الشيخ رفاعة الطهطاوي (٣)

رؤيتك أمة جديدة فتح عين لك جديدة، فالحكم على المسائل الاجتماعية يعتمد أكثر ما يعتمد على المقارنة، ولا مقارنة إذا اقتصر الإنسان على النظر إلى أمته وشؤونها، فنشأته فيها واعتياده من صغره رؤية مظاهرها يضعف قوة النقد عنده، ويعوقه عن إدراك مزاياها وعيوبها، فإذا هو رأى أمة أو أممًا غير أمته ازداد علمًا، وازداد قوة على النقد، وكان أقرب إلى صحة الحكم.

ومن أنفع هذا الباب النظرات الأولى للراحل، فهي تحصر وجوه الخلاف قبل أن يألفها ويعتادها، تكون مادة صالحة له إذا هو قيدها وتعمَّق دراستها. فكم من الطريف أن نصغى إلى الأوروبي الذي يزور مصر لأول مرة ويحدثنا عن أثرها في نفسه، كذلك من الطريف أن نسمع مصريًا قُحّضا رأى أوروبا للمرة الأولى وتحدث عما لفت نظره وأثار عواطفه.

فإذا رأينا الشيخ رفاعة الذي نشأ في صميم الصعيد وشب في صميم القاهرة، وتعلم في صميم الأزهر يتحدث عن الباريسيين والباريسيات كان بلا شك حديثًا عجبًا.

ما الذي أعجبه في فرنسا وما الذي كرهه، وما الذي ود أن ينقل من ذلك إلى مصر، وما الذي حمد الله أن لا ينقل، ما الذي أحسه عند المقارنة بين مصر وفرنسا ووجوه ضعف مصر وقوتها؟ أصبح ذهنه مشغولًا دائمًا بكلمات خمس: مصر، الغرب، الإسلام، فرنسا، النصرانية، استخدمها في كل نظراته وأحكامه.

أعجبه من الباريسيين ذكؤاهم ودقة فهمهم، وسعة اطلاعهم وميلهم الشديد لمعرفة ما جهلوا، وقلة الأميين بينهم، ورغبتهم في الابتكار «فكل صاحب فن يحب أن يبتدع في فنه شيئًا لم يُسبق إليه، أو يكمل ما ابتدعه غيره» ثم حب الاستطلاع، «فهم يحبون الرحلة يستطلعون فيها الناس والبلاد، ويحبون الغرباء ليستمعوا منهم أحوال بلادهم وعوائد أهلهم»؛ ثم حب التجديد، «فهم يكرهون الاستمرار على حال واحد في الملبس، وفي الملاهي، وفي التفكير، وفي السياسة». وأعجب ما أعجبه منهم حريتهم في تفكيرهم والتصريح بآرائهم في حكومتهم، والجهر بما يعتقدون في الدين والعلم والسياسة، كما أعجبه جدًا المنشآت العامة لنفع الفقراء والمرضى من مستشفيات وملاجئ.

وهذه صفات رآها فتمناها لبلاده، ولكن أين له الحرية التي يتمتع بها أهل باريس لينقد قومه وحكومته ويقول في صراحة ما يتمنى؟ إنما هو يلوِّح ويلمِّح.

وعجب جدًا من خفتهم وطيشهم، وشدة انفعالهم، فسرعان ما ينتقلون من فرح إلى حزن، ومن حزن إلى فرح، وقد تربى هو تربية وقار وحشمة، ورأى شيوخه في الأزهر جادين دائمًا، يمشون متئدين وعليهم سيما الرزانة، ويجلسون كأن على رءوسهم الطير، ويتحركون بحساب، ويخطون الخطوة بحساب، فما هذه الخفة في الحركة عند الباريسيين، وكيف يجري هذا الرجل صاحب المقام الرفيع والمركز الاجتماعي الخطير في الشارع كالأطفال، ليدرك موعدًا أو يلحق عربة؟ وكيف يفرطون — حتى رجالهم وعجائزهم — في اللهو واللعب، ويصرفون أموالهم في حظوظ نفوسهم، ويسرفون في ذلك على أنفسهم غاية السرف؟ إنهم لخَلْق عجيب، ولكنهم مع ذلك أهل جد لا يملون العمل، وسواء في ذلك غنيهم وفقيرهم.

لم تعجب الشيخ ماديتهم، فهم بخلاء يحبون المال حُبًَّا جمّا، فأين هذا من كرم العرب! وأين هذا من كرم «الصعايدة»؟ ومن مادية الفرنسيين مواساتهم بأقوالهم وأفعالهم لا بأموالهم، وهم لا يهبون ولا يُعيرون إلا إذا وثقوا بالمكافأة، ثم هم يحكّمون العقل حيث يحكَّم الدين، فهم أسوأ حالًا من المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين، وهو لا يؤمنون بالمعجزات ولا خوارق العادات، ويؤمنون بالسببية والمسببية إلى أقصى حد؛ فالأمة ترقى بالعدل وتضعف بالظلم، وللعمارة أسباب تنتجها لا محالة، وللخراب أسباب تنتجه لا محالة، ويعتقدون — والعياذ بالله — أن عقول حكمائهم أعظم من عقول أنبيائهم، وأكثرهم لا يؤمن بقضاء ولا قدر — لا. لا. هذا كله لا يعجبي.

وشيء آخر لم يعجبه أبدًا، وهو أحوال النساء الباريسيات … والرجال عندهم عبيد النساء، فأين هذا من الشرق الجميل حيث النساء عبيد الرجال (على أيامه)، وهؤلاء النساء هفواتهن كثيرة، وقلة عفافهن واضحة، وغَيرة الرجال عندهم ضعيفة، وخاصة في الطبقات العليا والسفلى، «وقد جُرب في بلاد فرنسا أن العفة تستولي على قلوب النساء المنسبوبات إلى الرتبة الوسطى من النساء، دون نساء الأعيان والرعاع، فنساء هاتين المرتبتين تقع عليهن الشبهة» الخ، فأين هذا مما عندنا في الصعيد، حيث الغيرة عند الرجل تبلغ حد الجنون، وويل لمن سُمع عنها قالة سوء أو حامت حولها شبهة.

ولكن — والحق يُقال — في الباريسيين فضيلة، وهي عدم تغزلهم في المذكر، «فمن محاسن لسانهم وأشعارهم أنها تأبي تغزل الجنس في الجنس، فلا يحسن في اللغة الفرنسية قول الرجل عشقت غلامًا، فإن هذا يكون من الكلام المنبوذ، ولذلك إذا ترجم أحدهم كتابًا من كتبنا يقلب الكلام إلى وجه آخر، فيقول في ترجمة تلك الجملة عشقت غلامة أو ذاتًا ليتخلص من ذلك، فإنهم يرون هذا من فساد الأخلاق، والحق معهم، وذلك أن أحد الجنسين له في غير جنسه خاصة من الخواص يميل بها إليه، كخاصة المغناطيس في جذب الحديد — مثلًا — وكخاصة الكهرباء في جذب الأشياء، ونحو ذلك، فإذا اتحد الجنس انعدمت الخاصة، وخرج عن الحالة الطبيعية».

هذه بعض نظرات «الشيخ» إلى باريس أول ما نظر، وظلت هذه النظرات ثابتة عنده، لم تتغير إلا قليلًا، بل كانت الأيام تزيدها قوة؛ ولقد أراد يومًا أن يستوثق من آرائه هذه فيعرضها ويسمع نقدها، فعرضها على اثنين من أصدقائه الفرنسيين، فأما أحدهما فنقدها بأن الشيخ نظر إلى بعض المسائل متأثرًا بأوهام المسلمين، ولعله يشير إلى نقد الشيخ رفاعة لعقيدة الفرنسيين في القضاء والقدر، وإنكار المعجزات، كما نقد نظرته إلى النساء الفرنسيات، وتعميمه الحكم على نساء فرنسا كلها بما شاهده من بعض نساء باريس، وأما الثاني فكان ظريفًا رقيقًا، وقال: لا يهمني ما حكمت ولكن يهمني ما عتقدت، فما دمت تكتب ما تعتقد فلا ضرر، وإنما الضرر أن تشايع غيرك، ويحملك الحياء والخجل على أن تكتب أو تقول ما لا تعتقد.

•••

فكرتان تعارضتا في ذهن محمد علي باشا ورجاله، وكل فكرة مزاياها وعيوبها، أمن الخير أن يسكن هؤلاء الطلبة المبعوثون في بيت واحد وعليهم مشرفون، أو يفرقوا في «البانسيونات» الفرنسية؟ مزية الفكرة الأولى أنها أحفظ للطلبة من العبث، وأنها أحرى أن تجعل الطلبة محافظين على عوائدهم المصرية، فإذا رجعوا إلى بلادهم لم يكونوا قد بعدوا عنها كثيرًا فيفيدونها بعلمهم، ويندمجون فيها بسلوكهم، وعيبها أن الطلبة المصريين متى اجتمعوا تكلموا بالعربية، فلم يتقدَّموا في الفرنسية، وضعف علمهم بأحوال الفرنسيين وشؤونهم، مما قد يكون فيه فائدة لأمتهم؛ ومزية الفكرة الثانية طلاقة ألسنتهم وكثرة استفادتهم وتجاربهم، وعيبها تعرضهم لخطر التهتك، والانغماس في الشهوات، وتطبُّعهم بطابع الفرنسيين، وبعدهم بذلك عن أهلهم، وتقليد الفرنسيين في أحاديث السياسة والطعن في الحكومات، مما يسبب مشاكل لمصر في المستقبل.

حار بين الفكرتين، فاختار الأولى أولًا، فنزل المبعوثون أول الأمر بيتًا سمي «بيت الأفندية»، لا يخرجون منه ليلًا ولا نهارًا إلا يوم الأحد. وإذا خرجوا فبإذن من الضابط للبواب، ويأتي المعلمون الفرنسيون إلى البيت ليعلموا الطللبة، كل طائفة متماثلة تدرس معًا، وتنفق عليهم الأموال عن سعة حتى كان يعدهم الفرنسيون من الأغنياء.

ثم لما تجلت عيوب هذه الطريقة وأحسوا عدم تقدم الطلبة في اللغة والعلم لجئوا إلى الطريقة الثانية، فوزع الطلبة على «البانسيونات» وفرقوا على المدارس كلٌّ وما يناسبه، وأطلق لهم شيء من الحرية ولكن في نظام دقيق؛ فيخرجون يوم الأحد، ويوم الخميس بعد الدروس، وبعض الأيام بعد العشاء، ولكن لا بد أن يعودوا إلى مساكنهم قبل الساعة التاسعة في الصيف، والثامنة في الشتاء؛ وفي كل شهر يمتحنون ويكتب تقرير عن كل طالب، ومقدار ما حصَّله ومدى تقدمه، ويكافأ من ظهرت نجابته بهدية من الكتب أو بعض الأدوات المدرسية؛ وهم ممنوعون منعًا باتًا أن يدوروا في الأزقة — وإذا عصى أحدٌ هذه الأوامر حبس وعذِّب، وإذا أتى بأفعال غير لائقة أو شهد المعلمون أنه لا يرجى تقدمه أعيد — حالًا — إلى مصر، والكل في ذلك سواء لا يستثنى أحد. ومحمد علي باشا بنفسه يطلع على التقارير الواردة، ويتصرف فيها بما يرى، ويرسل دائمًا إلى الطلبة يشجع المُجِدّ وينذر الكسول، ويراقب كل صغير وكبير. وفي آخر كل عام تأتي التقارير الوافية عن كل طالب، ويُمَرَّن كل طالب أثناء تعلمه على التأليف أو الترجمة، ويرسل ذلك لمصر للاطلاع عليه.

•••

وضعت برامج مختلفة لتعليم كل طالب حسب دراسته الأولى، والغرض الذي من أجله أرسل. وكان البرنامج الذي وضع للشيخ رفاعة شاقًا غريبًا، لأنه أعد للترجمة من الفرنسية إلى العربية، وعليه أن يُعَدّ لترجمة الكتب في العلوم المختلفة، في الجغرافيا والتاريخ والطب والهندسة والتعاليم العسكرية، وهو لا يستطيع الترجمة في علم من العلوم إلا إذا ثقف فيه، فيجب أن يثقف هذه الثقافات المختلفة ليستطيع التعريب فيها، لذلك كان برنامجه الذي ألزم به ما يأتي:

يجب أن يتعلم الفرنسية، نحوها وصرفها وإملاءها قراءة وكتابة، وقد استمر في ذلك ثلاث سنين، وفي أثناء تلك السنوات يقرأ كتبًا معينة في فلسفة اليونان والتاريخ العام.

وعيِّن له كتاب في الحساب يقرؤه ويعرف مصطلحاته وكذلك في الهندسة.

واختير له كتاب واسع في الجغرافيا التاريخية والطبيعية والرياضية والسياسية، قرأه على أستاذ فرنسي.

ويتمرَّن في كل ذلك على الترجمة من الفرنسية إلى العربية.

ويقرأ كتابًا في المنطق الفرنسي، وكتابًا في المعادن، وكتبًا مختلفة في الأدب الفرنسي، فيقرأ لفولتير، وراسين، وروسو.

ويقرأ في السياسة، والحقوق الطبيعية، وروح الشرائع لمنتسكيو.

ويقرأ على الأستاذ كتابًا في علم الطبيعة وكتابًا في فن العسكرية.

ويقرأ المجلات العلمية والجرائد السياسية اليومية.

وهكذا كُلِّف كثيرًا، وقرأ هو لنفسه كثيرًا، وشغف بالكتب السياسية والاجتماعية يقرأ منها كثيرًا، إذ رآها تفتح أمامه أبوابًا واسعة.

وكان مسيو جومار مدير البعثة يحبه ويعطف عليه، لما رأى من جده ونبوغه، فأعانه وشجعه وسهل له مصاعبه.

ثم استفاد فائدة أخرى كان لها أثر كبير في حياته، ذلك أنه صادف في باريس أيام وجوده بها عَلَمين من أعلام الاستشراق، الأستاذ سلفستر ده سلس والأستاذ كوزين ده برسيفال؛ فأما الأول فمدير مدرسة اللغات الشرقية، واسع الاطلاع في اللغة العربية والفارسية، نشر كتبًا عربية كثيرة؛ وألّف شرح مقامات الحريري المتداول بين أيدينا، والمطبوع في مصر مرارًا، وألف في النحو العربي على طريقة جديدة، وألف كتاب «الأنيس المفيد، للطالب المستفيد» المطبوع في مصر من غير ذكر لمؤلفه الخ؛ وكذلك الأستاذ كوزين نشر كثيرًا، وترجم من العربية «صقلية تحت حكم المسلمين» الخ. وكلاهما كان بحاثة، صادقهما الشيخ رفاعة واستفاد منهما منهج المستشرقين في البحث، واستفادا منه بعض معارفه في اللغة العربية، فلما عاد إلى مصر قلدهما في بعض شؤونهما كما سيأتي.

كان عليه أن يتم هذا البرنامج كله في خمس سنوات، وما كان يستطيع ذلك لولا همته وصدق عزمه واتكاؤه على نفسه، فقد أفرط في المطالعة بالليل حتى ضعفت عينه اليسرى، واحتاج إلى تطبيبها، ونصحه الطبيب ألا يطالع فأبى؛ وصرف أكثر مرتبه الخاص في شراء الكتب التي أغرم بها، وفي الاستعانة بمعلمين فرنسيين غير الذين رتَّبتهم له الدولة.

فإذا ملّ القراءة والدرس، استجم بنوع من الدراسة آخر لا يقل عن القراءة أهمية، وهو دراسة الحالة الاجتماعية في فرنسا، ومدى تقدمها وأسباب نهضتها، ما قوانينها، ما عاداتها، ما تجارتها، ما وسائل اعتناء أهلها بصحتهم، كيف يعطفون على مرضاهم؟ ما حالاتهم الاقتصادية؟ ما علومهم وفنونهم ونظام التدريس عندهم؟ ما هي المؤسسات العلمية غير المدارس، كالمكتبات والأكاديميات؟ حتى الملاهي والتمثيل وصالات الرقص بجميع أنواعها — كل هذا درسه بأمعان، وقيده بالكتابة، واختزنه في ذهنه، وأجاله في عقله على أساس ما يمكن أن يصنع من ذلك في مصر.

وهو في كل ذلك محتفظ بدينه، محتفظ «بعمته وقفطانه» يهرول بهما في شوارع باريس على كثرة ما لقي في ذلك من عناء، فكلما مشي لفت الأنظار إليه بغرابة شكله وطرافة زيِّه؛ ولا ينسى يومًا حكاية ظريفة وقعت له فتصرف فيها تصرفًا ظريفًا مثلها، إذ كان يسير ليلة في زقاق في باريس، فمر بحانة لعبت الخمر بمن فيها من رجال ونساء، وصادف مرور الشيخ خروجهم وهم يصيحون «الشراب الشراب»، ولاحت التفاتة من أحدهم فرأى الشيخ يسير في «جبته وقفطانه» فصاح به: يا تركي يا تركي، وقبض على ثيابه، فجذبه الشيخ رفاعة بلطف وساقه إلى «بار» كان بالقرب منه، ودخل به وقال لصاحب البار: «من فضلك أعطني بهذا كأسًا».

صاحب البار : ليس بيع الرجال في بلادنا، إنما ذلك في بلادكم.
الشيخ رفاعة : وهل هذا رجل؟ وهل من يفعل بنفسه ذلك آدمي؟

وضحك الجميع وانصرف الشيخ.

•••

في آخر السنوات الخمس عقد للشيخ الامتحان النهائي، حضره جمهرة من الأساتذة الفرنسيين، ومعهم مسيو جومار؛ وتقدم لهم الشيخ رفاعة ومعه اثنا عشر كتابًا أو رسالة ترجمها من الفرنسية إلى العربية أثناء إقامته، ففحصها الممتحنون؛ ثم قدمت له كتب عربية طلب منه أن يقرأ صفحاتها ويترجمها إلى الفرنسية شفاها وعلى البديهة؛ وأحضرت كتب مترجمة من العربية إلى الفرنسية فأعطى الفرنسيون الكتب الفرنسية والشيخ رفاعة الكتاب العربي وطلب إليه أن يقرأها في نفسه وينطق بترجمتها بالفرنسية، وقد أعجبوا بتفوقه، ولكن أخذوا عليه أن نطقه الفرنسي لم يصقل الصقل الكافي، وأنه في الترجمة أحيانًا يعبر عن الجملة الواحدة الفرنسية بجمل كثيرة عربية، وربما ترجم الكلمة بجملة فرارًا من المصطلحات، وربما غير مجازًا فرنسيًا بمجاز آخر عربي، وأنه يراعي روح المعنى أكثر مما يراعي حرفية اللفظ، ونصحوه أن يراعي ذلك في المستقبل، وأعلنوا نجاحه في اغتباط وفرح، وكتبوا تقريرًا مفصلًا لمحمد علي باشا يثنون عليه، ويبينون مدى نجاحه في كل ما عهد إليه، إلا الرسم، فقد تصلبت أصابعه ولم يرزق الخفة في يده، ويتنبأون له بمستقبل باهر في خدمة أمته بما يؤلِّف ويترجم.

إلى هنا كان الشيخ قد أتم مرحلة الاستعداد، وفارق باريس إلى مصر ليحمل عبئه ويؤدي رسالته، وفي صدره هوى حبيبتيه مصر وباريس فيقول:

لئن طلقت باريسًا ثلاثًا
فما هذا لغير وصال مصر
فكل منهما عندي عروس
ولكن مصر ليست بنت كفر

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤