عاجل جدًّا!

كان مقرُّ الشياطين السِّري يضجُّ بالحركة استعدادًا للاجتماع العاجل الذي نادَى به رقم «صفر» عبْرَ الإذاعة الداخلية للمقر، وكان «بو عمير» أولَ مَن دخل قاعة الاجتماعات الكبرى في الدور الثاني … وتتابع دخول الشياطين بعده؛ «أحمد»، «إلهام»، «عثمان»، «فهد»، وسرعان ما اكتمل حضورُ بقية الشياطين اﻟ «١٣».

مرَّت دقائق سريعة قبل أن تتعالى أصواتُ أقدام رقم «صفر» المنتظمة ثم يأتي بعدها بصوته العميق محيِّيًا الشياطين ليجلس خلف منصته الزجاجية ذات اللون الداكن.

قال رقم «صفر»: شيء غريب فعلًا ما يحدث في «الأرجنتين» … فهل من المعقول أن يموت رجلٌ عدة مرات ثم يظهر من جديد … كيف يحدث هذا؟!

أكمل رقم «صفر» حديثَه قائلًا: هذا شيء ضد العقل … ولكن هذا ما حدث بالفعل … ثم صمتَ دقائق قال بعدها: الحكاية باختصار شديد … في جنوب «الأرجنتين» يعيش رجلٌ يُدعَى «كلاوس روبيرتو»، وهو من أشهر زعماء تجار المخدرات، ومعظم تجارته تذهب للبلدان العربية وخاصة «مصر»، فضلًا عن إغراق معظم مناطق «الأرجنتين» ومدنها بالمخدرات.

ثم صمت رقم «صفر» لحظات سَمِع فيها الشياطين صوتَ الأوراق التي يقلبها أمامه، ثم تحدَّث مرة أخرى قائلًا: لقد حاولَت السلطات في «الأرجنتين» القبضَ عليه مرات عديدة دون جدوى … وأخيرًا تمكَّنت في عام ١٩٩٠م من إطلاق الرصاص عليه، ومات بعدها بأحد المستشفيات الحكومية هناك … ونشرت الصحف «الأرجنتينية» صُوَرَه في معظم جرائدها ومجلَّاتها، وأسهبَت في إلقاء الضوء على حياته، وكيف أصبح زعيمًا لأخطر عصابات المخدرات، وكانت فرحة السلطات لا تُوصف بسبب الخلاص منه ومن تجارته المسمومة.

صمت رقم «صفر» لحظات قال بعدها: لكن للأسف لم تَدُمِ الفرحة طويلًا … فقد شُوهد «كلاوس روبيرتو» مرة أخرى بإحدى السيارات الضخمة. كان يجلس في المقعد الخلفي، بينما كان يقود السيارة رجل آخر … ولم تصدق السلطات في بادئ الأمر كلَّ مَن شاهده، وفسَّرَت الأمر على أنه مجرد تشابه أو أوهام ولكن الأيام أثبتَت عكس ذلك تمامًا … فتجارة المخدرات نشطَت من جديد، و«كلاوس» ظهر حيًّا بعد أن مات؟!

حارَت السلطات في تفسير هذا اللغز، فكيف يموت إنسان ويُدفن ثم يعود للحياة مرة أخرى من جديد؟!

إنه شيء يفوق الخيال!

صمت رقم «صفر» مرة أخرى ثم ضغط زرًّا صغيرًا أمامه؛ فأُضيئت شاشة فسفورية ظهر عليها رجلٌ طويل القامة، عريض الصدر، مفتول العضلات، وشعره الأسود الفاحم يتدلَّى على كتفَيه؛ فقال رقم «صفر» وهو يُشير بعصاته الفضية الطويلة على الشاشة: هذا هو «كلاوس روبيرتو».

ثم أكمل: لقد استطاعت السلطات «الأرجنتينية» القبضَ عليه وأودعَته في السجن تحت حراسة مشددة لحين محاكمته، وتفسير لغز موته وعودته للحياة مرة أخرى، وكان ذلك في عام ١٩٩١م.

ثم كانت المفاجأة؛ فقبل تقديمه للمحاكمة بأيام … دخل حُرَّاسُه عليه في صباح أحد الأيام فوجدوه ممدَّدًا على الأرض، وقد فارق الحياة … وبعد الكشف عليه تبيَّن أنه مات منتحرًا إثر تناوله مادة سامة، ودارَت تحقيقات واسعة عن كيفية تسرُّب هذه المادة إليه ولم يُسفر التحقيق عن شيء.

دُفن جسد «كلاوس» بمقبرة حكومية ووُضعَت عليها حراسة مشددة خوفًا من سرقة الجسد … وأكَّدت السلطات هذه المرة موتَ «كلاوس»، ونشرَت صورتَه من جديد، وأُعد برنامج تلفزيوني عنه وعن حياته المليئة بالجرائم، وطوَت السلطات ملفَ «كلاوس» للأبد.

ويسكت رقم «صفر» قليلًا يسمع بعدها الشياطين صوته وهو يتنهد ثم يقول: ولكن المفاجأة أن أحد الأشخاص قد أبلغ الشرطة عن أنه رأى «كلاوس» بعينه وأنه يركب نفس العربة الفارهة ويقودها سائقُه، وذكر المبلِّغ أوصافَه ولم يكن هذا البلاغ سوى نكتة أطلقَتها السلطات وحاولَت تصديقها، وتوالَت بعدها المكالمات الهاتفية على أقسام الشرطة … «كلاوس» لم يزل حيًّا … وحار رجال الشرطة أيامًا قبل أن يتأكدوا من صحة البلاغات … فكيف يموت رجل مرتين ثم يُبعث للحياة مرة أخرى؟!

إنه شيء أغرب من الخيال.

فهل «كلاوس» حيٌّ فعلًا؟! وهل هو الذي مات؟

وظل هذان السؤالان يُحيران السلطات «الأرجنتينية» كما يُحيرنا جميعًا، ثم سكت رقم «صفر» لحظاتٍ ليُكملَ بعدها حديثَه قائلًا: ومهمَّتُكم الآن أيها الأبطال، معرفة حقيقة «كلاوس روبيرتو»، وستجدون كلَّ العون من السلطات «الأرجنتينية» هناك؛ فهي في غاية الحيرة أمام ما يحدث … إن ما ذكرتُه لكم مجرد مدخل لمعرفة نوع المغامرة الغريبة التي ستُقدمون عليها، وسيكون لنا لقاء آخر، بل يمكن أن تُصبح لقاءات قبل السفر والتوجه إلى «الأرجنتين»، وإلى أن نلتقيَ أتمنى لكم وقتًا سعيدًا.

سمع بعدها الشياطين أصوات أقدام رقم «صفر»، وهي تبتعد عن المنصة ثم بدأت في الاختفاء رويدًا رويدًا.

خرج بعدها الشياطين من قاعة الاجتماعات، وأخذوا يتناقشون فيما سمعوه من زعيمهم رقم «صفر». قال «أحمد»: لعل ما قاله الزعيم شيء يدعو للغرابة ويُثير العقل … فليس من المعقول أن يموت «كلاوس» ثم يُبعث إلى الحياة من جديد.

ردَّ «عثمان»: هذا مستحيل ولكن لا بد من تفسير لهذه الظاهرة.

اشتركَت «إلهام» في النقاش قائلة: الغريب أن «كلاوس روبيرتو» مات مرتين الأولى بالرصاص أثناء القبض عليه، والثانية منتحرًا.

كان «بو عمير» في تلك الأثناء شاردًا حين صاح فجأة مناديًا الشياطين، ثم قال بلهجة سريعة: ثمة خداع على درجة كبيرة يلجأ إليه هذا الزعيم المدعو «كلاوس».

ضحك «أحمد» وهو يردِّد: ما نوع الخداع يا «بو عمير»؟!

قال «بو عمير»: إنني لا أصدق أن يموت «كلاوس روبيرتو» ثم يقوم من جديد، ثم يُقبض عليه وينتحر، إنها حكاية أقوى من الخرافة.

تدخَّلَت «هدى» في الحديث قائلةً: أليس من المحتمل أن يكون إلقاء القبض على «كلاوس» تمَّ خطأً مرتين … في نفس الوقت الذي كان فيه «كلاوس» حرًّا طليقًا؟

قال «أحمد»: ولكن السلطات «الأرجنتينية» يا «هدى» أكَّدَت في المرتين أن المقبوض عليه «كلاوس» نفسه، ثم أكمل قائلًا: وليس من المعقول أن يتمَّ القبض على شخص آخر غير «كلاوس» على أنه «كلاوس»!

هناك ملاحظة أخرى: لقد مات «كلاوس روبيرتو» في المرة الأولى برصاص رجال مكافحة المخدرات … وقد يكون شخصًا آخر غير «كلاوس»، وهذا مجرد افتراض، ولكن لماذا انتحر «كلاوس» الثاني؟

ردَّت «إلهام» وهي تُشير ﻟ «أحمد» بأصابعها: تُرى، هل توجد درجة من التشابه بين أيٍّ من البشر حتى يصبح «كلاوس» واحدًا وثانيًا ثم ثالثًا على حدِّ قول الزعيم؟!

قال «أحمد» مخاطبًا «إلهام»: أرجو المزيد من التوضيح يا «إلهام»، ماذا تقصدين بالضبط؟

قالت «إلهام»: إنني في حيرة من أمر هذا الرجل … فهل السلطات في «الأرجنتين» تعرف شكل «كلاوس» جيدًا؟!

عندئذٍ صاح «أحمد» قائلًا: هذا بكل تأكيد … فأنت تعرفين أن معظم زعماء العصابات لهم صور فوتوغرافية لدى رجال الشرطة … ثم إن «كلاوس روبيرتو» هذا … معروف تمامًا لخطورته الشديدة … لقد وصفوه هناك في «الأرجنتين» ﺑ «ملك المخدرات».

تدخَّل «فهد» في النقاش قائلًا: فلنكتفِ بهذا القدر من النقاش على أن نُكملَه عندما تتوفر لدينا معلومات جديدة.

وأيَّده «خالد» قائلًا: إنك على حقٍّ يا «فهد» لقد وصلنا إلى مرحلة البيضة والدجاجة … ثم وجَّه «خالد» سؤاله للشياطين قائلًا: ترى هل البيضة أولًا أم الدجاجة؟

قالت «ريم» وهي تضحك: لقد انتهى هذا اللغز منذ زمن طويل يا «خالد».

وأنت تعرف جيدًا … أن الدجاجة أولًا … لأن الله تعالى خلق من كل المخلوقات زوجين اثنين … ذكر وأنثى … ولذلك فقد أتَت «الفرخة» أو الدجاجة قبل البيضة.

وضحك الشياطين جميعًا لحماسة «ريم» الغريبة، وصفَّق «عثمان» وهو يردد: برافو «ريم» برافو … ولكن أسألك من أتى أولًا الفرخة أم البيضة؟

لم يكَد الشياطين ينفجرون بالضحك حتى دوَّى رنينُ الجرس المتقطِّع، سمعوا بعدها الصوت الآلي … وهو يدعوهم لقاعة الاجتماعات الكبرى، فانطلقوا صَوْبها وعلى وجوههم علامات الحماس والاستعداد!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤