المقدمة

بقلم  محمد رشيد رضا

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.١
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.٢
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.٣
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.٤

كتب إليَّ تلميذي المرشد الشيخ محمد بسيوني عمران إمام مهراجا جزيرة سمبس برنيو (جاوه) كتابًا يقترح فيه على أخينا المجاهد أمير البيان أن يكتب للمنار مقالًا بقلمه السيال في أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر، وأسباب قوة الإفرنج واليابان وعزتهم بالملك والسيادة والقوة والثروة، وقال في كتاب آخر: إنه قرأ ما كتبناه في المنار وتفسيره من بيان الأسباب في الأمرين، وما كتبه الأستاذ الإمام في مقالات (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) في الموضوع، وإنما غرضه أن يكتب في ذلك أمير البيان بقلمه المؤثر المعبر عن معارفه الواسعة، وآرائه الناضجة؛ لتجديد التأثير في أنفس المسلمين بما يناسب حالهم الآن؛ لتنبيه غافلهم، وتعليم جاهلهم، وكبت خاملهم، وتنشيط عاملهم، وبني الاقتراح على الأسئلة الآتية التي صارت مثار شبهة على الدين عند غير علمائه، فهو يعلم مما سمعه من دروسنا في مدرسة الدعوة والإرشاد، ومما كتبناه مرارًا في المنار والتفسير أن كتاب الله تعالى حجة على أدعياء الإسلام والإيمان، وليسوا هم حجة عليه.

اقترحت هذا الاقتراح لحمل أخي ووليي الأمير شكيب على كتابة شيء مثل هذا للمنار، وأنا الذي أنصح له دائمًا بتخفيف أحمال الكتابة عن عاتقه؛ لكثرة ما يكتب لصحف الشرق والغرب، وللأصدقاء غيرهم، فأرسلت إليه كتاب الشيخ محمد بسيوني عقب وصوله إلي، فأرجأ الجواب عنه؛ لكثرة الشواغل، إلى أن عاد من رحلته الأخيرة إلى إسبانية، وقد أثرت في نفسه مشاهد حضارة قومنا العرب في الأندلس والمغرب الأقصى، وشاهد تأثير محاولة فرنسة — تنصير — شعب البربر في المغرب؛ تمهيدًا لتنصير عرب أفريقية المرزوئين باستعبادها لهم، كما فعلت إسبانية في سلفهم في الأندلس — فكتب الجواب منفعلًا بهذه المؤثرات، فكان آية من آيات بلاغته، وحجة من حجج حكمته، لعلها أنفع ما تفجر من ينبوع غيرته، وانبجس من معين خبرته، فسال من أنبوب براعته، جزاه الله خير ما جزى المجاهدين الصادقين.

هوامش

(١) سورة الرعد ١١.
(٢) سورة الأنفال ٥٣.
(٣) سورة غافر ٥١.
(٤) سورة الحجرات ١٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤