الفصل الرابع

المشهد الأول

(دورانت – دوريمين – السيد جوردان – موسيقيان – موسيقية – خادمان)
دوريمين : إنه لَغداء ممتاز يا دورانت!
السيد جوردان : إنك تهزئين يا سيدتي، كنت أود أن يكون الغداء هذا أليق بك مما هو الآن (يجلس الجميع إلى المائدة).
دورانت : إن السيد جوردان مُصيبٌ بكلامه يا سيدتي، وإنِّي لأوافقه على أنَّ الغداء هذا لا يليقُ بك.
دوريمين : لا أُجيب على هذا بسوى الأكل بشهية.
السيد جوردان : آه! إن يديك جميلتان جدًّا.
دوريمين : ليست يداي جميلتين بقدر ما تظن يا سيد جوردان، ولكنك تريد أن تتكلم عن الجوهرة التي هي في غاية الجمال.
السيد جوردان : أنا يا سيدتي؟ معاذ الله أن أذكرها؛ إذ ليس من الذوق في شيء أن أجيء على ذِكْر جوهرة لا تُعدُّ شيئًا …
دوريمين : أراك تشمئز.
السيد جوردان : إنك لكثيرة اللطف …
دورانت : هيَّا هيَّا، أحضروا نبيذًا للسيد جوردان ولهؤلاء السادة الذين سيتكرمون علينا بنشيد على الخمرة.
دوريمين : إنها للذةٌ كبيرة أن يمتزج الطعام بالموسيقى، وإني لأرى نفسي على أحسن حال في هذه الوليمة.
السيد جوردان : عفوًا يا سيدتي … ليس …
دورانت (يقاطعه) : لِنُعِرْ أسماعنا لهؤلاء السادة؛ فالألحان التي سيتكرمون علينا بها هي أفضل من كلِّ ما نستطيع أن نقوله (يرفع الموسيقيون والموسيقيات أقداحهم وينشدون لَحْنَيْن على الخمر).
دوريمين : لا أعتقد أنَّ أحدًا يستطيعُ أن يُغنِّي بأجمل من ذلك، وهذا جميلٌ جدًّا.
السيد جوردان : على أني يا مولاتي أرى في هذا المكان شيئًا أجمل.
دوريمين : هوْ! إن السيد جوردان لأذوق مما كنت أظن.
دورانت : ماذا؟ وكيف كنت تنظرين إلى السيد جوردان؟
السيد جوردان : إنِّي أودُّ أن تنظر إليَّ كما …
دورانت (يقاطعه) : ألا تُلاحظين يا سيدتي أنَّ السيد جوردان يأكل جميع الأطعمة التي تلمسها يدك؟
دوريمين : إن السيد جوردان رجلٌ ساحر، إنه يدهشني!
السيد جوردان : إذا قُدِّر لي يا مولاتي أن أَسْحَرَ قلبكِ … فأكون …

المشهد الثاني

(زوجة جوردان – السيد جوردان – [دوريمين] – دورانت – موسيقيون – موسيقيات – خدم)
زوجة جوردان (تدخل فجأة) : ها ها! أرى هنا رفقة صالحة وأرى جيدًا أنكم لم تنتظروني، إذن لهذه الغاية أسرعْتَ بإرسالي لِتناوُل الغداء على مائدة شقيقتِي يا حضرة زوجي؟ أهكذا تُنفق مالك فتولم ولائمك الفخمة للسيدات في غيابي، وتقيمُ لهنَّ حفلات الموسيقى والمهازل؛ إذ تُرسلني أنشق النسيم في الخارج؟
دورانت : ما تقصدين يا مدام جوردان؟ ومَنْ صوَّر لك أن زوجك ينفق ماله وأنه هو الذي أولم هذه الوليمة لحضرة السيدة؟ أرجو منك أن تعلمي أنَّ صاحب هذه الوليمة هو أنا، وأن زوجك لم يكن منه إلا أن أعارني بيته فقط، وأرجو منك مرة أخرى أن تُفكِّري قبل أن تتكلمي.
السيد جوردان : نعم يا حمقاء؛ فحضرة الكونت هو الذي يحيي هذه الوليمة لحضرة السيدة التي هي من ذوات الصفات الممتازة، ولقد شرَّفني باستعارته بيتي لهذه الغاية وبرغبته إليَّ في الجلوس معه.
زوجة جوردان : هذا كلامٌ مُلفَّقٌ، فأنا أعرف ما أعرف.
دورانت : خذي لكِ نظارات غير هذه يا مدام جوردان.
زوجة جوردان : لدي ما أصنعه غير عمل النظارات يا حضرة السيد، ولا تظنني حمقاء إلى هذه الدرجة، واعلم أنَّه من العار عليك — إن تكن سيدًا كبيرًا — أن تساعد زوجي في سخافاته كما تفعل (لدوريمين): وأنتِ يا حضرة السيدة، إن تكوني سيدة كبيرة فالنهج الذي تَنْهَجِينَه لا يُشَرِّفُك، وليس من الأخلاق في شيء أن تعمدي إلى رمي الشقاق في العيلة، وأن ترضي بأن يكون زوجي عشيقًا لكِ.
دوريمين : ما تقصد حضرتها بهذا الكلام؟ (لدورانت) هيا دورانت، لقد سَخِرْتَ منِّي بجعْلِكَ إياي عُرضة لأوهام هذه السخيفة (تهم بالخروج).
دورانت (يلحق بها) : مدام، هولا! مدام، إلى أين تسرعين؟
السيد جوردان : مدام، يا حضرة الكونت، اعتَذِرْ لها عني واجتهد أن ترجعها (لزوجته): يا لك حمقاء! لقد شَنَّعْتِ وجهي أمام الناس، وطردْتِ من بيتي شخصين من أصحاب الصفات الممتازة.
زوجة جوردان : إني أسخر من صفاتها الممتازة.
السيد جوردان : لا أعلم ماذا يردعني عن تحطيم رأسك بصحون الغداء (ترفع المائدة).
زوجة جوردان (خارجة) : إنِّي أسخر من كل هذا، ولقد دافعْتُ عن حقوقي، وسيكون النساء جميعهن في جانبي.
السيد جوردان : لقد أَحْسَنْتِ بتجنُّبكِ غضبي. آه! كنت على وشك أن أتلفظ بعباراتٍ ساحرة، ولم أشعر مرَّة بمثل الروح الذي شَعُرْتُ به منذ هنيهة، يا لك شقية حمقاء!

المشهد الثالث

(كوفييل (مُتنكرًا) – السيد جوردان – خادمان)
كوفييل (يدخل متنكرًا) : لا أعلم يا سيدي أيكون لي الشرف بأن تَعْرِفَني.
السيد جوردان : لا يا حضرة السيد.
كوفييل : أما أنا فقد عرفتك إذ لم تكن أعلى من الشبر.
السيد جوردان : أنا؟
كوفييل : ولقد كنْتَ أجمل ولد في العالَم، وكان النساء جميعهن يَحْمِلْنَكَ على أذرعهن لِيُقَبِّلْنَكَ.
السيد جوردان : لِيُقَبِّلْنَنِي!
كوفييل : نعم، كنتُ إذ ذاك من أصدقاء المرحوم السيد والدك.
السيد جوردان : المرحوم السيد والدي!
كوفييل : نعم، كان — رحمه الله — من النُّبلاء الطيبين.
السيد جوردان : والدي؟
كوفييل : أجل.
السيد جوردان : وهل عَرَفْتَهُ معرفة جيدة؟
كوفييل : بدون ريب.
السيد جوردان : وَعَرَفْتَهُ نبيلًا؟
كوفييل : بكلِّ تأكيد.
السيد جوردان : لم أبقَ أعرف كيف صُنع هذا العالم.
كوفييل : كيف؟
السيد جوردان : هناك قوم من البُله يجيئونني زاعمين أنَّ والدي كان من التُّجار الطوافين.
كوفييل : والدك تاجر طوَّاف؟ هذا افتراضٌ محضٌ؛ فكل ما كان والدك يعمله، وهو خبير بأصناف القماش، أنه كان يَسْتَحْضر إليه كمية من الأقمشة ويقدمها لأصدقائه لقاء دراهم.
السيد جوردان : إني لشديد السرور بمعرفتي إياك، وأريد منك أن تكون شاهدًا على أنَّ والدي كان نبيلًا.
كوفييل : سأجاهر بذلك أمام جميع الناس.
السيد جوردان : أشكرك، لأي أمرٍ جئتَ؟
كوفييل : بعد أن عَرَفْتُ المرحوم السيد والدكَ — وهو من النبلاء الطيبين كما قلْتُ لكَ — أخذتُ أطوف جميع أنحاء العالم.
السيد جوردان : جميع أنحاء العالم؟
كوفييل : نعم.
السيد جوردان : أظنُّ أن هناك بلدانًا بعيدة من هنا؟
كوفييل : بدون ريب، ولم أعُدْ من سفري الطويل إلا مُنذُ أربعة أيَّام، وإذ إني أهتمُّ لكلِّ ما يُهِمُّك أمره جئت أحمل إليك أجمل بُشرى في العالم.
السيد جوردان : ما هي هذه؟
كوفييل : هل عرَفْتَ أنَّ ابن التركي العظيم هو هنا.
السيد جوردان : أنا؟ لا.
كوفييل : كيف؟ إنه يرتدي بزة ساحرة، ولقد جرى له في هذا البلد استقبال فخم.
السيد جوردان : وحقِّكَ لم أكُنْ أعلم ذلك.
كوفييل : والذي ستفرح له كثيرًا هو أنَّه عاشق ابنتك.
السيد جوردان : ابن التركي العظيم؟
كوفييل : أجل، ويريد أن يصير صهرك.
السيد جوردان : ابن التركي العظيم، صهري؟
كوفييل : صهرك، ابن التركي العظيم، وبما أني أعرف لغته معرفة جيدة ذَهَبْتُ إليه وتَحَدَّثْنَا معًا، وبعد أن تناولْنا في الحديث أمورًا كثيرة قال لي: «أكسيام كروك سولر أوش مصطف جيدلم فراهيني أوسر كربولات» يعني: ألم يقع نظرك على فتاة حسناء هي ابنة السيد جوردان أحد النبلاء الباريسيين؟
السيد جوردان : ابن التركي العظيم قال ذلك عني؟
كوفييل : نعم، وإذ أجبته أنني أعرفك معرفة خصوصية وأنني نظرت ابنتك قال لي: «مرا بابا ساهم» يعني: «آه كم أني أحبها.»
السيد جوردان : مرا بابا ساهم تعني: «آه كم أني أحبها»؟
كوفييل : نعم.
السيد جوردان : الحق أقول لك: إنك أحسنت بقولك لي ذلك، إذ لم يكُنْ ليخطر في بالي أن «مرا بابا ساهم» تعني: «آه كم أني أحبها.» إنها لَلغة جميلة!
كوفييل : أجمل ما يستطيع أن يتصوره أي إنسانٍ كان. أتعرف ما معنى «كاكارا كاموشن»؟
السيد جوردان : كاكارا كاموشن؟ لا.
كوفييل : معناها «يا روحي العزيزة.»
السيد جوردان : «كاكارا كاموشن» معناها: «يا روحي العزيزة»؟
كوفييل : نعم.
السيد جوردان : إنها للغةٌ ساحرة، «كاكارا كاموشن» معناها: «يا روحي العزيزة» من يعرف ذلك؟
كوفييل : وأخيرًا، لكي أنجز المهمة التي عهد بها إليَّ أُخْبِرُكَ أنه سيطلب يد ابنتك للزواج، ولكي يكون له عم أهل له يريد أن يجعلك «ماما موشي»، و«ماما موشي» هو نوع من أعظم ألقاب بلاده.
السيد جوردان : ماما موشي؟
كوفييل : نعم، «ماما موشي»، و«ماما موشي» في لغتنا معناه دهقان، والدَّهقان هو من هؤلاء الدهاقين القدماء … وخلاصة القول أنَّ «ماما موشي» معناه دهقان، وليس في العالم أنبل من هذا اللقب؛ فهو يسمح لك أن تُساوي بالنُّبل أعظم أسياد الأرض.
السيد جوردان : إنَّ ابن التركي العظيم يغدق عليَّ الشرف، وأرجو منك أن تأخذني إليه لأشكره على نعمه وأفضاله.
كوفييل : كيف؟ إنه قادمٌ إلى هنا.
السيد جوردان : قادم إلى هنا؟
كوفييل : نعم، وهو صاحِبٌ معه كل شيء للاحتفال بلقبك الجديد.
السيد جوردان : إنها لسرعةٌ مدهشة!
كوفييل : إن حبه لا يطيق أي تأخيرٍ كان.
السيد جوردان : ولكن هناك أمرًا يُزعجُني جدًّا، وهو أنَّ ابنتي مُستبدة برأيها، ولقد غَرَسَتْ في رأسها الميل إلى فتًى يُدعى كليونت مقسمة على ألَّا تتزوج غيره.
كوفييل : ثِق أنَّها ستُغيِّر رأيها عندما تشاهد ابن التركي العظيم، ثم إن الصدف شاءت أن يكون ابن التركي العظيم كثير الشبه بكليونت هذا، فلا عَجَبَ أن ينتقل حبها من أحدهما إلى الآخر … و… أسمع وطء أقدامه، هو ذا.

المشهد الرابع

(كليونت (مُتنكرًا بزي تركي، ثلاثة حُجَّاب يُمسكون بذيل ردائه) – السيد جوردان – كوفييل (مُتنكرًا))
كليونت : إمبوساهم أوكي بوراف، ليوردينا سلامليكي.
كوفييل : يعني ليكن قلبك يا سيد جوردان كوردة مُفتَّحة طول السنة، هذا اصطلاح من الاصطلاحات التركية.
السيد جوردان : إنِّي خادم سموه التركي المطيع.
كوفييل : كريكار كمبوتو أوستن موراف.
كليونت : أوستن يوك كتاماليكي بوسم باز الله موراف.
كوفييل : يقول: لتعطك السماء قوة الأسود وحكمة الأفاعي.
السيد جوردان : إنَّ سموه التركي يشرفني كثيرًا، وإني لأتمنى له جميع أنواع الخيرات.
كوفييل : أوسا بنيامن سادوك بابلي أوراكاف أورام.
كليونت : بل من.
كوفييل : يقول إنك ستسرع بتهيئة نفسك للاحتفال، ثم يجتمع بابنتك ويعقد الزواج.
السيد جوردان : كل هذا بكلمتين.
كوفييل : نعم؛ فاللغة التركية هي هكذا، تقول أشياء كثيرة بقليلٍ من الكلمات، هيا عجِّل بتهيئة نفسك.

(يخرج السيد جوردان وكليونت.)

المشهد الخامس

(دورانت – كوفييل)
كوفييل (يضحك) : يا له سخيفًا! إنَّ من يتعلم دوره يجيد لَعِبَهُ، (يضحك) أرجو منك يا سيدي أن تساعدنا على ما نحن فيه.
دورانت : ها ها، كوفييل، لماذا تنكرت بهذا الزي؟
كوفييل : أترى؟ (يضحك).
دورانت : لماذا تضحك؟
كوفييل : أَتْرُك لك أن تحزر ذلك من نفسك.
دورانت : ماذا؟
كوفييل : احزر ماذا نعمل لنحمل السيد جوردان على أن يُعطي يد ابنته لسيدي.
دورانت : لا أستطيع أن أحزر ماذا تعملون، على أني لا أنكر أن المسألة التي تأخذها أنت على عاتقك لا بد أن تنجح نجاحًا باهرًا.
كوفييل : كلِّف نفسك الابتعاد من هنا قليلًا لتفسح سبيلًا للقادمين؛ فستشاهد بنفسك قسمًا من الحكاية، أما القسم الآخر فسأقصه عليك.

(دورانت يخرج).

المشهد السادس

(كوفييل – السيد جوردان – كليونت – جمع من الأتراك والدراويش)

(يبدأ الاحتفال التركي، أربعة من الدراويش يرقصون ويعزفون، خمسة من الأتراك يرقصون ويعزفون، ثم يدخل السيد جوردان والدرويش الأعظم.)

الدرويش (ينشد أمام السيد جوردان المرتدي لباسًا تركيًّا، هذا المقطع الذي لا يستوي له معنى ولكنه على النسق التركي) :
سوتي سابير
تي رسبوندير
سينون سابير
تازير تازير
ميستار مفتي
تيكيستار تي
نون أنتاندير
تازير تازير.
الدراويش (يرددون) : تازير تازير
الدرويش (ينشد) :
مها متيابر جيوردينا
مي بريكار سيرا إي ماتينا
فولر فار إن بلادينا
دي جيوردينادي جيوردينا
دار توربنتا إي دار سكارسينا
كون كاليرا إي بريكانتينا
برديفاندير بلاستينا
مها متيابر جيوردينا.
الدراويش : إي والله.
الدرويش : ستاربون تركا جيوردينا.
الدراويش : إي والله.
الدرويش (يشير بإعطاء السيد جوردان شريطة النبل ثم ينشد) : تي نون ستار فوربا؟
الدراويش : نو، نو، نو.
الدرويش : نون ستار فورفنتا؟
الدراويش : نو، نو، نو.
الدرويش : دونار تربنتا، دونار تربنتا.

(الأتراك والدراويش يُقلِّدون السيد جوردان شريطة الشرف، وهم يرددون كلام الدرويش الأعظم.)

الدرويش : تي ستار نوبيله، إي نون ستار فابولا، بيكليار شيا.

(يرقص الدراويش بالسيوف حول السيد جوردان.)

الدرويش (يشير إلى الدراويش بضرب السيد جوردان بالقضبان) : دارا دارا باستونارا باستونارا.

(يردد الدراويش هذه الكلمات وهم يضربون السيد جوردان ضربات موقعة على نغم الكلام.)

الدرويش (بعد أن يضربه بنفسه يقول له) : نون تنير هونتا كستا ستار أولتيما أفرونتا.

(وينتهي الفصل برقص الدراويش.)

(الستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤