الفصل الثاني عشر

عرَفتُ من اللافتة الترحيبية في تيكهيل، نيو هامبشير، أنَّ إجمالي عدد السكان ٧٣٠ نسمة.

كان ذلك في يوم الإثنين، الرابع عشر من مارس لعام ٢٠١١. كنتُ قد غادرتُ بوسطن بعد الساعة الخامسة صباحًا بقليل، وكانت عقاربُ الساعة تشير الآن إلى الثامنة والنصف. تقع قريةُ تيكهيل شمال جبال وايت. كنت قد أجريتُ بحثًا عن المدينة، وبحثًا عن نورمان تشيني، الرجل الذي ذهبتُ إلى هناك كي أقتله، لكن ليس كثيرًا. وبحثتُ قدْر ما استطعتُ أن أبحث على كمبيوتر المكتبة؛ إذ جلستُ بسرعة البرق إلى الكمبيوتر فور أن غادر شخصٌ آخرُ دون تسجيل الخروج. كنت أحملُ دفتر ملاحظاتي معي وتمكَّنتُ من تدوين الملاحظات. ما علمتُه عن تيكهيل أنَّ بها مطعمًا واحدًا صغيرًا، وفندقَين للمبيت والإفطار، كلاهما مشهور بسبب قُربهما من العديد من مناطق التزلج. أخرجتُ الخريطة وحدَّدتُ موقع نورمان تشيني بالضبط على طريق كوميونتي. بدا المنزل، وفقًا للخريطة على الأقل، منعزلًا إلى حدٍّ ما. بعد رسم الموقع في دفتر ملاحظاتي، بدأتُ في البحث عن نورمان تشيني، الذي اشترى منزل تيكهيل قبل ثلاثِ سنواتٍ مقابل ٢٢٥ ألف دولار. المعلومة الأخرى الوحيدة التي حصلتُ عليها عن نورمان تشيني كانت نعيًا من عام ٢٠٠٧ لمارجريت تشيني، معلِّمة مدرسية من هوليوك، في غرب ماساتشوستس، ماتت في حريق منزل. ماتت مارجريت تشيني عن عمر سبعة وأربعين عامًا، تاركةً وراءها طفلَين؛ فين في الثانية والعشرين من العمر، ودارسي في التاسعة عشرة، وزوجها نورمان تشيني البالغ من العمر ثلاثةً وعشرين عامًا. لم تكن هذه بالمعلومات الكثيرة، لكنها جعلتني أتساءل. هل يمكن أن يكون نورمان تشيني مسئولًا عن وفاة زوجته، وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا هو ما جعله في عِداد الأموات؟ وهل كان هذا هو السببَ في أنه ترك هوليوك ليعيش في بلدةٍ يقلُّ عدد سكانها عن ألف نسمة؟

خطر لي أنني لستُ بحاجةٍ فعلًا إلى قتْل نورمان تشيني. إذا كان «دوكبرج»، الموقِع الذي رتَّبتُ فيه عمليةَ القتل بالوكالة، لا يُفصح عن هُوية المستخدمين مثلما زعم، فمن المستحيل أن يتعرَّف الغريب الذي تواصلتُ معه إلى شخصي. حسنًا، لم يكن هذا صحيحًا تمامًا. حتى لو كان هذا الغريب — نسخة الظل من نفسي — لا يعرف شيئًا عني، فهو يعرف شيئًا واحدًا. كان يعلم أنني أردتُ الموت لإريك أتويل. قد يضعُني هذا على قائمة اشتباهٍ طويلة، وقد لا يحدُث ذلك أيضًا. قررتُ المضيَّ قُدُمًا في تنفيذِ نصف الصفقة الذي يخصُّني؛ فقد بدا لي ذلك شيئًا أكثرَ أمانًا، وربما يكون الشيء الصحيح أيضًا، ولكن بطريقةٍ ملتوية.

قبل إغلاق كمبيوتر المكتبة، بحثتُ بسرعة عن كلٍّ من فين تشيني ودارسي تشيني. وعلى عكس والدهما، كان لكلٍّ منهما وجودٌ على الإنترنت. وإن كنت قد عثرتُ على الأشخاص المقصودين، فإنَّ فين تشيني يعمل حاليًّا في بنك صغير في بيتسفيلد، حيث يعمل أيضًا مضيفًا للألعاب الترفيهية في حانة محليَّة. أما دارسي تشيني، فإنها تعيش الآن خارج بوسطن، حيث إنها ملتحقةٌ بكلية الدراسات العُليا في جامعة ليزلي في كامبريدج. كانت توجد صورٌ لكلَيهما، وكانا بلا شكٍّ أخًا وأختًا. شعرٌ أسود فاحم، حاجبان كثيفان، عينان زرقاوان، فمٌ صغير. لا يبدو أن أيًّا منهما يعيش مع والده، وكانت هذه أهمَّ معلومة حصلتُ عليها. إذا كان نورمان تشيني يعيش بمفرده، فإنَّ مهمتي أصبحت أسهلَ بكثير.

كانت الثلوج قد بدأت في الهطول للتو عندما دخلتُ تيكهيل، وعُلِّقت رقاقاتٌ خفيفة في الهواء دون أن تهبط. وجدتُ طريق كوميونتي، وهو طريق قليل السكان وممهَّد على نحوٍ سيئ، يقود إلى تلٍّ في نهايته. أبطأتُ سرعتي عندما اقتربتُ من الرقم ٤٢؛ كان صندوقُ البريد، المطليُّ باللون الأسود وعليه أحرفٌ بيضاء، هو المؤشرَ الوحيد على وجود ملكية. وبينما كنت أقودُ ببطءٍ، دقَّقتُ النظر عبْر الممر الترابي لكني لم أستطِع رؤيةَ المنزل في الغابة. في نهاية طريق كوميونتي انعطفتُ، ثم اتخذتُ قرارًا. هذه المرة توجَّهتُ إلى أسفل الممر. والتفَّ بي الطريق إلى اليسار، وعندئذٍ تمكَّنتُ من رؤية المنزل. كان هيكل المبنى على شكل حرف A؛ تشغَل النوافذ فيه مساحةً أكبرَ عن الجوانب الخشبية، ومُشيَّد على هيئة شاليه تزلُّج صغير. كنت سعيدًا جدًّا عندما لاحظتُ عدم وجود مرأب للسيارات وأن سيارةً واحدة فقط — من طراز سيارات الدفع الرباعي — واقفةٌ أمام المنزل. ومن ثمَّ، كان الاحتمال الأرجح أنَّ نورمان تشيني بمفرده في المنزل.

ترجَّلتُ من السيارة، مرتديًا قفازَين، وواضعًا على رأسي قناعَ تخفٍّ، ولكني لم أسحبه على وجهي بالكامل، وأمسكتُ بعتلةٍ بالقرب من ساقي. اقتربتُ من المنزل وصعدتُ الدرجتَين إلى الباب الأمامي. كان الدرَج من الخشب الصلب، ولكن كان هناك شريطٌ من الزجاج المشطوف على كِلا الجانبين. بعد أن قرعت جرسَ الباب، اختلست النظرَ إلى داخل المنزل المظلم، الذي بدا متزعزعًا؛ نظرًا إلى تأثير تموُّج الزجاج. كنت قد قررتُ أنه في حالِ اقترب من الباب أيُّ شخص بخلاف رجلٍ في منتصف العمر، فسوف أسدُل القناع على وجهي وأعودُ أدراجي إلى السيارة. وكنت قد لطَّختُ بالفعل لوحةَ الترخيص بما يكفي من الطين بحيث يُحجَب الرقم واسم الولاية.

لم يُجب أحدٌ على الباب. قرعتُ الجرس مجددًا — أربع مراتٍ — ثم رأيتُ رجلًا ضخمًا ثقيل الوزن يتثاقل ببطءٍ على الدرَج. حتى من خلال الزجاج كان بإمكاني أن أرى أنه يلبَس بنطالًا رياضيًّا رماديَّ اللون وقميصًا ذا مربعات من الصوف. كان وجهه أحمر، وشعره الكثيف الداكن يبرُز في خصلاتٍ، كما لو كان غير مغسول.

فتح الرجلُ الباب. لم يكن هناك خوفٌ في تعابير وجهه، ولا حتى أي تردد. قال: «آها.»

سألتُ: «هل أنت نورمان تشيني؟»

قال مرة أخرى: «آها»، كان طوله يزيد عن ستة أقدام، رغم أنه انحنى قليلًا، بحيث كانت إحدى الكتفين أعلى على نحوٍ ملحوظ من الأخرى.

أرجحتُ العتلة، مستهدفًا جانب رأسه، لكن تشيني ارتدَّ إلى الوراء، وكان طرَفُها قد علِق بقصبة أنفه. أحدثَت شرخًا ممزقًا وهو يترنَّح إلى الوراء، وتساقطت الدماءُ بغزارة على ذقنه. رفع يديه على وجهه قائلًا في وهن: «اللعنة.»

خطوتُ إلى داخل المنزل، وأنا أُلوِّح بالعتلة مرة أخرى، لكن تشيني تصدَّى لها بسهولة بذراعه اليسرى البدينة، ثم لوَّح في وجهي بيمينه، وضربني على كتفي بقبضته. لم تؤلمني، لكنها أفقدَتني توازني هُنيهة، قيَّد تشيني حركتي، ممسكًا بتلابيب بدلتي الرياضية بكلتا قبضتَيه، دافعًا إياي باتجاه الحائط. وبشيءٍ ما، ربما خُطَّاف معطف، طعنني في أعلى ظهري. كان الدم الدافئ يندفع من أنف تشيني كالرشَّاش ويرتطم بي في وجهي. مرَّت على ذهني المذعور بعضُ الذكريات، ربما من رواية إيان فليمنج، ورفعتُ قدمي اليُمنى لأنزل بحذائي الثقيل بقوةٍ على مشط قدم تشيني. صاح تشيني في ذعر وأرخى قبضته، واندفعتُ إلى الأمام بينما تعثَّر هو إلى الخلف، وسقط كلانا بعد بضع خطواتٍ، هبطتُ فوقه بقوة، وسمعتُ شيئًا يُطقطق. تلوَّى وجه تشيني من الألم، وأخذ يفتح فمه ويغلقه مثل سمكة أُخرجت من الماء. دفعتُ نفسي بعيدًا عن جسده، ثم وضعتُ ركبتي على صدره وانحنيتُ فوقه مرةً أخرى. أخذ يكافح من أجل أن يتنفَّس، ووضعتُ يدَيَّ ذواتَي القفازين حول عنقه الثخين، وأخذتُ أضغط بأقصى ما يمكنني مُستخدمًا كِلا إبهاميَّ. حاول أن يُرخيَ يدي، لكنه كان قد وهن بالفعل. أغمضتُ عينيَّ وظللتُ أضغط. بعد دقيقة أو ربما أطول، توقَّفتُ وتدحرجت إلى الجنب وأنا أتنفَّس بصعوبة، وأدركتُ أن فمي كان مالحًا ومثخنًا بالدماء. مرَّرتُ بلساني حول أسناني، لكن طرَف لساني كان خشنًا ومؤلمًا. لا بد أنني قد عضضت لساني أثناء الشجار. كانت الدماءُ تملأ فمي، وابتلعتُها. لقد بدت فكرةً سيئة أن أبصق بعضَ دمي في مسرح الجريمة، مع علمي بأنني قد تركتُ على الأرجح كلَّ أنواع آثار الحمض النووي بالفعل.

جلستُ أمام تشيني، ومن دون أن أنظر إليه مباشرةً، رحت أتحسَّسُ النبضَ في رقبته ومعصمه. لم يكن هناك شيء.

وقفتُ، وتأرجَح العالم من حولي لحظة، ثم انحنيتُ لالتقط العتلة. كنتُ قد قررتُ سابقًا أنني سوف يتعيَّن عليَّ التجوُّل في المنزل، وأخذُ بعض الأشياء الثمينة بعد وفاة تشيني، لكنني لم أكن أعرف إن كانت لديَّ المقدرةُ على ذلك أم لا. أردتُ فقط أن أعودَ إلى السيارة، مبتعدًا قدْرَ المستطاع عما حدث الآن.

كنتُ على وشْك الانعطاف عندما استشعرتُ حركةً بجانب عيني، نظرتُ على أثرها عبْر الرَّدهة نحو غرفة المعيشة ذات الطراز المفتوح والنوافذ الممتدة من الأرض حتى السقف. كان هناك قطٌّ برتقالي يشق طريقه ببطءٍ نحوي، وكانت أظفارُه غير المقلَّمة تنقر على الأرضية الخشبية. توقَّف القط وشمَّ جسدَ تشيني، ثم نظرَ إليَّ مجددًا وأخذَ يعوي بصوتٍ عالٍ، واقتربَ خطوتَين، ثم تقلَّب على جانبه وتمدَّد لتظهر بطنه البيضاء المرقَّطة. سرَت في جسدي موجةٌ من البرد القارس لتُصيبه بالشلل تقريبًا، لقد انتابني هاجسٌ بأن هذه الصورة، لهذه القطة التي تلتمس الحُبَّ بينما يرقُد صاحبها مقتولًا على الأرض، ستُلاحقني إلى الأبد. ودون تفكير، انحنيتُ وأخذتُ القطة، واصطحبتُها معي خارجًا إلى سيارتي، وقُدتُ بعيدًا.

كانت الثلوج قد تجمَّعَت الآن وبدأت تلتصق بالطرق. قُدتُ سيارتي ببطءٍ، عاكسًا مسار طريقي عبْر وسط مدينة تيكهيل، ثم أخذتُ الطريق السريع الذي سيقودني عبْر جبال وايت وجنوبًا إلى ماساتشوستس. شعرتُ أن تحركاتي في السيارة بطيئةٌ ومتأنية، وحتى السيارة نفسها بدت كما لو كانت تتحرَّك في الهواء الذي تحوَّل إلى شيءٍ قريبٍ من الصلابة. تباطأَ الزمنُ، وكان كلُّ شيءٍ قد تخضَّب بشعورٍ من اللاواقعية. نظرتُ إلى دواسة المقعد بجانبي إلى حيث وضعتُ القط المطيع. كان جزءٌ من عقلي يصرخ بأنه لم يكن ينبغي أن آخُذ أيَّ شيءٍ من مسرح الجريمة، يخبرني أنني وقَّعتُ للتو على وثيقة موتي، لكنني واصلتُ القيادة. كانت القطة تنظر الآن إلى أعلى نحو النافذة، إلى رقاقات الثلج المتطايرة بجانب السيارة. لم يكن هناك طوقٌ. مددت يدًا ومسحتُ على طول عمودها الفقري؛ كانت أقلَّ وزنًا مما ظننت، وكان معظم حجمها يأتي من فروها البرتقالي السميك. أحسستُ بخرخرةٍ صغيرة تسري عبر أطراف أصابعي.

بمجرد أن تخطَّيتُ الجبال، وبدأ عقلي يَصفو قليلًا، قررتُ أن أتوقَّف جانبًا في أي بلدة عشوائية، وأبحث عن متجر، أو نُزُل، عن مكانٍ به بابٌ مفتوح، وأزج القطة بالداخل. ومن ثمَّ، سيعثر أحدهم على القطة ويوفِّر لها مأوًى. كانت هناك مخاطرة، مخاطرة كبيرة، أن يراني شخصٌ ما، لكن كان عليَّ أن أحاول. ما كان يجب أن آخذ القطة بتاتًا، ولا يمكنني حتى أن أتذكَّر الآن لماذا فعلتُ ذلك. ولكن الآن بعد أن أصبحَت القطة في السيارة، لم أستطِع حمْل نفسي ببساطةٍ على دفعها إلى جانب الطريق. سيكون هذا هو الشيءَ الحكيم الذي يجب القيام به، لكن فرص بقاء القطة على قيد الحياة ستكون ضئيلةً للغاية.

تابعتُ القيادة، وفي مكانٍ ما في جنوب نيو هامبشير خفضَت القطةُ رأسها وغطَّت في النوم. لم أتوقَّف في أيِّ بلدةٍ عشوائية، وفجأةً أدركتُ أنني لن أفعل. عندما عُدتُ إلى بيكون هيل ووجدتُ مكانًا لانتظار السيارات أمام المبنى مباشرةً، كانت القطة لا تزال معي. حملتُها وأخذتُها إلى الطابق العلوي. كانت الساعة العاشرة والنصف صباحًا.

بينما كانت القطة تتجوَّل في شقتي الصغيرة، تتشمَّم وتفرك خدَّها في كلِّ قطعة أثاث، رُحتُ أتجرَّد من ملابسي كلها، ووضعتُها هي والعتلة معًا في كيس قمامة متين. ثم استحممتُ بالماء والصابون، واغتسلتُ ثلاث مراتٍ على الأقل، حتى بدأ الماء الساخن ينفد.

في خُطتي الأصلية لهذا اليوم، كنت سأغادر منزلَ تشيني، ثم أتوجَّه شمالًا قليلًا إلى متجرٍ للكتب المستعملة كنت أعرفُه، وكان يقع في حظيرة قديمة قد جُدِّدت. سبق أن ذهبتُ إلى هناك عدة مرات، وفي السابق كنت محظوظًا بالعثور على طبعاتٍ نادرة من روايات الجريمة. إذا انتهى بي الأمر لأي سببٍ بأن أكون مشتبهًا به في وفاة تشيني، أو رصد أحدُهم سيارتي، فسيكون لديَّ على الأقل مبرِّر لوجودي في نيو هامبشير في ذلك الإثنين تحديدًا. لقد كانت حُجةَ غيابٍ واهيةً للغاية، لكنها كانت أفضلَ من لا شيء. افترضتُ أنه يمكنني الآن القول إنني كنتُ أخطِّط للقيادة إلى متجرِ كتبٍ مُفضَّلٍ إليَّ، لكنني استدرتُ عائدًا بسبب الثلوج.

لا شيء من هذا بالطبع يفسِّر وجودَ قطة رجلٍ مقتول في شقتي، قطة كانت تحكُّ ذقنها بكاحلي الآن. وجدتُ علبة تونة، وأفرغتُها في وعاءٍ، ثم ملأتُ وعاءً آخرَ بالماء. عثرتُ أيضًا على غطاء صندوق من الورق المقوَّى، فنثرتُ فيه بعضَ التراب من أحد نباتات العنكبوت الخاصة بي، على أملِ أن يصلُح صندوقًا لفضلاتِ القطة. وبينما كانت القطة تأكل، ذهبتُ إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بي وبحثتُ على جوجل عن كيفية معرفةِ إن كان القط ذكرًا أم أنثى. وبعد البحث، قررتُ أن القطة كانت ذكرًا. قضيتُ اليوم معه في الداخل، وفي مرحلةٍ ما، نمنا معًا على الأريكة، والقط بجوار قدمي. وبحلول الظلام، وجد طريقه إلى الفراش، والتفَّ على نفسِه فوق كتابي الحالي، وهو نسخة ورقية من كتاب ريكس ستاوت «كثير من الطهاة». سميتُ القطَّ نيرو.

•••

عقب شهر واحد — شهر واحد بعد أن تركتُ جثة نورمان تشيني في تيكهيل، بنيو هامبشير — كان هناك شيئان واضحان. الأول، لم تأتِ الشرطة في طلبي. على الرغم من أنني لم أتصفَّح الإنترنت للبحث عن أي شيءٍ حول قضية قتْل تشيني، إلا أنني شعرتُ في أعماقي، أنني قد نجوتُ بفَعلتي. الإدراك الثاني هو أن نيرو، الذي ألِف منزلَه الجديد وتأقلَم عليه بسعادةٍ غامرة، كان بحاجةٍ إلى المزيد من الأشخاص من حوله. كثيرًا ما كنت أخرج مدة اثنتي عشرة ساعة في كل مرة، وعندما أعود إلى المنزل، أجد نيرو هناك عند الباب في حاجةٍ ماسة إلى أن أحنوَ عليه. أخبرتني ماري آن، جارتي في الطابق السفلي، أنها تسمعه يبكي خلال النهار.

بدأتُ أعتقد أنَّ نيرو سوف يصبح قطَّ متجرٍ ممتازًا في «أُولد ديفيلز».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤