تصدير

الرتب والألقاب المصرية

بقلم  خليل ثابت بك

جمع المغفور له العلَّامة المحقق «أحمد تيمور باشا» شتى نواحي العظمة منذ نشأته، وكان ملء البصر لمن ينظر في آثاره وبحوثه المتعددة التي لا ينضب لها معين، وقد انبعثت عن علم جمّ، وجهود موفقة، وأدب شامل، وبحث متواصل، وعناية ملحوظة، وفكرة ثاقبة، واطلاع واسع. وقد بذل في سبيل كل ذلك ما بذل، وضحَّى ما ضحى. فكانت هذه المكتبة التيمورية التي احتوت من الطرائف والنوادر ونفيس المخطوطات ما فاق سائر المكتبات الخاصة في الشرق العربي. وقد قضى هذا الراحل الكريم، والباحث الجليل، جلَّ حياته أو كلها في خدمة العلم، وتوفير وسائله، فأصبحت مكتبته موردًا لكل وارد، ومنهلًا عذبًا لكل قاصد، وعونًا أكيدًا لكل أديب.

ومن المؤلفات الخطية التي احتوتها مكتبته — غير ما طبعته اللجنة، وأصدرته تباعًا، من نفيس الكتب، وغريب الموضوعات — هذا الكتاب الذي أصدرته اللجنة أخيرًا عن الرتب والألقاب المصرية، وتقدمه للقارئ الكريم، حيث يجد فيه مظهرًا آخر من المظاهر الجليلة الشأن التي اشتهر بها العلَّامة المحقق الكبير «أحمد تيمور باشا» في شتَّى بحوثه، ونظام دراسته، ومتنوع المسائل التي خلفها هدية للجيل الجديد.

فكتاب «الرتب والألقاب المصرية» يحتوي على طرائف في درس تلك الرتب، وفي تطلع الأمم والدول إلى نظام وضعها، واستعمالها، وانتشارها؛ فهو ثمرة من ثمرات مطالعات هذا المؤلف العظيم تخلد له — على مرّ الزمان — عبقريته الفذَّة، وبحثه العميق، وتدل على أنه — رحمه الله — كان واسع الأفق بعيد النظر، سليم الاستنتاج، عميق الأثر، في كل ما قرأ وما كتب. وكانت غايته واحدة، هي الإرشاد والتعليم والحرص على الفن والعلم خالصين من كل ما يشوبهما، ولو اقتضى منه كل ذلك الصبر الطويل، والجهد المضني، للوصول إلى بغيته في عالم التأليف والتعليق، وميدان التنقيب والتدقيق، فكان من هبات علمه، وحسنات دراسته، وسهره ونشاطه، هذه المواكب المتعددة الضخمة من المؤلفات التي عرفها الناس وأقبلوا على دراستها ومطالعتها.

وقد يبدو — لأول وهلة — أن موضوع هذا الكتاب وهو «الرتب والألقاب المصرية» موضوع تافه بسيط، لا يستحق كل هذه العناية، وكل هذه الجهود، ولكن حين يطالع القارئ هذا البحث اللغوي. يجد فيه القول الفصل في مقامه. فيرى فيه كيف كان بعض الرتب موضع اختلاف أو اتفاق، بين كثير من الدول، والأسباب التي حملتها على ذلك.

وأن أول نظام وضع لتحديد مراتب الجيش ورؤسائه كان في عهد عمر الفاروق — رضي الله عنه — وكيف كان ملوك الروم يرتبون عشرة من الأمراء مع كل أمير عشرة نقباء، مع كل نقيب عشرة عرفاء، مع كل عرِّيف عشرة قوَّاد مع كل قائد عشرة فرسان.

هذا الذي ذكرنا، وغير ما ذكرنا من أنواع الرتب، وأصناف الوحدات العسكرية، والألقاب العلمية والقلمية، إنما هو قطرة من بحر من فيض ذلك البحث الجليل الشأن الذي بحثه تيمور باشا. وتعمَّق في دراسته، وسهر في جمع شتاته، مما سيكون له وقعه في نفوس الباحثين والكتَّاب؛ حيث يجدون فيه رغبتهم وبغيتهم، وهو عين ما تسعى اللجنة لتحقيقه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤