السفينة والكابتن سلامة

الخبر بسيط وعجيب وغريب في الوقت نفسه، سفينة عَبَرت قناة السويس، وعندما طالبوها بدفع الرسوم ادَّعَت الفقر، وزعمت أنها فقيرة وغلبانة وصاحبة عيال، وكانت النتيجة أنهم حجَزُوها في ميناء بورسعيد لحين ميسرة وتسديد الرسوم المطلوبة، ومرَّت عدة أشهر والسفينة مركونة في الميناء، ولاحظ أحد العباقرة — وما أكثرهم في الموانئ — أن الميناء لم يعد يحتمل استضافة هذه السفينة الشحاتة، فأمر بركنها في الغاطس بعيدًا عن حرم الميناء نفسه، ويبدو أن السيد العبقري إياه كان يعمل مدرسًا في الزمن القديم، وبدلًا من «تذنيب» الطالب المخطئ ووجهه للحائط عند حجرة الناظر، كان يصر على تنفيذ العقوبة في الحوش، وبالفعل تحرَّكَت السفينة من حرم الميناء إلى الغاطس وبقيت هناك عدة أشهر، ولكن ذات صباح في الأسبوع الماضي لاحظ بعض العاملين في الميناء اختفاء السفينة من الغاطس، وهنا ضربوا أخماسًا في أسداس، وحدَث هرَج ومرَج على رأي مترجم روايات أرسين لوبين، وفكَّر بعضهم في استدعاء أحد الدجَّالين لمعرفة مصير السفينة عن طريق فتح المندل، وهل غرقت في قاع البحر؟ أم اختطفها الجن وذهب بها إلى وادي شنكح؟ ولم يُفصِح الخبر المنشور في الجرائد اليومية عن المصير الذي انتهت إليه السفينة.

هذا الخبر البسيط هو أغرب وأعجب خبر على امتداد القرن العشرين، وأعتقد أنه لم يحدث مثله في أي مكان ولا في أي زمان، وأتساءل الآن … هل توجد حراسة من أي نوع في منطقة الميناء وحتى الغاطس؟ أم أن المراقبة موجودة على رصيف الميناء فقط، وأنها محصورة في مراقبة عمليات التهريب البسيطة من جانب البمبوطية، والباعة السريحة، وصغار الموظفين للحيلولة دون تهريب خرطوشة سجاير أو زجاجة ويسكي أو أي شيء من هذه الأشياء التي تهدد مصالح الدولة العليا؟!

الذي حدَث بالفعل كما أتخيله، أن العيال المسئولين عن السفينة عيال أولاد حرام ونصابين على المستوى الدولي، لاحظوا يومًا بعد يوم أن الجو سداح مداح والخطوة بيني وبين حبيبي براح، وأنه لا مراقبة، ولا رقابة ولا حد واخد باله من أي حاجة فشَمَّعوا الفتلة وهات يا فكيك هربًا من دفع الرسوم والغرامة والتي تصل إلى ثلث مليون دولار، والسؤال الآن … هل بلغَت الغفلة هذا الحد؟ وهل وصل الإهمال إلى هذه الدرجة؟ وهل التَّسيُّب صار شعار بعض الأجهزة وبعض الإدارات الحكومية؟ ولكن السؤال الأهم … هل هرب النصابون بسفينتهم في أمان الله دون مساعدة من أحد؟ وإذا كان هناك أي مساعدة من أي نوع … فما هي قيمة الفلوس التي دفعت للسادة الذين ساعدوا في تسهيل المهمة؟ ألف دولار، خمسة آلاف دولار، عشرة آلاف دولار، ثم هل حدث تحقيق في هذا الأمر؟ أم أن هذا الذي جرى كان بأمر السماء وبإذنها وما هو مكتوب على الجبين لا زم تراه العين؟!

الحق أقول: إن ما حدث في ميناء بورسعيد يصلح ليكون فصلًا في رواية لمحمد هنيدي باعتبار أن مثل هذه «الفصولات» يمكن حدوثها في هذا المجال فقط، خصوصًا أن حادثًا أبسط من الحادث الأخير وقع منذ عام وبعض عام، عندما وُضِعت سفينة تركية تحت الحراسة أثناء عبورها قناة السويس، والسماح لها بالإبحار بعد دفع الغرامة، ولكن عارفين إيه هيه الحراسة؟ وضعوا شاويش على ما أظن على ظهر السفينة وسمحوا لها بعبور القناة والتوقف في غاطس بورسعيد، ولكن السفينة ساقت الهبالة على الشيطنة وواصلت رحلتها إلى أوروبا، ثم قامت بإنزال الشاويش والمُحضر عند أول ميناء، وسلامو عليكو عليكم السلام، واتْفَضَّل شاي لا أنا عندي قضية، على رأي عمر الجيزاوي يرحمه الله.

كان يجب أن نتعلم الدرس من حادث السفينة التركية، ولكننا لم نتعلم شيئًا، ولم نستفد شيئًا، وأصبح الجميع يَستغِلُّون سذاجتنا ويهربون منا بعد أن يَسقُونا حاجة أصفَرا، وأحيانًا حاجة أحمَرا!

ماذا أقول؟ لا شيء … فكل شيء واضح وظاهر وعلى عينك يا تاجر، وأغلب الظن أن مثل هذه الحوادث ستتكرر حتى بعد حادث السفينة الرومانية التي فرَّت من أيدينا في الأسبوع الماضي، وأنها مُجرَّد حلقة من حلقات السادة الهابرين الهاربين، وآخرهم الست علية العيوطي التي هربت بالهبرة كدبرة، وانضَمَّت إلى أسطول الهاربين من أمثال توفيق عبد الحي، والمرأة الفولاذية، وعشرات آخرين، بينما نحن نائمون في العسل نحلم أحلامًا سعيدة، أسأل الله أن يديم علينا الصحة والعافية والعمر الطويل!

•••

أخيرًا … بشرونا بنبأ العبقري الذي اختاره اتحاد الدهشوري حرب لإنقاذ الكرة المصرية، والعبقري إياه هو الكابتن أنور سلامة، وقد وقع الاختيار عليه بعد استبعاد عباقرة آخَرين على رأسهم الكابتن طولان أبو نضارة طلياني، والكابتن فاروق السيد، ومع الأسف لا علم لي باسمه الثلاثي، واسمحوا للعبد لله أن يقول لكم بمنتهى الصراحة: إن تعيين أنور سلامة مكان محمود الجوهري هو نكتة ظريفة، وأنه أشبه بتعيين الشيخ محمد مدرس اللغة العربية في مدرسة حسن نصار بالجيزة، أستاذًا بجامعة القاهرة، ومعروف للجميع أن أنور سلامة ليس له سابقة فضل في الكرة، لم يلمع لاعبًا ولم يلمع مدربًا، وأن شأنه كشأن علي برعي، وسعد برعي، وعبده برعي إلى آخر الكباتن من عائلة برعي الشهيرة، وهو عمل أشبه بإقصاء المارشال روميل وتعيين الشاويش حمدان على رأس جيوش المحور قبل معركة العلمين، وهل أنور سلامة هو الذي سيجيب الديب من ديله؟ ويحافظ على كأس أفريقيا ويعد الفريق للصعود إلى كأس أفريقيا، ويُعِد الفريق للصعود إلى كأس العالم؟ وهل كنتم جادِّين عندما أطحتم بالجوهري ووعدتم الجماهير بالاستعانة بمدرب عالمي؟ وهل كنتم تقصدون بكلمة عالمي نسبة إلى العالَم؟ أم نسبة لشهادة العالَمية التي حصل عليها أنور سلامة من كلية الكرة بجامعة الأزهر؟ وهل كان الهدف من حل اتحاد الكرة وعزل الكابتن الجوهري هو امتصاص غضب الجماهير، أما الكرة والمنتخب الوطني فهي أمور متروك مستقبلها لمشيئة السماء العالية يا نهر البنفسج، على رأي العم زكريا الحجاوي.

ولقد قلنا قبل ذلك: إن المدرب الوحيد في مصر الذي يصلح لسد الفراغ الذي أحدثه عزل الجوهري هو المدرب محسن صالح، وسبق أن جرَّبْناه من قبل، وأثبت أنه جدير بالقيام بهذه المهمة، ولو استمر في مكانه منذ ذلك الوقت لكان لدينا الآن منتخب وطني نُباهي به الأمم في تصفيات كأس العالم، ولكن سوء حظه وحظ الكرة المصرية جَعَله يقع في تناقُض مع الكابتن حسام حسن المُعيَّن كابتن للمنتخب المصري بفرمان من الباب العالي العثمانلي، وهو فرمان لا يمكن نقضه أو تجاوزه بأي حال من الأحوال، وكانت النتيجة أنهم أطاحوا به من المنتخب مع أن النتائج التي حققها كانت تشهد له وتشفع له في البقاء على رأس المنتخب.

وأسأل اللواء حرب الدهشوري واتحاده الكوميدي الذي يبدو أنه سينافس ليس هنيدي ولا علاء ولي الدين، ولكن يبدو أن في نيته منافسة عادل إمام نفسه، أسأل اللواء حرب هل أنور سلامة هو آخِر كلمة عندكم؟ وهل بأنور سلامة تطمع بالاحتفاظ بكأس أفريقيا والوصول إلى ملاعب كأس العالم؟ إذا كانت هذه هي كلمتكم الأخيرة، وإذا كان أنور سلامة هو المنقذ في رأيكم للوصول بالمنتخب إلى العالمية وبالكرة إلى بر الأمان، فأنتم في الحقيقة لا تصلحون للجلوس على مقاعدكم في اتحاد الجبلاية، ولا تستحقون حتى الجلوس على مقعد في الاستاد للفرجة والمشاهدة، أنور سلامة يا راجل … لتدريب فريق إيه؟ جمهورية شبين، اتحاد بني سويف، أوليمبي بلبيس … إيه … المنتخب الوطني؟! تف من بقك يا راجل وقول كلام تاني.

و… يا عيني على اللي حب ولا طالشي!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤