الخاتمة

ما كان لنا أن نكتب اليوم كلمتنا هذه عن المترجم به، وما كان لنا أن نستعجل القدر، ونستقدم من عظمة هذا العظيم ما تأخر، فغدًا سيسجل التاريخ، وغدًا سيشهد الزمن، وفي غد سيكتب الشعب، وتدون أقلام الخلود، ويفتح سجل الأبد، ولكنا قسنا بما كان ما سيكون؛ وتوسمنا فيما فعل الخير فيما سيفعل؛ فإن عظائم الفعال لا تزال أمامه، وحسام الأمور على مرتقب منه، وفي العمر — إن شاء الله — بقية، وفي الأجل نسيئة، ومن قوة الرجولة مدخر، ومن النشاط والخفة إلى خدمة هذه الأمة مجتمع ومختزن، ولقد أدى الوزير لبلاده أعظم صنيع، وأسدى إليها أكبر منة، وفي الحق لقد تجلت مقدرته السياسية في فترة قصيرة محرجة، عصيبة رهيبة، بما لم تتجل به عبقريات أكبر ساسة الدنيا في بضع سنين، وعلى فترة من الزمن متراخية متطاولة، حتى لقد عجز الخصوم الذين حاولوا أن يفسدوا عليه عاطفة أمته، فلم يبلغوا شيئًا مما أرادوا، عن إنكار مقدرته، وتجاهل قوة عارضته، وجلال بديهته، وسعة حيلته، ولم يستطيعوا أن يكذبوا على مواهبه، أو يدعوا الجهل بعبقريته، وحدة تفكيره، وسرعة إنفاذه، وتوقد ذكائه.

وكان خليقًا بأمة كأمتنا أن لا يكون فيها فريق يختصم فريقًا، وحزب يناضل حزبًا، وأن تصبح الأمة — كما رأينا — طرائق وشيعًا، كل يقول: زعيمي بالزعامة أولى، ورأسي بالولاية.

ولقد كنا أقوياء ملتئمي الصفوف، مكتملي الوحدة، مؤتلفي القلوب، متصافي الأفئدة، يوم الثورة الكبرى، وعهد النهضة المتقدة الجياشة، المستعرة يوم طاح الردى بالشباب، وسكن الذين اضطجعوا تحت الثرى دفاعًا عن الذين فوقه، وكنا خلقاء بأن نكون اليوم أكثر اتحادًا، وألم شعثًا، وأقل خصومة، وأجمع كلمة؛ حتى تتم لنا بقية الحقوق، وتتحقق جملة المطالب، وحتى نناضل صفًّا واحدًا الغاصب، ونقف سدًّا في وجه العدو، ولكنا وا ضلتاه لا نزال نقول وزاريين ومعارضين، وحكوميين ومتخاصمين، والوطن واحد يطالب أهله أن يكونوا شيعة واحدة، ومصر للجميع، وحقها على الجميع، وكان الجمع كله مخلصًا، والشيعة بجملتها بالعقيدة الوطنية مؤمنة.

وما أردنا — علم الله — بهذا الكتاب كما قلنا في مستهله أن نرفع هذا الوزير، وأنصار هذا الوزير على مكانة أحد، ونهدم من هذا الوطن جانبًا لنعلي بنيان جانب، فإن سعدًا وصحبته، وثروت وفرقته كلهم بنو أب واحد هو النيل العظيم، المستفيض الضاحك المبتسم، وأولاد أم واحدة هي مصر، هذه العزيزة الحبيبة إلى كل نفس، ولم نضع كتابنا هذا ليكون قصيدًا جميلًا خالي النزعة، كاذب الدخلة، فما كان هذا نصب عيننا يوم أمسكنا بالقلم، ولا نحن بالخارجين على الأمة فننادي الجميع إلى الخروج، ولا بالذين يمشون في الصفوف بكلمة الفرقة، والنفار، والاضطراب، والخصام، والاشتجار، بل رأينا الروح الحزبية الهوجاء المقيتة قد سرت في النفوس، واستحوذت على المشاعر، ودين الوطنية الصادقة قد خرج عليه ألوف من الملاحدة، والناكرين، والكافرين، وهذا شر ما تصاب به أمة في بهرة حركتها، وأقتل ما تفجع به بيئة في مستحر نهضتها، ولكن الحق قمين بأن يبدو لهؤلاء الذين أنكروه، وخليق بأن يعيد إلى الأمة من عارضوا أنصارها، ومشوا بالخصومة بين أهلها.

اللهم ما ظلمنا أمتنا، ولا أنكرنا عمل مخلص من أبنائها، ولا جحدنا فضل زعامتها، ولكنا أردنا أن نقرب بين الأخوين، ونمتهد للحق طريقًا معبدًا، وننادي الناس إلى إكبار شخصية عظيم من عظمائنا لم يأثم، ولم يقعد عن السعي في سبيل أمته، ولم يمالئ عدوًّا على وطني، ولم يحاول قتل وطني لإحياء عدو، وقد برزت هذه الشخصية إلى الميدان قوية ناهضة منتعشة، تسعى إلى الخلود؛ فكان حقًّا على الأدب أن يظهر للناس ما خفي من هذه العظمة المقدسة الإلهية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤