مقدمة

بقلم  إبراهيم عبد القادر المازنى
 القاهرة ٢٨ سبتمبر ١٩٢٤

أيها القارئ!

هذه مقالات مختلفة فى موضوعات شتى كتبت فى أوقات متفاوتة وفى أحوال وظروف لا علم لك بها ولا خبر على الأرجح. وقد جمعت الآن وطبعت وهى تباع المجموعة منها بعشرة قروش لا أكثر! ولست أدعى لنفسى فيها شيئًا من العمق أو الابتكار أو السداد، ولا أنا أزعمها ستحدث انقلابًا فقريّا فى مصر أو فيما هو دونها، ولكنى أقسم أنك تشترى عصارة عقلى وإن كان فجًّا، وثمرة اطلاعى وهو واسع، ومجهود أعصابى وهى سقيمة، بأبخس الأثمان! وتعال نتحاسب!

إن فى الكتاب أكثر من أربعين مقالًا تختلف طولًا وقصرًا وعمقًا وضحولة. وأنت تشترى كل أربعة منها بقرش! وما أحسبك ستزعم أنك تبذل فى تحصيل القرش مثل ما أبذل فى كتابة المقالات الأربع من جسمى ونفسى ومن يومى وأمسى ومن عقلى وحسى، أو مثل ما يبذل الناشر فى طبعها وإذاعتها من ماله ووقته وصبره.

ثم إنك تشترى بهذه القروش العشرة كتابًا، هبه لا يعمر من رأسك خرابًا ولا يصقل لك نفسًا أو يفتح عينًا أو ينبه مشاعر، فهو — على القليل — يصلح أن تقطع به أوقات الفراغ وتقتل به ساعات الملل والوحشة. أو هو — على الأقل — زينة على مكتبك. والزينة أقدم فى تاريخنا معاشر الاَدميين النفعيين من المنفعة وأعرق، والمرء أطلب لها فى مسكنه وملبسه وطعامه وشرابه، وأكلف بها مما يظن أو يحب أن يعترف.

على أنك قد لا تهضم أكلة مثلًا فيضيق صدرك ويسوء خلقك وتشعر بالحاجة إلى التسرية والنفث وتلقى أمامك هذا الكتاب فالعن صاحبه وناشره ما شئت! فإنى أعرف كيف أحوِّل لعناتك إلى من هو أحق بها! ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه وتنكب به غيرك! أو تفككه وتلفف فى ورقه المنثور ما يُلف، أو توقد به نارًا على طعام أو شراب أو غير ذلك!

أفقليل كل هذا بعشرة قروش؟

أما أنا فمن يرد إلىّ ما أنفقت فيه؟! من يعيد لى ما سلخت فى كتابته من ساعات العمر الذى لا يرجع منه فائت، ولا يتجدد كالشجر وتعود أخضر بعد إذ كان أصفر، ولا يُرقع كالثياب أو يُر فى؟!

وفى الكتاب عيب هو الوضوح فاعرفه! وستقرؤه بلا نصب، وتفهمه بلا عناء.. ثم يخيّل إليك من أجل ذلك أنك كنت تعرف هذا من قبل وأنك لم تزد به علمًا! فرجائى إليك أن توقن من الاَن أن الأمر ليس كذلك وأن الحال على نقيض ذلك!

واعلم أنه لا يعنينى رأيك فيه! نعم.. يسرنى أن تمدحه كما يسر الوالد أن تثنى على بنيه، ولكنه لا يسوءنى أن تبسط لسإنك فيه إذ كنتُ أعرف بعيوبه ومآخذه منك. وما أخلقنى بأن أضحك من العاتبين وأن أخرج لهم لسانى إذ أراهم لا يهتدون إلى ما يبغون وإن كان تحت أنوفهم!

ومهما يكن من الأمر، وسواء أرضيت أم سخطت، وشكرت أم جحدت، فاذكر، هداك الله، أنك اخر من يحق له أن يزعم أن قروشه ضاعت عليه! — أولى بالشكوى منك الناشر ثم الكاتب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤