المُسْلِمونَ السُّود في أمريكا١

في هذا الكتاب بيان وافٍ عن حركة جدية في مقدمة الحركات الإسلامية المعاصرة بالقارة الشمالية من بلاد العالم الجديد، منذ سنة ١٩٣٠ إلى اليوم.

ومؤلف الكتاب قس من الأمريكيين السود يسمى أريك لنكولن ينتمي إلى الطائفة المسيحية التي تعرف باسم المنهجيين أو الميثوديين Methodists، ويدرس الفلسفة الاجتماعية بإحدى كليات «أتلاتنا»، ويكاد يتخصص للدراسات التي تتعلق بمذاهب السود في القارتين الأمريكتين.

وقد دلت طريقته في وصف حركة الدعوة الإسلامية بين السود الأمريكيين على عناية بالصدق في تحري الوقائع والبحث عن مصادر الأخبار، فهو — فيما عدا بعض العقائد التي ينسبها إلى السود المسلمين ونستبعد أن يدين بها أحد ينتسب إلى الإسلام — لم يذكر خبرًا من الأخبار التاريخية يثير الريبة في نية التحقيق عنده، أو يكلف القارئ تصديقَ ما لا يقبل التصديق من دخائل تلك الحركة.

ولا غرابة في حرص الدكتور أريك لنكولن على تحقيق أخباره عن حركة كبيرة من حركات أبناء قومه في بلاده؛ لأنه لا يستطيع أن يتنكر لشعوره بالقرابة الحميمة بينه وبين من يكتب عنهم، وإن نشأ على عقيدة غير عقيدتهم، وربما كان انتسابه إلى طائفة مسيحية كالطائفة «الميثودية» سببًا آخر من أسباب الصدق في وصف عيوب المجتمع الغربي وتسويغ الشكاية التي يشكوها الناقمون على تلك العيوب ومنهم السود الأمريكيون؛ فإن الطائفة الميثودية إنما نشأت وانتشرت في القرن الماضي؛ لأنها دعوة صارمة إلى إصلاح تلك العيوب وتبدل العادات والتقاليد التي من أجلها تبرمت طائفة السود بالحياة الاجتماعية بين البيض في القارة الأمريكية، وقد يكون في بيان تلك العيوب على حقيقتها شيءٌ من الاعتذار عن إخفاق الدكتور أريك لنكولن وزملائه السود في تبشير أبناء قومه بمذهبهم المسيحي؛ لأنه يقول ويستشهد على قوله بكلام المؤرخ الكبير «توينبي»: إن السود شعروا بخيبة الرجاء حين دانوا بمذهب من المذاهب المسيحية ثم وجدوا أن وحدة الدين لم تُغْنِ عنهم شيئًا لدفع المهانة عنهم ولا لحمايتهم من ظلم التفرقة بينهم وبين البيض في معاملاتهم وعلاقاتهم الشخصية أو الاجتماعية.

ويتراءى من بين السطور اعتذار آخر عن إخفاق المبشرين السود في ضم أبناء قومهم إلى زمرتهم؛ فإن مؤلف الكتاب يلاحظ أن رؤساء الكنائس يترفعون عن قبول الشذاذ والوضعاء وذوي الشبهات بين أتباع كنائسهم، في حين أن الدعوة الإسلامية قد أسفرت عن نجاحها التام في إصلاح هؤلاء المنبوذين بعد امتزاجهم بأبناء البيئة الإسلامية، وقد يكون توكيد هذا النجاح عذرًا للدكتور أريك لنكولن وزملائه من ذلك الإخفاق الذي يمنون به كلما حاولوا أن يصفوا صنيع الدعاة المسلمين الذين يرحبون بمن يستجيبون لدعوتهم وينشئونهم نشأة أخرى كما يقول المؤلف بغير مواربة في شهادته لمؤسسي الدعوة الإسلامية الأولين ولمن خلفهم على هداية أتباعهم المؤمنين، فلا يخفي المؤلف إعجابَه باقتدارِ أولئك الدعاة على تعويد أتباعهم — بعد فترة وجيزة — أن يستقيموا على حياة العفة والورع وإن كانوا قبل ذلك من مدمني السكر ومقارفي الشهوات وملتمسي الكسب من أنواع المحرمات والموبقات.

ويشهد المؤلف لمؤسس الدعوة — «فراج محمد» أو فراج محمد علي — بحسن تدبيره لأمر الدعوة وتنظيم برنامجها واتباع الخطة التي تجدي في التوجيه وصيانة الحركة على سوائها ما ليست تجديه خطة أخرى في مكانها، ومن آثار هذه الخطة المنتظمة أن أتباعه بلغوا بعد سنوات نحو مائة ألف «وقد يزيدون»، وأنهم أقاموا لهم بين الولايات الشمالية نحو سبعين مسجدًا وزاوية للعبادة عدا المدارس والمكاتب وأندية الاجتماع والمحاضرة … ومن دلائل تدبيره أنه كان يخفي عدد أتباعه ويتجنب الخوض بهم في غمار الانتخابات، ويوصي أتباعه بمثل ذلك إلى أن يحين الوقت لاستخدام أصواتهم على الوجه المقدور في ترجيح فريق على فريق من الخصوم السياسيين.

ويحيط المؤلف إمام الدعوة بجو من الغرابة يلائم جو «الغيب» الذي يأتي من قبله رسل الدعوات؛ فقد حضر إلى «ديترويت» حوالي سنة ١٩٣٠ ولم يحفل بحضوره أحد قبل بضعة شهور؛ لأنه كان يحترف ببيع الملابس والمنسوجات ولم يلفت إليه الأنظار إلا بعد افتتاحه البيت الأول للوعظ والصلاة، فلما التفت إليه ولاة الأمر ومستطلعو الأخبار بحثوا عن أصله والمكان الذي أقبل منه فلم يهتدوا من أمره قط إلى يقين، وبلغ من اضطراب الظنون حول حقيقته أن بعضهم ينميه إلى مكة وبعضهم ينميه إلى فلسطين، ويقول أناس: إنه من الأفريقيين التابعين للدولة التركية، ويقول غيرهم: إنه من رسل النازيين إلى أمريكا؛ لإثارة رعاياها المتمردين عليها، بل زعم بعضهم أنه من دعاة السياسة اليابانية، كما زعم آخرون أنه من دعاة السياسة الروسية! ولولا أن تنظيم الحركة كان أقوى وأثبت من أن تستمال إلى خدمة الدعايات لَحَقَّتْ فيه شبهات القائلين: إنه داعية من أولئك الدعاة الدوليين مستتر عن الأنظار بستار القومية والدين. ولكن الرأي المحقق الذي انتهى إليه الباحثون عنه أنه «مبشر مسلم» شديد العصبية لدينه، مع مغالاة تنسب إليه في مزج الدعوة الدينية بالدعوة العنصرية إلى تغليب الرجل الأسود على سلطان «الرجل الأبيض» خلافًا للعنصرية النازية التي حاول بعضهم أن يحسبه من أذنابها.

ولما احتجب عن مقر الدعوة بمدينة ديترويت وما حولها كان احتجابُه أغربَ من ظهوره وأدعى إلى إثارة الظنون واضطراب الأقاويل؛ فإنه أناب عنه أكبر مريديه السيد «محمد إيليا»، ثم انزوى عن الأنظار ولم يرجع من غيبته تلك إلى هذه الساعة! وقيل عن أسباب احتجابه: إنه ينتظر ساعته الموعودة! وقال كثيرون: إنه ذهب ضحية لمكائد أعدائه الدينيين أو السياسيين، ولم يستبعد فريق من أبناء الإقليم أنه اغتيل وأن اغتياله كان على يد ناس من أتباعه المنشقين عليه؛ لأنه كان يجرد حملته السياسية لعداوة الرجل الأبيض ولا يوصي أتباعه بالولاء للدولة القائمة في البلاد، وانشقت عليه فئة من أتباعه أشفقوا من تعريض الحركة كلها لبطش الدولة باسم القانون؛ فخالفوه وجهروا بولائهم للسلطة الدنيوية مع احتفاظهم برسالتهم الدينية والثقافية، وإلى بعض هؤلاء المنشقين يعزى اغتياله على قول أناس من شيعته وأناس من مخالفيه.

وكل ما ينسبه مؤلف الكتاب إلى هذه الدعوة يدخل في باب الاحتمال المقبول إلا ما يرويه عن شيعة قليلة اعتقدت فيه أنه إله تجسد لينقذ خلائقه المظلومين، وأنه ظهر بالجسد على صورة إنسان من السود؛ لأنه أراد أن يطهر الأرض من فساد الرجل الأبيض ويسلمها لأيدي السود من ضحايا ذلك الفساد.

فنحن نستبعد أن يشيع هذا الاعتقاد بين أناس يقرءون القرآن ويعرفون طرفًا من سيرة النبي عليه السلام، ولكننا لا نستبعد الغلو في الحملة على الرجل الأبيض وما يتبعه من الغلو في تقدير رسالة الرجل الأسود الذي يضطلع بإصلاح فساده وإزالة سلطانه؛ فإن مؤسس الدعوة بمدينة «ديترويت» قد عول على النخوة القومية، ولم يكن له مناص من التعويل عليها للارتفاع بنفوس أتباعه إلى مقام الكرامة التي تأبى الخنوع لأصحاب السلطان، وتطمح إلى الوقوف منهم موقف المصلحين المعلمين، فليس قصاراه من الإقناع أن يقنع سامعيه بمشابهة السادة في بلادهم وبين مظاهر سلطانهم واعتزازهم، بل هو يناديهم ليصلحوا حيث فسد أولئك السادة، ويملكوا زمام الولاية حيث كانوا من قبل مملوكين مسخرين.

ووافقت هذه الدعوة «المحلية» دعوة أخرى عالمية من قبل الآسيويين والأفريقيين، لم يكن لها شعار منذ قيامها مع حركات الاستقلال غير الثورة على دعوى الرجل الأبيض في حق السيادة على الأمم الصفراء والسمراء أو الأمم غير البيضاء على الإجمال، ولم ينس إمام الدعوة أن الإسلام لا يقوم على كراهة جنس من الأجناس ولا على التفرقة بين الشعوب والألوان، ولكنه كان يقول: إنها «كراهية تولدت من الكراهية»، وإن عداوة السود للبيض فرع من أصل عريق فيما حوله، وهو عداوة البيض للسود، فإذا تقدم الزمن بدعوة «ديترويت» إلى ما وراء هذه البواعث «المحلية» أو الموقوتة لم يكن عسيرًا على المؤمنين بها أن يصونوا لها تلك الغيرة التي استمدتها من النخوة القومية؛ ليستقيموا بها على النهج القويم من الغيرة «الإسلامية» أو الغيرة الإلهية.

•••

ويرى القارئ أن حديث المؤلف عن الأقليات حديث يغلب عليه الصدق والإنصاف، ومنه حديثه عن المسلمين السود، وهم أقلية دينية، بين أقلية قومية، من السود المتنصرين أو الوثنيين.

ولعل مرد هذا إلى أن مؤلف هذا الكتاب — القس الأمريكي الأسود الدكتور أريك لنكولن — من أتباع الكنيسة المنهجية Methodist التي تعتبر — هي نفسها — قلة صغيرة بين الكنائس الغربية، تقوم برسالة مجددة كرسالة الثورة على التقاليد وعلى البدع المستحدثة في وقت واحد.

وقد جنح بالمؤلف موضعه هذا بين الأقليات المتداخلة إلى الصدق في تصوير أحوالها، وشرح أزمانها، وبسط أسباب الشكاية من جانبها، وهو — في جملة آرائه وعواطفه — أقرب إلى تسويغ مواقف الأقليات بإزاء الكثرة الغالبة بين الأمم البيضاء؛ لأنه يرى أن الأقلية من مبدئها لا توجد ولا تدوم ولا تتساند للدفاع عن حقوقها والتمرد على مظالمها ما لم تكن هناك حقوق مهدرة ومظالم منكرة واتفاق على الشعور بالخطر والتذمر من الضيم، تخلقه الحاجة إلى التضامن حيث لا غنى عنه ولا مناص منه؛ لأنه الوسيلة الوحيدة لحفظ البقاء واجتناب الفناء.

وليس أعلم من هذا المؤلف بأحوال الأقليات على اختلافها؛ لأنه ينتمي إلى أكثرَ من «أقلية» واحدة بين السود والبيض، فضلًا عن قلة القساوسة السود بين زملائهم البيض، وقلة هؤلاء القساوسة جميعًا على مذهب الكنيسة «المنهجية» بين رجال الدين من أتباع الكنائس الكبرى.

والقارئ يدرك من المقارنات الكثيرة بين أحوال الأقليات أن السود المسلمين في موقف خاص مع الأمريكيين السود والبيض على السواء، وأن هذا الموقف قد يعرضهم للحرج بينهم وبين أنفسهم إذا أرادوا «تصحيح الوضع» من الوجهة الاجتماعية التي ترتبط بأحكام القانون و«ظروف» السياسة القومية، ومن حولها السياسة العالمية.

فاليهود — مثلًا — قلة في الولايات المتحدة؛ لأن عدتهم على أكبرِ تقديرٍ لا تزيد على خمسة ملايين، ولكنهم لا يشعرون بالحيرة التي تشعر بها الأقليات الوطنية إذا اضطرتهم النفرة بينهم وبين المسيحيين البيض إلى اجتناب الأندية والمجامع المشتركة ومواضع المزاحمة الملحوظة في الحياة العامة؛ لأنهم أصحاب ثقافة دينية وفكرية تجمعهم معًا عند الحاجة إليها ويعتصمون بها في عزلتهم المختارة أو عزلتهم الاضطرارية، وكثير منهم من يختلط بأبناء الأكثرية اختلاطًا تصعب التفرقة فيه؛ لأنه اختلاط في المصالح والأعمال.

أما الأمريكي الأسود فليست له عصمة ثقافية يأوي إليها إذا اضطرته النفرة منه إلى اعتزال المجتمع الأبيض؛ لأنه عالة في ثقافته العصرية على أولئك الذين يعتزلونه ويدفعونه على الرغم منه إلى الاعتزال، فهو يتعلم منهم ويدين أحيانًا بدينهم، وملاذه من التفكير ومن الآداب الاجتماعية يعود به إلى مجتمع بدائي في غير القارة الأمريكية، وليس له قوام اجتماعي في بلاد هذه القارة.

وهنا تنشأ بين الأقليات حالة خاصة لا تشبه حالة الأقلية اليهودية ولا حالة الأقلية الزنجية؛ وهي حالة السود المسلمين.

إن هؤلاء السود المسلمين يعرفون لهم ملاذًا ثقافيًّا يعتصمون به إذا نفروا من البيئة الاجتماعية البيضاء أو نفرت منهم هذه البيئة؛ لأنهم يجدون في المجتمع الإسلامي ثقافة روحية تعوضهم عن ثقافة الأكثرية الغالبة، ويعتمدون على هذا المجتمع لإيواء اللاجئين إليه من أبناء جلدتهم الذين يتقبلهم المجتمع ولا يرفضهم كما ترفضهم الكنائس المسيحية، وقد تبين — مما سلف — أن المجتمع الإسلامي لا يضيق باللاجئين به من نفايات المجتمع الأمريكي الموصومين بوصمات العار والرذيلة؛ لأن هؤلاء اللاجئين لا يلبثون أن يشعروا بالتعاطف الصادق بينهم وبين إخوانهم ممن سبقوهم إلى الإسلام، فلا يطول بهم الأمد أن يقلعوا عن عادات السوء التي وصمتهم في حياتهم الأولى، ويتوب الأكثرون منهم من رذائل المقامرة والمعاقرة ومقارفة الأوزار.

فإذا استطاع المسلم الأسود أن يعتصم بمجتمعه الإسلامي فماذا يكون موقفه في هذه الحالة من المجتمع الأكبر: مجتمع الأمة الأمريكية، أو الدولة الأمريكية في أوسع نطاق؟

لقد كان زعيم الدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة يستنهض السود بنخوة القومية والعصبية للاستقلال بعقائدهم وعواطفهم عن الأكثرية البيض.

فهل تمضي الأقلية الإسلامية على هذه الخطة فتعتزل الأمة التي تعيش بينها اعتزال الأعداء وترفض الولاء «القانوني» للوطن الذي تنتمي إليه؟

إن هذه الخطة أحرجت كثيرًا من زعماء المسلمين السود، ومكنت منهم خصومهم الدينيين والسياسيين، فحاربوهم باسم القانون، واستعانوا عليهم بتهمة الخيانة الوطنية، وأوشكوا أن يتذرعوا بهذه التهمة لحرمانهم من حقوق المساواة في الانتخاب ووظائف الحكومة، فنهض من هؤلاء الزعماء المسلمين أناس يحمون أبناء دينهم من جرائم الاتهام بخيانة الوطن، ويعتبرون الدعوة إلى الإسلام دعوة مفتوحة للبيض والسود على السواء، ولا يرون للدعوة الآن منفعًا كبيرًا في قصرها على استثارة «العصبية» الجنسية واعتبارها ثورة على البيض في الدين وفي الوطن وفي آداب الاجتماع.

وهؤلاء الزعماء الكفاة يتوسلون بتغيير الوجهة على هذا النحو إلى غايةٍ أخرى أصعبَ مرامًا من الأولى، وهي الاعتراف بالإسلام مذهبًا من المذاهب الدينية الرسمية في دستور الولايات المتحدة، وهو مطلب كبير غير مطلب الحرية الدينية، لمن يشاء من السود أو البيض أن يدين بالإسلام، فليس في نصوص القوانين ما يمنع أحدًا أن يتحول من عقيدته المسيحية إلى العقيدة الإسلامية، ولكن المشكلة «الواقعية» تبدأ حين يتصل الأمر بحكم من أحكام القانون تتعارض فيه الحقوق وإجراءات القضاء، وبخاصة مسائل الزواج والميراث.

فماذا يكون الحكم في قضية تلجأ فيها زوجة من زوجتين إلى المحكمة للمطالبة بحصتها في الميراث؟ وماذا يكون الحكم في قضية يتنازع الخصوم فيها على المسائل الشرعية التي لا تنص عليها قوانين الدول الأوروبية أو الأمريكية؟

عند الاعتراف بالإسلام مذهبًا رسميًّا من مذاهب الدولة يجوز أن تكون لهذه القضايا جهاتُ نظرٍ مستقلةٍ يحتكمُ إليها المختلفونَ، وهذه هي الوجهة التي يتجه إليها زعماء الدعوة الإسلامية، ويعتبرونها حقًّا من حقوق المواطن الأمريكي ينبغي أن يعترف به الدستور والقانون.

ولا يخفى أن القانون الأمريكي يحرم تعدد الزوجات، ويحرم المذاهب المسيحية التي اعتمدت في إباحة تعدد الزوجات على نصوص العهد القديم، ومنها مذهب المورمون … ولكن المشكلة تزول من ناحيتها القضائية إذا بطل الاحتكام فيها إلى محاكم البلاد وتراضى الطرفان على حلها بينهما أو على اختيار الحكم الذي يفصل فيها، ولو لم يكن هذا الحكم مفوضًا في وظيفته من جانب الدولة بالنظر في هذه الأمور.

وقد عهدنا من مؤلف الكتاب أنه لا يكشف عن نية صريحة في مقاومة الدعوة الإسلامية، ولكنه صريحٌ كلَّ الصراحةِ في بيان المواقف التي توجب هذه المقاومة أو تيسرها لمن يريدها.

ويبدو من بين هذه السطور أن تحويل الدعوة الإسلامية من حركة مقصورة على السود إلى حركة تفتح ذراعيها للسود والبيض من الأمريكيين وغير الأمريكيين، هي موضع الاهتمام الكبير في دوائر التبشير؛ لأن المبشر الإسلامي من الأمريكيين السود يعاون الدعوة إلى الإسلام في بلاده كلما اتجهت هذه الدعوة إلى أبناء البلاد جميعًا من قبل المسلمين الآسيويين والأفريقيين، وهم اليوم في أمريكا طليعة ناجحة قد يتبعها غدًا مددٌ كبيرٌ، وأدعى من ذلك إلى اهتمام دوائر التبشير أن المسلم الأمريكي الأسود يزاحم البعوث التبشيرية مزاحمةً شديدة في القارة الأفريقية بعد استقلال شعوبها عن سلطان الدول الغربية، وينتظر أن يكون — في تقدير المبشرين قبل غيرهم — أوفر نصيبًا من النجاح والقبول من إخوانهم السود في تلك البعوث التبشيرية، وأشد ما يكون الاهتمام بهذه المسألة في هذه الأيام، فإننا نفتح الصحف التي تعنى بها عندهم فلا نكاد نطلع على صحيفة منها تخلو من أخبار «ترقية» المبشرين السود إلى كراسي الأساقفة، بل المطارنة، من رجال الكنيستين الكاثوليكية والبروتستنتية المقيمين بالديار الأفريقية أو الراحلين إليها من ديار العالم الجديد، ويزداد عدد هؤلاء الأساقفة والمطارنة كلَّ يوم في البلاد التي يكثر فيها المسلمون.

١  The Black Muslims In America.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤