الفصل السابع

عندما وصلتُ إلى المتجر، بعد عشرين دقيقة، كانت إيميلي بارساميان تحت المظلَّة تنظر إلى هاتفها.

سألتُ: «منذ متى وأنت هنا؟»

«عشرون دقيقة. عندما لم أتلقَّ ردًّا منك، ظننتُ أننا سنفتح أبوابنا في ساعات العمل العادية.»

«آسف. كان ينبغي أن ترسلي إليَّ رسالة نصية». قلتُ هذا وأنا أعلم أنها لم ترسل إليَّ رسالةً نصية مطلقًا خلال أربع سنوات، وبأنها ربما لن تفعل ذلك قط.

قالت بينما فتحتُ الباب، ثم تبعتُها إلى الداخل: «لم يكن لديَّ مانعٌ من الانتظار. لقد كان خطئي لأنني نسيتُ مفاتيحي.»

جاءَ نيرو لتحيتنا، وهو يموء، وجلسَت إيميلي القُرفصاء لتحكَّ ذقنه. اتجهتُ وراء طاولة الدفع وأضأتُ الأنوار. وقفت إيميلي وخلعَت معطفها الأخضر الطويل. كانت ترتدي تحته ما كنتُ أعتقده زيَّ العملِ الخاص بها؛ تنورةً داكنة متوسطة الطول، حذاءً مبطَّنًا، وكنزةً عتيقة تحتها قميصٌ بأزرار، أو تي-شيرتًا في بعض الأحيان. قلَّما كانت تصاميم التي-شيرت التي ترتديها أدلةً حول ما تحبُّه إيميلي وما تكرهه، كان بعضُها ذا علاقة بالكتب — كان لديها تي-شيرت عليه غلاف قديم لكتاب شيرلي جاكسون «لطالما عِشنا في حصن» مع رسم توضيحي لقطٍّ أسود وسط عشب أخضر طويل — والعديد منها كان لفرقةٍ غنائية تُدعى «ذا ديسمبرست». في الصيف الماضي كانت ترتدي تي-شيرتًا يحمل إعلانًا عن «الاحتفال بالأول من مايو في جزيرة سامراي عام ١٩٧٣» وتملَّكَني شعورٌ مزعج طوال اليوم بأنَّ ما كُتب على التي-شيرت بدا مألوفًا. سألتُها أخيرًا، وأخبرتني أنه يشير إلى فيلم «رجل الأغصان»، وهو فيلم رعب يرجع إلى حِقبة السبعينيَّات من القرن العشرين لم أشاهده منذ سنواتٍ عديدة. سألتُ: «هل أنت من محبي الرعب؟»

في العادة عندما كنا نتحدَّث، كانت تنظر إما إلى جبهتي أو ذقني. قالت: «أعتقد ذلك.»

قلتُ آملًا أن تستمرَّ المحادثة: «ما أفضل خمسة أفلام لديك؟»

عبَسَت لوهلة، وهي تفكِّر، ثم قالت: ««طفل روزماري»، و«طارد الأرواح»، و«عيد الميلاد الأسود» — الفيلم الأصلي — و«المخلوقات السماوية»، و… إمم، «كوخ الغابة»، على ما أعتقد.»

«لقد شاهدتُ اثنَين من الأفلام الخمسة، ماذا عن فيلم «البريق»؟»

«كلَّا». هزَّت رأسها بسرعة، وظننتُ أنها قد تُسهب في الحديث، لكن كانت هذه نهايةَ المحادثة. لم أكن أمانع كونها شخصيةً متحفِّظة. فلقد كنتُ بدوري كذلك. وكونك شخصًا متحفِّظًا هي سمةٌ نادرة هذه الأيام. لكنني ما زلت أتساءل عن حياتها الداخلية. وتساءلتُ عمَّا إذا كانت لديها طموحاتٌ إلى جانب كونها بائعةَ كتب.

بينما كانت تُعلِّق معطفها المُندَّى، سألتُها إن كان الوصول إلى المتجر صعبًا أم لا. قالت: «لقد ركبتُ الحافلة، كان الأمر على ما يُرام»، كانت تعيش على الجانب الآخر من النهر، بالقرب من ميدان إنمان في كامبريدج. كلُّ ما كنت أعرفه عن وضْعها المعيشي هو أنها تقاسمَت شقةً من ثلاث غرف نوم مع خريجين آخَرين من كلية وينسلو.

اتجهَت إيميلي إلى الجزء الخلفي، حيث الطاولةُ التي كنت أجمع فيها ما يصل حديثًا من كتبٍ. كانت وظيفتُها الأساسية هي تحديث متاجرنا على الإنترنت ومراقبتها. إننا نبيع الكتب المُستعملة من خلال موقع «إيباي» و«أمازون» وموقع يُسمى «أليبريس»، وبعض المواقع الأخرى التي لم يكن لديَّ حتى معرفةٌ بها. اعتدتُ أن أفعل بعضًا من ذلك بنفسي، وأتلقى الطلبات، لكن إيميلي تولَّت المهمةَ بالكامل. كان هذا أحدَ أسباب قلقي بشأن خُططها المستقبلية. إذا تركت العمل في المتجر، فسأكون في ورطة كبيرة.

بقيتُ خلفَ الطاولة وتفقَّدتُ الهاتف بحثًا عن رسائل — لم يكن هناك أيُّ رسائل — ثم أجريتُ تسجيل دخول إلى مدوَّنة «أُولد ديفيلز»، وهو أمرٌ نادرًا ما أفعله هذه الأيام، لكن زيارة جوين مالفي جعلَتني مهتمًّا بإلقاء نظرة. بلغ إجماليُّ عدد المدخلات على المدوَّنة ٢١١ مُدخلًا، آخرها أُدخِل منذ شهرَين. كان يُطلق عليها «مختارات العاملين»، وهو شيءٌ أجبرتُ إيميلي وبراندون على القيام به بصفة دورية، حيث يكتبان جملتين عن آخِر كتاب قرَآه ونال إعجابهما. اختار براندون آخرَ رواية بقلم لي تشايلد «جاك ريتشار»، وكتبَت إيميلي تعريفًا موجزًا بكتاب دوروثي بي هيوز «في مكانٍ مُوحش»، وبالنسبة إليَّ وقع اختياري على كتابٍ من قِبَل كيت أتكينسون «بدأتُ مبكرًا، أخذتُ كلبي». لم أكن قد قرأتُه بالطبع، لكني كنت قد قرأت ما يكفي من التعقيبات التقييمية والملخَّصات التي تجعلني أستوعبه وكأني قرأتُه، علاوةً على أنني كنت مُعجبًا بالعنوان.

أمضيتُ ساعة أو ما يقارب في تمرير مدخلات المدوَّنة للخلف، وكان الأمرُ كما لو أنني أعيشُ السنوات العشرَ الماضية من حياتي في الاتجاه المعاكس. كان هناك أول وآخر مشاركة لجون هيلي، لقد نُشرت في الأسبوع الذي غادر فيه المتجر، مُلقيًا على عاتقي المسئولية. كان قد باع «أُولد ديفيلز» وجميع أسهمها لي أنا وبراين موري عام ٢٠١٢. كان براين قد أسهم بمعظم رأس المال، لكنه منَحني حصةً ملكية بنسبة ٥٠ في المائة، بما أنني سأتولَّى الإدارة. والأمر ناجحٌ حتى الآن. اعتقدتُ في البداية أن براين سيرغب في الانخراط أكثرَ مما كان عليه الحال، لكن لم يحدُث ذلك. كان يأتي إلى المتجر لحضور حفل عطلتنا السنوية، إلى جانب حضور جميع ندواتنا النقاشية تقريبًا، لكن، بخلاف ذلك، فقد أسند إليَّ المسئولية، باستثناء هذين الأسبوعين في السنة عندما أقوم برحلتي السنوية إلى لندن. ورغم ذلك، كنت أرى براين كثيرًا. استغرق الأمرُ منه نحو شهرين لكتابةِ مقدِّمة سلسلة إليس فيتزجيرالد. وأطلق على بقية السنة «إجازة شرب الخمر»، التي يقضي معظمها على مقعدٍ مُغطًّى بالجلد في البار الصغير بفندق «بيكون هيل». كنت كثيرًا ما أُعرِّجُ عليه لتناول مشروبٍ معه، على الرغم من أنني حاولتُ القيامَ بذلك في وقتٍ مبكِّر من المساء. إذا تأخرتُ في وصولي أكثرَ من اللازم، فإن براين — راويَ القصص المعتاد — سيُقدِّم لي أعظمَ حكاياته، وهي قصصٌ سمعتُها بالفعل مئات المرات.

مرَّرتُ المنشورات أكثرَ إلى الوراء، لاحظتُ غيابَ أيِّ منشور منذ خمس سنواتٍ مضت، في العام الذي ماتت فيه زوجتي. كان آخر إدخال قبل هذا الحدث قائمةٌ كتبتُها بعنوان «ألغاز من أجل ليلة شتاءٍ باردة»، نُشرت في الثاني والعشرين من ديسمبر عام ٢٠٠٩. تُوفيت زوجتي في الساعات الأولى من صباح الأول من يناير عام ٢٠١٠؛ على إثر حادث سير، حيث انزلقَت من ممرٍّ علوي على الطريق ٢ وهي مخمورة. لقد أطلَعوني على صورٍ بغرضِ تحديد هُويتها، وكانت هناك مُلاءة بيضاء قد غطَّت رأسَها من أعلى الحاجبين. بدا وجهها خاليًا من العلامات على الرغم من أنني تخيَّلتُ أن جمجمتها قد تهشمَت تمامًا من أثر الارتطام.

قرأتُ قائمة الروايات البوليسية التي اخترتُها، كلُّها تدور أحداثُها في فصل الشتاء أو أثناء العاصفة. في هذه المرحلة من مسيرتي المهنية في كتابة المدوَّنات، كنت سعيدًا بمجرد إنشاء قائمة ببعض الكتب، وعدم الاستطراد في وصفها. كان هذا هو منشوري:

«لغز سيتافورد» (١٩٣١) بقلم أجاثا كريستي
«الخيَّاطون التسعة» (١٩٣٤) بقلم دوروثي إل سايرز
«الجُثَّة في رجل الثلج» (١٩٤١) بقلم نيكولاس بليك
«مُقيَّدٌ بأشرطة مُلوَّنة» (١٩٧٢) بقلم نايو مارش
«البريق» (١٩٧٧) بقلم ستيفن كينج
«حديقة جوركي» (١٩٨١) بقلم مارتن كروز سميث
«إحساس سميلا بالثلج» (١٩٩٢) بقلم بيتر هوج
«خطة سهلة» (١٩٩٣) بقلم سكوت سميث
«حصاد الثلج» (٢٠٠٠) بقلم سكوت فيليبس
«غراب أسود» (٢٠٠٦) بقلم آن كليفز

تذكَّرتُ جمْعها معًا، وتذكَّرتُ قلقي بشأن إدراج رواية «البريق» في القائمة؛ لأنها كانت روايةَ رعب وليست روايةً بوليسية على الإطلاق، لكنني أدرجتُها على أي حال؛ لأنها كانت روايةً أحبُّها. كان من الغريب أن أتذكَّر مثل هذه التفاصيل الدقيقة، هذه الأفكار التافهة التي تملَّكَتني لأقلَّ من أسبوعين قبل أن يتغيَّر عالمي إلى الأبد. إذا كان بإمكاني العودة إلى أواخر ديسمبر من ذلك العام، فلم أكن لأكتب هذه القائمةَ مطلقًا. كنت سأقضي كلَّ وقتي أقاتل من أجل زوجتي بكلِّ ما أوتيتُ من قوة، كنت سأخبرها بأنني على علمٍ بعلاقتها الغرامية، وبأنني أعلم أنها عادت إلى تعاطي المخدِّرات مجددًا، كنت سأخبرها بأنني سامحتُها، وأن بإمكانها العودةَ إليَّ. مَن يدري إن كان أيٌّ من هذا سيُحدث فرقًا؟ لكن على الأقل سأكون قد حاولت.

مرَّرتُ إلى الوراء أكثر، ووجدتُ قائمةً أخرى، «رواياتُ جريمة عن الخيانة»، وتحقَّقتُ بسرعة من التاريخ. لم أكن قد علمتُ رسميًّا بشأن زوجتي في هذه المرحلة، لكن لا بد أنني خمَّنتُ، لا بد أنني عرَفتُ في داخلي بأن شيئًا ما كان يجري. واصلتُ التمرير للخلف، وكانت منشورات المدوَّنة تزداد تواترًا مع وصولي إلى السنوات التي كنت أُداوم فيها على تحديث المدوَّنة. فكَّرتُ، وليس للمرة الأولى: لماذا يجب أن يكون لكل شيءٍ قائمة؟ ما الذي يدفعنا إلى ذلك؟ كان شيئًا أفعله منذ أن أصبحتُ قارئًا مهووسًا، منذ أن بدأت أنفق كلَّ أموالي في متجر «آنيز بوك سواب». عشرة كتب مُفضَّلة. عشرة كتب رعب. أفضل روايات جيمس بوند. أفضل ما كتب رولد دال. أفترضُ أنني أعرف لماذا فعلت ذلك حينذاك. لا يتطلب الأمر الحصولَ على درجةٍ جامعية في علم النفس حتى أفهم أنها كانت طريقةً لأمنح نفسي هُوية. ذلك أنني لو لم أكن طفلًا في الثانيةَ عشرة من عمره قرأ كلَّ رواية لديك فرانسيس (ويستطيع تسميةَ أفضل خمس رواياتٍ له)، لأصبحتُ إذن مجردَ طفل وحيد دون أصدقاء مع أمٍّ بعيدة ووالدٍ مدمنٍ للشراب. كانت تلك هي هُويتي، ومَن عساه يريدها؟ ومِن ثمَّ، أعتقد أن السؤال هو لماذا أستمرُّ في فعل ذلك، لماذا أستمر في إنشاء القوائم، حتى بعد أن أصبحتُ أعيش في بوسطن، وحصلتُ على وظيفة جيدة، وتزوجتُ ووقعتُ في الحب؟ لماذا لم يكن كلُّ ذلك كافيًا؟

في النهاية عُدتُ إلى بداية المدوَّنة، إلى «ثماني جرائم كاملة». لقد قرأتُها عدةَ مرات خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية حتى إنني لم أكن بحاجةٍ إلى قراءتها مرةً أخرى.

فُتح البابُ الأمامي، ورفعتُ رأسي. كانا زوجين في منتصف العمر، تدثَّر كلاهما بمعاطفَ شتوية منتفخة ذات قلَنسوات. لقد كانا على الأرجح ذَوي بِنية ضخمة بالفعل أسفل تلك المعاطف، لكن طبقات الملابس الإضافية جعلتهما أشبهَ بالكُرَة. كان عليهما الدخولُ منفردَين عبْر الباب. وعندما أنزلا غطاءَي رأسَيهما وفكَّا سحَّابا معطفيهما، اقتربا مني وهما يبتسمان، وقدَّما نفسَيهما على أنهما مايك وبيكي سوينسون من مينيسوتا. لقد أدركتُ على الفور أنهما صنفٌ معيَّن من العملاء نحصُل عليه بين الفينة والأخرى؛ قُرَّاء الروايات البوليسية المتعصِّبون الذين يحرصون على زيارتنا خلال رحلتهم إلى بوسطن. إن «أُولد ديفيلز» ليس متجرًا مشهورًا، لكننا مشهورون لدى فئة معينة من القُرَّاء.

قلتُ: «لقد جلبتما طقسكما معكما»، وضحك كلاهما، وأخبراني كيف كانا يُخطِّطان للمجيء إلى بوسطن منذ سنوات.

قال الرجل: «ينبغي أن تذهب إلى تشيرز، ينبغي أن تجرِّب بعضًا من حساء البطلينوس، وبالتأكيد ينبغي أن تأتيَ إلى أُولد ديفيلز».

قالت زوجته: «أين نيرو؟» وكما لو كانت تلك بمنزلةِ إشارةٍ متفَقٍ عليها مسبقًا، التفَّ نيرو حول رف الإصدارات الجديدة ومَثَل أمام الزوجين. لقد كان علينا جميعًا المشاركة، على ما أظن.

غادر مايك وبيكي بعد ساعة ونصف الساعة. كان حديثًا بنسبة ٩٠ في المائة وتسوقًا بنسبة ١٠ في المائة، وإن كانا قد اشترَيا مجلَّداتٍ موقَّعةً بقيمة مائة دولار، وسجَّلا عنوانهما في إيست جراند فوركس حتى نتمكَّن من إرسال الكتب إليهما بالبريد. قال بيكي: «لقد نسينا ترْك أيِّ متسعٍ في حقائبنا.»

كانت الثلوج قد توقَّفَت عن الهطول عندما غادرا. وكانا قد أخذا معهما العديدَ من فواصل الكتب الخاصة بنا هدايا تذكاريةً، بالإضافة إلى أنني أرشدتُهما إلى بعض المطاعم في المنطقة المجاورة التي كانت أفضل من «تشيرز». وبينما كنت أمسك لهما البابَ حتى يخرجا، وصل براندون، مرتديًا سترةً ذات قلنسوة فحسب، على الرغم من أنه كان يرتدي قفازاتٍ وقبعةً صوفية تحت قلنسوته. لقد نسيتُ أنه كان من المقرَّر أن يحضُر اليوم. قال: «تبدو متفاجئًا، إنه يوم الجمعة.»

قلتُ: «أعرف.»

أضاف بصوتٍ عالٍ، ممددًا صوتَ العلة في كلمة الله إلى حدٍّ مثيرٍ للإعجاب: «حمدًا لله إنه يوم الجمعة. وحمدًا لله أنَّ لديَّ عملًا أذهبُ إليه، ومن ثمَّ لست مضطرًّا إلى العودة إلى المنزل طَوال اليوم.»

سألتُ: «هل أُلغيَ صفُّك الدراسي؟»

قال: «أوه، نعم». كان يحضُر دوراتٍ في إدارة الأعمال، معظمُها في الصباح، وكان قد شرع فيها منذ أن بدأ العمل بالمتجر. آخرَ مرة سألتُه فيها عرَفتُ أنه سوف يتخرَّج قريبًا، وعلمتُ أنني على الأرجح سأفقده. سيكون الأمر على ما يرام، لكنني سأفتقد ثرثرته التي لا تتوقَّف. وكانت هذه النقطة نقيضًا لطيفًا لصمت إيميلي، ولصمتي أيضًا على ما أعتقد.

سحبَ كتيبًا ورقيًّا — رواية «القنَّاص» لريتشارد ستارك — من الجيب الأمامي في سترته ذات القلنسوة، وناولني إياه. قال: «رائعة بدرجة مذهلة.» عندما بدأ العمل في المتجر لأول مرة، كان عليَّ أن أذكِّره باستمرار بألا يُطلق السُّباب، بسبب العملاء، ومن ثمَّ عدَّل أسلوبه. كان قد استعار الكتابَ من المتجر بناءً على اقتراحي قبل يومين فقط. وما بين العمل بدوام كامل والذهاب إلى الكلية والحفاظ (حسب قوله) على حياة اجتماعية نشطة للغاية، تمكَّن أيضًا من قراءة نحو ثلاثة كتب في الأسبوع. نظرتُ إلى الكتيب، الذي تغيَّر فيه العنوان إلى «تسديدة مباشرة!» ليعكس فيلم لي مارفن الذي أُنتج عام ١٩٦٧.

قال قاصدًا الحالةَ التي كان عليها الكتاب: «لقد أخذتُه على هذه الحالة، مال». تقتضي سياسة استعارة الكتب من قِبل الموظفين أنَّ في مقدورهم أخْذَ أي كتاب إلى المنزل لقراءته ما داموا لن يُضيفوا إليه مزيدًا من التلف.

قلتُ: «كلَّا، يبدو على ما يرام.»

قال براندون: «أجل، إنه كذلك»، ثم صاح في ثلاثة مقاطع متساوية التشديد: «إيميلي». جاءت من الخلف، وعانقها براندون، وهو أمرٌ كان يفعله أحيانًا إذا مرَّ أكثرُ من يوم منذ وجوده في المتجر آخرَ مرة. لقد عانقني فقط في حفل العطلة السنوية، وفي المناسبات القليلة التي أغلقنا فيها المتجر، ثم أسرعنا في تناولِ كأسٍ من الجِعَة في مطعم «سيفنز». أنا لا أميل إلى العِناق بطبعي، مع أنه الآن البروتوكول القياسي للتحية بين رجال جيلي. فأنا لا أستطيع التركيزَ على الحركات، لا سيَّما إذا كان العِناق يتضمَّن واحدةً من تلك التربيتات الذكورية على الظهر. عندما أخبرتُ زوجتي كلير، عن جزعي هذا تحديدًا، بدأَت تتدرَّب معي. أصبحنا مدةً من الوقت يُحيِّي كلٌّ منَّا الآخرَ في المنزل بعناقٍ ذكوري.

تبِع براندون إيميلي إلى الغرفة الخلفية، حيث أخذ قائمةَ الطلبات البريدية، وبدأ في تجميع أكوامٍ من الكتب لشحنها. من المزايا العظيمة لوجود الموظفين أنفسِهم هنا مدةً طويلة أنني لا أحتاج إلى إخبارهما بما يتعيَّن عليهما فِعله. ونظرًا إلى ولائهما، فإنني أدفع لهما أكثرَ بكثير مما تُقدِّمه أماكنُ البيع بالتجزئة الأخرى على ما أظن. لست بحاجةٍ إلى تحقيقِ أرباح كبيرة، ولا أعتقد أن براين موري يهتمُّ كثيرًا أيضًا. سعيدٌ لمجرد أنه يمتلك متجرًا لبيع الروايات البوليسية، سواءٌ كان يملكه كلَّه أو يملك نصفَه.

استمعتُ إلى براندون وهو يخبِر إيميلي بكامل حبكة «القنَّاص» بينما كنت أُحدِّثُ الإصدارات الجديدة. دخل أربعة زبائن آخَرين، منفردِين: سائحٌ ياباني، وزبونٌ منتظِم يُدعى جو ستيلي، ورجل في العشرينيَّات من العمر كنت أعرفه بالنظر حيث كان دائمَ التصفُّح لقسم الرعب ولم يبتَع أيَّ شيءٍ قط، بالإضافة إلى امرأةٍ كان من الواضح أنها ما دلفَت إلى الداخل إلا هربًا من برودة الطقس بالخارج. تفقَّدتُ هاتفي لمعرفة حالة الطقس. كانت الثلوج قد توقَّفت الآن، لكن درجات الحرارة كانت ستنخفض على مدار الأيام القليلة المقبلة إلى ما دون الصفر. كلُّ الثلوج التي تساقطت ستتحوَّل إلى أكوامٍ سوداء من الجليد بفعلِ وسخِ المدينة.

عُدتُ إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بي للتحقُّق من رسائل البريد الإلكتروني، ثم ألقيتُ نظرةً خاطفة على موقع المدوَّنة، كان لا يزال مفتوحًا على قائمة «ثماني جرائم كاملة». هناك سطرٌ ثانوي في أسفل القائمة يفيد بأنَّ مَن نشرَها هو مالكوم كيرشو، ثم وقت المنشور وتاريخه، ثم ثلاثة تعليقات على المنشور. تذكَّرتُ أنه كان هناك تعليقان فقط، ومن ثمَّ نقرتُ فوق التعليقات لقراءتها. كان آخرُ تعليقٍ قد نُشر منذ أقلَّ من أربع وعشرين ساعة، في الساعة الثالثة صباحًا، من مُستخدم يُدعى دكتور شيبارد، وكان كالتالي: «أنا في منتصف قائمتك. غريبان على متن قطار (تمَّ)، جرائم الأبجدية (تمَّ أخيرًا). تعويض مزدوج (متعذِّر). مصيدة الموت (شاهدتُ الفيلم). عندما أنتهي من القائمة (لن يستغرق هذا وقتًا طويلًا الآن)، سأتواصل معك. أو عساك تعرف مَن أكون؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤