الفصل الخامس والثلاثون

جليرك يشم رائحة مكروه

قال فيريان: «أنا مُصاب بحكة يا جليرك. أنا مُصاب بحكة في كل مكان. أنا الكائن الأكثر إصابة بحكةٍ في العالم.»

قال جليرك بتثاقل: «كيف يا عزيزي، يمكنك معرفة ذلك؟» أغمض عينيه وتنفس بعمق. تساءل في نفسه: «أين ذهبتِ؟ أين أنتِ يا زان؟» شعر بأن قبضة القلق القاسية تقبض على قلبه، وتعتصِره إلى أن يتوقَّف عن النبض. كان فيريان قد جثم مباشرةً بين عينَي الوحش الهائلتَين، اللتين تفصل بينهما مسافة واسعة، وبدأ يحكُّ ظهره بجنون. أدار جليرك عينَيه في مِحجريهما في نفاد صبر. «أنت حتى لم ترَ العالم. ربما لا تكون الكائن الأكثر إصابة بالحكة.»

حكَّ فيريان ذيلَه وبطنَه ورقبتَه. كما حكَّ أُذنيه ورأسه وأنفه الطويل.

سأل فيريان فجأة: «هل تُبدل التنانين جلدها؟»

«ماذا؟»

«هل تُبدل جلدها مثل الثعابين؟» انهال فيريان على خصره الأيسر.

فكر جليرك في هذا. فتش في عقله. التنانين كائنات منعزلة. وقليلة ونادرًا ما تُرى. ومن الصعب دراستها. وبحسب خبرته، حتى التنانين لم تكن تعرف الكثير عن فصيلتها.

قال أخيرًا: «لا أعرف يا صديقي. يقول الشاعر:

«كل كائن حي فانٍ سيجد طريقَه حتمًا إلى موطنه الأصلي،
سواء أكان غابةً أو مستنقعًا أو حقلًا أو نيرانًا.»

ربما ستعرف كل ما تودُّ معرفته عندما تجِدُ موطنك الأصلي.»

سأل فيريان وهو يحكُّ جلده وكأنه يريدُ تقشيره تمامًا: «لكن ما موطني الأصلي؟»

«التنانين تشكلت في الأصل في النجوم. وهو ما يعني أن موطنك الأصلي هو النيران. شُقَّ طريقك بين النيران وستعرف من أنت.»

فكَّر فيريان في هذا. وقال في النهاية: «تلك تبدو فكرة مُرعبة. لا أريد أن أشقَّ طريقي بين النيران على الإطلاق.» حكَّ بطنه. وقال: «ما موطنك الأصلي يا جليرك؟»

تنهَّد وحش المُستنقع. «موطني؟» تنهَّد مرة أخرى. وقال: «مستنقع. «المستنقع».» ضغط بيده اليمنى الموجودة العُليا على قلبه. تمتم، مُكررًا كضربات القلب: ««المستنقع»، «المستنقع»، «المستنقع». إنه قلب العالم. إنه رحم العالم. إنها القصيدة التي شكلت العالم. أنا «المستنقع» و«المستنقع» أنا.»

تجهم فيريان. وقال: «لا، لستَ كذلك. أنت جليرك. وأنت صديقي.»

«أحيانًا يلعب الأشخاص أدوارًا مختلفة على مسرح الحياة. أنا جليرك. وأنا صديقك. وأنا عائلة لونا. وأنا شاعر. وأنا صانع. وأنا «المستنقع». فيما يخصُّك، أنا جليرك وحسب. صديقك جليرك. وأنا أُحبك كثيرًا.»

كان هذا صحيحًا. كان جليرك يُحب فيريان. تمامًا كما كان يُحب زان. وتمامًا كما كان يحب لونا. وكما كان يُحب العالَم بأسره.

تنفس مرة أخرى. كان يجدُر به أن يكتشف واحدةً من تعويذات زان على الأقل. فلماذا لم يتمكن من هذا؟

قال فيريان فجأة، وهو ينقض أمام وجه جليرك ويدور ويرفرف أمام أنفه: «انتبه يا جليرك.» أشار للخلف بإبهامه. «تلك الأرض بالأعلى هناك رقيقة جدًّا؛ غلاف رقيق من الصخر أسفله نيران. سقوطك عبرَه أمر حتمي كأي شيءٍ مؤكد.»

رفع جليرك حاجبَيه في ذهول. «هل أنت متأكد؟» وحدق في الصخر الممتد أمامه. تصاعدت الحرارة منه في موجات. «ليس من المفترض أن يكون الصخر حارقًا هُنا.» لكنه كان كذلك. كانت طبقة الصخر حارقة. وكان الجبل يهدر تحت الأقدام. كان هذا قد حدث من قبل، عندما هدد الجبل بأن يُفكك نفسه مثل ثمرة من نبات الزيرين نضجت أكثر من اللازم.

بعد ثوران البركان، والتكوينات السحرية التي نتجت عن هذا الثوران، لم يخمد البركان تمامًا، حتى في الأيام الأولى. كان دومًا يُدوِّي ويتقلب ويضطرب. لكن هذا بدا مختلفًا. كان هذا أشدَّ وطأة. ولأول مرةٍ منذ خمسمائة عام، شعر جليرك بالخوف.

قال الوحش: «فيريان يا رفيقي. دعنا نُسرع في سيرنا، ما رأيك؟» وبدأ فيريان وجليرك يسيران بطول الجانب العلوي من طبقة الصخر، وهما يبحثان عن مكان آمِن كي يعبُرا إليه.

جال جليرك في الغابة ببصره، وهو يتفحص النبتْ تحت الحِراج، مُضيِّقًا عينَيه ومادًّا بصره بأفضل قدرٍ ممكن. اعتاد أن يكون أداؤه أفضل في مثل هذه المهام. اعتاد أن يكون أداؤه أفضل في الكثير من الأشياء. تنفس بعمق، وكأنه يحاول ارتشاف الجبل بأكمله داخل أنفه.

نظر فيريان إلى وحش المستنقع بفضول.

قال: «ما الأمر يا جليرك؟»

هزَّ جليرك رأسه. وقال: «أعرف هذه الرائحة.» أغمض عينيه.

«رائحة زان؟» رفرف فيريان وعاد يرتفع وحطَّ على رأس الوحش. حاول إغلاق عينَيه والاستنشاق هو الآخر، فإذا به يعطس في النهاية. «أحب رائحة زان. أحبَّها كثيرًا.»

هز جليرك رأسه نفيًا ببطء، حتى لا يسقط فيريان. وتمتم بزمجرةٍ منخفضة: «لا بل شخص آخر.»

•••

كانت الأخت إجنيشا تستطيع الركض بسرعة، إن أرادت ذلك. كانت سريعة كالنمر. سريعة كالرياح. كانت أسرع من السرعة التي كانت تمضي الآن، بالتأكيد. لكنها لم تكن بنفس سرعتها حين ترتدي حذاءها الطويل الرقبة.

هذا الحذاء!

كانت قد نسيت كم كانت تُحب هذا الحذاء فيما مضى. عندما كانت تتمتع بالفضول وحب الترحال والرغبة في الانتقال إلى الجانب الآخر من العالم والعودة في المساء. ذلك قبل أن تغذي أحزان «المحمية» الوفيرة الشهية روحها حتى صارت كسولة ومصابة بالتخمة وبدينة للغاية. الآن، كان مجرد التفكير في حذائها الطويل الرقبة يغمرها بشرارة الشباب. كان ذلك الحذاء طويل الرقبة فاحم السواد لدرجةٍ جعلته يبدو وكأن أشعَّة الضوء تنثني حوله. وعندما كانت الأخت إجنيشا ترتديه في الليل، كانت تشعر وكأنها ممتلئة عن آخرها بضوء النجوم، وإذا ارتدته بالتزامُن مع سطوع القمر كانت تمتلئ بضوء القمر أيضًا. كان سحر الحذاء يتغلغل فيها. كان سحره مختلفًا عن السحر الذي يوفره لها الحزن. (ولكن يا للهول! كم كان من السهل أن تتغذى على الحزن إلى حد التخمة!)

الآن، بدأ مخزون الأخت إجنيشا السحري ينفد. ولم يسبق لها أن فكرت قط في تخزين الفائض لوقت الحاجة. لم يحدث أن جاء وقت الحاجة في «المحمية» التي كانت تُخيم عليها غيمة الحزن.

وبَّخت نفسها، قائلةً: «غبية. كسولة! حسنًا. لا بد ببساطة أن أتذكَّر كيف أُصبح بارعة.»

لكن أولًا، كانت بحاجة إلى ذلك الحذاء.

توقفت لحظة لتستعين بجهاز الرصد خاصتها. لأول وهلة، لم ترَ سوى ظلامٍ دامس، يتخلَّله خطٌّ أفقي خافت من الضوء. وببطء شديد، بدأ الخط يتسع وامتدَّت يدان.

قالت في نفسها: «صندوق. إنه في صندوق. وأحدهم يسرقه. مرة أخرى!»

صرخت: «هذا ليس لك!» وعلى الرغم من أنه كان من المستحيل أن يكون صاحب هاتين اليدين قد سمعها — ليس من دون تعويذة سحرية، على أي حال — بدت أصابع الشخص مترددة. تراجعت. علاوة على ذلك، كانت ترتعش قليلًا.

لم تكن اليدان للطفلة، كان ذلك مؤكدًا. بل كانتا لشخصٍ بالغ. لكن من؟

انزلقت قدم امرأة إلى داخل فتحة الحذاء المعتمة. أحكم الحذاء نفسه حول قدم المرأة. كانت إجنيشا تعرف أن مُرتدي الحذاء يمكنه ارتداء الحذاء وخلعه كما يشاء، لكن لا يمكن إجبار مُرتديه بالقوة على خلعه ما دام على قيد الحياة.

قالت في نفسها: «حسنًا. تلك لن تكون مشكلة.»

بدأ الحذاء يتحرك نحو ما يبدو حظيرة حيوانات. أيًّا من كانت ترتدي الحذاء، لم تكن تعرف بعدُ كيفية استخدامه. تَخَيَّل إهدار «الحذاء الذي يقطع سبعة فراسخ في الخطوة الواحدة» في ارتدائه وكأنه مجرد حذاء عملٍ لا أكثر. قالت في نفسها إن هذه جريمة. فضيحة.

وقفت المرأة التي كانت ترتدي الحذاء بجوار الماعز. وتشمَّمت الماعز تنُّورتها بتودُّد رأت الأخت إجنيشا أنه غير جذاب على الإطلاق. بدأت مرتدية الحذاء في التحرك في الأرجاء.

«حسنًا!» نظرت الأخت إجنيشا بتركيز أكبر. «لنرَ أين أنتِ، هل تمانعين؟»

رأت الأخت إجنيشا شجرةً ضخمةً لها باب في المنتصف. ومُستنقعًا مُلئ بالزهور. بدا المستنقع مألوفًا. رأت جانب جبلٍ منحدِرًا والعديد من الحواف المُتعرجة على القمة …

يا للسماء! هل تلك فوهات بركان؟

ها نحن! أعرف ذلك الطريق!

وها نحن! وتلك الصخور.

هل يمكن أن يكون الحذاء قد مضى عائدًا إلى قلعتها القديمة؟ أو إلى المكان الذي كانت فيه القلعة، على أي حال.

رغمًا عنها قالت في نفسها: «موطني.» كان ذلك المكان هو موطنها. ربما لا يزال كذلك، بعد كل هذه السنوات. فعلى الرغم من رغد الحياة في «المحمية»، لم تشعر مطلقًا بنفس القدر من السعادة الذي كانت تشعر به برفقة أولئك السحرة والباحثين في القلعة. من المؤسف أنه كان لا بد أن يموتوا. بالطبع لم يكونوا سيموتون لو كان معهم الحذاء، كما كانت الخطة الأصلية. لم يخطر ببالهم أن أي أحدٍ سيُحاول سرقته والهروب من الأخطار، مُتخليًا عنهم.

وظنُّوا أنهم ماهرون!

في النهاية، لم يكن يُوجَد ساحر بمهارة إجنيشا، وقد أثبتت هذا في «المحمية». بالطبع لم يتبقَّ أحد كي تُثبت مهارتها له، وهو أمر مؤسف. كان الحذاء هو كل ما لدَيها. والآن ضاع الحذاء أيضًا.

قالت لنفسها: «لا بأس. ما هو ملكي هو ملكي وحدي. وهذا كل شيء.»

«كل شيء.»

وركضت في الطريق نحو موطنها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤