الفصل الثالث

علم الأنثروبولوجيا والجريمة

لم يكن ثورندايك قارئًا للجرائد، فقد كان ينظر بازدراء شديد إلى كل أشكال الكتابة المتنوعة والمختلفة التي تنزع — في رأيه — لأن تُخرب عليه عادةَ التتابع في الجهد العقلي وذلك من خلال تقديم سلسلة غير منظمة من المعلومات غير المرتبطة.

وقد قال لي ذات مرة: «من المهم للغاية أن تعتاد على اتباع تسلسلٍ محدد من الأفكار والاستمرار في ذلك حتى النهاية، بدلًا من أن تنتقل بتراخٍ من موضوع غير منتهٍ إلى آخر مثله؛ كما ينزع قارئ الجرائد. ولكن لا ضرر من أن تحصل على الجريدة يوميًّا، طالما أنك لا تقرؤها.»

ومن ثَمَّ فكان مناصرًا للحصول على الجريدة الصباحية، وكانت طريقتُه في التعامل معها مميزة. كانت الجريدة تُوضع على الطاولة بعد الإفطار وبجوارها قلمٌ رصاص أزرق ومقصٌّ مكتبي. كان ينظر عبر أوراق الجريدة نظرةً تمهيدية تُمكِّنه من أن يضع علامة باستخدام القلم على الفقرات التي سيقرؤها، وبعد ذلك كان يقصُّ تلك الفقرات وينظر فيها، وبعدها كان إما يتخلَّص منها أو يُلصقها في دفتر مفهرس.

كانت تلك العملية بأكملها تستغرق في المتوسط ربع ساعة.

وفي صباح اليوم الذي أتحدث عنه الآن، كان مشغولًا بفعل ما أتيتُ على ذكره. كان قد انتهى من وضع العلامات باستخدام القلم، وصوت المقص يُعلن عن المرحلة الأخيرة من مراحل عمله. بعد ذلك توقف عند فقرة كان قد قصَّها لتوِّه، وبعد أن نظر فيها للحظة ناولني إياها.

وقال معلِّقًا: «جريمة سرقة أخرى لقطعة فنية. إن جرائم السرقة تلك لهي أمور غامضة، أقصدُ بالنسبة للدافع وراءَها. لا يمكن للمرء أن يُصهر لوحة أو منحوتة عاجية، ولا يمكن للمرء كذلك أن يعرضها للبيع في السوق بحالتها الأصلية. إن الصفاتِ التي تُعطيها قيمتها هي نفسها التي تجعلها غيرَ قابلة للبيع على الإطلاق.»

قلت: «لكنني أعتقد أن جامع التُّحف الفنية العنيد بحق — كالمهووس بجمع التُّحف الفخارية أو الطوابع — هو من سيشتري تلك البضاعة المسروقة على الرغم من أنه لن يجرؤَ على عرضها للبيع.»

«ربما. لا شك أن حبَّ التملك، أو الرغبة في امتلاك الأشياء، هو الدافع والمحرك الحقيقي وليس أيَّ غرض عقلاني …»

في تلك اللحظة قاطع الحديثَ نقرٌ على الباب، وبعد لحظة سمح صديقي لرجلين بالدخول. كنت أعرف أحدهما وهو السيد مارشمونت، وهو محامٍ وقد عملنا معه أحيانًا؛ وكان الثاني غريبًا — كان يهوديًّا من النوع الأشقر — وكان حسنَ المظهر ويرتدي ثيابًا أنيقة ويحمل في يده صندوقًا صغيرًا، ويبدو عليه أنه في حالة من الانفعال الشديد.

قال السيد مارشمونت وهو يصافحنا بحرارة: «صباح الخير أيها السيدان. لقد أحضرتُ لكما أحدَ عملائي، وحين أذكر لكم أن اسمه سولمون لوف، فلن يكون من الضروري أن أذكر غرضنا من هذه الزيارة.»

أجاب ثورندايك: «من الغريب أننا كنا نناقش أمر قضيته في اللحظة التي طرقتما فيها الباب.»

قال السيد لوف باندفاع: «إنه أمر مريع! إنني مذهول! إنني محطَّم! إنني يائس!»

ثم وضع الصندوق الصغير على الطاولة بعنف، وقذف بنفسه في كرسي، ودفن وجهه بين يديه.

عارضه مارشمونت قائلًا: «حسبك، حسبك. ينبغي أن نكون شجعانًا، وينبغي أن نكون هادئين رابطي الجأش. أخبرِ الدكتور ثورندايك بقصتك، ولننظر ما رأيه فيها.»

ثم أسند ظهره إلى كرسيه، ونظر إلى موكله في شجاعة وصبر كاللذَين يعترياننا جميعًا بسهولة حين نتفكر في أمر مصائب الآخرين وبلاياهم.

صاح لوف بينما هبَّ واقفًا مرة أخرى: «لا بد وأن تساعدنا يا سيدي.» ثم أضاف محذِّرًا بلكنته الأصلية: «لا بد من ذلك حقًّا، وإلا فسيجنُّ جنوني. لكنني سأقص عليك ما حدث، ثم عليك أن تتصرف في الحال. يجب ألَّا تدخرَ جهدًا، ولا يهمك أيُّ تكلفة. المال لا يهمُّ، خاصةً إذا كان إنفاقه في محله.» ثم جلس مرة أخرى واستطرد في لغة إنجليزية ممتازة تتخللها لكنةٌ ألمانية خفيفة: «ربما تسمع عن أخي آيزاك.»

أومأ ثورندايك موافقًا.

«إنه جامع تُحَفٍ عريق وإلى حدٍّ ما تاجر، أي إنه يجني المال من هوايته.»

سأله ثورندايك: «ماذا يجمع؟»

أجابه زائرنا وهو يُشير بيده في لفتة تدل على الشمول: «كل شيء. كل شيء جميل وذو قيمة؛ اللوحات، والمنحوتات العاجية والمجوهرات والساعات والأعمال الفنية والأشياء المميزة، كلُّ شيء. إنه يهودي وهو يهوى الأشياء الثمينة والنفيسة التي ميزت عِرقنا منذ عهد الملك سولمون الذي سُميتُ على اسمه وحتى الآن. ومنزله الكائن في شارع هوارد بحي بيكاديلي هو متحف ومعرض فني في آنٍ واحد. إن غُرَفه تعجُّ بصناديق الأحجار الكريمة والمجوهرات الأثرية والعملات المعدنية والآثار التاريخية — وبعض هذه الأشياء لا تُقدَّر بثمن — والجدران مغطاة باللوحات وكلُّ لوحة منها هي تحفة فنية وعمل مميز. وهناك مجموعة رائعة من الأسلحة والدروع القديمة من الأصول الأوروبية والشرقية؛ وهناك كتب نادرة ومخطوطات، وأوراق بردي وآثار قيِّمة من مصر وبلاد آشور وقبرص وأماكن أخرى كثيرة. وهو متنوع الأذواق، ومعرفتُه بالأشياء النادرة والقَيِّمة تفوق معرفةَ أيِّ شخص على وجه الأرض. وهو لا يُخطئ أبدًا، فلا تنطلي عليه أيُّ خدعة تزوير، ومن ثَمَّ فإنه يحصل على مبالغ ضخمة ثمنًا لمقتنياته؛ ذلك أن الأعمال الفنية التي تُشترى من آيزاك لوف تُعدُّ أصلية وموثوقة بما يتخطَّى أيَّ مجال للشك.»

هنا توقَّف عن الكلام ليمسح وجهه بمنديل حريري ثم استطرد بنفس النبرة الفصيحة قائلًا:

«أخي غير متزوج. إنه يعيش لأجل مجموعاته الفنية ويعيش معها. والمنزل ليس بالكبير جدًّا، وتحتلُّ المجموعات الفنية معظمَ مساحته؛ لكن هناك مجموعة من الغرف المخصصة لسكنه، ولديه خادمان — رجل وزوجته — ليعتنيَا به. الرجل هو رقيب شرطة متقاعد وهو يتولَّى أمر الحراسة والرعاية؛ والمرأة هي مديرة المنزل والطاهية، إذا ما تطلَّب الأمر، لكنَّ أخي يعيش معظم وقته في النادي الخاص به. والآن سأُحدثك بأمر الكارثة التي حلَّت بنا.»

ثم مرَّر أصابعه خلال شعره، وتنفس بعمق، وأكمل حديثه قائلًا:

«ذهب آيزاك صباح الأمس إلى فلورنسا من خلال باريس، لكن الطريق الذي سيسلكه لم يكن محدَّدًا، وكان ينوي أن يُقسم رحلته إلى عدة مراحل كما تقتضي الظروف. وقبل أن يغادر، جعلني مسئولًا عن مجموعاته الفنية، وتم الترتيب على أن أقطن مكانه في منزله أثناء غيابه، ومن ثَمَّ أرسلتُ أشيائي وتوليتُ زمام الأمور.

أنا رجل مرتبط كثيرًا بعالم الفن، أيها الدكتور ثورندايك، ومن عادتي أنني أقضي أمسياتي في النادي الخاص بي، الذين معظم أعضائه من الممثلين. وتبعًا لذلك فإنني كثيرًا ما أعود للمنزل متأخرًا؛ لكن في الليلة الماضية غادرت النادي في وقت مبكرًا عن المعتاد؛ ذلك أنني غادرت إلى منزل أخي قبل أن تدقَّ الساعة الثانية عشرة والنصف. لقد شعرت، كما قد تظن، بالمسئولية الكبيرة الملقاة على عاتقي؛ ويمكنك بالتالي أن تتخيَّل مدى الرعب والذعر واليأس الذي شعرتُ به حين فتحتُ باب المنزل بالمفتاح ووجدتُ مفتشَ شرطة ورقيب ورجلَ شرطة في الردهة. لقد وقعتْ حادثةُ سرقة يا سيدي أثناء فترة غيابي القصيرة؛ وكانت القصة التي رواها عليَّ المفتش هي باختصار كالآتي:

لاحظَ المفتش حين كان يقوم بجولته في الحي عربةَ أجرة هنسومية فارغة يقودها سائقها برويَّة في شارع هوارد. لم يكن هناك شيءٌ لافت للنظر في هذا، لكنه وحين كان عائدًا بعد عشر دقائق تقريبًا، قابل العربةَ نفسها وهي تسير في الشارع نفسه والاتجاه نفسه وبالهدوء نفسه، وهنا شعر بأن ما يحدث هو أمر غريب، فدوَّن رقم العربة في دفتره الذي يحتفظ به في جيبه، وكان ٧٢٨٦٣، وكانت الساعة الحادية عشرة وخمسًا وثلاثين دقيقة.

وفي تمام الحادية عشرة وخمس وأربعين دقيقة، لاحظ رجلُ شرطة يسير في شارع هوارد عربةَ أجرة هنسومية وهي تقف قبالة باب منزل أخي، وبينما كان ينظر إليها، خرج رجل من المنزل وهو يحمل شيئًا ثم وضعه في العربة. هنا أسرع رجل الشرطة في سيره، وحين عاد الرجل إلى المنزل وخرج وهو يحمل ما بدا أنه حقيبة جلدية كبيرة وأغلق الباب خلفه في هدوء، ثارت شكوكُ رجل الشرطة وهرع يتقدم نحو العربة وهو ينادي على السائق كي يتوقف.

وضع الرجل ما كان يحمله في العربة وقفز إلى داخلها. ضرب السائق حصانَه بالسوط فبدأ يعدو، وهنا بدأ رجل الشرطة يجري نحو العربة وأخذ يُصفِّر بصفارته ويومض بمصباحه نحوها. وتبع الشرطي العربة وانعطف خلفها مرتين حتى وصل إلى شارع ألبيمارل، وتبعها حتى رآها وهي تنعطف نحو بيكاديلي حتى اختفت بالطبع. لكن الشرطي تمكن من تدوين رقم العربة والذي كان ٧٢٨٦٣ وهو يصفُ الرجل الذي رآه بأنه قصيرٌ وبدين ويظن بأنه لم يكن يرتدي أيَّ قبعة.

وحين كان في طريق عودته، قابل المفتش والرقيب حيث سمعوا صفيره، وبعد أن قصَّ عليهم ما حدث، هرع رجال الشرطة الثلاثة إلى المنزل حيث وقفوا يطرقون الباب ويضربون الجرس لبضع دقائق من دون أن يحصلوا على أي إجابة. والآن وقد تأججت شكوكهم، ذهبوا إلى الجزء الخلفي من المنزل، وعبروا الإسطبلات ثم تمكنوا بصعوبة بالغة من فتح نافذة والدخول منها إلى المنزل.

هنا سرعان ما تحولت شكوكهم إلى يقين؛ ذلك أنهم حين وصلوا إلى الطابق الأول سمعوا تأوهات غريبة مكتومة مصدرها إحدى الغرف والتي كان بابُها مغلقًا، رغم أن المفتاح كان في الباب. فتح الرجال الثلاثة البابَ ووجدوا حارس المنزل وزوجته على الأرض وظهرهما مواجه للجدار. وكان كلٌّ منهما مقيدَ اليدين والقدمين ورأس كلٍّ منهما مغطًّى بغطاء أخضر من الجوخ؛ وحين أزالوا هذين الغطاءين، وجدوا أن كلًّا منهما كان مكممًا بكمامة خفيفة لكنها فعالة.

وقد قصَّ كلٌّ منهما القصة نفسها. قال الحارس بأنه سمع ضوضاء، فتسلَّح بعصًا غليظة، ونزل السلم إلى الطابق الأول، حيث وجد بابَ إحدى الغرف مفتوحًا وبداخلها مصباح مشتعل. تقدَّم الحارس على أطراف أصابعه نحو الباب المفتوح، وأخذ ينظر بداخل الغرفة لكن أمسك به أحدُهم من خلفه وكاد يخنقه بضمادة وضعها على فمه، ثم أُوثق وكُمِّم وعُصبت عيناه بالغطاء الأخضر.

كان الشخصُ الذي هاجمه — والذي لم يرَهُ أبدًا — قويًّا وماهرًا للغاية، وتعامل معه بسهولة شديدة، رغم أن الحارس يتمتع بالقوة ويُجيد الملاكمة والمصارعة. حدث الأمر نفسه مع زوجته التي نزلت إلى الطابق الأول لتبحث عن زوجها. دخلت الفخ نفسه، فكُمِّمت وأُحكم وثاقها وعُصبت عيناها من دون أن ترى السارق أبدًا. لذا فإن الوصف الوحيد لدينا لهذا الشرير هو ما قدَّمه رجل الشرطة.»

قال ثورندايك: «ألم تسنح للحارس أبدًا فرصة لكي يستخدم عصاه؟»

«في الواقع، لقد سدَّد ضربة بظهر يده من فوق كتفه الأيمن والتي يعتقد أنها أصابت السارق في وجهه؛ لكن الأخير أمسكه من مرفقه ولوى ذراعه بقوة مما جعله يُسقط العصا من يده على الأرض.»

«هل شملت السرقة الكثير من الأشياء؟»

صاح السيد لوف: «آه! هذا هو ما لا يمكننا تحديده. لكنني أخشى أن الأمر كذلك. يبدو أن أخي قد سحب من البنك مؤخرًا مبلغ أربعة آلاف جنيه في صورة أوراق نقدية وذهب. وغالبًا ما تحدث تلك العمليات الصغيرة نقدًا وليس بشيكات.» وهنا لمحتُ وميضًا في عين ثورندايك. ثم أكمل: «ويقول الحارس إن آيزاك كان قد أحضر عدة طرود قبل بضعة أيام، والتي تم وضعها مؤقتًا في خزانة محكمة الغلق. وقد بدا آيزاك مسرورًا للغاية بمقتنياته الجديدة وقد أخبر الحارس بأنها نادرة للغاية وذات قيمة كبيرة.

والآن تمت سرقة هذه الخزانة عن بكرة أبيها. لم يبقَ فيها أيُّ أثر سوى أغلفة الطرود؛ لذا وعلى الرغم من أن شيئًا آخر لم يمسَسْه أحد، يبدو واضحًا أن أشياء قيمتها أربعة آلاف جنيه قد سُرِقت؛ لكن حين ننظر إلى ما يتمتع به أخي من مهارة في الشراء، يُصبح من المحتمل جدًّا أن قيمة تلك الأشياء تعادل ذلك مرتين أو ثلاث وربما أكثر. إن ما حدث أمرٌ مريع للغاية، وسيُحمِّلني آيزاك المسئولية كاملة.»

قال ثورندايك: «أليس هناك أيُّ دليل آخر؟ ماذا عن العربة مثلًا؟»

تأوَّه لوف قائلًا: «أوه، العربة، لقد سقط هذا الدليل. لا بد وأن الشرطة أخطأت بالرقم فقد اتصلوا في الحال بكل أقسام الشرطة وبدأت المراقبة وكانت النتيجة أن تمَّ توقيفُ العربة التي تحمل الرقم ٧٢٨٦٣ ليلًا في طريق عودة قائدها للمنزل. لكن اتضح بعد ذلك أن العربة لم تغادر موقفَها منذ الساعة الحادية عشرة، وكان سائقها في الاستراحة طوال الوقت مع عدة رجال آخرين. لكنَّ هناك دليلًا؛ وهو لديَّ هنا.»

هنا أضاء وجه السيد لوف وهو يمدُّ يدَه نحو الصندوق الصغير.

وقال وهو يفك الرباط: «المنازل في شارع هوارد لها شرفات صغيرة من جهة النوافذ الخلفية للطابق الأول. والآن، لقد دخل السارق من إحدى هذه النوافذ، بعد أن تسلق ماسورة خاصة بتصريف ماء المطر وصولًا إلى الشرفة. وكانت تلك الليلة عاصفة كما تتذكر، وهذا الصباح وبينما كنت أغادر المنزل نادى عليَّ كبيرُ الخدم في المنزل المقابل لي وأعطاني هذه؛ لقد وجدها ملقاةً في شرفة منزله.»

ثم فتح الصندوق في زهو وأخرج منه قبعة ديربي رثَّة بعض الشيء.

وقال: «أظن أن من الممكن من خلال فحص القبعة أن نتعرف ليس على مجرد الصفات الجسدية لمرتديها، وإنما أيضًا صفاته الذهنية والأخلاقية، وحالته الصحية ووضعه المادي، وتاريخه وحتى علاقاته المنزلية والسمات المميزة للمكان الذي يسكن به. هل أنا محقٌّ في هذا الظن؟»

لاحت ابتسامة خافتة على وجه ثورندايك وهو يضع القبعة على ما تبقَّى من الجريدة. وعلَّق قائلًا: «ينبغي ألا نرفعَ سقف آمالنا، فمالكوا القبعات يتغيرون كما تعلم. قبعتك على سبيل المثال (وهي قبعة من اللباد صلبة في غاية الأناقة) أظنُّ أنها جديدة.»

قال السيد لوف: «لقد حصلت عليها الأسبوع الماضي.»

«هذا صحيح. إنها قبعة باهظة الثمن، من صناعة لينكولن آند بينيت، وأرى أنك كتبتَ اسمك بطريقة أنيقة باستخدام حبر التحديد الذي لا يُمحى على بطانتها. والآن، هل يعني وجود قبعة جديدة أن هناك سابقة لها قد جرى التخلص منها؟ ماذا تفعل بقبعاتك القديمة؟»

«مساعدي يحصل عليها، لكنها لا تناسب قياسه. أعتقد أنه يبيعها أو يتبرع بها.»

«رائع جدًّا. القبعة جيدة الصنع كقبعتك تعيش طويلًا، وتظل تُستخدم لفترة طويلة بعد أن تُصبح رثة؛ والاحتمالية تقول بأن الكثير من قبعاتك تنتقل من مالك إلى آخر؛ منك إلى مَن يسعون لأن يبدون مثل النبلاء، ومنهم إلى من لا يسعون لذلك. ويكون من المنطقي إذا ما افترضنا في هذه اللحظة وجود عدد كبير من المتشردين والعمَّال المؤقتين ممن يرتدون قبعات من صناعة لينكولن آند بينيت وعلى هذه القبعات علامة تحمل اسم إس لوف؛ وأي شخص سيفحص هذه القبعات — كما تقترح أنت — قد يذهب إلى استنتاجات خاطئة جدًّا فيما يتعلق بالعادات الشخصية للسيد إس لوف.»

ضحك السيد مارشمونت بصوت مسموع، ثم صمت فجأة في الحال بعد أن تذكَّر جديَّة الموقف.

قال السيد لوف بنبرة تنمُّ عن خيبة أمل كبيرة: «إذن في النهاية أنت تظن أن القبعة ليست ذات فائدة؟»

أجابه ثورندايك: «لم أَقُل ذلك. فقد نستنتج منها شيئًا. اتركها معي على أيِّ حال؛ لكن لا بد وأن تُعلمَ الشرطة أن القبعة معي؛ فهم سيرغبون في إلقاء نظرة عليها بالطبع.»

قال لوف متوسِّلًا: «إنك ستحاول استرجاع تلك الأشياء المسروقة، أليس كذلك؟»

«سأفكر مليًّا في القضية، لكنك تفهم — أو ربما يفهم السيد مارشمونت — أن هذه القضية ليست في مجال عملي. إنني خبير في مجال الطب الشرعي، وهذه القضية خارج هذا المجال.»

قال مارشمونت: «هذا هو ما قلتُه له تحديدًا، لكنك ستُسدي إليَّ صنيعًا كبيرًا لو أنك نظرتَ في الأمر.» ثم أضاف محاولًا إقناعه: «اجعلها قضية ذات بُعد ينتمي للطب الشرعي.»

كرر ثورندايك وعْدَه وغادر الرجلان.

ظل صديقي صامتًا لبعض الوقت بعد أن رحلَا وأخذ ينظر إلى القبعة بابتسامة ساخرة. ثم قال بعد برهة: «وكأننا خسرنا في لعبة وعلينا تنفيذ هذا العقاب، فينبغي علينا أن نجد مالك «هذا الشيء الجميل للغاية».» ثم رفع القبعة بملقط ليراها تحت إضاءة أفضل، وبدأ ينظر إليها عن كثب أكثر.

ثم قال: «إننا ربما أخطأنا في حق السيد لوف في النهاية. لا شك أن هذه القبعة مميَّزة للغاية.»

قلت متفاجئًا: «إنها مستديرة وكأنها حوض. لا بد وأن رأس مالكها قد صُنع في ورشة خراطة.»

ضحك ثورندايك. وقال: «الأمر كالآتي. هذه قبعة صلبة، ومن ثَم فلا بد وأنها كانت تناسب قياسه تمامًا، وإلا فلن يكون بإمكانه ارتداؤها؛ كما أنها قبعة رخيصة، ومن ثَم فإنها ليست مصنوعة بمقاس محدد. لكن الرجل الذي لديه رأس بهذا الشكل لا بد وأنه كان متوافقًا تمامًا مع قبعته. لم تكن قبعة عادية لتناسبه مطلقًا.

والآن انظر لما فعله، لا شك أنه فعل ذلك بناءً على نصيحة من صديق له يعمل في مجال القبعات. لقد اشترى قبعة ذات مقاس مناسب، ثم قام بتسخينها، باستخدام البخار على الأرجح. ثم ضغطها على رأسه بينما كانت لا تزال ساخنة ولينة، وتركها تبرد وتأخذ حجمها الجديد قبل أن ينزعها. كل هذا واضح من التشوه في حافتها. والنتيجة المباشرة المهمة لهذا هي أن هذه القبعة تناسب مقاسَ رأسه تمامًا، أو هي في الواقع قالب مثالي لرأسه؛ وبإضافة هذه الحقيقة إلى أن نوعية هذه القبعة رديئة أو رخيصة، فإننا نجد أنها تعزز النتيجة المباشرة التالية وهي أن لهذه القبعة مالك واحد فقط على الأرجح.

والآن لنقلبها وننظر إلى الجانب الخارجي منها. ستلاحظ على الفور غياب الغبار القديم. وبالنظر إلى أن تلك القبعة كانت في الخارج طوال الليل، إذن فهي نظيفة قطعًا. كان مالكها معتادًا على مسحها بالفرشاة، ومن ثَمَّ فمن المحتمل أنه رجل نظيف ويحب النظام. ولكن إذا نظرت من خلال هذه العدسة فسترى جسيمات من مسحوق أبيض ناعم منثور على سطحها.»

ثم أعطاني عدسته، والتي من خلالها قد تمكنت وبكل وضوح من رؤية الجسيمات التي أشار إليها.

ثم أكمل حديثه قائلًا: «وتحت طية الحافة وفي ثنايا الرباط حيث لم تَصِل الفرشاة، ستجد أن المسحوق قد تجمَّع بكثافة، ويمكننا أن نرى أنه مسحوق ناعم للغاية، كما أنه شديد البياض كالدقيق. ماذا تستنتج من هذا؟»

«أقول إن الرجل له علاقة بصناعة ما. ربما كان يعمل في مصنع أو ما شابه أو يعيش على أيِّ حال بالقرب منه، وعليه أن يمرَّ به باستمرار.»

«أجل، وأعتقد أن بإمكاننا أن نُفرِّق بين الاحتمالين. لو كان يمرُّ بالمصنع فحسب، لكان غبار المسحوق سيكون موجودًا على الجانب الخارجي للقبعة فقط؛ حيث سيكون الداخل محميًّا برأسه. لكن إذا كان الرجل يعمل بالمصنع، فسيكون غبار المسحوق بداخل القبعة أيضًا، حيث ستكون القبعة معلقة على حامل قبعات في جو مليء بالغبار، كما أن رأسه سيلتقط المسحوق أيضًا، ومن ثَم سيصل غبار المسحوق إلى داخل القبعة.»

ثم قلب القبعة مرة أخرى، وبينما أخذتُ العدسة المكبرة لأنظر إلى داخل القبعة الداكن، تمكنتُ بكل وضوح من تمييز عددٍ من الجسيمات البيضاء التي تتداخل مع النسيج.

قلت: «المسحوق بالداخل أيضًا.»

أخذ مني العدسة، وبعد أن تحقق من صحة قولي، استطرد في فحصه. وقال: «تلاحظ أن بطانة الرأس الجلدية متسخة بفعل بمادة دهنية، وهذا الاتساخ واضح أكثر في الجوانب والخلف. ومن ثَم فإن شعرَه دهنيٌّ بطبيعته، أو أنه يضع عليه مادة دهنية؛ ذلك أن هذا الاتساخ لو كان بفعل التعرُّق، لكان ظاهرًا أكثر عند الجبهة.»

ثم نظر بتلهف في الجزء الداخلي للقبعة، وفي النهاية أزال بطانة الرأس، فظهر على وجهه في الحال بعضُ الارتياح.

وصاح قائلًا: «هه! هذه ضربة حظ. كنت أخشى أن يتغلب علينا صديقُنا الأنيق والمحب للنظام بفرشاته. ناولني ملقط التشريح الصغير يا جيرفس.»

ناولتُه الأداة، وشرع يلتقط برقة كبيرة من المسافة خلف بطانة الرأس عدة شعيرات قصيرة ثم وضعها بحرص بالغ على ورقة بيضاء.

قلت وأنا أبرزها إليه: «هناك المزيد على الجانب الآخر.»

أجابني بابتسامة: «أجل، لكن ينبغي أن نترك بعضها إلى الشرطة. كما تعرف، لا بد وأن يحصلوا على نفس الفرصة التي حصلنا عليها.»

قلتُ وأنا أنحني على الورقة: «لكن بكل تأكيد هذه الشعيرات هي أجزاء من شعر جواد!»

ردَّ عليَّ: «لا أعتقد ذلك، لكن المجهر سيوضح ذلك. على أي حال، هذا هو نوع الشعر الذي يجب أن أتوقع أن أحصل عليه من رأسٍ بذلك الشكل.»

قلت: «حسنًا، إنه خشنٌ بشكل غريب، وهناك اثنتان من الشعيرات بلون أبيض تقريبًا.»

«أجل، شعر أسود بدأ يتحول نحو الأبيض. والآن، وبعد أن حصلنا على مثل هذه النتائج المشجِّعة من فحصنا المبدئي، فسنُكمل بأساليب دقيقة ومتقنة أكثر؛ ولا ينبغي علينا أن نُضيع وقتًا لأن الشرطة سرعان ما ستأتينا لتأخذ منا هذا الكنز.»

ثم طوى الورقة التي تحتوي على الشعيرات بحرص، وحمل القبعة بكلتا يديه وكأنها شيءٌ مقدَّس، وصعد معي إلى المعمل في الطابق التالي.

وقال لمساعده في المعمل: «والآن يا بولتون، لدينا هنا عينةٌ للفحص، والوقت من ذهب. أولًا، نريد جهاز استخراج الغبار الذي اخترعتَه.»

هرع الرجل الضئيل الحجم نحو خزانة وأخرج منها جهازًا من صنعه هو، وهو أشبه بنموذج مصغَّر للمكنسة الكهربائية. كان الجهاز مصنوعًا من مضخة دراجة تعمل بالضغط عليها بالقدم وذلك عن طريق عكس الصمام الكباس، ومثبتًا به فوهة زجاجية ومستقبل زجاجي صغير قابل للفصل لتجميع الغبار، وفي نهايته أنبوب معدني مرن.

قال ثورندايك وهو يضع القبعة على طاولة العمل: «سنجمع الغبار من الجانب الخارجي أولًا. هل أنت مستعدٌّ يا بولتون؟»

حرَّك المساعد قدمه نحو دواسة المضخة وأعمل المقبض بقوة، فيما قام ثورندايك بتحريك الفوهة الزجاجية ببطء على حافة القبعة وتحت حافتها الملوية. وبمرور الفوهة، اختفى الغبار الأبيض وكأنه بفعل سحر، وأصبح النسيج نظيفًا وشديد السواد، وفي نفس اللحظة أصبح المستقبِل الزجاجي مغبرًّا بالرواسب البيضاء.

قال ثورندايك: «سنترك الجانب الآخر للشرطة.» وعندما توقف بولتون عن الضغط، فصل المستقبِل، ووضعه على ورقة كتب عليها بالقلم الرصاص: «الجانب الخارجي» وغطاها بناقوس زجاجي صغير. وبعد أن تمَّ تركيبُ مستقبِل جديد، تم سحب الفوهة الآن على البطانة الحريرية للقبعة، ثم خلال المسافة خلف بطانة الرأس الجلدية من أحد الجوانب؛ فكان الغبار الذي تجمَّع في المستقبِل رماديَّ اللون ذا قوام زغبي، وكان يحتوي على شُعيرتين إضافيتين.

قال ثورندايك بعد فصل المستقبِل الثاني ووضعه جانبًا: «والآن، نريد قالبًا للجزء الداخلي للقبعة، وينبغي أن نفعل ذلك بأسرع الطرق؛ لا يوجد وقت لصُنْع قالب ورقي.» ثم أضاف وهو يمدُّ يدَه ليُمسك بأطراف أصابعه قدمةً كبيرة والتي وضعها في الجزء الداخلي من القبعة: «إنه رأسٌ مثير للدهشة كثيرًا؛ ستُّ بوصات وتسعة أعشار البوصة طولًا وستُّ بوصات وستة أعشار البوصة عرضًا، ما يعطينا …» ثم قام بعملية حسابية سريعة على قصاصة ورقية وقال: «قياس رأس كبير بشكل استثنائي طولها ٩٥٫٦.»

أخذ بولتون القبعة الآن وبعد أن لصق بها من الداخل قطعة من المناديل الورقية المبللة، خلط وعاءً صغيرًا من الجصِّ وببراعة فائقة صبَّ السائل السميك في المنديل المبلل، والذي سرعان ما تصلَّب في موضعه. وبتكرار هذا مرة ثانية وثالثة نتجت حلقةٌ واسعة من الجص الصلب بسمك بوصة واحدة مما شكَّل قالبًا مماثلًا تمامًا للجزء الداخلي من القبعة، وفي دقائق قليلة وبفعل الانكماش الطفيف في الجصِّ صار القالب مفكوكًا بما يكفي ليسمح بإخراجِه ووضْعِه على لوحٍ ليجفَّ.

انتهينا في الوقت المناسب، ذلك أنه وبينما كان بولتون يُزيل القالب، رن الجرس الكهربائي — والذي كنتُ قد شغلتُه ليرنَّ في المعمل — وأعلن عن وجود زائر وحين هبطتُ إلى الطابق السفلي وجدتُ رقيبَ شرطة ينتظر ومعه مذكرة من مفوِّض الشرطة ميلر يطلب فيها تسليمَ القبعة في الحال.

قال ثورندايك حين غادر رقيب الشرطة ومعه الصندوق الصغير: «ما سنفعله بعد ذلك هو أن نقيس سمكَ الشعيرات ونصنع مقطعًا عرضيًّا لإحداها ونفحص الغبار. سنترك أمر المقطع العرضي لبولتون ليقوم به، وبما أن عامل الوقت مهمٌّ هنا يا بولتون، فمن الأفضل أن تُسجِّيَ الشعيرة في صمغ كثيف وتُجمدها وتضعها على جهاز الميكروتوم، وأن تكون حذرًا للغاية وأنت تقطع المقطع بزوايا مناسبة لطول الشعيرة، وفي تلك الأثناء، سنذهب نحن للعمل على المجهر.»

وقد ثبت بالقياس أن الشعيرات لها قُطرٌ كبير على نحو مذهل يصل إلى ١ /  ١٣٥ من البوصة، أي ضعف قُطر الشعيرات العادية، رغم أنها لا شك بأنها شعيرات آدمية. وأما عن الغبار الأبيض، فقد مثَّل لنا مشكلة لم يتمكن حتى ثورندايك من حلِّها. لقد اتضح من خلال استخدام الكواشف أن الغبار هو كربونات الكالسيوم، لكنَّ مصدرَه ظل لغزًا لبعض الوقت.

قال ثورندايك وعينه مثبتة على المجهر: «يبدو أن الجسيمات الأكبر شفافة، وبلورية وطبقية بصورة واضحة في تركيبها. إنه ليس طبشورًا، ولا مسحوقًا مبيضًا، وليس بأي نوع من أنواع الإسمنت. فماذا يمكن أن يكون؟»

قلت مقترحًا: «أيمكن أن يكون نوعًا من الصدف؟ على سبيل المثال …»

صاح ثورندايك وهو يهبُّ من مكانه: «بالطبع! لقد أصبتَ كبد الحقيقة يا جيرفس، كما تفعل دومًا. لا بد أنه صدف اللؤلؤ. يا بولتون، أعطني زرَّ قميص مصنوعًا من اللؤلؤ من صندوق البواقي.»

جاء بولتون الحذر بالزر، والذي وُضع في وعاء حجري، وسرعان ما تحول بعد طحنه إلى مسحوق، فأخذ ثورندايك حفنة صغيرة منه ووضعها تحت المجهر.

وقال: «هذا المسحوق أكثر خشونة بطبيعته من العينة التي لدينا، لكن التشابه بينهما في الطابع لا يمكن أن يكون محلَّ شك. يا جيرفس، أنت ذكيٌّ للغاية. انظر إلى العينة فحسب.»

رمقتُ العينة تحت المجهر ثم أخرجتُ ساعتي وقلت: «أجل، في رأيي أنه لا شك في ذلك؛ لكن ينبغي أن أذهب الآن. لقد حثَّني أنستي على أن أكون في المحكمة بحلول الحادية عشرة والنصف على الأكثر.»

وفي ممانعة تامة، جمعتُ ملحوظاتي وأوراقي وغادرتُ تاركًا ثورندايك ينسخ بكل دأب عناوينَ من دليل مكتب البريد.

حبسني عملي في المحكمة عنه لبقية اليوم، وكان الوقت قد قارب على موعد العشاء حين وصلتُ إلى منزلنا. لم يكن ثورندايك قد وصل بعد، لكنه أتى بعد نصف ساعة، وكان متعبًا وجائعًا، ولم يكن كثيرَ التحدث.

قال مكررًا سؤالي حين طرحتُه عليه: «ماذا فعلت؟ لقد سرتُ لأميال على الأرصفة المتسخة، وزرتُ كل قاطع لصدف اللؤلؤ في لندن، باستثناء واحد، ولم أجد ما كنت أبحث عنه. لكن المصنع الوحيد المتبقي لصدف اللؤلؤ هو الأكثر أرجحية وأعتزم أن أبحث فيه غدًا صباحًا. وفي غضون ذلك، أكملنا البيانات التي نجمعها وذلك بمساعدة بولتون. هاك نسخة لجمجمة صاحبنا وقد استقيناها من القالب؛ أنت تلاحظ أنها مثالٌ صارخٌ على الجمجمة القصيرة، وهي غير متماثلة بصورة ملحوظة. وهذا مقطع عرضي لشَعره، وهو دائريٌّ إلى حد كبير — على عكس شعرك أو شعري والذي سيكون بيضاويًّا. ولدينا كذلك مسحوق صدف اللؤلؤ المأخوذ من الجزء الخارجي من القبعة، ومن الجزء الداخلي منها لدينا مسحوقٌ مشابه مختلط بأنسجة مختلفة وبعض حبيبات نشا الأرز. تلك هي البيانات التي لدينا.»

figure
مقطع عرضي لشعر آدمي: (أ) لرجل زنجي؛ (ب) لرجل إنجليزي؛ (ﺟ) للسارق. كل المقاطع مكبَّرة ٦٠٠ مرة.

قلت مقترحًا: «أتفترض في النهاية أن القبعة ليست للسارق؟»

«سيكون هذا مثيرًا للضجر، لكنني أعتقد أنها ملك للسارق، وأعتقد أنني أستطيع أن أخمن طبيعة الكنوز الفنية التي سُرقت.»

«ألا تنوي كشف الأمر لي؟»

أجابني: «يا صديقي العزيز. أنت لديك كافة البيانات. اكتشف الأمر بنفسك عن طريق استخدام قدراتك العقلية الألمعية. لا تستسلم للخمول العقلي.»

لقد حاولتُ باستخدام الحقائق التي بحوزتي أن أُشكِّل شخصية السارق الغامض، وفشلتُ في ذلك فشلًا ذريعًا؛ ولم أكن ناجحًا كذلك في مسعاي لتخمين طبيعة الأشياء المسروقة؛ ولم يكن حتى الصباح التالي حين انطلقنا في مسعانا وكنا نقترب من منطقة لايمهاوس أن عاد ثورندايك للحديث عن الموضوع.

قال ثورندايك: «سنذهب الآن إلى مصنع بادكوم ومارتن، وهما من مستوردي الصدف وقاطعيه، في طريق ويست إنديا دوكس. وإن لم أجد رجلي هناك، فسأسلِّم تلك الحقائق إلى الشرطة، ولن أُضيع المزيد من الوقت على هذه القضية.»

سألته: «كيف يبدو رجلك؟»

«إنني أبحث عن ياباني متقدم في العمر ويرتدي قبعة جديدة أو بالأحرى قلنسوة، ولديه كدمة على خدِّه أو صدغه الأيمن. وأبحث أيضًا عن ساحة لعربات الأجرة؛ لكننا هنا الآن في مكان المصنع، وبما أنه مغلق الآن لأنها ساعة الطعام، فسننتظر ونرى العمال وهم يخرجون قبل أن نقوم بأيِّ تحريات.»

سِرْنا ببطء أمام المبنى الطويل ذي الواجهة البيضاء، وكنا على وشك أن نستدير لنمرَّ بها مرة أخرى حين دوَّت صافرة بخارية وفُتحت بوابة صغيرة في البوابة الرئيسية الكبيرة، وخرج منها دفق من العمال — كلٌّ منهم مغطًّى بمسحوق أبيض وكأنه طحَّان — نحو الشارع. سارعنا لنشاهد الرجال وهم يخرجون، واحدًا تلو الآخر من خلال البوابة الصغيرة، وكانوا يستديرون نحو اليمين أو اليسار باتجاه منازلهم أو مقهًى مجاور؛ ولكن لم يكن أيٌّ منهم يطابق المواصفات التي أمدَّني بها صديقي.

هدأ دفق العمال، وتوقف بعد فترة. وأُغلقت البوابة الصغيرة بصوت مدوٍّ، وبدا أن ثورندايك فشل في مسعاه مرة أخرى.

قال ثورندايك وقد بدت عليه ملامحُ الإحباط في نبرة صوته: «هل هؤلاء هم العمال جميعهم؟» لكن وبينما كان يتحدث، فُتحت البوابة الصغيرة مرة أخرى، وبرزت منها ساقُ أحدهم. تَبِع الساقَ ظهرٌ ورأسٌ كروي مثير للفضول يُغطيه شعرٌ رمادي ويعلوه قلنسوة من القماش وكلُّ هذا لرجل قصير كنز الجسم، وظل الرجل على هذه الحال فكان من الواضح أنه يتحدث مع شخص ما بالداخل.

أدار الرجل رأسه فجأة لينظر عبر الشارع؛ وأدركتُ في الحال من خلال بشرته الصفراء الشاحبة وعينَيه الضيقتين أن ملامح وجهه تدل على أنه ياباني. ظل الرجل يتحدث مدة دقيقة أخرى تقريبًا؛ ثم وبعد أن أخرج ساقه الأخرى من البوابة، استدار نحونا ورأيتُ حينها أن الجانب الأيمن من وجهه وفوق عظمة الوجنة البارزة كان متغيرَ اللون وكأنه بفعل كدمة شديدة.

قال ثورندايك وهو يستدير بحدة بينما كان الرجل يقترب: «هه! إما أن هذا الرجل هو المنشود أو أنها مصادفة غير معقولة.» ثم سار مبتعدًا بخطوات معتدلة، فسمح للرجل الياباني أن يتخطانا ببطء، وبعد أن تخطانا الرجل بمسافة كبيرة، أسرع ثورندايك في خطوته بعض الشيء، حتى يحافظ على مسافة معقولة بيننا وبين الرجل.

كان صديقنا يسير بخفَّة وسرعان ما استدار إلى شارع جانبي، وتبعناه بمسافة معقولة، وكان ثورندايك يُمسك بدفتره الصغير مفتوحًا، وبدا وكأنه يحاول أن يشاركني في حديث جادٍّ، إلا أنه كان يُثبت نظره على طريدته.

قال صديقي بعد أن اختفى الرجل فجأة: «إنه دخل إلى هناك! هذا المنزل ذو النوافذ التي إطارات ألواحها باللون الأخضر. سيكون هذا المنزل رقم ثلاثة عشر.»

وقد كان كذلك، وبعد أن تأكدنا من ذلك، أكملنا سيرنا، وأخذنا المنعطف التالي الذي سيؤدي بنا ثانيةً إلى الطريق الرئيسي.

وبعد عشرين دقيقة، وحيث كنا نسير أمام باب أحد المقاهي، خرج رجل وبدأ يملأُ رئتيه بالهواء في إشارة عن الارتياح والرضا. وكانت قبعته وملابسه مغطاةً بمسحوق أبيض كالعمال الذين رأيناهم وهم يخرجون من المصنع. فبادره ثورندايك بالحديث.

«أهذه مطحنة دقيق أعلى الطريق هناك؟»

«لا يا سيدي، إنها مطحنة صدف اللؤلؤ. وأنا أعمل بها.»

قال ثورندايك: «صدف اللؤلؤ؟ أعتقد أن هذه صناعة تستهوي الأجانب فقط. ألا تشاركني الرأي في ذلك؟»

«نعم، يا سيدي. إن العمل شاقٌّ للغاية. وليس لدينا سوى أجنبي واحد في المكان وهو ياباني الجنسية.»

صاح ثورندايك مندهشًا: «ياباني! حقًّا. أتساءل إن كان ذلك الرجل هو صديقنا العجوز كوتاي …» ثم أضاف وهو يلتفت إليَّ: «أتذكر كوتاي؟»

«لا يا سيدي. اسم هذا الرجل هو فوتاشيما. كان هناك ياباني آخر بين العمال وهو شاب يُدعى إيتو، وكان رفيقًا لفوتاشيما، لكنه ترك العمل.»

«آه! لا أعرف أيًّا منهما. بالمناسبة، أليست هناك ساحة لعربات الأجرة هنا في الأرجاء؟»

«هناك ساحة في شارع رانكن حيث يُبقون الشاحنات الصغيرة وعربة أجرة أو اثنتين. ذلك الشاب الذي يدعى إيتو يعمل هناك الآن. وهو يعتني بالخيول ويقود شاحنة في بعض الأحيان. وتُعدُّ هذه بداية غريبة لشاب ياباني.»

«غريبة جدًّا.» ثم شكر ثورندايك الرجل على المعلومات واستكملنا سيرنا نحو شارع رانكن. كانت الساحة في تلك الساعة شبه مهجورة، ولم يكن بها سوى عربة قديمة بأربع عجلات وعربة هنسومية أخرى رثَّة.

قال ثورندايك وهو يدخل إلى الساحة: «يا لها من منازل قديمة وغريبة، تلك التي توجد خلف الساحة مباشرةً.» ثم قال وهو يُشير إلى أحد المنازل التي كان في إحدى نوافذها رجلٌ يراقبنا بصورة مريبة: «انظر إلى ذلك الجملون الخشبي. إنه من الأشياء المثيرة للاهتمام.»

سأل الرجل في نبرة فظة: «ماذا تريد أيها السيد؟»

أجاب ثورندايك: «إننا نشاهد فقط تلك المنازل القديمة الغريبة.» واتجه نحو مؤخرة العربة الهنسومية وفتح دفتره الصغير وكأنه سيرسم رسمة.

قال الرجل: «حسنًا، يمكنك أن تشاهدها من الخارج.»

figure
استراتيجية ثورندايك.

قال ثورندايك بلطف: «أجل، يمكننا ذلك، لكننا لن نستطيع مشاهدتها بشكل جيد.»

في تلك اللحظة سقط الدفتر الصغير من يده ووقع على الأرض وتناثرت مجموعة من الأوراق على الأرض تحت العربة، وراح صديقنا في النافذة يضحك بشدة على ذلك.

غمغم ثورندايك: «لا تعجَل»، بينما هرعتُ لمساعدته في جمع الأوراق، وقد راح ثورندايك يجمعها بشكل بطيء وأخرق للغاية. ثم قال بينما وقف وفي يده الأوراق التي أنقذها: «من حسن حظِّنا أن الأرض جافة.» وبعد أن دوَّن ملحوظة قصيرة، أدخل الدفتر في جيبه.

قال الرجل في النافذة معلِّقًا: «والآن من الأفضل أن تغادرَا.»

ردَّ عليه ثورندايك: «شكرًا لك. أعتقد ذلك.» ثم أومأ إلى الحارس بابتسامة وأخذ يُنفِّذ المقترح الكريم.

•••

قال بولتون بينما كنا ندخل المنزل: «كان السيد مارشمونت هنا يا سيدي، مع المفتش بادجر ورجل نبيل آخر وقد قالوا بأنهم سيأتون مرة أخرى بحلول الخامسة.»

قال ثورندايك: «إذن وبما أن الساعة الآن هي الخامسة إلا الربع، فلا يزال أمامنا متسعٌ من الوقت لنغتسل بينما تُعدُّ لنا الشاي. إن جسيمات الغبار التي تُغلف الجو في لايمهاوس ليست على الإطلاق من صدف اللؤلؤ.»

وصل زائرونا في موعدهم بالتحديد، وكان الرجل الثالث هو السيد سولمون لوف كما افترضنا. لم أكن قد رأيتُ المفتش بادجر من قبل، وقد أثار إعجابي الآن لأنه أظهر نزعة لقلب معنى اسمه بمحاولة «اجتذاب» ثورندايك وهو أمر لم ينجح فيه بشكل كبير.

استهل المفتش حديثه بطريقة فكاهية قائلًا: «آمل أنك لن تُخيِّبَ ظنَّ السيد لوف. لقد فحصتَ تلك القبعة فحصًا جيدًا — لقد رأينا علاماتك عليها — وهو يتوقع أنك ستكون قادرًا على إرشادنا للرجل واسمه وعنوانه.» ثم ابتسم ابتسامة سلطوية إلى عميلنا المكلوم، والذي بدا أكثر شحوبًا وإنهاكًا مما كان عليه في صباح اليوم السابق.

سأل السيد لوف في لهفة مثيرة للشفقة: «هل … هل قمتم بأيِّ اكتشاف؟»

«لقد فحصنا القبعة بحرص بالغ، وأعتقد أننا توصلنا لبعض الحقائق ذات الأهمية.»

سأل المفتش الفكاهي: «هل أدى فحصكم للقبعة إلى أي معلومات عن طبيعة الأشياء المسروقة يا سيدي؟»

التفت ثورندايك نحو المفتش بوجه جامد لا تعلوه أيُّ تعبيرات وكأنه قناع خشبي.

ثم قال: «نعتقد أنه من الممكن أن المسروقات تشتمل على أعمال من الفنون اليابانية، مثل منحوتات النيتسوكي واللوحات وما إلى ذلك.»

تفوَّه السيد لوف بهتاف ينمُّ عن الدهشة والابتهاج، فيما تلاشت روحُ الفكاهة والدعابة فجأة من على محيَّا المفتش.

وقال: «لا أعرف كيف أمكنكم أن تكتشفوا ذلك، فنحن لم نعرف بذلك إلا منذ نصف ساعة، وقد أتت البرقيةُ من فلورنسا مباشرة إلى سكوتلاند يارد.»

قال السيد لوف في نفس النبرة التي تنمُّ عن التلهُّف: «ربما يمكنك أن تصفَ اللص لنا.»

قال ثورندايك: «يمكنني القول إن بإمكان المفتش إخبارنا بذلك.»

قال المفتش: «أجل، أعتقد ذلك. إنه رجل قصيرٌ قويُّ البنية ذو بشرة داكنة وشعره يتحول من الأسود إلى الرمادي. وله رأسٌ دائري للغاية وعلى الأرجح أنه عامل في أحد مصانع مساحيق التبييض أو الإسمنت. هذا هو كل ما نعرفه؛ سيدي، إن كان بإمكانك أن تُخبرنا بالمزيد، فسنكون مسرورين كثيرًا لذلك.»

قال ثورندايك: «يمكنني أن أقدِّم بعض المقترحات فقط، لكن ربما تجدونها مفيدة. على سبيل المثال، في البناية رقم ١٣ من شارع بيركت بمنطقة لايمهاوس، يعيش رجل ياباني يُدعى فوتاشيما وهو يعمل في مصنع بادكوم ومارتن لطحن صدف اللؤلؤ. وأرى أنكم إن أردتم زيارته، وطلبتم منه ارتداء القبعة التي تمتلكونها فعلى الأرجح أنها ستكون ملائمةً له.»

راح المفتش يُدوِّن بسرعة ما قاله في دفتره، بينما اتكأ السيد مارشمونت — وهو معجب قديم بثورندايك — في كرسيه وهو يضحك بصوت خافت ويفرك يديه.

واستطرد زميلي قائلًا: «ثم وفي شارع رانكن بمنطقة لايمهاوس، هناك ساحة لعربات الأجرة يعمل بها رجلٌ ياباني آخر يُدعى إيتو. ربما تودون أن تعرفوا أين كان إيتو في الليلة قبل السابقة؛ وإن صدف ورأيتم عربةَ أجرة هنسومية هناك — رقمها ٢٢٤٨١ — فافحصوها جيدًا. ففي إطار لوحة الأرقام ستجدون ستةَ ثقوب صغيرة، ربما كانت تلك الثقوب بها مسامير وتلك المسامير تحمل لوحةَ أرقام مزيفة. على أيِّ حال، ربما تودون التأكد من المكان الذي كانت فيه تلك العربة في تمام الحادية عشرة والنصف في الليلة قبل السابقة. هذا هو كلُّ ما لديَّ من مقترحات.»

قفز السيد لوف من كرسيه. وقال: «لنذهب، الآن — فورًا — ليس هناك وقتٌ لنُضيعه. أشكرك شكرًا جزيلًا أيها الدكتور، ألف مليون شكر لك. هيا بنا!»

وأمسك المفتش من ذراعه وجرَّه بالقوة نحو الباب، وبعد بضع لحظات سمعنا صوت أقدام زوارنا وهم يهبطون السلم.

قال ثورندايك بينما خفت صوت الأقدام: «لم يكن من المجدي تقديمُ أيِّ تفسيرات لهم، وربما ليس من المجدي معك أنت أيضًا، أليس كذلك؟»

أجبتُه: «على العكس، بل أنا منتظر لكي تُخبرَني وتُطلعَني على الأمر بوضوح.»

«في الواقع، استنتاجاتي في هذه القضية كانت بسيطةً للغاية، وهي مستقاة من حقائق أنثروبولوجية معروفة. أنت تعرف أن الجنس البشري مقسمٌ إلى أجناس ثلاثة؛ الأسود والأبيض والأصفر. ولكن بعيدًا عن اختلاف اللون، لكلٍّ من هذه الأعراق سماتٌ محددة فيما يتعلق بشكل الجمجمة وشكل محجرَي العينين والشعر.

وهكذا في الأعراق السوداء تكون الجمجمة طويلة ورفيعة وكذلك محجرَا العينين، ويكون الشعر مسطحًا وأشبه بالشريط، وعادة ما يكون ملفوفًا وكأنه زنبرك في ساعة. وفي الأعراق البيضاء تكون الجمجمة بيضاوية وكذلك محجرَا العينين، ويكون الشعر مسطحًا أو بيضاويًّا بعض الشيء ويميل لأن يكون مموجًا. وفي الأعراق الصفراء أو المنغولية تكون الجمجمة قصيرة ومستديرة ومحجرَا العينين كذلك، والشعر مفرودًا ودائريًّا. ومن ثَم، فللأعراق السوداء جمجمةٌ طويلة ومحجرَا عينين طويلين وشعر مسطح؛ وللأعراق البيضاء جمجمةٌ بيضاوية ومحجرَا عينين بيضاويين وشعر بيضاوي؛ وللأعراق الصفراء جمجمةٌ مستديرة ومحجرَا عينين مستديرين وشعر مستدير.

والآن في هذه القضية كنا نتعامل مع جمجمة قصيرة ومستديرة للغاية. ولكننا لا يمكن لنا أن ننتقل في الجدال من الأعراق إلى الأفراد؛ فهناك الكثير من الرجال الإنجليز الذين يتمتعون بجمجمة قصيرة. ولكنني حين وجدتُ شعرًا مستديرًا مرتبطًا بتلك الجمجمة، أصبح من الأكيد بالنسبة لي أن الشخص كان منغوليًّا. وقد عزَّز وجهةَ النظر هذه غبارُ صدفِ اللؤلؤ وحبيبات نشا الأرز المأخوذة من الجزء الداخلي من القبعة، ذلك أن صناعة صدف اللؤلؤ مرتبطةٌ خصيصًا بالصين واليابان، بينما تكون حبيبات النشا في قبعة الرجل الإنجليزي مرتبطةً على الأرجح بنشا القمح.

أما عن الشعر، فقد كان كما ذكرتُ لك مستديرًا، وكان قطرُ الشعرة كبيرًا جدًّا. والآن، لقد فحصتُ عدة آلاف من الشعرات من قبل، وكان أكثرها سمكًا ليابانيين؛ وكان الشعر المأخوذ من هذه القبعة في مثل سُمْك شعر اليابانيين. لكن فرضية أن السارق كان يابانيًّا قد تأكدت بالعديد من الطرق. لقد كان الرجل قصيرًا، رغم أنه كان قويًّا ونشيطًا، وكان اليابانيون هم الأقصر من بين الأعراق المنغولية وكذلك كانوا هم الأقوى والأكثر نشاطًا.

ثم تأتي مهارته المميزة في التعامل مع الحارس القوي — وهو رقيبُ شرطة متقاعد — والتي تُشير إلى فن المصارعة اليابانية الجوجيتسو، بينما كانت طبيعة السرقة متسقة مع القيمة التي يعطيها اليابانيون للأعمال الفنية. وفي النهاية، حقيقة أن مجموعة فنية واحدة هي التي قد وقعت عليها السرقة تُشير إلى طابع خاص — وربما كان قوميًّا — في الشيء المسروق، فيما كانت قابليتُها للحمل والنقل — تذكر أن الأشياء ذات القيمة التي يبدأ سعرُها من ثمانية آلاف وحتى اثني عشر ألف جنيه أُخذت في اثنتين من حقائب اليد — فقد كانت متسقةً مع الأعمال اليابانية أكثر من الصينية، والتي تميل الأخيرة إلى أن تكون ضخمةً وثقيلة. ومع ذلك لم يكن ذلك سوى مجرد فرضية حتى رأينا فوتاشيما، وربما لا تكون تلك الفرضية صحيحة الآن. وربما أكون في النهاية مخطئًا بشأن كلِّ شيء.»

لكنه لم يكن مخطئًا؛ وفي هذه اللحظة تستقر في غرفة الاستقبال الخاصة بي قطعةُ نيتسوكي أثرية والتي أتت كنوعٍ من الشكر من السيد آيزاك لوف بشأن استعادة المسروقات من حجرة خلفية في البناية رقم ١٣ من شارع بيركت بمنطقة لايمهاوس. كانت القطعةُ بالطبع قد أُعطيت في المقام الأول إلى ثورندايك، لكنه أعطاها لزوجتي بدعوى أنه لولا إشارتي إلى غبار الصدف، لم يكن السارق ليُعرَف قط، الأمر الذي يبدو منافيًا للعقل ظاهريًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤