على الصعوبات أينما تجدها ولا تهرب من مواجهتها بالدعوات الصالحات.

خاتمة

أيها الرفاق إن النضال من أجل وحدة التنظيمات الشيوعية، ومن أجل تجميع الشيوعيين الصادقين ليس بالمهمة السهلة، إنه على العكس مهمة قاسية ومنفِّرة، لكن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني تزن المهام بأهمية مضمونها الثوري لا بما تُثيره من بهجة أو كدَر، وبقدر صعوبتها تزيد حميتنا.

أمام التنظيمات الأخرى، أمام كل المناضلين الصادقين، أمام الطبقة العمالية بأسرها، ينبغي أن نفوز بلقب «حماة الوحدة» المجيدة.

أيها الرفاق، إن وضع وقيادة سياسة للوحدة هو، قبل النظر إلى نتائج النضال نفسه، إضعاف للانقسام كما أنه لطمة شديدة موجَّهة إلى عملاء الإمبريالية والرجعية الذين يريدون إبعاد المناضلين الأمناء عن النضال الثوري وهو دعم لوحدة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بالداخل ودعم للحركة في نفوس مناضليها الصادقين، وفي تقدير الطبقة العمالية والحركة العمالية والديمقراطية الدولية، وهذا نصر كبير.

لذا نقترح:
  • (أ)

    أن تحدد اللجنة المركزية خطًّا لمواجهة مشكلة وحدة التنظيمات الشيوعية.

  • (ب)

    تكليف المكتب السياسي بتطبيق هذا الخط باعتباره مهمة أساسية له.

تحيا وحدة الشيوعيين المصريين الصادقين!

تحيا الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني نصيرة للوحدة!

(٣) إلى اللجنة المركزية بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني

خطاب بتاريخ ٢٥ مايو سنة ١٩٥٣م حول مشاكل الحركة الداخلية
الرفاق الأعزاء

في البداية كتبت لكم مطوَّلًا عن مواضيع عديدة، وبعد تفكير سأكتفي في هذا الخطاب بتناولٍ موجز وسريع لموضوع واحد يبدو لي حاسمًا في هذا الوقت.

ستشهد ليلى إلى أية درجة تنقصنا المعلومات عن الوضع داخل الحركة، لذا أرجو أن تستخلصوا «جوهر» هذا التقرير دون أن تعلقوا أهمية على الأخطاء الحتمية الموجودة به.

أيها الرفاق، لقد تلقَّيتُ خطابًا من الرفيق حميدو، وهو يطلب مني، بصفة عاجلة، إرسال رأيي إلى اللجنة المركزية حول المسألتين موضوع النزاع: الجبهة الوطنية، والمجلة الجديدة؛ ولا أخفي عليكم القلق الشديد الذي سبَّبه لي هذا الخطاب وكذا بعض الدلائل الأخرى؛ إن اللجنة المركزية للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي لم تستشر يونس طَوال غياب دام عامين ونصفًا تطلب رأيه في نقطة هامة هي الجبهة الوطنية؛ وأيضًا في نقطة ثانوية نسبيًّا هي إصدار مجلة شهرية بصفة رسمية!

لهذه الواقعة مدلول محدَّد وواضح، خاصة أن المطلوب ليس تقريرًا يمكن تقديمه عن تجربة الحركة والتجربة الدولية في هذه المسائل، بل إن المطلوب هو رأي: هل يصح هذا أو لا يصح؟ إن هذا الطلب يعني شيئًا واحدًا هو أن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني تمر بأزمة خطيرة مرجعها ليس الهجوم الإمبريالي والرجعي، لكنه الانشقاق الداخلي ووجود معسكرين على الأقل بالحركة، وهو يعني أن أحد أشكال الصراع هو الخلاف في مسألتين بالتحديد، وهذا أمر لا يحتاج إدراكه إلى مقدرة خاصة في كشف الغيب.

ليس الموضوع إذَن مجرد إبداء رأي في محاولة لدراسة مسألة ما بعمق، ولا تكمن المشكلة في الموقف من هذه المسائل بل إنها كامنة في الصراع بين المعسكرين؛ وفي هذا الجو من الصراع الداخلي الذي أعرفه جيدًا للأسف، لن يقنع رأيي أحدًا! إنه سيؤدي فقط إلى زيادة الصراع لأن أحد المعسكرين سيستخدمه كسلاح ضد الآخَر.

لهذا لا يمكنني الرد على اللجنة المركزية كما طلب حميدو، لكنني أعد بتقرير عن أحد أهدافنا الأساسية وهو تجميع القوى الوطنية والديمقراطية في مصر، وبتقرير آخَر لا يقل أهمية عن سابقه عن عمل المثقفين بما أن هذه المسائل مطروحة.

وأنا كعضو مخلص ووفي بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني منذ ميلادها باسم الحركة المصرية للتحرر الوطني في سنة ١٩٤٣م أودُّ في هذا الخطاب، أن أقول رأيي في مشكلة الانشقاق بالحركة، وإنني آسف لأن أحدًا لم يعطني عناصرها، ولم يستشرني فيها رغم أنني اكتسبت خبرة معيَّنة في هذا الموضوع، كما أنني واثق من إمكان مشاركتي في حلها ولو كنت موجودًا، على كل حال سأبذل قصارى جهدي من هنا، ولا أود لهذا السبب الخلط بين هذه المشكلة ومسألتي الجبهة والمجلة؛ ومن جهة أخرى فإن هذه المشاكل لا يمكن حلها إلا في إطار عودة الوحدة، إذا كان الهدف هو التوصل إلى حلول ملموسة لا حلول عامة أو أيديولوجية؛ ولا أود أن يظن بعض الزملاء أنني خائف من التورُّط، فأنا لم أخَف يومًا من «اتخاذ موقف»، وإن كنت أعتقد أن الوقت لم يحِن بعد، لحسن الحظ، ﻟ «تحديد المواقف»، وإن من الواجب المحاولة للارتفاع بالنقاش إلى مستواه الحقيقي، لا الاستمرار فيه على المستوى الذي ينعكس فيه مؤقتًا؛ إن أحد العناصر التي تُيسِّر لي إتمام هذه المهمة هو أنني لم أشارك في الصراع الداخلي القائم، مما أتاح لي الاحتفاظ بموضوعيتي كاملة.

أين هي الخطورة؟ بداهة ليست في اختلاف الآراء: إن القيادة قيادتنا، وجميع القيادات الحقيقية تستمد قوتها من الفروق الناتجة عن نشأة وتجارب أعضائها؛ هذه الفروق الطبيعية بل والضرورية هي مصدر كبير للقوة، لأنها تتيح للقيادة قدرًا عظيمًا من الخبرة؛ قد يذكر بعض الزملاء مرور قائد أحد الأحزاب الشقيقة بمصر في سنة ١٩٤٦م وإعجابه الخاص بتكوين قيادة الحركة المصرية للتحرر الوطني التي تمثل جميع الطبقات الاجتماعية والوطنية، وعدم رضاه عن إدارة إسكرا هذه «الشلة» الحقيقية التي تعكس أوساطًا وتجارب متماثلة.

لكن تنوُّع التجربة قد يصبح مصدر ضعف إذا تحول إلى خصومة، ويقول ستالين مشيرًا إلى هذه النقطة في عمله الأخير «المشاكل الاقتصادية في الاشتراكية» وهو على الأرجح أكثر أعماله نبوغًا: «لا يمكن لهذه التناقضات (المقصود هنا التناقضات بين القوى الإنتاجية ونسب الإنتاج في النظام الاشتراكي) أن تتحول إلى خصومة إذا طبقت الهيئات الحاكمة سياسة صحيحة …» وتنتج عن هذا التحول دورة شيطانية ذات طابع شخصي داخل القيادة التي تنقسم إلى «أغلبية» و«أقلية»؛ ثم تنتقل هذه الدورة إلى الحركة كلها، وعندئذٍ تفقد المعسكرات موضوعيتها فتنظر إلى كل المشاكل من خلال الصراع الداخلي، ويعتبر كلٌّ من المعسكرين المبادرة الصادرة من المعسكر الآخَر ضارة به لأنه لا يرى إلا جوانبها السلبية؛ هكذا يغيب النقد الذاتي ويظن الذين وقعوا في الخطأ أن الاعتراف به يزيد من قوة المعسكر الآخَر؛ أي المعسكر «الانتهازي»، لأن كلًّا من المعسكرين «انتهازي» في رأي الآخَر؛ ونكتشف فجأة، في ظِل هذا الوضع، أن الزملاء الذين يساندوننا يتمتعون بكل الفضائل رغم أننا قبل ذلك لم نجدهم ثوريين إلى هذه الدرجة، أما الآخرون فتظهر لنا فجأة عيوبهم أخطَر مما كانت تبدو؛ وهكذا يتم اختيار المسئولين على أساس انتمائهم لهذا المعسكر أو ذاك لا على أساس الكفاءة، ويبلغ الأمر منتهاه حين نتمنى أو نفرح لفشل مبادرة، لأن المعارضين هم الذين اتخذوها، ونتوقف بالتدريج عن جميع الأنشطة حين ندرك أن انفصالًا تنظيميًّا سيتيح لنا عملًا أفضل.

أين نحن؟ إنني أجهل ذلك تمامًا، ولكن إذا كانت الأزمة لا تزال في بدايتها فإنها ستنتهي، لو تفاقمت، بتحقيق أكبر نصر للإمبريالية والرجعية في الشرق الأوسط وهو انشقاق الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني الذي تتوقف عليه انتصارات أخرى.

لا أقول إن الصراع الداخلي الضاري ليس ضروريًّا، وأن «مقاومة الانتهازية» ليست مهمة أساسية، ولا أعني أن وجهات النظر تتساوى من الناحية الثورية، ولكنني أعتقد أنها في جوهرها قائمة على تحليلات جزئية أي غير كاملة، وأن الحقيقة، في هذه المرحلة، ليست في صف هؤلاء ولا هؤلاء، لكنها تكمن في وحدة عُليا تتحقَّق بالتوفيق بين الجوانب الإيجابية في كلٍّ من وجهتَي النظر.

في سنة ١٩٤٧م، كانت الحركة المصرية للتحرر الوطني تُصدر جريدة «الكفاح» السرية وإسكرا جريدة «الجماهير» الرسمية؛ لقد كانت الحركة المصرية إلى حدٍّ ما أكثر ثورية، ولكن هل يمكن إنكار أن الحل لم يكُن في إدانة أيٍّ من الاثنين وإنما في إصدارهما معًا؟ إذا أُلقِي هذا السؤال: هل ينبغي تكوين مجالس بالمصانع أو نقابات؟ قد يكون الرد أن مجلس المصنع «أكثر ثورية» من النقابة، لكن مَن ينكر أن السبيل الحقيقي هو تجميع القوى العمالية في كل الأشكال الممكنة سواء مجلس مصنع أو نقابة لأنهما شكلان متكاملان لا متضادان.

إن هذه الأمثلة قد لا تكون ممتازة، لكنني بعيد جدًّا عن المشاكل اليومية، ولا أستطيع إعطاء أمثلة أفضل، وأعتقد، على كل حال، أن بإمكانكم تطبيقها على العديد من المشاكل، حيث إن الوحدة العُليا هي الحلقة الحاسمة في جميع المشاكل. وفي خطابه بالمؤتمر السابع للدولية الشيوعية الذي يضع خطة (تكتيك) الجبهة المعادية للفاشية، يركِّز ديمتروف Dimitroff على أن «القوة الحاسمة في إنشاء الجبهة هي الوحدة البلشفية للحزب».
ماذا ينبغي عمله للاهتداء إلى هذه الوحدة التي «يجب علينا صيانتها كأعز ما نملك»؟ (ستالين في «عهد لينين».) سأقتصر على عموميات:
  • (أ)

    إن الإدراك الواضح لمشكلة الوحدة، وأهميتها الحيوية باعتبارها المشكلة الحقيقية، ضروري لحل المشاكل الناتجة عنها.

  • (ب)

    ينبغي أن يقودنا هذا الإدراك إلى العودة بالخصومة إلى مستوى الخلاف.

  • (جـ)

    حل هذه الخلافات بالعمل على تطوير خط يجمع الجوانب الإيجابية في كلٍّ من الموقفين لا بالاختيار بينهما.

  • (د)

    هناك نقطة عملية واحدة خاصة بتكوين القيادة التي لا يمكن إعادتها إلى حالها على أساس من الإجماع أثناء الصراع الداخلي رغم ضعفها الناتج عن الاعتقالات في فترات القمع؛ وفي انتظار ذلك اليوم أقترح أن يكون للرفاق المعتقلين والمنفيين من أعضاء القيادة صوت استشاري في المسائل السياسية (ويوم تصلون إلى هذا ستختفي جميع الخصومات).

أيها الرفاق، ها هي رسالتي: «إن الاتحاد واجب ينبغي معرفة السبيل إليه»، ومهمة الشيوعيين المصريين، طليعة الطبقة العمالية، وكذا مهمة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، هي توحيد هذه الطبقة وتجميع الأمة كلها حولها.

هل من الممكن أن يقوموا بها إذا لم يتحد بدر وحميدو مثلًا أو إذا لم يعرفا كيف يتحدان؟ وإذا انفصلا ألن ينتج عن هذا أن تكون المهمة الأولى هي تجميع هؤلاء المناضلين؟

إن من أكبر مفاخرنا نحن الأعضاء المنفيين بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني المجيدة هي وجود عمال طليعيين بارزين بالقيادة مثل بدر وحميدو اللذين لا نكفُّ عن رواية انتصاراتهما؛ هل سيضعاننا أمام الاختيار الأليم بينهما؟

تحيا الوحدة الثورية لقيادة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني!

يحيا القادة العمال بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني!

يحيا الاتحاد الثوري بين بدر وحميدو!

(٤) قرار مجموعة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بروما عقب إنشاء الحزب الشيوعي المصري الموحد P.C.E.U

إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري الموحد يونيو سنة ١٩٥٥م
الزملاء الأعزاء

اطَّلعنا على خطاب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري الموحد إلى اللجنة المركزية للحركة السودانية للتحرر الوطني M.S.L.N وهو الخطاب الذي تخبرها فيه بتأليف الحزب من سبعة تنظيمات شيوعية متحدة.

ونحن إذ نحيِّي هذه الخطوة للأمام التي قام بها الشيوعيون المصريون على طريق توحيد الصفوف، نؤكد صلابة انتمائنا إلى الحزب الشيوعي المصري الموحد، ونؤيد اللجنة المركزية تمامًا في موقفها الذي يؤكد أن اتحاد الشيوعيين المصريين لا يُعد أمرًا مفروغًا منه، وأن النضال من أجل الوحدة لن يتوقف مع التنظيمات المصرية خارج الحزب، كما نطالبها بقيادة نضال موازٍ لدعم وحدة الحزب الداخلية على الصعيد الأيديولوجي والتنظيمي معًا، وذلك على أساس مبادئ الماركسية اللينينية.

إن مجموعتنا من جانبها، قد طبقت شروط الوحدة رغم عدم إقرارها لبعض هذه الشروط (سنرسل لكم تقريرًا بهذا الشأن)، وهي تتعهد، مدفوعة برغبة حقيقية في الوحدة، بالاتصال بأعضاء التنظيمات المنضمة للحزب من الشيوعيين المصريين بالخارج حتى تصبح الوحدة واقعًا حيًّا، ونحن نطلب مساعدة اللجنة المركزية في هذا الأمر، وذلك بالاتصال بهؤلاء الأعضاء وتوصيتهم بتطبيق قرار الوحدة.

كما تطلب مجموعتنا من اللجنة المركزية إبلاغها بالأسس التي يقوم عليها الحزب حتى تدور حولها مناقشة واسعة، وحتى يتم الانضمام للحزب على أساس معطيات أيديولوجية وسياسية ملموسة ومحددة، وحتى نكون مسلحين سياسيًّا وأيديولوجيًّا للنضال المستمر وفقًا للخط الذي وضعته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري الموحد.

إن مجموعتنا تتعهد بالاستمرار في النضال بصلابة تحت لواء الحزب الشيوعي المصري الموحد من أجل استقلال مصر، وانتصار الحريات، والسلام العالمي، وتحسين الظروف المعيشية لشعبنا وإقامة الاشتراكية في بلدنا.

يحيا الحزب الشيوعي المصري الموحد.

وإلى الأمام من أجل وحدة شاملة، ومن أجل إنشاء حزب شيوعي مصري حقيقي.

مجموعة الحزب الشيوعي المصري الموحد بروما

(٤-١) الخط العام لعمل المجموعة القديمة للحزب الشيوعي المصري بالخارج (١٩٥٧م)

إن هذه المذكرة لا تهدف إلى سرد النشاط الضخم لهذه المجموعة التي تكونت منذ سبع سنوات مضت، فبوسع الزملاء الموجودين حاليًّا بمصر من أعضائها إعطاؤكم فكرة عنه.

لقد تكونت المجموعة من الزملاء الذين ناضلوا داخل الحركة الشيوعية المصرية والذين يقيمون الآن بالخارج، سواء كان ذلك بإرادتهم أو رغمًا عنهم، وسواء كانوا مستعدين أو غير مستعدين للعودة إلى مصر؛ بالنسبة لأولئك الذين لا ينوون العودة. فإن الحجة التي نحملهم بها على النضال في صفوفنا هي أن العمل الثوري الفعال الذي يمكنهم حقًّا القيام به هو العمل الموجه إلى مصر من خلال المجموعة.

إن المجموعة مؤلفة أساسًا من رفاق لا يستطيعون حاليًّا العودة إلى مصر، فقد عاد كل مَن أمكنه العودة، وكانت عودة البعض تتم في ظروف خطِرة.

إن تكوين المجموعة هذا، وهو أحد الأسس التي يقوم عليها النقد الموجَّه إلينا، مدعاة فخر لها ولمجموع الحزب، فهو يبرز أن من تُتاح له العودة يعود ليشارك في النضال المباشر بمصر، وهو يثبت أيضًا أن «الرفاق الأجانب واليهود» على العكس من بعض الافتراءات، مخلصون للحركة الشيوعية المصرية ولمصر.

إن محور عملنا هو تقديم يد العون لمصر وللحركة الشيوعية المصرية، وفيما يلي عرض ملخص جدًّا، وقد يكون غير كافٍ، لهذا العمل الموجَّه أساسًا:

أولًا: إلى مصر

(١) عون مباشر للحزب

  • (أ)
    المشاركة في الحياة السياسية للحزب: تبادل الرسائل، الدراسات السياسية، وغير ذلك من المساهمات.
  • (ب)
    المشاركة في الدعاية للحزب: وذلك بمحاولة نقل بعض جوانب تجربة الحركة العمالية (البروليتارية) الدولية، وإعداد المحاضرات والدراسات عن المشاكل المختلفة، والوثائق، وترجمة الكتب والمقالات، وإرسال بعض المواد التي تهم الحزب عن الحركة الدولية، وقد قدمنا في هذا المجال اقتراحًا بإعداد مدرسة للكوادر التي يرسلها الحزب.
  • (جـ)
    على الصعيد التنظيمي: عون مالي: اشتراك، اكتتاب، هبات … إلخ. ومن ناحية أخرى الدراسة والعمل الذي يكفل وصول هذا العون بجميع أشكاله.

(٢) المشاركة في النشاط الديمقراطي بمصر

  • (أ)
    إرسال معلومات عن مختلف الحركات الديمقراطية الدولية: مجلات، مقالات، وثائق عن الإعداد للمؤتمرات، إلى الهيئات أو المتخصصين في المشاكل الديمقراطية بمصر.
  • (ب)
    المساهمة في الإعداد لمشاركة مصر في المؤتمرات الدولية: وذلك بإبلاغها بتاريخ انعقاد المؤتمرات، وخطها السياسي وبرنامجها، مع نقل شكل العمل في مختلف البلاد، إذا تطلب الأمر، كمثال للديمقراطيين المصريين، والمساهمة المالية لمساعدة المبعوثين المصريين في الوصول إلى المؤتمر، وتقديم مصر ببعض المؤتمرات في حالة عدم وجود مبعوثين مصريين.
  • (جـ)

    حملة للتضامن مع المعتقلين الشيوعيين.

ثانيًا: إلى الخارج

  • (١)

    إرسال المعلومات إلى الحركة العمالية والأحزاب الشقيقة والحركة الديمقراطية عن الوضع في مصر وذلك لتحقيق الاتصال بينها وبين الحركة الديمقراطية المصرية والحركة الشيوعية المصرية، ومساعدتها في عملها المؤيد لهما، وهذا عن طريق نشرة «أخبار مصرية» القائمة على المواد التي تصلنا من مصر نفسها، وكذلك إعداد الدراسات والمذكرات عن مختلف المشاكل المصرية وإعداد المقالات المخصَّصة للصحافة الديمقراطية العالمية.

  • (٢)

    حملة سياسية لمساندة الحركة الوطنية المصرية والحركة الديمقراطية المصرية على حد سواء في المشاكل الملموسة تبعًا لاحتياجات مصر والظروف السياسية الدولية: الحملة التي قمنا بها بمناسبة تأميم قناة السويس والعدوان الإمبريالي على مصر، وقد ظهرت هذه الحملة في شكل مذكرات ومنشورات ومقالات، وجمع توقيعات للشخصيات العالمية على عرائض مؤيدة للقضية الوطنية أو الديمقراطية حسب المشكلة المثارة.

قيادة مجموعة روما للحزب الشيوعي المصري الموحد
١٢ يناير سنة ١٩٥٨م

خطاب إلى المكتب السياسي

زملاءَنا الأعزاء، تحية الزمالة وبعدُ، لقد علمنا بدهشة شديدة أنكم تناقشون إمكانية حل مجموعة الحزب في الخارج. وإن موضوع دهشتنا ليس المناقشة في حد ذاتها بل أن تستمر المناقشة بدون طلب رأينا بالرغم من أن هذه المسألة تخصنا وتهمنا مباشرة، إن طريقة المعاملة هذه لا شك معيبة، وقد نبذتها الحركة العمالية منذ زمن بعيد ومن الواجب على حزبنا أن يحاول هو أيضًا عدم الالتجاء إليها. وبجانب ذلك أنكم تناقشون مسألة تعرفونها معرفة ناقصة إلى حد كبير، وكثرت حولها الشائعات والأخبار الخاطئة والكاذبة. وعليه: فإن كل موقف تتخذونه لا يمكن أن يكون مؤسَّسًا على معرفة الأحوال الموضوعية الحقيقية.

هل يجب على الأشخاص الذين سبق أن كافحوا في صفوف الحركة الشيوعية المصرية والذين يوجدون حاليًّا في الخارج. هل يجب عليهم أن يستمروا في الكفاح المصري داخل مجموعة تابعة للحزب الشيوعي المصري، أو يجب عليهم أن يحاولوا الاندماج في أحزاب البلاد التي يعيشون فيها؟ هذه هي في نهاية الأمر المسألة الموضوعة للبحث. فهل يوجد حل لمثل هذه المشكلة؟

لم يكُن يوجد قبل الحرب العالمية الثانية بشكل عام إلا حل واحد وفي ذلك الوقت كانت تطبق بكل دقة قاعدة الإقليمية، ومعناها أنه كان على كل شيوعي مهما كانت بلاده الأصلية أن يضع نشاطه تحت قيادة الحزب الشيوعي في بلد إقامته، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية ابتعدت الأحزاب كليةً عن هذه القاعدة القديمة، ولم تعُد تتبع قاعدة واحدة جامدة في كل الظروف، فإنها بشكل عام تتصرف الآن تبعًا للظروف الموضوعية.

إن هذه الظروف الموضوعية تتضمن ظروف بلاد الإقامة الفعلية كما أنها تتضمن أيضًا ظروف البلاد الأصلية ومن ذلك مثلًا في فرنسا ينضم بعض الشيوعيين الذين من أصل أجنبي إلى الحزب الشيوعي الفرنسي — ومنهم الإيطاليون — بينما لا يستطيع شيوعيون آخَرون الانضمام إلى الحزب الفرنسي، كالأمريكيين. وبجانب ذلك يفرق عادةً بين العمال والمهاجرين الذين يقيمون في فرنسا للعمل فيها والذين يسهل عليهم الاندماج، وبين المهاجرين السياسيين الذين لهم عادة مركز خاص. هذا فيما يختص ببلاد الإقامة الفعلية.

أما فيما يختص بظروف أحزاب البلاد الأصلية فإنه يوضع السؤال الآتي: هل هذه الأحزاب في حاجة إلى نشاط خارجي؟ وإذا كان الرد بالإيجاب ينظم المكافحون بشكل يضمن الاتصال بينهم وبين حزب بلادهم الأصلية — ومثل ذلك الشيوعيون الإسبانيون — ومن الممكن أيضًا تبعًا للظروف الوصول إلى حل عكسي تمامًا.

وأخيرًا قد تكون الظروف الموضوعية هي ظروف المكافحين أنفسهم. قد يستطيع بعضهم الاندماج بسرعة وبشكل كامل في البلاد التي يقيمون فيها، بينما يظل البعض الآخَر مرتبطًا ببلاده الأصلية وبجانب ذلك قد توجد إمكانات للكفاح في بلاد الإقامة كما قد توجد ظروف خاصة بأحوال الأجانب والذين لا جنسية لهم في بلاد يشتد فيها الإرهاب البوليسي، بحيث تنعدم بالنسبة لهم إمكانات الكفاح في صفوف حزب قانوني … إلخ. ومعنى ذلك كله أنه في هذه الحالة أيضًا لا توجد قاعدة واحدة جامدة واجبة التطبيق في جميع الأحوال بل إن كل قرار يُتخَذ يجب أن يكون مبنيًّا على تحليل دقيق للظروف الموضوعية.

لقد تكونت مجموعة الشيوعيين المصريين في الخارج على أساس أن وجود مثل هذه المجموعة يسمح بمساعدة الكفاح الذي يقوم به الشيوعيون داخل مصر نفسها وبجانب ذلك فإن إيجاد مثل هذه المجموعة يسمح باستعمال نشاط هؤلاء الزملاء الذين سبق لهم أن كافحوا في مصر بشكل فعَّال أكثر مما إذا كانوا قد كافحوا في صفوف أحزاب بلاد إقامتهم وكان الحزب الشيوعي الفرنسي قد أيَّد بدون تحفظ هذا الموقف، وكان قد أيَّد قبل أن ينفصل عنه عددٌ من أعضائه — حتى الفرنسيين منهم الذين سبق لهم أن كافحوا في مصر وكانوا منتمين إليه — وسمح لهم بالنشاط داخل ما كان في ذلك الوقت «مجموعة حدتو في الخارج» ثم أصبحت تابعة للحزب الشيوعي الموحَّد ثم للحزب الشيوعي المصري المتحد.

وقد وضعت خطة عمل هذه المجموعة بشكل مفصَّل منذ سنة ١٩٥١م، وتم ذلك بالاشتراك مع الزملاء عزيز وسعيد، وملخَّص هذه الخطة هو «مساعدة مصر». وإننا بعد كفاح مستمر بدون توقف منذ ١٩٤٩م لعدد منا ومنذ سنة ١٩٥٠ و١٩٥١م. لأغلبية مجموعتنا، مقتنعون تمام الاقتناع أن هذه المساعدة كانت قيِّمة، ولكن حتى إذا لم تكُن هذه المساعدة إلا مساعدة بسيطة جدًّا، فإننا لا نستطيع أن نفهم لماذا قد يُتخذ قرار بحرمان الحزب منها، أي حرمان — إلى درجة بسيطة للغاية — الطبقة العاملة ومصر منها، وعلى كلٍّ؛ فإنه من الواجب ألا يُتخذ قرار، مهما كان اتجاه هذا القرار، إلا على أساس دراسة موضوعية لنشاط المجموعة ولإمكاناتها الكفاحية.

وإننا لا يمكن أن نقبل بأي شكل من الأشكال الاتهام الذي يبدو أنه موجَّه إلينا بأننا نحاول «قيادة» الحزب من الخارج ولا يمكن أن يوجه مثل هذا الاتهام إلا أشخاص ينعدم فيهم الشعور بالمسئولية، وإنكم لَتعلمون أحسن من أي شخص آخَر أننا حتى لو كنا نرغب في ذلك، وهذا غير صحيح قطعًا، فإنه لا يوجد لدينا أدنى إمكانية للقيام فعلًا بمثل هذه القيادة. إنكم تعلمون أحسن من أي شخص آخَر أن المكتب السياسي واللجنة المركزية وسائر هيئات الحزب القيادية تجتمع وتتخذ قراراتها بدون أن تعبِّر مجموعة الحزب في الخارج عن رأيها في المسائل المعروضة للبحث.

وعليه فإننا لا نرى كيف يمكن قبول مثل هذا الاتهام بل ولا نفهم أن يُقدَّم مثل هذا الاتهام بدون تأييده بحجج معقولة وبوقائع ثابتة.

إن مجموعتنا التي تكونت في سنة ١٩٥٠م كمجموعة حدتو في الخارج كانت تتمتع في بداية تكوينها بثقة المنظمة التي كانت تنتمي إليها، ولذلك كانت مجموعتنا في ذلك الوقت في مركز يسمح لها باتخاذ مواقف سياسية، وكانت تعلم أن هذه المواقف سوف تصدق عليها قيادة حدتو، وكان مسئول المجموعة عضوًا في قيادة حدتو، ولكن عندما تطورت هذه الحال وتغيرت غطَّت مجموعتنا بحكمة كبيرة ومتزايدة، ومن ذلك مثلًا أن النشرة التي كنا نقوم بتحريرها في سنة ١٩٥١م باسم الحزب قد توقفنا عن إصدارها في سنة ١٩٥٤م ولم نقُم بإصدار نشرة في ١٩٥٦-١٩٥٧م (أي منذ تكوين الحزب الشيوعي المصري الموحد) إلا لتوزيع ترجمة مطبوعات الحزب وطبقًا للمعلومات التي كانت قد وصلتنا بذلك المعنى.

وعلينا أن نذكر بوجه خاص مواقفنا الخاصة بالكفاح من أجل سلام عادل بين إسرائيل والدول العربية. ويبدو أن هذه المواقف موضع اتهام موجَّه إلينا أيضًا. وأننا مقتنعون بأن مواقفنا متفقة تمامًا، ليس فقط مع مواقف الحزب الشيوعي الإسرائيلي الشجاع، ولكن أيضًا مع مواقف كل الحركة العمالية الدولية وبوجه خاص مع مواقف الاتحاد السوفييتي. وبجانب ذلك فإن جميع الزملاء، المصريين والسودانيين، الذين مروا من عندنا والذين استطعنا أن نناقش هذه المسألة معهم، قد أكدوا لنا أن هذه المواقف سليمة. وإننا نعلم تمام العلم أن هذه المواقف ستصبح، إنْ عاجلًا أو آجِلًا، مواقف الحزب كله في مصر. ومع ذلك فإننا نستطيع أن نؤكد لكم أننا لم نقدِّم أبدًا هذه المواقف باسم الحزب وإننا لَنتحدى أي شخص بأن يثبت عكس ذلك وإننا قد احتفظنا عندنا بمجموعة كاملة لكل نشراتنا وعندنا كذلك سجلات كاملة (أرشيف) عن كل نشاطنا، ومن السهل الرجوع إليها والتحقيق في هذا الموضوع وفي غيره. ونحن أثرنا ذلك الموضوع بشكل خاص لأننا نعلم أنه يكون أساس الهجوم العنيف الذي يُشن ضدنا.

وإنكم تستطيعون أن تكونوا على ثقة بأننا لم نعمل أبدًا ولن نعمل إلا تطبيقًا لخطة الحزب وتبعًا للتوجيهات التي تُعطَى رسميًّا لنا، والحقيقة أننا حتى الآن لم تصِلنا تعليمات أو توجيهات إلا نادرًا جدًّا وأننا قد أثبتنا في كل الظروف تمسُّكنا بالنظام والمبادئ التنظيمية في كل علاقاتنا بالحزب. إننا قمنا بتطبيق قرارات الحزب حتى عندما كنا مقتنعين بخطئها (ومثال ذلك القرار الخاص بإيقاف يونس). وأننا تبعنا وطبقنا خطة الحزب السياسية حتى عندما كنا مقتنعين بخطئها، ومثال ذلك معاداة النظام الحاضر على طول الخط في مرحلة ١٩٥٣-١٩٥٤م وذلك حتى لا يحق لأحد أن يشك في أمانتنا كأعضاء في الحزب.

ولقد حدث في مناسبات معيَّنة أن قدمنا للحزب رأينا في مسائل معينة، ولكن لم يكُن ذلك إلا مزاولة منا لحقٍّ يتمتَّع به كل عضو في الحزب، بل إنه واجب يقع على عاتق كل عضو في الحزب بالاشتراك اشتراكًا فعليًّا في حياة الحزب.

•••

وإننا لا نرى أدنى سبب يبرِّر اتخاذ قرار عاجل في مسألة حل مجموعة الحزب في الخارج، ولذلك إننا نطلب منكم أيها الزملاء بكل قوة، تأجيل اتخاذ قرار في هذا الموضوع حتى تستطيعوا الحكم على أساس تحليل أكثر دقة للظروف الموضوعية وللعمل الذي قامت به المجموعة وللإمكانات الحقيقية الموجودة لمساعدة حزب نعتبر أنه حزبنا مهما كانت بساطة هذه المساعدة.

إن الاستعجال الذي لا يوجد ما يبرره في اتخاذ قراركم قد يبدو أنه محاولة لتصفية نشاط بعض المكافحين الموجودين حاليًّا في الخارج، لتصفية معارضة سياسية بسبب عداء شخصي لهم، وقد يبدو أيضًا أنه هجوم موجَّه ضد المنظمة الأصلية لهؤلاء المكافحين ومن الواضح أن مثل هذا الهجوم معارض لروح شروط الوحدة.

ومن البديهي أننا لا نستطيع اعتبار الاستعجال في اتخاذ مثل هذا القرار، أنه خضوع للنزعة العنصرية التي ظهرت أخيرًا في حزبنا، وذلك بالرغم من كثرة ما قيل وما سوف يُقال بهذا المعنى، إذ إننا واثقون بأن هذه النزعة العنصرية الغريبة عن الماركسية اللينينية وعن تقاليد حزبنا لن تجد أدنى صدى لها داخل الهيئة القيادية لحزبنا.

وأملنا أيها الزملاء الأعزاء أنكم ستضعون هذه الرسالة موضع اعتباركم. وختامًا، إننا نعبر لكم عن إخلاصنا التام للحزب وللطبقة العاملة المصرية ولمصر ولكم، تحياتنا الأخوية الصادقة.

اللجنة القيادية
لمجموعة الحزب في روما
figure

مذكرة لتعميق مدلولات بعض مظاهر النضال الاقتصادي للطبقة العمالية رقم ٣٢-٣٣ /٧ بتاريخ ٧ /٣ /٥٨ إلى عائلة Jules
الزملاء الأعزاء

نرسل إليكم بعض الاعتبارات التي تتيح تقديرًا أفضل لبعض مظاهر دور الطبقة العمالية في مجتمعنا والتي تسهِّل عمل العمال الطليعيين وعمل الحزب من أجل تطوير هذا الدور حتى يصبح دورًا قائدًا لا في المجال السياسي بل في مجال تُعَد فيه مهامنا غير واضحة نسبيًّا وهو المجال الاقتصادي.

•••

لا يمكن القول بأن هناك صِلة مباشرة بين النفوذ الاقتصادي والنفوذ السياسي للطبقة العمالية، ففي روسيا القيصرية مثلًا كان الدور الاقتصادي لهذه الطبقة أقل كثيرًا منه في بلاد أخرى، وهي مع هذا قد وصلت إلى القيادة السياسية لكن هذا لا يدعو إلى إهمال هذا الدور لأنه بالفعل دور هام جدًّا، في غير فترات المد الثوري، وهو يشكِّل أحد العناصر الرئيسية التي يقوم عليها نفوذنا السياسي.

لذا ينبغي تعميق هذا الدور كما يجب قيادة الطبقة العمالية والجماهير الشعبية بأكملها إلى الإحساس بأهميته وإدراكه بطريقة أكثر وضوحًا؛ ويمكننا النظر إلى هذا الدور من زاويتَين؛ أولًا: الوظيفة الاقتصادية العامة للطبقة العمالية، ثم تدخلها الواعي للإشراف على عملية الإنتاج.

سنحاول التعمق في هذين المظهرَين لكننا نلفت نظر الزملاء إلى أننا لسنا طوال الباع في هذا المجال، وعلى القادة المنتمين إلى الطبقة العمالية (البروليتاريا) تحديد مهام هذا المجال بطريقة أعمق وأكثر اتساعًا.

(أ) الوظيفة الاقتصادية للعمال

نحن بالطبع لا نريد العودة إلى الأفكار الماركسية في هذا الموضوع لكننا نبغي تأمل جانب منه يغيب أحيانًا عن الملاحظة.

إن الدستور المصري يعترف نظريًّا «بحق العمل» في مادته الثانية والخمسين؛ ولكن قد يكون هناك مصدران للعمل:
  • المصدر الأول: هو ذلك الذي تتيحه البرجوازية، وهي تحاول وضعه في إطار «الضمان الاجتماعي»؛ لذا ينبغي على الدولة إتاحة فرص العمل للعاملين بقدر اهتمامها بالأطفال والمسنين، وذلك بغرض تأمين معاشهم.
  • أما المفهوم الآخَر: الذي يجب علينا الدفاع عنه فهو يقوم على كرامة العمل التي تنبع بدورها من هذه الحقيقة: إن المجتمع لا تقوم له قائمة بدون العمل.

إن هذه الأهمية الحاسمة لدور العمل في المجتمع تفرض عليه، أي المجتمع، توفير إمكانية العمل لجميع أعضائه، ولكن الرأسماليين لا يريدون رؤية المشكلة من هذه الزاوية لأن عدم الأمان في العمل في صالحهم، وفي صالحهم أيضًا وجود «جيش احتياطي» من العاطلين؛ حيث يتيح هذا الوضع الحصول على أكبر قدر من المكاسب كما يسمح بالتخلُّص من العناصر المتقدمة سياسيًّا بين العاملين.

وعلى العكس من ذلك، يمثل العمال، في هذا المجال، المصالح الحقيقية للمجتمع فهم المناضلون من أجله، حتى يتمكن من استخدام وتطوير إمكانات العمل الخاصة بأعضائه، ومن خلالهم يظهر مثلًا التناقض القائم بين أهمية العمل بالنسبة للمجتمع وخضوعه لهوى الرأسماليين الذين لا يبغون سوى منفعتهم الخاصة.

وبصفة عامة، يمكن للعمال قيادة النضال «عفويًّا» من أجل الحصول على مطالبهم القائمة على احتياجاتهم وحقوقهم المستمدة من أهمية العمل، وأهمية وظيفتهم الاقتصادية في المجتمع؛ ولنعطِ مثالًا صحيحًا: في الوقت الحاضر، يعترف المجتمع المصري بجميع طبقاته بأن مهمته الرئيسية هي اللحاق تدريجيًّا بالبلاد المتقدمة، وبدون مناقشة جميع ما تتضمنه هذه المهمة، يمكننا أن نأخذ ضرورة «التصنيع»، التي ركز عليها الشيوعيون واعترف بها القادة الحاليون، نقطة للبداية.

ولكن ماذا نرى؟ عندما يدور في مصر الحديث عن التصنيع، إنما يكون الهدف هو تمجيد الذين «يقيمون» الصناعات، فتنشر الجرائد المصرية صفحات كاملة للاحتفال بإقامة شركات رأسمالية غالبًا ما توزع فيها الأرباح، بمساعدة الدولة، على الرأسماليين، وفي كثير من الأحيان يحضر قادة النظام توقيع عقود الشركات، ويشاركون أيضًا في احتفالات وضع الحجر الأول والافتتاح، ولا ينسون تهنئة الرأسماليين وممثليهم بهذه المناسبة.

على الشيوعيين إذَن إبراز ما يأتي للعمال والجماهير الشعبية معًا: يعود الفضل في إقامة المشاريع إلى العاملين بها وإلى العمال الذين يبنون المصانع لا إلى أولئك الذين «يشجعون» الصناعة أو أصحاب رأس المال؛ إننا لا نريد إنكار أو احتقار دور الرأسماليين في هذه المرحلة، لكن علينا الدفاع والاعتراف بدور العمل والعاملين وكرامتهم النابعة فعلًا من أهمية هذا الدور.

إن التركيز على أهمية هذا المفهوم يُتيح تعميق مغزى النضال الاقتصادي للطبقة العمالية، كما يساعد العمل في هذا الاتجاه على قدوم المجتمع القائم فعلًا على العمل بقيادة الطبقة العمالية.

ولا يسعنا تحديد برنامج، ولو بشكل تقريبي، للمطالب المترتِّبة على حق العمل؛ ومع هذا نذكر بعض الأمثلة:
  • النضال ضد التسريحات.

  • أولوية التعيين للعمال المسرَّحين لظروف اقتصادية.

  • منحة بطالة لائقة.

  • حق الشباب في ممارسة مهنة.

  • وضع خطة اقتصادية للتوسع في العمل لصالح الأمة وليس لتحقيق ربح رأسمالي وذلك بضمان حق العمل الكامل للعاملين.

(ب) دور العمال في عملية الإنتاج

هناك بعض الاعتبارات الملموسة التي ترتبط بصفة خاصة بالنضال المباشر للطبقة العمالية من أجل وضع خطة اقتصادية، وأهم المجالات في رأينا هي:

(١) المشاركة في تحديد ظروف العمل

تتحدد ظروف العمل، سواء في المهنة أو المؤسسة، تبعًا لثلاثة عوامل رئيسية:

الرأسماليين، الذين يهدفون بالطبع إلى الحصول على أكبر قدر من المكسب.

الدولة، وهي أداة تستخدمها الطبقة الرأسمالية لصالحها، وهي إما تَحُول دون العمال ومطالبهم، أو تُعِد اللوائح عندما تسنح الفرصة لذلك ضد تجاوزات بعض الرأسماليين، مما يضمن حماية النظام في مجموعه، ولهذا السبب نفسه تستجيب الدولة أحيانًا للتهديد خوفًا من حدوث ثورة اجتماعية.

العمال، هم الذين يشاركون، إلى حد ما، في تحديد ظروف العمل بطريقة عملية وواعية؛ ويجب أن تكون إحدى مهام الحزب زيادة العمل في هذا المجال بدرجة كبيرة.

إن مشاركة العمال في تحديد ظروف العمل ينبغي أن تقوم على دورهم في عملية الإنتاج، كما ينبغي مقاومة طموح الرأسماليين أو الدولة إلى الانفراد بتحديد هذه الظروف، ومحاربة المفهوم القائل بأن الأساس الذي تقوم عليه مطالب العمال هو الفقر والعمل المُضني وغير ذلك من الاعتبارات الشبيهة.

لهذا يجب التمييز بين مطالب العمال من جهة، ومبدأ المشاركة في تحديد ظروف العمل من جهة أخرى، لأن هذه المشاركة أهم كثيرًا من تحسين هذا الظرف أو ذاك من ظروف العمل.

إن إعداد العقود الجماعية — مثل العقود التي أرسلنا إليكم نسخًا منها — لصالح عمال مصنع ما أو حرفة ما، يؤدِّي دورًا رئيسيًّا في هذا المجال لأنها تتيح مناقشة العمال لظروف العمل وتعمل بصفة خاصة على تطور الحريات النقابية داخل المؤسسة: حق الاجتماع، حق الاتحاد، جرائد الحائط …

إننا لا نعني الأجور وساعات العمل فقط عند الحديث عن ظروف العمل، بل نقصد جميع المشاكل المرتبطة بالعمل مثل: مراعاة كرامة العاملين، تعريف الأمراض المهنية، الإشراف على الخدمات الاجتماعية في المؤسسة: المقصف (المطعم)، العيادة … وكذا مشاكل التعيين والتسريح وأولوية التعيين للعمال المسرحين لظروف اقتصادية … إلى آخِر هذه المسائل التي تعرفونها أكثر منَّا والتي يجب عليكم تحديدها بطريقة أكثر شمولًا.

(٢) الأهم من ذلك هو إشراك العمال في الإشراف على الإنتاج

إن تأسيس هيئات عمالية للإشراف على نشاط المؤسسات هو من أهم الانتصارات التي حققتها الطبقة العمالية بفرنسا وإيطاليا بعد مشاركتها الحاسمة في انتصار الحرب العالمية الثانية؛ لقد اعترف هذان البلدان بحق هذه الطبقة في التمثيل، لا بواسطة نوابها في البرلمان وفي مختلف الهيئات السياسية والاقتصادية فقط، بل بطريقة مباشرة داخل المؤسسة ذاتها.

في إيطاليا تُدعى هذه الهيئات باللجان الداخلية، وهي تُسمَّى، في فرنسا، بلجان المؤسسات؛ نرجو أن ترجعوا للكتيبات التي أرسلناها لكم عن لجان المؤسسات فهي تتناولها بالتفصيل.

إن الوضع هنا لا يختلف عنه في الخارج؛ حيث لا يُعَد اعتراف القانون بحق العمال كافيًا لممارستهم هذه الحقوق عمليًّا؛ وفي فرنسا مثلًا لجان عديدة بالمؤسسات لا تعمل بطريقة كاملة، حيث تحولت إلى هيئات شكلية يديرها الرأسماليون.

ومن ناحية أخرى لا ينبغي أن يَحُول غياب القانون دون سعي العمال للقيام بدور في الإدارة بقيادة نقاباتهم، ونحن نعلِّق أهمية رئيسية على هذا النشاط للحركة العمالية الدولية التي تُعِد الطبقة العمالية — وأنتم تدركون هذا بالفعل — بطريقة شديدة الفعالية لإدارة عمليات الإنتاج.

أيها الزملاء الأعزاء، ها هي النقاط الرئيسية التي نود توجيه انتباهكم إليها:
  • ضرورة الدفاع عن حقوق الطبقة العمالية على أساس كرامة وظيفتها.

  • ضرورة الدفاع عن مبدأ المشاركة المنظمة للعمال في تحديد ظروف العمل.

  • ضرورة الدفاع عن مبدأ المشاركة المنظمة للعمال في الإشراف على نشاط المؤسسة.

من هنا، يتضح أن عملنا المستمر في هذه المجالات يعمِّق مغزى وأهمية النضال الاقتصادي للطبقة العمالية.

figure
قرار الحزب الشيوعي المصري المتحد بحل مجموعة روما (الأسبوع الثاني من مارس ١٩٥٨م).

(٥) قرار المكتب السياسي للحزب الشيوعي المصري

الأسبوع الثاني من مارس سنة ١٩٥٨م

(٥-١) التنظيم

(أ) مجموعة روما

اتخذ المكتب السياسي للحزب الشيوعي المصري (الموحد) قرارًا إجماعيًّا بحل مجموعة روما في أكتوبر سنة ١٩٥٧م، وقد أقرَّت اللجنة المركزية للحزب هذا القرار الذي أيَّدَته قطاعات الأقاليم المختلفة؛ ومن المحقق أن القرار ينص على «حل مجموعة روما بأسرع ما يمكن»، وكانت هذه الصيغة، في رأي بعض الزملاء، غير دقيقة ومثيرة للبلبلة، لكن القرار قد اتُّخِذ، وتم تفسير الصيغة كالتالي: «إن الحل يُعتبَر نهائيًّا بعد إعلام مجموعة روما والأقاليم وكوادر الحزب بهذا القرار» أي إن الحل سيتم فعلًا فور إعلام مجموعة روما بالقرار وإقراره من مختلف كوادر الأقاليم بالحزب.

لقد ناقشت اللجنة الدائمة هذه المشكلة ورأت ضرورة إصدار المكتب السياسي للحزب لقرار جديد يؤكِّد به قراره السابق حتى تصفِّي نهائيًّا مشكلة حل المجموعة، ويجب الإشارة إلى أن خطابًا صادرًا من مجموعة روما تناقش وتعترض فيه على قرار الحل هو ما دفع المكتب السياسي للعودة إلى مناقشة هذه المشكلة، وقد طلب أيضًا بعض الزملاء مناقشة هذا الخطاب وكذلك وضع المجموعة.

بعد الاطلاع على الخطاب المذكور والقرار السابق للحزب الموحَّد، وبعد المناقشة الموسعة لهذه المشكلة أصدر المكتب السياسي القرار التالي:

«يقرِّر المكتب السياسي للحزب الشيوعي المصري حل مجموعة روما نهائيًّا اعتبارًا من ١٤ مارس سنة ١٩٥٨م، ويؤكد قراره السابق اتخاذه في أكتوبر سنة ١٩٥٧م، ويقوم هذا القرار على الاعتبارات التالية:
  • (١)

    انعزال المجموعة عن الواقع المصري.

  • (٢)

    المجموعة بعيدة عن رقابة الحزب.

  • (٣)

    فتح آفاق جديدة لأعضاء المجموعة؛ حيث يمكنهم الانضمام إلى الأحزاب الموجودة بأماكن إقامتهم.

  • (٤)

    الحرص على إقامة علاقات سليمة مع الأحزاب الشقيقة.

  • (٥)

    التكوين الأجنبي للمجموعة.

اتُّخِذ القرار بالإجماع حتى الفقرة الرابعة، وحصلت الفقرة الخامسة على الأغلبية، «يقرِّر المكتب السياسي أيضًا إبلاغ مجموعة روما بهذا القرار لوضع حد للمناقشة المفتوحة في هذا الصدد كما يكلف المكتب التنظيمي بتصفية الوضع القائم مع مجموعة روما والعمل على قطع الصِّلات بها بإشراف الأمانة المركزية.

إن المكتب السياسي يقرِّر، بالإضافة إلى هذا، منع جميع أعضاء الحزب من إقامة علاقات سياسية أو تنظيمية مع الرفاق بالخارج دون رقابة المسئول عن العلاقات الخارجية، ولا ينطبق هذا المنع على الصِّلات الشخصية.

«وفي حالة عودة بعض الزملاء بالمجموعة المُنحَلة إلى مصر، وطلبهم الانضمام ثانية إلى الحزب، فإن المكتب السياسي سيبحث طلبهم ويتخذ قرارًا فيه.»

إلى عائلة Jules بتاريخ ٢٤ مارس سنة ١٩٥٨م بواسطة ماري خطاب رقم ٤٠ و٤١.
تقرير رقم ٨ من جاك Jac

مذكرة عن التناقضات الواجب طرحها وحلها
الزملاء الأعزاء

إننا نعد من أجلكم سلسلة من الاعتبارات القائمة على وثائق «خط الحزب» التي تسلَّمناها، ونحن نفضِّل الاستمرار في طريقة التراسل المتبعة ومعالجة كل نقطة في مذكرة مستقلة بدلًا من إرسالها معًا، كما أننا نبيح لأنفسنا هذه المرة توجيه نظركم إلى نقطة أساسية ألا وهي التناقضات الموجودة في المجتمع المصري.

إن التجاهل التام لهذه التناقضات ظاهرة لا يمكن إرجاعها إلى الصدفة البحتة، بل هي تعبير عن اتجاه يميني واضح وهو اتجاه يتميز، بطريقة ما، بعدم تقرير أو إنكار هذه المتناقضات؛ ويجب، على أية حال، تدارُك هذا التجاهل بطريقة حازمة وإنْ كانت غير مباشرة.

إن هذه التناقضات لا يمكن تصويرها «عن بعد»، لذا فإن هذه المذكرة لا تهدف إلى تقديم صورة كاملة لها بل إن الغرض منها هو إثارة المشكلة نفسها وإبراز أهم الأمثلة، في نظرنا، لإثبات أن طرح التناقضات قد يكون مهمة خصبة جدًّا وقد يصلح أساسًا لوضع «خط سياسي» حقيقي.

ينبغي أولًا التركيز على أن موضوعنا هو التناقضات القائمة في قلب المجتمع المصري فقط، أي إننا نطرح جانبًا التناقضات الموجودة على الصعيد الدولي كما أننا لا نستعرض مشكلة النضال ضد الإمبريالية؛ ومع هذا فإننا نود التركيز على نقطتين:
  • يجب أولًا مراعاة تناقضات المجتمع المصري في النضال المنطقي ضد الإمبريالية في مصر.

  • وبعد ذلك ينبغي التغلُّب عليها مع وضع ضرورات النضال ضد الإمبريالية في الاعتبار.

ولننتقل الآن إلى تحليل موجز لبعض التناقضات الموجودة في المجتمع المصري.
  • (أ)

    هناك أولًا التناقض الأساسي بين الملاك وغير الملاك؛ أي المستغلِّين والمستغلَّين.

  • (ب)

    لهذا التناقض الأساسي مظهر واضح يجب علينا تحديده ومراعاته في عملنا وهو التناقض بين طبقة الملاك الحاكمة والطبقات الشعبية؛ إن الطبقة الأولى لا تمثِّل الأخريات، وإن كانت الخصومة ليست كاملة لوجود بعض المصالح المشتركة بين هذه الطبقات.

  • (جـ)

    ويؤدي هذا التناقض إلى تناقض آخَر في العمل: من جهة نحن نناضل باستمرار من أجل دعم صِلاتنا بالسلطة وإقامة تحالف دائم معها «الحلف الدائم مع البرجوازية الوطنية» (سأتناول هذه النقطة في مذكرة مستقلة)، ومن أجل حماية مصالح الجماهير الشعبية الكادحة والمستغلَّة؛ وينتج عن هذه الضرورة المزدوجة تناقض يجب علينا تحديده وتحليله حتى نتمكن من التغلب عليه، وإذا لم نفعل فإننا نجازف سواء بوضع تحالفنا مع الجماهير أو تحالفنا مع النظام أو بتعريضهما للخطر بالتردد بينهما.

    لا حاجة بنا للإفاضة في هذا التناقض فإننا إذا انفصلنا عن الجماهير وتوقفنا عن النضال ضد الرأسماليين من أجل تحسين ظروفها، سنصبح مجموعة محدودة بلا قوة حقيقية، وعندها لن يمثل التحالف معنا مصلحة ضرورية للنظام؛ ومن جهة أخرى فإننا إذا أضعفنا النظام قد نعرض هدفنا الأساسي للخطر والشكل الفعال الوحيد لنضال حقيقي ضد الإمبريالية وهو النضال من أجل السلام.

  • (د)

    لهذا التناقض امتداد يظهر في شكل تناقض آخَر؛ للنظام نفسه جانبان، أحدهما يتجاوز حدود آمالنا وهو الجانب الذي تمثِّله أساسًا على الصعيد السياسي السياسة المُسمَّاة ﺑ «الحياد الإيجابي»: الاعتراف بالصين، إقامة صِلات أكثر قوة مع العالم الاشتراكي، مقاومة الأحلاف العسكرية، دعم التضامن الأفريقي الآسيوي، نمو الوحدة العربية … إلخ؛ وعلى الصعيد الاقتصادي، هناك الإصلاح الزراعي، الضربة القاضية على النظام الإقطاعي، وتأميم القناة، وتمصير الاستثمارات الأجنبية الرئيسية، سياسة التصنيع … إلخ.

    ولكن لا يمكن إنكار الوجه الآخر للنظام، أي الجانب السيئ منه: على صعيد السياسة الأجنبية هناك «الغزل» مع الغرب، الولايات المتحدة وقوى الظلام مثل «ألمانيا الغربية»، إيطاليا، «الأطلسية»، وأسوأ من ذلك إسبانيا فرانكو، والفاتيكان، بخلاف البوادر الملحوظة للاشتراك في «حلف البحر المتوسط» … إلخ، وفي الداخل قمع الحريات الأساسية، ولا يظهر هذا القمع في تصفية الأحزاب السياسية (إن ديمقراطية «البرجوازية» وتعدُّد الأحزاب في بعض البلاد لا يمثِّلان بالضرورة الوضع الأمثل) بل في الوسائل المستخدمة ضد الوطنيين المنطقيين، وأيضًا ضد الفلاحين الذين يريدون حماية أنفسهم من الملاك الزراعيين، وضد العمال «المذنبين» للدفاع عن حقوقهم ضد الرأسماليين؛ هناك أيضًا الدور الكبير «للمخابرات الحربية» في حياة البلد، والتعسف والمحاباة المطلقة، والميل للتعصب الديني، والعنصرية مع الأقليات، ومعاداة السامية … إلخ؛ وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي: عدم الفعالية، الطمع غير المحدود من جانب الرأسماليين، الفساد العام، الاتجاه لحل المشاكل على حساب الجماهير العاملة برفع الأسعار وخفض قيمة العملة، والاستغلال المتزايد للعمال.

    إن عدم مراعاة هذا الوجه المزدوج يؤدي إلى وضع أحدهما فقط في الاعتبار عند تحديد موقفنا من النظام.

  • (هـ)

    هناك تناقض جوهري آخَر ينمو، وقد يتطلب التغلب على هذا التناقض الذي يتوقف عليه مستقبل مصر كلها تحليلًا أعمق من الآخرين لأنه قد يضر تمامًا بعملنا؛ ويكمن هذا التناقض في التوفيق بين التحالف مع النظام، ذلك التحالف الذي يحقِّق لنا الحماية من سلسلة من الفتوحات الوطنية والشعبية، وضرورة العمل لإعادة بناء المجتمع المصري بالكامل، وذلك بوضع أسس سياسية واقتصادية واجتماعية لبناء مصر الاشتراكية حقًّا.

    إن مصر عاجزة تمامًا، في ظل النظام القائم، عن حل مشاكلها الأساسية في أضيق الحدود: مشاكل الغذاء، والعلاج، والملبس والمسكن والتعليم، وهي لا يمكن أن تعوض هذا التخلف بتطبيق النظام الرأسمالي كما أن دعم الصناعة الوطنية، وهذا أمر لا ينبغي تجاهله، مستحيل بدون تحسن ملموس، تدركه الجماهير في ظروف المعيشة.

  • (و)

    هناك أخيرًا التناقض الخاص بالطبقة العُليا من كوادر الحزب، وهو تناقض ناتج عن ظروف تاريخية ملموسة أدَّت إلى تشكيل الحزب من مجموعة تنظيمات متنوعة بقيادات ذات انتماءات مختلفة، ومهما يكن من اختلاف الانتماءات التي خرجت منها هذه الكوادر، يمكن حصر التناقض الأساسي في المجموعتين التاليتين: الكوادر التي تعيش في ظِل النظام، وبعضها يعيش في يُسر، وأحيانًا في رخاء، ومستوى معيشتهم لا يختلف كثيرًا عن ذلك المستوى الذي تعيش فيه البرجوازية، وهناك صِلات وثيقة تربطهم بالعناصر البرجوازية، وعناصر الطبقة الحاكمة، وقد تمتد هذه الصِّلات إلى مجموعة الحكام؛ وقد يلجأ النظام أحيانًا إلى هؤلاء الكوادر «المحترمين» الذين يحوزون ثقته فيعينهم في بعض المناصب الهامة؛ وفي الجانب الآخَر نجد أولئك الذين لا مورد لهم، ويعيش هؤلاء في فقر مُدقع، حيث لا يختلف مستواهم عن مستوى الجماهير الشعبية في بلادنا، وهم وإن كانوا يتمتعون بثقة الجماهير فإن النظام «لا ينظر إليهم بعين الرضا» فهم مطاردون أو مراقبون بواسطة البوليس، وعدد كبير منهم موجود في السجون والمعتقلات.

من الطبيعي أن يعكس هذا التناقض معظم التناقضات المذكورة عاليه؛ ومن الطبيعي أن يتبنَّى البعض وجهة نظر الملاك بينما يدافع البعض الآخَر عن وجهة نظر غير الملاك، وأن يكون البعض أكثر تفهمًا لمصالح الطبقات الحاكمة على عكس الآخرين المتفهمين لمصالح الطبقات الشعبية، وأن يصبح البعض أكثر اهتمامًا بتوثيق الصِّلات بالسُّلطة بينما يهتم الآخرون بدعم الصِّلات بالجماهير وأن يتأثر البعض بالجوانب الإيجابية في النظام القائم بينما لا يرى الآخرون إلا الجوانب السلبية منه، وأن يرى البعض ضرورة مساندة النظام لدعم الانتصارات التي تحققت بينما يحلم الآخرون بالانتصارات المقبلة والتحول الاشتراكي.

إن التحليل العميق للمتناقضات يعني بصفة خاصة مراعاة الجوانب المتقابلة في كل تناقض: المتناقضات في فرنسا مثلًا أكثر عددًا منها في مصر، والخصومة بينها قطعًا أشد لكن الوضع مستقر، والتغييرات قليلة الوضوح وبطيئة نسبيًّا بينما يتغير كل شيء في مصر بسرعة قد تثير الارتباك، وتتأرجح القوى المتواجهة بين الزيادة والنقص ولا تتوقف الصِّلات بينها عن التغير؛ ولا ينطبق هذا على مصر فقط، بل إنه ينطبق على الشرق الأوسط كله بتغيراته المتفجرة فهو يُعَد الآن أكثر مناطق العالم تميعًا.

إن عدم تحديد المتناقضات لا يعني أنها توقفت عن أداء دورها لكنه يمنعنا من اتخاذ موقف واضح منها، بحيث يقتصر رد فعلنا على تأمل هذا الجانب أو ذاك، وإذا ظهرت اتجاهات عامة يمينية أو يسارية نجد التيارين اللذين أشرنا إليهما وإن كانا غير محددين أو لم يتبلورا إلى درجة كافية بسبب عدم تحديد المتناقضات، وتتأرجح مواقف الحزب بين هذا الاتجاه أو ذاك: تارة في اتجاه يساري متطرِّف، وتارة أخرى في اتجاه يميني بطريقة مضطربة أحيانًا كثيرة.

يمكننا القول بصفة عامة إن الاتجاه اليميني هو الاتجاه الغالب بين المجموعة الحاكمة، لكن الوضع قد يكون معكوسًا في القاعدة؛ فيما يظهر هذا الاتجاه اليميني؟

موقف استسلامي تجاه البرجوازية في المواقف التي أشرنا إليها عند الحديث عن التناقض الموجود بين الكوادر العليا للحزب.

إن الاتجاه اليساري «المتطرف» موجود رغم عدم وضوحه، والأخطار التي ينطوي عليها في هذه الظروف أكثر من أخطار الموقف اليميني، والموقف الثوري حقًّا يرتكز على مراعاة المتناقضات واتخاذ الموقف الذي يتيح التغلب عليها؛ ونحن نرى أن موقف الحزب الشيوعي السوري، حامي الوحدة المصرية السورية، الذي يبرز بطريقة بناءة الأخطاء الناتجة عن تراكم السلطات المفرطة في يد رجل واحد، هو مثل يُحتذى للموقف الصحيح، ذلك الموقف الذي يتيح تطوير الوضع دون المجازفة بتحقيق أهداف الرجعية.

إننا لا نزعم أننا قد قدَّمنا حلًّا للمشاكل في هذه المذكرة، لكننا نأمل أنها ستمد لها الطريق إلى الحل.

(٦) رد الفعل لقرار حل مجموعة روما

في أبريل سنة ١٩٥٨م، وعقب معرفتهم، في نهاية شهر مارس، بقرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري بحل مجموعة روما، عقد أعضاؤها جمعية عامة لمناقشة واعتماد تقرير مقدم من لجنة قيادة المجموعة، وقد أقروا، في هذه الجمعية العامة، المبادئ والقرارات التالية التي وافقوا عليها بالإجماع.

(٦-١) نص القرارات

  • (١)

    احترامًا لنظام الحزب، تحل مجموعة روما كهيئة من هيئات الحزب الشيوعي المصري بالخارج فورًا.

  • (٢)

    تعبر المجموعة عن أسفها للشكل الذي اتخذت به قيادة الحزب هذا القرار:

    • (أ)

      دون استشارة الزملاء بالمجموعة.

    • (ب)

      دون أية محاولة للوصول إلى حلول أخرى تتفق مع وضع المجموعة الخاص، فقد كانت على استعداد سواء للتراجُع أو تغيير بعض أنشطتها، أو تطبيق أساليب عمل مختلفة، أو اتخاذ أشكال تنظيمية أخرى كما سبق لها أن فعلت مرات عديدة في الماضي.

    • (جـ)

      عدم وجود أدنى اعتبار أو مراعاة لمشاعر الزملاء بالمجموعة، الذين عوملوا كأعداء لا كزملاء، مع أنهم أعضاء شديدو الإخلاص للحركة الشيوعية المصرية التي ينتمي معظمهم إليها منذ أكثر من عشر سنوات، والتي كرَّسوا لها أنفسهم خلال هذه الفترة كلها.

  • (٣)

    تقر المجموعة مبدأ الاستمرار، وهي خارج الحزب، في بعض المساعدات التي كانت تقدمها أثناء اشتراكها بالحزب:

    • (أ)

      المساهمة المادية الموازية لقيمة الاشتراك.

    • (ب)

      إرسال المنشورات الشيوعية والديمقراطية المتنوعة.

    • (جـ)

      وضع آلاف الأعمال النظرية التي في حوزتها باللغة العربية، وكذا تلك التي يمكنها الحصول عليها تحت تصرُّف الحزب (هذه القائمة ليست محددة).

    • (د)

      (غير مقروء.)

  • (٤)

    الاستمرار في بذل الجهود بلا كلل:

    • (أ)

      للفصل بين مشكلة وجود أو حل المجموعة، ومشكلة الاحتفاظ أو فقد صفة العضوية بالحزب الشيوعي المصري.

    • (ب)

      لتحقيق إعادة النظر في هذه المسألة، وذلك بدحض الأسباب المختلفة التي سيقت لتبرير قرار الحل، وهي اعتبارات قائمة على «كينونتنا» المزعومة لا على «ما نقوم» به من أعمال.

  • (٥)

    نظرًا لعدم موافقة أيٍّ من الأعضاء على النضال في بلد الإقامة من ناحية، وأهمية بعض الأنشطة التي لا يمكن تبرير إيقافها من ناحية أخرى، تقرر المجموعة الاستمرار في عدد من أنشطتها في إطار خط الحزب ونظامه وإن كانت خارجه.

  • (٦)

    بالنسبة لمشكلة التسمية وتحديد «الماهية» تقرر المجموعة اختيار اسم لا لَبْس فيه حتى لا يبدو الاستمرار في هذه الأنشطة كمحاولة لمخالفة قرار الحل وحتى لا نبدو، بعد الآن، كممثلين للحزب الشيوعي المصري بالخارج.

  • (٧)

    توجيه نظر الحزب إلى أن التزاماته نحونا لا تنتهي بحل المجموعة لأن هذه الالتزامات مرتبطة بالظروف التالية «لن نذكر إلا أهمها»:

    • (أ)

      لم يسبق أن وقع على الزملاء بالخارج جزاء، والاعتبارات التي تبرر قرار الحل لا تمس إخلاصهم، ولا احترامهم لنظام الحزب، ولا روح الفداء التي يتمتعون بها؛ وليس هناك ما يدعو إذَن لمعاملتهم كمبعدين.

    • (ب)

      إن معظم هؤلاء الزملاء موجودون بالخارج عقب إجراءات القمع التي اتخذتها ضدهم الرجعية المصرية.

    • (جـ)

      إن عددًا منهم ينوي العودة إلى مصر، عندما تسمح الظروف بذلك، لاستئناف النضال بها.

    • (د)

      إن هؤلاء الزملاء يزاولون بالخارج عددًا من الأنشطة المرتبطة بمصر.

      لهذه الأسباب كلها نطالب الحزب بالحفاظ على بعض الصلات بيننا، وتتبع نشاطنا لأننا بالطبع، نعتبر أنفسنا ملتزمين بواجبات الأعضاء وإن لم يكُن لنا حقوقهم؛ وهذا يعني أننا على استعداد لتغيير أو إلغاء بعض أنشطتنا إذا طلبت منا ذلك السلطة التي قد نكون على اتصال بها؛ كما نطلب من الحزب أيضًا إرسال منشوراته إلينا حتى نستوحي منها نشاطنا.

  • (٨)

    بدون أدنى شعور بالمرارة واليأس بسبب القرار، غير العادل في رأيهم، الذي يمسهم، يلتزم الزملاء بالتالي:

    • بذل جهود جديدة من أجل قضايا الطبقة العاملة، واستقلال مصر، والسلام.

    • الاستمرار، كعهدهم دائمًا، في الإخلاص للحزب الشيوعي المصري سواء كانوا أحرارًا أو معتقلين، في مصر أو بالخارج، داخل الحزب أو خارجه.

يحيا الحزب الشيوعي المصري.

تحيا الطبقة العاملة الدولية.

تحيا الاشتراكية.

(٧) العداء

كنا قد أحصينا سبع إدارات للمخابرات ينبغي علينا مواجهتها: «بوليس السراي» وكان لدينا، كما سبق أن قلت، صورة له «من الداخل» يختلط بها السخرية بالوساوس، «المكتب الخاص» ضمنيًّا «لمكافحة الشيوعية»، وهو ما يوازي «المخابرات العامة الفرنسية» ويديره بالفعل «أخصائيون»، إدارات السفارة البريطانية، إدارات السفارة الأمريكية، وإدارات الجيش البريطاني، أما السابعة فلا أستطيع أن أتذكرها؛ هذا بخلاف إدارات السفارات الأخرى قليلة الأهمية نسبيًّا، والعون الثمين الذي تقدمه التنظيمات اليمينية المتطرفة وفي مقدمتها الإخوان المسلمون الذين يتيح لهم تنظيمهم في قلب الجماهير اكتشاف العناصر الشيوعية داخل الجامعة مثلًا.

ولنقُل هنا إنه بالرغم من هذه المواجهة المستمرة لم يكُن «في صفوفنا أعداء» فأنا لا أعرف إلا حالة واحدة أبعدت «لممارسة نشاط بوليسي» وقد صدر هذا القرار من القطاع الأجنبي ضد أحد أعضائه، وأبلغت به اللجنة المركزية للحركة الديمقراطية؛ ويدير حاليًّا هذا العضو مجلة هامة عن العالم الثالث.

ويبقى أنه كان علينا مواجهة تضافر جميع القوى الرجعية النشيطة، المصرية والأجنبية، بوسائلها غير المحدودة.

هل حدث «تسلل» إلينا؟ في القاعدة بالتأكيد: بعد الوحدة وتطور البناء بجميع مستوياته، أدارت رءوسنا «نشوة النجاح» وأصبح دخول الحركة الديمقراطية يتم بدون رقابة جدية، ولو كان لدينا عدد كافٍ من الكوادر لضممنا إلينا آلافًا من المصريين، ففي ظل الظروف الراهنة، ومع محاربة جهاز الدولة المستمرة له جمع حزب اليسار مائة وخمسين ألفًا من الأعضاء في عدة أشهر.

لكن أقصى المصاعب هي تلك التي أتتنا من قلب اليسار سواء في مصر أو في العالم العربي أو في أوروبا: سبق أن تحدثت عن انقسام الحركة الشيوعية المصرية ولن أعود إليه إلا فيما بعد عند الحديث عن الفترة التي تدخل فيها قسم الشرق الأوسط بالحزب الشيوعي الفرنسي في شئوننا وزاد من انقسامنا.

وفي العالم العربي كانت العداوة مؤكدة وإن كنت لا أعرف على وجه التحديد ما يؤخذ علينا؛ من المحتمل أننا لم نكُن «نبدو جادين» إذا لم يكُن لدينا — الحركة الوطنية والحركة المصرية — ضمان دولي، وكنا نمثل مجموعة «ولدت عفويًّا» واعتبرت «برية» لهذا السبب … ولصعوبة تحليل هذا الخليط من القوة والضعف الذي نتميز به، حملنا مسئولية ضعفنا وأرجعت الانتصارات الأكيدة للجماهير المصرية إلى الوفد وحركة الجماهير التلقائية والظروف الملائمة التي لا يعود الفضل فيها إلينا … إلخ. وقبل كل شيء إلى الخصومة «الإنجليزية الأمريكية» الشهيرة التي تفسر بها جميع المنعطفات السياسية في بلاد الشرق الأوسط.

أما في أوروبا فقد تطورت العداوة بعد ذلك، وبالنسبة لبريطانيا العظمى لم يكُن هناك بالطبع وجه للمقارنة بين الحركة المصرية وإسكرا المؤلفة من عناصر تربطها بها صِلات شخصية، وهي عناصر تجيد عدة لغات على رأسها الإنجليزية وتتميز بالذكاء، بالإضافة إلى درايتها الكاملة بالنظرية الماركسية، أما الحركة المصرية فلم تكُن تعرف منها إلا مجموعة صغيرة جدًّا لا يمكنها أن توازي إسكرا في الأهمية.

وبالنسبة للمصريين الذين قد يُتاح لهم اللقاء بهم فهم أيضًا لا يوازون إسكرا أهمية، وذلك من ناحية الإمكانات التي يحوزونها، وقبل كل شيء عدد ما درسوه من أعمال عن النظرية الماركسية، لقد كان بناء إسكرا «بدوراته» الدراسية يبدو لهم أكثر متانة كما أن إسكرا تتفوق كثيرًا علينا «بمواقفها» التقليدية:
  • نضال إلحادي.

  • عمل أكثر فعالية داخل القوات المسلحة المتحالفة.

حقًّا، إننا لم نكُن أَكْفاءً.

وبعد الوحدة، أصبح لنا بعض الاعتبار، وبدا أننا تغلبنا على الانقسام بصفة نهائية؛ حيث أصبحت الوفود إلى المؤتمرات الدولية، منذ ذلك الحين، «موحدة».

إن مايو سنة ١٩٤٨م قد صور على أنه فشل نهائي للشيوعيين المصريين، وأصبح على «الأحزاب الكبرى» بعد الانقسام الذي بدا وكأنه لا رجعة فيه توفير البديل: عناصر جادة يتوافر لها الإعداد، وسنجد أن هنالك:
  • مفهومًا خاطئًا «للفشل» فقد احتاج الأمر، بعد «تصفية» الحركة الديمقراطية، إلى إشعال النار في القاهرة لتصفيتهم مرة أخرى؛ لم يسبق لهم قط أن قاموا بدور هام وحاسم كهذا.

  • مفهومًا خاطئًا للبديل، لأن «الإعداد» الذي تلقته المجموعة المصرية بباريس لا يؤهل عنصرًا مهمًّا كان لامعًا، ومهما بدا وطنيًّا، بالمقارنة بيونس مثلًا لقيادة حزب شيوعي أُنشِئ على أسس ثقافية مجردة، وهذا رغم الورقة الرابحة التي تمثلها آنذاك مساندة الأحزاب الشيوعية الفرنسية والإيطالية وقد يكون هناك غيرها إلا أنني لا أعلم شيئًا عنها.

إنني لأذكر كُتِّيبًا صغيرًا يُذكر فيه اسمي كل سطرين أو ثلاثة سطور مقرونًا «بأجمل» الصفات: عميل المخابرات الأمريكية، تروتسكي، سوقي، منحرف، عميل المخابرات البريطانية، هذيان شفوي حقيقي! إنني فخور بأن أعلن أن وثائق الحركة المصرية والحركة الديمقراطية لم تستخدم قط هذه التعبيرات، وقد أدَّى «انعزالنا» بالفعل إلى عدم تأثرنا ببعض الاضطرابات الموجودة في الحركة العمالية آنذاك.

ولكن كيف السبيل إلى منع «الأحزاب الكبرى» من الاعتقاد بأن الأفراد الذين «أعدتهم» والذين يمثلون مفاهيمها الخاصة قد يكونون على خطأ؟ لقد قام أولئك، بدون مشاركة سابقة في النضال بمصر، بإنشاء «حزب شيوعي مصري» بعد عودتهم، وتجمع في هذا الحزب، بصفة أساسية، العناصر المثقفة التي كان معظمها ينتمي إلى الحركة الديمقراطية ثم تركوها لأسباب مختلفة؛ وكان المؤسسون فخورين بمساندة «الأحزاب الشقيقة الكبرى» وباللافتة الساحرة «الحزب الشيوعي المصري» وراحوا يسجلون عدة نقاط لصالحهم حتى يوليو سنة ١٩٥٢م، وكان ذلك يحدث بطريقة هادئة للغاية فهم لم يشاركوا بفعالية في أحد الأنشطة: النقابات، حركة السلام وإن أعلن بعض الأعضاء انضمامهم إلى الحزب الشيوعي المصري، المظاهرات الشعبية، وتنظيم الضباط الأحرار، وقد بدأ الصراع العلني مع هذا التنظيم الأخير فور استيلائه على الحكم في سنة ١٩٥٢م، ومنذ ذلك الحين وهم لا يضيعون دقيقة بدون مهاجمة الضباط الأحرار باعتبارهم عملاء أمريكيين؛ فقد زعموا أن استيلائهم على السلطة ما هو إلا نتيجة للنشاط الأمريكي، وهذا الادعاء قريب الشَّبَه بالنظرية التي تفسر كل ما يحدث في الشرق الأوسط بالصراع بين الإنجليز والأمريكان، وقد وافق على هذا الرأي بالطبع الحزب الشيوعي الفرنسي وكذا بعض الأحزاب الشيوعية الأخرى فحدث ضغط مكثَّف على الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي كانت تعلم الحزب الشيوعي الفرنسي بنشاطها داخل تنظيم الضباط الأحرار، وترسل إليه بانتظام مذكرات إخبارية: عند فوز محمد نجيب، مثلًا، برئاسة نادي الضباط ضد مرشح فاروق في الانتخابات التي أتاحت للضباط التأكد من نفوذهم الذي جاوز أكثر التقديرات تفاؤلًا، بخلاف جميع منشورات الضباط الأحرار بما فيها منشورهم عن «الحرب البكتريولوجية الأمريكية في كوريا» الذي كان من الصعب إرجاعه، بالرغم من مكيافيلِّيته، إلى المخابرات الأمريكية فهو على العكس يظهر تأثيرًا شيوعيًّا داخل تنظيم الضباط الأحرار. لكن لم يكُن هناك فائدة، فقد أُدين الانقلاب الفاشي الموالي لأمريكا صراحة في مصر وأوروبا، فالضباط الأحرار لم يكُن بينهم عضو بالحزب الشيوعي الفرنسي، وبالتالي لم يكُن بينهم «شيوعيون حقيقيون».

١  القسم المخصوص، كان أحد أقسام إدارة الأمن العام بوزارة الداخلية المصرية، أُنشئ عام ١٩١٠م لمواجهة النشاط السياسي المعارض، وتلقَّى رجاله تدريبهم على أيدي ضباط من الإنجليز.
٢  عبد المعبود الجبيلي.
٣  شهدي عطية الشافعي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤