عفوًا … عمدة الأرض!

العبد لله لم يُدرِك السر في تسمية الحكومة الأمريكية بالإدارة الأمريكية إلى اليوم … والسبب الذي قادني إلى اكتشاف السر هو التقرير الأمريكي الذي صدر بعد التحقيقات المطوَّلة عن السر وراء سقوط الطائرة المصرية في المحيط الأطلنطي قُبالة سواحل نيويورك. التقرير يقول إن مساعد الطيار البطوطي انتحر ونحر معه جميع الركاب … طيب … ومساعد الطيار الذي قرر الانتحار، لماذا لم يُؤمِّن على حياته لصالح الورثة خصوصًا وهو صاحب عائلة كبيرة؟ ولماذا اشترى قبل ركوب الطائرة علبة فياجرا؟ هل اشتراها لاستعمال السمك في أعماق المحيط؟

الشيء اللافت للنظر أن التقرير جاء مثل مياه الحنفية … لا طعم ولا لون ولا رائحة … ولكنه حاول إبعاد الشبهات عن شركة «بوينج» الأمريكية لأن ثبوت التهمة ضدها يكلفها الكثير، وقد يؤدي إلى انهيار الشركة، خصوصًا بعد أن تفوقت الشركة الأوربية «إيرباص» في المنافسة بينهما، وأصبحت موضع ثقة أغلب شركات الطيران العالمية، ثم … طائرة البوينج التابعة للشركة الهندية والتي سقطت منذ أسابيع على منطقة سكنية، هل كان يقودها الطيار البطوطي؟ أم يوجد بطوطي آخر في الشركة الهندية؟ ثم ما هذا الغباء المطبق الذي جعل فريق التحقيق الأمريكي يصر على أن عبارة «توكلت على الله» هي دليل أكيد على نية قائلها على الانتحار؟ طيب ما رأي السادة المحققين الأمريكان أنني شخصيًّا هتفتُ بهذه العبارة وأنا أستعد لكتابة هذا المقال دون أن يكون لديَّ أدنى رغبة في الانتحار أو حتى الاعتكاف، ومائة ألف بائع سريح في القاهرة ومثلهم في كل عاصمة عربية يهتفون بالعبارة نفسها قبل أن يدفعوا بعربات اليد نحو الأسواق، وهكذا بفضل جهل السيد المحقق في حادث سقوط الطائرة البوينج في المحيط الأطلنطي أصبحت عبارة «توكلت على الله» هي فاتحة عمليات الانتحار، وبالتالي تكون عبارة «عشا الغلابة عليك يا رب» هي صيحة الحرب، يطلقها الصناديد قبل البدء في دخول أم المعارك، أما عبارة «ياللي الهوا هزك يا مشمش» فهي كلمة السر لأعضاء تنظيم القاعدة، يرددها رجال بن لادن قبل الانطلاق لتدمير مقر وكالة المخابرات المركزية! ولكن لماذا تحمي الحكومة الأمريكية شركة «بوينج» مع أنها شركة خايبة وسقط من طائراتها عدد لا يستهان به؟ لأن الحكومة الأمريكية — كما قلت — هي في الواقع إدارة، شأنها شأن إدارة الريان، أو شركة السعد، أو شركة الأمن الغذائي بتاعة توفيق عبد الحي، وشركة بوينج واحدة من الشركات، والشركة للشركة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، لقد أثبت هذا التقرير الأمريكي الخاص بحادث سقوط الطائرة المصرية في المحيط، أن سلوك الإدارة الأمريكية الظالم والمنحاز ليس في المجال السياسي فقط ولكنه يمتد إلى مجال «البزنس» والأعمال، والفَرْق الوحيد أنه إذا شعرتْ دولة ما بالظلم من موقف الإدارة الأمريكية، جاز لها أن تشكو للأمم المتحدة أو لمجلس الأمن، ولكن الشركات المظلومة إذا شعرت بانحياز الموقف الأمريكي، فليس أمامها إلا أن تشرب من البحر، وإذا لم يعجبها عليها أن تشرب من المحيط، وتستطيع أن تفعل ذلك في المحيط الأطلنطي أو المحيط الهندي أيهما أقرب إليها. ولكن يبقى بعد ذلك وقبل ذلك سؤال يجب طرحه: ما العمل؟ وكيف يحصل ورثة ضحايا الطائرة على التعويض المناسب؟ العبد لله يعتقد أن السكك كلها مقطوعة، وأن تحقيق هذا الهدف للحصول على تعويض من الشركة الأمريكية هو أمر في حكم المستحيل، وليس أمام المتضررين إلا أن يهتفوا بعبارة «توكلنا على الله» ثم يقفزون في البحر!

•••

أخيرًا … اكتشفت الإدارة الأمريكية أن القوة عز، ولكن فرط القوة لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق الأمنيات، وها هي الإدارة الأمريكية أقوى قوة على ظهر الأرض، فشلتْ فشلًا ذريعًا في تحقيق السلام بين الفرقاء المُتصارعين في أيرلندا، مع أن المفاوضات جرَت تحت إشراف الإدارة الأمريكية وباسمها، ها هي العبوات الناسفة تعود إلى شوارع أيرلندا، ووصل بعضها إلى محطات المترو في لندن نفسها، وها هي المشكلة الفلسطينية تعود إلى نقطة البدء من جديد، لا سلام على الأرض المُقدَّسة ولا هدوء، مع أن الإدارة الأمريكية هي التي تولَّت عقد المؤتمرات وتولَّت إدارة المفاوضات، وقدَّمت بعض الحلول والمقترحات، ولكن لا شيء تحقق إلا الكلام ثم المزيد من الكلام، ولعل هذا الفشل هو سر الغضب الذي شاب سلوك الإدارة الأمريكية في الأسبوع الذي أعقب فشل مؤتمر «كامب ديفيد»، فأعلن الرئيس الأمريكي عن عزمه نقل السفارة الأمريكية إلى القُدس قبل نهاية هذا العام، وامتدح الرئيس الأمريكي سلوك باراك رئيس وزراء إسرائيل في الوقت الذي انتقد فيه سلوك ياسر عرفات … تَصوَّروا … عمدة الكرة الأرضية يفشل في التوفيق بين عائلتين ضعيفتين في القرية التي يحكمها بفرمان إلهي، لو حدث هذا لعمدة بلدنا الشيخ برغوت لفقد عقله وخرج من هدومه وخد في وشه وانطلق … بلاد تشيل وبلاد تحط، وربما انتهى أمره في عنبر بمستشفى الخانكة، صحيح … فرط القوة قد يُؤدِّي إلى التدمير، ولكنه ليس بالضرورة يؤدي إلى تحقيق السلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤