التحقيق

فلما كان اليوم الأول، أشار رئيس نيابة أمن الدولة إلى سكرتير الجلسة.

فتح السكرتير المحضر.

أدنى رئيس نيابة أمن الدولة كرسيًّا، أسند قدمًا عليه، والقدم الأخرى على الأرض. اتجه إلى المتهم الجالس، بنظرة تخلو من تعبير محدد: اسمك؟

– محمد يوسف المصري.

– عمرك؟

– ٢٤ سنة.

عملك؟

– صحفي.

– ردك على الاتهام الموجه إليك؟

– لم يوجه إليَّ اتهامٌ ما!

– فلماذا أتوا بك إلى هنا؟

– لا أعرف … كنت نائمًا لما أيقظتني زوجتي … الحقيقة أني استيقظت على الأصوات التي ملأت الحجرة … أربعة رجال، أصروا أن أرافقهم، دون أن يتيحوا لي ارتداء ملابسي … احتجزت ثلاثة أيام في حجرة خالية … ثم أتوا بي إلى هنا!

أنزل رئيس نيابة أمن الدولة قدمه من على الكرسي، وفرد قامته. أملى على سكرتير الجلسة الكلمات التالية: «أنكر المتهم توجيه أي اتهام إليه. أمرنا باستدعاء الضابط المسئول، وأُقفل المحضر في تاريخه …»

•••

فلما كان اليوم الرابع، أشار رئيس نيابة أمن الدولة إلى سكرتير الجلسة.

فتح السكرتير المحضر.

ظل رئيس نيابة أمن الدولة في جلسته وراء المكتب. قرأ من الأوراق أمامه: «استدعينا المتهم محمد يوسف المصري، لسؤاله في الرسالة التي وجهها إلينا بشأن ما لديه من اعترافات، حول اشتراكه في تنظيم سري …»

اتجه إلى المتهم بنظرته الخالية من تعبير محدد: هذه الرسالة تحمل توقيعك!

– نعم.

– حدثني إذن عن طبيعة هذا التنظيم، وظروف اشتراكك فيه.

– الاتهام ملفق … ولم أشترك في أي تنظيم!

أطل من عينَي رئيس نيابة أمن الدولة غضب: قلت إنك صاحب توقيع الرسالة التي تعترف فيها بالاتهام الموجه إليك!

– وقعت دون أن يتيحوا لي القراءة!

أسند رئيس نيابة أمن الدولة ظهره إلى الكرسي الجلدي وراءه. أملى على سكرتير الجلسة الكلمات التالية: «ذكر المتهم أنه قد وقَّع على الرسالة التي تتضمن اتهامه، دون أن يتاح له حق الاطلاع على هذا الاتهام.»

فلما كان اليوم السابع، انتظر رئيس نيابة أمن الدولة حتى استقر المتهم في الكرسي المقابل: متعب؟

– نعم.

– لماذا؟

رفع المتهم رأسه المتدلي فوق صدره. ارتعشت شفتاه بكلمات لم ينطقها، وسكت.

أشار رئيس نيابة أمن الدولة إلى سكرتير الجلسة فتح السكرتير المحضر.

قرأ رئيس نيابة أمن الدولة من الأوراق أمامه: «استدعينا المتهم لسؤاله في الرسالة التي وجهها إلينا» بشأن ما لديه من اعترافات، بأنه قد اشترك اشتراكًا فعليًّا في تنظيم سري، يستهدف ترويج مبادئ هدامة.

– قرأت هذه الرسالة قبل توقيعها؟

– نعم.

– فما ظروف اشتراكك في التنظيم، وطبيعة دورك؟

تشاغل المتهم — للحظة — بعضِّ إصبعه، ثم هتف من بين أسنانه: لم أشترك في أي تنظيم … عُذِّبت لأوقِّع على هذه الرسالة!

أملى رئيس نيابة أمن الدولة هذه الكلمات: «ذكر المتهم أنه قد جرى تعذيبه ليوقع على الاتهام الموجه ضده. أمرنا باحالته إلى الطبيب الشرعي لإبداء الرأي.»

•••

فلما كان اليوم الحادي عشر، استأذن الطبيب المرافق للمتهم، أن يظل بالقرب منه — أذن له رئيس نيابة أمن الدولة، وأشار إلى سكرتير الجلسة بفتح المحضر.

جاوزت نظرة رئيس نيابة أمن الدولة تعبيرها اللامحدد: هل نرجئ التحقيق؟

أملى دون أن ينتظر الجواب: «استدعينا المتهم لسؤاله في الرسالة التي أكد فيها قيامه بأعمال تخريب، ضمن مخطط لقلب نظام الحكم …»

– الرسالة بخطك، والتوقيع لك؟

قال المتهم في صوت متعب: إني أعترف بما في الرسالة.

أعد رئيس نيابة أمن الدولة نفسه لاعتراف مطول: هل نبدأ منذ اشتراكك في التنظيم؟

– اكتب ما تشاء، وأوقع عليه!

– ماذا تعني؟

قال الطبيب المرافق: واضح أنه عُذب كثيرًا، ليكتب ما كتب!

•••

فلما كان اليوم الخامس عشر، أمر رئيس نيابة أمن الدولة الرجلين، اللذين تساند عليهما المتهم، بالانصراف … بدا تأثره لما عليه المتهم من إرهاق. قدم له سيجارة، وأمر بكوب شاي.

أشار إلى سكرتير الجلسة، ففتح السكرتير المحضر: «استدعينا المتهم لسؤاله في رسالة بعث بها إلينا: يعترف فيها بإقدامه على محاولة قتل عدد من الشخصيات السياسية …»

أسند أصابعه — برفق — إلى كتفَي المتهم: هل الرسالة بخطك، والتوقيع لك؟

قال: نعم.

– أنكرت في البداية مجرد اشتراكك في تنظيم سياسي؟

رفع المتهم نظراته إلى العينين الملتمعتين خلف الباب الموارب: كنت كاذبًا!

– فلنبدأ من البداية إذن … منذ اشتراكك في التنظيم.

(القصة — يناير ١٩٨٤م.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤