الفصل الرابع والعشرون

غادرتُ المنزلَ دون أن أتحقَّق من الطقس، ووجدتُ أن الثلوج قد ازدادت. كانت الثلوج الآن تتساقط في كتلٍ كثيفة، تلتصق بالأشجار والشجيرات، لكنها تذوب على الأرصفة والطرق.

قبل أن أتوجَّه إلى منزل براين في ساوث إند، ذهبتُ إلى متجرِ نبيذٍ في شارع تشارلز، وابتعتُ قِنِّينةً من نبيذ «بتيت سيراه». كنت في منتصف الطريق خارج المتجر عندما استدرتُ. ابتعتُ زجاجة من «زواك»، وهو مشروبٌ كحولي عُشبي مجَري أحبُّه. ثم سِرتُ إلى «أُولد ديفيلز»، حيث كان براندون وإيميلي يستعدَّان لإغلاق المتجر بحلول الليل. وقبل أن أدخل إلى المتجر، وقفتُ بالخارج في الثلج لحظةً، أحدِّقُ عبْر النافذة إلى الوهج الدافئ لمتجر الكتب من الداخل. كان براندون يتحدَّث إلى أحد الزبائن، وعلى الرغم من أنني لم أستطِع سماع الكلمات نفسِها، استطعتُ سماع الدويِّ العميق لصوته طَوال المسافة خروجًا إلى الشارع. كانت إيميلي في الخلفية تتحرك ذهابًا وإيابًا خلف طاولة الدفع. كانت ليالي الجمعة ونهار السبت هي الأوقاتَ التي كنا فيها نحن الثلاثة — موظَّفي متجر «أُولد ديفيلز» لبيع الكتب — نعمل على الأرجح، وشعرتُ بالغرابة من كوني بالخارج أنظرُ إلى الداخل. كان العالم يواصل تقدُّمه، على ما أعتقد.

اندفعتُ عبْر الباب وحيَّيتُ براندون بأن عرَضت عليه قنينةَ الزواك.

قال بصوتٍ عالٍ مطيلًا الكلمة: «مااااذا؟»

قلتُ: «عرضٌ للسلام. أشعر بالضيق لأنني تغيَّبتُ كثيرًا مؤخرًا. أنتم يا رفاق مَن أنجزتُم كلَّ الأعمال».

قال: «أجل، أنجزناها»، وعاد ليُري إيميلي.

رحَّبتُ بالزبونة، وهي امرأةٌ شابة تعرَّفتُ عليها مُؤلِّفةَ رواياتٍ بوليسية محلية، كانت قد قدَّمَت ندوةً في متجرنا العام الماضي. وقد زاغ اسمُها مني فجأة.

قالت: «كيف تسير الأمور؟». كان لديها عينان قاتمتان كبيرتان ومتقاربتان، في وجهٍ نحيل. وقد جعَلَتها فَرْقةُ شعرها الأسود الناعم في المنتصف تبدو كما لو أنها شخصٌ ربما رسَمه إدوارد جوري.

قلتُ: «الأمور على ما يُرام. ما الجديدُ لديك؟»

قبل أن تتمكَّن من الرد، سحب براندون إيميلي من المكاتب الخلفية وراح يُناديني. قال: «أنت أيضًا يا جين». وفجأةً تذكَّرتُ اسمها بالكامل: جين برندرجاست. كانت قد كتبَت روايةَ غموض تُدعى «البومة ستنحدر». سِرنا إلى حيث كان براندون يسكُب جرعات الشراب في أكواب الماء الصغيرة التي نحتفظ بها في الخلف.

قلتُ مخاطبًا جين: «جئتِ لتصفُّح بعض الكتب، وانتهى بكِ الأمر إلى الحصول على جرعة شراب».

قال براندون: «إنها أحدُ أفراد العائلة»، وتوهَّج وجهُ إيميلي التي كانت تحمل الآن شرابها بحُمرة داكنة. نظر براندون إليها ثم إليَّ وقال: «أوه.»

قالت إيميلي: «أنا وجين يرى أحدُنا الآخَر.»

قلتُ: «ذلك يُفسِّر لماذا تضَعين دائمًا كتبَ جين على الطاولة الأمامية». والآن بدَت جين محرجةً أيضًا، واعتذرَت، وقلتُ إنني كنتُ أمزحُ فقط. شربنا نحن الأربعة. قلتُ: «نَخب أُولد ديفيلز.»

اقشعرَّت إيميلي وسألتني ما هو زواك. قلتُ إنني لم أكن أعرفُ حقًّا، ولكنه بدا مناسبًا للطقس، مثل شيء قد يُحضره لك أحدُ سكان سانت برنارد إذا كنتَ محاصرًا بانهيارٍ جَليدي. بقيتُ مدةً أطول قليلًا، لكنني رفضتُ شرابًا آخر. كانت الساعة تقترب من السابعة، وقت إغلاق المتجر، وكذلك الوقت الذي كان من المفترض أن أكون فيه في ساوث إند. لم أرغب فجأةً في الذَّهاب. شعرتُ بالأمان في المتجر، ولم أكن أعرفُ فحسب ما الذي سيحدث في منزل براين وتيس. أرسلتُ رسالةً نصِّية إلى تيس، وأخبرتُها أنني سأكون هناك قرب السابعة والنصف، ثم ساعدتُ براندون وإيميلي في إغلاق المتجر. بقيَت جين في الجوار، في انتظار أن تُنهيَ إيميلي مناوبتها.

بحلول الوقت الذي كنت أسير فيه عبْر بوسطن كومون باتجاه ساوث إند، ازدادَت درجة الحرارة انخفاضًا، وكان الثلج قد بدأ يلتصق بالممرَّات المرصوفة. مرَرتُ بمنطقة التزلج «فروج بوند»، كانت مضاءةً ومليئة بالمتزلِّجين، ثم عبَرتُ شارع تريمونت، ثم شارع ذا بايك، وصولًا إلى ساوث إند. ورغم الطقس، كانت ليلة الجمعة وكانت حشودُ الناس في الخارج تملأ المطاعم والحانات. كانت عائلة موري تعيش في منزلٍ من القرميد ذي واجهة قوسية في شارعٍ سكَني. وكان بابهم الأمامي مطليًّا باللون الأزرق الداكن. ضغطتُ على جرس الباب وسمعتُ رنينًا من الداخل.

قالت تيس وأنا أناولها زجاجةَ النبيذ: «شكرًا لك يا مال»، وتمنَّيتُ لو أحضرتُ لها شيئًا أكثرَ تشويقًا. «تعالَ، اغتنم بعضَ الدفء. يَعُدُّ براين المشروبات في الطابق العلوي.»

صعدتُ السُّلَّم الضيق، كانت الجدران مُزيَّنة بأغلفةٍ مبروَزة من سلسلة إليس فيتزجيرالد. وعند أعلى الدرَج استدرتُ ودخلتُ غرفةَ المعيشة الكبيرةَ في الطابق الثاني. كان براين يقف مُحدِّقًا إلى المِدفأة، حيث بدَت النارُ كما لو كانت قد اشتعلت للتو. قلتُ: «مرحبًا، براين.»

التفتُّ. كان يحمل كأسًا من الويسكي بيده السليمة. قال: «ماذا يمكنني أن أُحضر لك؟» وقلتُ له إنني سوف أحتسي ما يتناوله. من خِزانةٍ في مستوى الخَصر، سكب الويسكي من الدورق الزجاجي البلوري في كأسٍ زجاجيَّةٍ قصيرة، مضيفًا مكعبَ ثلجٍ صغيرًا من دلو، وأحضره إليَّ. على طاولة القهوة بين أريكتين كان هناك قالبٌ خشبي به جُبن ومقرمشات. جلسنا، ووضع مشروبه حتى يتَّكئ ليحصل لنفسه على بسكويت.

قلتُ: «كيف حال ذراعك؟»

«إذا قُدِّر لك أن تعيش قدْرَ ما عشتُ، فسيتَّضح لك أن كلَّ ما هنالك أنك سوف تعتاد فحسبُ على أن يكون لك ذراعان، ولن يكون من السهل أن تفقد إحداهما. حتى ولو مؤقتًا.»

«تيس تُقدِّم يدَ العون.»

«حسنًا، نعم، إنها تساعد بالفعل، لكنها لا تدَعني أنسى هذه الحقيقة. كلَّا، أنا أمزح. من الجيد وجودها هنا. أخبِرني عن المتجر. كيف حالُ البيع؟»

تحدَّثنا عن المتجر بعضَ الوقت، ثم صعدَت تيس الدرَج وجلسَت على حافة الأريكة التي جلس عليها براين. كانت ترتدي المئزر وكان وجهُها أحمرَ لامعًا كما لو كانت تنظر داخل أواني الطهي. كان كلبُ عائلة موري — وهو كلبُ صيدٍ مرقَّط يُدعى همفري — قد تبِع تيس إلى الغرفة، وبعد أن تشمَّم يدي الممدودةَ مدةً وجيزة بدأ يحوم حول لوح الجُبن.

قال كلٌّ من براين وتيس في آنٍ واحد: «همفري»، فعاد ليجلس على فخذَيه، وراح يضرب الأرض بذيله.

قلتُ: «ماذا لدينا على العشاء؟» وأخذتُ أتفحَّصهما وهي ترد. كانت عينا تيس مشرقتَين كما لو كانت متحمِّسة لأمرٍ ما. راقبها براين بالطريقة التي قد يُراقب بها نادلًا، باهتمام طفيف، إلى أن يحتاج بالطبع إلى مشروبٍ آخر.

قالت تيس قبل أن تغادر: «فلتحتسيا مشروبًا آخَر، كلاكما، ثم انزلا إلى الطابق السُّفلي لتناول العشاء». وضغطَت على كتفي عندما مرَّت بي في طريقها نحو الدرَج، ثم ضربَت على فخذها وتبِعها همفري خارج الباب.

قلتُ: «سأحصل لنا على واحدة»، وأخذتُ كأس براين الفارغةَ وكأسي إلى خِزانة المشروبات الكحولية. وسكبتُ سكوتش في كأسه بمقدار إصبعَين وأقل قليلًا في كأسي. أضفتُ الثلج إلى كلٍّ من مشروبَينا ثم أعدتُهما.

قال براين: «سوف أُخرجُ الصنف الرائع لاحقًا. لديَّ قِنِّينة تاليسكار عمرُها خمسةٌ وعشرون عامًا في مكانٍ ما هنا.»

قلتُ: «لا تُبدِّدها عليَّ. فهذا مذاقه جيد.»

«حسنًا، نحن نشرب سكوتش منتصف الأسبوع وما لم أكن مخطئًا، فاليوم هو الجمعة، على الأقل هذا ما قالته تيس. سأخرج شيئًا أفضلَ لاحقًا.»

قلتُ: «هل فكَّرت يومًا في تأليف كتابٍ عن احتساء الخمور؟»

«ذكر لي وكيلُ أعمالي هذا الأمر عدة مرات. ليس لأنه يعتقد بأن هناك مَن سيشتريه، ولكن لأنه يعتقد بأنني على الأقل قد أستفيد قليلًا من الوقت الذي أضيِّعه في احتساء الشراب.»

قلتُ: «قبل أن أنسى، لقد أعدتُ قراءةَ «عين الهدف» للتو.»

قال: «وما الذي دفعك إلى فِعل هذا؟». ولكنني استطعتُ أن أستشفَّ من وجهه أنه كان مسرورًا.

«كنتُ أتصفَّح كلَّ النسخ التي لديَّ من كتبك، وفتحتُها للتو وبدأتُ في قراءتها. ولم أتوقَّف حتى انتهيتُ منها.»

«نعم، بالنظر إلى الماضي أعتقد أن إليس كان ينبغي لها أن تقتل المزيد من الأشخاص. أحببتُ تأليفَ هذا الكتاب. كما تعلم، لا يزال لديَّ قرَّاء يُرسلون إليَّ رسائل ليُخبروني أنهم يتظاهرون بأن الكتاب غيرُ موجود. وأتلقَّى رسائلَ تُخبرني أنه الشيء الجيد الوحيد الذي كتبتُه على الإطلاق.»

«حسنًا، لا يُمكنك إرضاءُ الجميع طَوال الوقت.»

«إنها الحقيقة. أتذكَّر عندما كتبتُ «عَين الهدف» أنني عرَضتُها على وكيل أعمالي أولًا. وكيلي في ذلك الوقت، هل تتذكَّر بوب دراشمان؟ لقد أخبرني أنه لم يستطِع ترْكها من يده، لكنهم لن ينشروها أبدًا. لم تكن إليس قاتلةً قاسية القلب؛ هكذا قال لي. سوف تخسر نصف قرَّائك. أخبرتُه أنني قد أخسر النصف، لكنني سأستعيد ضِعف هذا العدد. وقد طلب مسوَّدةً ثانية، ليست شديدةَ الوحشية، ومن ثمَّ أضفتُ بالطبع جريمةَ قتل أخرى.»

قلت: «أيُّ واحدة؟»

«لا أستطيع التذكُّر. كلَّا، بل أتذكَّر. أعتقد أنه الرجل الذي احتجزته في الفريزر وتركته هناك. أجل، كانت تلك هي؛ لأن بوب اعترف بأنه أحبَّ ذلك المشهد عندما قرأ الكتاب الأخير. على أي حال، أخبرتُه أن يرسل المسوَّدة إلى دار النشر وإلا فسوف أبحث عن وكيل آخر، ومن ثمَّ أرسلها. نشروها، وخمَّن ماذا، واصل العالم مسيرته.»

«وعلى الأرجح ضاعفتَ عدد قرائك.»

«لا علم لي بذلك، لكني لم أفقد الكثيرَ منهم. وحصلتُ على جائزة إدجار، وهذا ما كان.»

«إنه كتابٌ جيد.»

قال: «شكرًا على ذلك يا مال.»

«ألم ترغب قط في تأليفِ كتابٍ آخرَ في السياقِ نفسِه؟ كتاب انتقام آخرَ لإليس؟»

«كلَّا، ليس حقًّا. الأمر أنه ليس عليك القيامُ بذلك سوى مرةٍ واحدة، وبعد ذلك يعرف القارئ أن إليس بها هذا الجانب. لكن إذا دخلَت في فورة قتلٍ في كل مرة تفقد فيها شخصًا تحبُّه، فستكون شخصًا آخرَ. كلَّا، ذلك يحدُث مرة واحدة فقط. إنَّ قلبها ينفطر فتسعى إلى الثأر، وهي تعلم أنها لا تستطيع أبدًا أن تدعَ هذا الجانب منها يسيطر عليها مرةً أخرى. ومع ذلك، فقد ألَّفتُ كتابًا دونها في إحدى المرات، هل أخبرتُك بذلك من قبل؟»

كان قد أخبرني بالطبع، لكني أخبرتُه أنني لا أعتقد ذلك.

«نعم، لقد كتبتُ روايةً منفردة. أظن أن ذلك كان بعد مُضيِّ عامين على رواية «عين الهدف». كان كتابَ انتقامٍ آخَر لكن هذه المرة كان البطلُ رجلًا. شرطيٌّ من جنوب بوسطن تتعرَّض زوجته للاغتصاب والقتل على يدِ مجموعةٍ من البلطجية الأيرلنديين. فيتتبَّعهم ويقضي عليهم جميعًا. لقد كتبتُه في غضون أسبوعَين تقريبًا، ثم قرأتُه مرةً أخرى، وأدركتُ أنني قد أعدتُ كتابةَ «عَين الهدف» كليًّا. ومن ثمَّ، وضعتُه في دُرجي ونسيتُ أمره.»

«أما زلتَ تحتفظ به؟»

قال وهو يحكُّ جانبَ أنفه المطاطي: «يا إلهي، كان ذلك حين كنتُ أعيش مع ماري في نيوتن؛ لذا مَن يدري إن كنت سأجده بعد الانتقال أم لا. لكن، أجل، لا أذكر أنني ألقيتُ به؛ ولذا فهو موجود هنا في مكانٍ ما.»

قالت تيس، قادمةً إلى الغرفة: «هل تتحدَّث عن ماري؟». لم تَعُد ترتدي المئزر، وبدَت كأنها قد وضعَت بعضَ مساحيق التجميل.

قال براين: «أجل، الأيام الخوالي. هل العشاء جاهز؟»

«العشاء جاهز.»

نزلنا إلى الطابق الأرضي، وتناولنا الطعام على ضوء الشموع على طاولة غرفة الطعام الموضوعة أمام نافذةٍ ناتئة من الحائط، تُطلُّ على الشارع. وكان الكلب همفري قد تلقى طعامًا على سبيل المكافأة، وكان مشغولًا بمضغِها في فِراشه عند الزاوية. كانت تيس قد أعدَّت ضلوعًا قصيرة مطهية، وبيننا نحن الثلاثة استهلكنا ثلاثَ زجاجاتٍ من النبيذ قبل أن تُحضر الحلوى، التي كانت فطيرة كليمنتين.

قلتُ: «هل صنعتِ ذلك؟»

«يا إلهي! كلَّا. أنا أطبخ لكنني لا أخبز. من يريد نبيذ بورت؟»

قال براين وهو ينظر إليَّ: «لا نريد. دعونا نحتسِ بعضًا من ذلك الويسكي الذي تحدَّثتَ عنه سابقًا. التاليسكار.»

قالت تيس: «يمكنكم تناولُ ذلك. أما أنا، فسأتناول بورت.»

قلتُها ونهضتُ واقفًا: «هل يمكنني إحضاره من أجلك؟» واصطدمت فخذي قليلًا بحافة الطاولة.

«شكرًا لك يا مال، سيكون ذلك رائعًا. يوجد بورت في قبْوِنا. بري، أخبره أيُّ زجاجة ينبغي أن يُحضرها. والويسكي في الطابق العلوي، على ما أعتقد.»

تلقَّيتُ التوجيهات ونزلتُ إلى الطابق السفلي أولًا للبحث عن نبيذ بورت. لم أنزل بالأسفل هنا من قبل؛ كان القبو شبه مشطَّب، والجدران مغطَّاة بالألواح الصخرية، لكن الأرضية مصبوبة بالأسمنت فقط. وعلى امتداد أحد الجدران كانت هناك خِزانةُ كتب ضخمة. ذهبتُ لإلقاء نظرةٍ عليها، ووجدتُ أنها مليئةٌ بالكامل بكتب براين موري، وجميع النسخ المختلفة، بما في ذلك الطبعات الأجنبية من سلسلة إليس فيتزجيرالد. وقفتُ أحدِّق بها لحظةً، مُدركًا أنه كان لديَّ الكثير لأشربه على العشاء. وقد جعَلني ضوءُ القبو الخافت أشعر وكأنني في حُلم. كانت المحادثة على العشاء مُسلِّية، لقد استخدمني كلٌّ من تيس وبراين جمهورًا مستمِعًا لإهاناتهما المتبادَلة العدوانية بعض الشيء، التي تميل إلى المغازَلة قليلًا. لكن بينما كنتُ أتمايل أمام رفِّ الكتب، ممسكًا بما بدا أنه إصدارٌ ورقي روسي من «حتى تؤدي دَور الشرير»، ظللتُ أفكِّر فيما تحدَّثتُ عنه أنا وبراين أثناء تناول الشراب، حول مدى استمتاعه الواضح بكتابة رواياته عن الانتقام العنيف. وكيف كتب كتابًا آخَر ولم ينشره مطلقًا. كنت أرغبُ في العودة إلى تلك المحادثة.

كان الجانب الآخر من القبو مليئًا برفوف النبيذ التي تمتدُّ من الأرض إلى السقف. لقد أخبرني براين أن أبحث عن زجاجة تايلور فلادجيت تاوني بورت، التي ينبغي أن تكون في أعلى اليمين. سحَبتُ عدة زجاجاتٍ قبل أن أجد الزجاجة المناسبة وأُحضرَها إلى المطبخ بالطابق العلوي، حيث كانت تيس تُكدِّس الأطباق في مغسلتهم الضخمة.

قلتُ: «من أجلك.»

لم أُفاجَأ تمامًا عندما شكرتني بعد أن أخذت الزجاجة، ثم وضعتها على المنضدة وجذبتني لتُعانقني. قالت: «سررتُ بوجودك هنا مال، أتمنَّى أن تكون مستمتعًا أيضًا.»

قلتُ: «بالطبع.»

وضعَت يدها على فكِّي وأخبرتني كم كنت لطيفًا. «اذهب وأحضِر لبراين الويسكي الخاصَّ به قبل أن يُفيق. سأفتح زجاجة البورت.»

صعدتُ الدرَج ودخلتُ غرفة المعيشة. كان كلُّ ما تبقَّى من النار بِضع جمراتٍ مشتعلةٍ في كومة من الرماد. كانت الغرفة لا تزال دافئة. مشيتُ إلى خِزانة الخمور، وانحنيتُ وفتحتُها. وفي الداخل كان هناك نحوُ اثنتَي عشرة زجاجة، كل أنواع الويسكي بقدرِ ما أستطيع القول. وجدتُ قِنِّينة التاليسكار وأخرجتُها. وكانت هناك زجاجةٌ مثلَّثة من الويسكي خلفها تُسمى «ديمبل بينش». لقد كان السكوتش نفسَه الذي وُجِد قدمَي نيك برويت. كنت متأكِّدًا من ذلك. كان شكل الزجاجة فريدًا من نوعه؛ إذ كانت زجاجةً ثلاثية الجوانب، وكلُّ جانب مُنبعجٌ قليلًا. ويحيط بالزجاجة سلكٌ رقيق. رُحتُ أبحث أكثر في الخِزانة ووجدتُ أن هناك زجاجتَين أُخريَين من السكوتش نفسِه، وكلتاهما مغلقتان، كان هذا على الأرجح سكوتش منتصف الأسبوع الخاص ببراين، الذي وضعه في دورقه فوق الخزانة.

نهضتُ، وأنا لا أزال ممسكًا بزجاجة التاليسكار، أتمنَّى لو كنتُ أقلَّ سُكرًا، وأتمنَّى أن أتمكَّن من معرفةِ ما سأفعله بعد ذلك بالضبط. سمعتُ أحدهم يدخل الغرفة، لكن كان هذا همفري فحسب، يتنفَّس بصعوبة، ويتَّجه نحو الجُبن والمقرمشات التي لا تزال على طاولة القهوة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤