الفصل الرابع

الْبَطَّةُ كواكر تَجْذِبُ الِانْتِبَاهَ

أَكْثَرُ شَيْءٍ مُثِيرٍ لِلْفُضُولِ فِي الْعَالَمِ هُوَ الْفُضُولُ.

الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

لَمْ تَقُلِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ شَيْئًا أَصْدَقَ مِنْ هَذَا قَطُّ. إِنَّهُ لَمُثِيرٌ لِلْفُضُولِ حَقًّا كَيْفَ أَنَّ الْفُضُولَ يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَخْدَعَ أَكْثَرَ النَّاسِ حِكْمَةً وَرُشْدًا. حَتَّى الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ نَفْسُهَا قَدْ عُرِفَ عَنْهَا أَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ فِي الْمَشَاكِلِ بِسَبَبِ الْفُضُولِ. نَحْنُ نَتَوَقَّعُ هَذَا مِنَ الْأَرْنَبِ بيتر، وَلَكِنَّ بيتر لَيْسَ أَكْثَرَ فُضُولًا مِنْ آخَرِينَ لَا نَتَوَقَّعُهُ مِنْهُمْ.

فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ كَانَتِ الْبَطَّةُ كواكر الْبَرِّيَّةُ هِيَ آخِرَ كَائِنٍ فِي الْعَالَمِ تَتَوَقَّعُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَشَاكِلِ بِسَبَبِ الْفُضُولِ؛ فَقَدْ أَمْضَتْ كواكر الصَّيْفَ فِي أَقْصَى الشَّمَالِ مَعَ الْوَزَّةِ هونكر. فِي الْحَقِيقَةِ، لَقَدْ وُلِدَتْ هُنَاكَ. لَقَدِ انْطَلَقَتْ إِلَى أَرْضِ الْجَنُوبِ الْبَعِيدَةِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ الَّذِي انْطَلَقَتْ فِيهِ هونكر، وَلَكِنْ حِينَ وَصَلَتْ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ وَجَدَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ؛ لِذَا قَرَّرَتِ الْمُكُوثَ هُنَاكَ إِلَى أَنْ تُضْطَرَّ إِلَى الِانْتِقَالِ. وَقَدْ تَجَمَّدَ النَّهَرُ الْكَبِيرُ كُلُّهُ مَا عَدَا ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ حَيْثُ كَانَتْ تَجْرِي فِيهِ الْمِيَاهُ بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ لِدَرَجَةِ أَنَّهَا لَا تَتَجَمَّدُ، وَهُنَاكَ مَكَثَتْ كواكر. لَقَدْ كَانَتْ كواكر غَوَّاصَةً مَاهِرَةً، وَفِي قَاعِ النَّهْرِ كَانَتْ قَدْ وَجَدَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ. لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ الْإِمْسَاكَ بِهَا هُنَاكَ، مَا لَمْ يَكُنِ الصَّقْرَ ذَا السَّاقِ الْحَادَّةِ. وَإِذَا مَا أَتَى ذُو السَّاقِ الْحَادَّةِ، كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهَا هُوَ أَنْ تَغُوصَ ثُمَّ تَصْعَدَ بَعِيدًا وَهِيَ تَضْحَكُ وَتَسْخَرُ مِنْهُ. لَمْ تَسْتَطِعِ الْمِيَاهُ أَنْ تَعْبُرَ مِنْ خِلَالِ رِيشِهَا الدُّهْنِيِّ؛ لِذَا لَمْ تُلْقِ بَالًا لِمَدَى بُرُودَتِهَا.

كَانَ يُوجَدُ فِي مَوْطِنِ كواكر، فِي أَقْصَى الشَّمَالِ، الْكَثِيرُ مِنَ الْمَخَاطِرِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهَا تَعَلَّمَتْ أَنْ تَكُونَ دَائِمًا فِي حَالَةِ تَرَقُّبٍ، وَأَنْ تَعْتَنِيَ بِنَفْسِهَا أَفْضَلَ عِنَايَةٍ. وَفِي رِحْلَتِهَا إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، لَاحَقَهَا رِجَالٌ ذَوُو أَسْلِحَةٍ مُرِيعَةٍ، وَقَدْ تَعَلَّمَتْ كُلَّ شَيْءٍ عَنْهُمْ. فِي الْوَاقِعِ أَدْرَكَتْ أَنَّهَا قَادِرَةٌ تَمَامًا عَلَى الِابْتِعَادِ عَنِ الْأَذَى. بِالْأَحْرَى تَبَاهَتْ بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ عَلَى الْقَدْرِ الْكَافِي مِنَ الذَّكَاءِ لِيُمْسِكَ بِهَا. أَظُنُّ أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ، كَانَتْ تُشْبِهُ الثَّعْلَبَ ريدي كَثِيرًا؛ هَذَا لِأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً. تِلْكَ هِيَ عَادَةُ صِغَارِ الْبَطِّ وَالثَّعَالِبِ، وَبَعْضِ الصِّغَارِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ أَعْرِفُهُمْ.

فِي الْبِدَايَةِ، حِينَ رَأَتِ الْبَطَّةُ كواكر الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ، دَاعَبَتْ ذَيْلَهَا الصَّغِيرَ فِي عَبَثٍ، وَابْتَسَمَتْ وَهِيَ تُفَكِّرُ كَمْ أَنَّ الْجَدَّةَ تَتَمَنَّى أَنْ تُمْسِكَ بِهَا. وَلَكِنْ حَتَّى الْآنَ، عَلَى حَدِّ عِلْمِهَا، فَإِنَّ الْجَدَّةَ لَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا.

فَكَّرَتْ كواكر: «إِنَّهَا لَا تَعْلَمُ بِوُجُودِي هَا هُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ.» ثُمَّ انْتَصَبَتْ فَجْأَةً بِاسْتِقَامَةٍ شَدِيدَةٍ وَنَظَرَتْ بِكُلِّ قُوَّةٍ. مَاذَا دَهَا تِلْكَ الثَّعْلَبَةَ؟ إِنَّهَا تَتَصَرَّفُ وَكَأَنَّهَا فَقَدَتْ عَقْلَهَا فَجْأَةً.

لَقَدْ لَفَّتْ مِرَارًا وَتَكْرَارًا. دَارَتْ فِي دَوَائِرَ، ثُمَّ أَخَذَتْ تَتَشَقْلَبُ. نَامَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَجَعَلَتْ تَرْفُسُ بِقَوَائِمِهَا الْهَوَاءَ. لَمْ تَعْرِفْ فِي حَيَاتِهَا قَطُّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَكَذَا. لَا بُدَّ أَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا مَا.

بَدَأَتْ كواكر تَتَحَمَّسُ. لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُحَوِّلَ عَيْنَيْهَا عَنِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ. بَدَأَتْ تَقْتَرِبُ سَابِحَةً. أَرَادَتْ أَنْ تَرَى مِنْ زَاوِيَةٍ أَفْضَلَ. نَسِيَتْ تَمَامًا أَنَّهَا ثَعْلَبَةٌ؛ لَقَدْ كَانَتْ تَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى إِنَّهَا بَدَتْ وَكَأَنَّهَا مُجَرَّدُ بُقْعَةٍ حَمْرَاءَ غَرِيبَةٍ عَلَى الشَّاطِئِ. أَيًّا مَا كَانَتْ تَفْعَلُ كَانَ غَرِيبًا جِدًّا وَمُثِيرًا جِدًّا. فَأَخَذَتِ الْبَطَّةُ كواكر تَسْبَحُ أَقْرَبَ فَأَقْرَبَ. كَانَ الْفُضُولُ أَخَّاذًا. بَدَأَتْ تَسْبَحُ هِيَ الْأُخْرَى فِي دَوَائِرَ. طَوَالَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَقْتَرِبُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ مِنَ الشَّاطِئِ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهَا أَدْنَى شُعُورٍ بِالْخَوْفِ. فَقَطْ كَانَتْ فُضُولِيَّةً. أَرَادَتْ أَنْ تَرَى مِنْ زَاوِيَةٍ أَفْضَلَ.

طَوَالَ الْوَقْتِ كَانَتِ الْجَدَّةُ تَتَصَرَّفُ عَلَى نَحْوٍ غَرِيبٍ، كَانَتْ تُرَاقِبُ كواكر، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَشُكَّ قَطُّ. بَيْنَمَا سَبَحَتْ كواكر مُقْتَرِبَةً أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، أَخَذَتِ الْجَدَّةُ تَدُورُ وَتَتَرَاجَعُ إِلَى الْخَلْفِ مُبْتَعِدَةً أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ. وَأَخِيرًا أَصْبَحَتْ كواكر قَرِيبَةً مِنَ الشَّاطِئِ. إِذَا اسْتَمَرَّتْ فِي اقْتِرَابِهَا فَسَتَكُونُ عَلَى الْيَابِسَةِ تَمَامًا فِي بِضْعِ دَقَائِقَ. وَظَلَّتْ طَوَالَ الْوَقْتِ تُحَدِّقُ وَتُحَدِّقُ. لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِهَا أَيُّ فِكْرَةٍ عَنِ الْخَطَرِ. كَمَا تَرَى، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلتَّفْكِيرِ؛ لِأَنَّ بَالَهَا كَانَ مَلِيئًا بِالْفُضُولِ.

فَكَّرَتِ الْجَدَّةُ: «فِي غُضُونِ دَقِيقَةٍ سَأَحْظَى بِهَا.» وَأَخَذَتْ تَدُورُ أَسْرَعَ مِنْ ذِي قَبْلُ. وَهُنَا فَقَطْ وَقَعَ أَمْرٌ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤