المركزية والشاويش عطية!

يقولون إن المخابرات المركزية الأمريكية تسمع دبة النملة في أحراش بوليفيا، وتعرف ماذا أكل الصرصار في مُستنقَعات الهند، ولكن يبدو أن الحقيقة تخالف هذا الزعم، وأنها مخابرات غلبانة ونظرها على قدها، والدليل على ذلك هو موقف الإدارة الأمريكية المنحاز لإسرائيل في مسألة القدس، ألا تعلم المخابرات الأمريكية أن القدس المحتلة هي بقعة مُقدَّسة لدى المسلمين؟ ليس المسلمين العرب فقط، ولكن عند جميع المسلمين في شتَّى بقاع الأرض … والمسلمون عددهم اليوم مليار مسلم ومنهم واحد فقط أجبر المخابرات المركزية على أن تلطم الخدود، وتشق الجيوب كما كان يفعل النسوان في أيام الجاهلية. هذا المسلم اسمه ابن لادن، والمسلمون يختلفون حوله إلى ثلاث جبهات، جبهة تتبنَّى وجهة النَّظر الأمريكية، وجبهة على الحياد، وجبهة ثالثة تؤيده وتدعو له بالتوفيق، ولكن الضغوط الأمريكية التي تهدف إلى إجبار الفلسطينيين على التنازل عن القدس لمصلحة إسرائيل لو كُتِب لها النجاح، سيجعل مائة مليون مسلم إرهابيًّا بالمفهوم الأمريكي، فَشَر ابن لادن، لن ينعم المسلمون بالنوم والقُدس يرفرف عليها علم دولة إسرائيل، وتستطيع الإدارة الأمريكية أن تبقى بعيدًا عن هذه المشكلة، وأن تدع إسرائيل تعالجها بنفسها لكي تكون المعركة محصورة بين المسلمين وإسرائيل، وقد تَصوَّرتُ أن الرئيس كلينتون يعرف هذه الحقيقة وأنه سيغسل يده من مسألة القدس، إلا أن ما انكشف من خفايا كامب ديفيد يُؤكِّد أن كلينتون كان أكثر حماسًا من باراك في إقناع عرفات بالتنازل عن القدس، ليس هذا فقط، ولكن الرئيس أكد موقفه هذا في حديثه التليفزيوني الذي أذيع في إسرائيل، حين أعلن على الملأ أنه يفكر في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قبل نهاية هذا العام، ثم أعقبته السيدة الأولى هيلاري المرشحة في انتخابات الكونجرس عن دائرة نيويورك اليهودية حين أعلنَت في تصريح لها بأنها من أنصار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قبل نهاية العام.

عجايب! … على رأي جدي الشيخ خليل … إيه الحكاية؟

هل تتصور الإدارة الأمريكية أن القدس هي مُخيَّم من مخيَّمات الهنود الحمر تسكنها قبائل الزعيم «الثور الجالس» وأنها مسألة هيئة، يتولَّى الجيش الأمريكي إبادة سكان المخيَّم، ويتولى بعد ذلك طرد «الثور الجالس» وأتباعه إلى مستنقعات كندا؟

لقد حشرت الإدارة الأمريكية نفسها في مشكلة ستكون لها آثار بعيدة في السنوات القادمة، على رأس هذه الآثار إحراج حلفاء أمريكا في المنطقة العربية، وعلى امتداد العالم الإسلامي، وسيدفع هذا الموقف الأمريكي جميع الذين يقفون موقف الحياد بين العرب والمسلمين إلى تأييد مَن تصفهم الإدارة الأمريكية بالإرهابيين؛ لأنه في حالة فصل القدس وتسليمها للدولة اليهودية سيتمنَّى كل مسلم أن تَسنَح له ولو فرصة واحدة ليتحول فيها إلى إرهابي لينتقم من هؤلاء الذين حرموا المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى، إن هذا الموقف الأمريكي في كامب ديفيد نفَخ الروح في جثة اليمين الإسرائيلي، إلى الدرجة التي تمكَّن فيها شخص مجهول يدعى قصاب من هزيمة شمعون بيريز مرشح حزب العمل لمنصب رئيس إسرائيل، كما عاد الجنرال شارون وانهمك في نصب كمائنه لحكومة باراك تمهيدًا للقفز على منصب رئيس الوزراء وهو الأُمِّي سياسيًّا؛ لكي يلقي على العرب دروسه الرفيعة وتعاليمه الغالية كما فعل أول أمس، حين أعلن أن القدس الموحَّدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وأن على العرب أن يُلقِّنوا أبناءهم هذه الحقيقة في المدارس، إن نجاح الليكودي المتطرف قصاب برئاسة إسرائيل تعني أن إسرائيل تستعد وتتأهَّب لمرحلة جديدة من الصراع الدامي مع العرب، وليس أمام العرب الآن إلا تصفية الخلافات ولَم الشمل وتوثيق العلاقات مع إيران، ومع روسيا، ومع باكستان باعتبارها صاحبة مصلحة في موضوع القدس، وعلى لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس أن تجتمع فورًا بعد أن كشفت أمريكا عن نِيَّاتها بشأن القدس، وعلى المؤتمر الإسلامي أن يدعو إلى عقد قمة عاجلة لبحث موضوع القدس.

ولكن أخطر ما كشفَت عنه قمة كامب ديفيد هو الموقف الحقيقي للإدارة الأمريكية، والمفروض أن أمريكا هي الوسيط المحايد، وهي الشريك الكامل في عملية السلام، ثم جاء مؤتمر كامب ديفيد لينفي هذه الحقيقة، وليزيح اللثام عن الوجه الأمريكي الحقيقي، فإذا بأمريكا هي الشريك الكامل لإسرائيل، والخصم للفلسطينيين والعرب والمسلمين أيضًا، يا له من خطر شنيع ترتكبه الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس العربية المحتلة! وبعد ذلك يزعمون أن المخابرات المركزية تسمع دبة النملة في بوليفيا وتعرف ماذا أكل الصرصار في مستنقعات الهند، العبد لله يعتقد بعد الموقف الأمريكي من قضية القدس أن المسئول عن شبكة المخابرات المركزية هو الشاويش عطية.

•••

أول أغسطس هو ذكرى غزو العراق للكويت، وهو خطأ فادح ارتكبه حزب البعث العراقي ضد دولة عربية مُسالِمة لم تتأخَّر في أي وقت عن المشاركة في المعارك العربية الكبرى، ويحار العقل أمام أسئلة كثيرة حول هذه المناسبة، لماذا وقع الغزو؟ وما هو الهدف بالضبط؟ وهل كان حزب البعث العراقي يُجهِّز جيش العراق بكل أنواع الأسلحة من أجل غزو الكويت؟ وهل الكويت هي العدو الحقيقي لأمة العرب التي هي في شعارات حزب البعث العراقي أمة واحدة ذات رسالة خالدة؟

إنه خطأ فادح بدون شك، ولكن مرَّت عشر سنوات على ارتكابه، والشعب العراقي مُحاصَر ومَعزول عن أُمَّته وعن العالم كله، وأعتقد أن عشر سنوات هي مدة أطول من اللازم، خصوصًا أن الذي يتحمَّل العقوبة ويدفع الثمن هو الشعب العراقي الذي لم يكن له ذَنْب فيما حدث، وأعتقد أن من واجبنا كعرب أن نرفع المعاناة الآن عن أطفال العراق ونساء العراق وشيوخ العراق، ويكفي ما عانَوه خلال عشر سنوات كاملة، متى يفهم العرب أن القدس في طريقها إلى الضياع بينما نحن نشترك في عزل العراق ومقاطعته؟ ويا شعب العراق … قلبي معك، والشعب العربي معك، والله معك … معك أنت وليس مع حزب البعث العراقي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤