رسالة إلى الشخص الخطأ!

تسمَّر «أحمد» في مكانه من الدهشة … لقد تأكَّد من أن المصعد انطلق هابطًا من الدور الذي يقطنون به … فماذا حدث؟ … هل حدث شيء منع «فهد» و«بو عمير» من تنفيذ خطتهم؟ … هل حدث اشتباك مرة ثانية؟ هل أصاب أحدهم مكروه؟

قرَّر «أحمد» الانتظار قليلًا، حتى لا يلحظ أحد شيئًا … وبعد لحظات، تقدم ناحية المصعد، وهو لا يزال يَختلِس النظرات بحذر شديد إلى الرجال المتفرقين في صالة الفندق، حتى وصل المصعد فدخله وأغلق الباب.

وصل «أحمد» إلى غرفة «فهد» و«بو عمير»، وطرَق على الباب طرقة معينة … وسرعان ما فتح الباب، ودار «أحمد» بنظره في الغرفة بهدوء.

كانت «إلهام» و«زبيدة» قد انضمَّتا إلى «فهد» و«بو عمير».

قالت «إلهام»: لقد تأخرت! من كان في انتظار الرجل …؟

بو عمير: ماذا حدث في صالة الفندق؟

فهم «أحمد» من أسئلة الشياطين أن الخطة قد نفذت، ووضع الرجل في المصعد حسب الاتفاق … إذن أين ذهب؟

جلس «أحمد» على كرسي في جانب الحجرة، وقد تعلَّقت به أعين الشياطين.

قال «أحمد»: لم يَصِل الرجل إلى صالة الفندق!

بدأت علامات الدهشة تظهر على وجوه الشياطين … ومرَّت لحظة، لم يَنطِق فيها أحد بكلمة … وبدأت الخواطر تدور برءوسهم … أين ذهب الرجل؟!

زبيدة: كيف؟! لا بد أنك تمزح!

فهد: لقد تم تنفيذ كل شيء، وبدقة … ولم يتدخَّل مخلوق، حتى أغلقنا الباب وهبط المصعد!

إلهام: الاحتمال الوحيد، هو أنَّ الرجل أفاق، وخرج من المصعد!

أحمد: ليست مشكلة … لقد أضعنا وقتًا طويلًا، في تفاصيل لا قيمة لها … ولم يبقَ إلا يومان على تشغيل السخانات، وذوبان الجليد … والمهم وقف هذا كله … والقبض على «عوني»!

بو عمير: وماذا تقترح؟

أحمد: استعدوا للرحيل … وسأذهب أنا للسؤال عن «عوني» في ملابس التنكُّر …

هاتوا السيارة، وقفوا بها قريبًا من «جراند أوتيل» … وإذا حدث شيء، أو تأخرت فتدخلوا … إنها فرصة في مدينة صغيرة، للعثور على «عوني» بعيدًا عن معقله!

زبيدة: لقد سألتُ نفسي: لماذا حضر «عوني» إلى «تاكوما»؟

أحمد: سؤال بديهي فعلًا … وقد سألت نفسي مثلك … والإجابة التي توصلت إليها لا تخرج عن احتمالين؛ الأول: أنه جاء مصادفة … والثاني: أن تكون «تاكوما» أحد المراكز التي تستخدمها عصابة «سادة العالم»!

ونظر «أحمد» إلى ساعته وقال: عند «جراند أوتيل» بعد ساعة!

ثم نزل مسرعًا … فأخذ إحدى سيارات التاكسي، وكان الظلام قد بدأ يهبط على المدينة الصغيرة … وقطعت السيارة المسافة بين الفندقين في عشر دقائق.

ونزل «أحمد» في ثياب التنكر … واتجه دون تردُّد إلى قسم الاستقبال في الفندق …

كان يعرف من تقرير رقم «صفر» أن «عوني» ينزل في الفندق، تحت اسم مستعار هو «عدنان بشير» …

قال الموظف على الفور: لقد غادر السيد «عدنان» الفندق منذ ساعة!

أحسَّ «أحمد» أن الطير قد طار من القفص … وأنهم كانوا مقصرين في مطاردة «عوني». وغادر مكانه متجهًا إلى باب الفندق، وهو يشعر بغضب هائل … ولكنه لم يكد يصل إلى الباب، حتى صاح موظف الاستقبال:

يا سيدي … هل أنت «مجدي سمعان؟»

عاد «أحمد» ببطء دون أن يجيب بلا أو بنعم … ورأى موظف الاستقبال يمدُّ له يده بمظروف وهو يقول: لقد ترك لك السيد «عدنان» هذا المظروف.

مدَّ «أحمد» يده وتناول المظروف وشكر الموظف … ثم اتجه مسرعًا إلى الباب، وأحسَّ أن ثمة شخصًا يتبعه.

وصل «أحمد» إلى الشارع ووقف يحدق في الظلام الذي هبط على المدينة تمامًا … كان قد بقي نحو ٤٠ دقيقة على موعد الشياطين، فقرر أن يتمشَّى قليلًا، بعد أن يقرأ خطاب «عوني» … فأخرج الخطاب، وقرأه تحت مصباح الشارع …

كان مكونًا من ثلاثة سطور كُتبت على عجل … استمرَّ في محاولة القضاء على الشياطين … حاوِلِ الحصول على المستندات … عُد إلى «سياتل» بعد العمل.

أدرك «أحمد» أن «عوني» يُريد أن يشغلهم في «تاكوما»، حتى يتمكن من العملية الجهنمية في شمال العالم.

اتجه إلى شارع جانبي، تخف فيه حركة المارة حتى يرى من يتبعه … ولكنه لم ير أحدًا … وقرر أن يجتاز الشارع إلى مطعم صغير، يتناول فيه قطعة من الجاتوه وفنجانًا من الشاي …

نزل الرصيف، ثم بدأ يخطو في اتجاه الرصيف الآخر … وفجأة، سمع صوت محرِّك سيارة … وقبل أن يتصور ما يمكن أن يحدث، كانت السيارة تقترب منه بكل سرعتها وقد أضاءت مصابيحها حتى أعشَت عينيه … وأدرك في ثانية أنه مهدَّد بالموت … وأن السيارة تقصده مباشرة … وسمع صرير العجلات، كأنها وحش كاسر يريد الانقضاض عليه … فألقى نفسه على الأرض، ثم تدحرج بجوار الرصيف، ومرقت السيارة بجواره.

وعندما وقف، استطاع أن يرى سيارة ثانية قادمة … وظن أنها تُريد أن تصدمه أيضًا، ولكنه شاهد يدًا تمتد من السيارة، وتشير إليه … كانوا الشياطين … ووقفت السيارة بجواره … وقفز إليها …

قفز «أحمد» بجوار «بو عمير» وصاح: انطلق فهناك من يتبعنا!

أدار «بو عمير» محرك السيارة، وانطلق بسرعة شديدة في الشارع الخالي، كان السكون مسيطرًا على الشياطين جميعًا … ولم يسأل أحدهم «أحمد» عن شيء. ونظر «بو عمير» في مرآة السيارة، ورأى أضواءً قادمة خلفه، تقترب منه بسرعة جنونية …

فهد: كانت السيارة تريد أن تدهسك!

أحمد: نعم … وأظن أن من يقودها كان يتبعني من الفندق.

كادت السيارة المطاردة أن تصل لسيارة الشياطين … فمن الواضح أنها سريعة جدًّا … فضغط «بو عمير» بكل قوته على دواسة البنزين، وبدأ في زيادة سرعته أيضًا …

كانت الشوارع خالية تمامًا … نصف مظلمة … وأصوات انزلاق عجلات السيارتين تحدث أزيزًا مرتفعًا، يخترق هدوء الشوارع …

انحرف «بو عمير» بكل سرعته يسارًا، في أحد الشوارع الضيقة … وانحرفت السيارة التي خلفه في نفس الشارع وبنفس سرعتها … كان من الواضح أن قائدها محترف، ومدرَّب على هذه المطاردات المخيفة …

ولكن «بو عمير» لم يكن بالخصم السهل، فكان هو أيضًا من أفضل قائدي السيارات، في مجموعة الشياطين … ولكم أدار مطاردات في مثل هذه الظروف …

كانت السيارتان تمرقان في الشوارع الضيقة بسرعة جنونية، والسيارة الخلفية ملتصقة بظهر سيارة الشياطين، وكأنها تجرها …

نظرت «إلهام» خلفها وقالت: السيارة بها رجلان!

ما كادت «إلهام» تكمل جملتها، حتى انهار زجاج السيارة الخلفي، إثر طلقة مسدس مصوبة من السيارة الخليفة، مرت فوق رءوس الشياطين.

صاح «بو عمير»: اخفضوا رءوسكم!

بدأ «بو عمير» في زيادة سرعة السيارة، حتى أصبحت تلامس سطح الأرض فقط، وبدأت المسافة بينهم وبين السيارة الخلفية تزداد تدريجيًّا …

لمح «بو عمير» ميدانًا صغيرًا في نهاية الشارع الصغير فصاح:

استعدوا!

وأدار مقود السيارة دورة كاملة حتى اتجهت عكس الاتجاه الأول … وأصبحت في مواجهة السيارة التي تطاردهم …

وهنا ضغط «بو عمير» بكل قوته على دواسة البنزين، وانطلق بكل سرعته في مواجهة السيارة الثانية … وأضاء أضواء السيارة القوية، وبدأت المسافة تضيق بين السيارتين … حتى أصبحت مجرد أمتار، ولم يخفض «بو عمير» من سرعته، وكأنه لا يرى شيئًا أمامه …

وهنا … لم يكن هناك طريق آخر أمام قائد السيارة الثانية ليتفادى سيارة الشياطين، إلا أن يصعد فوق رصيف الشارع، وما إن اصطدمت العجلة الأمامية بكل سرعتها بحافة الرصيف، حتى انفجرت وفقد قائدها القدرة على السيطرة عليها، وارتفعت السيارة، ومالت على أحد جانبَيها، ثم انقلبت على ظهرها، واستمرت في التقلب عدة مرات، حتى استقرَّت مرة أخرى على الأرض.

توقف «بو عمير» ونظر في المرآة ليرى السيارة، وما حدث لها … كانت السيارة قد تهشمت تمامًا، واشتعلت فيها النيران.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤