الفصل الرابع

نسيج الحب

الشهوة، والغرام، والارتباط
الحبُّ محتال
لا أحدَ حكيم بما فيه الكفاية؛
ليجد كل هذا فيه،
سيفكر في الحب،
حتى تهرب النجوم،
وتأكل الظلال القمر.
آه … البنس، البنس البُني، البنس البُني
لا يستطيع المرء أن يبدأ قبل أوانه.
وليم بيتلر ياتس
«البنس البني»
الحب «لذيذ كالنغم/«عود» أبوللو اللامع/معلق مع شعرها/وحين يتكلم الحب، فإن أصوات الآلهة/يدوخ الجنة بالانسجام».١

الحب توافق وانسجام، كما كتب شكسبير، أحيانًا حتى تنافر للأحاسيس، امتلاء بالحيوية والنشاط، حنان، رحمة، تملك، فرحة غامرة، هيام، لهفة، يأس. الغرام نمطٌ بديع دائم التغير، من الاحتياجات المتحولة، والمشاعر المقيدة، بكائن آخر سماوي، أي كلمة صغيرة منه أو بسمة، تسترضينا، ويغزلنا بالأمل والفرحة والاشتياق.

(١) التعقيد هو اسم الحب

حتى الآن مع مرور الوقت والظروف المحيطة، بنَت الطبيعة أعمدة قليلة وضخمة في هذه السيمفونية. الحب الرومانسي يتشابك بشكل عويص، مع اثنين من دوافع التزاوج: الشهوة والاشتياق للإشباع الجنسي، والارتباط (المودة)، أو مشاعر السكينة، والأمان، والاتحاد مع شريك لمدة طويلة.٢

كلٌّ من هذه الدوافع الأساسية، يمشي عبر مسارات مختلفة في المخ. وكلٌّ منها يُنتج سلوكيات مختلفة، وآمالًا، وأحلامًا مغايرة. وكلٌّ منها يصاحبه كيميائيات بالمخ مختلفة كذلك. الشهوة يصاحبها أساسًا هرمون التيستيستيرون، في كلٍّ من النساء والرجال. والحب الرومانسي يترابط مع المحفز الطبيعى، الدوبامين، وربما النوريبنفراين، والسيروتونين.

ومشاعر الارتباط بين الذكر والأنثى، تنتج أولًا بهرمون الأوكسيتوسين والفازوبرسين.

أكثر من ذلك، فإن كل نظام بالمخ، تطوَّر لكي يُديرَ جانبًا مختلفًا من عملية التكاثر. الشهوة تطورَت لتحفز الكائنات، للبحث عن اتحاد جنسي مع أي شريك شبه مناسب فقط. الحب الرومانتيكي برز ليقود الرجل والمرأة، لكي يركزَا انتباههما للزواج من الشخص المفضل. لذلك يحافظ بالوقت والطاقة على علاقته الغرامية الثمينة، أما دوائر الدماغ للارتباط بين الرجل والمرأة، فتطورت كي تساعدَ أسلافنا على العيش مع رفقائهم، على الأقل مدة طويلة، لتربية طفل وحيد معًا.٣
كل شبكات الدماغ٤ الثلاث، الشهوة، الحب الرومانسي، والارتباط، ما هي إلا أجهزة متعددة الأغراض؛ فبالإضافة إلى الإنجاب، نجد أن الرغبة الجنسية تخدم صناعة الأصدقاء، والحفاظ عليهم. كما توفر المتعة والمغامرة، انسجام العضلات، وتوفر الاسترخاء للعقل.

ويحفزك الحب الرومانسي على إبقاء شراكة المحبة، أو يقودك لتقع في الحب مع شخص آخر جديد، والبدء في الطلاق من السابق.

وتساعدنا مشاعرُ الارتباط كذلك، على إظهار المحبة الحقيقية للأطفال والأسرة، والأصدقاء، فضلًا عن الحبيب.

إن الطبيعة محافظة، وحينما يكون لديها تصميم جيد، فإنها تواظب عليه، وتعمل على توسيعِ ومدِّ استخداماته، كي يلائمَ حالات متعددة، ولكن الغرض الأوَّلي والأساسي لهذه الدوافع المتشابكة، هو أنها تحثُّنا لالتماسِ نسقٍ لشركاء جنسيين، واختيار أحدهم ذلك الذي شغفنا به، ومن ثَم نبقى منخرطين عاطفيًّا معه أو معها، على الأقل لمدة كافية لتربية الطفل معًا، أساسيات لعبة الزواج.

ولفهم كيفية تأثير العواطف الرومانسية في الرغبة الجنسية، ومشاعر الارتباط الطويل المدى، شرعتُ في مشروع بحثي مع «جوناثان ستيجليتز»، ثم طالب في جامعة «روتجرس». نقبنا عبر محركات البحث المختلفة بالإنترنت، عن المقالات الأكاديمية التي توضح كيفيةَ تأثير هذه الدوافع الثلاثة؛ الشهوة، الانجذاب الرومانسي، والارتباط، في كلٍّ منها.

في الواقع، فإن الحب الرومانسي يشقُّ طريقَه عبر شبكات الدماغ الأخرى، بحيث إن كلًّا منهما يثري وينتزع نسيج حياتنا معًا.

(٢) في الشهوة

ما هاتان الذراعان والأكتاف التي رأيتُها ولمستها،
كيف بدَا ثدياها حين ضُغِطا بي،
وكم كان بطنها طريًّا تحت خصرها،
وكم هي طويلة ساقاها،
وما أشهى فخذها!
لكي أترك الباقي،
كلهم أحبوا مروري،
حين التصقت بجسدها العاري،
سقطت بي،
خمن الباقي.
وبدت مُنهَكةً حين قبَّلَتني في الوداع.
أرسل يا جوبيتر أمسيات كهذه مرارًا.٥

«أوفيد» الشاعر الروماني، واحد من الملايين التي لا تعد، الذين يستمتعون بالشهوة. إن الشهوة شعور إنساني أصيل، ولا يمكن التنبؤ به كذلك.

وقد يقفز الشوقُ للامتلاء الجنسي، على سطح عقلك، وأنت تقود سيارتك، تشاهد فيلمًا على التلفاز، تقرأ في المكتب، أو في حلم يقظة على الشاطئ. هذا الإلحاح يختلف تمامًا، عن مشاعر الحب الرومانسي. في الواقع، الكثير من الناس، في المجتمعات الغربية، يخلطون بين الابتهاج بالحب الرومانسي، والشوق لإطلاق العنان للرغبات الجنسية.٦
ويفرق الناس في المجتمعات المختلفة بين هذه المشاعر بسهولة،٧ فتجد في جزر «بولينيزيا»، أن «الحب الحقيقي»، يُطلق عليه «إينانجارو كينو»، حالة من العواطف الرومانسية، تتميز عن رغبات الفرد الجنسية. وذلك بلغتِهم الأصلية.
ويُطلق «التايتا» في كينيا على الشهوة اسم «أشكيي»، على حين يُشيرون إلى الحب بلفظ «بيندو».٨ وفي «كاروارو» في شمال شرق البرازيل, يقول المحليون «أمور» الحب، حينما تشعر برغبة أن تبقى دائمًا معها، تتنفسها، تأكلها، تشربها، وتفكر دائمًا بها، فأنت لا تستطيع أن تُديرَ حياتك بدونها.٩ وفي جانب آخر فإن «بايكساو» هو النشوة، أما «تيساو»، فهي رغبة جنسية قوية جدًّا، في شخص ما، ولهؤلاء الناس كل الحق في تمييز هذه المشاعر عن بعضها البعض.١٠
ولقد أكَّد العلماء أخيرًا، أن الشهوة والحب الرومانسي، مرتبطان بمجموعات مختلفة من مناطق الدماغ.١١ وفي إحدى الدراسات، صوَّر الباحثون أدمغةَ مجموعة من الشباب باستعمال «المرنان الوظيفي FMRI» لمسح المخ، وفي هذه التجربة، شاهد هؤلاء الشباب ثلاثةَ أنواع من أفلام الفيديو: المجموعة الأولى شاهدت أفلامًا جنسية شهوانية، المجموعة الثانية شاهدت أفلامًا هادئة ومريحة، أما المجموعة الثالثة فشاهدت أفلامًا حول إحدى الرياضات.١٢ وارتدى كلُّ متطوع جهازًا حول قضيبه، لقياس شدة صلابته، وهو جهاز مصمم خصيصًا، مكوَّن من أسورة هواء مضغوط (كالتي تُستخدم في جهاز قياس ضغط الدم).

وعند ظهور نتائج التجربة، وجد أن نشاط المخ كان مختلفًا بوضوح، عمَّا وجدناه في عينة «المصابين بالحب»، التي صورناها في بحثنا.

الشهوة والحب الرومانسي ليسَا الشيء نفسه. وكما مزج الناس في أيِّ مكان جرعات لتحفيز الحب الرومانسي، لقد جربوا كلَّ وسائل الوصفات السحرية كي يُؤججوا الشهوة أو كما ذكر المثل الإيطالي «إنه الأسد العجوز بينهم جميعًا»

(٣) هرمونات الرغبة

«الحلوى مدهشة، لكن الشراب أسرع.» هكذا قال «أوجدين ناش» ساخرًا.

استخدمت البشرية في كل مكان، ما ظنته مثيرًا للشهوة الجنسية لتحفزها. وحينما عبرت الطماطم المحيط الأطلنطي، قادمةً من الأمريكتين، ظن الأوروبيون أن هذه الثمار الغضة، سوف تُشعل الرغبة الجنسية، وأطلقوا عليها «تفاحة الحب».

زعانف أسماك القرش، حساء عش الطيور، بودرة قرن وحيد القرن، الكاري، الصلصة، جذر نبات المندريك، الشيكولاتة، عيون الضباع، الكافيار، الرخويات، المحار، سرطان البحر، مخ الحمام، ألسنة الأوز، التفاح، الموز، الكرز، البلح، التين، الخوخ، الرمان، نبات الهيليون، الثوم، البيرة، التعرق، الروائح ونكهات الطعام، والمراهم الرائجة الأنواع، وُظِّفت جميعها لجذب الشريك النافر من الفراش.

وقد اعتاد العاملون في بيوت الدعارة، في عهد الملكة «إليزابيث»، تقديم البرقوق المجفف (القراصيا)، لقناعتهم أنها تحفِّز الشهوة. وفي القرون الماضية، حاول العرب إغواء المرأة المترددة، بلقمة من سنمِ الجمل، لإثارة رغبتها الجنسية. كتب «البليني» أن فنطسية فرس البحر،١٣ تفعل الشيءَ نفسَه.
كذلك رأى الأزتيك السحر الجنسي، في أجزاء الماعز والأرنب؛ لأن هذه الحيوانات تُنجب بسرعة. كما أشعلت رخويات البحر وَهْمَ الصينيِّين؛ حيث وجد أن هذه الحيوانات الغريبة تتضخم عند لمسها. كذلك سحق الأوروبيون بعضَ أنواع الخنافس، الموجودة في جنوب أوروبا، واستخدموها لحثِّ الرغبة الجنسية، وأطلقوا عليها «الذبابة الإسبانية».١٤

إن تناول الطعام يزيد من ضغط الدم، ومعدل النبض، كما يرفع حرارة الجسم، وأحيانًا يجعلنا نتعرق، وهي التغيرات الفسيولوجية نفسها التي تحدث أيضًا في العلاقة الجنسية. ولعل هذا هو السبب الذي ربط من أجله الرجال والنساء، منذ زمن، بين أنواع معينة من الطعام والإثارة الجنسية.

لكن الطبيعة صنعت مادة حقيقية وحيدة، لكي تُثير الرغبة الجنسية لكلٍّ من المرأة والرجال، على حدٍّ سواء، وهي التيستيستيرون، وبدرجة أقل أقربائه، هرمونات الجنس الذكوري الأخرى، هذا الأمر استقر تمامًا.

ويميل الرجال والنساء، الذين لديهم مستوى أعلى من هرمون التيستيستيرون، تجري في عروقهم، إلى الدخول في نشاطات جنسية أكثر من غيرهم.١٥ وكذلك الرجال الذين يمارسون الرياضة، والرجال الذين يحقنون أنفسهم بالتيستيستيرون، كي يزيدوا من قوتهم وقدرتهم على التحمل، نجد أن لديهم أفكارًا جنسيةً أكثر. وكذلك النساء اللاتى يأخذن التيستيستيرون، نجده يُعزِّز رغبتهن الجنسية.١٦

إن الرغبة الجنسية لدى الرجال تَصِل لذروتها في بداية العشرينيات، عندما تكون مستويات التيستيستيرون هي الأعلى، ويشعر الكثير من النساء برغبة جنسية أكبر، في أوقات التبويض، عندما تكون مستويات التيستيستيرون عالية كذلك. وكما يحفز ارتفاع التيستيستيرون الرغبة الجنسية، فإن هبوط مستوياته يخمدها.

ومع التقدم في السن، نجد أن كلَا الجنسين تقلُّ لديهم التخيلات الجنسية، وتقلُّ ممارسة العادة السرية، كما يقل انخراطهم في العلاقات الجنسية.١٧

كما تعزَّى كلٌّ من الصحة المتدهورة، التعاسة، الإرهاق، انعدام الفرص، الكسل، والضجر، يقينًا إلى تراجع الشهوة.

لكن مع تقدُّم العمر، فإن مستويات التيستيستيرون تنخفض، وغالبًا ما تتراجع الرغبة الجنسية، حوالي ثلثي متوسطي العمر من النساء، لا يعانين من أي انخفاض في الطاقة والقدرة الجنسية.١٨ ومع ذلك، ربما يكون هذا أيضًا نتيجة التيستيستيرون؛ حيث ينخفض مستوى الإستروجين، مع انقطاع الطمث، وتُصبح مستويات التيستيستيرون والإندروجينات الأخرى غير مغطاة، وهذه الهرمونات القوية، تستطيع أن تُفصحَ عن نفسها أخيرًا، بشكل كامل.
في واحدة من الدراسات لمجموعة من السيدات المتوسطي العمر، وجد أن تقريبًا أربعين بالمائة من العينة، يشتكين من أنهن غيرُ مشبعات جنسيًّا.١٩
حينما نأتي إلى الرغبة الجنسية، يختلف الناس جزئيًّا فيها؛ وذلك لأن مستويات التيستيستيرون تورث،٢٠ وكذلك تذبذب هذه المستويات، تبعًا لليوم، والأسبوع، والسنة، ودورة الحياة. وعلاوة على ذلك، فإن التوازن بين التيستيستيرون، والإستروجين، وباقي عناصر الجسم، فضلًا عن الظروف الاجتماعية، ومجموعة من العوامل الأخرى، كل ذلك يلعب دورًا في: متى، أين، وكيف، نشعر بالشهوة.٢١
ومع ذلك، يبقى هرمون التيستيستيرون مركزيًّا لهذه الشهية، وهذه المادة الكيميائية الأساسية، لها القدرة على غمر تفكير الدماغ، كما قال الشاعر «تونى هوجلاند» عن الشهوة: «طالما هناك رغبة، فأنت لست في مأمن.»٢٢
وغالبًا ما يُثار الرجال والنساء بأشياء مختلفة، ولكن على كلِّ حال، يفضِّل الرجال النظر، فهم يشتغلون جنسيًّا بالمثير البصري. وحتى عندما تشتغل مخيلةُ الرجال، نجدهم يستخدمون صورًا واضحة لأجزاء الجسم وللمضاجعة.٢٣ وهذا التحديق الفاسق يدعم على الأرجح مستوى التيستيستيرون. فحينما يشاهد ذكور القرود أنثى متاح الاتصال بها جنسيًّا، أو يشاهدون رفيقًا في حالة مضاجعة مع أنثى، ترتفع لديهم مستويات التيستيستيرون. لهذا فإن الرجال الذين يذهبون لحانات التعرِّي،٢٤ أو يشاهدون مجلات نسائية، فهم بالتأكيد يُعززون مستويات التيستيستيرون،٢٥ ويعززون الشهوة.
أما المرأة عمومًا، فتشتعل بالكلمات الرقيقة الرومانسية، والمشاهد في الأفلام أو القصص. وتتضمن تخيلات المرأة الجنسية عواطف أكثر، تعهدات بالالتزام، وكذلك ممارسة الجنس مع شريك معروف.٢٦ وتحبذ المرأة أن تخضع.
إن حوالى سبعين بالمائة من الأمريكيين، رجالًا ونساءً، تنشط مخيلتهم أثناء الجماع.٢٧ ولكن كما هو مفهوم الغزو، في صميم ذهن معظم الرجال، أثناء المغامرات العاطفية، فإن مفهوم الاستسلام النشط، هو السائد في مخيلة النساء الجنسية.٢٨
أذواق الغزو والاستسلام، لا علاقة بها مع الاغتصاب. أقل من نصف في المائة من الرجال، يستمتعون بإرغام امرأة على علاقة جنسية، وأقل من نصف في المائة، يريدون علاقة جنسية بالإكراه.٢٩ ولا تزال النساء الأمريكيات أكثر بمرتين من الرجال، بالقيام بالتخيل النشط، عن كونهم «يفعل بهن»، عكس «يفعلون».٣٠

الخطر، التجديد، الروائح، والأصوات الخاصة، خطابات الحب، والحلوى، الحوارات المحببة، الملابس المثيرة جنسيًّا، الموسيقى المؤثرة، عشاء راق: إشارات متعددة تستطيع أن تلهب هذا «العطش السرمدي»، كما أطلق على الدافع الجنسي الشاعر بابلو نيرودا.

كيف تؤثر المشاعر والحب الرومانسي، في دائرة الدماغ البدائية، الشهوة؟

(٤) الرومانسية تُثير الشهوة

حتمًا سوف تلاحظ أنك حين وقعتَ في الحب، فإن هيامك حفَّز الدافع الجنسي. وقد تحدَّث الروائيون، وكُتَّاب المسرح، والشعراء، وكُتَّاب الأغاني، كلهم بحماسة، عن هذا الدافع والحث للتقبيل، والعناق، ومضاجعة هذا الذي أُغرمَت به.

لماذا نشعر بالشهوة، حين نقع في الحب؟ لأن الدوبامين، سائل الرومانسية، يمكنه حفز إطلاق التيستيستيرون، هرمون الرغبة الجنسية.٣١
هذه العلاقة بين ارتفاع مستويات الدوبامين، وإيقاظ الرغبة الجنسية، تكرارية العلاقة الجنسية، ووظيفة الجنس الإيجابية، شائعة في الحيوانات.٣٢ فحين تم حقن الدوبامين، في مجرى الدم لذكور الفئران، على سبيل المثال، قام بحفز سلوك المضاجعة لديها.٣٣ علاوة على ذلك، حينما يوضع فأر المعمل الذكر، في قفص مجاور، بحيث يرى أو يشتم أنثى، يُثار جنسيًّا، مع هذا يرتفع مستوى الدوبامين كذلك.٣٤ وحينما يزاح العائق، ويسمح له بالتزاوج، ترتفع مستويات الدوبامين أكثر.٣٥
يمكن للدوبامين أيضًا، أن يحفز الشهوة لدى الإنسان،٣٦ فحين يتناول الرجال والنساء المكتئبون أدويةً ترفع مستويات الدوبامين في الدماغ، يتحسن لديهم الدافع الجنسي.٣٧

أخبرَتنى صديقة لي، في الثلاثين من عمرها، قصة لافتة للنظر في هذا الصدد، كانت مكتئبة بشكل بسيط، لسنوات عديدة، وأخيرًا بدأَت في تناول واحد من مضادات الاكتئاب الجديدة (واحد بدون آثار جانبية جنسية)، والتي ترفع مستوياتِ الدوبامين في الدماغ. بعد شهر من بداية تناولها هذا الدواء، لم تكن تفكر فقط في الجنس، بل كان لديها أيضًا عدة هزات جماع، أثناء علاقتها الجنسية مع شريكها.

وأظن أن هذا التحول المفاجئ في رغبتها الجنسية، ووظائفها الجنسية، حدث نتيجة الحبوب التي تناولَتها، والتي تُحسن من الدوبامين، والذي يحفِّز بدوره إطلاقَ التيستيستيرون كذلك. هذه العلاقة الإيجابية بين الدوبامين والتيستيستيرون، توضِّح أيضًا سببَ شعور الناس بأن لديهم زيادة في الرغبة الجنسية أثناء الإجازات، فيمارسون ألعابًا جديدة على الفراش، أو يمارسون الجنس في الحمام، أو يتعرفون على شريك يمارسون معه الحب. فالخبرات الجديدة تقوي مستويات الدوبامين في الدماغ، ومن ثَم تؤجج كيمياء المخ المختصة بالشهوة. كما أن النوريبينفراين محفزٌ آخر يحتمل أنه يلعب دورًا في الحب الرومانسي، يعمل أيضًا باعتباره محفزًا للرغبات الجنسية.

كما نجد أن مدمني مادة الأمفيتامين،٣٨ المعروفة في الولايات المتحدة باسم (المعلية)، أو (السريعة)، يقولون إن دوافعهم الجنسية يمكنها الاستمرار. هذه الشهوانية، غالبًا ما تنجم عن المعادلة البيولوجية نفسها: الأمفيتامين يعزز — بشكل كبير — النوريبينفراين (ومن ثم الدوبامين)، والنوريبينفراين يحفز إنتاج التيستيستيرون.٣٩
مرة أخرى بعض المحاذير: جرعات كل هذه المواد الكيميائية، إلى جانب توقيت إطلاقها بالدماغ، يصنع الفارق. كل هذه التفاعلات لا تتم بشكل مباشر أو بسيط، لكننا نتكلم على وجه العموم، الدوبامين والنوريبينفراين يُشعلان الرغبة الجنسية،٤٠ غالبًا عن طريق رفع مستوى التيستيستيرون.

لا عجبَ أن المحبين الجدد يبقون طول الليل يتلاطفون. كيمياء الحب تُشعل أكثر الرغبات قوة في الطبيعة: رغبة التزاوج. هذا الارتباط الكيميائي بين الحب الرومانسي والشهوة، يصنع الجنس التطوري.

فبعد كل شيء، إذا كان الحب الرومانسي تطور، كي يحفزَ الالتقاء مع آخر «مميز»، فإنه لا بد وأن يشحذ الدوافع الجنسية، مع هذا المحبوب أيضًا.

(٥) هل تُشعل الشهوة الحب الرومانسي؟

لكن هل العكس حقيقي؟ هل تحفز الشهوة الحب؟ هل تستطيع الذهاب إلى الفراش، مع مجرد «صديقة/صديق» أو حتى «غريبة/غريب»، ثم فجأة تقع في الحب معه أو معها؟ أوفيد، الرجل الذي كان له العديد من علاقات الحب، كان يؤمن بأن الانجذاب الجنسي القوي، غالبًا ما يحفِّز الوقوع في الحب،٤١ لكن الشهوة لا تحفز دائمًا الحب الرومانسي.

كما يعرف الكثير من الناس، فإن معظم البالغين المعاصرين، والمتحررين جنسيًّا، لديهم علاقات جنسية مع شخص آخر، لا تربطه بهم علاقة حب، بل إن العديدين منهم مارسوا الجنس بمعدلات منتظمة، مع هذا «الصديق». لكنهم، وا حسرتاه، لم يشعروا أبدًا ببهجة الحب الرومانسي، مع هذا الشريك الجنسي. فالشهوة لا تؤدي بالضرورة إلى الغرام، ووسواس الحب الرومانسي.

في الواقع، هناك كمٌّ ضخم من المعلومات تبيِّن العكس من ذلك. فالرياضيون الذين يتم حقنهم بالأندروفين المخلَّق لبناء العضلات، لا يقعون في الحب، على الرغم من تناولهم لهذه العقاقير. أيضًا حينما يخضع الرجال والنساء في منتصف العمر لحقن هرمون التيستيستيرون، أو يستعملونه باعتباره كريمًا لأجزاء متعددة من الجسم، لإثارة الرغبة الجنسية، يزيد ذلك من أفكارهم وتخيلاتهم الجنسية،٤٢ ولكنهم لا يقعون في الحب.

إن تحفيز دوائر الشهوة في الدماغ لا يؤدي بالضرورة إلى اشتعال أتون الحب. وهذا لا يعني أن الشهوة لن تحفِّز الحب الرومانسي مطلقًا، ولكنها قد تفعل.

وهناك صديقة لي في أوسط العمر يمكن اتخاذها مثالًا على ذلك، كان لديها علاقة جنسية مع مجرد صديق، كانت علاقة متباعدة؛ حيث أخبرتنى أنها مارست الجنس مع صديقها حوالي مرتين أو ثلاث مرات كل عام. لمدة ثلاث سنوات. وفي ليلة صيف في إحدى السنوات، وبعد البدء في ممارسة الجنس معه، بخمس دقائق، شعرت بأنها تحبه بعمق. في هذه اللحظة بدأ التفكير الوسواسي والاهتمام، وبدأت النشوة الغامرة، أخبرتني أنها كانت تستيقظ في الليل، خلال الأسابيع والأشهر اللاحقة، لتفكر فيه باستمرار، تنتظر بجانب الهاتف لتسمع صوته، تلبس بشكل جذاب لتفوز به، وتتخيل حياتهما معًا، ولحسن الحظ فقد أحبها أيضًا.

«ناسا باسيو، مايا باسيو» تستعمل النساء في الغرب النائي من «نيبال»، هذه المقولة، كي يعبرنَ عن هذه الظاهرة، وهي تعني «يدخل القضيب، فيدخل الحب.»٤٣
أعتقد أن علم البيولوجي، يشير إلى هذا الحب التلقائي لشريك جنسي؛ حيث إن النشاط الجنسي يزيد من مستويات الدوبامين والنوريبينفراين، في أدمغة ذكور الفئران.٤٤ وحتى بدون نشاط جنسي، فإن زيادة مستويات التيستيستيرون، يمكنه أن يزيد مستويات الدوبامين،٤٥ والنوريبينفراين،٤٦ وإلى حدِّ ما يخفض مستويات السيروتونين.٤٧

باختصار، فإن هرمون الرغبة الجنسية، يمكنه حفز إطلاق إكسيرات الدماغ للغرام الرومانسي. كما حدث مع صديقتي، عند ممارستها الجنس مع «مجرد زميل»، فأنا أعتقد أنها حفزت دوائر دماغها للرومانسية، ومن ثم شعرت بالحب.

كل هذا «السحر الأسود» قوة متغيرة. فإن كيمياء الحب الرومانسي، يمكنها حفز كيمياء الرغبة الجنسية، ووقود الرغبة الجنسية يمكنه أن يُشعل وقود الرومانسية. لهذا فإنه من الخطر إقامة علاقة جنسية مع شخص ما، لا تأمل أن تتورط معه. فأنت على الرغم من أنك تنوي إقامة علاقة جنسية عارضة، فإنك قد تقع في الحب. كما أن عاطفة الحب الرومانسي لها علاقة أخرى مع مشاعر الارتباط.

(٦) في الارتباط

«مَن الذي أمر نيران شوقهم بالتأجج، بمجرد اشتعالها ستبرد.» الشاعر «ماثيو أرنولد ينعَى وفاة الحب الرومانسي.»

الحب يتغير مع مرور الوقت، إنه يُصبح أعمق وأهدأ. لم يَعُد الأزواج يتحدثون طيلة النهار، أو يرقصون حتى النهاية. هذه العاطفة المجنونة، النشوة، والاشتياق، واللهفة، والتفكير الوسواسي، والطاقة العالية، كل هذا يذوب.

ولكن إذا كنت محظوظًا، سيتحول هذا السحر نفسه إلى مشاعر جديدة من الأمن، والراحة، والهدوء، والاتحاد مع شريكك. ولذلك أطلقَت الأخصائية النفسية «إلين هاتفيلد»، على هذه المشاعر اسمَ «الحب الرفاقي»، نسبةً إلى الرفيق. مشاعر سعادة بالتكاتف، والتواجد مع شخص آخر، هو ذلك الشخص الذي تشابكَت حياتُه مع حياتك بعمق. أما أنا فأُطلق عليها «الترابط».٤٨

(٧) «الترابط»

ومثلما يفرق حدس الرجال والنساء بين مشاعر الحب الرومانسي، وتلك الشهوانية، نجد أن الناس يفرقون بسهولة بين مشاعر الرومانسية والارتباط.٤٩
«نيسا» وهي امرأة من قبائل البوشمن، في صحراء كالهاري، ببتسوانا شرحَت مشاعر الترابط بين الرجل والمرأة بإيجاز، لعالم الإنسانيات «مارجوري شوستاك»، قائلةً: «حينما يلتقي شخصان لأول مرة، يصبح قلباهما في نار، وعاطفتهما في أوجها. بعد قليل تبرد النار، وتلك هي الكيفية لأن يبقى. إنهما يستمران في حب بعضهما، ولكن بطريقة مختلفة، دافئة ومليئة بالثقة.»٥٠
وسوف توافقها كذلك «تايتا» من كينيا، إنهم يقولون إن الحب يأتي بشكلَين، لهفة لا تقاوم «نوع مرضي»، والآخر مشاعر عميقة ودائمة لآخر.٥١
ولدى البرازيليِّين مثل شعري، يفرق بين هذين النوعين من المشاعر، يقول: «يولد الحب في لمح البصر، وينضج في ابتسامة.»٥٢

وبالنسبة للكوريين، نجد أن «سارانج»، كلمة قريبة للمفهوم الغربى للحب الرومانسي، أما «شونج»، فهي أقرب لمشاعر الارتباط الطويل المدى.

وقالَتها «أبيجيل آدمز»، زوجة ثاني رئيس للجمهورية بالولايات المتحدة الأمريكية، بشكل رائع، وهي تكتب لزوجها جون أدمز في ١٧٩٣م:

«تتغلب السنوات على حماسة العاطفة، ولكن بدلًا منها تعطي علاقة صداقة، وعاطفة عميقة الجذور، تستمر وتتحدى الزمن، وحينها تبقى الشعلة مفعمة بالحيوية.»٥٣

(٨) كيمياء الارتباط

بدأ العلماء في فحص هذا النظام الدماغي، الارتباط، منذ عقود مضت، حين افترض طبيب النفس الإنجليزي «جون باولبي»، أن الإنسان طوَّر جهازَ ارتباطٍ فطريًّا، يتكوَّن من سلوكيات محددة، وردود أفعال نفسية.٥٤
وحديثًا فقط رغم ذلك لدينا أبحاثٌ بدأت في محاولة لفهمِ أيٍّ من كيميائيات الدماغ، تُنتج مشاعر الاندماج، مع زوج في علاقة طويلة الأمد. ويؤمن غالبية العلماء، أن الفازوبرسين، والأوكسيتوسين، وهما هرمونان متقاربان يتكونان بشكل كبير فيما تحت المهاد Hypothalamus وكذلك الغدد الجنسية المعروفة بالجونادز كل هذا يقوم بإنتاج العديد من السلوكيات المصاحبة للارتباط.
ولكن لكي نُحيطَ بكل جوانب الموضوع، ونفهم كيف تولد هذه الهرمونات أحاسيس الاتحاد، مع حبيب القلب، يجب أن أُعيدَ تقديم ما سبق أن ناقشتُه عن قاطني أواسط الغرب الأمريكي، فئران البراري، وكما تتذكر، فهذه الفئران البُنيَّة الرصاصية، قامَت بتكوين روابط ثنائية، كي تربيَ الصغار، ووجد أن ٩٠٪ منها تزاوجَت لمدى الحياة، مع شريك وحيد. ومنذ أعوام قليلة حدَّد كلٌّ من «سيو كارتر» عالم الأعصاب، و «توم أنسيل»، وآخرون، أن سبب هذا الارتباط في الذكور، حيث إن ذكور الفئران، ما إن تقذف السائل المنوي، حتى ترتفع لديها نسبة الفازوبرسين في أمخاخها، لتحفز الحماسة والغيرة الزوجية، والأبوية كذلك.٥٥

هل الفازوبرسين، هو مخلوط الطبيعة للارتباط الذكوري؟

لكي نبحث في هذه الفرضية، حقن العلماء في المعمل الفازوبرسين، في أدمغة ذكور فئران البراري، التي لم تتزوج بعد.

وقد بدأت هذه الذكور بعدها مباشرة، في الدفاع عن الحيز المتاح لها، من الذكور الآخرين. وهو جانب في تكوين التزاوج، لدى فئران البراري. وحينما تزوج كلٌّ منهم أنثى، أصبح موسوسًا بها مباشرةً.٥٦ علاوة على ذلك، حينما منع هؤلاء العلماء، تكوين الفازوبرسين، في أدمغة الفئران، تصرفت ذكور فئران البراري، كالأوغاد، فيتزوج الذكر بإحدى الإناث، ثم يتخلى عنها من أجل فرصة التزاوج بأخرى.

لقد حبت الطبيعة ذكور الثدييات، بمادة كيميائية، للإحساس بغريزة الأبوة، إنها الفازوبرسين.

(٩) الأوكسيتوسين: خليط آخر للإخلاص

«لقد نشأنا سويًّا، كحبتَي كرز متلازمتين، نبدو منقسمين،
لكن كوحدة في التجزئة،
حبتَي فراولة محببتَين، في فرع واحد.»٥٧
كتب قلة من الشعراء، عن مشاعر الارتباط المعمرة، ربما لأن هذا الدافع نادرًا ما يُجبر شخصًا ما، على نظم بيت شعري عاطفي، في سكون الليل. هذه الأبيات لشكسبير تُعدُّ استثناءً. ومع ذلك فإن مشاعر الترابط، لا بد وأنها أحاسيس شائعة، في كل الطيور والثدييات؛ لأنها مصاحبة ليست فقط مع الفازوبرسين، ولكن أيضًا مع الأوكسيتوسين، وهو هرمون مقارب حاضر في الطبيعة.٥٨

مثل الفازوبرسين يتكوَّن الأوكسيتوسين فيما تحت المهاد، كذلك في بويضات الأنثى أو الخصية لدى الذكر.

وعلى عكس الفازوبرسين، فإن الأوكسيتوسين، يُطلق في كل إناث الثدييات (بمن فيها المرأة) أثناء الولادة،٥٩ فهو يعمل على بدء انقباض الرحم، ويحفِّز غدة الثدي لإنتاج الحليب، واستقر العلماء حاليًّا على أن الأوكسيتوسين يحفز أيضًا الرابطة بين الأم ووليدها. أما الأكثر أهمية، فهو إيمان الكثيرين حاليًّا، بأن الأوكسيتوسين يتدخل أيضًا في مشاعر الارتباط بين الرجل والمرأة.٦٠
لقد شعرت بالتأكيد — في وقت ما — بقوة «هرمونات الشعور بالرضا»، كما يطلق أحيانًا على الفازوبرسين والأوكسيتوسين. فنحن نُفرز هذين الهرمونَين في لحظتين شديدتَي التأثير، أثناء اللقاء الجنسي: الأولى أثناء مداعبة الأعضاء الجنسية الخارجية، أو مداعبة الحلمتين،٦١ والثانية أثناء هزة الجماع.
ففي أثناء هزة الجماع، تزيد مستويات الفازوبرسين، بشكلٍ حادٍّ في الرجال، وترتفع مستويات الأوكسيتوسين، لدى المرأة.٦٢

ويُعزى لكيميائيات الأحضان هذه، أحاسيس الاندماج، والقرب، والارتباط، التي تشعر بها، بعد علاقة جنسية مع المحبوب.

إلى أيِّ مدى تؤثر كيمياء الارتباط هذه في مشاعر الشهوة والحب الرومانسي؟

(١٠) هل الشهوة تُخمد الارتباط؟

إن العناصر الكيميائية للارتباط لها تأثيرٌ معقد على كلٍّ من الرغبة الجنسية، ومشاعر الحب الرومانسي.

ففي ظل ظروف معينة، يمكن للتيستيستيرون رفع مستويات الفازوبرسين٦٣ والأوكسيتوسين٦٤ في الحيوانات، حيث يزيد من سلوكيات الارتباط، مثل العناية المتبادلة، والأثر،٦٥ وكذلك سلوكيات الدفاع عن العش.٦٦ والعكس قد يحدث أيضًا؛ فالأوكسيتوسين والفازوبرسين يمكن أن يزيدا من إنتاج التيستيستيرون، في بعض الحالات.٦٧ اختصارًا، فإن كيميائيات الترابط تحفز الشهوة، وكيمياء الشهوة، ويمكن لها حفز التعبير عن الترابط. ولكن، قد يكون لكل هذه الهرمونات تأثير سلبي، على بعضها البعض. فنجد أن زيادة مستويات التيستيستيرون، يمكن أن تقلل أحيانًا، من مستوى الفازوبرسين والأوكسيتوسين، كما زيادة نسبة الفازوبرسين، يمكن أن تُضعف مستويات التيستيستيرون.٦٨
وهذا التأثير العكسي بين «الشهوة» و«الارتباط»، يعتمد في الحقيقة على نِسَب هذه الهرمونات في الدم، فهي تختلف اعتمادًا على الكمية، التوقيت، والتفاعل بين الهرمونات المتعددة.٦٩

فالمستويات العالية من هرمون التيستيستيرون يمكن أن تقلِّل من «الارتباط»، وهناك إثباتات على نطاق واسع، أن هذا يحدث مع الناس بشكل منتظم، مصحوب بتأثيرات كارثية أحيانًا.

إن الرجال الذين يحظون بمستويات عالية من التيستيستيرون بشكل أساسي يتزوجون بشكل أقل، ولديهم علاقات جنسية متعددة، كما أن لديهم إيذاء للشريك أكثر من غيرهم، وغالبًا ما يُطلَّقون. ومع عدم استقرار زواج الرجل ترتفع نِسَب هرمون التيستيستيرون. ومع الطلاق ترتفع هذه النسبة بشكل أكبر. والرجل الأعزب، يتمتع بنسبة تيستيستيرون أعلى من هؤلاء المتزوجين.٧٠ والعكس قد يحدث؛ فكلما ازداد ارتباط الرجل بعائلته، يمكن لمستويات التيستيستيرون أن تنخفض. في الواقع يحدث انخفاض واضح في مستويات التيستيستيرون، لدى الأب، عند ولادة الطفل،٧١ حتى عندما يحمل الرجل الطفل الرضيع، يحدث كذلك انخفاض لمستويات هذا الهرمون.٧٢
وتظهر أيضًا هذه العلاقة السلبية بين التيستيستيرون، ومشاعر الارتباط في المخلوقات الأخرى. ففي ذكور الرئيسيات، وطائر أبو زريق الأزرق، والذي يطير من أنثى لأخرى، ولا يبقى أبدًا أبًا لأولاده. نجد أن هذا الأب المتهتك، لديه معدلات عالية من التيستيستيرون. أما ذكور بعض الأنواع، التي تكون علاقة الزواج الأحادي (الزواج بأنثى واحدة)، تبقى مع شريكاتها باعتبارها آباء للصغار، نجد انخفاضًا شديدًا في مستويات التيستيستيرون أثناء مرحلة الأبوة في موسم التزاوج.٧٣

وحينما ضخ العلماء هذا الهرمون في ذكور عصافير الدوري، أحادية الزواج، فإن هذه الآباء الوفية، هجرَت أعشاشها وصغارها، و«زوجاتها»، كي يُغازلوا إناثًا أخريات.

وكما قلت سابقًا، فإن التفاعل بين هذه النظم الكيميائية، للشهوة والارتباط، معقدة ومتباينة. ولكن هناك بيانات ترجح أنه كلما كبر اثنان، مثل «فراولتين جميلتين على ساق واحدة»، فإن كيمياء الترابط تُثبط الشهوة. وهذا يفسر السبب وراء ميل الأزواج والزوجات، الذين استقروا في علاقة زواج طويلة المدى إلى قضاء وقت أقل في الفراش لممارسة الحب.٧٤

ولكن ماذا عن الرومانسية؟ كيف يؤثر الدوبامين «وقود الحب الرومانسي»، على مستويات الفازوبرسين والأوكسيتوسين، وسموم الدماغ للارتباط؟

هل مشاعر الاتحاد العميقة والارتباط تُحسن أم تخنق العاطفة الرومانسية والغرام؟

(١١) الرومانسية والارتباط

إن الطبيعة ليست منظمة، فهي تفضل الاختيارات، ولا توجد علاقة محددة بين الناقلات العصبية للرومانسية، وهرمونات «الترابط»، وكما يجب أن يقال في كل هذه التفاعلات الكيميائية، إنها تعتمد على أشياء كثيرة يستطيع كلٌّ من الدوبامين، والنوريبينفراين، تحت ظروف معينة، حفز إطلاق الأوكسيتوسين والفازوبرسين.٧٥ ويعزى إليها نمو مشاعر الارتباط. لكن زيادة مستويات الأوكسيتوسين (وهو ما يوجد في الرجال والنساء)، يمكنه أيضًا أن يتداخل، مع مسارات الدوبامين والنوايبينفراين بالدماغ، مقللًا من أثر هذه المواد المهيجة.٧٦ لهذا فإن كيمياء الارتباط يمكنها قمع كيمياء الغرام.

هناك اهتمام كبير وبالإثباتات القصصية عن هذه العلاقة الكيميائية السلبية، بين الارتباط من ناحية والحب الرومانسي من ناحية أخرى. فالناس حول العالم يقولون إن ابتهاج الحب الرومانسي، يخمد بمجرد الزواج، أو عندما تصبح العلاقة بين الطرفين ثابتة الخطى، مريحة وآمنة.

وقد يذهب البعض إلى طبيب نفسي، أو مرشد زواجي في محاولة منهم لإعادة بثِّ العاطفة الرومانسية في علاقتهم. ويبحث البعض عن هذه العواطف خارج نطاق العلاقة الزوجية. وقد يلجأ البعض للطلاق. في حين يستقر العديد من الناس، في علاقة شراكة طويلة المدى، خاوية من السعادة الرومانسية. أما أنا فلديَّ مشاعر مختلطة، عن هذه الطبيعة المحتومة التي تقررت.

أولًا، إذا استمر الحب الرومانسي، بلا نهاية، في علاقة ما، فسوف يموت الكثيرون منَّا، من الإرهاق الجنسي. لن نذهب للعمل في الوقت المحدد، أو نركز في أي شيء، إلا «هو» أو «هي». علاوة على ذلك، فمع نضج الحب الرومانسي، غالبًا ما يمتد ذلك إلى مئات من مشاعر الارتباط المعقدة، تلك التي تفي بإنتاج، اتحاد عاطفي معزز، وشيِّق ومعقد بشكل هائل، مع روح إنسان آخر.

في الوقت نفسه، أعتقد أنك تستطيع الاحتفاظ بلهب النشوة الرومانسية، حتى في علاقة مريحة طويلة المدى، كما سأشرح ذلك في الفصل الثامن.

ولكن، لكي تحافظ على هذا السحر، يجب عليك أن تلعب بعض الحيل في الدماغ. لماذا؟ لأن الحب الرومانسي لا يتطور لكي يساعدنا على الحفاظ على علاقة شراكة ثابتة وباقية. إنه تطور لسبب آخر كي يقود أسلاف الرجال والنساء لتفضيل واختيار وملاحقة شركاء تزاوج محددين، وحينما تبدأ عملية اللقاء، وتبقى على علاقة الجنسية، مخلصة له أو لها لمدة كافية، حتى يبدأ الحمل بالطفل. وبعد ميلاد هذا الطفل، وعلى الرغم من هذا، يصبح للآباء عدة جديدة من الكيميائيات، وشبكات الدماغ لتربية طفلهم كونها فريقًا، ألا وهي كيمياء الارتباط. نتيجة لذلك، فإن مشاعر الارتباط، غالبًا ما تؤدي لخفوت نشوة الرومانسية، وتحل محلَّه مع إحساس عميق بالاتحاد مع هذا الرفيق.

(١٢) تعريشة الحب

على الرغم من هذا المنحنى التطوري الهابط، والذي تتحول فيه العاطفة الرومانسية تدريجيًّا نحو مشاعر من الارتباط العميق، فإن دوائر الدماغ الثلاث، الشهوة والحب الرومانسي والارتباط، يمكنها أن تشتعلَ في أي رابطة كانت.

في التسلسل التقليدي بالمجتمعات الغربية المعاصرة، حين تُقابل امرأة أو رجلًا، تتحابان، تتضاحكان. تبدأ في المواعدة، تقع في الحب بسرعة، أو على مهل، مع تصاعد الصداقة الحميمة، سعيًا للهناء. تعصف بك الدوافع الجنسية لإقامة علاقة جنسية. ثم مع مرور الأشهر والسنين، من الأوقات السارة سويًّا، تجد أن عواطفك الرومانسية المستعرة، قد خفتَت، وجوعك الجنسي الخام بدأ في طريقه للزوال. وتستبدل بما أطلق عليه «تيودورريك»: الارتباط الدافئ، بعد التوهج.٧٧

وفي هذا السيناريو، فإن الحب الرومانسي يؤجِّج الشهوة، ثم مع مرور الوقت، تتوطد وتستقر هذه المشاعر الخام للغرام، وتصبح قوة للاتحاد العاطفي والالتزام. إن الشهوة، والرومانسية، والارتباط، يمكن لها أن تزورك في ترتيب آخر. فأنت قد تبدأ في الارتباط بشخص معين، تشعر نحوه بالرغبة الجنسية المحضة لأشهر قليلة بعدها، قد تمارس فيها العلاقة الجنسية بشكل متقطع. ثم في يوم ما، يتكون لديك شعور وسواسي نحوه، وتسقط في حبِّه أو حبِّها. ومع الوقت تُصبح غارقًا في مشاعر عميقة، وفي هذه الحالة تحديدًا نجد أن الشهوة قد سبقَت الرومانسية، التي تحركَت وأدَّت في النهاية إلى الارتباط.

هنالك أيضًا الثنائيات التي بدأت علاقاتها أولًا بمشاعر الارتباط، وسرعان ما تَصِل هذه العلاقات للاتحاد العاطفي في ساحات الجامعة، أو في المكتب، أو في دوائرهم الاجتماعية، أيًّا كانت، ليصبحوا أصدقاء. ومع الوقت يتحول هذا الارتباط إلى عاطفة رومانسية، والتي تعمل في النهاية على تأجيج الشهوة.

وللأسف، فإن العديد منَّا، لديه فترات من حياته، يجد أن هذه الدوافع الثلاثة (الشهوة، والحب الرومانسي، والارتباط)، لا تتركز على الشخص نفسه. ويبدو أنه مقدر للإنسان، أن يكون قادرًا عصبيًّا،٧٨ على حب أكثر من شخص، في الوقت نفسه. فتستطيع أن تشعر بارتباط عميق، لعلاقة طويلة مع شريك، أو زوج/زوجة. بينما تشعر بعاطفة رومانسية لشخص آخر في المكتب، أو في دائرتك الاجتماعية، بينما تشعر بالرغبة الجنسية، حين تقرأ كتابًا، أو تشاهد فيلمًا، أو تفعل أشياء أخرى مختلفة، لا علاقة لها بالاثنين السابقين. أو ربما حتى تتأرجح بين هذه المشاعر وبعضها.

في الحقيقة، أنك حين تستلقي في ظلام الليل، يمكن أن تجتاحك مشاعرُ الارتباط لشريكك، وبعد ثوانٍ تشعر بعاطفة رومانسية مجنونة لشخص آخر قابلته للتوِّ، ثم تصبح مدركًا لشوق جنسي، لتخيل ليس له علاقة بأي شخص آخر يحتل دماغك. إن هذه الدوائر الثلاث الموجودة في الدماغ، تشتعل بشكل تفاعلي، ومستقل؛ فقد تشعر كما لو أن لديك اجتماعَ لجنة ثلاثية في دماغك.

«الحب متوحش»، كما تقول الأغنية. الشهوة والحب الرومانسي، ومشاعر الارتباط العميق، يمكن أن تُداهمَك بهذا الشكل المختلف، والتركيب اللامتوقع، بحيث أصبح العديد من الناس يؤمنون بأن امتزاج المشاعر التي تجرُّك إلى الأخرى، شيءٌ غامض ومبهم ومحيِّر، وربما حتى مرسل من السماء.

ولكن بمجرد أن تبدأ في تصور أن الشهوة الحب الرومانسي، والارتباط، باعتبارها ثلاثة دوافع محددة للتزاوج، كلٌّ منهم يُنتج العديد من المشاعر المتدرجة، التي تمتزج وتعود لتنفك، بطرق مختلفة لا تُعدُّ ولا تُحصى، يصبح الحب واقعًا ملموسًا. حتى تلك التي أبدعها الإغريق، يصبح لها معنى.

(١٣) أنواع الحب

كان الإغريق القدماء هم سادة العالم في الفحص الدقيق، والتمحيص للأنواع المختلفة للحب. لقد كان لديهم أكثر من عشر كلمات، للتفريق بين الأنواع المختلفة.

وقد قلص السيكولوجي «جون آلان كي» هذه التقسيمات إلى ستة تقسيمات.٧٩ ولكن بالنسبة لعقلي، يبدو كلٌّ منها بوصفه توليفة مختلفة للدوائر الثلاث الأساسية للتزاوج بالدماغ، وهي: الشهوة، والحب الرومانسي، والارتباط.
«إيروس» Eros، هو الأشهر بين هذه التقسيمات، وهو الشغف، والإثارة الجنسية، واللعوب، والحب ذو الطاقة العالية، لشريك مميز جدًّا، أعتقد أن «إيروس» هو اتحاد الشهوة مع الحب الرومانسي.
«الهوس» Mania هو الحب الاستحواذي، والوسواسي، واللامبرر، والاعتمادي. ويصبح معظم الناس وسواسيِّين، وغير منطقيِّين، واستحواذيِّين، حين يقعون في الحب والشغف.
«اللعبة» Ludus، (قوافي بروتس)، إنها الكلمة اللاتينية، التي تعني اللعب. فهذا هو الحب اللعوب، غير الجاد، اللاملتزم، المنفصل. ويتمكن هؤلاء المحبون من توزيعِ حبِّهم على أكثر من شخص واحد، في الوقت نفسه.

بالنسبة لهم، الحب مسرح، نوع من الفن، هذا الحب اللعبة، نوع مركب من الشهوة المتوسطة، مع المرح والعبث، والاستهتار.

«ستورج» Storge، (أناشيد مع أكثر من واحد) إنه حبُّ المؤانسة الودود الأخوي، وحسُّ الصداقة. إنه علاقة عميقة من الصداقة المميزة، التي تخلو من استعراض المشاعر. ويحبِّذ هؤلاء الأشخاص الحديثَ عن اهتماماتهم، بدلًا من مشاعرهم. إنه «حب بلا «حرارة» أو «حماقة»»، كما وصفه «برويدون»، وبالنسبة لي، «ستورج» هو نوع من أنواع الارتباط.
«المدهش Agape» هو حبٌّ روحاني غالبًا، زاهد، عطَّاء، غير أناني، وهو نوع آخر من «الارتباط». ويعتبر هؤلاء المحبون مشاعرهم واجبًا وليس شغفًا. حتى إن بعضهم على استعداد لأن يوقف هذه العلاقة، إذا كان ذلك الأفضل لمحبوبهم، وسوف يستسلمون بكل ترحيب، لمنافس ما.
وأخيرًا الواقعي، «البراجما» Pragma وهو حبٌّ يقوم على التوافق والانسجام، والإحساس العام. إنه حبُّ «قائمة التسوق»، هؤلاء المحبون النفعيون، لديهم «نوتة» أو سجل، إنهم يتطلعون إلى علاوات هذه العلاقة، وعيوبها، بالنسبة إليهم علاقة الصداقة، هي حجر الزاوية في هذه العلاقة، وأنا لا أعتبر البراجما، أو النفعية، حبًّا على الإطلاق.
وتهتم الأبحاث النفسية، اهتمامًا كبيرًا، بأنواع الحب، وكذلك بمكونات الحب المتعددة، وطرق الحب.٨٠ وأحد مفاهيم الحب المشهورة، بين علماء الاجتماع المعاصرين، تعود للإخصائي النفسي «روبرتستينبرج». لقد قسم الحب، إلى ثلاثة مكونات أساسية:
  • (١)
    الشغف Passion، ويشمل الرومانسية، الانجذاب الجسدي، والاشتياق الجنسي.
  • (٢)
    الحميمية Intemacy، وتضم كل مشاعر الدفء، الالتصاق، التواصل، والارتباط.
  • (٣)
    القرار/الالتزام Decision/Commitment، القرار بأن تحبَّ شخصًا ما، والالتزام بمواصلة هذا الحب.٨١
ويرى «ستينبرج» أن الهيام Infatuation يتكون من الشغف فقط، في حين أن الحب الرومانسي هو عبارة عن شغف وحميمية.
أما الحب الكامل Consummate Love، فيتكون من شغف، حميمية، والتزام. وهناك حب المؤانسة Companionate Love، والذي يقوم على الحميمية والالتزام، ولكنه يخلو من الشغف.
أما الحب الخالي Empty Love، فيتمتع بخاصية الالتزام فقط، وقد يُبدي الشخص إيماءات الحب، ولكن مشاعر الالتزام فقط، هي ما تدعم هذه العلاقة. أما الإعجاب Liking، فينشأ على أساس الحميمية، وفيه لا يشعر الإنسان، بالشغف أو الالتزام. وهناك الحب الأحمق Fatuous Love، وفيه الكثير من الشغف والالتزام، ولكنه يخلو من الحميمية.

(١٤) السيمفونية المجنونة للرومانسية

«الحب مثل نسيج من المتناقضات، ويوجد في العديد من الأشكال والظلال، إلى درجة أنك تستطيع وصفه، بأي وصف، يروق لك، وفي الأغلب سيبدو صحيحًا.» هكذا ادعى عالم السلوكيات، الخاص بالملكة «فيكتوريا»، «سير هنري فينك».٨٢

والحب الرومانسي له بالتأكيد عدة تنويعات، فضلًا عن علاقات معقدة، ومتعددة، وغريبة. الدوافع التكاثرية، الشهوة، والارتباط. إن الحب هو سيمفونية المشاعر، مع العديد من النوَت، والنغمات الموسيقية.

ولكي تجعل الموضوع أكثرَ تعقيدًا، فإن شبكات الدماغ للحب الرومانسي تختلط مع معظم أجهزة الدماغ الأخرى، ومع شباك الدوافع الأساسية الأخرى. فضلًا عن المشاعر المتعددة، والذكريات، والأفكار. كلُّ هذه المكونات تُضيف عمقًا رائعًا، وفروقًا ضئيلة، وهي التوابل لمشاعرنا الرومانسية.

وتنتمي مشاعرنا بلا شك، إلى الشغف الرومانسي، حيث تقع المشاعر الإنسانية على مدار درجات متصلة، بدءًا من المشاعر الأساسية، التي يصعب إخفاؤها (مثل الاشمئزاز)، إلى هذه التي يسهل إخفاؤها (مثل الحسد). والمشاعر الإنسانية لدى الإنسان، كونية، متوارثة، لا إرادية، يتم التعبير عنها بسرعة، وتبدو في أيِّ مكان بنفس تعبيرات الوجه، يصعب تمثيلها، وغالبًا ما يصعب السيطرة عليها.٨٣ من ضمنها مشاعر الخوف، والغضب، والفرح، والحزن، والاشمئزاز، وأخيرًا الدهشة.

وبلا شك تستولي رغبة الحب على كلِّ هذه المشاعر الأساسية في وقت أو آخر. ففي الوقت الذي تنتابك فيه رغبةٌ ملحَّة في الاتصال بمحبوبك، تُصبح رهينةً لمشاعر الخوف، من خروج محبوبك، مع منافسك. ثم يملؤك الفرح، إذا ردَّ على اتصالك، وقال «أُحبَّك». ثم تُلكمك الدهشة والامتعاض، حين يلغي محبوبُك موعدًا للعشاء، كنتما قد خططتما له سويًّا.

ويرتبط الحبُّ الرومانسي بمشاعر أكثر تعقيدًا، مثل الاحترام، الإعجاب، الإخلاص، التقدير، التعاطف، التوجس، الرهبة، الحياء، الحنين إلى شيء ما، الأسف والندم، وصولًا لمشاعر الإحساس بالعدل والتي أطلق عليها الفيلسوف «ديلان إيفانز» اسمَ «العواطف المعرفية العليا».٨٤ وذلك لأنها لا تتفاعل سريعًا، أو تتصاحب مع عادات مميزة ومحددة للوجه، ويعبر الناس في المجتمعات المختلفة عن أنفسهم بطرق مختلفة. وغالبًا ما يتمتع الرجل والمرأة بالقدرة على إخفاء هذه المشاعر؛ فنحن نبحر في عشرات من هذه المشاعر المركبة حينما نكابد الحب الرومانسي.
فنجد أن كلًّا من البهجة، الهدوء، التوتر، القناعة، القلق، الألم الخفيف، الاستمتاع الخفيف، وباقي الحالات الجسدية العامة تساهم هي الأخرى في تكوين الحب الرومانسي، كما وصفها عالم الأعصاب «أنتونيو داماسيو»، هذه المشاعر الخلفية توفر صورة طبيعية للجسم، والمزاج المستمر الذي يصاحبنا، باعتبارها مشاعر قوية، ودوافع تنحسر حينًا وتثور في أحيان أخرى.٨٥

من حين لآخر، فإن حالات هذه المشاعر الخلفية تندفع لعقلك الواعي، لكن هذا التيار الخفي الثابت، من القلق والألم والبهجة، بالتأكيد يلون مشاعرك للمحبوب.

هذه التعريشة من المشاعر والدوافع لها القدرة العليا على أن تأمر الدماغ، فعلى سبيل المثال يتغلب الخوف على الفرح، وتخنق الغيرة الحنان. إن وضع الأشياء بجوار بعضها البعض يتشعب ويتعدد، لكن في هذا الأمر، من مشاعر أساسية ومركبة، والمشاعر في الخلفية، والدوافع القوية، يقبع الحب الرومانسي في مكان مميز، قريبًا من الذروة في الأعالي.

الحب الرومانسي يمكنه السيطرة على دوافع الأكل والنوم. يمكنه خلق الخوف، الغضب، الاشمئزاز. يمكنه الهيمنة على أحاسيس الواجب تجاه الأسرة والأصدقاء، لديه القدرة على الانتصار على نزوات الحياة، وكما قال «كيتس»: «يمكنني الموت من أجلك.» وكما قالت «إليزابيث باريت براوننج»: «كيف يمكنني حبُّك؟ دعني أُعدِّد لك الطرق.»

هناك العديد من الطرق، مثل نغمات البيانو. إن شعور الشغف الرومانسي يتناغم مع أعداد لا تُحصى من المشاعر الأخرى، الدوافع، والأفكار، لكي تخلق نغمات مختلفة، علاوة على ذلك، كلٌّ منَّا له التركيبة المختلفة إلى حدٍّ ما؛ فالبعض مؤهل للسعادة، وآخرون مؤهلون للهدوء، أو القلق، أو الخوف، أو الغضب. بعض الناس فضولي بشكل نَهِم، والبعض الآخر يتسلَّون بشكل مدهش. يذكر العلماء أن ٥٪ من طباعنا تُورَث، والباقي يتشكل بالتربية والبيئة. ولكننا نتشارك كلنا في الشيء العجيب نفسه الجهنمي المسمى «الحب الرومانسي»

كيف نقوم، بالصيد في بحر الإنسانية المختلف، كي نجد «الآخر المميز»؟ وما الذي يدعونا كي نختاره؟

(١٥) أعلام الفصل الرابع

أبولو Apollo: إلهٌ إغريقي قديم من آلهة جبال الأوليمب، وهو إله النور والشمس والحقيقة والنبوءة والطب والاستشفاء، إله الموسيقى والحرث، ويملك جمالًا ورجولة خالدة حسب المعتقد الميثولوجي اليوناني القديم.
أوجدين ناش Ogden Nash (١٩٠٢–١٩٧١م): كاتب أمريكي شهير بالمؤلفات الساخرة.
توني هوجلاند Tony Hogland: شاعر أمريكي معاصر وُلد في ١٩٥٣م.
ماثيو أرنولد Mathew Arnold (١٨٢٢–١٨٨٨م): كاتب إنجليزي من العصر الفيكتوري.
جون باولبي John Bowlby (١٩٠٣–١٩٩٠م): عالم نفس وصاحب نظرية الارتباط.
تيودورريك Theodore Reik(١٨٨٠–١٩٦٩م): محلل نفسي يهودي وألماني الأصل، أحد تلاميذ فرويد، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٣٨م هربًا من الحكم النازي بألمانيا.
بيير جوزيف برودون Pierre Joseph Proudhon (١٨٠٩–١٨٦٥م): فوضوي أمريكي.
هنري فينك Sir Henery Finck (١٨٥٤–١٩٢٦م): فيلسوف أمريكي، من مؤلفاته «الحب الرومانسي والجمال الشخصي».
أوفيد Ovid (وُلد حوالي ٤٣ق.م.): شاعر روماني شهير وله أشعار شهيرة عن الحب.
بابلو نيرودا Pablo Neruda (١٩٠٤–١٩٧٣م): شاعر شيلي الكبير، حصل على جائزة نوبل للأدب عام ١٩٧١م.
ديلان إيفانز Dylan Evans: فيلسوف معاصر وُلد في بريستول بإنجلترا عام ١٩٦٦م، وكانت آخر إصداراته عام ٢٠٠٤م كتاب العاطفة والتطور والتبرير.
إليزابيث باريت برونينج Elizabeth Barrett Browning (١٨٠٦–١٨٦١م): واحدة من أهم شعراء العصر الفيكتوري، وكانت ذائعة الصيت في إنجلترا والولايات المتحدة وتوفيت بإيطاليا.
جون أدامز John Adams (١٧٣٥–١٨٢٦م): ثاني رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤