الطريق إلى البرلمان

العبد لله سعيد بانتخابات مجلس الشعب التي تُجْرى حاليًّا في مصر وهي ثالث انتخابات عليها القيمة تمَّت خلال العشرين عامًا الأخيرة، أوَّلُها جرت في أيام ممدوح سالم، والثانية جرت أيام حسن أبو باشا، وهذه الانتخابات الأخيرة جرت في أيام حبيب العادلي. النتائج التي ظهرت في الجولة الأولى بعضها أسعدني جدًّا وبعضها أثار حزني وشجني، أنا سعيد جدًّا بنجاح البدري فرغلي نائب بورسعيد الطيب كإنسان، المقاتل بشراسة كنائب بخاصة في أول جولة يثبت أن الدنيا لا تزال بخير، وأن الناس لا تزال تحمل تقديرًا كبيرًا للسلوك المستقيم والعمل الطيب، ونجاح كمال الشاذلي بالرغم من خلافي معه إلا أنه كان يحمل معنًى عميقًا هو أن الفلوس وحدها لا تحقق النجاح في الانتخابات، خصوصًا أن المرشح المنافس في دائرة الباجور كان يتحرَّك في قوافل ذهبية كالقوافل التي كانت تقطع الطريق بين بغداد وصنعاء أيام عز الخليفة هارون الرشيد في زمن الخلافة العباسية. ولقد أثبت الشعب المصري خلال تاريخه الحديث أن الفلوس وحدَها لا تكفي لمد جسور الثقة بين الناخبين وطالبي الحصانة، خصوصًا أن هذه الانتخابات شهد لها الجميع بالنظافة والشرطة التزمت الحياد، وفي الباجور بالذات كانت مثالية كما شهد الزميل حمدي حمادة الصحفي بالوفد. هزني أيضًا نجاح فاروق متولي في السويس وهو نائب قديم ومناضل قديم أيضًا، وكان زميل زنزانة في عام ١٩٧١م، أما نجاح فاروق متولي فكان بسبب التحامه بأهله وناسه في السويس، وحرصه الشديد على أن يعيش حياتهم ويسلك سلوكهم ويعاني مثلهم، فَرِحتُ أيضًا لنجاح الدكتور يوسف والي في الفيوم، وهو لم ينجح لأنه نائب رئيس وزراء وليس لأنه الأمين العام للحزب الحاكم، ولكنه نجح لأنه رجل متواضع ويعيش بشكل عادي وربما أقل، وهو بالرغم من ثرائه ومنصبه السياسي يعيش في مستوى موظف درجة خامسة ولم أجد من رجال السُّلْطة من يدير ظهره للحياة ويغمض عينيه عن مفاتنها مثل الدكتور أسامة الباز والدكتور يوسف والي، وأسعدني أيضًا صمود الشاب «محمد شردي» نجل صديقي مصطفي شردي يرحمه الله، ونجاحه في دخول انتخابات الإعادة ضد أحد كبار رجال الأعمال وهو «المليونير قوطة» وأرجو أن ينجح في اجتياز عقبة الإعادة، فما أحوجَ مجلسنا النيابي إلى شباب صاعد وواعد مثل شردي!

وأسعدني أيضًا تعثُّر النائب الغول في سوهاج، مع أنه نائب عام مثل مدير عام وسكرتير عام، ولا أعرف ماذا سيكون عليه حال الغول لو فقد حصانته ولم يجد غيرها؟ شعرت بالفرح لنجاح محمود عثمان في الإسماعيلية، ومحمود هو ابن صديقي عثمان أحمد عثمان يرحمه الله وكان بيني وبينه حكايات وروايات، وشعرت بالفرح لنجاح محمود رغم أن المحامية لمياء مبدي كانت مرشحة في الدائرة نفسها، ولمياء بالنسبة للعبد الله في حكم هالة كريمتي لأنها ابنة خالتها، كما أن والدها الأستاذ محمد صبري مبدي كان بمثابة أخ شقيق يرحمه الله، وقد أَشرتُ عليها أن تدخل المعركة الانتخابية في دائرة أخرى؛ لأن أبناء عثمان أقدر على خدمة أهالي الدائرة من غيرهم، ومع أنها استحسنَت اقتراحي ووعدتني خيرًا، إلا أنني فُوجئتُ أثناء سفري في رحلة علاج أنها قرَّرتْ خوض المعركة في مسقط رأسها بالإسماعيلية، ومهما يكن الأمر فإن لمياء شابة والمستقبل أمامها عريض والجايات أكثر من الرايحات.

النبأ الذي كان أكثر إيلامًا للعبد الله في نتائج انتخابات المرحلة الأولى هو نبأ عدم توفيق النائب سامح عاشور، والمحامي سامح عاشور لا تستطيع تصنيفه إلا تحت يافطة النائب الوطني، وطني ليس نسبة للحزب الوطني ولكن نسبة للوطن، وغياب نائب مثل سامح عاشور عن المجلس النيابي القادم هو خسارة للحياة البرلمانية، ولكن ينبغي أن أذكر حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، أن المرحلة الأولى التي تَمَّت بالفعل كانت نظيفة بالتأكيد، لم يحدث فيها أي ضغط أو أي قهر، وقام فيها جهاز الشرطة بدور طنجة، لا ينحاز ولا يميل، ولو دارت الانتخابات في المرحلتين القادمتين على النحو الذي دارت عليه في المرحلة الأولى، فستكون النتيجة مجلسًا نيابيًّا نظيفًا ليس فيه نواب قروض، أو نواب حشيش، أو نواب صياع، أو نواب سُيَّاح، كل همهم هو الطواف حول العالم في رحلات برلمانية، وإذا دارت المعركة الانتخابية إلى النهاية كما نتمنى، فالعبد لله يتصور بأن المجلس القادم سيضم ما بين ستين وثمانين نائبًا معارضًا، فأرجو أن يفوز عدد من الرموز الحزبية؛ مثل: علي سلامة في الجيزة، وزميله أحمد ناصر، وأرجو أن أرى في صفوف المجلس نماذج مثل خالد محيي الدين، وجلال رجب، وأمينة شفيق، وأرجو أن يحالف التوفيق الدكتور حسام بدراوي مرشح دائرة قصر النيل، والدكتور عبد الأحد جمال الدين.

ويؤمن العبد لله بأن من حق رجال الأعمال أن يكون لهم ممثلون داخل مجلس الشعب، وباعتباري ناخبًا جيزاويًّا قديمًا أتمنى أن ينجح محمد أبو العينين في الجيزة وأن ينجح في تمثيل الجيزة تحت قبة البرلمان، ومن عيب نواب الجيزة من طبقة الفئات أنهم كانوا في الغالب من طبقة المسئولين والوزراء، وكانت أبرز عيوبهم أنهم يختفون بقدرة قادر بعد عملية الانتخابات لا أستثني منهم أحدًا إلا الدكتور أحمد جويلي وزير التموين ونائب الجيزة السابق، وأرجو أن يتكرر ظهور محمد أبو العينين في الجيزة بعد نجاحه بإذن واحد أحد.

ولكن أمنية العبد لله التي أتمنى أن تتحقق هي أن أرى عندنا نوابًا لا يهتمون بمشاكل دوائرهم من كهرباء ورصف طرق وتوظيف بعض العاطلين، فهذه الواجبات تقع على عاتق المجالس المحلية، أما النواب فينبغي أن يكون اهتمامهم بقضايا الوطن الكبرى، وإذا حدَث هذا الذي أتمناه نكون قد بلغنا غاية المُنى … وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدًا.

وبعدُ … فلعل أعظم ظاهرة في هذه المعركة الانتخابية أنها مرَّت في الجولة الأولى بدون سقوط قَتلى، وأرجو أن يبقى الحال على ما هو عليه في الجولات القادمة، ولعل السبب في هذه الظاهرة هو حياد الشرطة، فلا يثير غيظ الناس إلا انحياز الشرطة إلى جانب، ووقوفها إلى جانب مَن لا يستحق ثقة الناس. وعندما تقف الشرطة على الحياد فأبشر بانتخابات حرة نظيفة، تُعبِّر عن نبض الشارع ورغبة الجماهير في اختيار من يمثلهم تحت قبة المجلس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤