الباب السادس

يونغي

وجملته ثلاثون فصلًا
(٦–١) قال كونفوشيوس: «إنَّ ما علمته من سجايا النبيل الشريف رانيونغ١ يحملني على أن أرشِّحه ليرتقي أرفع منصبٍ رسمي بجدارة.»

(٦–٢) جاء رانيونغ إلى كونفوشيوس، وسأله رأيه في زيسانغ بوتسي. فأجابه: «لا بأس به، فهو رجل بسيط ومتواضع.» فقال جونكون: إذا اتصف الرجل بثبات الفكر وقوة العزم، مع ميل واضح في سلوكه إلى التبسيط والاعتدال، فهذا ما يشهد له بالكفاءة ليتولى مقاليد الحكم. أمَّا التبسيط والتواضع بغير حزم ووعي وجدية فلا يشفعان بجدارة القيام على شئون الناس والتزام حد المسئولية. فقال كونفوشيوس: «الحق ما قاله رانيونغ.»

(٦–٣) جاء النبيل إيكونغ من دولة «لوقو»، وسأل كونفوشيوس: مَن أكثر تلاميذك حبًّا للعلم؟ فأجابه: «إنَّه الذكي النابغ «يان هوي»، ولقد جمع في شخصه بين الاجتهاد في التحصيل والتحلِّي بمكارم الأخلاق، فحاز العلم والفضائل في جديةِ دارسٍ ونبالةِ فارسٍ، فما ارتفع صوته حانقًا في وجه أحد، ولا وقع في خطأ واحد مرتين؛ لكنَّ الموت عاجله وهو بعدُ في الثلاثين، فما عدت أجد له الآن نظيرًا.»

(٦–٤) كان كونفوشيوس قد أرسل «كون شيهوا»٢ إلى مملكة «تشيغو» في إحدى المهام الرسمية الطارئة، وراح «رانيو» إلى كونفوشيوس راجيًا إياه أن يرسل شيئًا من الغلال والدقيق إلى بيت «كون شيهوا»، حيث تقيم والدته، فقال له: «أعطها إذن، أربعًا وستين كيلةً من القمح.» فطلب إليه «رانيو» أن يزيد قليلًا، فسمح له المُعلم أن يُضيف أربعًا وعشرين كيلةً أخرى. ثم إنَّ «رانيو» تصرف من تلقاء نفسه وأعطى ثماني آلاف كيلةً، فلمَّا بلغ ذلك كونفوشيوس، قال: «لمَّا كان كون شيهوا في طريقه إلى مملكة «تشيغو»، فقد كانت ركائبه، تشمل: جيادًا مسرجةً وعرباتٍ مطهَّمةً، بينما كان يرفل في ديباج ورغد عيش، وقد قيل فيما مضى بأنَّ الماجد الكريم، هو مَن أعان المعسر ذا الحاجة، وليس مَن أتخم معدة الأغنياء.»
(٦–٥) كان كونفوشيوس قد تقلَّد منصبًا رسميًّا في إحدى المقاطعات الحكومية فأصدر أمرًا بتعيين تلميذه يوانس٣ حاكمًا عامًّا، وأمدَّه بتسعمائة كيلة من الحبوب والغلال، فاعتذر عن قبولها، فقال له كونفوشيوس: «عندما تقضي اللوائح الرسمية بإمداد نقدي أو غذائي فليس من الأوفق إلغاؤه أو التنازل عنه كليَّة، وإنَّما من الأصوب قبوله أو التبرع به إلى مَن هم في أمسِّ الحاجة إليه.»

(٦–٦) قال كونفوشيوس لتلميذه «جونكون»: «هل تأملت صغار الغزلان، بقرونها الصغيرة المشرعة، وجلدها الطري الأملس … ترى لو أعفيناها من مذبح القربان، فهل تعفيها الآلهة من قدر الموت هلاكًا!»

(٦–٧) قال كونفوشيوس: «كنت أراقب تلاميذي عن كثب، فلم أجد سوى «يان هوي» أكثر التزامًا ووفاءً للمبادئ الإنسانية، فهكذا رأيت مصير المبادئ بين الناس: قلة مثابرة يطويها الزمن، وكثرة لاهية ما زالت تزداد أبدًا.»

(٦–٨) جاء جيكانزي إلى كونفوشيوس، وسأله: هل ترى أنَّ السيد «جونيو» يصلح للاضطلاع بمهام رسمية؟ فأجابه المُعلم: «لا بأس به أبدًا، فهو الحازم السديد.» ثم سأله ثانيةً: وهل يصلح لها السيد «دوانموسي»؟ فأجابه: «أجل، وإنَّه لأفضل مَن يضطلع بها؛ فما رأيت أحدًا في مثل كياسته وفطنته.» فسأله ثالثة: وما رأيك في السيد «رانشيو»؟ أتراه يصلح للقيام على شئون الحكم وأعباء المسئوليات الجِسام؟ فأجابه: «قد عرفته واسع الحيلة، سريع البديهة، حسن التصرف، وإنَّها لمزيةٌ تفضل كل المزايا، ورجل هذا شأنه، يصير هو الأنسب والأقدر.»

(٦–٩) أرسل شيخ عائلة «جيشي» إلى السيد مينزيشيان٤ يرجوه أن يُرشح نفسه محافظًا لإقليم «فيدي»، فقال زيشيان للرسول الذي جاءه بفحوى هذا الأمر: «أبلغ سيدك اعتذاري، وقل له، عن لساني، قولًا كريمًا، فإن أعادك إليَّ ثانيةً بالرسالة نفسها، فسأقوم إلى هذا البحر أمامك — يقصد نهر ونشيو — أمتطيه وأعبر إلى الشاطئ الآخر، وأمكث هناك، فلا أهبط أرضكم أبدًا.»
(٦–١٠) لزم «بونيو»٥ الفراش مريضًا، وساءت حالته كثيرًا، حتى أشرف على الموت، فعاده كونفوشيوس، فلمَّا رآه، مدَّ إليه يده من خلال النافذة، فشدَّ على يديه وهو يتمتم قائلًا: «لا أرى إلَّا أنَّ الموت سابق، والحياة تزول، وإنَّما هي آجالٌ مقدرة في كف السماء، فلا تنزل المحن إلَّا بالأخيار، ولا تفتك المنايا إلَّا بأحسن الرجال.»

(٦–١١) قال كونفوشيوس: «ما رأيت أحدًا قط في مثل كرم أخلاق «يان هوي»: بسيط العيس، قانع بلا ضجر، تكفيه كسرة خبز وشربة ماء، ولا يستنكف أن يأوي إلى كوخ خشبي متواضع، يُطيق من الحياة ما لا يُطيقه الناس، فلذلك استحقَّ منهل نعيم لا ينضب، ولذة سعادة غامرة، لا تفيض على أحد غيره من الناس.»

(٦–١٢) جاء «رانشيو» إلى كونفوشيوس وقال له: لقد قرَّرت أن أتراجع يا سيدي، ولا يعني هذا أني أرغب عن حكمتك وأفكارك، وإنَّما تقصر همَّتي وتفتر قوتي عن أن أواصل قدمًا على الطريق. فقال له كونفوشيوس: «خذلك بيانك يا رجل، وأردت غير ما قلت، فالعاجزون حقًّا، هم الذي يتوقفون عند منتصف الطريق، إذ يعسر عليهم المسير، أمَّا أنت فلم تضع قدمك على الطريق بعد … فلا حكم بغير معيار، ولا تقدير إلَّا بتجربة.»

(٦–١٣) قال كونفوشيوس ﻟ «زيشيا»، وهو ينصح له: «اعلم أنَّ طالب العلم نوعان: واحد يسعى للهداية بشرف العقل وسمو الروح معًا أملًا في قبس من حقيقة، وواحد يسعى للتجمُّل بوقار زائف رياءً وتكلفًا، فاختر لنفسك أحسن طريق.»

(٦–١٤) حدث أن تقلَّد «زايو»، تلميذ كونفوشيوس، منصب الحاكم العام بولاية «أوتشنغ»، فسأله المُعلم قائلًا: «حدثني عن مرءوسيك، هل وجدت بينهم أحدًا ذا كفاءة؟» فأجابه: هناك واحد اسمه: دانتاي مينينغ،٦ ما جربت عليه خيانةً قط، مستقيم الخلق، ليس بالماكر ولا بالمراوغ، لا يطرق بابي إلَّا لضرورة تُمليها واجبات الوظيفة الرسمية.٧

(٦–١٥) قال كونفوشيوس: «لم أعهد السيد «منغ جيفان» (مسئول عظيم في دولة «لوقو») مختالًا متكبرًا، يُباهي الناس بخصاله، وإنَّ ما فعله يوم انسحاب الجنود خير دليل على ذلك؛ إذ دارت الدائرة على الجيوش، فانهزمت وتقهقرت عائدةً، وظلَّ هو وسط الصفوف يحمي وينظِّم انسحابها، فلمَّا دخلت الأفواج بوابة المدينة، وبقي هو في المؤخرة، جعل يحث فرسه، ويقول للناس: «لا تظنوا بي الشجاعة أن كنت آخر العائدين، وإنَّما هو حصاني الهزيل، لا يقوى على السير»!»

(٦–١٦) قال كونفوشيوس: «أساس المرء جمال وبلاغة، أي أخلاق حسنة ولسان كريم، فإن رأيت أخا الفضائل، مثل الأمير جاو٨ بأخلاقه الملكية الكريمة وصفاته المثلى، فقد أشبه الشيخ جوتو،٩ بلسانه الحاد وقلبه الغليظ، فقد أوشكت السماء أن تنطبق على الأرض، وقُل على الدنيا السلام.»

(٦–١٧) قال كونفوشيوس: «كيف للناس يسيرون بغير سبيل هدى، كيف للسالك أن يهتدي بغير دليل وطريق!»

(٦–١٨) قال كونفوشيوس: «إذا طغت البساطة على التأنق، كانت السوقية الرعناء هي سيدة الموقف،١٠ وإذا تجاوز التأنق حد البساطة، أصبحت السطحية الجوفاء هي العنصر المسيطر، فاعلم أنَّ العاقل مَن يتميز لنفسه الحد الأمثل والمنزلة الوسطى.»

(٦–١٩) قال كونفوشيوس: «بغير الشرف والاستقامة، لا يستطيع الماجد الكريم أن يشق طريق حياته قدمًا وصعودًا، فائزًا موفقًا، ولئن كان الأشقياء، هم أيضًا، يملكون أحيانًا القدرة على البقاء طويلًا، فذلك لا يحدث إلَّا بالحظ السعيد أو بمحض المصادفة!»

(٦–٢٠) قال كونفوشيوس: «ليس مَن فهم العلم كمَن أحبَّه، وليس مَن أحبَّه كمَن أسعده أن يهب حياته كلها لأجل تحصيله وتعليمه لبني البشر.»

(٦–٢١) قال كونفوشيوس: «لكل إنسانٍ طاقته الذهنية واستعداده الأول، لذلك لا يقدر على فهم منطق العلوم الفائقة، وسبر أغوارها العميقة إلَّا عبقري موهوب، فإذا أعطيت أسرار علومك لغير النابهين فقد زرعت بغير جني.»١١
(٦–٢٢) جاء فانش١٢ إلى كونفوشيوس وسأله: كيف لمن أراد القيام على شئون الناس أن يبلغ الحكمة؟ فأجابه: «عليه أن يُلزم نفسه والناس طريق العدالة والأخلاق، وأن يحترم العقائد بإجلال يتناسب مع وقارها، دون شططٍ إلحادي أو إيغالٍ متزمت.» ثم سألته ثانية: وكيف السبيل إلى مكارم الأخلاق؟ فقال له: «بأداء ما عليك قبل أن تطلب ما هو لك، وبأن تبذل تمام جهد العمل، قبل أن تسعى إلى لذيذ ترف الراحة.»

(٦–٢٣) قال كونفوشيوس: «الأذكياء يحبون الأنهار، لكن الطيبين يحبون الجبال. الأذكياء يتدفقون نشاطًا وحيوية، أمَّا الطيبون فيميلون إلى الدعة والهدوء. والأذكياء مرحون دائمًا، ويتمتعون بكل لحظة في عمرهم الذي ينقضي سريعًا، بينما الطيبون غالبًا ما يعمرون طويلًا.»

(٦–٢٤) قال كونفوشيوس: «تحتاج مملكة «تشي» أن تعدل من مجمل قواعد سياستها العامة، لكي تتمكَّن من اللحاق بمملكة «لوكو» — في ظروفها القائمة حينئذ — بينما تحتاج مملكة «لوكو» (للمفارقة)! أن تُغيِّر كل أسس فلسفتها الحاكمة لتبلغ المبدأ الأول الصحيح لمعنى الشرف والنزاهة.»

(٦–٢٥) تنهَّد كونفوشيوس متحسرًا، وقال: «لقد تغيَّرت كثيرًا طقوس وشعائر؛ طالت البدع أركان المعابد مثلما انتهكت جدران اللهو والترف، وفرغت كئوس الراح مثلما انطفأت شموع التراتيل من أزمان غابرة، فوا أسفا على مَن يضيعون تراث مجد مؤثل أو تهون عليهم تقاليد ماضٍ عريق.»

(٦–٢٦) جاء زايو إلى كونفوشيوس، وسأله: ما صفات الرجل الشريف الطيب؟ أترى هو الرجل الذي إذا قلت له إنَّ واحدًا من الناس سقط في البئر، شمَّر عن أكمامه ونزل لينقذه في الحال؟ فردَّ عليه المُعلم، قائلًا: «وما الذي يحمله على هذا التصرف؟! إنَّ الطيب ذا المروءة سيُفكر معك في طريقة ناجحة لإنقاذ المكروب، دون أن يُلقي بنفسه في التهلكة، فربما تستطيع الكذب على الطيبين، لكنَّك لا تقدر أبدًا أن تجعل منهم أضحوكةً.»

(٦–٢٧) قال كونفوشيوس: «مَن تعمَّق في مطالعة سجلات التاريخ، ونهل من معينٍ أدبي عريق، ثم تحصَّن بمبادئ الخُلق القويم، فقد عصم نفسه من الانحراف عن جادة الصواب والعدل والإنسانية.»

(٦–٢٨) ذهب كونفوشيوس في زيارة شخصية إلى السيدة نانزي١٣ فاعترض تلميذه «زيلو» على القيام بهذه الزيارة، وساورته الظنون، فبلغ ذلك كونفوشيوس، فأقسم على مسمع ومرأى من الناس، قائلًا: «ليس لمثلي أن يرتكب حماقةً أبدًا، ولتسحقني السماء لو فعلت، وعين السماء ترى وتشهد مكنون الخفاء.»

(٦–٢٩) قال كونفوشيوس: «إنَّ الاعتدال هو تاج الفضائل، والتوسط هو خير الأمور جميعها، وقد مرَّ على الناس زمانٌ وهم في غفلة عن تلك الحقيقة.»

(٦–٣٠) جاء تسيكون إلى كونفوشيوس، وسأله: ماذا لو عرفت أنَّ رجلًا بذل كل ما يملك لأجل إسعاد الناس، والعمل على راحتهم، أتراه جديرًا بأن يوصف بالكرم والمروءة؟ فأجابه المُعلم مستدركًا: «بل بما يفوق الكرم والمروءة، فإنَّما هو قديس، أو ملاك طاهر، لا يدانيه في ذلك الشيخان: «ياو» و«شون»١٤ بما عُرِفَ عنهما من مروءة وحكمة، فالكريم تتسع همته للجميع، ويغمر بفضله آلافًا مؤلفةً، ويُعامل الناس بما يُحب أن يعاملوه به، فتلك هي خصال الكرم، وعلامات المروءة.»
١  رانيونغ: (٥٢٢ق.م.–؟) اسمه الأصلي «جونكون»، من مواطني دولة «لوقو»، من أسرة اشتهرت بالتواضع الجم.
٢  كون شيهوا: اسمه الأصلي «زيهوا» من مواطني «لوقو»، اشتهر بإجادته لقواعد الأخلاق، ومعرفته التامة بشئون المراسم وأصول المعاملات الاجتماعية.
٣  يوانس: (٥١٥ق.م.–؟) يُدعى أيضًا يوان شيان، اعتزل المجتمع بعد وفاة كونفوشيوس، وظلَّ بقية حياته معتكفًا وحده في بيته.
٤  مينزيشيان: (٥٣٦–٤٨٧ق.م.)، اسمه الأصلي مينسون، لقبه زيشيان، أحد تلاميذ كونفوشيوس.
٥  بونيو: (٥٤٤ق.م.–؟) اسمه الأصلي راكنغ، اشتهر بين تلاميذ كونفوشيوس بالأخلاق الكريمة والأدب الجم.
٦  دانتاي مينينغ: (٥١٢ق.م.–؟) من مواطني دولة «لوقو» — مقاطعة شانتونغ، بحسب التقسيم الإداري لجمهورية الصين الشعبية حاليًّا (١٩٩٨م) — وكان برغم قبح منظره، طيب الخلق، مهذب السلوك.
٧  ورد في أحد فصول كتاب «سجلات تاريخية» رواية أخرى لتلك الحادثة، نصها: كان رجل يُقيم بولاية أوتشنغ، وكان دميم الوجه، بشع المنظر، ثم إنَّه قصد إلى كونفوشيوس، وصار واحدًا من تلاميذه، وكان المُعلم يزدريه، ولا يُحسن النية به، فلمَّا أتمَّ زمنًا على يد أستاذه تفقَّه في العلم، وعاد إلى بلده، واجتمعت له صفات حسنة للغاية، فصار يترقى في التحصيل والأخلاق، حتى قصدت إليه مواكب الطلاب تسأله وتستفتيه، فذاعت شهرته وشهد الناس له بمكارم الأخلاق، وبلغ كونفوشيوس شيء من هذه الأخبار، فقال: «إنَّها قد غلبت عليَّ جهالتي، فمن الخطأ أن يؤاخذ الناس بسيماهم.» وحسب سياق النص الأصلي المروي في متن «المحاورات» وباستقراء ما توحي به عبارة «زايو» هنا، فالمرجح أنَّ زمن الخطاب كان سابقًا على مرحلة إتمام «دانتاي» لدروسه، والعودة إلى موطنه.
٨  جاو: أمير في مملكة «سونغ»، اشتُهر بمكارم الأخلاق.
٩  جوتو: كان مسئولًا عن إقامة طقوس العبادة في قاعة المعبد الإمبراطوري إبان حكم دولة «ويغو».
١٠  فكرة «السوقية» هنا تحتمل مداخل فكرية وسياقات تأويلٍ متعددة، خاصة عندما يتعلق الطرح هنا بظلال تكتنف — في قليل أو كثير — مجهود الإبداع الأدبي/أو النقدي، ولا بد أنَّ القارئ — ببداهة — سيُعيد مقولات كونفوشيوس إلى منطق زمانها وارتباطاتها بظروف التراتب الطبقي الاجتماعي السائد في زمانها. ولا يخفى على القارئ الكريم أنَّ هذه النصوص وغيرها من عيون التراث الصيني القديم، تعرَّضت — وربما ما تزال — لتقييم نقدي تجاوز حد التطرف أحيانًا، على مدى سنوات شهدت أيديولوجيات استهدفت تأسيسات اجتماعية شاملة وجديدة، بطرح بديل فكري أكثر انطلاقًا وتطورًا.
١١  القاعدة الأساسية في الفكر التربوي الكونفوشي، هي أن يكون التعليم بحسب الاستعداد الذهني الطبيعي للدارسين، وكان المعيار الأساسي في التقسيم يعتمد على ثلاث درجات أصلية، هي: «النابغون، فالمتوسطون، فالمتخلفون»، وفي أحد التأويلات ورد معيار آخر يعتمد الاستعداد الفطري لدى الدارسين، ينقسم إلى تسع درجات، كالتالي:
أول الأول – متوسط – آخر الأول.
أول الأوسط – متوسط الأوسط – آخر الأوسط.
أخير متقدم – متوسط الأخير – آخر الأخير.
وأول الأول هو العبقري، الأشد ذكاءً بالفطرة، وآخر الأخير هو النقيض لذلك، وعلى أساس هذا التقسيم يصير من الممكن تدريس العلوم المركبة شديدة التعقيد للأنواع الأربعة قبل «متوسط الأوسط».
١٢  فانش: «٥١٥ق.م.–؟» أحد تلاميذ كونفوشيوس، اسمه الأصلي زيشي، من مواطني دولة «تشيغو».
١٣  نانزي: هي السيدة «لي»، إحدى أميرات أسرة سونغ الملكية، تزوَّجت من الدوق «لينغ» أمير مقاطعة «واي»، وقد اشتهرت السيدة نانزي بشبقها الجنسي الزائد، وعلاقاتها المشينة وفضائحها مع رجال القصر.
١٤  «ياو»، «شون»، «يوي»: ثلاثة أباطرة في الصين القديمة، اشتهروا بالحكمة. وتروي سجلات التاريخ أنَّ الإمبراطور «ياو» قضى ثلاث سنوات وهو يراقب الأمير «شون» ويفحص أحواله، قبل أن يختاره خلفًا له، وفعل «شون» الشيء نفسه مع خلفه «يوي»، وظلَّت تلك القاعدة تُتوارث باعتبارها تقليدًا أساسيًا في ترشيح وتنصيب الأباطرة لخلفائهم على العرش، وهو التقليد الذي ذاع فيما بعد، تحت اسم: «مراسم تسليم التاج».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤