الفصل الثامن والثلاثون

الضباب يبدأ في الانقشاع

في الوقت الذي تحركت فيه إيثين وماي عبر الميدان صوب «البرج»، كان سكان «المحمية» يتجولون وهم يُظلِّلون أعيُنهم بأيديهم. ويخلعون المعاطف والشيلان، مُستمتعين بإشراق الشمس على بشرتهم، ومُتعجبين من عدم وجود البرودة الرطبة ومحاولين النظر إلى السماء بعدما انقشع الضباب.

تعجبَّت ماي: «هل رأيتِ سماءً كهذه من قبل؟»

قالت إيثين ببطء: «لا. لم أرَ.» همهم الطفل وتململ في قطعة القماش الزاهية التي تربطه بصدْر أمِّه. عقدت إيثين ذراعَيها حول جسده الدافئ وقبَّلت جبينه. سيحتاج قريبًا إلى إرضاعه. وإلى تغيير حِفاضه. قالت إيثين في نفسها: «حالًا يا حبيبي. أُمُّك يلزمُها إتمام مهمة، كان عليها إتمامُها منذ زمنٍ طويل.»

عندما كانت إيثين طفلةً صغيرة، حكت لها أمُّها حكاية تلوَ أخرى عن «الساحرة» التي تعيش في الغابة. كانت إيثين طفلةً فضولية، وبمجرد أن علِمت أن أخاها الأكبر كان من الأطفال الرضَّع الذين جرت التضحية بهم، راودَها الكثير من الأسئلة. إلى أين ذهب، حقًّا؟ ماذا لو حاولَتْ أن تجِدْه، ماذا سيحدث؟ ممَّ خُلقت «الساحرة»؟ ماذا تأكل؟ هل هي وحيدة؟ هل أنتِ متأكدة من أنها سيدة؟ إذا كان من المستحيل محاربة ما لا نفهمه، فلماذا لا نسعى للتعلم؟ «الساحرة» شريرة، لكن إلى أي حد؟ إلى أي حدٍّ شرُّها، بالضبط؟

لكن أسئلة إيثين المتواصلة كانت لها تبعات. تبعات مريعة. فقد بدأت أمُّها، التي كانت امرأةً هزيلة وشاحبة يسيطر عليها الاستسلام والحزن، تتحدَّث عن «الساحرة» دون توقف. كانت تروي حكايات حتى دون أن يَطلُب منها أحدٌ ذلك. كانت تُتمتِمُ بهذه الحكايات لنفسها بينما كانت تطهو أو تُنظِّف أو تتمشَّى طويلًا إلى «المستنقع» مع جامعي المحاصيل.

كانت والدة إيثين تقول: ««الساحرة» تأكل الأطفال. أو تستعبدهم. أو تمتصُّ دماءهم.»

««الساحرة» تجوب الغابة على مخالب مُبطنة. أكلت قلب نمِر حزين منذ زمنٍ طويل، ولا يزال ذلك القلب ينبض بداخلها.»

«أحيانًا تكون «الساحرة» طائرًا. تستطيع أن تطير إلى سريركِ في المساء وتقتلع عينيكِ!»

«عمرها كعمر الأرض. يُمكنها أن تجوب العالم في «الحذاء الذي يقطع سبعة فراسخ في الخطوة الواحدة». تأدَّبي، وإلا فستخطفكِ خلسةً من سريركِ!»

بمرور الوقت تمدَّدت حكاياتها وتشابكت؛ والتفَّت حول جسدها كأغلالٍ ثقيلة، لدرجة أنها لم تستطع حملَها أكثر من ذلك. وماتت.

أو هكذا رأت إيثين الأمر، على أي حال.

كانت إيثين في السادسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت، وكانت معروفة في سائر أنحاء «المحمية» بالمهارة اليدوية وسرعة البديهة. عندما وصلت «أخوات النجمة» بعد جنازة أمِّها وعرضنَ عليها الرهبنة، تردَّدت إيثين للحظة فقط. كان أبوها قد مات؛ وماتت أمها، وكان إخوتها الأكبر سنًّا (الذين لم تأخُذهم الساحرة) قد تزوجوا جميعًا ولم يعودوا يأتون للمنزل كثيرًا. كان أمرًا مُحزنًا للغاية. كان صبيٌّ في الفصل قد ترك في قلبِها أثرًا عميقًا؛ الصبيُّ الهادئ الذي كان يجلس في المؤخرة، لكنه كان ابن إحدى العائلات المهمة. التي كان أفرادها من أصحاب الأملاك. كان من المُستبعَد أن ينظر إليها مرة أخرى. عندما ذهبت إليها «أخوات النجمة»، حزمت إيثين أمتعتَها وتبعتْهُنَّ.

لكن بعد ذلك لاحظت أنه من بين كل الأمور التي تعلمتها في «البرج»، والتي شملت علم الفلك وعلم النبات والميكانيكا والرياضيات وعلم البراكين، لم تُذكَر «الساحرة» ولو مرة واحدة. ولا مرة. كان الأمر وكأنها في الواقع غير موجودة.

بعد ذلك، لاحظت حقيقة أن الأخت إجنيشا، لم يكن يبدو عليها مطلقًا التقدُّم في العمر.

ثم لاحظت وقع المخالب، التي تتسلَّل في ردهة «البرج» كل ليلة.

بعد ذلك رأت واحدةً من الأخوات المترهبنات تبكي لوفاة جدها، وكانت الأخت إجنيشا تُحدق في الفتاة، بنظرةٍ تنطوي على الجوع والشراسة والاستعداد للانقضاض على فريسة.

كانت إيثين قد قضت طفولتَها بالكامل وهي تحمل عبء حكايات أُمِّها عن «الساحرة». في الواقع، كان كلُّ من عرفتهم يحملون العبء نفسه. وأثقلت ظهورهم وطأةُ عبء «الساحرة». كان انضمامُها إلى «أخوات النجمة» بهدف الوصول للحقيقة. لكن الحقيقة بشأن «الساحرة» لم تكن موجودة في أي مكان.

كانت تعلم أنه يُمكننا أن نعرف الحقيقة من الحكايات، ولكن يمكن أيضًا للحكايات أن تحوي أكاذيب. يمكن للحكايات أن تُغير الحقائق وتنحرف عنها وتُصبح مبهمة. السيطرة على الحكايات قوة بالفعل. من ستكون له الاستفادة الأكبر من مثل هذه القوة؟ وبمرور الوقت، كان اهتمام إيثين بالغابة يقلُّ شيئًا فشيئًا وزاد انشغالها ﺑ «البرج» الذي يُلقي بظلاله على «المحمية».

عندئذٍ أدركت إيثين أنها كانت قد تعلَّمت كل ما تحتاج إليه من «أخوات النجمة»، وآن الأوان كي ترحل. كان من الأفضل أن ترحل قبل أن تفقد روحها.

وها هي إيثين تعود إلى «البرج»، وروحها لم تُمس بسوء، وهي لا تزال تتأبَّط ذراع ماي.

•••

قابلهما وين، الأخ الأصغر لأنتين، عند الباب. من بين كل إخوة أنتين، كان وين المفضل لدى إيثين. ضمَّته إيثين بذراعَيها بشدة، وبينما هي كذلك، دسَّت قصاصة ورقٍ في يده.

همست بصوتٍ خافت جدًّا في أذنه: «هل يُمكنني الوثوق بك؟ هل تساعدني في إنقاذ أسرتي؟»

لم يقل وين شيئًا. أغمض عينَيه وشعر بصوت زوجة أخيه يلتفُّ حول قلبه كشريط. كان يوجد القليل من طيبة القلب في «البرج». كانت إيثين أطيب شخصٍ عرفه. عانقها مرة أخرى، حتى يتأكد من أنها حقيقية.

قالت إيثين وهي تبتسم: «أعتقد أن أخواتي السابقات يتأمَّلن الآن يا عزيزي وين.» ارتجف وين عندما قالت اسمَه. لم يكن أحدٌ يُناديه باسمه مطلقًا في «البرج»، كان مجرد صبي. قرَّر حينئذٍ أن يساعد إيثين فيما تريده أيًّا كان. «هلَّا أخذتني إليهن؟ وبينما أنت هناك، ثمة شيءٌ آخر أودُّ أن أطلب منك فعله.»

•••

تجمعت الأخوات من أجل التأمُّل الصباحي؛ وهي ساعة من الصمت، يَعقبها غناء، ثم تدريب ملاكمة سريع. دخلت إيثين وماي بمجرد أن بدأت النوتات الأولى من الأغنية تصدح في الردهات. توقف غناء الأخوات بمجرد أن خطت إيثين في وسطهن. غرغر الطفل وهدل. نظرت الأخوات بأفواههن فاغرة. وأخيرًا تكلمت إحداهن.

قالت: «أنتِ!»

قالت أخرى: «لقد غادرتِنا.»

وقالت ثالثة: «لم يُغادرنا أحدٌ من قبل.»

قالت إيثين: «أعرف.» «المعرفة هي قوة خطيرة حقًّا.» كان هذا هو الشعار غير الرسمي ﻟ «أخوات النجمة». لم يكن أحد يعرف أكثر من الأخوات. لم يكن أحد يملك القدرة على الوصول إلى المعلومات أكثر منهن. وها هن. دون أدنى معلومة. زمَّت شفتَيها. وقالت في نفسها: «حسنًا. سيتغير ذلك اليوم.»

«لقد غادرت ولم يكن هذا سهلًا. وأنا آسفة. لكن يا أخواتي العزيزات، ثمة شيء عليَّ أن أقوله قبل أن أغادر مُجددًا.» مالت على ابنها وقبلت جبينه. «لا بدَّ أن أحكي لَكُنَّ حكاية.»

•••

استند وين بظهره على جدارٍ بجوار المدخل المُفضي إلى «غرفة التأمل».

في يده، كان يحمل سلسلةً طويلةً. وقُفلًا. والمفتاح سيدسه في يد إيثين. خفق قلبه لمجرد التفكير في هذا. فلم يسبق له أن كسر القواعد. لكن إيثين طيبة جدًّا. أما «البرج» … فلم يكن كذلك.

أسند أُذنه إلى الباب. كان صوت إيثين يُدوِّي كالجرس.

««الساحرة» ليست في الغابة. «الساحرة» هُنا. لقد أسَّست هذا التنظيم منذ زمن بعيد. واخترعت حكايات عن وجود «ساحرة» أخرى، «ساحرة» تأكل الأطفال. كانت «الساحرة» في هذا التنظيم تتغذَّى على أحزان سكان «المحمية». عائلاتنا. أصدقائنا. كانت أحزاننا عظيمة وهو ما جعلها قوية. أشعر بأنني عرفتُ هذا منذ وقتٍ طويل، لكن كانت تجثُم على قلبي وعقلي غيمة؛ هي نفس الغيمة التي تجثم فوق كل منزلٍ وكل مبنًى وكل روحٍ حية في «المحمية». لقد حجبت غيمة الحزن هذه عني معرفتي لسنوات. لكن الآن انقشعَتِ الغيوم وأشرقت الشمس. ويمكنني أن أرى بوضوح. وأظن أن بإمكانكنَّ ذلك أيضًا.»

علَّق وين سلسلة المفاتيح في حزامه. وهي الخطوة التالية في الخطة.

«لا أريد أن آخُذ من وقتكنَّ أكثر، لذا سأُغادر الآن مع مَن هنَّ على استعدادٍ للمغادرة منكن. وللبقية، أقول شكرًا لَكُنَّ. أعتز بالوقت الذي كنتُ فيه أختًا لَكُنَّ جميعًا.»

خطت إيثين إلى خارج الغرفة مع تسعِ أخوات يتبعْنها. أومأت إلى وين إيماءةً سريعة. فأغلق الباب بسرعةٍ ولفَّ السلسلة حول المقبضَين وعقدها جيدًا وأحكم هذه العقدة بالقفل. دس المفتاح في يدِها. لفَّت أصابعها حول أصابعِه وضغطت عليها برفق.

«ماذا عن المترهبنات؟»

«في غرفة المخطوطات. سيؤدِّينَ أعمالَ النسخ حتى وقت العَشاء. لقد أقفلت الباب ولا يعرفنَ أنهن عالقات في الداخل.»

أومأت إيثين. وقالت: «جيد. لا أريد إخافتهن. سأتحدث إليهن بعد قليل. ولكن أولًا، لنُحرر السجناء. من المفترَض أن يكون «البرج» مركزًا للتعليم وليس أداة للطغيان. اليوم ستُفتَح الأبواب.»

قال وين آملًا: «حتى أبواب المكتبة؟»

«وخاصةً المكتبة. المعرفة قوة، لكنها تُصبح قوة فظيعة عندما تُخبأ وتُحجب. اليوم، المعرفة متاحة للجميع.» تأبطت ذراع وين وأسرعا عبر «البرج»، يفتحان الأبواب.

•••

وجدت أمهات أطفال «المحمية» المفقودين أن ثمَّة رؤًى تعصف بهن. ظل هذا يحدث لأيام؛ منذ انطلقت «كبيرة الأخوات» إلى الغابة، وإن لم تعرف أيٌّ منهن أنها قد فعلت ذلك. كل ما كُنَّ يعرفنه أن الغيمة كانت آخِذة في الانقشاع. وفجأة بدأت عقولهن ترى أشياء. أشياء مستحيلة.

«ها هو الرضيع بين ذراعَي امرأةٍ عجوز.»

«ها هو الرضيع وبطنه مُمتلئ بضوء النجوم.»

«ها هو الرضيع بين ذراعَي امرأة ليست أنا. امرأة تدعو نفسها أمه.»

قالت الأمهات لأنفسهن مرارًا وتكرارًا: «هذا مجرد حلم.» كان الناس في «المحمية» مُعتادين على الأحلام. فقد أصابت الغيمة الناس بالنعاس. وأصابهم الحزن في أحلامهم وفي يقظتهم. لم يكن هذا جديدًا.

لكن الآن كانت الغيمة تنقشع. ولم تكن هذه مجرد أحلام. بل كانت رؤًى.

«ها هو الرضيع مع إخوته وأخواته الجدد. إنهم يُحبونه. يحبونه كثيرًا. وهو يتألق في وجودهم.»

«ها هي الرضيعة تخطو خطواتها الأولى. انظري كم هي سعيدة! انظري كم هي متألقة!»

«ها هو الرضيع يتسلق شجرة.»

«ها هو الرضيع يقفز من فوق صخرة عالية إلى بركة عميقة برفقة أصدقاء مبتهجين.»

«ها هو الرضيع يتعلم القراءة.»

«ها هو الرضيع يبني بيتًا.»

«ها هي الرضيعة تمسك بيد حبيبها وتقول نعم، أنا أيضًا أحبك.»

كانت هذه الرؤى حقيقية جدًّا. وواضحة جدًّا. وشعرت الأمهات وكأنه يُمكنهن استنشاق رائحة رءوسهم الدافئة ولمس هذه الرُّكب المتقرحة والاستماع إلى هذه الأصوات البعيدة. وجدن أنفسهن يَصحنَ ويُنادين على أسماء أبنائهن، شاعراتٍ بأنهن فقدنهم للتو، حتى هؤلاء اللاتي فقدن أبناءهن منذ عقودٍ مضت.

لكن بعد أن تبددت السحب وبدأ الماء يصفو، شعرنَ بشيءٍ آخر أيضًا. شيء لم يشعرنَ به من قبل.

«ها هي الرضيعة تحمل رضيعها الجميل. حفيدي. ها هي تعرف أن لا أحد سيأخذ منها ذلك الطفل أبدًا.»

إنه الأمل. شعرن بالأمل.

«ها هو الرضيع في دائرة من الأصدقاء. يضحك. إنه يحب حياته.»

إنها السعادة. شعرن بالسعادة.

«ها هي الرضيعة تمسك بيد زوجها وأسرتها وتُحدق في النجوم. لا تعي مطلقًا أنني أمها. لم ولن تعرفني مطلقًا.»

توقفت الأمهات عما كُنَّ يفعلنه. ركضنَ إلى الخارج. وجثونَ على ركبهنَّ ورفعنَ أنظارهنَّ نحو السماء. وقلنَ لأنفسهنَّ إن هذه الرؤى مجرد خيال. مجرد أحلام. وليست حقيقة.

ولكن هذا لم يكن صحيحًا.

«كانت الرؤى حقيقية جدًّا جدًّا.»

في يوم من الأيام، خضعت الأسر للحكماء ووافقت المجلس على التخلِّي عن أطفالها الرضع للساحرة. فعلت الأُسَر هذا كي تحمي الناس في «المحمية». فعلت هذا وهي تعلم أن أطفالها الرضَّع سيموتون. وقد كانت على اقتناعٍ أن أطفالها الرُّضَّع قد ماتوا.

«ولكن، ماذا لو لم يكونوا قد ماتوا؟»

وكلما سألوا، تعجبوا. وكلما تعجبوا، شعروا ببارقةِ أمل. وكلما شعروا ببارقة أمل، انقشعت الغيوم أكثر وتبدَّدت بفعل حرارة السماء المشرقة.

•••

همس راسبين: «لا أقصد أن أكون وقحًا، يا كبير الحكماء جيرلاند. لكن لا مجاملة في الحقائق. هذا كله خطؤك». كان الرجل مسنًّا جدًّا. وكان جيرلاند مندهشًا من أن هذا الرجل غريب الأطوار لا يزال يستطيع الوقوف على قدمَيه.

بدأ التجمع أمام «البرج» بعدد ضئيل من المواطنين يحملون لافتات، لكنه سرعان ما تضاعف إلى حشد من الناس الذين يحملون الشعارات ويُردِّدون الأغاني والخطب، وأعمالًا منكرة أخرى. عندما رأى الحكماء هذا، تقهقروا إلى بيت «كبير الحكماء» الفخم وأوصدوا النوافذ والأبواب.

والآن كان «كبير الحكماء» جالسًا في كرسيه المفضل يُحدق بعبوس في زملائه الأعضاء. «خطئي؟» كان صوته هادئًا. كان الخدم والطباخون ومساعدو الطباخين وطاهي الحلويات قد اختفَوا، وهو ما كان يعني أنه لم يكن يُوجد طعام ليُقدم، وكانت معدة جيرلاند فارغة. «خطئي أنا؟» بقِي على هذا الحال للحظة. «رجاءً. قل لي لماذا؟»

بدأ راسبين يسعل وبدا وكأنه سيموت في الحال. تابع الحكيم جينوت الحديث.

«هذه المُحَرِّضة من أفراد عائلتك. وها هي ذا. تقف في الخارج. تثير الرعاع.»

قال جيرلاند بغضب، وهو يُطلق الرذاذ من فمه: «كان الرعاع قد تجمعوا بالفعل قبل أن تصل إلى هناك. لقد زُرتها بنفسي، هي ورضيعها المنكوب. بمجرد أن يؤخَذ ذلك الرضيع إلى الغابة، ستنوح عليه ثم ستتعافى، وتعود الأمور إلى طبيعتها.»

قال الحكيم ليبشيج: «هل نظرتَ إلى الخارج مؤخرًا؟ ألم ترَ كل ذلك القدر من … ضوء الشمس. إنه يُعمي الأبصار. ويبدو أنه يثير العامة.»

قال الحكيم أويريك بتذمُّر: «واللافتات. من ذا الذي صنعها؟ ليس الموظفين عندي، أؤكد لكم. لن يجرُءوا على فعل ذلك. وعلى أي حال، لقد تنبَّأتُ بهذا وأخفيت الحبر. على الأقل أحدنا يفكر.»

قال الحكيم دوريه مُتنهدًا: «أين الأخت إجنيشا؟ ألم تجد توقيتًا غير هذا كي تختفي! ولِمَ لا تئد «الأخوات» هذا في مهده؟!»

قال الحكيم راسبين: «إنه ذلك الفتى. لقد كان مصدر إزعاجٍ من أول يوم تضحيةٍ له. كان ينبغي علينا أن نتصرف معه حينذاك.»

قال كبير الحكماء: «أستميحك عذرًا!»

«جميعنا كنا نعلم أن هذا الفتى سيُشكل مشكلةً عاجلًا أم آجلًا. وانظر. كنا مُحقين في ذلك. ها هو يسبب مشكلة.»

قال كبير الحكماء وهو يطلق الرذاذ من فمه: «استمعوا إلى ما تقولون. مجموعة من الرجال البالغين! وتتذمَّرون كالأطفال الرضَّع. لا يُوجد ما نقلق بشأنه على الإطلاق. الرعاع ثائرون، لكن هذا مؤقت. «كبيرة الأخوات» رحلت، لكن هذا مؤقت. أثبت ابن أختي أنه شوكة في ظهرنا جميعًا، لكن هذا أيضًا مؤقت. «الطريق» الذي نسيطر عليه هو الممر الآمن الوحيد. ومن ثَم فهو في خطر. وسيلقى حتفه.» سكت كبير الحكماء، وأغمض عينَيه وحاول إبقاء حُزنه عميقًا في صدره. أخفاه بعيدًا. فتح عينَيه ونظر للحكماء نظرةً تنمُّ عن العزيمة. والتصميم. «وعندما يحدث هذا يا «إخوتي» الأعزاء، ستعود حياتنا كما تركناها. هذه حقيقة ثابتة ومؤكدة كالأرض التي تحت أقدامنا.»

وعندئذٍ، بدأت الأرض تهتز من تحت أقدامهم. بدأ الحكماء يفتحون النوافذ وينظرون للخارج. كان الدخان يتصاعد من قمة الجبل. كان البركان يثور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤