الفصل السادس

تردَّدتُ، ثم قلتُ: «هل هي نفسها إلين جونسون التي كانت تعيش في بوسطن؟»

«أها.»

«إذن، فأنا أعرفُها. ليس جيدًا، لكنها اعتادت أن تأتيَ إلى المكتبة طوال الوقت، واعتادت أن تحضُر ندوات المؤلِّفين.»

«ألم ترغب في أن تخبرني بذلك بعد ظهر أمس؟»

«بصراحة، لم يخطُر ببالي أنها كانت الشخصَ نفسَه. لقد بدا الاسمُ مألوفًا، لكنه اسمٌ شائع.»

قالت: «حسنًا، كيف كانت تبدو، إلين جونسون؟» إلا أنَّ عينَيها لم تلتقيا بعينيَّ تقريبًا.

تظاهرتُ بالتفكير، فقط حتى أكسِب بعضَ الوقت، لكن الحقيقة أن إلين كانت لا تُنسى. لقد كانت ترتدي نظاراتٍ سميكةً للغاية — أعتقد أن المرء كان سيطلق عليها زجاجات الكوكا — وشعرُها خفيف، وكانت ترتدي دائمًا ما بدت أنها كنزات صوفية مصنوعة يدويًّا، حتى في فصل الصيف، ولكن لم يكن أيٌّ من هذا هو ما جعلها لا تُنسى. كانت لا تُنسى لأنها كانت واحدةً من هؤلاء الأشخاص الذين يستغلُّون الطبيعةَ الهشَّة لموظفي البيع بالتجزئة، وذلك بأن تُحاصرهم وتُخضعهم لخُطَبٍ طويلة لا نهاية لها، أشبه بخُطبٍ لاذعة، حول مواضيعها المُفضَّلة. وكان موضوع إلين المُفضَّل هو مُؤلِّفي الجرائم — مَن منهم عبقري، ومَن جيدٌ فحسب، ومَن سيِّئ (عادةً ما كانت تَنعَتهم بقولها «شنيع للغاية») — واعتادت أن تأتيَ إلى المتجر كلَّ يوم وتحاصر أيَّ موظف تصادفه أولًا. كان الأمر مرهقًا ومزعجًا، لكننا اكتشفنا جميعًا أنَّ أفضلَ طريقة للتعامُل معها هي أن نُواصل العملَ أثناء حديثها، امنحها نحو عشر دقائق، ثم أخبرها — بعباراتٍ لا التباس فيها — أنَّ وقتها قد انتهى. يبدو ذلك وقحًا، لكن الفكرة أنَّ إلين جونسون نفسَها كانت وقحة. لقد كانت تقول أشياءَ شنيعةً عن المؤلِّفين الذين لم يحوزوا إعجابها. كانت عنصريةً على نحوٍ غيرِ مبالٍ، ومعاديةً للمثليِّين على نحوٍ علَني، ومما يُثير الدهشة أنها كانت تحبُّ التعليق على مظاهر الآخرين، على الرغم من مظهرها. أعتقدُ أنَّ أيَّ شخص يعمل في متجرٍ لبيع الكتب، أو في أي متجر على الأرجح، معتادٌ على التعامُل مع العملاءِ الصِّعابِ المِراس، بمَن فيهم هؤلاء الذين يأتون يوميًّا. الأمرُ المتعلق بإلين جونسون هو أنها كانت تظهر أيضًا في جميع الندوات النقاشية لمؤلِّفينا، وكانت دائمًا أولَ مَنْ يرفع يده ويطرح سؤالًا بطريقة مهذَّبة، أو غير مهذَّبة، لتُهين المؤلِّف المسكين على المنصة. ودائمًا ما كنا نحذِّر المؤلِّفين منها مسبقًا، لكننا نذكُر أيضًا أنها كانت تبتاع نسخةً من الكتاب للحصول على توقيعِ المؤلِّف حتى عندما كانت تراه من وجهة نظرها «محتالًا يفتقر إلى الموهبة». أجدُ أنَّ معظم المؤلِّفين على استعداد لتحمُّل شخصٍ أحمقَ إذا كان ذلك يعني بيعَ كتاب، ولا سيَّما كتب الجيب ذات الأغلفة الورقية.

كنت قد علمتُ أن إلين جونسون قد انتقلت إلى روكلاند بولاية مين؛ لأنها ظلَّت تُخبرنا عن الانتقالِ يوميًّا لمدة عام تقريبًا قبل حدوثه. فقد ماتت أختُها وتركَت لها منزلًا. وفي اليوم الذي غادرَت فيه أخيرًا، خرجتُ أنا والموظفون لتناول مشروب احتفالًا بتلك المناسبة.

قلتُ للعميلة مالفي: «كانت شديدةَ الوقاحة. كانت تأتي إلى المتجر كلَّ يوم وتُحاصر أحدَنا للتحدُّث عن الكتاب الذي كانت تقرؤه. أتذكَّرُ الآن أنها انتقلت إلى مين، لكنني لم أربط الاسم عندما قُلته. لقد عرَفتُها فقط بأنها إلين، وليست إلين جونسون.»

سألت: «هل كانت تستحق الموت؟»

رفعتُ حاجبيَّ. «هل كانت تستحق الموت؟ هل تسألينني بشكل شخصي؟ لا، بالطبع لا.»

«كلَّا، آسفة. أعني، لقد قلت إنها كانت شخصية وقحة. من الواضح، على الأقل لي، أن جميع الضحايا حتى الآن كانوا أقلَّ من محبوبين. هل كانت تندرج ضمن هذه الفئة؟»

«كانت بالتأكيد غير محبوبة. لقد أخبرَتني مرةً أن السِّحاقيات يصبحن مؤلِّفاتٍ رديئات لأنهن لم يقضين وقتًا كافيًا مع الرجال، الذين يتفوَّقون عليهن فِكرًا.»

«أوه.»

«اعتادت أن تتفوَّه بأمورٍ لتثير بها حفيظةَ أحدِهم ليس إلا. في النهاية، كانت حزينةً ووحيدة، أكثرَ من كونها فظيعة.»

«هل كنت تعلم أنها تعاني قصورًا في القلب؟»

بعد الجراحة التي خضعَت لها، أذكر أنها جذبت رقبةَ كنزتها الموبَّرة لأسفل، لتريني النَّدبة المُتغضِّنة على صدرها المُجعَّد. وأذكر أنني قلت: «من فضلكِ لا تريني ذلك مرةً أخرى»، مما أثار ضحكها. اعتقدتُ أحيانًا أنَّ تصرفات إلين جونسون كانت مجرد تصرفاتٍ فحسب، وأنَّ ما كانت تتوق إليه حقًّا هو أن يبادلها الناسُ وقاحتَها.

قلتُ للعميلة مالفي: «تذكَّرتُ شيئًا. أذكر أنه كان هناك وقتٌ لم تأتِ فيه إلى المتجر — شعرنا جميعًا بسعادةٍ غامرة — لكنها عاودَت المجيء بعد ذلك. أذكر أنَّ السبب كان طبيًّا».

تنحَّى النادلُ جانبًا. كان طبقُ العميلة مالفي فارغًا تمامًا، وكان طبقُ البيض الخاص بي لم يُمَس. سألَ عمَّا إذا كان كلُّ شيءٍ على ما يُرام.

قلت: «آسف. كلُّ شيء على ما يرام. ما زلت أعمل على هذا.»

أزالَ طبقَ العميلة، وطلبَت هي المزيد من القهوة. قررتُ أن أحاول تناوُلَ شيءٍ من طبق البيض أمامي، معتقدًا أن الأمر سيبدو غريبًا إن لم أفعل. نظرَت العميلة مالفي إلى ساعتها وسألتني إن كنت سأذهب إلى العمل.

قلتُ: «سأذهب. أشك في أنه سيكون لديَّ أيُّ زبائن، لكنني سأتفقَّد نيرو.»

قالت بصوتٍ تملؤه العاطفة: «أوه، نيرو.»

تذكَّرتُ أنَّ لديها قططًا خاصة بها وسألتُها: «مَن الذي يعتني بقططكِ؟» وما إنْ قلتُ ذلك، حتى أدركتُ أنه سؤالٌ شخصيٌّ للغاية. لقد بدا الأمر أيضًا كما لو أنني كنت أحاول معرفةَ ما إن كانت عزباء أم لا. وتساءلتُ إن كانت تعتقد أنني أسعى إلى التقرُّب منها. لم أكن أكبرُها كثيرًا — ربما بعشر سنواتٍ — على الرغم من أنني كنتُ أعرف أن شعري، الذي شابَ قبل الأوان، جعلني أبدو أكبرَ بعض الشيء.

قالت مُتجنِّبةً السؤال: «إنها بخير. إنها تؤنِسُ بعضها البعضَ.»

واصلتُ تناول طعامي، وألقت هي نظرةً خاطفة على هاتفها، ثم أعادته مجددًا إلى الطاولة ووجهُه للأسفل.

«لا بد لي أن أسألك أين كنت ليلة الثالث عشر من سبتمبر، الليلة التي قضَت فيها إلين جونسون نَحبَها.»

قلتُ: «بالطبع، في أي ليلةٍ كانت؟»

«ليلة الثالث عشر.»

«لا، أقصدُ أيُّ يوم في الأسبوع.»

«دعني أتحقَّق.» تناولت هاتفها مرة أخرى، وبحثت فيه مدةَ عشر ثوانٍ، ثم قالت: «ليلة سبت».

قلتُ: «كنت مسافرًا. في لندن». آخذُ الإجازة نفسها كلَّ عام، أسبوعَين في لندن، عادةً في بداية شهر سبتمبر. إنه موسم ركود سياحي؛ لأنَّ الأطفال يعودون إلى المدارس، ولكن الطقس يكون لا يزال جيدًا في العادة. بالإضافة إلى ذلك، إنه وقتٌ مناسب للتغيُّب عن المتجر.

سألت: «هل تعرف بالضبط التواريخَ التي كنت متغيِّبًا فيها؟»

«إذا كان الثالث عشر هو يوم سبت، فقد أخذتُ الطائرة عائدًا في اليوم التالي، يوم الأحد الموافق الرابع عشر. يمكنني أن أرسل إليكِ الرحلات الجوية التي كنتُ على مَتنها، إذا كنتِ ترغبين في ذلك. لكنني أعلم بصفةٍ أساسية أن ذلك كان في الأسبوعَين الأوَّلَين من سبتمبر.»

قالت: «حسنًا، شكرًا»، وبدا لي من قولها أنها تريدني أن أرسلَ إليها رحلاتي الجوية بدقة.

قلتُ: «إذا كانت إلين جونسون قد قُتلت على يدِ تشارلي …»

«أجل؟»

«إذن، هذا يرجِّح أكثر أنَّ تشارلي يستخدم قائمتي بالتأكيد.»

«أجل، إنه كذلك. وهذا يعني أنه لا يعرف مَن أنت فحسب، بل يعرف الأشخاص المحيطين بك. أعتقدُ أنه لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة أن أحد الضحايا شخصٌ تعرفه شخصيًّا.»

قلتُ: «لا أعتقد ذلك.»

«هل يوجد مَن يُكنُّ لك ضغينة، ربما موظف سابق، شخص ربما كان يعرف أن إلين جونسون زَبونة منتظمة لدى أُولد ديفيلز؟»

قلت: «على حدِّ علمي، لا. لا يوجد الكثير من الموظفين السابقين في واقع الأمر. كلُّ ما أحتاجه في المتجر شخصان فقط بالإضافة إليَّ، والاثنان اللذان يعملان لديَّ الآن معي منذ أكثرَ من عامَين.»

قالت، وهي تسحب دفتر ملاحظاتٍ من حقيبتها: «هل يمكنك إخباري باسمَيهما؟»

أعطيتُها اسمَي إيميلي وبراندون بالكامل ودوَّنتهما.

قالت: «ماذا يمكنك أن تخبرني عنهما؟»

قلتُ لها ما أعرفه. لم يكن بالشيء الكثير. تخرَّجَت إيميلي بارساميان في كلية وينسلو، خارج بوسطن، منذ نحو أربع سنوات، وتدرَّبتُ مدةً في «بوسطن أثينيوم»، وهي مكتبة مستقلة مرموقة وتاريخية. وجاءت للعمل في «أُولد ديفيلز» مدة عشرين ساعة في الأسبوع لدعم دخلها المادي. عندما انتهت مدة التدريب، زادت ساعاتُ عملها وظلَّت معي منذ ذلك الحين. إنني لا أكاد أعرفُ أيَّ شيء عن حياتها الشخصية؛ لأنها نادرًا ما تتحدَّث، وعندما تفعل، كان الأمر يتعلق فقط بالكتب، أو أحيانًا بالأفلام. ظننتُ أنها تمارس الكتابة سرًّا، لكنني لم أتأكَّد من ذلك. أما براندون ويكس، فهو موظفي الاجتماعي. كان لا يزال يعيش مع والدته وأخواته في روكسبري، وفي الغالب أعرفُ أنا وإيميلي كلَّ شيءٍ عنه، وبالتأكيد كلَّ شيءٍ عن عائلته وعن رفيقته الحاليَّة. عندما وظَّفتُه، على سبيل المساعدة الإضافية خلال موسم العطلات قبل عامَين، أعترفُ أنه كانت لديَّ شكوكٌ حول ما إذا كان سيُظهر أيَّ نوع من الانتظام. لكنه واصلَ العمل مدةً طويلة، وبقدْر ما أذكر، لم يتغيَّب — أو حتى يتأخر — يومًا واحدًا.

سألت العميلة مالفي: «وهذا كلُّ شيء؟»

«فيما يخصُّ الموظفَين الحاليَّين؟ أجل. إنني أذهبُ كلَّ يوم بنفسي. وعندما آخذُ إجازةً، إما أن نوظِّف موظفًا مؤقتًا، أو يأتي شريكي براين ويُجري بعض المناوبات. يمكنني إعداد قائمة بالموظفين السابقين وإرسالها إليكِ، إن أردتِ.»

قالت: «هل براين هو براين موري؟»

«نعم، هل تعرفينه؟»

«رأيتُ اسمه على موقعك الإلكتروني، نعم. لقد سمعتُ عنه.»

براين كاتبٌ شبه مشهور يعيش في ساوث إند ويكتب سلسلةَ إليس فيتزجيرالد. يمكن أن يقارب عددُ كتبه خمسة وعشرين كتابًا حاليًّا؛ ومع أنها لا تُحقق مبيعًا كالمعتاد، فإن براين يكتبها على أي حال، مع إبقاء المحقِّقة إليس في سن الخامسة والثلاثين دائمًا، وإقصاء كلٍّ من المُوضة والتقدُّم التكنولوجي عن رواياته. تدور أحداث كتبه في وقتٍ ما في أواخر الثمانينيات في بوسطن، على غِرار ما كان في المسلسلِ التلفزيوني المدعوِّ «إليس» الذي ظلَّ يُعرض مدة عامين، ومنح براين المنزل المستقل الذي ابتاعه في ساوث إند، ومنزله على البحيرة في أقصى شمال مين، وما يكفي من المال الإضافي لاستثماره في «أُولد ديفيلز».

«إذا فكَّرت في شخص آخر، فلتدرِجه في قائمتك. عملاء غاضبون؟ أي علاقات سابقة لك ينبغي أن نعرف بشأنها؟»

قلت: «ستكون قائمةً قصيرة، العلاقة السابقة الوحيدة لديَّ هي زوجتي، وقد تُوفِّيَت.»

قالت: «أوه، أنا آسفة»، لكن كان واضحًا من تعابيرها أنها كانت على درايةٍ بهذه المعلومات بالفعل.

«وسأواصلُ التفكير بشأن الكتب الموجودة في القائمة.»

قالت: «شكرًا. لا تتراجع. أبقني على اطلاعٍ إنْ خطرَت لديك أيُّ أفكار، حتى لو بدَت غيرَ مهمة أو غير مُحتمَلة. فلن يضر ذلك في شيءٍ.»

قلتُ وأنا أطوي منديلي وأضعُه على الجزء المتبقِّي من إفطاري: «حسنًا، هل تغادرين الفندق أو تَبقين هنا؟»

قالت: «سوف أغادر. ما لم تُلغَ رحلة القطار لسببٍ ما، فأعتقد أنني سأقضي ليلةً أخرى هنا. لكنني لن أغادر على الفور. لم تخبرني إن كنت قد ألقيتُ نظرةً على الجرائم التي لم تُحل التي أعطيتُك إياها الليلة الماضية.»

أخبرتُها أن أيًّا منها لم يَسترعِ انتباهي، ربما باستثناء دانييل جونزاليس، الرجل الذي أُصيبَ برصاصةٍ أثناء الركض.

سألت: «وما علاقة هذا بقائمتك؟»

«على الأرجح لا توجد علاقة، لكنه جعلني أفكِّر في كتاب دونا تارت، «التاريخ السري». في هذا الكتاب ينتظر القتلةُ ضحيتَهم في مكانٍ يعتقدون أنه قد يتنزَّه فيه.»

قالت: «لقد قرأتُ هذا الكتاب، في الكلية.»

«إذن هل تتذكَّرين؟»

«نوعًا ما. أعتقدُ أنهم قتلوا شخصًا وهم يُؤدون طقسًا جنسيًّا في الغابة.»

«هذه هي جريمة القتل الأولى؛ قتلوا مُزارعًا. أما الجريمة الثانية، فهي التي أشرتُ إليها في القائمة. إنهم يدفعون صديقَهم من فوق منحدر.»

«أُطلقت النارُ على دانيال جونزاليس.»

«أعلم. إنه احتمالٌ بعيد. يتعلَّق الأمر أكثرَ بحقيقة أنه كان بالخارج يُنزِّه كلبه. ربما هي نزهة يقوم بها كلَّ يوم، أو مرة واحدة في الأسبوع. ربما ليس للأمر علاقة ﺑ…»

«لا، إنه احتمال مفيد. سأبحثُ أكثر في الأمر. كان هناك العديد من الأشخاص المعنيِّين بقضية دانيال جونزاليس، من بينهم طالبٌ سابق لا يزال قيد التحقيق. لكنه يبدو احتمالًا واردًا.»

قلتُ: «هل كان دانيال جونزاليس … وغدًا؟ لا تحضُرني كلمة أفضل.»

«هذا ما لا أعرفه، لكنني سأتحقَّق من الأمر. مع أنه من المُرجَّح أن يكون كذلك، إذا كان هناك العديد من الأشخاص الذين لهم مصلحة في قتله. إذن هل كانت هذه هي القضية الوحيدة، قضية جونزاليس …؟»

قلتُ: «أجل، وإن كنت أظنُّ أنكِ يجب أن تبحثي خارج نطاق جرائم القتل العمد التي لم يُحلَّ لغزُها. ابحثي في حوادث الغرق، وكذلك حوادث تناول جرعاتٍ زائدة من العقاقير والمخدِّرات. أوه، يُذكِّرني هذا بشيءٍ.» فتحتُ حقيبتي وأخرجتُ الكتابَين اللذين أحضرتُهما معي، النسخة الورقية من «المُغْرِق» التي كنت أعيد قراءتها ليلة البارحة، بالإضافة إلى نسخة ورقية من «سبق الإصرار» التي وجدتُها في مجموعتي الشخصية صباح ذلك اليوم. لقد كان كتابًا ورقيَّ الغلاف في حالةٍ رثَّة للغاية من إصدارات شركة «بان بوكس» للنشر، وكان الغلاف شبه متهالك. ناولتُ كليهما إلى العميلة مالفي. قالت: «شكرًا. سأحرص على إعادتهما إليك.»

قلتُ: «لا تَشغلي بالكِ كثيرًا بذلك. كلاهما لا يمكن الاستغناء عنه، ولقد قرأتُ «المُغْرِق» الليلةَ الماضية. قرأتُها مرةً أخرى، أعني؛ إذ مرَّت مدةٌ طويلة منذ آخرِ مرةٍ قرأتُها.»

قالت: «أوه، حسنًا. أيُّ أفكار؟»

«ذُكرت جريمتا قتْل في الكتاب. هناك امرأة تُقتَل أثناء السباحة. لقد سُحِبَتْ من الأسفل، وهذا ما يُظهره لكِ غلاف الكتاب بالأساس. ولكن هناك جريمة قتْل ثانية، وهي جريمة مزعجة حقًّا. تَرتكبُ القاتلة، وهي امرأةٌ قوية البنيان للغاية، على نحوٍ يبدو خارقًا للطبيعة، جريمةَ قتل حيث تقتل رجلًا عن طريق إصابته بنوبة قلبية بضربةٍ من يدها. إنها تقبض يدَها بصرامة هكذا»، أوضحتُ لها هيئة الإمساك بالضحية من خلال رفع يدي ومدِّ أصابعي، «وترفعها ببطءٍ وتضرب تحت قفصه الصدري حتى تستشعر مكانَ قلبه ثم تعتصره بشدة.»

ارتسَم على وجه العميلة تعبيرٌ يوحي بالاشمئزاز وقالت: «فعلٌ مقزز».

قلتُ: «لا أدري إنْ كان هذا ممكنًا. وحتى لو كان ممكنًا، فأنا متأكِّد أنَّ تشريح الجثة سيُظهِر ما حدث.»

قالت: «أعتقدُ ذلك أيضًا. ما زلتُ أرى أننا يجب أن نبحثَ عن حوادث الغرق. أعتقدُ أن قاتلنا تشارلي سيرغب في محاكاةِ القتل غرقًا، لا سيَّما أن هذا هو عنوان الكتاب.»

قلتُ: «صحيح.»

«هل تذكَّر أيَّ شيءٍ آخر من الكتاب؟»

لم أخبِرها كيف أني لم أتذكِّر فحسب كيف كانت عمليات القتل ذات طابع جنسي. لقد تخيَّلتْ آنجي، القاتلةُ المختلةُ عقليًّا، شخصيتَين لنفسها؛ إحداهما متأثِّرة بشخصية «جان دارك» التي جعلها نقاؤها منيعةً ضد الألم، والأخرى أسمَتْها شعورَ «الفرس الأحمر»، حيث يتقوَّس ظهرُها، وتنتصب حلمتا ثديَيها، وكانت تتقمَّص هاتين الشخصيتَين عند ارتكابها جريمةَ قتلٍ ما. لقد جعلني هذا أتساءل عما إذا كان كلُّ القتَلة بحاجةٍ إلى القيام بذلك؛ بحاجة إلى الانفصال عن أنفسهم أثناء القتل، ليتقمَّصوا شخصيةً أخرى. هل كان تشارلي هكذا؟

لكن ما قلتُه للعميلة مالفي كان: «في الواقع إنه ليس كتابًا رائعًا. أنا أحبُّ جون دي ماكدونالد ولكن، باستثناء شخصية آنجي، لم يكن هذا الكتاب أفضلَ أعماله.»

هزَّت كتفَيها ووضعت كِلا الكتابَين في حقيبتها الخاصة. أدركتُ أن تقييمي النقدي للكتاب لم يكن في محلِّه تمامًا. ومع ذلك، نظرت إلى الأعلى وقالت: «لقد كنت متعاونًا إلى أبعدِ حدٍّ. هل تُمانع إذا أرسلتُ أستشيرك في أي أمرٍ قد يتبادر إلى ذهني؟ وإذا كنت ستستمر في إعادة قراءة الكتب …»

قلتُ: «بالطبع.»

تبادَلنا عناوين البريد الإلكتروني، ثم نهضنا، ورافقَتني إلى مدخل الفندق. قالت وهي تسير معي إلى الخارج: «أريدُ أن ألقيَ نظرةً على أحوال الطقس». كان الثلج يتساقط بندرةٍ الآن، لكن ملامح المدينة قد تبدَّلَت؛ إذ تجمَّعَت كتلٌ من الثلج في الزوايا، وانحنت الأشجار، حتى الجدران القرميدية للبنايات المجاورة كانت قد اكتست بنسيج أبيضَ اللون.

قلتُ: «حظًّا سعيدًا في العودة إلى المنزل.»

تصافحنا. دعوتُها بالعميلة مالفي، وطلبت مني أن أناديها جوين. وبينما كنت أبتعدُ رويدًا رويدًا، خلال الثلوج التي يصل ارتفاعها إلى قصبة الساق، قررتُ بأنها علامة طيبة أن تطلب مني أن أدعوَها باسمها الأول.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤