الميت الحي!

كانت جميع أنوار المقر السري الداخلية مضاءة، وأصوات الشياطين تملأ المكان حركةً وحيوية وهم ملتفُّون حول جهاز التليفزيون يراقبون مباراة بين «أحمد» و«إلهام» من مباريات لعبة «الأتاري» … وهي اللعبة التي يقوم بتشغيلها العقل الإلكتروني والتي كان «أحمد» و«إلهام» نِدَّين دائمًا يكسب أحدهما جولة … ويكسب الآخر جولة وهكذا.

فقد كان أمامهم ساعة كاملة تقريبًا على ميعادهم مع رقم «صفر» الذي دعاهم إلى اجتماع … وهذا يعني بالتأكيد أن هناك مغامرة جديدة …

وتعالت صرخات الشياطين اﻟ «١٣» حينما احمرت شاشة التليفزيون معلنةً انتهاء المباراة وكانت النتيجة في صالح «أحمد» …

إلهام: بهذه المباراة نصبح متعادلَين!

أحمد: وهل أنكرت ذلك؟!

عثمان: ربما كان سبب هذا الاجتماع ليسأل رقم «صفر» عن نتيجة تلك المباراة …

تعالَت ضحكات الشياطين … ذهبت كلُّ جماعة منهم في حديث حتى دخلت عليهم «زبيدة» وهي تحمل أكواب الليمون المثلج … وسرعان ما تجمَّع حولها الشياطين اﻟ «١٣» وأسرعوا في سحب أكوابهم بسرعة.

وما إن انتهوا من تناول الليمون … حتى سمعوا صوتَ أقدامٍ تعرفها آذانُ الشياطين اﻟ «١٣» جيدًا … إلى أن سكتت تمامًا وجلس رقم «صفر» خلف الكابينة الزجاجية … وبدأ صوته العميق يتحدث إلى الشياطين …

قال رقم «صفر»: مرحبًا بكم … أظننا لم نجتمع منذ فترة طويلة كاملي العدد … ولكنني رأيت أن أجمعكم هذه المرة معًا للأهمية …

ومضى رقم «صفر» يقول: سأتحدث إليكم بشأن أحد الاكتشافات التي لو تمت لتغيَّر الكثير من مقاييس التقدم العلمي … والتطور التكنولوجي وتوفير طاقة نووية لا تفنى! … وبالطبع سأشرح لكم كلَّ شيء بالتفصيل … والآن اسمحوا لي أن أبدأ القصة منذ البداية …

فلقد وردَت لنا تقارير تُفيد ظهور العالم المصري «سامح سليم» في مدينة «برلين» بألمانيا الغربية، ولقد تمت رؤيته ثلاث مرات خلال أسبوع واحد، وتؤكد المعلومات أن العالم المصري قد وصل إلى المدينة الألمانية منذ شهور وكان هذا العالم قد تمكن من اكتشاف خطير، وهو إمكانية تحويل مادة الرصاص إلى عنصر اليورانيوم المشع … وكلنا نعلم أن أيَّ مادة مشعة بعد انتهاء إشعاعها تتحول بمرور الزمن إلى مادة الرصاص، ولذلك فلو تأكَّد نجاح اكتشاف العالم المصري في تحويل الرصاص إلى يورانيوم مرة أخرى سيكون أكبر اكتشافات هذا العصر …

سكت رقم «صفر» للحظة … ثم أكمل حديثه: بالطبع ليس وجه الغرابة في ظهور العالم في مدينة «برلين» … ولكن هناك شيء غريب حقًّا هو أن العالم المصري «سامح سليم» قد مات منذ ثلاثة أعوام …

ثم توقَّف رقم «صفر» عن الحديث للحظة وارتسمت علاماتُ التعجب على وجوه الشياطين اﻟ «١٣».

رقم «صفر»: فحسب معلوماتنا أنه مات إثرَ حادثِ سقوطِ طائرةٍ خاصة في إحدى رحلاته إلى أفريقيا، وقد تم تشييع جنازته في القاهرة منذ ثلاث سنوات … ولكن المهم الآن أن نتأكد هل مات حقًّا؟! أم أنه لا يزال على قيد الحياة؟! … لأن جميع المعلومات والأوصاف والصور الفوتوغرافية التي لدينا للعالم تُطابق أوصافَ الشخص الذي شوهد في «برلين»! … وكما أنه دخل المدينة الألمانية تحت نفس الاسم الأصلي له … فهل كان موتُه عمليةَ تزييفٍ متقنة؟! … أم أن الشخص الموجود الآن هو المزوِّر؟! … إن ما سيكشف الحقيقة هو أنه بعد وفاة العالم المصري لم يتمَّ العثور سوى على نصف أوراقه فقط، وبالتالي نصف معادلاته الكيميائية، وهكذا بقيَ سرُّ اكتشافه المذهل مجهولًا … فهل توجد مع الشخص الحالي بقية هذه الأوراق؟! …

مرَّت فترةُ صمتٍ والشياطين اﻟ «١٣» قد شردوا بعيدًا في التفكير في هذا العالِم الغامض الذي مات ثم عاد مرة أخرى إلى الحياة … وكيف دُفن في القاهرة منذ أعوام ثلاثة مضَت … وكيف عاد للظهور مرة أخرى في «برلين» … وما سبب محاولة ادعاء أنه مات … أو ادعاء أنه حيٌّ … هل هرب بنفسه إلى ألمانيا … وإذا كان اختُطِف أو هرَب فمَن الذي يرقد مكانه في إحدى مقابر القاهرة …؟

قطع رقم «صفر» هدوءَ قاعةِ الاجتماعات قائلًا: إن القصة التي رويتُها لكم ليس بها من الخطورة بمقدار ما بها من غرابة وغموض … لذلك فإنني أقترح عليكم أن تذهب جماعةٌ منكم إلى مدينة «برلين» حيث تقوم بعمليةِ بحثٍ وتحرٍّ عما يحدث هناك … كما يمكنكم أن تذهبوا أنتم الثلاثة عشر، فمنذ مدة طويلة لم تقوموا بعمل مشترك مع بعضكم وأظنها لن تكون مغامرةً بالمعنى الصحيح ولكنها ستكون عمليةَ تحريات كما أخبرتكم … وهذا تمرين لكم على العمل في التحريات.

أحمد: أليس للسيد «سامح سليم» أيُّ أقارب أو أصدقاء بالقاهرة …؟

رقم «صفر»: لا … لقد كان السيد «سامح» يفضِّل الوحدة بشكل ملحوظ … وقد كان يقطن فيلَّا بمنطقة المقطم بمفرده ومعه بعضُ الخدم، والفيلَّا الآن مغلقة ولم يظهر أحدٌ من الورثة حتى الآن!

زبيدة: هل لدينا عناوين الأماكن التي ظهر فيها بألمانيا؟

رقم «صفر»: بالتأكيد … وسوف تُحاطون علمًا بكل شيء! والآن هل أنتم جاهزون للسفر؟

ردَّ «باسم» الذي لم يتحدث منذ بداية الاجتماع: أظن أن من الأفضل أن نُقسم أنفسنا إلى قسمين … وتسافر أولًا المجموعة التي تُجيد اللغة الألمانية … ثم إن ظهور ثلاثة عشر شخصًا في مكان واحد سيكون ملفتًا للأنظار!

رقم «صفر»: كما تحبون … إذن عليكم بالاتفاق فيما بينكم حول مَن يسافر ومَن يبقى … والآن إليكم بعض الأوصاف للسيد «سامح سليم» …

الطول: ١٦٠ سنتيمترًا وهذا يعني أنه كان يتميز بقِصَر القامة … رفيع … أصلع الرأس … له شارب أبيض ولحية بيضاء صغيرة، يرتدي نظارة طبية سميكة … يقترب من الستين وهو يقيم بشارع «ليندنبورج» في مدينة «برلين» بألمانيا الغربية … وشوهد أكثر من مرة في سيارة مرسيدس سوداء يقودها سائقٌ خاص ضخم الجثة يصاحبه في جميع تحركاته، وسيوزع عليكم قسمُ المعلومات كلَّ ما تطلبونه من بيانات عن الدكتور «سامح سليم» ومكان تواجده وأهمية الاختراع الذي يعمل فيه … والآن، أية أسئلة أخرى؟

ساد الصمت بين الشياطين …

فأكمل رقم «صفر» حديثَه: إذن أتمنى لكم التوفيق.

بدأت المشاورات بين الشياطين حول مَن يسافر لألمانيا ومَن يبقى بالمقر، واتفقوا على سفر «أحمد» و«خالد» و«رشيد» و«إلهام» و«ريما» … ويبقى بقية الشياطين في انتظار التطورات …

بدأ الشياطين في مغادرة قاعة الاجتماعات ولم تكن المجموعة المسافرة لألمانيا تدري أن عملية التحرِّي والبحث التي سيقومون بها تُخفي وراءها كمًّا هائلًا من المخاطر التي لم تكن تخطر لهم على بال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤