الفصل الثامن

الصدمات النيزكية

«إنه في مكانٍ ما بالربع الخالي، بالموقع الذي توجد فيه فوهات «وابر»، توجد أطلال مدينة خربة قديمة، يطلق عليها «وابر»، حلَّت بها في الأزمنة الغابرة كارثة طبيعية فدمرتها. وكانت الكارثة عبارة عن ريح عاتية ومدمرة، مرت على المدينة، فسوت بها الأرض.» (فليبي نقلًا عن جابر بن فراج الأعرابي الذي قاده لفوهات وابر …)

***

تتعرض الأرض من حين لآخر للقصف بالنيازك العملاقة.١ وينشأ عن ارتطام النيازك الكبيرة بالأرض، حفر وفجوات دائرية أو بيضاوية الأشكال تشبه الطاس، يطلق عليها الفوهات النيزكية. وتتباين أقطار الفوهات النيزكية تباينًا كبيرًا، من بضعة أمتار إلى عشرات الكيلومترات، وأعماقها من بضعة أمتار إلى عشرات الأمتار. وغالبًا ما تكون العلاقة بين القطر والعمق ثابتة، خاصة في حالة تشابه الصخور الأرضية. وعندما تكون الفوهات النيزكية كبيرة نسبيًّا؛ بحيث يسهل اكتشافها أو التعرف عليها من خلال عمليات التصوير الجوي، فإنها تعتبر حينئذٍ من الظواهر الطبوغرافية المهمة على سطح الأرض،٢ وتزداد أهميتها العلمية نظرًا لأنها تمثل في هذه الحالة أحداثًا فريدةً شهدتها الأرض، وأسهمت بطريقة أو بأخرى في تطور الكوكب، ولعبت دورًا مهمًّا في تاريخه. كما أن الصدمات النيزكية تُسهم في تكون العديد من الرواسب المعدنية، وتجمعات البترول والغاز الطبيعي، التي يعثر عليها في المواقع التي شهدَت سقوط النيازك الضخمة.

وترتطم النيازك بسطح الأرض بأحجامٍ وسرعات مختلفة. وينشأ عن عملية الارتطام طاقةٌ تُستهلك في إحداث حفر وفجوات في نقطة الارتطام. ويتوقَّف حجم الحفر الناتجة عن عملية الارتطام على عددٍ من العوامل؛ منها حجم النيزك، وسرعته، ونوعه، وطبيعة الأرض في موقع الارتطام؛ فالنيازك الصغيرة والمتوسطة الحجم تُحدث ندبة أو حفرة صغيرة عند ارتطامها بالأرض الطرية أو المفككة، يتناسب حجمها مع حجم النيزك ذاته. أما عمق الحفرة فيتوقف أساسًا على طبيعة التربة مكان الارتطام؛ فنيزك يزن حوالي ٨كجم سقط على حقل أرز (تربة طينية)، في ١٠ ديسمبر ١٨٧١م، أحدث حفرةً عمقها ١ متر في منطقة باندونج، جاوا. في حين أن نيزكًا يزن حوالي ١٠كجم سقط في ١٢ يوليو ١٩١٠م على ركامٍ من الأحجار بمنطقة «سان ميشيل»، فلندا، اخترق لعمق ٠٫٥ متر. ونيزك «نورت كوينتي»، كنساس الولايات المتحدة، الذي سقط في ١٨ فبراير ١٩٤٨م، اخترق الأرض لعمق ٣ أمتار. ويذكر أن عددًا من أحجار نيزك «هاسل»، السويد، الذي سقط في الأول من يناير ١٨٦٩م، سقطت على بحيرة متجمدة، ولكنها لم تحدث تأثيرًا محسوسًا على طبقة سطح الجليد الذي سقطت عليه.

وعندما يسقط نيزك على أرض صلدة، فإن التربة والنيزك يتكسران معًا. وقد بيَّنت الدراسات التي أُجريت على تأثير النيازك على سطح الأرض؛ أن النيازك التي ترتطم بسرعةٍ تتراوح بين ١٠٠–٢٠٠ متر/ثانية تُحدث حفرًا إذا ما سقطت على أرضٍ غير صلدة. وفي حالة النيازك التي تضرب الأرض بسرعة تقدر بحوالي ٤كم/ثانية، فإنها هي ذاتها تتكسر، وتحطم الصخور الأرضية في نقطة الصدمة، وتتبعثر شظاياهما في كل اتجاه حول مركز الحدث، وتحدث فجوة أو حفرة حجمها يزيد كثيرًا عن حجم النيزك ذاته. وهكذا يزيد حجم الحفر عن حجم النيزك، كلما ازدادت السرعة.

ومن أكثر الحالات دراسةً وفهمًا من قبل الباحثين نيزكُ «سيكوتالين»، الذي سقط على المنحدرات الغربية لسلسلة جبال «سيكوتالين» بإقليم «ماريتيم»، في ١٢ فبراير ١٩٤٧م، الساعة العاشرة والدقيقة ٣٨ بالتوقيت المحلي، والذي صاحب سقوطه أضواء وهاجة، وأصوات انفجارات رهيبة. وقد انفجر النيزك إلى آلاف الشظايا في الجو قبل أن يصطدم بالأرض، وانهمرت شظاياه على مساحةٍ كبيرة من الأرض،٣ قدرت بحوالي ٢٫١كم مربع، وأحدث ارتطامها بالأرض هزةً عنيفة، جعلَتْ أرض المنطقة تهتزُّ والمباني تترنح. ونتج عن هذا الحدث، حوالي ١٢٢ فجوة أو حفرة، يتراوح قطر ١٧ منها من ١٠ إلى ٢٦ مترًا، بينما لم يزد قطر غالبيتها (٧٨ حفرة) عن ٥٠سم. وبلغ وزن ما تم جمعه من شظايا الحديد، في هذا الحدث حوالي ٢٣ طنًّا. وقد اختلطت شظايا النيزك بكسرات الصخور، على منحدرات الفجوات ذاتها ومن حولها. وبينت التقديرات المبدئية أن إجمالي وزن شظايا النيزك تقارب ٧٠ طنًّا. هذا في حين يرى الباحثون أن سحب الغبار التي صاحبت سقوط النيزك تُقدَّر بحوالي ٢٠٠ طن. وهذا يعكس في الواقع تأثير الغلاف الجوي على النيازك، حيث ينقص من أوزانها، بما يذري من مادة النيازك، وينثرها على هيئة غبارٍ في الجو، كما سبق الإشارة إلى ذلك.
وعندما تزيد سرعة النيزك عن ٤كم/ثانية، وهذا لا يكون إلا في حالة النيازك التي يزيد وزنها عن ١٠ أطنان، فإن تأثير الصدمة يختلف كثيرًا، حيث يتحول جسم النيزك إلى مادة متفجرة، شديدة الانفجار من نقطة التصادم إلى الخارج، محدثة ما يعرف بفوهات الانفجار. ويتوقف حجم الحفرة ذاتها على الطاقة المتولدة عن الحدث، وطبيعة الأرض في نقطة الاصطدام.٤

ويمكن تقدير الطاقة التي يولدها مثل هذا الحدث، بناءً على المعادلة التالية:

الطاقة = ١ /٢ الكتلة × مربع السرعة.

فلو فرضنا أن نيزكًا يزن حوالي ١٠٠ طن، ضرب الأرض بسرعة ١٠كم/ثانية فقط فإن الطاقة الناتجة عن هذا الحدث تعادل:

١ /٢ × ١٠٠ × (١٠)٢ = ٥ × ١٠١٩ إرج.
ومثل هذه الطاقة أكبر من أي طاقةٍ تنتج عن عمليات التفجير التقليدية المعروفة، وهي كفيلة بأن تحول النيزك ذاته، والصخور في موقع الحدث، إلى مواد متبخرة. حيث يُستهلَك جزء من هذه الطاقة في إحداث موجات الصدمة التي تنتشر في الصخور، وتُحدث تدميرًا لبنية المعادن المكونة لها، وجزء منها يتحول إلى حرارة تسخن النيزك والصخور، وتبخرهما معًا.٥ ومن هنا يصعب العثور على جسم نيزكي (قطعة واحدة) يزيد وزنه عن ١٠٠ طن.
ومن المعروف أن أكبر نيزك يوجد على هيئة قطعة واحدة، هو نيزك «هوبا»، الذي عثر عليه في جنوب غرب أفريقيا، في عام ١٩٢٠م، والذي يبلغ وزنه حوالي ٦٠ طنًّا.٦ ويرى بعض الباحثين أن وزنه وقت سقوطه كان أكبرَ من ذلك بكثير، حيث تمَّت تجويته، وتكوين طبقة من أكاسيد الحديد تُحيط بموقعه الآن. وأشارت إحدى الدراسات التي قام بها «جوردون» في عام ١٩٣١م إلى أن وزن النيزك وقت سقوطه يقدَّر بحوالي ١٠٠ طن.٧

(١) الاهتمام العلمي بالفوهات النيزكية

تعتبر الإشارة العلمية الأولى — في العصر الحديث — إلى موضوع الفوهات النيزكية؛ هي تلك التي وردت في عام ١٨٢٨م، في صورة إشارة خيالية، وعابرة للفلكي الألماني «جروثثين»، اعتبر فيها أن الحفر أو الندبات الحلقية، التي تُرى على سطح القمر (الفوهات القمرية) من خلال عمليات الرصد التي تتم بالمناظير الفلكية للقمر، هي فوهات أو فجوات تكوَّنَت من ارتطام الأجسام السماوية بسطح القمر (فوهات صدمة). وقد ظهر نفس الرأي، ولكن بصورة مقصودة، بعد نصف قرن تقريبًا. ففي عام ١٨٧٣م، ذكر الفلكي «ر. أ. بروكتور» أن المنخفضات الدائرية الغريبة، التي تشاهد بالمناظير الفلكية على سطح القمر، نشأت من سقوط أجرام سماوية أخرى على القمر. وقد عاد وأكد ثانية على وجهة نظره تلك في عام ١٨٨٣م،٨ لكن لم يلتفت أحدٌ من الباحثين لتلك الإشارات؛ ومن ثم لم تأخذ مأخذ الجد ولم تسلط عليها الأضواء؛ نظرًا لأن المناخ العلمي السائد في ذلك الوقت لم يكن مهيَّأً لقبول فرضية أن الأجسام السماوية يمكن أن تسقط بأحجام ضخمة؛ بحيث تحدث مثل هذه الفجوات الكبيرة.

لكن يبدو أن الاهتمام بموضوع الفوهات النيزكية بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ففي عام ١٨٩١م، أشار خبير وتاجر المعادن المعروف آنذاك «أ. ي. فوت» إلى أن قطع وشظايا الحديد المتناثرة حول فجوة الأريزونا، بالولايات المتحدة، يمكن أن تكون من أصلٍ سماوي، وليسَت من أصل أرضي؛ حيث أوضح «فوت» في معرض وصفه لمشاهداته عن هذه القطع الحديدية أن هذه القطع توجد على حافة منخفض دائري، وأن البحث لم يثمر عن اكتشاف أي شواهد يمكن أن تفضي إلى التعرف على وجود عمليات بركنة أرضية بالمنطقة، يمكن أن تنسب إليها هذه الشظايا الحديدية، أو ينسب إليها هذا المنخفض الدائري؛ ومن ثم فقد أشار إلى أنه من الصعب معرفة كيفية تكون هذه الظاهرة الجيولوجية. هذا ما سجله في تقريره المنشور عن شظايا الحديد التي عثر عليها حول الفوهة، والذي نشر عام ١٨٩١م بالمجلة الأمريكية للعلوم.

ويذكر بعض المهتمين بالموضوع أن «فوت» كان يعتقد — في قرارة نفسه — أن هذه القطع النيزكية هي المسئولة عن تكوُّن هذه الفجوة الكبيرة، لكنه أحجم عن التصريح بذلك في تقريره المنشور تحسبًا لانتقادات الباحثين؛ حيث ذكر أحد مرافقي «فوت» — بعد عودته من زيارة موقع الفجوة في ولاية أريزونا، إلى ولاية «فيلادليفيا» — أنه: حدثني عن الصخور التي تم رفعها، واتجاه سقوط الجسم الذي أحدث هذه الفجوة. وأشعل ذلك الحديث حماس الباحثين لتقصي الأمر. فكان اهتمام أحد الجيولوجيين الكبار «ج. ك. جلبرت» بموضوع الفوهة، في عام ١٨٩٦م. ورغم أن «جلبرت» لم يصرح صراحةً بالأصل النيزكي، وفضل في خلاصة تقريره عملية بركنة، إلا أن وصفه كان خادعًا؛ بحيث لا ينفي احتمال حدوث صدمةٍ نيزكية ضخمة تكون هي المسئولة عن تكوُّن الفوهة.٩ وربما يكون الإحجامُ عن الاعتراف بأصلها النيزكي ناتجًا عن ضخامتها؛ إذ لم يكن متخيلًا آنذاك أن النيازك الضخمة يمكنها أن تسقط على الأرض.

ولا بد من الاعتراف بأن تلك الإشارات، وما صاحبها من إرهاصاتٍ وغموض حول العمليات التي يمكن أن تكون مسئولة عن تكون هذه الفجوة الضخمة، كانت وراء الاهتمام العلمي بها، الذي بدأ مع بداية القرن العشرين، حيث زار مهندس المناجم «د. م. بارينجر» موقع الفوهة في عام ١٩٠٢م. كان العامل الأساسي الذي يحرك «بارينجر» للاهتمام بهذا المنخفض الدائري؛ ظنه أن الموقع لا بد وأن يحتوي على كميات كبيرة من النيكل والعناصر المهمة الأخرى؛ حيث أشارت التقديرات التي أجريت آنذاك أن القذيفة (النيزك) التي يمكنها أن تحدث هذه الفجوة الضخمة، لا بد أن قطرها يزيد عن ١٥٠ مترًا، ووزنها يزيد عن حوالي ١٠ مليون طن؛ ومن ثم فإن كميات هائلة ليس فقط من الحديد والنيكل، بل أيضًا من الكوبلت والبلاتين توجد بالموقع. وتوقع «بارينجر» أن الكتلة الرئيسية للنيزك مدفونة في قاع الفوهة، وبذلك فإن الفوهة تشكل أهمية اقتصادية، إلى جانب الأهمية العلمية؛ ومن ثم حصل على ترخيص البحث في عام ١٩٠٣م. وقام بعمل عدد من الحفر بداخل الفوهة؛ بحثًا عن كتلة النيزك الرئيسية المدفونة في عمق الفوهة، لكنه لم يعثر على أي جسم من الحديد النيزكي. وإن كان «بارينجر» قد فشل في إثبات فرضيته عن النيزك المدفون بالفوهة، فإن أنشطته تلك كانت، على الجانب الآخر، وراء تراكم كمٍّ هائل من البيانات حول طبيعة هذه الفوهة؛ إذ بدأ الاهتمام العلمي بالموقع والذي أسفر في النهاية، عن اعترافٍ شبه عام بأنها من أصل نيزكي. واعترافًا بفضل «بارينجر» في هذا المجال، أطلق اسمه على هذه الفوهة، ولا تزال تسمى باسم «فوهة بارينجر»، إلى جانب عددٍ من الأسماء الأخرى منها، على سبيل المثال، فوهة الأريزونا، وفوهة الشهاب … إلخ.

وفي الوقت الذي وصل فيه الخلاف، حول أصل هذه الفوهة ذروته، تم في عام ١٩٢٨م اكتشافُ تركيب آخر يُشبه إلى درجةٍ كبيرةٍ تركيب فوهة الأريزونا، بالقرب من «أوديسا» بولاية «تكساس»، الولايات المتحدة أيضًا. وهذا التركيب الصغير نسبيًّا لا يتعدى قطره ١٦٢ مترًا، وعمقه ٣٠ مترًا، يتشابه إلى حد التطابق مع تركيب فوهة الأريزونا، من حيث الشكل، ووجود شظايا من نيزك حديدي، وطبقة من الحديد الطفلي، على الحواف الخارجية للتركيب، مختلطة مع الصخور التي تكون المنطقة، تمامًا كما هو الحال في فوهة الأريزونا. ويطلق على هذه الفوهة «فوهة أوديسا».

ولم يمضِ سوى عامَيْن على اكتشاف فوهة «أوديسا»، حتى أعلن «ر. أ. ألديرمن» عن اكتشاف أول حقل للفوهات النيزكية في «هنبرى» على الحدود الشمالية لأستراليا، وذلك في عام ١٩٣٠م. ويتضمن هذا الحقل الشهير حوالي ١٤ فوهة مختلفة الأقطار، تتناثر حولها شظايا نيزك حديدي. وتدل أشكال هذه الشظايا على أنها قطعٌ ممزقة من كتلة كبيرة. وفي فبراير من عام ١٩٣٢م، عثر «ج. ب. فليبي» على موقع فوهات «وابر»، بالربع الخالي من المملكة العربية السعودية، الذي يوجد به ثلاث فوهات نيزكية مكشوفة، وأخرى تغطيها الرمال. وفي عام ١٩٣٣م، بدأ الاهتمام بموقع فوهات «كامبو ديل سيلو»، في الأرجنتين، الذي يحتوي على عدد ٢٠ حفرة وفوهة مختلفة الأقطار، أكبرها يبلغ قطرها حوالي ٩٠ مترًا، وعمقها حوالي ٥ أمتار. وفي نفس الوقت تقريبًا (عام ١٩٣٣م) بدأ الاهتمام بموقع فوهة «هافيلاند»، بولاية كانساس، الأمريكية، حيث تم إزالة الرواسب التي كانت تُغطِّيها، وجمع قطع النيزك المدفونة بداخلها. ويبلغ قطر هذه الفوهة حوالي ٢١ مترًا، وعمقها حوالي ٨ أقدام.

وفي عام ١٩٣٧م بدأ الأصل النيزكي لفوهات «كالجارفيه»، بجمهورية إستونيا، يلقى قبولًا عامًّا، بعد أن اكتُشفت قطع من الحديد النيزكي حولها. وتأكد للباحثين أن توزيعات قطع الحديد النيزكي حول الفوهات تُشير إلى علاقةٍ مؤكدة بين النيزك الحديدي الكبير وبين الفوهات، تمامًا كما هو الحال في فوهة «بارينجر». وأجريت دراسات عديدة على هذا الموقع بين عامي ١٩٢٨ و١٩٣٧م. ويشمل الموقع على عدد حوالي ٩ حفر، وفوهات مختلفة، أكبرها يبلغ قطرها حوالي ١١٠ أمتار، وعمقها حوالي ١٦ مترًا.

وفي يونيو عام ١٩٣٧م، اكتشفت فوهة «بوكسهول» على الحدود الشمالية من أستراليا، التي يبلغ قطرها حوالي ١٧٥ مترًا. ووجدت حولها قطع من النيزك الذي أحدثها. وفي عام ١٩٣٨م، تأكد الأصل النيزكي لفوهة «دالارينجا» الصغيرة، التي يبلغ قطرها حوالي ٢١ مترًا، والتي لوحظت في عام ١٩٢٣م بغرب أستراليا، ولم يثبت أصلها النيزكي في ذلك الوقت المبكر نسبيًّا.١٠

وفي يونيو عام ١٩٤٧م، شوهدت فوهة «ولف جريك» بغرب أستراليا، فيما يبدو بواسطة عمليات التصوير الجوي. وتأكَّد أصلها النيزكي من خلال الدراسة التي ظهرت في عام ١٩٤٨م، وأوضحت وجود قطعٍ من حديد نيزكي متغير، عُرف بالحديد الطفلي، يحتوي على نسبة عالية من النيكل، وهو ما يؤكد أنها تمثل بقايا شظايا نيزك حديدي، متناثرة حول الفوهة، وعلى الجانب الجنوبي الغربي منها تحديدًا. وتعتبر هذه الفوهة ثاني أكبر فوهة مؤكدة، بعد فوهة «بارينجر»، حيث يصل قطرها إلى حوالي ٨٥٠ مترًا، وعمقها حوالي ١٦٠ قدمًا.

ويعتبر ما حدث في ١٢ فبراير عام ١٩٤٧م، الحدث الأكبر في تاريخ دراسة نيازك الفوهات (النيازك الضخمة التي تحدث الفوهات)، حيث سقط نيزك ضخم على سيبريا، وتشظَّى في الجو إلى آلاف القطع المختلفة الأحجام، التي ارتطمت بالأرض وأحدثت عددًا كبيرًا من الحفر المختلفة الأحجام. ووفر هذا الحدث للباحثين فرصةً طيبة لدراسة الفوهات النيزكية المؤكدة، والنيازك الكبيرة التي تحدث الفوهات. ولم يساور أحد الشك فيه، حيث إنه شوهد أثناء سقوطه.

وفي عام ١٩٦٤م اكتشف موقع فوهات «موراسكو» ببولندا، الذي يشمل حوالي ٨ حفر وفوهات صغيرة، أكبرها يبلغ قطرها حوالي ١٠٠ متر، بمصاحبة عددٍ من قطع الحديد النيزكية.

وفي عام ١٩٧٥م، نشر الباحث الدنماركي الشهير «فاجن بوشوالد»، كتابه القيم عن النيازك الحديدية، وجاء فيه ذكر فوهة «مونتوراكوي»، بصحراء أتاكاما، شيلي، التي يبلغ قطرها ٣٧٠ مترًا، وما يصاحبها من قطع نيزك حديدي، ينتمي إلى نيازك «الأوكتاهيدريت». مما أدَّى إلى اعتبار هذه الفوَّهة، ضمن الفوهات المؤكدة.١١ ويبلغ عدد مواقع الفوهات النيزكية المؤكدة حوالي ١٣ موقعًا.

فوَّهة منطقة جبل كامل النيزكية

تقع فوهة منطقة جبل كامل النيزكية في الجانب الجنوبي الغربي من الصحراء الغربية، داخل الحدود المصرية. وتقع على بعد حوالي ١٠٠كم شرق جبل العوينات، وعلى بعد ٣٠٠كم إلى الغرب من منطقة شرق العوينات. وقد سُميت بهذا الاسم نظرًا لقربها من جبل كامل، الذي يُعتبر من المعالم الطبوغرافية المميزة في المنطقة المحيطة بالفوهة. واكتشفت الفوهة في نهاية ٢٠٠٨، عن طريق صور الأقمار الصناعية. وفي فبراير عام ٢٠١٠م زار فريق من الباحثين المنطقة، وتأكد من الأصل النيزكي للفوهة، التي تعتبر الأولى من نوعها في مصر وأفريقيا. والفوهة دائرية إلى بيضاوية الشكل، يبلغ قطرها حوالي ٤٠م، وعمقها حوالي ١٠م. تغطيها جزئيًّا الرمال السافية، التي تحملها الرياح السائدة في المنطقة، مما يؤكد أنها تكونت من زمن كبير نسبيًّا، وليس من وقت قريب. وتُظهر النتائج المبدئية أن الفوهة نشأت عن ارتطام نيزك حديدي كبير بالمنطقة، من حوالي ٢٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ عام من الوقت الحاضر. وقد أتى النيزك من اتجاه الشمال الغربي، بزاوية مائلة، ولم يسقط عموديًّا على الأرض. وسقط النيزك الحديدي على صخور من الحجر الرملي، فحطمها ونثرها بعيدان وحفر مكانها هذه الحفرة. وتحطم النيزك ذاته من تأثير الحرارة العالية والضغط العالي الذي تولَّد عن عملية الارتطام. وقد تبخَّر جزءٌ كبير من النيزك من الحرارة العالية. وتنتشر حول الفوهة آلاف الشظايا النيزكية الحديدية، التي تختلف أحجامها من بضعة مليميترات إلى عدة سنتمترات.

وتحتفظ المنطقة بجميع الظواهر التي نشأت عن ارتطام النيزك بالأرض، مثل الصخور التي تناثرت حول الفوهة، والصخور المصهورة من حرارة الارتطام، وشظايا الحديد التي نشأت عن انفجار الجسم النيزكي المرتطم بالأرض. وهي بذلك تعد واحدة من أهم وأندر الفوهات النيزكية المعروفة على الأرض حتى الآن.

عينة نيزكية كاملة

غير آلاف الشظايا الحديدية التي توجد متناثرة بموقع الفوهة، والتي نشأت عن انفجار وتشظي كتلة النيزك الرئيسية التي ارتطمت بالأرض بسرعة عالية، عثر، على بعد حوالي ٢٠٠ متر من الفجوة، على عينة كبيرة من الحديد النيزكي، يبلغ وزنها حوالي ٨٠كجم. وتكمن أهمية هذه العينة في أنها تمثِّل جزءًا صغيرًا انفصل عن النيزك الكبير قبل ارتطامه بالأرض؛ ومن ثم فقد سقطت بعجلة الجاذبية الأرضية، ولم تحدث حفرة في موقع ارتطامها بالأرض، ولم تتشظَّ بل ظلَّت سليمة. وهي تحمل الخصائص الأصلية للنيزك، قبل ارتطامه بالأرض.

ويتكوَّن النيزك من سبيكةٍ من الحديد مع النيكل. وتصل نسبة النيكل إلى حوالي ٢٠٪. وهو مشتق من حطام حزام الكويكبات، بين المريخ والمشتري.

أهمية الموقع

لا تنحصر أهمية الموقع فقط في شظايا الحديد التي توجد حول الفجوة، أو المحتمل وجودها داخل الفوهة ذاتها. فالمهم هو الحدث الذي حدث، في وقت حديث نسبيًّا (٢٠٠٠–٥٠٠٠ عام من الوقت الحاضر). فمعنى وقوع هذا الحدث في العصور الحديثة، يؤكد على وجود مثل هذه الأجسام التي تهدد الأرض في الفضاء، واحتمالات سقوطها على الأرض، وخاصة المواقع المسكونة منها، وما يمكن أن يحدث عن ارتطامها بالأرض من دمار قد يُبيد الحياة بالكامل، أو يُعيد الحضارة الحديثة إلى العصور الحجرية، هو المهم في هذا الحدث. وسوف تستمر الدراسات العلمية، وتقول كلمتها عن توقيت سقوط النيزك بشيءٍ من الدقة، وتقول كلمتها عن وزن النيزك الأساسي، وقت سقوطه على الأرض، وكمية الطاقة التي تولَّدت عن عملية الارتطام، وتركيب النيزك وتصنيفه ضمن المجموعات المعروفة. والأكثر أهمية في هذا الموضوع التأثيرات البيئية التي حدثت نتيجة لسقوط النيزك على أرض المنطقة؛ فالطاقة التي تولدت نتيجةً لارتطام هذا النيزك تُعادل الطاقة التي يولدها انفجار قنبلة نووية متوسطة الحجم. والمنطقة كانت مسكونة بمجموعات بشرية تنتمي للعصور الحجرية، كما تدل الشواهد المبدئية على ذلك، من خلال ما عثر عليه من دوائر حجرية، وأدوات صوانية، وقطع من أوانٍ فخارية، كانت تستعمل من قبل السكان في الماضي. ولا يُعرف يقينًا ما إذا كان الحدث قد وقع أثناء وجود تلك الجماعات البشرية في المنطقة، أم حدث بعد الجفاف العام الذي ضرب المنطقة؛ ومن ثم فقد كانوا قد هاجروا إلى مناطق أخرى؟ وهل أسهم هذا الحدث في الجفاف الذي ضرب المنطقة أم لا؟ إذ إن الموجات الحارة التي نشأت عن هذا الارتطام تُشبه تلك التي تنشأ عن انفجار قنبلة نووية متوسطة الحجم. وقد انتشر تأثير الموجات التي نشأت عن انفجار النيزك، في دائرةٍ قطرها ٥كم تقريبًا. ولو كانت المنطقة رطبة، في ذاك الوقت، لتبخرت مياهها من قبل هذا الحدث.

ومن الطريف أن سكان العصور الحجرية سجَّلوا سقوط جرم سماوي على جدران صخور جبل عوينات. ويُظهر الرسم الذي يسجل هذا الحدث رجلًا يجري مفزوعًا، ومن خلفه الجرم الساقط. فهل هذا التسجيل يخص هذا الحدث أم أنه لحدث مختلف لم يكتشف بعد؟

ومن ثم تعتبر فوهة جبل كامل أهم ظاهرة جيولوجية-فلكية في مصر. وهي واحدة من أهم الفوهات النيزكية في العالم؛ ومن ثم يجب أخذ كافة التدابير للحفاظ عليها كما هي، دون المساس بأي من الظواهر التي نشأت عن انفجار النيزك الذي أحدثها. وسن قانون لحماية الفوهات النيزكية، بصفة عامة، يحدد كيفية التعامل مع هذه الفوهة، وكيفية إدارة الموقع؛ خشية أن يتم تجريفه، كما حدث للعديد من المواقع الجيولوجية الأثرية البعيدة عن العمران. ومن الضروري إصدار كتابٍ باللغة العربية والإنجليزية عن هذه الفوهة يصف خصائصها العامة؛ ليكون مرجعًا للباحثين، حتى يمكنهم التعرف على المواقع المشابهة الأخرى التي لا بد أنها موجودة، لكن لا يعرفها الكثيرون؛ ومن ثم من الممكن إصدار طابع بريد يخلد ذكرى اكتشاف هذه الفوهة، باعتبارها أهمَّ ظاهرة جيولوجية-فلكية في مصر حتى الآن.

(٢) حادث تونجسكا

في ٣٠ مايو ١٩٠٨م، وقعت حادثة غريبة، تمثلت في حدوث انفجار هائل في الجو، فوق أراضي حوض نهر تونجسكا، شمال شرق سيبريا. وأحدثت موجات الصدمة الناشئة عن الانفجار دمارًا للأشجار في مساحة ١٠٠٠كم مربع، وطرحت بأي شيءٍ أرضًا، وسمع الناس أصواتًا مفزعة، وأضواء خاطفة قوية، وهزات عنيفة. ولم تهتم حكومة روسيا القيصرية بالحدث الجلل، ومر كأن شيئًا لم يكن، لكن بعد قيام الثورة البلشفية، أخذ يظهر الاهتمام بهذا الحدث، فأرسلت البعثات العلمية للموقع، لتقصي الدمار الذي سببه الحدث في المنطقة، وسؤال شهود العيان. وكان السؤال: ما هو سبب الانفجار الهائل؟ وفي الحقيقة اختلفت الآراء حول أسباب هذا الحدث، كشأن الباحثين حيال كل ظاهرة طبيعية، لكن أكثر الدراسات مصداقية وقبولًا لدى أوساط الباحثين، ترى أن الحدث نتج عن انفجار قطعة صغيرة من نواة مذنب، يبلغ قطرها حوالي ٥٠ مترًا، وكتلتها حوالي ٦٠٠٠٠ (٦٠ ألف طن) في الجو.١٢،١٣ ويبدو أن هذه القطعة كانت قد دخلت جو الأرض بسرعة عالية تُقدَّر بحوالي ٣٠كم/ثانية، وانفجرت على ارتفاع حوالي ٨كم فوق سطح الأرض. وأحدث انفجارها في الجو طاقة تعادل ٣٫٧ × ١٠١٦ جول، أي حوالي ٨٫٨ ميجا طن. وهذه الطاقة تفوق شدتها ٧٠٤ مرة شدة طاقة القنبلة الذرية التي أُلقيَت على هيروشيما (١٢٫٥ كيلو طن). وما زالت حتى الآن الدراسات تتوالى عن هذه الظاهرة، فمن حين لآخر تتوصل بعض الدراسات لنتائج تفيد في تحديد طبيعة الجسم الذي انفجر فوق المنطقة، من خلال التحليلات الكيميائية الدقيقة التي تجرى على العناصر الكيميائية، التي تم حقنها في الأشجار وفي التربة من جراء موجات الانفجار القوية. وبالفعل تم التعرف على كثيرٍ من العناصر التي تميز الأجسام النيزكية (المذنبات) ضمن العناصر المنتشرة في البيئات المختلفة في المنطقة.
وهناك عدد كبير من التراكيب الحلقية، بعضها من أصل نيزكي بالفعل، وذلك من خلال وجود عدد من الشواهد الدالة على ذلك، كوجود تشوهات الصدمة في المعادن المكونة للصخور بموقع الفوهة، ووجود المواد الزجاجية التي تنشأ من تصلُّب الصخور التي يتم صهرها من الحرارة العالية المتولدة عن الصدمة، ووجود زيادةٍ محسوسةٍ في تركيزات بعض العناصر الكيميائية التي تميز النيازك؛ مثل النيكل والكوبلت والإيريديوم والأوزميوم، ولكن لا يوجد الدليل القاطع الذي يجعل من هذه التراكيب فوهات نيزكية مؤكدة، وهو وجود شظايا أو آثار النيازك التي كونتها بداخلها أو من حولها. كما أن بعض التراكيب التي تعتبر «نيزكية» في بعض الدراسات، لا يمكن أن تكون من أصل نيزكي، نظرًا لعدم وجود أدلة أو شواهد قوية على تكوُّنها بعمليات الصدمات النيزكية. وقد ارتفع عدد هذه التراكيب إلى أكثر من ٢٠٠ تركيب غالبيتها مشكوك في صحة أصلها النيزكي. ومن بين المواضع التي تعد من قبل بعض الباحثين ضمن مواقع الصدمات النيزكية، تركيبا اﻟ BP، والواحة Oasis، في جنوب شرق ليبيا. ويبدو أنهما تركيبان أرضيان تكوَّنا بواسطة حركات أرضية عادية؛ إذ لا يوجد أي دليلٍ قوي على تكونهما بالصدمات النيزكية، عدا وجود تشققات مجهرية في بنية معدن كوارتز الحجر الرملي المكون الرئيسي لصخور الموقعين؛ فهذه التشققات تعتبر من جانب بعض الدارسين دليلًا على عملية الصدمة النيزكية التي كانت السبب في ظهور هذين التركيبين، في حين يراها البعض الآخر بمثابة تشققات ناتجة عن حركات أرضية قوية، لا علاقة لها بالصدمات النيزكية، كانت وراء تكونهما. ولم يعثر على أي مواد زجاجية بهذَيْن الموقعَيْن، كما أن الفوالق الأرضية تقطعهما، مما يعني أنها السبب وراء تكونهما على هذه الشاكلة.

(٣) أنواع الفوهات النيزكية

تخضع الفوهات النيزكية، ومواضع الصدمات النيزكية، لدراسات متعمقة، تهدف إلى تحديد طبيعتها وأشكالها وأحجامها وأعماقها وطبيعة الصخور التي تكوَّنت فيها. ومن بين أهداف هذه الدراسات تصنيف الفوهات النيزكية على حسب الخصائص العامة لها، مثل الحجم وعلاقته بالعمق، ووجود أو عدم وجود الأجسام النيزكية التي تحدثها كاملة أو مشظاة. ومن خلال هذه الدراسات يتبين أن الفوهات النيزكية يمكن تمييزها إلى نوعين من الفوهات؛ فوهات الصدمة، وفوهات الانفجار.

فوهات الصدمة

يطلق تعبير فوهات الصدمة على الفجوات أو الندبات الصغيرة، التي يحدثها ارتطام النيازك الكبيرة نسبيًّا بالأرض. وفوهات الصدمة عبارة عن حفر وفجوات صغيرة لا تزيد أقطارها عن ١٠٠ متر تقريبًا، وتنشأ عن ارتطام النيازك التي تقل أوزانها عن ١٠٠ طن تقريبًا بالأرض. فمثل هذه النيازك الصغيرة الحجم نسبيًّا، غالبًا ما لا تزيد سرعات ارتطامها بالأرض عن ١-٢كم/ثانية. وتتكون الفوهات في هذه الحالة، تحت التأثير الميكانيكي للصدمة، حيث يتم تهشيم وسحق الصخور في نقطة التصادم، ودفعها بقوة في كل الاتجاهات، حول مركز الصدمة، مخلفة مكانها حفرة أو فجوة. وغالبًا ما تُوجد النيازك التي تحدثها كاملة (داخل الفجوات ذاتها)، أو على هيئة كسرات متباينة الأحجام، مختلطة مع شظايا الصخور، داخل الفوهات أو على حوافها الخارجية. ومن الأمثلة على هذا النوع من الفوهات فوهة «هافيلاند»، بولاية كانساس، بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي يبلغ قطرها حوالي ٢١ مترًا.

فوهات الانفجار

يطلق تعبير فوهات الانفجار على نوعيات معينة من التراكيب التي تنشأ عن ارتطام النيازك الكبيرة جدًّا بالأرض، حيث لا يتشظَّى النيزك الصادم، وحسب، بل يتفجَّر، كمادة قابلة للتفجير، شديدة الانفجار. وتعتبر فوهات الانفجار أهمَّ أنواع الفوهات النيزكية على الإطلاق، وهي الهدف الأساسي لغالبية الدراسات التي تُجرى لتحديد طبيعة الصدمات النيزكية، وتأثيراتها على الأرض؛ فهذه النوعية من الفوهات تنشأ من ارتطام الأجسام النيزكية الكبيرة بالأرض، وما يترتب على ذلك من تولُّد طاقةٍ عالية تُحدث الفوهة في مكان الارتطام، وتعمل على صهر وتبخر النيزك ذاته، والصخور الأرضية في موقع الصدمة؛ لذا فهي كبيرة الحجم مقارنة بفوهات الصدمة، ومقارنة بأحجام النيازك التي تحدثها. وتختلف عن النوع الأول في أن النيازك التي تحدثها غالبًا ما لا توجد كاملة بداخلها، حيث تتشظَّى كلية، وتتبخر جزئيًّا أو كلية. وما يتبقَّى منها يوجد في الغالب على هيئة شظايا متناثرة حول الفوهات. ولا يستبعد أن توجد بعض الشظايا النيزكية، داخل الفوهات، وهي تلك التي تندفع عموديًّا لأعلى بقوة الانفجار، ثم تسقط بعد ذلك في الفوهات. وتصنف فوهات الانفجار على أساس أحجامها وأعماقها، وعلاقة الحجم بالعمق، ووجود أو عدم وجود ما يعرف بالتداخل المركزي في منتصف الفوهات ذاتها، إلى نوعين مختلفين، يسميان: فوهات بسيطة، وفوهات مركبة.

ويطلق تعبير فوهات نيزكية بسيطة على تلك الفجوات التي تتميز بأشكالها البسيطة نسبيًّا، والتي عادة ما تكون على هيئة شكل «الطاس» أو «الطبق»، وأقطارها الكبيرة نسبيًّا مقارنة بأقطار فوهات الصدمة، وأقل من أقطار فوهات الانفجار المعقدة. فعادة ما تتراوح أقطارها من بضعة أمتار، حتى مئات الأمتار، لكن لا تزيد في الغالب عن ٤كم، ولا يوجد بها ما يعرف بالتداخل المركزي، الذي يميز الفوهات المعقدة. وتعتبر فوهة الأريزونا، التي يبلغ قطرها ١٢٠٠ متر، وعمقها ١٧٠ مترًا، النموذج المثالي لفوهات الانفجار البسيطة. ومن خلال الدراسات والحسابات، التي أجريت على هذه الفوهة، تبين أن وزن النيزك الحديدي الذي أحدثها يقدر بحوالي ١٠٠٠٠٠ (مائة ألف) طن. وقد سقط بسرعة تقدر بحوالي ١٥كم/ثانية، وتولدت عنه طاقة تقدر بحوالي ١٫١٢ × ١٠١٦ جول. وهذه الطاقة تعادل انفجار واحد ميجا طن من مادة اﻟ «ت. ن. ت» الشديدة الانفجار. وتتناثر في المنطقة حول الحدود الخارجية للفوهة كسرات متباينة الأحجام من الصخور، التي دفعتها قوة الانفجار إلى خارج الفوهة. وقد قدرت إحدى هذه الكسرات الصخرية بأنها تبلغ أكثر من ٤٠٠٠ طن.١٤
ويندرج ضمن نوع الفوهات النيزكية البسيطة فوهات منطقة «وابر» الشهيرة التي اكتشفها «فليبي»، عام ١٩٣٢م، بالربع الخالي، بشمال شرق المملكة العربية السعودية. وتتوزع هذه الفوهات في موقع تبلغ مساحته حوالي ٥كم مربع، تغطيه الرمال جزئيًّا، لكن يمكن رؤية ثلاث حفر مكشوفة أو لم تغطَّ بعدُ بالرمال، أقطارها ١١ مترًا، ٦٤ مترًا، و١١٦ مترًا. وتصاحب هذه الحفر شظايا وقطع من النيزك الحديدي الذي كان السبب في تكونها. وكذلك تنتشر بالمنطقة قطع زجاجية سوداء، يطلق عليها «زجاج وابر»، تكونت من انصهار صخور الحجر الرملي الذي يشكل الموقع، من تأثير الحرارة المتولدة عن الصدمة النيزكية التي أحدثها ارتطام القطع النيزكية بالأرض. وتحتوي قطع زجاج وابر على حبيبات معدنية حديدية، تنتمي إلى النيزك الذي كون هذه الفوهات، تمتاز باحتوائها على نسبة عالية من عنصر النيكل. ويبدو أن النيزك الذي كون فوهات وابر قد انشطر في الجو — قبل ارتطامه بالأرض — إلى عدد من الشظايا الكبيرة، أحدث ارتطامها بالأرض هذه الفوهات الثلاث المكشوفة الآن بالموقع. ومن دراسة هذه الفوهات الثلاث دراسة وافية يمكن توقع أن الجسم الذي أحدثها كان يزن — على وجه التقريب — حوالي ٣٥٠٠ طن على أقل تقدير. وقد نتج عن ارتطامه بالمنطقة طاقة تُقدَّر بحوالي ١٠ إلى ٢١ إرج. وهذه الطاقة تعادل الطاقة التي تنتج من انفجار حوالي ١٠ إلى ١٢ كيلو طن، من مادة ثالِث نِتْرات التُّولُوين، أو تعادل طاقة القنبلة الذرية التي ألقيت فوق مدينة «هيروشيما» اليابانية، في شهر أغسطس من عام ١٩٤٥م،١٥ ويقدر الباحثون عمر هذا الحدث بحوالي ٦٠٠٠ عام.١٦
وكما ينتمي عدد كبير من الفوهات النيزكية المؤكدة إلى هذا النوع من الفوهات، ينتمي إليها أيضًا عددٌ كبير من الفوهات المحتمل أصلها النيزكي. ومن بين تلك الفوهات التي يُحتمل أن يكون أصلها نيزكيًّا، والتي تنتمي إلى هذا النوع من الفوهات النيزكية البسيطة؛ فوهة «تسوينج»، التي تقع في الجزء الشمال الغربي من مقاطعة «جوتينج»، وعلى بعد حوالي ٤٠كم من مدينة بريتوريا، عاصمة جمهورية جنوب أفريقيا. وهي عبارة عن غور بيضاوي إلى دائري الشكل، يبلغ قطره ١١٠٠ متر، وعمقه ١١٩ مترًا، وارتفاع حوافها الخارجية عن مستوى سطح الأرض المحيطة بها، يبلغ حوالي ٦٠ مترًا.١٧ وقاعها تغطيه مياه بركة ملحية، نشأت من تدفق المياه من المنطقة المحيطة؛ نظرًا لأن المنطقة مطيرة، ومستوى المياه الجوفية مرتفع، شأن المناطق الرطبة على مستوى العالم، حيث تتدفَّق وتتجمَّع لتملأ أي حفرة أو فجوة أرضية.
ويطلق الباحثون في مجال الصدمات النيزكية تعبير فوهات نيزكية معقدة، على نوعٍ من الفجوات التي يحدثها ارتطام النيازك الكبيرة جدًّا بالأرض. وتختلف الفوهات المعقدة عن الفوهات البسيطة، في الحجم والشكل؛ فهي عادة ما تكون كبيرة؛ إذ تزيد أقطارها عن ٤كم، وقد تصل إلى عشرات الكيلومترات. بالإضافة إلى ذلك، تتميز بوجود ما يُعرف بالتداخل المركزي، حيث تندفع الصخور من أعماقٍ بعيدة، وترتفع في مركز الصدمة لأعلى مكونةً قبة أو مجموعة قباب، ترتفع عما حولها من قاع الفوهة. ويضم هذا النوع من الفوهات كلَّ الفوهات غير المؤكدة تقريبًا. ففي هذه الحالة لا يمكن أن يتخلَّف عن الصدمة بقايا من النيازك التي تحدثها؛ إذ تتبخر كلية من جراء الحرارة العالية المتولدة عن عملية الارتطام. ويوجد عددٌ كبيرٌ من مواقع الصدمات النيزكية، والفوهات النيزكية منتشرة على مستوى العالم. وأغلب هذه المواقع غير مؤكدة أي محتمل أن تكون مواقع صدمات نيزكية أو فوهات نيزكية، حيث لا يصاحبها بقايا النيازك التي أحدثتها، ولا توجد أدلة قاطعة على تكونها بالصدمات النيزكية،١٨ على حسب دراسة «جريف وربيرتسون» في عام ١٩٨٧م.
ويستخدم الباحثون تعبير «أستروبليم»، الذي يعني حرفيًّا «ندبة النجم» أو «ضربة النجم» لوصف مواقع الصدمات النيزكية القديمة، التي جرت عليها العوامل الأرضية، فتلاشت أشكالها الواضحة، التي تميز الفوهات النيزكية الحديثة التكوين نسبيًّا، وأزالت الشواهد التي يستدل من خلالها على أصلها النيزكي، أو غمرتها الرسوبيات التي غطتها وطمست معالمها في فترةٍ لاحقةٍ على تكونها. وظل الجيولوجيون يُطلقون على مثل هذه التراكيب تسمية «تراكيب انفجارات خفية»، في إشارة إلى أنها تراكيب ناشئة عن عوامل أرضية داخلية خفية عن العيان، منها أيضًا انفجارات ثورات البراكين. وأطلق تعبير «أستربوبليم» لأول مرة في عام ١٩٦١م،١٩ من قبل الباحث الشهير الراحل «روبرت س. ديتز»، الذي يعد حجة في موضوع الفوهات والصدمات النيزكية، على بعض التراكيب الدائرية التي نشأت من تأثيرات الصدمات النيزكية على مواقعها، تمييزًا لها عن التراكيب الأخرى التي تنشأ من العوامل الأرضية. وقد استفاد الباحثون من الدراسات التي أجريت لتحديد خصائص الصخور، التي تعرضت للصدمات النيزكية، من المواقع التي تعتبر مواضع صدمات نيزكية مؤكدة، مثل موقع فوهة «الأريزونا» وموقع فوهات «وابر»، وغيرهما، وخرجوا بملاحظات عامة على تأثيرات الصدمات، مثل وجود معدن الكوسيت، والتشوهات الدقيقة في الصخور، والتراكيب المجهرية في بنية المعادن المكونة للصخور في هذه المواقع؛ ومن ثم درسوا الصخور بمواقع التراكيب الأخرى، التي كان يطلق عليها تعبير «تراكيب انفجارات خفية». وكان من نتيجة ذلك إثبات الأصل النيزكي لعدد كبير منها؛ ومن ثم فقد أضحى عدم وضوح الشكل المميز للفوهات النيزكية، أو وجود شظايا نيزكية بالموقع (التي قد تتلاشى بالعمليات الأرضية، بعد حدوث الصدمات النيزكية، بفترة طويلة أو حتى قصيرة، حيث يتوقف ذلك على طبيعة الصخور، والظروف المناخية السائدة بالمنطقة)، غير ذي بالٍ في التعرُّف على الأصل النيزكي لبعض التراكيب الأرضية.

(٤) معدلات التصادمات النيزكية بالأرض

تكشف مجرد نظرة لسطح القمر عن وجود عدد كبير من الفجوات التي تنتشر على سطحه. ويكاد يجمع الباحثون على أن هذه الفجوات ناتجة عن تأثيرات التصادمات النيزكية مع سطح القمر. وبمقارنة كثافة الفوهات الموجودة على سطح القمر، بتلك المعروفة على سطح الأرض، يتضح أن عدد الفوهات النيزكية المعروفة على الأرض يقل كثيرًا عن عدد الفوهات النيزكية المعروفة التي توجد على سطح القمر. والسبب يرجع إلى عددٍ من العوامل، منها المياه التي تغطي أغلب سطح الأرض، ونشاط العمليات الأرضية السطحية، التي تقود إلى إخفاء أو محو مواقع الصدمات النيزكية. ومن هنا يرى الباحثون أنه من المنطقي أن يكون معدل الصدمات النيزكية بالأرض كبيرًا نسبيًّا، ولا يعبر عنه بالضرورة عدد الفوهات النيزكية المعروفة حتى الآن. وهنا موضوع يتصل بنفس السياق، وهو معدلات التصادمات النيزكية خلال الأزمنة الجيولوجية القديمة، وهل تسقط النيازك العملاقة على الأرض بمعدل ثابت منذ تكون الأرض، أم أن هذا المعدل يتناقص مع الزمن؟ من المنطقي أن يتوقع بعض الباحثين أن معدلات ارتطام نيازك الفوهات بالأرض كان كبيرًا في الأزمنة القديمة، نظرًا لكثافة الأجسام النيزكية في الفضاء، خلال العصور القديمة، وتناقصها مع الزمن، من خلال استهلاكها بسقوطها على الأرض، وبقية كواكب المجموعة الشمسية الأخرى. وهذا يعني أن حزام الكويكبات كان في الأزمنة الجيولوجية القديمة أكثر ازدحامًا بالأجسام الصلبة، عنه في الوقت الراهن؛ ومن ثم فإن فرص اندفاع بعض هذه الأجسام لتسقط على الأرض يتناقص مع الزمن. وهذه القضية عرض لها وناقشها منذ زمن بعيد أحد المؤلفين العرب (المرزوقي المتوفى في سنة ٤٢١ﻫ/١٠٣٠م)، في كتابه «الأزمنة والأمكنة».

ويختلف الباحثون فيما بينهم، في حساب معدلات سقوط نيازك الفوهات على الأرض. ومن بين المحاولات الكثيرة التي تحظى بالاهتمام، لتحديد معدل سقوط مثل هذه النيازك على الأرض، تلك التي قدمها «هوفيس» في عام ١٩٧٩م،٢٠ والتي يتوقع فيها أن نيزكًا ضخمًا يمكن أن يحدث ارتطامه بالأرض فوهة قطرها يبلغ حوالي ٢٠٠كم، يسقط كل حوالي ١٤ مليون سنة على سطح الأرض، من خلال معادلة بسيطة لحساب معدلات سقوط النيازك العملاقة على الأرض، كل عام:
ϕ = ١ / ١٤٠٠ق٢.
ϕ: تشير إلى معدل سقوط نيازك الفوهات خلال العام الواحد.

ق: تشير إلى قطر الفوهة التي تتكون من هذا التصادم مقدرًا بالكيلومتر.

ومن خلال دراسة أعمار التكتيت وزجاج الصدمات النيزكية بالأرض، يتوقع بعض الباحثين أن نيزكًا ضخمًا أحدث فوهة قطرها ٥٠كم، وقع خلال عصر البليستوسين (١ مليون عام). ويرى البعض الآخر أن نيزكًا أو مذنبًا كتلته تعادل ١٠–١٥كجم ويتولد عن ارتطامه بالأرض طاقة تعادل ١٠–٣١ إرج، صدم الأرض خلال الفانيروزويك (خلال فترة ٥٧٠ مليون سنة الأخيرة من عمر الأرض). ويرى «والتر الفاريز» Walter Alvarez، أن هذا هو ما حدث خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين حقب الحياة المتوسطة، وحقب الحياة الحديثة، أي منذ قرابة ٦٥ مليون عام، والذي أودى بحياة الديناصورات، وقضى على وجودها تمامًا من على الأرض.
ويرى «قيصر إميلاني»٢١ أن معدلات ارتطام النيازك تتباين حسب مواقعها، فعلى سبيل المثال، مجموعة «أمور»، من الكويكبات التي ينتمي إليها الكويكب «إيكاروس» والكويكب «إيروس» وتضم حوالي ١٠٠٠–٢٠٠٠ كويكب، يحتمل أن يصدم واحد منها الأرض كل حوالي ٥٠٠ ألف عام (نصف مليون عام). أما مجموعة «أتين»، وتضم حوالي ١٠٠ كويكب، فإن احتمال أن يرتطم واحد منها بالأرض قد يحدث خلال ١ مليون عام. بينما مجموعة «أبولو»، التي تضم حوالي ١٠٠٠ كويكب، فإن احتمال حدوث تصادمٍ بين واحدٍ منها والأرض، قد يحدث خلال ٢ مليون عام. فكل أعضاء هذه المجموعات من الكويكبات تدور في مدارات مائلة بالنسبة لدائرة الكسوف، وتقترب من الأرض، فيما يُعرف بأنه اقتراب خطر، يزيد من فرص ارتطامها بالأرض، مما يهدد الحياة واستمرارها على الأرض.

ولا شك أن نتائج المحاولات الحالية لحساب معدلات وقوع الصدمات النيزكية بالأرض لا يمكن الاعتماد عليها بصورة قاطعة؛ إذ إنها عرضة للتغير من الزمن. فهذه النتائج تعتمد على البيانات التي توفرها عمليات رصد الكويكبات والمذنبات في مداراتها. ونتائج عمليات الرصد تتغير بمعدلات سريعة. وبمرور الوقت تتوافر لدى الباحثين بيانات أكثر دقة لحسابات معدلات الصدمات النيزكية، على سطح الأرض. وكذلك تتراكم نتائج عمليات المسح الجيولوجي الأرضي، واستكشاف مواضع الصدمات النيزكية، خاصة مع ازدياد الاهتمام العلمي بموضوع النيازك.

(٥) أساطير الصدمات النيزكية

يستطيع الباحث أن يستشف وجود إشارات مبهمة إلى موضوع الصدمات النيزكية، في بعض القصص والأساطير القديمة. فعلى سبيل المثال، جاء في أسطورة «كاتنجا» القديمة أن: «نارًا حامية ومدمرة سقطت على «الكونغو»، منذ زمن بعيد جدًّا، وكانت سببًا في تكوُّن المعادن الثمينة الموجودة في أماكن متفرقة في وسط أفريقيا.»٢٢ ومن خلال هذا القول، يمكن أن يستنتج المرءُ وجودَ إشاراتٍ واضحةٍ إلى حوادث الصدمات النيزكية، التي تسهم — في الواقع — في تكوُّن العديد من الصخور الزجاجية ذات القيمة المادية العالية، كزجاج «المولدفيت» الذي يشبه معدن الزبرجد، ويستغل كحجر كريم، وزجاج السيلكا الذي يوجد في الصحراء الغربية المصرية، والذي يشبه أنواعًا منها الزبرجد، واستغلَّت لهذا الغرض من أقدم العصور. والأكثر من ذلك أن الصدمات النيزكية تُسهم في تكوُّن أنواعٍ مميزةٍ وفريدةٍ من المعادن الثمينة التي من بينها الألماس، والرواسب المعدنية في الأرض.٢٣
وما ورد في أسطورة قبيلة «هوبي» من الهنود الحمر، بالولايات المتحدة، والخاصة برؤيتهم وتصوراتهم لأصل الفوهة النيزكية الشهيرة الموجودة بولاية «أريزونا»؛ يؤكد فهمهم على وجود علاقة واضحة بين الفوهة والسماء؛ إذ ترى الأسطورة أن الروح العظيم هبط إلى الأرض من مقامه العالي، تحيط به النار والرعد والبرق، ودخل جوف الأرض من ثغرةٍ كبيرة، هي فوهة ولاية «أريزونا» النيزكية.٢٤ ومن الثابت أن الناس ربطوا بين النيازك والرعد والبرق، لكن الأهم في هذه الرواية أن الفوهة تكونت من سقوط نيزك ضخم، خلال الأزمنة التي لم يكن هؤلاء الناس ولا أسلافهم قد وُجِدوا. فكيف إذن ربطوا بينها وبين البرق والرعد (النيازك)؟
وتشير الإرهاصات التي صاحبت اكتشاف السيد «فليبي»، في عام ١٩٣٢م، لفوهات «وابر» في الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية، إلى معرفة الإنسان قديمًا بمواقع الصدمات النيزكية، وتأثيراتها على الحياة والحضارة. فالذي كان يحرك «فليبي» للقيام بهذه الرحلة البعيدة، في مكانٍ خالٍ من الحياة، قصة رواه له رجل من الأعراب، يُدعى «جابر بن فراج». وملخص القصة:٢٥ أنه في مكان ما بالربع الخالي، بالموقع الذي توجد فيه فوهات «وابر»، توجد أطلال مدينة خربة قديمة، يطلق عليها «وابر»، حلَّت لها في الأزمنة الغابرة كارثة طبيعية فدمرتها. وكانت الكارثة عبارةً عن ريحٍ عاتية ومدمرة، مرَّت على المدينة، فسوَّت بها الأرض. فهذه الرواية تعني أن وابر هي مدينة قوم «عاد» التي عتَتْ عن أمر ربها، ولم تتبع نصائح «هود»، كما ورد في القرآن الكريم، وتعني «هوبر» في الإنجيل، على حد رأي «فليبي» ذاته. والذي جذب «فليبي» أكثر لاستكشاف هذه المدينة البائدة؛ ما ورد في رواية الأعرابي من أنه بالقرب من الموقع تُوجَد قطعة كبيرة (كبر حدبة الجمل) من الحديد؛ ولهذا السبب فإن الناس يطلقون على الموقع اسم «الحديدة». فتوقَّع «فليبي» وجود بقايا مصنوعات حديدية قديمة، ذات قيمة تاريخية ومادية عالية، يمكن الحصول عليها من الموقع؛ ومن ثم عقد العزم على استكشاف الموقع، والتعرُّف على طبيعته، وتقصي الرواية التي رواها له الأعرابي. ولم تكن المدينة التي قصدها «فليبي» سوى موضعٍ هوى عليه نيزك حديدي كبير أحدث فجواتٍ في الأرض، وتناثرت شظاياه بالموقع مختلطة مع كسرات المادة الزجاجية التي نتجَتْ عن الحرارة العالية التي ولدتها الصدمة النيزكية بصخور الحجر الرملي التي تُشكِّل المنطقة. وتشبه الكسرات الزجاجية الموجودة بموقع فوهات وابر؛ الخَبَث الذي يتخلَّف عن عمليات صهر الخامات المعدنية، أثناء عمليات استخلاص الفلزات. وتكشف القصة عن معرفة الإنسان القديم للدمار الكبير الذي تُحدثه الارتطامات النيزكية بالأرض. وإن كانت القصة تقصر دمار المدينة بالريح، ولا تذكر سقوط أحجارٍ أو نارٍ من السماء، فإنها تشير إلى جانبٍ مهمٍّ من تأثيرات الصدمات النيزكية بالأرض، وهو الريح الشديدة التي تصاحب انفجار النيازك إثر دخولها جو الأرض، وارتطامها بالصخور الأرضية، كما هو الحال في حادثة «تونجسكا».
ومما يؤكِّد معرفة الإنسان القديم للصدمات النيزكية، وارتباطها في عقله بالحديد، روايةٌ يذكرها بعض الباحثين٢٦ عن الحدادين في «سيرلانكا». وهذه الرواية، تقول: يشير الحدادون في «سيرلانكا» إلى مواقع عمليات صهر الحديد القديمة، حيث تختلط بقايا من الحديد المستخلص من عمليات الصهر، مع قطعٍ من الخبث المتخلفة عن عمليات الصهر؛ يشيرون إليها على أنها مواضع صدمات نيزكية، أي أنها قطع حديد سماوية. وهذا المشهد الذي يعنيه الحدادون في «سيرلانكا» يتوافَقُ مع مشهد موقع الصدمة النيزكية في «وابر» وفي بعض المواضع الأخرى؛ حيث تختلط قطع الحديد مع المواد الزجاجية التي تنشأ عن صهر الصخور الأرضية، من تأثير حرارة الصدمة، وتناثرها حول الموقع. ففي موقع فوهات «وابر» النيزكية تحديدًا، أشارت الدراسات التي أجراها «جيفري سي. وين»، ومرافقه الراحل «جين شوميخر» Gene Shoemaker، على الموقع أثناء الزيارة الحقلية التي تمَّت في عام ١٩٩٥م، وظهرت نتائجها خلال عامي ١٩٩٧-١٩٩٨م، إلى نوعٍ من الزجاج، يطلق عليه تسمية «زجاج شبيه بالخبث». إذن فحدَّادو «سيريلانكا» لا يقولون ذلك من فراغ، وإنما يعكس قولهم هذا، مشاهدات طبيعية. ويلتمس الباحث العذر لمن يفسر مواقع الصدمات النيزكية، على أنها مواقع حضارات قديمة، تعرَّضت للكوارث الطبيعية، كما في رواية الأعرابي عن فوهات وابر، وكذلك مَن يرى أن مواقع صهر خامات الحديد الأرضي القديمة، التي كانت تتم فيها عمليات تحويل الخامات الأرضية للحديد الفلزي؛ فالمشهدان متشابهان تقريبًا؛ إذ كلاهما يحوي قطعًا وشظايا من الحديد الفلزي، وقطعًا زجاجية سوداء بها فجوات، وبها مكتنفات من حبيبات الحديد الفلزي.
ويختلف الأمر نسبيًّا، بالنسبة لفوهة «تسوينج»، بجمهورية جنوب أفريقيا. وتسمية «تسوينج» باللغة التسوانية المحلية تعني «موقع الملح»، حيث كانت تسمى قديمًا «غور ملح بريتوريا». والفوهة عبارة عن تجويف بيضاوي منتظم الشكل نسبيًّا، يظن الباحثون أنها فوهة بركانية، أو تجويف ناتج عن تحركات أرضية، أو فوهة نيزكية، في حين يرى السكان المحليون أن الفوهة عبارة عن عالم سحري مليء بالعجائب والأسرار. ومن بين القصص التي يروج لها الناس: أن أفعى عملاقة تعيش تحت سطح المياهِ الكئيبةِ التي تغطِّي قاع الحفرة، وأنها تدرب اﻟ «سانجوماس» [معالجون وأنبياء] وتنمي مهاراتهم، بطريقةٍ سرية لا يشعر بها أحد. فإذا ما تجاوز أحدٌ الحدود المحددة لمجال المنطقة، ودخل الفوهة بدون تصريح نهارًا أو ليلًا، فإن الأفعى تقوم على الفور بقتله. وتؤكد هذه القصص الأسطورية على وجود كهفٍ كبير بالجزء الشمالي من حافة الفوهة، يحتوي على عظام الضحايا، الذين قتلتهم الأفعى العملاقة على مر الزمن.٢٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤