خلاصة الجواب

أن المسلمين ينهضون بمثل ما نهض غيرهم

بقلم  شكيب أرسلان
لوزان ١١ نوفمبر سنة ١٩٣٠

إن الواجب على المسلمين — لينهضوا ويتقدموا ويتعرجوا في مصاعد المجد، ويترقوا كما ترقى غيرهم من الأمم — هو الجهاد بالمال والنفس الذي أمر به الله في قرآنه مرارًا عديدة، وهو ما يسمونه اليوم (بالتضحية).

فلن يتم للمسلمين ولا لأمة من الأمم نجاح ولا رقي إلا بالتضحية، وربما كان الشيخ محمد بسيوني عمران أو غيره من السائلين عن رأينا في هذا الموضوع قد ظن أني سأجيبه أن مفتاح الرقي هو قراءة نظريات (أينشتين) في النسبية مثلًا، أو درس أشعة (رونتجين)، أو ميكروبات (باستور)، أو التعويل في اللاسلكي على التموجات الصغيرة أكثر من الكبيرة، أو درس اختراعات (أديسون)، وأن سبب حادثة المنطاد الإنكليزي الذي سقط أخيرًا واحترق هو كونه لم ينفخ بالهليوم وإنما بالهيدروجين، والحال في الهيدروجين — وإن كان أخف في الوزن — قابل للاشتعال، وإنه لا خوف من اشتعال الهليوم — وإن كان أثقل شيئًا من الهيدروجين — وما أشبه ذلك.

والحقيقة أن هذه الأمور إنما هي فروع لا أصول، وإنها نتائج لا مقدمات، وإن (التضحية) أو الجهاد بالمال والنفس هو العلم الأعلى الذي يهتف بالعلوم كلها، فإذا تعلمت الأمة هذا العلم وعملت به دانت لها سائر العلوم والمعارف، ودنت منها جميع القطوف والمجاني.

وليس بضروري أن يكون صاحب الحاجة عالمًا بعملها حتى يكون عالمًا بالاحتياج إليها.

قال لي مرة حكيم الشرق السيد جمال الدين الأفغاني:

إن الوالد الشفيق يكون من أجهل الجهلاء، فإذا مرض ابنه اختار له أحذق الأطباء، وعلم أن هناك شيئًا نافعًا هو العلم، لا يعلم هو شيئًا منه، ولكنه يعلم بسائق حرصه على حياة ابنه أنه ضروري.

ولم يكن محمد علي عالمًا وربما كان أميًّا، ولكنه بعث مصر من العدم إلى الوجود في زمن قصير، وصيرها في زمانه من الدول العظام بسائق هذا العلم الأعلى الذي هو العقل السليم والإرادة، وهو الذي يبعث صاحبه إلى التفتيش عن العلوم وحمل الأمة عليها.

فالمسلمون يمكنهم إذا أرادوا بعث العزائم وعملوا بما حرضهم عليه كتابهم أن يبلغوا مبالغ الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين من العلم والارتقاء، وأن يبقوا على إسلامهم كما بقي أولئك على أديانهم، بل هم أولى بذلك وأحرى، فإن أولئك رجال ونحن رجال، وإنما الذي يعوزنا الأعمال، وإنما الذي يضرنا هو التشاؤم والاستخذاء وانقطاع الآمال، فلننفض غبار اليأس ولنتقدم إلى الأمام، ولنعلم أننا بالغو كل أمنية بالعمل والدأب والإقدام، وتحقيق شروط الإيمان، التي في القرآن: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.١

هوامش

(١) العنكبوت: ٦٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤