مقدمة

كان أول تعرُّف لي على الكُتَّاب الأفارقة سنة ١٩٦٢م، في أثناء حضوري دورة تدريبية للتدريس في نيجيريا متطوِّعًا في فيلق السلام، وعندما قرأت «شَرِّيب نبيذ النخيل»١ (١٩٦٢م) لآموس تيوتولا Amos Tutuola و«الأشياء تتداعى»٢ (١٩٥٨م) لشينوا أشيبي Chinua Achebe جذبني العملان إلى عالَمهما الغريب، الذي لم يكُن قد سبق لي أن أصادف مثيلًا له في قراءاتي السابقة أثناء سنوات دراستي (التي شملت الليسانس والماجستير في الأدب الإنجليزي). وخلال العامَين اللذين كنت أقوم فيهما بالتدريس في نيجيريا الشرقية، كنت أقرأ كلَّ ما يقع في يدي من الأدب الأفريقي، بما في ذلك «الروايات» التي كانت تُنشَر في كُتيِّبات صغيرة في «أونيتشا» القريبة، وبعد عودتي إلى الولايات المتحدة في أواخر ١٩٦٤م، كنت قد أصبحت شديد الاهتمام بهذا النوع من الكتابة، والرغبة في أن أكرِّس حياتي لها.
وفي العام الدراسي ١٩٦٤–١٩٦٥م، كنت أقوم بتدريس الأدب الأفريقي في جامعة «كولورادو»، ولكن معظم الكتب لم تكُن من تأليف كُتَّاب أفارقة، وإنَّما من تأليف كُتَّاب أوروبيين (مثل جوزيف كونراد Joseph Conrad، وجراهام جرين Graham Greene، وجويس كاري Joyce Cary)، أمَّا المشكلة الأكبر، فكانت هي محاولة إقناع الناشرين الأمريكيين بإصدار طبعاتٍ أمريكية من أعمال الكُتَّاب الأفارقة، الذين كانوا قد بدءوا يَظهرون ويَنشرون أعمالهم في بريطانيا وفرنسا، واستمرَّت المحاولة طويلًا، ولكنها لم تحقِّق نجاحًا في البداية.

كان للمقاومة التي واجهتُها من الناشرين صداها أيضًا في الوسَط الأكاديمي، الذي جعله ضِيقُ الأفق يركِّز كل اهتمامه على الغرب، واستغرق الأمرُ سنوات لكي تقتنع الجامعات الأمريكية بأنَّ الأدب الأفريقي جديرٌ بالدراسة، ولحُسن الحظ، كان هناك عدد من الأكاديميين من ذوي العقول المنفتحة، الذين وقفوا إلى جانبي في هذا التحدِّي، بالرغم من أنه كان من الصعب أن أجد مُشرفًا على أطروحتي عن الكُتَّاب الأفارقة، وفيما بعدُ أصبحَت هذه الأطروحة كتابًا بعنوان «نشأة الأدب القصصي الأفريقي» (١٩٧٢م)، وهي إحدى بواكير الدراسات النقدية عن الأدب الأفريقي.

بعد أكثر من ثلاثين عامًا، لم يعُد هناك سوى قِلَّة من الباحثين الذين يمكن أن يُنكروا شرعية الأدب الأفريقي، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الكتاب يتناول المشكلات التي ما زال الكُتَّاب الأفارقة يواجهونها عندما يحاولون أن يكونوا كذلك — أي كُتَّابًا أفارقة — بالرغم من حصول عددٍ كبير منهم على جوائزَ كثيرة مهمة، لم تتغيَّر العقباتُ كثيرًا في نصف القرن الأخير، ولذلك يمكن أن نقول إنَّك لكي تكون كاتبًا في أفريقيا، فإن ذلك يتضمَّن التغلُّب على تحديات كثيرة، والتحايُل على عقبات نادرًا ما يُصادِفُها الكُتَّاب في الغرب، وبالتالي فإن كُتَّاب الغرب لا يعرفون شيئًا عن مُكابدات كُتَّاب أفريقيا، وكثير من دول ما يُسمَّى بالعالم الثالث.

العمل الذي كان يقوم به «آموس تيوتولا»، ونشر روايته «شَرِّيب نبيذ النخيل»، يقدِّمان لنا مثالًا صارخًا على وضع كاتب يحظى بشهرة وتقدير في الغرب، ويتم تجاهله في وطنه إلى حدٍّ بعيد، وهو وضع مألوف بالنسبة لكثير من الكُتَّاب الذين جاءوا بعده؛ فهذا الروائي النيجيري «تيوتولا»، الذي يعتبره اليوم كثيرٌ من النقاد واحدًا من الآباء المؤسسين للواقعية السحرية، عاش حياةً مملوءة بالإحباط والإهمال، وعندما مات سنة ١٩٩٧م كانوا يجمعون التبرعات لتسديد نفقات دفنه.

من بين المشكلات التي ما زالت تواجه الكُتَّاب الأفارقة اليوم: اللغة التي يجب استخدامها (أفريقية أم أوروبية؟) ومشكلة الأُمية والجمهور (٥٠٪ تقريبًا من سكَّان القارة لا يستطيعون القراءة)، والمشكلات الاقتصادية (أسعار الكتب مرتفعة ولا يستطيع شراءَها سوى عدد قليل)، ومشكلة نقص منافذ النشر والتوزيع في القارة، ويُضاف إلى ذلك كله، حائط آخَر من العقبات، يتمثَّل في: الرقابة والسجن والنفي … وما هو أسوأ!

وقد اعتمدتُ في أجزاء كثيرة من هذا الكتاب على ردود وإجابات الكُتَّاب الأفارقة (منشورة وغير منشورة)، عن استطلاعٍ للرأي أرسَلتُه إليهم، وكان على النحو التالي:

حيث إنَّني بصدد إعداد كتاب عن الكاتب الأفريقي، أرجو موافاتي بتقرير موجز عن مدى النجاح أو الفشل في تجربتكم مع النشر. سوف تُخصَّص فصول من هذا الكتاب لتناول قضايا مثل الأُمِّية والجمهور (مَن يقرأ الأدب الأفريقي؟ ولِمَن يُكتَب؟) والأحكام النقدية لبعض القرَّاء من غير الأفارقة، الذين قد لا يفهمون مقصد الكاتب، وقضايا الرِّقابة، والنشر الشخصي، أو عن طريق الدُّور المتخصِّصة في الداخل والخارج، بالإضافة إلى قضايا النفي والإبعاد وغيرها، كما أرحِّب بأية معلومات أو بيانات متعلِّقة بذلك.

وبمجرَّد أن تلقَّيتُ الردود، أدركتُ أنه كان لا بد من استطلاع آخَر لآراء الناشرين، الذين يُمكِن أن يُضيفوا إلى القصة، وإلى جانب الكُتَّاب والنقاد والناشرين الذين أجابوا عن أسئلتي، ما كان لهذا العمل أن يتم لولا المساعدة القيِّمة من كلٍّ من: «بيرنث لندفورس Bernth Lindfors»، و«إرنست إيمينيونو Ernest Emenyonu»، و«جيمس جبس James Gibbs»، وثلاثتهم نُقَّاد للأدب الأفريقي، كان لهم الفضل في تعريفي بأماكن بعض الكُتَّاب، وعناوين بعض الأعمال، وبمصادر أخرى يمكن الرجوع إليها، كما قام كلٌّ من «لندفورس»، و«إمينيونو»، و«تيجان م. صلاح» بقراءة مسودة الكتاب.

كما ساعدني في هذا البحث كلٌّ من الآتية أسماؤهم بعدُ، وذلك باطِّلاعي على تجاربهم مع النشر، وبخاصَّةٍ:

Cyprian Ekwensi, Similih M. Cordor, Elinor Sisulu, Véronique Tadjo, Yvonne Vera.

كما تلقَّيتُ مساعدات مُهمة من كلٍّ من:

Kehbuma Langmia, F. Odum Balogum, Douglas O. Temile, Mzamane Nhlapo, William Saidi, Irene Staunton, Mwamba, Cabakulu, Jare Ajayi, Taban Io Liyong, Lenrie Peters, Ngugi Wa Thiong’o, Chinua Achebe, Tijan M. Sallah, Steve Chimombo, Sindiwe Magona, Nuruddin Farah, Jekwn Ikeme, Wole Soyinka, Niyi Osundare, Tess Onwueme, Margaret Ling, Trish Mbanga, Miriam Bamhare, Terence Ranger, Nevilles Bsquared Oguohwo, Sanya Osha, Louis-Marie Ongoum, N. Cabakulu, Stephen Gray, George Ngwane, Segun Ourowaiye, Henry Chakava, James, Tumusiime, Manthia Diawara, Neely Tucker, Gilbert Doho Joop Berkhout, Muthui Kiboi, B. Sodindwa Neube, Hans Zell, Colin McGee, Aminata Sy, Buma Kor, Madieyna Ndiaye, Lupenga Mphande. Jeremy Ng’aug’a, Becky Clarke.

مع اعتذاري لكل مَن يكون قد سقط اسمه سهوًا، وفي النهاية فإن هذا الكتاب تحيةٌ متواضعة لكُتَّاب أفريقيا المعاصرين، الذين ما زالوا يمضون واثقي الخُطى، على طريق أسلافهم في القص التقليدي، بالرغم من كلِّ الظروف غير المواتية.

١  The Palm-Wine Drinkard.
٢  Things Fall Apart.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤