الفصل الأول

حطام سفينة!

تقلبت سفينتنا طيلة أيام عديدة وسط العواصف الهوجاء، فكانت تتقاذفنا الأمواج وحدنا عن المسار تمامًا. انشق الصاري، وحدث تسرب في كل مكان، واندفع الماء إلى داخل المركب مرتفعًا بسرعة. تلاشت كل آمال طاقم السفينة في النجاة. كانوا يخشون وقوع أسوأ الاحتمالات، وبدا أننا فقدنا كل شيء.

أخذت عائلتي إلى سطح السفينة، وركعنا نصلي خاشعين وسط الأمطار المنهمرة بغزارة. وإذ بأحد أفراد الطاقم يصرخ: «اليابسة! اليابسة!»

لقد استُجيبت دعواتنا. لكن في تلك اللحظة حشرت سفينتنا بين صخرتين عملاقتين وبدأت تنهار إلى أجزاء فيما اندفعت المياه إليها من كل جانب.

صرخ القبطان: «أنزلوا القوارب! لقد هلكنا لا محالة!» بدأت سفينتنا تتصدع. هرعت إلى زوجتي وأولادي وصرخت: «ما زلنا في المياه واليابسة قريبة! ما زال بمقدورنا أن نصل إلى الشاطئ!»

لكن عندما التفَتُّ، وجدت أن أفراد طاقم السفينة قفزوا إلى جميع قوارب النجاة، فانفطر قلبي، كيف أخبر عائلتي بأن رفاقنا على السفينة تخلوا عنا؟

صرخت وسط المطر المنهمر: «أبنائي، إذا مكثنا على متن السفينة، يمكننا أن نسبح إلى الشاطئ بعد أن تهدأ العاصفة!» اطمأن أولادي لكن زوجتي رأت أنني ما زلت قلقًا لأن السفينة المحطمة كانت تتأرجح وتتقلب بين الأمواج.

صرخت: «يجب أن نعثر على طعام فلا بد أن نتقوى لنجابه ما ينتظرنا.»

بينما غشي الليل، ظلت الأمواج والأمطار تضرب سفينتنا أكثر فأكثر، غير أننا تمكنا من البقاء في مقصورتنا فوق الماء.

فتّشنا ما تبقى من السفينة في هلع بحثًا عن طعام كي نجمع وجبة للعائلة.

في تلك اللحظة قال فريتز، ابني الأكبر: «أبي، لماذا لا نبحث عن أشياء نصنع منها سترات نجاة أو أحزمة طفو، وعندئذ يمكننا أن نسبح كلنا إلى الشاطئ؟»

كانت فكرة رائعة. عثرنا على زجاجات وعبوات فارغة ربطناها بعضها ببعض لصنع سترات نجاة بدائية، ثم ارتديناها لعلنا ننجو إذا انجرفنا من فوق السفينة. وما كانت هذه السترات لتصلح للسباحة وقتًا طويلًا، لكنها قد تنجينا لحظة أو لحظتين إضافيتين. عثرنا أيضًا على أعواد ثقاب، وسكاكين، وحبل، وغيرها من الأشياء المفيدة كي نحملها تحسبًا لأن نحتاجها. استطاع فريتز وإيرنست وجاك وفرانز أن يخلدوا إلى النوم الآن على ظهر السفينة المحطمة، فيما سهرت أنا وزوجتي طوال الليل نراقب العاصفة.

أخيرًا عندما طلع النهار رأينا أن السماء بدأت تصفو وأيقظنا الصبيان الذين اندهشوا لدى علمهم بأن رفقاء السفينة هجرونا في قوارب النجاة، لكننا هدأنا من روعهم.

بكى الأولاد: «لكن يا أبانا! ما الذي حدث للجميع؟ هل رحل جميع البحارة؟ لماذا تركونا؟»

قاطعهم فريتز: «لا بد أن نسبح إلى الشاطئ الآن.»

قال إيرنست: «أظن أنه يجدر بنا أن نصنع طوفًا ونستخدمه للوصول إلى الشاطئ بأمان. قد لا تفي أحزمة الطفو بالغرض.»

أجبت: «دعونا نتفقد أولًا بقية السفينة لنرى ما يمكننا العثور عليه. لنلتقِ هنا مرة أخرى ومعنا ما نراه مفيدًا.»

ذهب فرانز، أصغر أبنائي الذي كان في السابعة من العمر فحسب، باحثًا عن صنارات، وذهبت زوجتي كي تطعم الحيوانات الموجودة على متن السفينة وتهدئ من روعها لأنها كلها كانت مذعورة. وانطلقت بقيتنا للعثور على ما تطاله أيدينا؛ ذهب فريتز للعثور على أسلحة، وبحثت أنا عن المياه العذبة، وذهب جاك إلى مقر القبطان.

فتح جاك الباب وفوجئ بكلبين مبتهجين يقفزان نحوه في فرح لأنهما وجدا من ينقذهما. أخذا يلعقان جسمه كله، فامتطى جاك أكبرهما بزهو إلى حيث كنت. اجتمعنا كلنا وتفقدنا كل ما عثرنا عليه.

عثر فريتز على بنادق، وبارود، ورصاص. وأتى إيرنست بمسامير، ومنشار، وفأس، ومطرقة، وامتلأت كل جيوبه بأدوات أخرى. أما فرانز الصغير فقد عرض في زهو صندوقًا مليئًا بعقاف الصنارات، التي أخبرته أنها أهم شيء. أخبرتنا زوجتي أنه يوجد على متن السفينة حمار وبقرتان، وعنزتان، وستة من الضأن، وكبش، وسرب من الدجاج، وديك، وخنزيران.

اقترح جاك العثور على بعض البراميل كي نطفو بداخلها إلى الشاطئ. ويمكن استخدامها لبناء طوف لنا جميعًا. قطعت البراميل بالمنشار كل منها إلى نصفين فصار عددها ثمانية. ثبت أنصاف البراميل معًا بألواح كبيرة، فصنعنا ما يشبه قاربًا من الأحواض. وثبتنا بكرات صنعناها من الأعمدة المقطوعة تحت القارب، وتمكنا من صنع رافعة تُنزِل القارب إلى الماء. أوثقنا القارب بسفينتنا المحطمة ثم حمّلناه بكل أدواتنا، وطعامنا، ومياهنا، وكل شيء آخر وجدناه قد يكون نافعًا. وعندئذ عثرنا على بعض المجاديف لنجدف بها إلى الشاطئ. وبعد قضاء يوم منشغل في إعداد الطوف، حلّ الظلام مرة أخرى فانتظرنا في توتر في الظلام راجين ألا تعصف بنا عاصفة أخرى. وعند الصباح استعددنا للتجديف إلى الشاطئ.

قلت للصبيان: «تأكدوا قبل أن نرحل من أن تتركوا الكثير من العلف من أجل الحيوانات، وأريحوها قدر الإمكان، فلعلنا نستطيع أن نعود من أجلها خلال بضعة أيام.» وما إن هممنا بالرحيل، حتى صاح الديك، مما جعلنا نقرر أن نجمع كل الدجاج لنأخذه معنا.

تولى أكبر أبنائي، إيرنست وفريتز عملية التجديف. وعندئذ حان الوقت كي نشق طريقنا نحو الشاطئ. وبكل جسارة ائتمنا ذلك القارب الصغير على حياتنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤