فجأة؛ كان زميله يتحدث العربية!

عندما انتهى رقم «صفر» من كلماته، صمت الشياطين، وأصبح موعد الساعة الثامنة هو نقطة الانتظار.

نظر «فهد» في ساعته ثم قال: ما زال الوقت مبكرًا، حتى نَصِل إلى الساعة الثامنة!

ثم وقف وهو يقول: أظن أننا في حاجة إلى تجهيز أنفسنا!

ووقف بقيةُ الشياطين، وأخذوا طريقَهم كلٌّ إلى غرفته، لكن في الغرفة السرية كان «أحمد» يقرأ الورقة الأخيرة في مجموعة الأبحاث. تمطَّى ثم قال لنفسه: متى الانطلاق إذن؟

فجأة جاء صوت رقم «صفر» يقول: الآن إذا استطعت.

ثم بعد لحظة أضاف: في غرفتك سوف تعرف بقية التفاصيل؛ فأنت فقط لم تعرف بعدُ تفاصيلَ القضية الخطيرة التي تتعرَّض لها بلادنا!

صمتَ مرة أخرى ثم قال: عندما تَصِل إلى غرفتك، اضغط زرًّا في جهاز التلفزيون، وسوف تشاهد فيلمًا وصل المركز منذ قليل، لتعرف طبيعةَ ما أنت مُقدمٌ عليه!

أخذ «أحمد» يجمع الأوراق بسرعة، فجاء صوت رقم «صفر» من جديد يقول بصوت هادئ: لا بأس، تستطيع أن تشاهد الفيلم في الغرفة السرية، ثم تخرج منها إلى مكان انتظار السيارات لتبدأ رحلتك؛ فالمغامرة تحتاج إلى فرد واحد فقط عند بدايتها، ثم يلحق بك الباقون بعد ذلك!

ترك «أحمد» الأوراق، ثم ضغط زرًّا في جهاز التلفزيون الموجود في الغرفة السرية. في نفس الوقت، كانت تخرج من الجدار الأيمن صينية صغيرة عليها بعضُ الساندويتشات … وكوب مياه غازية … ابتسم «أحمد» بينما كان صوت رقم «صفر» يقول: أريد أن أختصر لك الوقت؛ فنحن الآن لا نعرف ما سوف يحدث في الدقيقة القادمة!

أخذ «أحمد» الصينية، ثم عاد إلى الكرسي الوحيد الموجود في الغرفة، وألقى نفسَه فيه واسترخى عليه … فجأة؛ ظهرَت التفاصيل على شاشة التلفزيون. كان الفيلم يصور فيلَّا صغيرة قديمة، تتوسط حديقة واسعة. في نفس الوقت، كان يظهر عدد من الرجال يقفون متناثرين حول الفيلا. وكان واضحًا أنهم يقومون بحراستها …

الفيلَّا مكوَّنة من طابق واحد، والنوافذ الزجاجية لا تكشف شيئًا بداخلها؛ فهناك ستائر قاتمة اللون معلَّقة خلف الزجاج في واجهة الفيلَّا، ولا يظهر بابها الرئيسي، لكن في جانبها الأيسر يبدو شيءٌ أشبه بالباب، لكنه ليس مفتوحًا. الكاميرا تقترب من الباب الصغير، هناك زرٌّ على ارتفاع متوسط. فكَّر «أحمد» يبدو أنه السبيل الوحيد لفتح الباب، أو ربما يكون الجرس، تقترب الكاميرا أكثر، فلا يظهر شيء سوى تشويش يُخفي ما يمكن أن تلتقطَه الكاميرا. قال في نفسه: لا بد أن هناك أجهزة تشويش تعمل عند مسافة محددة؛ فإذا كانت الكاميرا بعيدة فإنها تكشف التفاصيل الخارجية، وإذا اقتربت أكثر فإن الأجهزة تعمل وتشوِّش على عدسة الكاميرا.

فكَّر «أحمد» قليلًا ثم قال: إنها مغامرة تحتاج إلى فرد واحد فعلًا! ثم تساءل: ما هي طبيعة هذه المغامرة؟! إن الأبحاث التي قرأتها تقف عند حالة واحدة، هي «سرقة العقول العربية».

انتهى التشويش على الشاشة، وظهرَت الفيلا مرة أخرى، لكن في جانب آخر، ولم يكن في الجانب الآخر ما يلفت النظر، كان عبارة عن جدار فقط. لكن فجأة لفت نظرَ «أحمد» شيء، لقد ظهرَ رأسُ رجل من بين الزرع، ثم ظهرَت كتفاه، ثم نصفه الأعلى. وأخذ يظهر شيئًا فشيئًا حتى اكتملَت هيئتُه، وأخذ طريقَه إلى باب الحديقة، ثم استقل سيارة كانت تقف هناك واختفى بها.

فكر «أحمد» قليلًا: ماذا يعني هذا؟! هل يعني أن الرجل خرج من بابٍ سريٍّ في الفيلَّا، أو أن هناك ممرًّا سريًّا تحت الأرض، هو الطريق الحقيقي إلى داخلها؟! انتظر لحظة ثم همس: يبدو أن هذا هو الاحتمال الأرجح! قفز في خاطره سؤالٌ بينما كان يقطم لقمة من الساندويتش الثاني، كان السؤال: تُرى ماذا يدور داخل هذه الفيلا؟!

انتظر لحظة ثم قال لنفسه: إن الزعيم لم يُخبرني بأية تفاصيل! شَرِب نصف كوب المياه الغازية دفعة واحدة، وكان استغراقه في التفكير يدفعه إلى الأكل دون أن يشعر. فجأة، ظهر على الشاشة شابٌّ في سن الثلاثين، خرج من نفس المكان الذي ظهر منه الرجل الأول وبنفس الطريقة. كان الشاب يُخفي عينَيه خلف نظارة شمس سوداء، وكانت ملامحه تُشير إلى أنه ليس أوروبيًّا. كان يلبس قميصًا نصف كم، وبنطلونًا جينزًا، ويبدو نشيطًا في حركته. اقتربَت منه سيارة صغيرة، زجاجها غامق اللون، حتى إنه يُخفي مَن بداخلها.

قفز الشاب إلى داخل السيارة، والتي غادرت المكان بسرعة … قال «أحمد» في نفسه: أين تقع هذه الفيلَّا؟!

في أيِّ بلد؟! في «أوروبا» أو «أمريكا»! لكنه لم يتوقف طويلًا عند السؤال؛ فالإجابة سوف يعرفها من الزعيم. انتهى من تناول الساندويتشات، فرفع باقي الزجاجة وشَرِبها مرة واحدة أيضًا. عاد التشويش على الفيلم من جديد، فقال «أحمد» لنفسه: من المؤكد أن أجهزة التشويش موجودة، وأنها تعمل بشكل دائم!

مرة أخرى ظهر جانبٌ جديد من الفيلَّا، ولم يكن يختلف عن الجانب الآخر، ثم ظهر سطح الفيلا، لم يكن هناك شيءٌ جديد سوى هوائي ضخم، ويرتفع إلى مسافة عالية.

قال «أحمد» لنفسه: لعله من مهمات العمل … فجأة انتهى الفيلم، وجاءت عبارة: تم التصوير أمس، ثم توقيع «توماس كريج».

فكر «أحمد» لحظة، ثم قال لنفسه: يبقى أن أعرف إلى أين سوف أتجه، ثم انطلق فورًا!

جاءه صوت الزعيم يقول: سوف تكون وجهتك إلى «بلجيكا». وهناك سوف تعرف المزيد من التفاصيل من السيد «كريج».

مرَّت لحظة قبل أن يُضيفَ الزعيم: أتمنى لك التوفيق، وفي انتظار طلب المجموعة!

في دقائق كان «أحمد» يأخذ طريقَه إلى خارج الغرفة السرية، لكنه لم يذهب إلى غرفته أولًا؛ فقد فكَّر في أن يذهب إلى مكتبة الخرائط في البداية، وهناك وقف أمام فهرس الخرائط. ثم مرَّ بإصبعه على عدد من الأرقام حتى استقر عند رقم «١٨» ثم ذهب إلى تابلوه في جانب الغرفة، ثم ضغط زرَّ رقم «١٨» فظهرَت على الشاشة الكبيرة في مكتبة الخرائط خريطة «بلجيكا».

حدَّد «أحمد» في ذهنه موقعها بالضبط؛ ففي الشرق تقع «ألمانيا»، وفي الغرب مصيف «دوفر»، وفي الشمال «هولندا»، وفي الجنوب «فرنسا». قال في نفسه: أين سوف تكون المغامرة؟ وعلى حدود أية دولة من هذه الدول؟!

انتظر لحظة ثم ابتسم قائلًا: إنني أتعجل المغامرة، وينبغي أن أنتظر حتى أَصِل إلى هناك حيث «توماس كريج»!

ضغط زرًّا في التابلوه، فاختفَت الخريطة، وبسرعة كان يأخذ طريقَه إلى غرفته الخاصة.

جهَّز حقيبتَه السرية، ثم اتجه مباشرة إلى حيث مكان انتظار السيارات. كان يفكر: هل يتحدث إلى الشياطين قبل أن يبدأ الرحلة؟ وأجاب على تساؤله: رقم «صفر»: سوف يخبرهم في اجتماع الساعة الثامنة!

عندما وصل إلى مكان السيارات، قفز في سيارة الشياطين وانطلق. كان الممر السري طويلًا حتى الوصول إلى بوابة المقر الصخرية. ولم يكن يسير بسرعة عالية، كان يُعطي لنفسه فرصةَ التفكير قبل أن يغادر المقر السري، سأل نفسه: إنها مغامرة غامضة؛ فحتى الأبحاث التي قرأتها، لا تعطي سوى استعراض عام. أما المغامرة ذاتها فإنني لا أعرف عنها شيئًا. تُرى ماذا يقصد الزعيم من هذا الغموض؟!

ظهرَت البوابة الصخرية عند نهاية الممر السري. قال في نفسه: لعلها المرة الأولى التي أخرج فيها في مغامرة وحدي! لمع ضوءٌ متقطع في تابلوه السيارة يشير إلى الوقت، وكانت الساعة الخامسة مساء.

قال في نفسه: لعل الشياطين ينتظرون عودتي الآن من الغرفة السرية. وعندما انفتحت البوابة الضخمة التي تتحرك تحت جبل ضخم، ضغط قدم البنزين، فانطلقَت السيارة بسرعة وتجاوزَت البوابة، وامتدَّ الخلاء أمامه. قال في نفسه: ينبغي أن أكون في المطار في السابعة تمامًا؛ فالطائرة سوف تغادر المطار في السابعة والنصف. في الوقت الذي كان فيه «أحمد» يقطع الطريق إلى المطار، كان الشياطين كلٌّ في غرفته، لكن محادثة تليفونية كانت تدور بين «عثمان» و«قيس». كان «عثمان» يقول: لقد مرَّ وقت طويل، و«أحمد» لا يزال في الغرفة السرية!

ردَّ «قيس»: لقد غادر «أحمد» المقر السري منذ قليل؛ فالغرفة السرية مظلمة منذ أكثر من ساعة!

جاء صوت «عثمان» مملوءًا بالدهشة، وقال: هذه أول مرة يحدث فيها هذا الغموض حول مغامرة ما!

قال «قيس»: إنها رؤية الزعيم في النهاية؛ فربما يحتاج الأمر إلى هذا الغموض، ومع ذلك، فسوف نعرف كلَّ شيء عندما يعقد اجتماع الساعة الثامنة!

ردَّ «عثمان» متسائلًا: لا بأس، مع ذلك فهل تظن أنها مغامرة فرد واحد؟!

أجاب «قيس»: مَن يدري؟ ربما تكون هذه الرحلة مجردَ مقدمة للمغامرة، ربما لم يستطع عملاءُ الزعيم الكشفَ عن تفاصيل أكثر، تُعطينا الفرصة كي نتحرك!

قال «عثمان»: هذا أمر جائز.

ثم صمت لحظة وأضاف: لا بأس، إلى اللقاء في الاجتماع!

عندما وضع كلٌّ منهما السماعة، كان «أحمد» يقطع الطريق في سرعة رهيبة، كان عليه أن يقطع الطريقَ الطويل إلى المطار في ساعتين فقط، كما حدَّث نفسه، لكن سرعة السيارة لم تُوقِف عقلَه عن التفكير. كان يقول لنفسه: إن هذه المغامرة تحتاج للذكاء أكثر منها للصراع وربما صراع أفكار. فهذه الفيلا الغامضة التي ظهرَت في الفيلم تضع علاماتِ استفهامٍ كثيرة أمامي، وعندما يفشل عملاء الزعيم في اختراق الفيلا، ودخولها وتصويرها، فإن ذلك يعني أنني أمام مغامرة غريبة ومثيرة في نفس الوقت!

ثم ابتسم لنفسه في مرآة السيارة وهمس: إنها مغامرة جديدة حقًّا!

كان الطريق الأسفلتي الممتد بلا نهاية، يبدو كثعبان ضخم وسط رمال الصحراء. ابتسم «أحمد» وهمس: إنه ثعبان بلا رأس ولا ذيل!

ظهرَت بعضُ الطيور في الفضاء أمامه، فقال في نفسه: لا بد أن هناك شيئًا؛ فهذه الطيور لا تظهر بلا سبب! ضغط قدم البنزين أكثر فوصلت السرعة إلى نهايتها، ضغط زرًّا فثبتت السرعة، ورفع قدمه من فوق قدم البنزين. اقترب من مكان الطيور، فرأى مساحة لامعة وسط الرمال، قال في نفسه: لا بد أنها عين ماء انفجرت في هذا المكان، لو كان عندي بعضُ الوقت لنزلت إليها!

تجاوز المكان في سرعة رهيبة، ولم تمضِ نصفُ ساعة حتى ظهرَت مباني المطار. ابتسم لنفسه وقال: هذه هي البداية! عندما ضغط فرامل السيارة ووقف في مكان انتظار السيارات خارج المطار، كانت الساعة تُعلن السابعة إلا ربعًا. ابتسم وقال: لقد وصلت في الوقت المناسب.

أسرع بمغادرة السيارة، ولم ينسَ أن يمرَّ على مكتبة المطار ليشتريَ ما يقرؤه. وقف يمرُّ بعينَيه على عشرات الكتب المعروضة أمامه «الذرة»، «الاتحاد السوفيتي الجديد»، «تشرنوبل» … «البترول ومصادره»، «عمر البترول»، «كائنات جديدة»، «فجر العلم»، «علم وعلماء»، كتب كثيرة كانت أمامه. اختار كتابَين، واحد عن «عمر البترول»، والآخر عن «العلم والعلماء».

قال في نفسه: إنهما يدوران في نفس القضية.

دفع ثمنهما، ثم أخذ طريقَه إلى داخل المطار، كان صوت مذيعة المطار الداخلية تُعلن عن قرب طيران الخطوط الجوية «البلجيكية». أسرع إلى باب الدخول، ومرَّ من الحاجز، وهو يقدِّم جواز السفر. قرأ الضابط بياناته، ثم نظر إليه مبتسمًا وسلَّمه الجواز. لم يفهم «أحمد» معنى هذه الابتسامة، لكنه لم يشغل نفسه بها؛ فقد أخذ طريقَه إلى أرض المطار، حيث تربض الطائرة. وعندما أصبح داخلها، بحث عن رقم مقعده، وكان رقم «١٨». ابتسم فها هو الرقم يتكرر مرتين في يوم واحد. وفي المرة الأولى كان في مكتبة الخرائط. قال لنفسه: مَن يدري، قد يكون العميل رقم «١٨» هو الآخر في أوروبا؟! ألقى نفسه في المقعد، وكان يقع في مقدمة الدرجة الأولى. أما المقعد الآخر، فقد كان خاليًا. ابتسم وهو يقول: يبدو أنني لن أمارسَ القاعدة التي يمارسها الشياطين. رفيق السفر، هو أحسن مَن يقدم لك المعلومات! لم تكَد تتردد الجملة في خاطره حتى ظهر شابٌّ نحيل، يبدو على ملامحه الذكاء … يلبس نظارة طبية ذات أسلاك رفيعة. ثم ألقى نفسه في المقعد الخالي. ابتسم «أحمد» مرة أخرى، قال لنفسه: ها قد وصل الرفيق!

فجأة، سَمِع صوتَ مذيعة الطائرة تطلب ربطَ الأحزمة، وتُعطي بعضَ التعليمات. فجأةً مرة أخرى، كان رفيق السفر يسأله، وباللغة العربية، وكانت فعلًا مفاجأة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤