الفصل الثالث

كانت العميلة مالفي تحمل ورقةً مطبوعة. أخذتُها منها، ألقيتُ نظرةً خاطفة على القائمة التي كنت قد كتبتُها، ثم قلت: «أتذكَّر هذه، لكنها كانت منذ وقتٍ طويل.»

«هل تتذكَّر الكتبَ التي اخترتها؟»

ألقيتُ نظرةً خاطفة على النُّسخة المطبوعة مرةً أخرى، وانتقلَت عيناي على الفور إلى «تعويض مزدوج»، وفجأةً عرفتُ سببَ وجودها هنا. قلت: «أوه، الرجل الذي وُجد على قضبان السكة الحديدية. هل تعتقدين أن ذلك مبنيٌّ على «تعويض مزدوج؟»».

«أظنُ أنه قد يكون كذلك، بالتأكيد. لقد كان مسافرًا منتظمًا. ومع أنه قُتِل في مكانٍ آخر، فقد دُبِّر الأمرُ ليبدوَ كأنه قفزَ من القطار. عندما سمعتُ بذلك، رُحتُ أفكِّر على الفور في «تعويض مزدوج». الفيلم على أي حال. فأنا لم أقرأ الكتاب.»

قلتُ: «وأنتِ قادمة إليَّ لأنني قرأتُ الكتاب؟»

أجفلتْ سريعًا، ثم هَزَّت رأسَها. «كلَّا، أنا قادمةٌ إليك لأنني عندما أدركتُ أن هذه الجريمة ربما كانت محاكاةً لفيلم أو كتاب، أجريتُ بحثًا على «جوجل» تضمَّن كلًّا من «تعويض مزدوج» و«جرائم الأبجدية». ومن هنا عثرتُ على قائمتك.»

كانت تُطالعني بترقُّب، مُحدِّقة إلى عينيَّ، وشعرتُ أن عينيَّ تزوغان بعيدًا عن عينيها، سابحةً في امتداد جبينها الواسع، وحاجبَيْها غيرِ المرئيَّين تقريبًا.

قلتُ «هل أنا مشتبَهٌ به؟» ثم ضحكت.

اتَّكأتْ إلى الخلف قليلًا في مقعدها. «إنك لستَ مشتبهًا به رسميًّا، كلَّا. إذا كان الأمر كذلك، فلن أكون وحدي هنا لاستجوابك. لكنني أحقِّق في احتمال أن تكون كلُّ هذه الجرائم قد ارتكبَها الجاني نفسُه، وأنَّ هذا الجانيَ يُحاكي الجرائمَ من قائمتك عن عَمْدٍ.»

«لا يمكن أن تكون قائمتي هي القائمة الوحيدة التي تتضمَّن كلًّا من «تعويض مزدوج» و«جرائم الأبجدية»؟»

«لِأصدُقك القول، إنها كذلك إلى حدٍّ كبير. حسنًا، إنَّ قائمتك هي أقصرُ قائمة تحتوي على كليهما. كان الكتابان مُدرجَيْن معًا في قوائمَ أخرى، لكن تلك القوائم كانت أطولَ بكثير، على شاكلة «مئات الألغاز التي يتعيَّن عليك قراءتها قبل أن تموت»، شيءٌ من هذا القبيل، لكن قائمتك استرعَت الانتباه. إنها عن ارتكاب الجريمة الكاملة. ذُكِرَت ثمانية كتب. إنك تعمل في متجر لبيع كتب الغموض والألغاز في بوسطن. كلُّ الجرائم قد وقعَت في نيو إنجلاند. انظر، أعلمُ أنها مصادفةٌ على الأرجح، لكنني اعتقدتُ أن الأمر يستحقُّ المتابعة.»

«أتفهَّم أنه من الواضح بعضَ الشيء أن شخصًا ما يقلِّد «جرائم الأبجدية»، لكن ماذا عن العثور على جثةٍ بالقرب من قضبان السكة الحديدية؟ إنَّ القول بأن الجريمة مقتبَسة من «تعويض مزدوج» يبدو مبالغًا فيه بعضَ الشيء.»

«هل تتذكَّر الكتابَ جيدًا؟»

«بالطبع. إنه أحدُ الكتب المفضَّلة لديَّ». كان ذلك صحيحًا. لقد قرأتُ رواية «تعويض مزدوج» في سن الثالثة عشرة تقريبًا وكنتُ مُولَعًا بها للغاية لدرجةِ أنني بحثتُ عن نسخة الفيلم الذي أدَّى البطولة فيه كلٌّ من فريد مكموري وباربرا ستانويك، والذي أُنتِج عام ١٩٤٤. هذا الفيلم أسقطني في دوامةٍ من أفلام «السينما المظلِمة الجديدة» (نيو-نوار)؛ فقد أمضيتُ سنوات مراهقتي في البحث عن متاجر الفيديو التي تُخزِّن أفلامًا كلاسيكية. ومن بين جميع أفلام النيو-نوار التي شاهدتُها بسبب «تعويض مزدوج»، لم يتمكَّن أيٌّ منها من التفوق على تجربة المشاهدة الأولى. أظن أحيانًا أن موسيقى الفيلم التصويرية لميكلوس روزا أصبحت محفورةً في ذاكرتي للأبد.

«في اليوم الذي عُثِر فيه على جثةِ بيل مانسو على القُضبان، كانت إحدى نوافذ الطوارئ في القطار قد وُجِدَت مفتوحة، بالقرب من مكان العثور على الجثة.»

«إذن، هل من الممكن أن يكون قد قفزَ حقًّا؟»

«مستحيل. لقد توصَّل ضباط مسرح الجريمة الى أنه قُتِل في مكانٍ آخر واقتِيد إلى القضبان. وأكَّد الطبيبُ الشرعي أنه قضى نحْبَه نتيجةَ إصابة قوية وحادة في الرأس، على الأرجح من جَرَّاء سلاحٍ من نوعٍ ما.»

قلت: «حسنًا.»

«ذلك يعني أن شخصًا ما، على الأرجح الشخص الذي قتله، أو أحد شركائه، كان على متن القطار، وحطَّم نافذةَ الطوارئ ليجعل الأمرَ يبدو كأنه قفَز.»

لأول مرة منذ أن بدأنا الحديث، أشعر في نفسي بشيءٍ من التوجُّس. في الكتاب وفي الفيلم أيضًا، يقع وكيل تأمين في حبِّ زوجة مدير تنفيذي بإحدى شركات النفط، ويُخطِّطان معًا لقتله. لا يقومان بهذا من أجل نفسيهما فقط، بل طمعًا في المال أيضًا. يُزيِّف وكيلُ التأمين والتر هوف، وثيقةَ تأمين ضد الحوادث على حياة نيردلينجر، الرجل الذي يُخطِّطان لقتله. وتتضمَّن الوثيقة شرطَ «تعويض مزدوج» حيث يُضاعَف مبلغُ التعويض في حالة حدوث الوفاة على متن قطار. يكسِر والتر وفيليس، وهي الزوجة الخائنة، عنقَ الزوج في سيارة، ثم يتظاهر والتر بأنه نيردلينجر، ويصعد هو نفسُه إلى القطار. يضع جبيرةً مُزيَّفة على ساقه، ويستخدم عكازَيْن؛ نظرًا إلى أن نيردلينجر الحقيقي كان قد كُسِرت ساقُه مؤخرًا. يعتقد أن الجبيرة مثالية لأن الركَّاب الآخَرين سوف يتذكَّرون رؤيته، ولكن ليس بالضرورة أن يتذكَّروا رؤيةَ وجهه. يذهب إلى عربة التدخين في مؤخرة القطار، ويقفز منها. ثم يترك والتر وفيليس الرجلَ الميت على القضبان، ليبدوَ الأمرُ كما لو أنه سقط.

قلت: «إذن، ما تقولينه هو أنَّ الجريمة نُفِّذَت حتمًا بحيث تبدو مثل جريمة القتل في رواية «تعويض مزدوج»؟»

أجابت: «هو كذلك، وإنْ كنت الوحيدة المقتنِعة بوجود صلة.»

سألتُ: «كيف كان هؤلاء الأشخاص؟ الأشخاص الذين قُتلوا.»

ألقَت العميلة مالفي نظرةً خاطفة على السقف المنخفض للغرفة الخلفية للمتجر، ثم قالت: «حسب عِلمنا، لا توجد طريقةٌ للربط بينهما، بالإضافة إلى حقيقةِ أن جميع الوَفَيات حدثَت في نيو إنجلاند، وبالإضافة إلى حقيقةِ أنها تكاد تبدو جرائمَ قتلٍ مُقلَّدة من مصادرَ أدبية.»

قلت: «من قائمتي.»

«صحيح. قائمتُك رابطٌ مُحتمل. ولكنْ هناك رابطٌ آخر … إنه ليس رابطًا حقًّا، بل أشبهُ بشعور داخلي من جانبي، بأنَّ جميع الضحايا … لم يكونوا أشرارًا تمامًا، لكنهم لم يكونوا أخيارًا. إنني لستُ متأكِّدة من أن أيًّا منهم كان محبوبًا حقًّا.»

فكَّرتُ لحظة. كان الظلامُ يزداد في الغرفة الخلفية لمتجر الكتب، وتفقَّدتُ ساعتي على نحوٍ غريزي، لكن الوقت كان لا يزال في بدايةِ ما بعد الظهيرة. نظرتُ إلى الخلف نحو المخزن، حيث تُطل نافذتان على الزقاق الخلفي. كان الثلجُ قد بدأ يتراكم في كلٍّ منهما، وكان الجزء الخارجي الذي أمكنني رؤيته من خلال النوافذ مظلمًا كالغسَق. أشعلتُ مصباحَ مكتبي.

واصَلَت حديثَها قائلةً: «على سبيل المثال، كان بيل مانسو سمسارَ استثمارٍ مُطلَّقًا. قال المحقِّقون الذين أجْرَوا استجوابًا مع أطفاله البالغين إنهم لم يرَوه منذ أكثرَ من عامَين، وإنه لم يكن من النوع الأبوي تمامًا. كان من الواضح أنهم لا يحبُّونه. وروبن كالاهان، كما قرأت على الأرجح، كانت مثيرةً للجدل إلى حدٍّ كبير.»

قلتُ: «ذَكِّريني.»

«أعتقدُ أنها أنهتْ زيجةَ أحد زملائها في العمل قبل عدة سنوات. وبعد ذلك، أنهت زيجتَها الخاصة. ثم ألَّفَت كتابًا ضد الزواج الأحادي، كان هذا منذ مدة. الكثيرُ من الناس لا يُحبونها. إذا بحثتَ عن اسمها في جوجل …»

قلتُ: «حسنًا …»

«صحيح. الجميعُ لديه أعداءٌ الآن. ولكن لأجيبَ عن سؤالكِ، أعتقدُ أنه من المُحتمل أنَّ كلَّ مَن قُتِل حتى الآن لم يكن بالشخص الجيد جدًّا.»

قلتُ: «أتعتقدين أنَّ شخصًا ما قرأ القائمة التي أعددتُها بجرائم القتل، ثم قرَّر أن يُحاكيَ ما بها من أساليبَ وطُرق؟ وأراد التأكُّد من أن الأشخاص الذين يقتلهم يستحقُّون الموتَ بطريقةٍ ما؟ هل هذه نظريتُكِ؟»

زمَّتْ شفتَيها، مما زادهما شحوبًا أكثرَ من ذي قبل، ثم قالت: «أعلمُ أنَّ الأمرَ يبدو سخيفًا …»

«أو أنكِ تظنين أنني كتبتُ هذه القائمة، ثم بعد ذلك قررتُ أن أجرِّب جرائمَ القتل بنفسي؟»

قالت: «هذا سخيفٌ على حَدٍّ سواء. أعلمُ أنه كذلك. ولكنه مُستبعَد أيضًا، أليس كذلك، أن يُحاكي شخصٌ ما حبكةً من رواية أجاثا كريستي، وفي الوقت نفسه يُدبِّر شخصٌ جريمةَ قتل على متن قطار من …»

قلتُ: «مِن رواية جيمس كاين.»

قالت: «بالضبط». كان لمصباح مكتبي لمبةٌ صفراء اللَّون، وقد بَدتْ هي في وهْجها كما لو أنها لم تَنَمْ منذ ثلاثة أيام تقريبًا.

سألتُها: «متى توصلتِ إلى وجودِ صلةٍ بين هذه الجرائم؟»

«أتعني متى وجدتُ قائمتك؟»

«أعني هذا. أجل.»

«أمس. كنتُ قد طلبتُ جميعَ الكتب بالفعل، وقرأتُ كلَّ ملخصاتِ حبكاتها، ولكني قررتُ بعدها أن آتيَ إليك مباشرةً. كنتُ آمُل أن يكون لديك بعضُ البصيرة، لعلك تتمكَّن من إيجاد علاقة أو صلةٍ بين بعض الجرائم الأخيرة التي لم تُحلَّ وقائمتِك. أعلمُ أنه احتمالٌ بعيد …»

كنتُ أنظر إلى النسخة المطبوعة التي أعطتها لي، مذكِّرًا نفسي بالكتب الثمانية التي اخترتُها. قلت: «بعض هؤلاء، لا يمكنكِ محاكاةُ جرائم القتل المذكورة فيها بحذافيرها. أو يمكنكِ ذلك، لكن سيكون من الصعب اكتشافُها.»

قالت: «ماذا تقصد؟»

تفحَّصتُ القائمة. «مصيدة الموت، مسرحية إيرا ليفين. هل تعرفينها؟»

«أجل، لكن ذكِّرني.»

«الطريقة التي تُقتَل بها الزوجة هي إخافتها حتى الموت؛ ومن ثمَّ تعرُّضها لنوبةٍ قلبية. دبَّرَ الزوجُ وصديقُه كلَّ هذا. إنها جريمةُ قتل كاملة، بالطبع؛ لأنه لا يمكنك أبدًا إثبات أن شخصًا أُصِيبَ بنوبة قلبية قد قُتِل فعليًّا. لكن لنفترض أنَّ شخصًا ما أراد محاكاةَ تلك الجريمة. بادئَ بَدْء، من الصعب جدًّا أن تصيبَ شخصًا بنوبةٍ قلبية، والأصعب أن تكتشفَها. لا أفترضُ أنكَ وجدتَ ضحيةً مشتبَهًا في وفاتها بنوبة قلبية، أليس كذلك؟»

قالت: «بل وجدتُ في واقع الأمر»، وللمرة الأولى منذ وصولها إلى المتجر، أرى بصيصًا من الرضا عن النفس في عينَيْها. كانت مؤمنة حقًّا أنها في سبيلها إلى اكتشاف شيءٍ ما.

واصَلَت: «لا أعرفُ الكثيرَ عن ذلك، لكن كانت هناك امرأةٌ تُدعَى إلين جونسون من روكلاند بولاية مين، تُوفِّيَت بنوبة قلبية في منزلها في سبتمبر الماضي. كانت تعاني مرضًا في القلب، ومن ثمَّ بدا الأمر وكأنه وفاةٌ طبيعية، لكن كانت هناك علاماتٌ تدُل على اقتحام منزلها.»

فركتُ شحمة أذني. وسألتُها: «مثل عملية سطو؟»

«هذا ما قرَّرَته الشرطة. اقتحم شخصٌ ما منزلها لسرقته أو للاعتداء عليها، لكنها أُصيبت بنوبة قلبية بمجرد أن رأت مقتحِم المنزل. ومن ثمَّ، فَرَّ هاربًا.»

«ولم يُؤخذ شيءٌ من المنزل؟»

«صحيح. لم يُؤخذ شيءٌ من المنزل.»

قلت: «لا أعرف.»

قالت وهي تتحرَّك قليلًا إلى الأمام في كرسيها: «فكِّر في الأمر، رغم ذلك. لنفترض أنك أردتَ قتل شخصٍ ما بالتسبُّب في إصابته بنوبةٍ قلبية. بادئ ذي بدء، سوف تختار ضحيةً تعاني نوباتٍ قلبية بالفعل، وفي هذه الحادثة، كانت إلين جونسون. وبعدها سوف تتسلَّل إلى داخل منزلها، حيث تعيش بمفردها، مرتديًا قناعًا مرعبًا إلى حدٍّ ما، وتنقضُّ عليها من خِزانةٍ ما. وبعدها تسقط هي جثةً هامدة، وتكون أنت قد ارتكبتَ جريمةَ قتل مماثلة تمامًا لِما ورد في كتابك.»

«وإذا لم ينجح ذلك؟»

«حينئذٍ ينسحب القاتل خارجًا من المنزل، ولا يمكنها التعرُّف عليه.»

«لكنها ستُبلغ عن ذلك؟»

«بالطبع.»

«هل أبلغ أيُّ شخص عن تعرُّضه لشيءٍ من هذا القبيل؟»

«كلَّا، على الأقل ليس على حدِّ علمي. لكن هذا لا يعني سوى أن الخطة قد نجحَت من أول مرة.»

قلت: «حسنًا.»

ظلت صامتةً لحظة. وتناهى إلى سمعي صوتُ التكتكة الذي يعني أن نيرو كان قادمًا نحونا على طول الأرضية الخشبية الصلبة. استدارت العميلة مالفي التي سمِعتها أيضًا، ونظرَت إلى قِطِّ المتجر. سمحت له بأن يتشمَّم يدها ثم خلَّلَت أصابعها في رأسه على نحوٍ ينمُّ عن خبرتها بذلك. خرَّ نيرو جالسًا في الأرض وانقلبَ على جانبه، وهو يُخرخر.

قلت: «لا بد أنَّ لديك قططًا؟»

«اثنان. أيذهب معك إلى المنزل أم يبقى في المتجر فحسب؟»

«بل يبقى هنا فحسب. الكون كلُّه بالنسبة إليه عبارةٌ عن غرفتَين محفوفتَين بالكتب ومجموعةٍ من الغرباء، القليل منهم يُطعمه.»

قالت: «تبدو حياةً جيدة.»

«أعتقد أنه على ما يُرام. نصف الناس الذين يأتون إلى هنا يحضُرون فقط لرؤيته.»

وقفَ نيرو مرةً أخرى، ممدِّدًا ساقَيه الخلفيتَين، واحدةً تلو الأخرى، وسار عائدًا باتجاه واجهة المتجر.

قلت: «إذن، ما الذي تُريدينه مني؟»

«حسنًا، إذا كان شخصٌ ما يسترشد بقائمتك حقًّا في ارتكاب جرائم قتل، فأنت الخبير بالأمر إذن.»

«ولكني لا أعرفُ شيئًا عن ذلك.»

«أعني، أنت الخبير في الكتب الموجودة في قائمتك. إنها كتبك المُفضَّلة.»

قلت: «أعتقد هذا. لقد كتبتُ هذه القائمة منذ وقتٍ طويل، وبعض هذه الكتب أعرفُها أفضلَ بكثيرٍ من غيرها.»

«ومع ذلك، لن تضرَّ معرفةُ رأيك في شيء. كنت آمُل أن تنظر في بعض القضايا التي جمعتُها، قائمة بجرائم القتل التي لم تُحلَّ في منطقة نيو إنجلاند على مدار السنوات القليلة الماضية. لقد رتَّبتُها معًا على عجلٍ الليلة الماضية، مجرد ملخَّصات، في واقع الأمر.» ثم راحت تسحب حُزمةَ أوراق مُدبَّسة معًا من حقيبتها، «وكنتُ أتمنَّى أن تطَّلع عليها، أخبرني إذا كان أيٌّ منها قد يبدو أنَّ له علاقةً بالكتب الموجودة في قائمتك.»

قلت، وأنا آخُذ الأوراق منها: «بالتأكيد. هل هذه … سرية أيضًا؟»

«معظم المعلومات التي أوجزتُها هي معلوماتٌ متداوَلة. إذا استرعَت إحدى هذه الجرائم انتباهَك كاحتمالٍ وارد، فسوف أُلقي نظرةً فاحصة. إنني هنا كمن يُنقِّب صدقًا عن إبرة وسط كومة من القَشِّ. لقد تصفَّحتُها بالفعل. الأمر فقط أنه، بما أنك قد قرأت الكتب …»

قلت: «سأحتاج أيضًا إلى إعادة قراءة بعض الكتب أيضًا.»

استوت في جِلستها قليلًا وارتسمَت على وجهها نصفُ ابتسامة، ثم قالت: «إذن سوف تُساعدني». كانت شَفتُها العليا قصيرة، وكان بمقدوري رؤية لثَتِها عندما فتحت فمَها.

قلت: «سأحاول.»

«شكرًا لك. وهناك شيءٌ آخر. لقد طلبتُ جميع الكتب، ولكن إذا كان لديك أيُّ نسخ هنا، فسوف يمكنني البدء أسرع في تفقُّدها.»

تفقَّدت قائمة الجرد على الكمبيوتر؛ فعلمتُ منها أن لدينا عدةَ نسخ لكلٍّ من «تعويض مزدوج» و«جرائم الأبجدية» و«التاريخ السري»، بالإضافة إلى نسخة واحدة من «لغز المنزل الأحمر». كان لدينا أيضًا نسخةٌ واحدة من «غريبان على متن قطار»، لكنها كانت طبعةً أولى منذ عام ١٩٥٠ وفي حالة ممتازة وتُقدَّر ﺑ ١٠ آلاف دولار على الأقل. كانت لدينا خِزانةٌ مقفلة بالقرب من طاولة الدفع تحوي كلَّ كتبنا التي يبلغ سعرها خمسين دولارًا أو أكثر، لكنها لم تكن موضوعة هناك. بل كانت في مكتبي، في خِزانة زجاجية مقفلة أيضًا، حيث أضع طبعاتِ الكتب التي لم أكن مستعدًّا تمامًا للتخلِّي عنها بعد. كان بداخلي نزعةُ جامعِ كتب، وهي ليست بالضرورة شيئًا جيدًا بالنسبة إلى شخصٍ يعمل في متجر لبيع الكتب، وكذلك لشخص تمتلئ رفوف الكتب في الغرفة العُلِّيَّة التي يقطُنها عن آخرها. كدتُ أُخبر العميلةَ مالفي أننا لا يوجد لدينا كتاب هايسميث لكنني قررتُ ألا أكذب، على الأقل ليس بشأن شيءٍ تافه، على عميلة في مكتب التحقيقات الفيدرالي. أخبرتُها بقيمة الكتاب، وقالت إنها سوف تنتظر وصولَ نسختها الورقية. هكذا يتبقى «المُغْرِق»، التي توجد حتمًا لديَّ في المنزل، و«سبق الإصرار»، التي اعتقدتُ أنها ربما توجد أيضًا لديَّ في المنزل. لم يكن لديَّ بالتأكيد نسخةٌ من سيناريو مسرحية «مصيدة الموت»، سواءٌ هنا في المتجر أو في المنزل، لكنني كنت أعرف بأنها موجودة. أخبرتُ العميلة بكل هذا.

قالت: «لا أستطيع قراءةَ ثمانية كتب في ليلةٍ واحدة، على أي حال.»

«هل ستعودين إلى …»

«سوف أمكُث بالقرب من هنا الليلة، في فندق «فلات أوف ذا هيل». كنت أتمنى بعد أن تطَّلع على القائمة، ربما في الصباح … أن نتمكَّن من اللقاء مرة أخرى، فلتنظر ماذا ترى.»

قلت: «بالطبع. لا أعرف ما إذا كنت سأفتح المتجرَ غدًا، ليس إذا كان الطقس …»

«يمكنك القدوم إلى الفندق. سيدفع مكتب التحقيقات الفيدرالي نظيرَ وجبة إفطارك.»

قلت: «يبدو هذا رائعًا.»

عند الباب الأمامي، قالت العميلة مالفي إنها ستدفع ثَمن الكتب التي سوف تأخذها معها إلى المنزل.

قلت: «لا تقلقي بشأن هذا. يمكنك إعادتها إليَّ عندما تنتهين.»

قالت: «شكرًا لك.»

ما إن فتحت البابَ حتى سَرَت هبَّةُ ريح على طول شارع بيري. كانت الثلوج تتراكم، وتسبَّبَت الريحُ في حدوث انجرافاتٍ، طمسَت جميعَ الزوايا الحادة لشارع المدينة.

قلت: «توخَّي الحذرَ في الخارج.»

قالت: «إنه ليس بعيدًا». وأضافت، مؤكِّدةً موعدَ لقائنا على الإفطار: «سأنتظرك غدًا في تمام العاشرة، حسنًا؟»

قلت: «حسنًا»، ووقفتُ في المدخل، أراقبُها وهي تختفي في الثلوج التي تكتنفُ أرجاء المكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤