عود على بدء

باعث العنوان سؤال قد يطالعنا: هل أصبحت القوة الحقيقية في أيدي النساء، وما على الرجال إلا الرضا بمجرد أسطورة هيمنة الذكور؟!

إن أول درس يجب أن يُلقى على الطفلة المصرية مع الألف باء — في رأي لطفي السيد — هو كونها مخلوقًا حرًّا وهبه الله حريته، وما وهبه الله لا يسترده إلا الله.١ ويسأل صلاح (للزمن بقية): إذن فمتى تملك المرأة حريتها؟
– عندما تنسى هذه الكلمة … هل ننطق بكلمة الصحة ونحن أصحاء؟٢ ويقول إحسان عبد القدوس: «في معظم ما كتبت، دافعتُ عن حرية المرأة، وتطرفت في هذا الموضوع، وأُسيء — في البداية — فَهم دعوتي، وهوجمت. إن إيماني بحرية المرأة ليس له حدود، وربما كان أحد دوافعه الأساسية في البداية مستمدًّا من إيماني بتفرُّد تجربة أمي — فاطمة اليوسف — هذه السيدة التي أثبتت وجودها في عالم الرجال، ونجحت في فرض نفسها عليهم، وحقَّقت ما لم يستطع كثير من الرجال أن يحققوه. لقد قادني هذا الموقف إلى التوغل في تفاصيل حياة المرأة في بلادنا، والاهتمام بتحليل العواطف والأحاسيس في مجتمعنا المنقسم على نفسه، المتخبط ما بين قِيَمه الراسخة، وما بين قشرة من الحضارة العصرية فرضت نفسها عليه.»٣

أخذت سيمون دي بوفوار على المجتمع الإنساني (أتصور أنها لم تقصد المجتمع الفرنسي وحده!) أنه جعل من المرأة موضوعًا، وعندما يذكرها الناس في عالمها الراهن إنما يقصدون — في الغالب — تلك المرأة الموضوع.

وقد نهضت أمينة (بين القصرين) من تحت قدمَي أحمد عبد الجواد، وجلست إلى جواره، ثم زادت، فخرجت من البيت، بينما اضطرته الظروف — الشيخوخة! — إلى البقاء فيه. لكن الانفصام ظلَّ قائمًا بين ما حققته المرأة، وما عجزت عن بلوغه، رغم غياب الفروق بين المتحقِّق ونقيضه. وهذا الانفصام يضيف إلى اختلاط الصورة، واهتزازها، والتأرجح بين الواقع والمأمول.
ولعلنا نجد في قصة محمد المخزنجي ابتسامة أم كيسنجر الوحيدة امتدادًا لأمينة بين القصرين، للمرأة في نهايات القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. إنها تنتقل من البيت — الذي لم تغادره طيلة أعوام زواجها — إلى القبر. يكتشف أبناؤها هذه الحقيقة، وأنها لم تشاهد شيئًا من معالم مدينتها «المنصورة»، لا النيل، ولا الفلايك السابحة عليه، ولا طيور النهر المحلقة فوق الماء، ولا الأشجار الوارفة، أو النخيل العالي على الضفَّتَين. ويحوِّل الأبناء موكب الجنازة. فبدلًا من أن تتجه إلى المقابر، يميلون بها إلى قلب المدينة، لا يعبئُون بالدهشة ولا الارتباك أو التحذيرات؛ أرادوا أن ترى الدنيا التي حُرمَت من رؤيتها وهي حية.٤ وحين أرادت الكاتبة السورية أميرة الدربة (مواليد ١٩٣٤م) أن تلتحق بكلية الطب، أجمعت الآراء المعارضة على أن «مهنة التعليم هي أشرف وأضمن مهنة بالنسبة للفتيات في ذلك الزمن.»٥ أما إليا منة في رواية الطاهر وطار العشق والموت في الزمن الحراشي فيثيرها موقف المجتمع من الفتاة، أية فتاة، فهو يحرص على أن تظل ملتفَّة دومًا في «الوقار والجلال والشرف»، متناسيًا الضغوط الاجتماعية والاحتياجات المادية، مثل شراء الكتب، وارتداء الثياب اللائقة، وامتلاك أثمان مستحضرات التجميل، ودفع مصاريف الاشتراك في وسيلة المواصلات، وهي — في كل الأحوال — الفريسة التي تتعرض لمحاولات الاصطياد. وكما حاولت أمينة (أنا حرة) أن تخرج من أزمتها بتأكيد حريتها، فقد حاولت ليلى (الباب المفتوح) أن تواجه ظروف حياتها بإرادة متفهِّمة وشجاعة. خرجت — ذات مرة — مع تلميذات مدرستها في مظاهرة صاخبة، وتملَّكتها الحماسة فاعتلت أكتاف بعض زميلاتها، وراحت تهتف في حماسة. وبعد عودتها إلى البيت، فوجئت بوالدها في الانتظار؛ فقد شاهدها وهي تعلو أكتاف الطالبات، ويضربها الرجل بالشبشب بقسوة على قدميها وساقيها وظهرها. ويقول الأب (سكون العاصفة): هناك سيدات أصابتهن الحرية بالحمى، وهي — في نظري — أحسن مَثَل للخارجة من السجن، سجن العهود الماضية، سجن المشربيات، ولذلك انقلبت إلى العكس، وليس العكس دائمًا صحيحًا!٦ ويعبِّر الرجل عن البُعد السلبي في الصورة بقوله: «البنت كي تتزوج في زماننا السعيد هذا، ينبغي أن تكون واحدة من اثنتين: محافِظة، ولديها مال، وعائلة ذات علاقات واتصالات تُذلِّل أمامها كل الصعاب، أو مستهترة ماشية على حل شعرها، وهي وحظها.»٧

•••

لا شك أن وضع المرأة هو انعكاس مؤكد لوضع المجتمع؛ من الصعب تصور أن المرأة تحصل على مكانتها في مجتمع لا يؤمن بالرأي المغاير. لقد حققت المرأة في الكويت — على سبيل المثال — نجاحات مؤكدة في العديد من المجالات الاقتصادية والأكاديمية والإعلامية والثقافية وغيرها، لكنها — في الوقت نفسه — ظلَّت — لأعوام طويلة — محرومة من الحقوق السياسية، والمرأة في السعودية تعمل بالتجارة والاقتصاد (تقول الإحصائيات إن ٧٥٪ من البنوك لديها حسابات خاصة بالنساء) وتمارس نشاطًا إبداعيًّا وأكاديميًّا متفوقًا، لكنها ممنوعة من قيادة السيارة. ومع أن المرأة في مصر شغلت منصب الوزيرة، فإنها لا تستطيع أن تحصل على جواز سفر إلا بموافقة زوجها. وهو إجراء أشد تبسيطًا مما كان من قبل؛ حيث كان سفر الزوجة يستلزم موافقة كتابية من الزوج. وقد نشرت الصحف — يومًا — واقعة منع وزيرة مصرية من السفر، استجابة لطلب من زوجها! ولم يكن التقدمي حمزة (قصة حب) حتى اللحظة التي التقى فيها — للمرة الأولى — بفوزية، يثق بالفتيات، ولا بما يمكن أن يقمن به، وإن كان يردد دائمًا أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن لها مثل ما له من حقوق.٨
  • المرأة العربية العصرية — كما تقول كارلا باور — «لا يمكن أن تكون بالضرورة تلك التي ترتدي الملابس الغربية، كما أن المرأة المحجبة ليست دائمًا مقموعة.»٩ الفتاة تذهب إلى الجامعة لتحصِّل العلم، وقد تدرس الكومبيوتر أو الطب أو الذرة أو الإنسانيات المختلفة، لكنها تعاني — في داخلها — كل عقد الأنثى، كل الترسُّبات التي انتقلت إليها من أجيال سابقة، وكما يقول الرجل في قصة ليلى محمد الصالح سقوط القمر فإن المرأة لا تطلب مباشرة ما تريد، ولا تستطيع أن تدافع عن معتقداتها أمام الضغوط الاجتماعية.١٠ تنظر الراوية إلى نافذتها؛ حيث يدخل القمر كومضة البرق، مقتحمًا باب الليل، يتمدد — مرهقًا — على سريرها المرشوم بماء الورد، والمسوَّر بالأحلام البنفسجية. فلما فتحت باب البيت، وجدت العالم في الخارج يحتضر، أصابع تضغط على الزناد في مأساة. وفي قصة إيقاعات الصمت المر نجد نموذجًا للمرأة التي تسكت عن شك زوجها، حتى تنتهي مهمتها الصعبة التي كلَّفتها بها قيادة المقاومة ضد العدو، ويظل صمت الزوجة عن نظرة الشك في عين زوجها سادرًا، حتى يُلقى القبض على الزوجة لانخراطها في المقاومة.
  • ثمة الكثير من الفتيات يطبِّقن — دون وعي بالطبع — مقولة روسو بأن المرأة تميل لأن تكون كما يريد لها الرجال أن تكون،١١ وهو ما يبين في رأي ألحان (انتظار المستحيل) «أن التعليم أفضل مهمة لبناء حياة زوجية سعيدة، وأبناء تعهدتهم بالتربية الصالحة، والرغبة في النجاح.»١٢ وفي تقدير فاطمة يوسف العلي أن التعليم المحدود، والسن الصغيرة، والإنجاب السريع الذي يلائم البيئة ويفرحها، كلها علامات إيجابية عند الزوج الذي يسعده أن يتزوج فتاة صغيرة، وينجب عددًا من الأبناء، وأن تنقاد زوجته، ولا تشعر بالاستغناء عنه، أو الاستعلاء عليه (تعليمها ناقص!).١٣ يعمِّق من تلك النظرة ما تنشره صحافة المرأة، أو الصحافة التي تتوجه إلى المرأة، التركيز على رعاية الزوج، وتربية الأطفال، وأدوات الماكياج، وموضات الأزياء، وغيرها مما يحدد الإطار الذي تتصور أن قارئاتها يتحركن فيه. ما يعيب الصحافة النسائية، وما يعيب — من ثَم — المرأة التي تحقق لها الرواج، أنها قصرت اهتمامها في موضات الأزياء، والأكلات الحديثة، وكيفية تنشئة الأبناء. موضوعات مهمة، هذا صحيح، لكن اتساع الاهتمامات لتشمل مجالات أخرى، مثل السياسة والاقتصاد والثقافة والظروف المجتمعية والعادات والتقاليد وغيرها … ذلك كله يضع القضية في إطارها المطلوب، فلا تصبح المرأة مجرد زوجة، بلا اهتمامات أخرى تنعكس على حياتها شخصيًّا، وعلى أسرتها، وعلى المجتمع بعامة.
    النساء العصريات يملؤهن الشعور بالهزيمة — على حد تعبير فريدة النقاش — عندما يجدن عبء العمل المنزلي مُلقى بأكمله على كواهلهن.١٤ وكما تقول الكاتبة، فإن «حاجة المرأة للتحرر تتطلب منها أن تنغمس أكثر في مملكة المجتمع، وتصنع بيتًا سعيدًا بمجهودٍ جماعي يقوم على أسس عادلة.»١٥ المرأة التي تعمل خارج البيت، هي المرأة نفسها التي تؤدي أعمال البيت. وفي قصة لقاء في الظلام للكيني جيمس نجوجي، فسَّر جون تسرُّب الدخان من أكواخ القرية، بأن النساء عدن من الحقول وأماكن العمل إلى البيوت.١٦
    يستوقفني التعبير «إن كل عظيم وراءه امرأة»، لماذا لا تصبح كل عظيمة وراءها رجل؟! أضيف تساؤل الجزائرية مريم أبو زيد: «لماذا نكون — نحن النساء — في حاجة إلى تبرير المرأة ومكانتها، وما قدمته، وما أنجزته، في محاولات فاشلة لدحض المكانة الآنية، الدنيا؟»١٧
  • مع ذلك، فإن الظاهرة التي يصعب إغفالها هي عودة الحجاب بصورة لافتة، وارتفاع الأصوات المنادية بعودة المرأة إلى البيت.

    إن خروج المرأة إلى العمل — في رأي المعارضين — عامل أهم في تفشي البطالة بين الشباب من الذكور، وفي زحام المواصلات، فضلًا عن تأثيره الذي لا يُنكَر في تفكك الأسرة. وثمة أعداد هائلة من النساء تميل للسير في الاتجاه العكسي؛ هي تتعلم، وتجد العمل المناسب، لكنها تفضِّل البقاء في البيوت، تكتفي بدور ربة البيت، بعد أن تحصل على الشهادة الجامعية، وبعد أن تتزوج. لا صلة — في تقدير أصحاب ذلك الرأي — بين مبدأ المساواة، وبين خروج المرأة للعمل. وبتعبيرٍ آخر، فإن المساواة بين الرجل والمرأة لا علاقة لها بعمل المرأة، أو عودتها إلى البيت، المساواة يمكن أن تتحقق من خلال استكمال الفتاة تعليمها، ثم بقائها في البيت راعية لزوجها وأبنائها، بعيدًا عن متاعب العمل، والزحام، والتصرفات السخيفة.

    أبشع جوانب الردة (التسمية ليست من عندي!) في حياة المرأة اليوم — في تقدير أستاذنا زكي نجيب محمود — «ليس هو أنها تريد أن تعمل بما تعلَّمته فيمنعها أحد، وإنما الجانب البشع من تلك الردة، هو أن المرأة اليوم تريد أن تجعل من نفسها، وبمحض اختيارها، حريمًا يتحجب وراء الجدران، أو يتستر وراء حجب وبراقع، وكأنها الفريسة السهلة تخشى أن تتخطفها الصقور.»١٨ وإذا كانت نورا أبسن قد صفقت الباب وراءها في ١٨٧٩م لتخرج إلى العالم الواسع، فإن الكثير من فتيات هذا الزمن يرفضن تلك الصفقة، وما تلاها من خروج المرأة إلى الحياة العامة. يفضِّلن البقاء في البيت، حيث انتظار الزوج، ورعايته، ورعاية الأبناء. لا شبهة تحريض من الرجل للمرأة على تحديد دورها، أو تحجيمه، فهو قرار تتخذه — في الأغلب — من قبل أن تنهي دراستها، ومن قبل أن تتعرَّف إلى الشاب الذي تقترن به. واتساقًا مع هذه الظاهرة، فإن الأرقام تؤكد أن مصر هي أولى دول العالم في إجراء عمليات الختان للبنات، واللافت أن نسبة المختونات تزايدت في الفترة الأخيرة من ٥٠٪ ١٩١٤م إلى ٩٨٪ في أوائل القرن الحادي والعشرين.١٩
  • ظاهرة أخرى، لا تخلو من دلالة، تطالعنا في معظم الاجتماعات العامة التي تشارك فيها المرأة أنها تختار صورة الحريم في الاجتماع. المرأة تبحث عن المرأة لتجلس إلى جوارها. من هنا — ربما — يدعو صديقي ماهر شفيق فريد المرأة أن تنتقل من وضع «الأنثى» إلى وضع المواطن الكامل ذي الحقوق والواجبات. تنتقل من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية، وإن تحفَّظ ماهر شفيق فريد بأن المرأة ستظل مشروطة بيولوجيًّا أكثر مما هو الشأن مع الرجل، فهي ستظل منشغلة — مهما تحصل على مكانة وظيفية أو اجتماعية متفوقة — بكريم الأساس، وموضات الأزياء، ورولو الشعر، والعناية بالرجيم، وبرامج السهرات، وتنوع طرق الطبيخ والتنظيف.٢٠
  • تعليم المرأة، وتوفير فرص العمل لها، وإعطاؤها حق مباشرة الحقوق السياسية، وغيرها، لا يعني أن قضية المرأة قد انتهت باعتبارها كذلك. تبقى مسئولية الزمن لاكتساب المرأة ثقة بالذات، (يشير الراوي في المرايا المتقابلة إلى الخوف الذي قد يلازم المرأة في كل مراحل حياتها، وأنها لا تعرف من الحياة إلا الخوف المستمر من الأب، ومن الزوج، ومن الدنيا، عبد البديع عبد الله، المرايا المتقابلة، دار غريب، ٣٩) ولتعودها على الإفادة من الحقوق التي حصلت عليها، وأيضًا لتيقُّن الرجل أن المرأة تساويه في الحقوق والواجبات.
  • عود على بدء … هذه هي التسمية الصحيحة للدعوة إلى الحجاب، ترافقها نصوص قرآنية وأحاديث شريفة وفتاوى واجتهادات. الحجاب — في تقدير النظرة الغربية — يتحدد في معنيَين، فهو يرمز إلى «غموض الشرق، المستتر والمجهول، وعالم المرأة المبهم المحير، والمراوغة القسرية في السلوك الأنثوي»،٢١ والحجاب — من ناحية ثانية — هو الرمز النهائي لقهر النساء المسلمات اللائي يعانين الاضطهاد والقمع والقيود المشددة، ويعتبرن — على نحوٍ ما — ضحايا بيئة ثقافية، عصبية وقهرية.٢٢ لكن الحجاب — فيما بعد — تجاوز هذين المعنيَين تمامًا.

    وإذا كان نزع الحجاب من أهم إنجازات ثورة ١٩١٩م، حين أقدمت هدى شعراوي على نزع حجابها، هي وعدد من زميلاتها، كما أقدمت على الفعل نفسه صفية زغلول بموافقة زوجها زعيم ثورة ١٩١٩م، ثم تحوَّل الحجاب — بتوالي الأعوام — إلى جزء من الماضي، نتناوله في دراساتنا التاريخية والاجتماعية، يسبق الحديث عنه بكلمة «كان» … إذا كان ذلك هو ما حدث في فترة تزيد عن العقود الثمانية، فإن ما نراه الآن يعيد كل ما حدث إلى نقطة البداية، وننسى، أو نتناسى، كلَّ ما ألصق بالحجاب في الدعوة إلى إلغائه، من أسباب التخلف الذي حاق ليس بالمرأة وحدها، وإنما بالمجتمع كله.

    واللافت أن الحجاب لم يعُد يقتصر على بلدٍ إسلامي دون آخر، لكنه اتخذ شكل الزي الموحد لغالبية النساء في العالم الإسلامي، وهو لا يقتصر كذلك على طبقة دون أخرى، ولا انتماء لمذهبٍ معين دون بقية المذاهب. تتعدد الأشكال والمسميات، لكنه يظل — في النهاية — حجابًا، ثمة الحجاب والنقاب والخمار في الشرق العربي، والحايك في المغرب العربي، والتشادور في إيران. وعلى سبيل المثال، فإن أبناء الشمال الأفريقي — في تقدير الراوي — (جرس الدخول إلى الحصة) ينتمون إلى حضارة تحجب المرأة، وتخفي مفاتنها، ويعتبرون إخفاءها وحجبها أساس الأخلاق.٢٣ عورة المسلم — في تقدير البعض — تشمل ما بين السرة والركبة في الرجل، وما بين الرأس والقدمين في المرأة.٢٤ وتبين التأثيرات السلبية القاسية التي يحدثها ارتداء الحجاب في وصف الجزائري رشيد بوجدرة للأم في روايته فوضى الأشياء بأن جسدها مات داخل الخمار الحريري الأبيض.٢٥ بل إن حق المرأة في تزويج نفسها، وهو الحق الذي استخدمته المرأة في عهود الإسلام الأولى، ذلك الحق ضاع في العصور التالية، إلى حد أن وكالتها عن نفسها في عقد الزواج غير مقبول عند البعض من علماء الدين ذوي الاتجاه المتزمت. لم تقتصر عبارات العَقد على ما رفضه رفعت القباني في روايتي حكايات الفصول الأربعة، وإنما لم يعد من حق الفتاة أن تزوِّج نفسها بأية عبارات، ذلك حق الوكيل! لذلك فإن الراوي في قصة إدريس علي السرير الواحد يعتبر عبارة «زوَّجتك ابنتي»، والمنديل الأبيض، والعَقد الذي يلي ذلك، وثيقة عبودية، عقد بيع وشراء.٢٦ وقد أجبر الأب (عكا والرحيل) كبرى بناته على الزواج من شاب اختاره لها، وتبيَّنت الابنة سوء اختيار أبيها، لكن الأب أجبرها على العودة، وتكرر الأمر أكثر من مرة، حتى استكانت الابنة إلى مصيرٍ مؤلم.٢٧
  • لماذا الشرق هو المرأة؟ ولماذا المرأة هي الشرق؟ لماذا الشرق والمرأة — في نظر الغربيين — شيء واحد؟ لماذا المرأة الشرقية — في لوحات المستشرقين — نائمة، أو تتزيَّن، أو ترقص، لا صلة لها بأية حياة حقيقية؟

    أوافق فاطمة المرنيسي على تعبير «الحريم الأوروبي»، وكما تقول المرنيسي فإن حريم الغربيين ضربٌ من المكان المجوني؛ حيث ينجح الرجال في خلق معجزة مستحيلة في الشرق، تتمثَّل في التمتع الجنسي — دون حواجز — بالنساء اللائي حوَّلوهن إلى جوارٍ.٢٨
    وفي تقديري أنه إذا كان الحريم — شرقيًّا — في حياة المرأة داخل جدران بيتها، واحتجابها عن عين الرجل، فإن الحريم — غربيًّا — في تحوُّل المرأة إلى سلعة، بداية من الترويج للإعلانات، وانتهاء بالوقوف في فاترينات المتعة! وتتحدث الرواية سواقي الوقت عن السلع النسائية العارية التي تُباع على الشاشة، ويمكن الحصول عليها بالهاتف، وبسعرٍ محدد سلفًا، شقراوات وصفراوات وسوداوات وبيضاوات، من كل الأعمار والأجناس، كأنهن مساحيق غسيل، أو أجهزة إليكترونية تُباع وتُشترى.٢٩
  • أيهما أصدق تعبيرًا عن المرأة: مارلين مونرو أم مارجريت تاتشر؟ الجسد أم الشخصية، أي العقل والوعي والإدراك؟

    الأمثلة الموازية — بالطبع — كثيرة، لكنني أردت فحسب أن أشير إلى مدى اختلاف النظرة إلى المرأة، والتي تجاوز التباين إلى التضاد. النساء حين يغتربن عن أدوارهن الإنسانية المتعددة، والثرية يصبحن — على حد تعبير فرج أحمد — جواري العصر الحديث.٣٠ ولأن المرأة العربية مواطن عربي، فهي تعاني الانفصام الذي يعانيه معظم أبناء المنطقة: الشعارات المناقضة للفعل. إنها — كما تقول مريم (مريم الحكايا) تحمل في جسدها المخبَّأ بثياب الثورة والنضال روائح الجواري في كل العصور.٣١ نحن نجد تلك المرأة في رواية ليلى بعلبكي «أنا أحيا»، المرأة في الرواية مدللة، لكنها مقيدة، محسوبة الحركة، وتخضع لوصايا الذكر.٣٢ وفي تقدير الراوي (صراخ في ليل طويل) أنه «إذا حصر الرجل اهتمامه في جسد المرأة دون عقلها، فإنه إنما يعاملها بالمثل، لأنها لا ترى في الرجل سوى جسده.»٣٣ واغتراب المرأة يتمثَّل — في أخطر أبعاده، ما عدا البغاء — في تسخير أجهزة الإعلام والإعلان لجسدها في أوضاعٍ تحرص على الإثارة بأكثر مما تعبِّر عن احتياجات موضوعية. نشير إلى قول الفتاة للشاب الذي أعيته الحيلة في شمس الخريف: «ليتك كنت فتاة، إذن لشققت طريقك بوجهك الذي لا يخلو من وسامة، أما الصبيان فهم في حاجة إلى شيء آخر غير هذا.»٣٤ المرأة في السينما العالمية — والعربية بالتالي — هي الحلية التي تضيف إلى جماليات الصورة. ربما لا تحتمل الأحداث وجودها، لكن كاتب السيناريو يحرص على ذلك لكي يصبح الفيلم «مناظر»، أو للتخفيف عن المتلقي عناء التوتر في ملاحقة الأحداث التي قد تكون دامية، أو مخيفة.

    قد تلغي القيم الاقتصادية للمجتمع، الكثير من قيمه الأخلاقية، إن لم تقوضها تمامًا. ذلك ما يتبدى — على سبيل المثال — في تعرية المرأة، أو الكشف عن أجزاء مثيرة، كثيرة، في جسدها، في الأفلام والإعلانات والرقصات والأغنيات، والفنون التجارية بعامة. وهو ما أدانه المؤتمر العالمي للسَّنة الدولية للمرأة الذي عُقِد في مدينة «مكسيكو» عام ١٩٧٥م، في رفضه الاستغلال المهين للمرأة كرمزٍ للجنس، وأداة للمصالح الاقتصادية من قِبَل وسائل معينة للاتصال الاجتماعي، وطلب إلى الدول والمنظمات المسئولة أن تروِّج وتشجِّع — في وسائل الاتصال الجماهيري في بلادها — على رسم صور إيجابية للمرأة، وأن تتخلَّى عن دورها كوسيلة للإعلان، كهدفٍ لبيع السلع الاستهلاكية، بهدف إحداث تغيير في طرق التفكير لدى كلٍّ من المرأة والرجل، بما يؤدي إلى تأكيد اشتراك المرأة الكامل في المجتمع. كما طالب المؤتمر بالكفِّ عن عرض الصورة التجارية المتكررة والمنافية للذوق التي تتناول المرأة، وبخاصة ما تعرضه المنشورات الإباحية، وصور الجرائم الجنسية، وجرائم العنف، ومنع نشر أي مواد تحاول خلق التحامل والاتجاهات السلبية إزاء المرأة.

    قد تكون الدعوة إلى السفور — في أواخر القرن التاسع عشر، ومطالع القرن العشرين — دعوة إلى تحرر المرأة، لكن من المستحيل أن نجد في «العري» الذي ينزع عن المرأة ثيابها في زماننا الحالي، درجة متقدمة من التحرر؛ إن الفعل تملكه المرأة، ورد الفعل ينعكس على الآخرين.

    لا أريد أن أطيل، فالمعنى — فيما أظن — واضح.

    تحرر المرأة قضية مجتمعية، وإنسانية، ينبغي أن توضع في إطارها، بعيدًا عن محاولات الابتزاز، والإثارة، والسعي إلى المكاسب الوقتية. ونحن نلحظ أن زينب (تلك الأيام) قرنت الابتسامة بطلبها الجبن والحلاوة من البقال، ليرضى بتأجيل دفع الثمن!٣٥

    وإذا كانت المرأة — في بعض عصور الدولة الإسلامية — قد عانت مأساة الجواري، فإنها — في المجتمعات الغربية، وحتى الآن — تعاني ما يسميه كُتَّاب الغرب أنفسهم «الرقيق الأبيض»، والمتمثِّل في عروض العري داخل الملاهي الليلية، ومسابقات ملكات الجمال، وغيرها. ولعلِّي أصارحك أن معارضتي لأسلوب اختيار ملكات الجمال تنطلق من النظرة المتدنية للمرأة، بأكثر من أن تنطلق من مفهومٍ ديني أو أخلاقي — مع تقديري المؤكد لهما — فالمناداة بإلغاء الرقيق والجواري تنسحب — بالضرورة — على إلغاء مثل ذلك النوع من المسابقات.

    القهر هو المقابل للحرية، هو الخصم والعداء والقسوة والمصادرة. وحين تخوض المرأة معركتها لنيل الحرية، فإنها تخوض المعركة نفسها ضد كل تلك السلبيات في حياتها، وفي حياة الإنسانية بعامة. وبتعبيرٍ محددٍ، فإن الحرية التي لا تسترشد بالوعي، هي حرية مهدَرة، لا أهداف حقيقية لها. وكما تقول حنان الشيخ، فإن الفتيات العصريات في ظاهرهن، أكثر سطحية مما كانت عليه الفتيات في الستينيات؛ كانت الفتاة آنذاك أكثر تطورًا في العمق «جيلنا كان كثير التساؤل، وله رؤية واضحة.»٣٦
    كانت مفيدة عبد الرحمن «مع تحرير المرأة، وضد تحررها» بمعنى أنها كانت مع حصول المرأة على حقوقها السياسية والاجتماعية، لكنها كانت ضد التحرر الذي — ربما — يرفض الأخلاقيات. نشير — على سبيل المثال — إلى قول الزوجة في الرباط المقدس لراهب الفكر: «إني أعرف نساء كثيرات، وعددًا لا يحصى من الزوجات، لا حديث لهن اليوم فيما بينهن إلا هذا النوع من المغامرات. إن الزمن قد تغيَّر، وأنت في عزلتك بين كتبك، لا تعرف ما يحدث في المجتمع. وأغلب مَن أعرف مِن الأسر والبيوت تجري فيها أشياء لا أدري ماذا تقول فيها، لو اطلعت عليها؟ ثق أنه من النادر الآن أن تجد الزوجة التي لا يكون لها — إلى جانب زوجها — صديق أو خليل، أو مجرد أنيس، ما دامت قد استطاعت أن تحصل عليه فهي لن تتردد، اطرح من حسابك تلك التي لا تستطيع! لقد أصبح اليوم مما يمس كرامة المرأة الجميلة أن يقال إنها عاطلة من المعجبين … إلخ».٣٧ وكانت ميرفت (أزهار) تجسيدًا لفتيات الطبقة الأرستقراطية، فهي لا تعود إلى البيت قبل الثانية صباحًا، «وغالبًا ما تكون مخمورة، وكانت شلتها تتألف من بعض الشبان الرقعاء، ولم يكن فؤاد — بطل الرواية — يجسر على أن يعتبر ابن رئيس الحكومة واحدًا منهم، وكانوا يمضون الوقت في رقص ولعب وورق وشرب، يتبادلون القبلات بغير حساب.»٣٨ وحين يقدِّم العمدة (الطريق المسدود) لفايزة سيجارة محشوَّة بالحشيش، تعتذر، فيقول الدكتور عوض: إزاي بأه؟ ده كل ستات مصر غاويينه! ويضيف: ده أنا جاني ديك النهار علي بك خيرت زي المجنون، بيدور على المدعوق ده، قلتله جرالك إيه يا علي بك؟ ما كنت بطَّلته! قاللي: مش علشاني يا سيدي، ده عشان الست.٣٩ وتسأل ميرفت صديقتها: كيف تسلِّمين نفسك من أول ليلة؟ تجيب: لأني لست امرأة من الطراز القديم، تلك التي كانت تحاول دائمًا أن تُوهِم الرجل أنها قاومت طويلًا حتى غُلبَت على إرادتها، لماذا هذا؟ أوَكُتِب على المرأة أن تلعب دائمًا دور مسلوبة الإرادة؟ لا يا عزيزتي ميرفت! هذا ليس خليقًا بامرأة تعيش في عصرنا! إن المرأة يجب أن تُفهِم الرجل أنها مساوية له، وأن الأمر بإرادتها هي أيضًا، وأنها تعطي عندما تريد هي أن تعطي، في الليلة الأولى، أو الليلة الأخيرة، سيَّان عندها ذلك ما دامت هي تريد، وتحس أنها تريد.»٤٠ وتضيف المرأة أنه من النادر الآن أن توجد الزوجة التي لا يكون لها — إلى جانب زوجها — صديق أو خليل، أو مجرد أنيس.٤١ ويصف الفنان مجتمع الطبقة الأعلى بأنه «يعترف بالزوج والعشيق.»٤٢ ويحدِّثنا الفنان (شيء في صدري) عن ذلك النوع من النساء اللائي يعتقدن أن أزواجهن لا يستطيعون أن يعتمدوا على أنفسهم، وأنهم في حاجة إلى مساعدتهن ليرتقوا في مناصبهم، فيقدمن — بلا سببٍ، وبلا مقدمات — ليعرضن أنفسهن على الرؤساء لقاء «درجة» أو «علاوة» تُمنَح للزوج الغافل. وهذا الصنف من النساء يهبن أجسادهن بعد أن يقنعن أنفسهن بأنهن يقدِمن على تضحية كبيرة في سبيل الزوج المسكين!٤٣

    إن على المرأة نفسها أن تجعل من الجنس بُعدًا تاليًا لتأكيد هُويتها ووضعها في المجتمعات الإنسانية. فتاة الإعلانات، والأداء التمثيلي المثير، والمشارِكات في مسابقات الجمال، وتقديم مشاهد العري (يعيبون على الشرق أسواق الرقيق!)، والأغنيات التي تخاطب أحطَّ ما في الغريزة الإنسانية … ذلك كله يضيف إلى كفة السلب بالنسبة للمرأة. وبتعبيرٍ محددٍ، فإن المرأة التي تضع نفسها في التصور الصحيح هي التي تتجاوز ما يمكن نسبته إلى المشهيات الحسية.

    من هنا، تأتي إدانة المغربية مليكة مستظرف، في مجموعتها القصصية ترانت سيس للأب/الرجل/الذكر، باعتباره العامل الأساس في الانحرافات، وفي المشكلات النفسية والاجتماعية التي تعانيها المرأة على المستويَين الشخصي والجمعي. وفي المقابل، فإن شخصية الأم/المرأة/الأنثى، تبدو شاحبة، ومغيَّبة. وحين كانت الراوية تحمل كراستها، وتتخيل أمها، كانت ترسم — دومًا — امرأة بلا ملامح.٤٤ وتذهب نوال السعداوي إلى أنه «كلما تحررت النساء، وحصلن على المساواة، انخفض عدد اللائي يمارسن الدعارة.»٤٥

    المرأة شعر وعين وأنف وفم ويدان ونهدان وقدمان ومشاعر حسية وعاطفية، وهي كذلك عقل يضع كلَّ ما تملكه في إطاره الصحيح.

    ولعلنا نجد في قصة فاطمة العلي فتاة وحيدة إدانة لنموذج المرأة التي تعتمد على إمكاناتها الجسدية، وليس على إمكاناتها الإبداعية، ولا الثقافية، ولا المهنية، لتحقيق ما تتطلَّع إليه من مكانة داخل المجتمع الذي تنتمي إليه، وهو — بالطبع — مجتمع عربي. بل إن النموذج الذي اختارته فاطمة يوسف العلي للمرأة الكاتبة في قصتها، مما يسهل نسبته إلى نماذج كثيرة، في أكثر من مجتمع عربي. وأزيد أن مما يضيق به هذا النموذج هو الجهارة التي تسِم تصرفاته وأقواله، انشغلت الفنانة بالمقولة، الدلالة، فأهملت بعض الأبعاد الفنية التي تجعل من النص الإبداعي نصًّا حقيقيًّا.
  • وتمثِّل الأمية كذلك عائقًا خطيرًا، يحُول دون أن تحصل المرأة على ما تريده من حقوق. فأكثر من ٥٢٪ من النساء العربيات يعانين مشكلة الأمية. ثمة رأي أن البنت — مهما تعلَّمت — فإنها لا بد أن تتزوج. ويتساءل عبد الجواد أفندي (يا مبارك) «ماذا ستستفيد سميرة من الجامعة؟ شهادة؟ وبعدها تشتغل مدرسة؟ لكنها ستتزوج في نهاية الأمر، فما فائدة هذا التعب كله؟ ليه اللف والدوران؟!»٤٦ ويرد الزوج — وهو أستاذ جامعي — على السؤال: زوجتك موظفة والَّا ست بيت؟ … يقول: «ست بيت، هذا أوفر وأحسن. لما أرجع من الشغل، وأجد الأكل ساخنًا، أحسن من أن أرجع متعبًا وأعمل الأكل لنفسي.»٤٧ ونستعيد — للأسف — رأي بيركليس بأن المرأة الصالحة هي التي لا تحاول التعلُّم، ورأى أرسطو بأن دور المرأة يجب أن يتحدد داخل البيت؛ بحيث تظل تحت سيطرة القانون المطلق لزوجها.
  • ومن الصعب إغفال دور السلفية غير المستنيرة، والتي لا تناقش، أو تستفسر، أو تطرح الأسئلة والتقويمات. ثمة مَن يرفض لمجرد الرفض. المرأة تابعة، ويجب أن تظل كذلك. البيت هو المجال الوحيد الذي ينبغي أن تلزمه المرأة! بل إن الشيخ ابن باز أعلن في يونيو ١٩٩٦م — لاحظ أني اخترت عنوانًا لهذا الفصل: عود على بدء — أن العمل بالنسبة للمرأة هو زنا، وأن إخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة، إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها، فالدعوة إلى نزول المرأة إلى الميادين التي تخص الرجال أمر خطير، أثاره الاختلاط الذي يُعتبَر من أعظم وسائل الزنا التي تفتك بالمجتمع، وتهدم قيمه وأخلاقه.٤٨

    الطريف أن المجتمع يحمِّل الزوجة/المرأة مسئولية الحفاظ على كيان الأسرة، على تماسكه واستمراره، بينما يهب الزوج/الرجل الحق في إلغاء هذا الكيان، لأسباب غير موضوعية — في الأغلب — وربما تتصل بمزاجه الشخصي، وإحساسه المفرط بالسيادة!

    الصورة النمطية لطموح الرجل هي سعيه لوظيفة جيدة، أما الصورة النمطية لطموح المرأة، فهي أن تجد زوجًا ملائمًا تنجب منه أبناء يضيفون إلى استقرار الأسرة وسعادتها. وتلخص الرواية السيقان الرفيعة للكذب علاقة الرجل والمرأة/الزوج والزوجة، بأنه على الرجل أن يعمل حسب الموروث الشعبي، يعول أسرته اقتصاديًّا، في حين تتولى المرأة تربية الأبناء وشئون البيت.٤٩ بل إن النجمة الأمريكية «كيت هدسن» تؤكد أن أهم شيء بالنسبة للمرأة هو أن تتذكر أن مكانها في البيت.٥٠ وتشير فاطمة يوسف العلي إلى إسهام المرأة السلبي من حيث المغالاة في التدين، أو التطرف الديني؛ ففي إطاره تقدم المرأة تنازلات كثيرة، بحيث يتهدد ما حصلت عليه المرأة من مكاسب في الماضي، وما تتطلع إليه في المستقبل، وتعيد العلاقة بينها وبين الرجل إلى ما كانت عليه العلاقة بين أحمد عبد الجواد وأمينة في مطالع القرن العشرين. وعندما يهتف رب الأسرة وهو يسبق ضيوفه في دخول البيت: يا ساتر، كما في مصر، أو «الطريق»، كما في الجزائر.٥١ فإن الهدف هو أن تختفي نساء البيت وراء الأبواب.
    تسأل الأخت (حكاية ريم الجميلة) أختها: لماذا تتحاملين على البنات؟ تجيب: لأن مجتمعنا مجتمع ذكور، المرأة لها حقوق على الورق فقط.٥٢ وكما تقول السورية هيام نويلاتي فإن «الرجل يأبى إلا أن يكون شرقيًّا، داخل البيت، تقدميًّا خارجه.»٥٣
  • وعلى الرغم من وعي المرأة بذاتها كامرأة، وبالخصائص العامة للزمان الحاضر، وهو ما يتبدَّى بالفعل في تحولات واضحة سريعة — على حد تعبير الفرنسية ميشال أومون — (ثمة من يرى أن حق المرأة في امتلاكها لجسدها، هو أكبر ثورة في العصر الحديث، يا ليل يا عين، مؤلفات يحيى حقي، هيئة الكتاب، ١٩٨٦م، ١٠٦) فإن الحضارة ما تزال — في عمومها — تتسم بميسم الرجولة، وغلبة الذكورة في شتى مجالات الحياة الإنسانية.٥٤ عقدة الذكورة تمثِّل عائقًا حقيقيًّا أمام حصول المرأة حتى على ما أقرَّته القوانين، كالترشيح في انتخابات المجالس التشريعية، فهي لا تحصل — لأنها امرأة بالطبع — على ما أتاحت لها القوانين أن تحصل عليه. والمثل نجده في حيلولة أصوات الرجال دون إفادة المرأة من دخول المجالس التشريعية، تصورًا أن دخول تلك المجالس يجب أن يقتصر على الرجال.
    أوافق هيام ضويحي في أنه ما زال الوقت مبكرًا للحديث عن مساواة تامة بين الرجال والنساء، وعن تلاشي المشكلات النسائية الخاصة المتبقية من المجتمع التقليدي.٥٥ وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات بأن الفرق اختفى بين البنت والولد في هذا العصر الذي يتساوى فيه الجنسان في التعليم، وفي العمل، فإني أوافق ميشال إدمون على ملاحظتها في التناول الإعلامي للمرأة. إنه ينطلق من نظرة الرجل، من النظرة الذكورية. الرجل هو الذي يحدد منزلتها، وبالتالي قيمتها المجتمعية «وكأن حياتها ومكانتها لا وجود لهما، ولا واقع ولا قيمة إلا بالنسبة لوجود الذكور.»٥٦
    إن إحالة المرأة العاملة إلى المعاش، يُعَد — على نحوٍ ما — تأكيدًا للمكاسب التي حققتها المرأة؛ فهي تحصل على المعاش نهاية لمدة خدمتها في العمل الذي كانت تشغله. وكان نزول المرأة إلى العمل من أهم المشكلات التي عانتها المرأة في سعيها إلى التحرر، والتحرر الاقتصادي بخاصة.٥٧ مع ذلك، ففي تقرير بريطاني أخير، ثبت أن التفرقة ضد النساء في العمل، وفرص الوظائف المهمة، ما زالت سائدة، رغم مرور ٣٠ عامًا على إقرار قانون يحظر مثل تلك الممارسات. وقال التقرير — الذي أصدرته «هيئة الفرص المتساوية» — هذا هو اسمها — إن المفاهيم التي ألغيت في الماضي بموجب القانون ما تزال سائدة في أماكن العمل. وأكد التقرير أن معظم الوظائف العليا في مجال الأعمال الحرة والقضاء والشرطة، يشغلها رجال، بينما لم تتغير النظرة العامة تجاه ترقية النساء. ودعت الهيئة إلى ضرورة مراجعة سياسات الأسرة، باعتبار أن ما يقع من ظلمٍ مهني على النساء، يشي بعقابٍ من المجتمع، لأنهن يلدن ويربين الأطفال.

    وعلى الرغم من حصول المرأة على بعض الحقوق/المكاسب في مجالات العمل الاجتماعي والسياسي، فإن الذكورية هي المسيطرة على المجتمعات العربية بعامة. إنها هي التي تحتل موقع القيادة، وموقع اتخاذ القرار. والثابت — رقميًّا — أن المرأة تمثِّل نحو ١٠٪ فقط في الهيئات المنتِجة على مستوى العالم. وقد كان طريفًا — ومؤلمًا — أن يُعقَد في العربية السعودية مؤتمر عن المرأة (١٢ / ٦ / ٢٠٠٤م) يناقش حقوقها وواجباتها، وتقتصر المشاركة فيه على الرجال، هم الذين يقدمون الأبحاث والمداخلات، بينما المرأة تجلس — منقبة، أو محجبة — في مقاعد الجمهور.

    والملاحظ أن المعارك التي تواجهها المرأة، لقاء الإصرار على ارتداء النقاب — أو الحجاب — ليست معاركها، ليست معارك المرأة، إنما هي معركة الرجل الذي ابتعد عن القضايا الحقيقية التي يعاني العالم الإسلامي تأثيراتها، وفي مقدمتها: غياب الديمقراطية، وزيادة أعداد الأميِّين، وفقدان الحرية، وديكتاتورية الأنظمة، والتخلف، وانشغل بقضية نقاب المرأة، أو حجابها. اعتبر ارتداءها للنقاب قضيته الشخصية، معركته التي يخوضها بالنيابة عن المرأة، دون أن توكِّله المرأة في ذلك. تمامًا كالزيجة التي يفرضها الأب على ابنته لمجرد أنه العائل والمسيطر، دون أن يعنى بالقاعدة الدينية التي تنص على سؤال الفتاة — قبل أن يقرأ المأذون الصيغة الشرعية — في قبولها الزواج ممن تقدَّم إليها!

    وإذا كانت القوانين قد أعطت المرأة حقوقها السياسية في العديد من البلدان العربية، ومنها حق الترشيح للانتخابات العامة، فإن المشكلة التي تجهض فعالية تلك الحقوق، هي حرص الرجال على أن يحجبوا أصواتهم عن المرشحات من النساء، ليقينٍ بأن المرأة لا تصلح للعمل السياسي، وتتحوَّل مواد القانون — بالتالي — إلى مجرد شعارات لا قيمة لها. الحد الأقصى لنسبة تمثيل المرأة في البرلمان في البحرين ١٥٪، وفي لبنان ٢٫٣٪، وفي سورية ١٢٪، وفي اليمن ١١٫٥٪، وفي المغرب ١٠٫٨٪، وفي السودان ٩٫٧٪، وفي الجزائر ٦٫٢٪، وفي فلسطين ٥٫٦٪، وفي الأردن ٥٫٥٪، وفي موريتانيا ٣٫٧٪، وفي مصر ٢٫٤٪، وفي سلطنة عمان ٢٫٤٪.٥٨ وإذا كانت جيبوتي هي أول بلد عربي منح المرأة حقَّ العمل في عام ١٩٤٦م، فإن الغرابة تشحب، أو تزول، حين نلاحظ أن المرأة الجيبوتية لم تحصل على حق التصويت في الانتخابات إلا بعد أربعين عامًا!
    إيزابيل الليندي تصف الرجال بأنهم يملكون السلطة الاقتصادية والسياسية، تنتقل من واحدٍ إلى آخر، مثل سباق التتابع، بينما تظل النساء — ما عدا استثناءات قليلة — مهمَّشات.٥٩ لذلك فقد ظلَّ رأي نبيلة (المعدول والمقلوب) أن الرجل ما زال هو المهيمن على المرأة، وما زال هو الأقوى في المجتمع، وهمست يومًا: حقيقة أود أن أصير رجلًا؛ أسيطر.٦٠ ولا يخلو من دلالة كلمات الإهداء التي قدم بها أحمد رضا حوحو روايته غادة أم القرى: «إلى تلك المخلوقة البائسة المهمَلة في هذا الوجود، إلى المرأة الجزائرية، أقدِّم هذه القصة، تعزية وسلوى.» ولعل أخطر ما تفرزه الثقافة الذكورية في المجتمع، هو عرقلة — وربما إيقاف — ما يتطلع إليه المجتمع من تقدم، وهو تقدم لا بد أن يتحقق، فبديله مصير الهنود الحمر!

    ومن المهم أن نشير إلى الإعلان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٧ نوفمبر ١٩٦٧م، بالقضاء على التمييز ضد المرأة، والذي تقول ديباجته «إن الجمعية العامة يقلقها استمرار وجود قدرٍ كبيرٍ من التمييز ضد المرأة رغم ميثاق الأمم المتحدة؛ وإذ ترى أن التمييز ضد المرأة يتنافى مع كرامة الإنسان، وخير الأسرة والمجتمع، ويحُول دون اشتراك المرأة — على قدم المساواة — مع الرجل في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويمثِّل عقبة تعترض الإنماء لطاقات المرأة في خدمة بلدها، وفي خدمة الإنسانية.»

  • لعلي أميل إلى إهمال قضايا مخترَعة، مثل «تفكير الرجل الأكثر علمية عن تفكير المرأة»، أو «تفوق قدرة المرأة على الدراسات طويلة المدى»، أو أن «المرأة غير قادرة على العمل الخلَّاق»، أو «أن المرأة كائن يعجز عن استخدام قدراته البدنية وقواه الذهنية بالكفاءة نفسها التي يستخدمها الرجل»، وغيرها من القضايا التي تُعَد من قبيل المنافرة أكثر من أن تطرح قضايا حقيقية، تفيد الحياة الإنسانية من مناقشاتها، وما تفرزه من حلول.

    المرأة غير مهيَّأة للعلم، ذلك هو رأي آي آي رابي I. I. Rabi الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، لأن جهازها العصبي معطوب — على حد تعبيره. يضيف العالم الأمريكي «إن المرأة قد تشق طريقها في العلم، قد تنجز قدرًا طيبًا، لكنها لن تنجز أبدًا علمًا عظيمًا.»٦١ نسي عالم الفيزياء — أو تناسى — على سبيل المثال، قائمة العالِمات الحاصلات على جوائز نوبل: ماري كوري، إيرين جوليو كوري، ماريا جوبيرت ماير، جري كري، دوروثي هودكين، روزالين يالو، بربارة ماك كلينتولد، ريتا ليفي مونتالسيني، جترود إليون.٦٢ حقق هؤلاء النسوة إنجازات مهمة في مجالات العلوم، أتاحت لهن الحصول على الجائزة العالمية، دون أن يفقدن — أو أن هذا ما أتصوره! — شيئًا من الأنوثة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أكد جي كاس سيمون وباتريشيا فارتز في كتابهما «نساء العلم … تصويب السجلات» أن مخ المرأة واسع بما يكفي لممارسة العلم، وأن «التعليم لا ينال من خصوبة المرأة.»٦٣ وفي روايات التاريخ أن صناعة الكيمياء كانت — في بداياتها — مقصورة على المرأة، أو أنها كانت تمارس فيها النشاط الأوفر. ثمة العديد من النساء، أشهرهن المسماة كليوباترا، وكتاب الكيمياء الذي ألَّفته باسم «صناعة الذهب». ولعله يجدر بي أن أشير إلى أن «القول بعدم مناسبة المرأة لعملٍ أو وظيفة معينة، يؤدي — في نهاية المطاف — إلى حرمان المرأة من التطور والارتقاء، من خلال الخبرة العملية، صانعة الوجود الإنساني.»٦٤
  • إن مراكز مثل «لا للعنف ضد المرأة» تعني أن المرأة ما تزال هي المخلوق الضعيف، والذي قد يواجه الإيذاء البدني في كل لحظة، بحيث يصبح من الضروري إنشاء مراكز ضد العنف مع المرأة. الميزانية الأمريكية تنفق بما بين خمسة وعشرة مليارات كل عام على علاج ضحايا العنف الزوجي؛ ذلك لأن ما يقرب من ٣٣٪ من الأمريكيات يتعرَّضن للعنف البدني والجنسي من الأزواج والأصدقاء. وتقول الإحصاءات إن أكثر من مليونَي زوجة يتعرضن للإيذاء البدني على يد زوجها في فرنسا كل عام، مع ذلك، فإن شكوى الزوجات من الأزواج تكاد تكون معدومة. وفي إسبانيا تُسجَّل — رسميًّا — ٦٠٠ ألف حالة عنفٍ ضد النساء، والأمثلة كثيرة، لكن الزوجات يواصلن حياتهن الأسرية دون شكوى.٦٥ إلى جانب ذلك، فإن حوالي ١٣ ألف امرأة، يلقين حتفهن سنويًّا في روسيا على أيدي الأزواج!
    في تقدير الزوجات اللائي يتعرضن للإيذاء البدني من أزواجهن، أن تقديم شكوى ضد الأزواج، يعني التنقُّل بين أقسام الشرطة، ومكاتب المحامين، وقاعات المحاكم، وهو ما لا يعوِّض «الستر» الذي توفره الحياة مع زوج داخل شقة، داخل «سكن». وتورد الحياة اللندنية شهادة امرأة مغربية تتعرض للضرب — يوميًّا — على يدي زوجها: «الحياة مقادير، ولقد قدَّر عليَّ الله — سبحانه — هذه الحياة، وأنا راضية بقسمته، فأنا أم لأربعة أطفال، وزوجي ليس شريرًا في العمق؛ إنه إنسان متهور، وإدمانه على الكحول يزيد من تهوره، لكنه في الواقع يوفر لنا كل شيء، ويحبني ويحب أطفاله بشكلٍ جنوني. وحينما يكون مزاجه في حالة جيدة، نناقش هذه الأمور، وهو واعٍ بأن عليه أن يغيِّر سلوكه، ويطلب مني أن أبذل مجهودًا أنا الأخرى لأساعده على الإقلاع عن هذه العادة السيئة. وكل ما أرجوه هو أن نجد حلًّا لهذا الوضع قريبًا، لأن أطفالي بدءوا يكبرون، ولا أريد أن أبقى عرضة للصفعات الطائشة أمامهم، بمناسبة أو بدونها.»٦٦ الغريب — كما تشير جاذبية صدقي — أن بعض نساء الطبقات الشعبية — لا يجد في عنف الرجل ما يحض على الاعتراض أو المؤاخذة: ثار رجل لرؤية آخر يضرب امرأة، دفعه من فوقها، وضربه. فاجأته المرأة بالقول: «وحش أنت؟! ما لك وما له؟ إلهي يهد حيلك يا شيخ» … «وأشبعتني ضربًا وعضًّا، وأنا ألف حول نفسي، وهي متعلقة بي كالليثة حتى برد غليلها، فدفعتني عنها، وارتمت على الرجل المُلقى على الأرض، توسد رأسه صدرها، وتقبِّل وجهه، وشعره، وذراعيه، وقدميه، ولم يبق إلا أن تلعق جراحه.»٦٧ وتنقل نوال السعداوي عن السجينة السياسية المنتمية إلى جماعة دينية: «المرأة أقرب إلى الشيطان من الرجل، وعن طريق حواء استطاع إبليس أن يصل إلى آدم، المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج، ولا تستقيم إلا بالضرب الموجع.»٦٨ وفي المقابل، تقول المرأة للرجل (ظل الحجرة) إنه محظوظ لأنه خُلِق ذكرًا، وتضيف أن الذكور ليسوا أحباب الله لأنهم يضربون الزوجات، ويعاملونهن أسوأ معاملة، وإنهم صائرون إلى الجحيم، لولا شفاعة الأمهات.٦٩

•••

الأثر الهائل للمرأة في المجتمع — في تقدير روسو — مستمد من سيطرتها الجنسية على الرجل. الجنس — في العديد من الكتابات القصصية التي يكتبها الرجل — هو المسيطر على تفكير المرأة، والمحرك الأساس لتصرفاتها الشخصية (فرويد ونظرياته!). المَثَل نجده في قصة الأرصفة المهجورة للكويتي محمد مسعود العجمي. جرَّتها التصورات المحمومة (كانت عانسًا!) إلى غرفة سائق أسرتها، وفوجئت بأن ابنة خالتها سبقتها إلى فراش السائق.٧٠ وإذا كانت حميدة (زقاق المدق) عاهرة بالسليقة، فإن فرج القواد كان هو العين الصاحية التي فطنت إلى العهر داخل حميدة، وكشفه لنا، ولها. وقد اكتفى صاحب المكتبة في قصة محمود البدوي مكتبة في الممر — لكي يزيد من عدد زبائنه — بأن يُجلِس ماريا ذات الساقين الفاتنتين في مدخل المحل، حتى يقف المارة أمامها، ثم يدخلون المكتبة، ويشترون!٧١ وثمة من كان يرى المرأة من ضخمت حتى اكتظت أعضاؤها بالشحم واللحم، ويشبهها بالوسائد أو بالحشايا.٧٢ وجمال المرأة — في تقدير العامة — هو «الوجه زي البدر التمام، والحواجب سيف سليمان، والعيون زي الفنجان، والمناخير زي النبقة، والفم خاتم سليمان، والرقبة رقبة غزلان، والصدر بلاط حمام.» وكان أول ما لفت نظر حسنين لبهية (بداية ونهاية) ردفاها اللطيفان، وساقاها، وباطن ركبتيها عندما انحسر عنها الفستان، ساقان مدملجتان يكسوهما بياض ضاحك، تكاد العين تحس طراوتهما.٧٣ وتصدُّه بهية، فيقول لها: إنك تتكلمين بقسوة، شأن من لم يذُق قلبه الحب. تقول: إني أنكر الحب الذي تريد، وإنك تسيء فهمي عمدًا، يقول: ولكن الحب واحد لا يتجزأ.٧٤ وعمومًا، فإن عاطفة الحب في أعمال نجيب محفوظ لا تأخذ شكلًا متكاملًا بتكامل الروح والجسد، والعقل والقلب، في تحقيق السعادة للإنسان. المحب عنده واحد من اثنين: إما كمال عبد الجواد (قصر الشوق) الذي يتصوَّف في حبه العذري بصورة تجعلنا نحس برفيف أجنحة الملائكة من حولنا، وإما ياسين عبد الجواد (بين القصرين) الذي لا يعرف من الحب إلا أنه شهوة بهيمية لا تجد فرقًا بين العشق والزواج. كان يشغله الجنس في ذاته، لا يفرق بين سيدة محترمة أو بائعة فقيرة، لأن العفريت الذي ركبه كان مولعًا بالنساء كافة.٧٥ وكان الحب عنده شهوة عمياء، أو شهوة مبصرة «وهي أسمى ما عرف من ألوانه.»٧٦ وكان رأي محجوب عبد الدايم (القاهرة الجديدة) أن المرأة هي صمام الأمن في خزان البخار.٧٧ لم يكن يرى في أية امرأة إلا صدرًا وعجزًا وساقين. وكانت إحدى هذه المفاتن كافية لإطلاق شرارة كهربائية في صدره.٧٨ وعلى الرغم من تعاطف محجوب مع مأساة إحسان شحاتة — وهي لحظة نادرة في تكوينه النفسي — فإنه حين دقق النظر في المرأة، اكتفى بالنظرة الحسية الجائعة، جرى على الجيد، فالمنكب، فالثدي الناهد، ثم الخاصرة الخميصة، وأخيرًا الفخذ الملفوفة.٧٩ أسقط — في نفسه — كل الاعتبارات، وذكر أنه سيستمتع بهذا الجسد الفاتن هذه الليلة.٨٠ ولم تتغيَّر النظرة إلى المرأة الجسد كثيرًا، أو أنها لم تتغيَّر على أي نحو، بعد أن أصبحت النحافة هي الموضة عند الكثيرات، وخاصة أبناء البورجوازية الصغرى والكبرى، فضلًا عن طبقة الأرستقراطيين. لم تعد تلك القضية بالذات مما يشغل عائشة (قصر الشوق) التي قالت في بساطة: لم تعد السمانة موضة العصر، وأردفت — حتى لا تضايق خديجة — بأن النحافة — على الأقل — موضة كذلك عند كثيرات!٨١ وتتحدث عائشة عن ابنتها نعيمة: «أريد لها العافية لا السمانة، السمانة من العيوب، خاصة في البنات، أمها كانت زين أيامها، ولم تكن سمينة.»٨٢ وكان السبب المباشر في فشل خطبة حسنين (بداية ونهاية) أنها كانت ممتلئة الجسد، بينما الرشاقة هي الموضة! ولم يعد حسنين يملك أن يصحبها إلى حيث الأعين الناقدة، ومن ثَم فقد بدأ حبه لها (كانت شهوة بهيمية في الحقيقة) يفتر شيئًا فشيئًا، حتى هجرها في النهاية. لكن السمانة لم تفقد — بالطبع — محبيها. تقول زنوبة لياسين (١٩٢٥م): «إني أنصح من يروم لقاك أن ينقب في التربيعة عن أضخم امرأة، وأنا كفيلة بأنه سيجدك وراءها لابدًا كما تلبد القرضة في الكلب.»٨٣ وبالطبع، فإن تلك كانت — ولا تزال إلى حدٍّ كبيرٍ — هي نظرة الرجل في الريف لجمال المرأة، بل هي نظرة الرجل إلى جمال المرأة في المدينة أيضًا، ذلك ما نتعرَّف عليه في بداية ونهاية.٨٤ وفي عائشة بين القصرين الرجل يعتبر البياض والامتلاء من صفات الجمال؛ البياض دلالة على عدم خروجها من البيت، أي يسر حالها، والامتلاء دلالة على العز والثراء وعدم الحاجة إلى العمل.

•••

المفروض أن الحب هو النافذة التي يطل منها الحبيبان على حياتهما الجديدة، لكن الحب — في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات — كان هو الباب الأهم المغلق الذي يحُول بين العاشقين، حتى وإن كانا يمتَّان لبعضهما من قبل بصلة قرابة أو صداقة، ذلك ما أحسَّت به شوشو.٨٥ وكانت لقاءات بطلَي رواية ثروت أباظة قصر على النيل، هي السبب المباشر لأن يتخلى الشاب عن التفكير في التقدم لخطبة فتاته. ويروي إحسان عبد القدوس (أنا حرة) أن العائلات الكبيرة في العباسية كلها، لم يحدث بينها — حتى أواخر الثلاثينيات — إلا واقعة حب واحدة، انتهت بالزواج، بعد أن اضطرت الفتاة إلى الهرب مع الشاب، وماتت الأم خوفًا من الفضيحة!٨٦ تقول المرأة (التحديق في الذاكرة) «في شرقنا، يعيش الحب في الظلام.»٨٧ وفي تقدير نجيب محفوظ، فإن حب زماننا الحالي لا يكاد يتجاوز الشهوة، فهو إما شهوة، أو شهوة زائد حنان، وشيء من المودة.٨٨ أما توفيق الحكيم فهو يرى أن «الحب الرفيع مجهول، لا عند نساء الريف وحدهن، بل عند نساء المدن المعلمات أيضًا، لأن روح الجواري البيض كامنًا ما زال في هؤلاء وأولئك على السواء.»٨٩ يضيف الفنان: «باعتباري روائيًّا لا أستطيع أن أتصور حوارًا رائعًا بين مصرية ورجل تحبه. لو وُجِد الاثنان في حديقة مقمرة، ماذا يقولان؟!»٩٠ ومواقف أبطال أمين يوسف غراب من الحياة تكاد تتركز في عبارات محددة، هي البحث عن متعة الجسد، عن اللذة الحسية التي لا يمنعها من الانطلاق أي عائق مادي أو اجتماعي. وتقول سناء (الباب المفتوح) «والله احنا مصيبتنا سودة، على الأقل أمهاتنا كانوا فاهمين وضعهم، أما احنا، احنا ضايعين، لا احنا فاهمين إذا كنا حريم ولا مش حريم. إن كان الحب حرام ولَّا حلال. أهلنا بيقولوا حرام، وراديو الحكومة طول الليل والنهار بيغني للحب، والكتب بتقول للبنت: روحي انت حرة، وإن صدَّقت البنت تبقى مصيبة، تبقى سمعتها زفت وهباب، بالذمة دا وضع؟ بالذمة احنا مش غلابة؟!»٩١
التعبير المتوارث يتحدث عن الرجل «زئر النساء»،٩٢ لكن من المستحيل أن ينسحب التعبير على المرأة، فلا توجد امرأة «زئر رجال»! أذكِّرك بمقولة هشام شرابي عن «المجتمع — التسمية مطلقة — الذي لا يعرف كيف يعرف ذاته إلا بصيغته الذكورية وصِفتها.»٩٣ ولعلنا ننسب إلى الأخطاء السخيفة قول ناظم حكمت لزوجته في سجنه: كانت كلماتك رجالًا! ماذا تعني الرجولة هنا؟ لماذا الرجل هو الذي يقول كلمات تستحق الإشادة؟ والمَثَل يقول «ما يجيبها إلَّا رجالها.» لماذا لا يحدث العكس؟ لماذا لا تكون المرأة؟ ونحن نكني الأب أو الأم باسم الولد، الذكر، فهو — وهي — أبو وأم فلان وليس فلانة، بصرف النظر عن ترتيب الولد الذكر في قائمة الأبناء. والثرثرة العقيمة «كلام نسوان»، ويقال «الست دي بألف راجل». والكلام الصحيح «كلام رجالة» (يقول حسن لأمه في رواية رضوى عاشور ثلاثية غرناطة: «لقد قرأنا الفاتحة يا أمي، وما بيننا كان حديث رجال!») والراوي في رواية عائلة بسكوال دوارتي يجد أن الرجل الحقيقي لا يمكن أن يترك لنفسه العنان كي ينفجر في البكاء، مثل أية امرأة!٩٤ وربما عاب الرجل على آخر أنه «رباية مَرة»، بمعنى أن الذي ربَّته امرأة تأتي تربيته هشة، يغيب عنها النضج. ويصف العم في الأخت لأب ابن شقيقته بأنه لن يكون رجلًا أبدًا، وأنه لا يخرج من حجر الأم رجل أبدًا.٩٥ ولا يخلو من دلالة قول الابن لأمه التي أبدت خشيتها من أن يفضي به نشاطه السياسي إلى السجن: «ما شاء الله، كنت أظن أن لي أمًّا من الرجال، كنت أتصور أني إذا ذهبت إلى السجن، أذهب وأنا واثق، وأنا مطمئن، لا دموع ولا صراخ، وأنت الآن — وقبل أن أسجن — تهددين، تريدين أن تجعلي مني امرأة؟ أن أتحوَّل إلى رجل مخصي؟!»٩٦ وفي القصة النيجيرية المغامر للحاج محمدو بللو يقول الرجل «إن بعض الرجال لا يساوون النساء!»٩٧ ونحن نهدد خصمنا بأننا «حا نلبسه طرحة»، والطرحة — كما تعلم — تحيط بها المرأة رأسها، كما أننا نلقي في وجه خصمنا عبارة «يا ابن المَرة»! وكانت وسيلة الضابط عثمان الجلالي (الخوف) لإذلال الفتوة، مطالبته أن يقول — على مسمع من الناس — أنا مَرة!٩٨ وحين يتعرض سجين للتعذيب، فإن أشد ما يحرص عليه — وقد يقضي نحبه نتيجة لذلك! — هو ألَّا يقول ما يطالبه به المكلَّف بتعذيبه: أنا مَرة! ويقول الرجل في قصة عادل كامل ضباب ورماد: «المرأة لا تستطيع إلا أن تكون قطرة من زئبق، تتخذ كلَّ شكل ولا شكل لها، وتسعى إلى كل غرض، من غير أن يكون لها غرض.»٩٩ والأمثلة كثيرة، وجميعها تصبُّ في رفع مكانة الرجل، مقابلًا للتقليل من مكانة المرأة. وحين يطَّرد استعمال كلمات وعبارات توحي — ولو دون قصد — بأن النساء أدنى مرتبة من الرجال، فإن ذلك يؤدي لأن يصبح الافتراض جزءًا من تركيبة الذهن.١٠٠ وبالطبع فإنه إذا كان وصف الرجل بأنه امرأة يحمل إهانة بالغة، فإن وصف المرأة بأنها رجل لا يحمل الإهانة نفسها، بل إنه ينطوي على تقديرٍ وإعزازٍ.
ويفرض المجتمع الذكوري إرادته في إصرار الزوج — الذي تكرَّر إنجاب زوجته للبنات — أن تلِد له الذكور «رغم محاولاتها المتكررة في إقناعه بأن الإنجاب رزق من عند الله، ورغم ما أعلنه الأطباء أن عملية إنجاب الذكر أو الأنثى بيد الرجل وحده.»١٠١
في قصتي أبناء السيد الصافيتنفيذًا لوصيتهيبحثون عن الأخوات تحدثت عن الكيان الواحد الذي شطره الإله في بدء الخليقة، وجعل كلَّ شطرٍ منهما يبحث عن الآخر، حتى إذا التقى به، جرى بينهما ما نسميه بالحب.
الأنوثة هي المقابل للذكورة، وهما يشكِّلان تكاملًا إنسانيًّا، بداية من تكوين الأسرة، وانتهاء ببذل النفس دفاعًا عن حرية الوطن، مرورًا بالكثير من القسمات والملامح التي تشكِّل مجتمعًا ما، بلدًا ما، من خلال الإسهامات المتكافئة لكلٍّ من المرأة والرجل. أذكِّر بقول الطهطاوي: «فليكن هذا الوطن مكان سعادتنا أجمعين، نبنيه بالفكر والحرية والمصنع.» المطالبة بحقوق المرأة يجب أن تتوازى مع حقوق الإنسان في الوطن. للمجتمع مشكلاته التي تنعكس تأثيراتها على الجنسين. أعجبني القول: «إن تحرير المرأة ما هو إلا الوجه الآخر من تحرير الرجل؛ فبقدر ما تتحرر المرأة من عبوديتها للرجل، بقدر ما يتحرر الإنسان في كليهما، فتحرير المرأة إنما هو تحرير الإنسان من أجل الإنسان.»١٠٢ أذكر قول الرجل في رواية الجزائري عبد الله خمار جرس الدخول إلى الحصة: «لا بد أن تواكب المرأة تقدُّم الرجل لنخرج من التخلف، وأن تهتم بكل المجالات ليرتفع الماء في كل الأواني في الوقت نفسه، فالاهتمام بمجال العلم وحده، أو الأدب، أو الفن والرياضة، دون غيرها، لا يجدي نفعًا حسب قانون الأواني المستطرقة.»١٠٣ وتقول آمال (بيت الطالبات): «الأنوثة مش معناها ضعف أبدًا، جنسها لا يمكن يقف عقبة في طريقها، في حقيقة وجودها كإنسانة.»١٠٤ المرأة تحرص على أنوثتها لأنها ليست رجلًا، وعناية المرأة بأنوثتها تختلف عن عناية الرجل بمظهره الذكوري بعامة، كإطلاق اللحية، أو العناية بالشارب، وعدم استخدام مستحضرات التجميل.

القضية الأكثر جدوى هي: كيف يتعاون الجنسان، يتزاملان، في محاولات الإضافة والتطوير. التنافس الصواب هو تنافس المشاركة والهدف الواحد، وليس تنافس الضد والأهداف المتباينة. الأنوثة حقيقة، مثلما أن الذكورة حقيقة، والأنثى/المرأة، والذكر/الرجل — في تكامل دوريهما — حقيقة كذلك. المعادلة الخطأ هي أن المرأة مكمِّلة للرجل، بينما المعادلة الصواب أن المرأة والرجل يكمِّلان ما يُسمَّى «الجنس البشري». حتى ميكانيكية العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة طرفاها هما المرأة والرجل، ولا يمكن أن تجري من خلال طرف واحد، مثل الكهرباء التي تعتمد على سالب وموجب، يُحدِث تماسهما الإضاءة! المرأة ترى نفسها في أعين الآخرين. هم يرونها أنثى، جسدًا، الطرف المقابل — السلبي — في العلاقة الميكانيكية بين الرجل والمرأة. زرت عروسَين من أقاربي صباح زفافهما. قال الشاب وهو ينفض يديه كمن أدَّى مهمة: قمت بواجبي! هذا هو فهمه لمعنى العلاقة الجسدية بين الزوجين، مجرد أداء واجب!

من الخطأ تصور أن العلاقة الحسية بين الرجل والمرأة هي علاقة بين موجب وسالب، فالناحية الإيجابية في المرأة مما يصعب إغفاله. إن سلوكها الإيجابي في العلاقة الجسدية قد يضعها — بالنسبة للرجل — في دائرة الفتشية. وإذا كانت الجرأة قد دفعت البنت في قصة يوسف إدريس «محطة» إلى الحصول على موعدٍ من الشاب الذي التقته في الأوتوبيس للمرة الأولى، فإن البنت في قصة صفاء عبد المنعم «فقط هناك غيوم» تقول لفتاها: «هل تغضب لو طلبت منك قبلة؟»١٠٥ ولم يعد مما يثير الالتفات — على أي نحو — تمني الفتاة — في عمل أدبي — أن تنام على ظهرها داخل قارب، تمارس علاقة جسدية، طرفها الآخر شاب جميل، قوي.١٠٦ تقول «أجنس» في رواية الخلود لميلان كونديرا إن المرأة تقضي وقتًا في الحديث عن مشكلات جسدها، فطبيعتها هي ألَّا تنسى جسدها وتهمله.١٠٧ قد يفضِّل الرجل امرأة على أخرى لا لجمالها فحسب، وربما ليس لجمالها إطلاقًا، وإنما بقدر ما تهبه من ثراء في علاقتهما الجنسية. المثل الذي يحضرني، تفضيل الأمير شارل ولي العهد البريطاني لسيدة متزوجة تكبره سنًّا، على ديانا زوجته التي تفوقها جمالًا، أثق أن البواعث جسدية تمامًا!
الحب — كما تقول سامية الساعاتي — جزء أساسي من هوية الإنسان، وبدون الجسد لا يكون الإنسان على ما هو عليه، وقد لا يكون على الإطلاق. لكن حب الرجل الحقيقي للمرأة — والعكس، بالطبع، صحيح — هو الذي يشغله كسب صداقة المرأة الدائمة، وليس امتلاك جسدها! يجب ألا تتحوَّل المرأة إلى مجرد أداة لمتعة الرجل، يحيلها — من ثَم — إلى أنثى فقط، محبِّة وطائعة،١٠٨ ولا هي لتزويد المجتمع بالسكان، يقتصر دورها على ما تملكه من خصائص بيولوجية. إنها ليست مجرد الرغبة، والإثارة، والجمال الحسي، والشهوات، ومصدر الخلافات والفضائح، والاضطرابات الاجتماعية والدينية. يقول الرجل في قصة التركية زينات سليم أوغلو عشق محمود الفسفس: «على الرجل والمرأة أن يحترم كل منهما الآخر، وعلى كل منهما ألا يجرح شعور الآخر، نحن هكذا تعلَّمنا الحب.»١٠٩ وفي قصة إقبال بركة «حادثة اغتصاب» تخلط العروس — في ليلة زفافها — بين الحلم والواقع، بين العلاقة الزوجية والاغتصاب.١١٠ وهذا الخلط مبعثه — في تصوري — أن العروس تزوجت مَن فرضه عليها الأهل، ولم يكن لها دخل في اختياره. وكان الكذب هو مأساة المحامية فاطمة (المستحيل). كانت تداري ضعفها بالكذب، وتداري جوعها الجنسي بالكذب. كان الحب في أعماقها — وإن حاولت المداراة — هو الجنس: «الحب في الواقع هو العذر الذي نلجأ إليه لنقضي وقتًا طيبًا، في الفراش، إنه الكلمات المشهية التي نقولها لبعض، لنقبل على الأكل بنفسٍ مفتوحة، ونصنع لأنفسنا جوًّا من الحماس ننسى به الوقت.»١١١ وكان ذلك الشيء غير الحقيقي هو الذي جعل حلمي ينفر منها.١١٢ ويقول لها حلمي، في نهاية رحلة العمر: «أنت أسوأ دعاية لآرائك، فمن الواضح أنكِ لم تستطيعي أن تبلغي بهذه الآراء أي راحة أو سعادة. وهذا أنت بعد ثلاثين سنة وحيدة، لا رجل، ولا زوج، ولا ولد، ولا بيت، ولا حتى صديق، وحيدة مريضة في فندق مهجور، وفي بلدٍ لا تعرفين فيه أحدًا. هل هناك فشل أكثر من هذا لك ولآرائك؟! هل يمكن أن يعاقَب إنسان على آثامه بأكثر من هذا؟!»١١٣ من هنا كان اعتراف فاطمة، بعد فوات الأوان: «أنا لم أكن أبدًا قوية، أنا كنت دائمًا أقتل نفسي، طول عمري وأنا أقتل نفسي، لم أجد أحدًا ينقذني!»١١٤ والحق أننا لا ندري: هل كان رأي فاطمة حقيقيًّا، أو أنه كان رأي المؤلف بأن كل ما أصبحت تريده — نهاية لرحلة التمرد — رجلًا تحبه ويحبها!١١٥

•••

شغلت المرأة العربية وظائف قيادية مهمة، وحققت مكانة متفوقة، مع ذلك، فإن وضع المرأة يُطرَح للنقاش باعتباره قضية تطرح الحل!

يتساءل الراوي في رواية لورنس الثعلب: «أي هدف غير السعادة يدور في مخيِّلة المرأة؟» ويجيب: «ليس أكثر من تحقيق السعادة لنفسها، وللعالم كله، ذلك وحده، ولا شيء غيره، وبذلك تضطلع بالمسئولية، وتمضي قُدُمًا إلى هدفها.»١١٦

إذا أردنا أن نطرح للمناقشة ما نسميه قضايا المرأة، بمعنى الحصول على حقوق لها من مجتمعات تَدين بالذكورية — أو هذا هو المتصور! — فإن الطرح ينبغي أن يتم في إطار التقابل، وليس التضاد.

ثمة مَن يدعو إلى عدم مناقشة النساء، باعتبارهن مواطنات يشكِّلن مجموعة لها خصوصية، انطلاقًا من أن الرجال والنساء قد تساوت حقوقهم — وواجباتهم بالتالي — في ظل القانون.١١٧ وفي أقل تقدير، فإن قضية المرأة يجب أن تُعدَّل، لتصبح قضية المواطن، لا فارق بين رجلٍ وامرأة، ولا بين فئة ما وأخرى. أبعاد قضية المواطنة هي المساواة والحرية والعدل والديمقراطية، وغيرها من المسميات. وإذا كانت طبيعة المرأة تختلف — بدرجة وبأخرى — عن طبيعة الرجل، فإن ذلك الاختلاف — بصرف النظر عن ضيقه أو اتساعه — لا يؤثر على مساواة الجنسَين فيما لهما من حقوق، وما عليهما من واجبات، إزاء المجتمع الذي يتشاركان في صنعه. نستعيد قول مي زيادة — في مطالع القرن العشرين — عن الأب والأخ والصديق الذي «نريد له خيرًا، ونجتهد في تأييد دولته، بشرط أن ينصب عرشنا بقرب عرشه، وأن نقف إلى جنبه وقفة المثيل بجوار المثيل.»١١٨
المرأة تصبح الكائن الذي تنشده — وننشده — عندما تتحوَّل من الجسد المجرد، الجسد الذي يلبي رغبات الرجل ويحقق له المتعة، إلى المرأة ذات الجسد، تمامًا مثل الرجل ذي الجسد، أي يصبح الجسد بُعدًا إنسانيًّا بكل ما تنطوي عليه العبارة من دلالات. القضية يجب أن يعاد طرحها لتصبح تحرير الإنسان بعامة من القهر والاستبداد، والرجل والمرأة — بالطبع — هما طرفا الوجود الإنساني. أخالف الرأي بأن الزوج للإنتاج، والزوجة للإنجاب. يتشارك المرأة والرجل في الإنتاج والإنجاب، لا فواصل صارمة، وإنما مساواة حقيقية بين طرفَي الوجود الإنساني، ولعلِّي أميل إلى مقولة السياسي المغربي علال الفاسي «يجب أن تتمتع المرأة بما يتمتع به الرجل من حقوق، وأن تقوم بما يقوم به الرجل من واجبات.»١١٩ المرأة في الجسد يجب أن تظل إنسانًا، الإنسانية تلغي الثنائية الجنسية (لا أميل إلى تعبير الجنسوية وغيره من منحوتات التعبيرات المغاربية!). لم يعد واردًا «ذلك السحر الذي يكمن في ضعف النساء.» ذلك ما قاله هاري في رواية أوسكار وايلد صورة دوريان جراي. لم يعد من المستغرب كذلك قول الراوية في قصة سهير القلماوي لقاء مع بطلة قصة تافهة: «كل امرأة لا تسهم في بناء المجتمع ولا تتطور معه، إذا كان يسير في خطٍّ سليمٍ، وتثور ضده إذا كان يسير في خطٍّ منحرف، أو مريض، أراها تافهة.» من الصعب القبول بالتمايز الاجتماعي والثقافي بين المرأة والرجل، باعتباره أمرًا طبيعيًّا لا يقبل الجدل. أذكر قول أحمد بهاء الدين: «أما نحن، فلا نعبدها — المرأة — ولا نحتقرها، إنما نريد فقط أن نحبها، حب زمالة، أو عاطفة، وعلى قدم المساواة.»

أحيانًا، فإن ما تتمنَّاه المرأة قد يقتصر على حرية السير في الشوارع، فلا يُنظَر إليها كأنثى، تواجِه التحرشات الجنسية، والعبارات البذيئة، أو حتى المحرِّضة. ما تتطلع إليه أن تُعامَل كفردٍ، كإنسان، وليس كأنثى يتحدد دورها في إغراء الرجل، ومن ثَم الاستجابة لأقواله وتصرفاته. نحن نرفض حتى مقولة رومان رولان «إنها امرأة؛ لذلك فنحن نحبها.» أفضِّل القول «إنها إنسان؛ لذلك فنحن نحبها.» إنسانية المرأة أهم من أنوثتها، وبقدر ضِيق دائرة أنوثتها، فإن دائرة إنسانيتها تتسع لتصبح بلا آفاق.

من الصعب على المرأة في زماننا أن تعيد ما فعلته المرأة أيام الإغريق، حين أرادت أن توقف استمرار الحروب بين المقاطعات، فأضربت عن أداء الالتزامات الأسرية والزوجية، وعن معاشرة الزوج، حتى اضطر الرجال للتوقُّف عن القتال.

وبتصور أن ذلك الإضراب القديم يمكن أن يتجدد، فإن النتائج ستكون خطيرة ليس على الرجل وحده، ولا حتى على المرأة جانبه، وإنما على البشرية جميعًا. وكما تشير ليلى تكلا، فإن الإضراب يعني توقف العمل في الحقول والمصانع والمستشفيات والمدارس والجامعات والمعامل ومراكز الأبحاث والاتصالات والحياة الاقتصادية، وبتعبيرٍ محددٍ فإن الحياة لن تستمر!

ثمة من يلجأن — في مواجهة المظاهر الرجولية — إلى اختلاق رجولة موازية، هن يتحدثن كما يتحدث الرجال، ويُقبِلن على التدخين وتعاطي الشيشة وغيرها مما يفعله الرجل. وثمة — في المقابل — مَن يعتبرن الأنوثة جزءًا من شخصياتهن، فهن يرتدين ما يُقتصَر على ارتدائه على المرأة، ويحرصن على الصورة التي خلقهن الله عليها،١٢٠ دون إضافة ولا حذف. الله خلق المرأة على هذه الصورة، وعلى المرأة أن تحرص عليها.
المرأة هي الحضارة في تقدير الطيب صالح، إنها الحضارة بمعناها الواسع، فالعنف الذي تواجهه المرأة هو عنف على المجتمع بعامة، بصرف النظر عن المجتمع الذي تنتمي إليه، وما إذا كان مجتمعًا متقدمًا أم متخلفًا.١٢١ بل إن الاكتفاء بمقولة تحرير المرأة من سيطرة الرجل، ينطوي على تبسيطٍ، وربما على سذاجة، لأن القضية — في صورتها الصحيحة — هي تحرير الإنسان بعامة. ما تعانيه المرأة في حياتها المجتمعية، يعانيه الرجل كذلك في حياته المجتمعية؛ الاستبداد واحد، والظلم واحد، والظروف القاسية واحدة، بل إن نور في رواية سكينة فؤاد ترويض الرجل أبدت تخوُّفها من أن يأتي يوم تكتشف فيه أن عداوة المرأة وعداوة التقدم شيء واحد.١٢٢ إن ما تحتاجه المرأة — كي تحقق ذاتها في مجتمعاتنا العربية — يحتاجه الرجل أيضًا، فالرجل يحتاج إلى الاستمتاع بوجود المرأة كشريكة حياة، وعقل يتفاعل، ووجدان يأخذ ويعطي، والعكس صحيح تمامًا.١٢٣ ولعلِّي أوافق على القول بأنه حين تغيب الحرية، وتزدهر الديكتاتورية، لا يبقى من فروقٍ بين الرجل والمرأة إلا في درجة القهر وقسوته.١٢٤

المفروض إذن أن ينشأ الصراع — في حال قيامه — بين الجنسَين من ناحية، وبين قوى السلب والسيطرة والقهر من ناحية ثانية.

•••

يجدر بنا — في ختام هذا الفصل — أن نشير إلى ظاهرة قديمة، متجددة، في حياتنا العربية.

فإذا كان الاتهام يوجَّه إلى المجتمعات العربية — الطبقات الشعبية بخاصة — بأنها تَدين بالذكورية، وتقدسها، وتجد في ظل الرجل أفضل من ظل الحائط، فإن ذلك الاتهام تحوطه ظلال في الموضع المتقدم الذي يضع فيه الوجدان الشعبي السيدة زينب بنت فاطمة بنت الرسول، فهي رئيسة الديوان الذي يضم في عضويته السيد البدوي، والسيد الرفاعي، والسيد إبراهيم الدسوقي، والإمام الشافعي. مهمة هذا الديوان — الذي يجتمع ظهر كل خميس — تأمُّل ما يُعرَض عليه من قضايا المسلمين، وبالذات تلك التي توضع في صناديق النذور، والعمل على حلِّها.

•••

هل اعترف الرجل بسقوط مملكته؟ أو: هل اعترف الفنان — لا أقصد، بالطبع، كل المبدعين — بسقوط مملكة الرجل، أو إنها — في الأقل — لم تعد مقصورة عليه؟

أعود إلى إيزابيل الليندي، أستعير قولها: «لقد استطعنا — نحن النساء — عبر حربٍ لا هوادة فيها، أن نكسب احترام سكان كهوفنا في بعض المجالات، لكن ما إن نغفل قليلًا، حتى ترفع الفحولة رأسها الأشعر.»١٢٥

هوامش

(١) علم اجتماع المرأة، ١٦٩.
(٢) محمد عبد الحليم عبد الله، للزمن بقية، ١٠٤.
(٣) مجلة «الدوحة»، نوفمبر ١٩٧٦م.
(٤) محمد المخزنجي، ابتسامة أم كيسنجر الوحيدة، الأهرام، ٢٤ / ٩ / ٢٠٠٤م.
(٥) أحمد دوغان، ربع ساعة مع شهرزاد، دار الثريا للنشر، حلب، ٥١.
(٦) محمد عبد الحليم عبد الله، سكون العاصفة، ٣٤٠.
(٧) محمود حنفي، ثلاثية المهاجر، ١٣٥.
(٨) يوسف إدريس، قصة حب، ٥٤.
(٩) النيوزويك العربية، ١٣ / ٦ / ٢٠٠٠م.
(١٠) ليلى محمد الصالح، سقوط القمر، عطر الليل الباقي، دار قرطاس للنشر.
(١١) المرأة في الفكر السياسي الغربي، ١٣٠.
(١٢) حسب الله يحيى، انتظار المستحيل، إرهاب، المجلس الأعلى للثقافة.
(١٣) فاطمة يوسف العلي، الحراك الجديد في الكتابة النسائية (بحث غير منشور).
(١٤) نصف الدنيا، ٨ / ٤ / ١٩٩٤م.
(١٥) المرجع السابق.
(١٦) سمير عبد ربه، لقاء في الظلام، نصوص قصيرة، من روائع الأدب الأفريقي، المجلس الأعلى للثقافة.
(١٧) هدى الصدة وأخريات، زمن النساء والذاكرة البديلة، ملتقى المرأة والذاكرة، ٤٥.
(١٨) زكي نجيب محمود، في مفترق الطرق، دار الشروق، ١٣٩.
(١٩) الأهرام، ٢٦ / ٩ / ٢٠٠٣م.
(٢٠) نصف الدنيا، ب.ت.
(٢١) الاحتجاج الهادئ،١١١.
(٢٢) المرجع السابق، ٣٤.
(٢٣) عبد الله خمار، جرس الدخول إلى الحصة، ١٥٨.
(٢٤) حامد أبو أحمد، في الواقعية السحرية، سندباد للنشر والتوزيع، ٢٦٣.
(٢٥) رشيد بوجدرة، فوضى الأشياء، ٣٠.
(٢٦) إدريس علي، السرير الواحد، واحد ضد الجميع، مركز الحضارة العربية.
(٢٧) إلياس أنيس الخوري، عكا والرحيل، مطبعة دار العلم بدمشق، ١٩٨٧م، ٤٧.
(٢٨) Fatema Mernissi, Le Harem Européen.
(٢٩) سلوى بكر، سواقي الوقت، روايات الهلال، ٢٠٠٣م، ٩٨.
(٣٠) فرج أحمد، علم النفس وقضايا المرأة، المجلة الاجتماعية القومية.
(٣١) علوية صبح، مريم الحكايا، ٨٠.
(٣٢) ليلى بعلبكي، أنا أحيا.
(٣٣) جبرا إبراهيم جبرا، صراخ في ليل طويل، دار الآداب ببيروت، ٣٥.
(٣٤) محمد عبد الحليم عبد الله، شمس الخريف.
(٣٥) فتحي غانم، تلك الأيام،٣١.
(٣٦) الشرق الأوسط، ٣١ / ١٢ / ٢٠٠٤م.
(٣٧) توفيق الحكيم، الرباط المقدس، ١٧٧-١٧٨.
(٣٨) أحمد حسين، أزهار، ٣٢٠.
(٣٩) إحسان عبد القدوس، الطريق المسدود، ١٦٧.
(٤٠) توفيق الحكيم، الرباط المقدس، ١٢٧.
(٤١) المصدر السابق، ١٧٧.
(٤٢) إحسان عبد القدوس، شيء في صدري، ١٤٧.
(٤٣) المصدر السابق، ١٢٢.
(٤٤) مليكة مستظرف، ترانت سيس، مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، الطبعة الأولى.
(٤٥) نوال السعداوي، المرأة والجنس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٠٢.
(٤٦) نعمان عاشور، يا مبارك، ألوان من القصة المصرية القصيرة، دار النديم.
(٤٧) حسين علي محمد، الزواج في عربة الدرجة الثالثة، أحلام البنت الحلوة، أصوات معاصرة.
(٤٨) زمن النساء والذاكرة البديلة، ١٨١.
(٤٩) عفاف السيد، السيقان الرفيعة للكذب، دار قباء، ٦٧.
(٥٠) الهلال، سبتمبر، ٢٠٤.
(٥١) أحلام مستغانمي، ذاكرة الجسد، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، ٣٤.
(٥٢) مجيد طوبيا، أحلام ريم الجميلة، كتاب اليوم، ١٨٦.
(٥٣) أحمد دوغان، ربع ساعة مع شهرزاد، ٤٢.
(٥٤) الأسبوع الأدبي، العدد ٨٤٩، ١٥ / ٣ / ٢٠٠٣م.
(٥٥) هيام ضويحي، الرواية النسائية في سورية، مطبعة العجلوني، دمشق، ٢١.
(٥٦) الأسبوع الأدبي، العدد ٤٨٩.
(٥٧) إقبال بركة، عندما نسابق الزمان، حادثة اغتصاب، الدولية للنشر والتوزيع.
(٥٨) الحياة، ٢٥ / ١ / ٢٠٠٥م.
(٥٩) إيزابيل الليندي، بلدي المخترع، ٥٧.
(٦٠) مجيد طوبيا، المعدول والمقلوب، الأيام التالية، هيئة الكتاب.
(٦١) أنثوية العلم، ٧١.
(٦٢) المرجع السابق، ٣٠.
(٦٣) المرجع السابق، ٦٩.
(٦٤) فرج أحمد فرج، المستقبل العربي، ٩ / ١٩٧٨م، ١٥٩.
(٦٥) الحياة، ١٩ / ٦ / ٢٠٠٤م.
(٦٦) المرجع السابق.
(٦٧) جاذبية صدقي، حب النساء.
(٦٨) نوال السعداوي، مذكراتي في سجن النساء، دار المستقبل العربي.
(٦٩) سمير الفيل، ظل الحجرة، مركز الحضارة العربية، ٤٥.
(٧٠) محمد مسعود العجمي، الأرصفة المهجورة، الشرخ، الكويت، ١٩٨٢م.
(٧١) محمود البدوي، مكتبة في الممر، الأعرج في الميناء.
(٧٢) طه حسين، الأيام، ٢ / ٥٧.
(٧٣) نجيب محفوظ، بداية ونهاية، ٥٤.
(٧٤) المصدر السابق، ١٥٢.
(٧٥) نجيب محفوظ، بين القصرين، ٨٢.
(٧٦) المصدر السابق، ٨٣.
(٧٧) نجيب محفوظ، القاهرة الجديدة، ٨.
(٧٨) المصدر السابق، ٢٥.
(٧٩) المصدر السابق، ١٣٣.
(٨٠) المصدر السابق، ١٣٥.
(٨١) نجيب محفوظ، قصر الشوق، ٢٨٩.
(٨٢) نجيب محفوظ، السكرية، ١٠.
(٨٣) نجيب محفوظ، قصر الشوق، ٢٩٨.
(٨٤) نجيب محفوظ، بداية ونهاية، ٥١.
(٨٥) إبراهيم عبد القادر المازني، إبراهيم الكاتب، ٧٤.
(٨٦) إحسان عبد القدوس، أنا حرة، ٨٧.
(٨٧) ليلى محمد الصالح، التحديق في الذاكرة، جراح في العيون، الطبعة الثانية.
(٨٨) أكتوبر، ١١ / ١٢ / ١٩٨٨م.
(٨٩) حمار الحكيم، ٩٩.
(٩٠) المصدر السابق، ١٠٠.
(٩١) لطيفة الزيات، الباب المفتوح، ٧١.
(٩٢) كاميلو خوسيه ثيلا، طرق ضالة، خلية النحل، دار سعاد الصباح، ٢١٩.
(٩٣) هشام شرابي، النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي، ت. محمود شريح، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
(٩٤) كاميلو خوسيه ثيلا، عائلة بسكوال دوراتي، ٧١.
(٩٥) عبد الحكيم قاسم، الأخت لأب، كتاب الثقافة الجديدة.
(٩٦) عبد الرحمن منيف، شرق المتوسط، هيئة قصور الثقافة، ١٠٢.
(٩٧) مأساة العبيد وقصص أخرى، تأليف مجموعة من كُتَّاب الهوسا، ت. مصطفى حجازي السيد.
(٩٨) نجيب محفوظ، الخوف، بيت سيئ السمعة، مكتبة مصر.
(٩٩) عادل كامل، ضباب ورماد، من كتاب الطاهر مكي «القصة القصيرة، دراسة ومختارات»، دار المعارف.
(١٠٠) حسام الخطيب، ثقافات، البحرين، ٩.
(١٠١) فاطمة العلي، انتخبوني، لسميرة وأخواتها.
(١٠٢) علم اجتماع المرأة، ٧١.
(١٠٣) عبد الله خمار، جرس الدخول إلى الحصة، ٨٨.
(١٠٤) صفاء عبد المنعم، فقط هناك غيوم، أشياء صغيرة وأليفة، هيئة قصور الثقافة.
(١٠٥) المصدر السابق.
(١٠٦) فوزية مهران، بيت الطالبات، ١٢.
(١٠٧) ميلان كونديرا، الخلود، المجلس الأعلى للثقافة، ١٤٩.
(١٠٨) علم اجتماع المرأة، ٢١٤.
(١٠٩) زينات سليم أوغلو، عشق محمود الفسفس، مختارات من القصة التركية المعاصرة، إبداعات عالمية.
(١١٠) إقبال بركة، حادثة اغتصاب، الدولية للنشر والتوزيع بلندن.
(١١١) مصطفى محمود، المستحيل، ١٥٧.
(١١٢) المصدر السابق، ٦٠.
(١١٣) المصدر السابق، ١٥٩.
(١١٤) المصدر السابق، ١٥٥.
(١١٥) المصدر السابق، ١٦٠.
(١١٦) دافيد هربرت لورنس، الثعلب، ت. نمير عباس مظفر، دار المأمون للترجمة والنشر.
(١١٧) النسوية والمواطنة، ٢٧.
(١١٨) مي زيادة، باحثة البادية، ١٥٩-١٦٠.
(١١٩) علال الفاسي، النقد الذاتي، دار الكشاف، ٣٠٤.
(١٢٠) نعمات البحيري، أشجار قليلة عند المنحنى، ٢٣٠.
(١٢١) نصف الدنيا، ب. ت.
(١٢٢) سكينة فؤاد، ترويض الرجل، كتاب اليوم، ١٩٣.
(١٢٣) سلوى بكر، حوار، المجالس، ٢٧ / ٦ / ١٩٨٧م.
(١٢٤) بهاء الدين محمد، المرأة العربية في الآداب السردية، الرافد، يونيو، ٢٠٠٢م.
(١٢٥) إيزابيل الليندي، بلدي المخترع، ١٢٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤