باي باي نتنياهو!

العبد لله يجد نفسه مضطرًّا للاعتذار للسادة القراء لأنني قلتُ في مقال سابق على الصفحة الأخيرة بالمصور: إن نتنياهو عائد إلى رئاسة الوزارة بعد الانتخابات القادمة، ولكني الآن وبعد استقالة موردخاي وترَبُّعه على رئاسة حزب الوسط أجد أن اعتذاري واجب لجميع القراء بصفة عامة وللصديق المهندس علي والي بصفة خاصة؛ لأنه ناقشني في هذا الأمر، وأكَّد لي في ثقة مدير عام مخابرات الكون أن نتنياهو سيُجبَر على التصييف بدري وأن دوره السياسي انتهى، وأنه أخذ فرصته فلم يستطع استغلالها، وأثبت أنه حمار سياسي لا يجيد اللعبة، ولا يعرف قواعدها، فالقوة، والقوة وحدها، تعجز دائمًا عن حل المشاكل، وفي الزَّمن القديم عجز الإسكندر الأكبر عن إخضاع العالَم بالقوة، وانتهى نهاية مأساوية حيث لدغته نحلة أو حشرة وقتلَتْه، وفي الزمن الحاضر عجزت أمريكا عن هزيمة فيتنام بالقوة، وانتهى الأمر بها إلى الهروب من أرض المعركة حيث ترك جنودها أحذيتهم ولاذوا بالفرار.

لكن الخواجا نتنياهو أراد أن يثبت للجميع أن كل الذين حاولوا استخدام القوة في الماضي وفشلوا كانوا عَجَزة وقليلي الحيلة، أما هو … فاسم الله عليه، اسم الله عليه، كفتوة من فتوات الحرافيش. نَبُّوته هو دستوره وقبضة يده هي ميزان العدل، وشعاره … يا أرض انهدِّي ما عليكِ أدي! لم يحترم نتنياهو أحدًا أو جهة على الإطلاق، أوروبا طظ فيها، وأمريكا طظ فيها، ورئيسه في دولة إسرائيل «خللي يوللي» … والاتفاقيات يوقعها ولا ينفذها … وممنوع اتخاذ قرارات انفرادية، ولكن بالنسبة له مسموح ومشروع وقانوني للغاية، وإذا أعلن ياسر عرفات قيام الدولة فسيهدم مشروع السلام من أساسه وسيجتاح بدباباته كل أرض فلسطين، حتى الرئيس الأمريكي صاحب نعمته والذي لحم أكتافه وأردافه أيضًا من سمنه وعسله، جعله أضأل وأقل شأنًا من رئيس قبيلة الشيروكي التي تَحوَّلَت إلى نوع من أنواع المواصلات الآن، لا كبير عنده إلا نفسه، ولا زعيم إلا هو، ولا قرار إلا قراره، وفلوسي أنا حر في فلوسي، وبفلوسي أنا حر بفلوسي! وبالرغم من توالي الضربات على أم رأسه، وبالرغم من موقف الجميع ضده حتى رئيس دولة إسرائيل نفسه، الذي وصفه بالغرور والكذب، وبالرغم من وقوف وزير خارجيته المعزول ضده ووصفه له بأنه رجل يجيد الخداع ولا يجيد شيئًا آخر، بالرغم من استنكار الجميع لمواقفه إلا أنه لم يرتدع، ولم يتغير ولم يحاول ذلك، ولكن ضربة وزير الدفاع موردخاي جاءت في الوقت المناسب، قبل استقالته بثلاثة أيام حيث صرح كلينتون في واشنطن بأن موردخاي هو الوزير الوحيد في حكومة إسرائيل الحريص على السلام، ولم يسكت نتنياهو فرَدَّ على كلينتون بتصريح هايف اتهم فيه الرئيس الأمريكي بالتدخُّل في شئون إسرائيل الداخلية، ثم هدَّد بأنه أكبر من جميع المؤامرات، وأنه هو الوحيد وكلهم … ركش.

ولأنه كذاب وحقير، ولأن الضربة أوجعته كثيرًا، فقد اتهم موردخاي بالخيانة، ووصفه بالأرزقي، وقال إنه طلب تصعيده بعد الانتخابات إلى منصب نائب رئيس الوزراء، ثم أعلن عزله من منصبه، ووقف موردخاي وخاطَب نتنياهو علنًا قائلًا: أنت وقِح وكذاب وعارٌ على إسرائيل ولا تصلح نفرًا في قوات حرس الحدود؛ لأنك غير أمين، وغير محترم.

ضربة موردخاي هي المسمار قبل الأخير في نعش نتنياهو، أما المسمار الأخير فسيكون رأي المواطن الإسرائيلي العادي يوم الانتخابات؛ لأن نتنياهو هو زعيم الصياع والأرزقية الذين عَبَروا البحار إلى إسرائيل ليحصلوا على بيت في الضفة الغربية، وعلى إعانة الدولة، مقابل الحفاظ على حالة التوتر في الأرض الفلسطينية، وقتل ما تَيسَّر من الفلسطينيين بين الحين والآخر، إنهم صياع الشوارع الخلفية في بروكلين بنيويورك، ومقاطيع حي السبع بنات في لندن. ونشالين الحي اللاتيني في باريس، والخواجا نتنياهو كان واحدًا من هؤلاء في صباه، وكان كل أمله أن يجد وظيفة ثابتة، ويسكن في بيت له حمام مستقل، ويكون له مُرتَّب يكفيه طول الشهر! … ولكنه ولأن الله سبحانه وتعالى يرزق أحيانًا من لا حيلة له ليتعجب أصحاب الحيل، فقد صار نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل، وأصبح يعامل في الغرب معاملة رؤساء الدول، تُعزَف له الموسيقى في المطارات، ويتناول طعامه على موائد الملوك والأمراء، ويقال إنه حتى الآن يخطرف في نومه بكلام يكشف عن دهشته الشديدة للبلهنية التي يعيش فيها الآن، وهو الذي كان يتمنَّى على الله — ولا يكتر على الله — أن يضع في جيبه علبة سجاير عشرين كاملة!

على العموم … لكل شيء إذا ما تم نقصان. وأنت يا خواجا نتنياهو خيبتك وصلت للتمام، وحان الوقت الآن للمغيب … باي باي خواجا، وعود حميد إلى حواري بروكلين … حيث الصياعة والتَّسوُّل وخيبة الأمل راكبة جمل!

•••

كلما ذهبتُ إلى شرم الشيخ، وجدتُ نفسي أضحك بجنون لسبب لا يعرفه أحد، أما السبب فيتعلق بمؤلِّف أغاني جهول جدًّا أصابه حزن شديد بعد حرب الأيام الستة، وأراد أن يشترك في مهرجان الأغاني الذي نظمته الإذاعة والتليفزيون والذي تنظمه دائمًا في مثل هذه المناسبات، يعتبره بعض المؤلِّفين والملحِّنِين مَورد رزق لهم، هناك طبعًا مؤلِّفون عباقرة ومُلحنون ممتازون، ولكن هناك طبقة أخرى تَعتبر هذه المناسبات فرصة للرزق، صاحبنا المؤلِّف إياه كان من هذه الطبقة، كتب أغنية عن شرم الشيخ وأسرع بها إلى الإذاعة وكانت الأغنية تقول:

الشرم ده شرمنا وشرم أبونا وأمنا.

وطبعًا لم يخرج من الإذاعة إلا على نقالة ومكَث عدة أيام في مستشفى بولاق العام، المؤلِّف إياه لسوء الحظ مات إلى رحمة الله، لو عاش حتى يومنا هذا، لو شاهد شرم الشيخ الآن فربما كَتب أغنية عبقرية عن شرم الشيخ الجديدة، التي تثبت أن المصريين قادرون على صنع المعجزة إذا توفَّرت لهم الظروف الحسنة والإمكانات اللازمة، ليت جميع المصريين يأتون إلى شرم الشيخ وإلى سيناء كلها؛ ليدركوا مدى الخطيئة الكبرى التي ارتكبناها في الماضي عندما أهملنا سيناء وسكانها وشواطئها الذهبية.

والسؤال الآن: لماذا لا تقوم في سيناء مائة مدينة كمدينة شرم الشيخ؟ التي هي في واقع الأمر أجمل وأحلى مدينة على ظهر الأرض وربما على ظهر الكون؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤