الفصل الخامس

الفرحة الغامرة الأولى

مَن نختار؟
في مكان ما، في عالمنا هذا
تنتظر روحٌ وحيدة روحًا وحيدة أخرى.
كلٌّ تطاردُ الأخرى طوال الساعات المُجهَدة،
ثم يكون اللقاءُ على نحو غريب ليتحقق الهدف المباغت،
ثم يمتزجان مثلما تمتزجُ الأوراق الخُضرُ بالزهور الذهبية،
في كلِّ واحدٍ جميل ومتقن.
وتنتهي ليلة الحياة الطويلة، والطريق
يرقدُ ممتدًّا للأمام يقود إلى النهار الأبدي.
سير إدوين أرنولد
«في مكان ما»١

هكذا فكر «ريتشارد بيرتون» حينما رأى لأول مرة صاحبةَ التسعة عشر ربيعًا «إليزابيث تايلور» لماذا يمشي رجل إلى غرفة مملوءة بنساء جذابات، يتحدث إلى الكثيرات، ثم يقع (زرع بصل) في حب واحدة، ولماذا امرأة لها خطَّاب كثيرون، ترى رجلًا لدقائق معدودة، قبل أن تشتعل دوائر مخها بعاطفة رومانسية؟ لماذا يشعل شخص واحد هذه الدوائر البدائية بالمخ، بينما أحد آخر يعتبر نموذجًا لإنسان حبوب، لا يحرك شعرة فينا.

لماذا هو؟ ولماذا هي؟

(١) التوقيت

سأل «يسيت»: «كيف لنا أن نعرف الراقص من الرقصة؟» ربما اكتُسِحت بشخص ما في حفلة، أو بالمكتب، أو على الشاطئ، ثم تساءلت أخيرًا، هل قبضت على اللحظة المثيرة؟ رغبتك الجامحة لأن تُحِب وأن تُحَب أفقدَتك رؤيتك، حوَّلت الضفدع إلى أمير أو أميرة. وسيختلط الراقص بالرقصة.

سيقدح زناد الحب في وقت لا تتوقعه، بمحض الصدفة البحتة. والشريك المثالي قد يجلس بجوارك في إحدى الحفلات، وربما لم تُعِره/تُعِرها اهتمامًا، إذا كنت مشغولًا بشكل غير طبيعي بالعمل أو الدراسة، أو مستغرقًا في علاقة أخرى، أو بشكل أو بآخر مشغولًا عاطفيًّا.

لكن إذا دخلتَ الكلية توًّا أو انتقلتَ لمدينة جديدة، أو تعافيتَ من علاقة عاطفية فاشلة، أو بدأتَ في جَنْي المزيد من المال، لترفعَ من مستوى الأسرة. لو كنتَ وحيدًا أو تُعاني من خبرة حياتية صعبة، أو لديك وقتُ فراغ كبير، فأنت عرضةٌ لأن تقع في الحب.٢
في الواقع فإن الناس الذين يُثارون عاطفيًّا، يصبحون كذلك بالفكاهة، الحزن، القلق، الخوف، حب الاستطلاع، أو أي مشاعر أخرى، فإنهم عرضة لهذا الغرام.٣

لقد استنتجت ذلك؛ لأن كل حالات الانفعال للعقل تكون متصاحبة مع إثارة الميكانزمات بالمخ، ومن ثَم زيادة إفراز مستويات هرمونات الضغوط.

وكلا الجهازين يرفعان مستوى الدوبامين، الذي بدوره يُهيِّئ كيمياء الغرام الرومانسي.

(٢) القرب

«آه لقد التقطت السحر في قربها.» كتب هذا الشاعر «عزرا باوند»، محقًّا تمامًا؛ فالقرب يمكن أن يُشعل هذه الفرحة الغامرة في حياة الإنسان، فنحن في الحقيقة نميل لأن نختار مَن هم حولنا.٤ وهو ما عبر عنه «تيري» بكل رشاقة، وهو رجل كندي كتب لي حديثًا رسالة إلكترونية، وقال فيها:

«عزيزتي دكتورة فيشر، في السنوات التي كنت أواعد فيها الأخريات، كان لديَّ توقعات للمرأة التي سوف أتزوجها، يجب أن تكون كذا وكذا … ما كنت أبحث عنه كان الجمال، والرعاية، امرأة ليست أنانية، ولها أهداف رائعة، ووجدتها بعد ذلك بالنص تعيش خلف منزلي، لم تكن صفاتها ما كنت «أتوقعه»، لكن بدأنا التعارف واللقاءات، وعشنا معا، امتلأنا بالحب وتزوجنا بعدها بعام. إنه الآن العام الخامس عشر وعلاقتنا تنمو بشكل رائع، ولا تزال تنمو كل يوم. أعتقد أنني أريد أن أقول، خذ خطوة للخلف وانظر حولك، لا تغفل أيَّ تفصيلة، ربما تكون توءم روحك أقرب مما تعتقد.»

هنالك العديد من القوى الخفية، تلعب دورًا فيمن تختار، من بين هؤلاء: الغموض.

(٣) الغموض

غالبًا ما ينجذب كلا الجنسين لهؤلاء الغامضين. وكما كتب بودلير: «إننا نحب المرأة التي تتناسب مع درجة غرابتها عنَّا.»

إن الشعور بأن الشخص يُمسك بقبضة زلقة على شيء مراوغ، والشعور بأنها مغامرة بعيدة الاحتمال من شأن هذا أن يُشعل الغرام الرومانسي، والعكس صحيح؛ فإن معرفة الشخص يمكن لها أن تُخمدَ أفكار الحب الرومانسي.

مثال: كما أظهرت الحياة في الكيبوتزات الإسرائيلية، فإن الأطفال الذين نموا معًا في منزل مشترك، حيث يعيشون، ينامون، ويستحمون معًا، ومع الشباب الآخرين من كل الأعمار. تلامس الأولاد والبنات ولعبوا معًا، ومع بلوغ سن الثانية عشرة، على الرغم من ذلك، صاروا عصبيِّين مع بعضهم البعض. ثم مع سنِّ البلوغ نمَت بينهم علاقة أخوة قوية (بين الأولاد والبنات). ولكن لا أحد من هؤلاء بدأ حياته في هذا المهد، تزوج من الآخر الذي نشأ معه في الكيبوتز.

لهذا فإن العلماء يعتقدون الآن بأنه في سنٍّ حرجة من الطفولة (أحيانًا من سن الثالثة إلى السادسة)، فإن الأولاد والبنات الذين يعيشون في قرب شديد، وأصبحوا يعرفون بعضهم جيدًا، يفقدون القدرة — فيما بعد — على الوقوع في حب بعضهم البعض.

هذا المقت أو الاشمئزاز من مواعدة الأقرباء، شائعٌ في الثدييات؛ فتقريبًا معظم الأفراد من كل الأنواع المسجلة لديها هذه الكراهية، لا تتزاوج من الآخرين المقربين منهم جدًّا، ويفضلون مواعدة الأغراب.

لهذا فإن الذكور (أو الإناث)، غالبًا ما تهجر المنزل وقت البلوغ، حتى تجد الشريك الجنسي في مجموعات أخرى.

وإذا ظل ذكَرٌ صغير في مجتمعه الأصلي، كما تفعل ذكور قردة ريسس،٥ فإنه دائمًا ما يتصرف بوصفه طفلًا حول أمه، فيلتصق بأحضان حبيبة القلب، بدلًا من مغازلتها ليتزاوجوا. وفي حالة مثبتة لغشيان المحارم في الشمبانزي، قامت أنثى هي أخت لذكَر شمبانزي، بصدِّ محاولته بعنف، بالصراخ والضرب، وعضه قبل أن تبتعد وتهرب.

لقد ورث كلٌّ منَّا هذه الكراهية للتزاوج مع أعضاء الأسرة المقربين، وبعض الأفراد الذين نعرفهم جيدًا، هذا النفور تطوَّر بلا شك ليُثنيَنا عن الفعل الهدام لاختلاط «دي إن إيه – أو الأمشاج الجينية» مع أقرباء ملاصقين لنا، ونتيجة لهذا فنحن أقرب لأن ننجذب لشخص آخر من خارج محيط العائلة، أو المجموعة التي نشأنا بها، شخص لديه لمسة السحر والغموض.

حَبَتنا الطبيعة بتوصيلات بالمخ كي نجدَ إثارة مع الغرباء. الأشخاص الغامضون جدد، والجدة تتصاحب مع زيادة مستويات الدوبامين، الناقل العصبي للرومانسية.

(٤) هل المتناقضات تتجاذب؟

على الرغم من هذا، فإن الحب الرومانسي، الذي أطلق عليه «روبرت براونينج»: «أول نشوة طائشة جميلة»، تتوجه عامة نحو شخص يُشبه ذواتنا كثيرًا. معظم الناس حول العالم يشعرون بكيمياء الحب والغرام، مع شخص غير معروف، ومن خلفية العرق نفسها، المستوى الاجتماعي، الديانة، المستوى التعليمي والاقتصادي.

لديه قدرٌ مناسب من الجاذبية الجسدية، ومقارب في الذكاء، ومتشابه بالتوجهات، والتوقعات، والقِيَم، وكذلك الاهتمامات، والمهارات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين.٦
واقعيًّا، في دراسة حديثة عن اختيار الرفقاء بأمريكا، فإن «بيتر بستون»، و«ستيفن إملين» المتخصصَين في البيولوجيا التطورية قررَا أن الرجال والنساء صغار السن، يفكرون في أنفسهم، باعتبارهم أصنافًا محددة، وبوصفهم شركاء للزواج، ويختارون الناس بالسمات نفسها، بدءًا من التقييم المادي والجسدي، حتى تعقيدات الشخصية.٧

على سبيل المثال، إذا نعمت امرأة بدعم مالي موثوق، فإنها تبحث عن آخر من الطبقة الأعلى، والرجال الوِسام يبحثون عن امرأة جميلة، وهؤلاء المتفرغون للأسرة والإخلاص الجنسي يختارون أشخاصًا بهذه الصفات. كأن المرآة تتكلم.

ينجذب أيضًا كلٌّ من الرجال والنساء للمحبين الذين يشاركونهم نزعتَهم الفكاهية، وإلى هؤلاء الذين لديهم القِيَم الاجتماعية والسياسية نفسها، وللأشخاص الذين لديهم الاعتقادات نفسها في الحياة بشكل عام.٨
كما استقر العلماء بشكل لافت للنظر، على أن العديد من هذه السمات، بما فيها اهتماماتك بالعمل، وما تفعله في ساعات الفراغ، والعديد من اهتماماتك الاجتماعية، حتى قوة إيمانك بالله، تتأثر بجيناتك.٩ لهذا فإن الأنواع الجينية تتجاذب لبعضها البعض، نحن إذن نميل لأن ننجذب لهؤلاء الناس الذين يُشبهوننا.

يُطلق الأنثروبولوجيون (دارسو علوم الإنسان) على هذا الميل الإنساني للانجذاب لشخص ما يُشبهنا «التزاوج اللائق الإيجابي، أو اللياقة المتطابقة».

إن نوعًا محددًا من الأشخاص تختاره، وبالرغم من أن هذا قد تغيَّر بعض الشيء حيث يرى العالم تزاوجًا بين الأعراق أكثر من ذي قبل، فعلى سبيل المثال، زادَت الزيجات بين الأعراق المختلفة ٨٠٠٪ في الولايات المتحدة، منذ ١٩٦٠م.١٠ لكن حتى في زمن القرية العالمية. فإن النار ما زالت تشتعل، على وجه الخصوص، في العقول حينما تقابل رجلًا او امرأة، لا تعرفهم وتقريبًا يتشابهون معك عرقيًّا، واجتماعيًّا، وذهنيًّا.
كانجذابنا للأشخاص غير المعروفين لنا، هذا التفضيل للشركاء الذين يماثلوننا في الأغلب هي أمتعة تطورية. لماذا؟ لأن الجنين وأمه يعتبران جانبًا لبعضهما البعض، وإذا تشاركا في البنية الكيميائية نفسها، فإن الأم ستشعر بوقت أيسر، وهي تحمل طفلها في رحمها. واقعيًّا فإن الأزواج المتشابهين جينيًّا يواجهون الإجهاض التلقائي بشكل أقل من غيرهم، ويحملون ويُنجبون أطفالًا أكثر صحة كذلك.١١

على الرغم من ذلك إنْ نتشابه بدرجة كبيرة، فليس شيئًا ذا ميزة. ويبدو أن الإنسان قد طوَّر ميكانزما عقليًّا واحدًا على الأقل، كي يطمئنَّ أننا اخترنا الشريك المختلف قليلًا، كيميائيًّا على الأقل.

هذا الكشف نجمَ عمَّا أصبح يُعرف باسم تجربة «القميص العرقان»؛ حيث طلب من النساء شم قمصان رجال مشبعة برائحة عرقهم، ليرَين أيها الأكثر إثارة جنسية، في اعتقادهن. ووجد أنهن اخترن قميصًا لرجل يتمتع بجهاز مناعة غير متماثل، ولكنْ متوافق مع ما لديهن.١٢ لقد انجذبت هؤلاء النساء بشكل لا شعوري لأفراد يستطيعون مساعدتهن لإنتاج صغار أكثر تنوعًا.

إذن المتناقضون ينجذبون، في حدود دوائر العِرق، والمجتمع، والتفكير المميزة لنا.

(٥) التماثل: «المتوسط الذهبي»

تذوُّق بيولوجي آخر توارثناه من المملكة الحيوانية، ألا وهو ميلُنا لاختيار الرفيق المتناسب. التناسق الجسدي يساعد في إشعال الحب الرومانسي.

كما سنَّ الإغريق القدامى هذه النظرية، غالبًا قبل ألف وخمسمائة عام مضَت، فإن «أرسطو طاليس» ذكر أن هناك مقاييسَ عالميةً للجمال الجسدي. أحدها، كما اعتقد أرسطو، هي التوازن الجسدي، بما فيها التناسق والتماثل، هذا يتفق مع احترامه الفائق لما أسماه «المتوسط الذهبي»، أو الوسطية بين الشيئين المتطرفين.

وقد دعَّم العلم الحديث نظرية «أرسطو طاليس»، وأقرَّ بأن التماثل جمال للحشرات، والطيور، والثدييات، وكل الزواحف، وكل الناس حول العالم.١٣

أنثى العقرب تطير بحثًا عن شريك للتزاوج بأجنحة موحدة. طيور السنونو تفضِّل الشريك ذا الذيل المتناسب، القردة تتفق جزئيًّا على تناسق الأسنان.

وإذا سرتَ أنت في قرية بغينيا الجديدة، وأشرتَ إلى الرجل الأجمل أو المرأة الجالسة بجوار النار، فإن السكان الأصليين سوف يوافقونك الرأي.١٤
وحينما استُعملت الآلات الحاسبة (الكمبيوتر)، في الأبحاث ليولفَ وجوهًا عديدة لتركيب وجه «متوسط»، فضَّل كلٌّ من الرجال والنساء الوجهَ المتوسط أكثر من وجه شخص آخر.١٥
لقد كان أكثرَ توازنًا، حتى إن وليدًا عمره شهران فقط، حدَّق أطول في الوجوه الأكثر اتساقًا.١٦

«الجمال حقيقة، والحقيقة جمال.» هكذا كتب كيتس في قصيدة «أغنية في جرة يونانية»، وكلمات كيتس تحمل الكثير من الالتباس، لكن يثبت في النهاية أن الجمال والتماثل حقيقة أساسية.

الكائنات ذات التوازن، وبنِسَب متناسقة في الآذان، والعيون، والأسنان، والفكَّين، مع تماثل المرفقين، الركبتين، والثديَين، لديهم القدرة على صدِّ البكتيريا والفيروسات، والمفترسات الأخرى الدقيقة، التي تغزونا، والتي تسبِّب تشوُّهَ الجسم وعدمَ تناسقه.

وباستعراض التماثل في شكلها، تُعلن الحيوانات قدرتَها الجينية العالية، على القضاء على الأمراض.١٧
لهذا فإن انجذابنا الإنساني للخُطَّاب ذوي التماثل، هو ميكانيزم حيواني بدائي، صُمِّم لكي يقودَنا لاختيار الشركاء الأقوياء جينيًّا للزواج.١٨
ولم تترك الطبيعة شيئًا للصدفة؛ فالمخ يستجيب تلقائيًّا للوجه الجميل، وحينما سجل العلماء نشاط المخ لرجال «لديهم ميول جنسية للنساء»، وتتراوح أعمارهم بين الحادية والعشرين، إلى الخامسة والثلاثين، أثناء نظرهم إلى وجوه نساء جميلات، وجد العلماء أن منطقة السقيفة الباطنية بالمخ Ventral Tegmental Area (VTA) قد أضاءت.١٩
ردُّ فعل شبيه بذلك يحدث في دراستنا بالأشعة؛ فالعينة التي حملقت في صور شركاء ذوي طلة أجمل، أظهروا نشاطًا زائدًا في المنطقة نفسهاVTA، وهذه المنطقة غنية بالدوبامين، وهو الناقل العصبي الذي يوفر الطاقة، والبهجة، والانتباه المركز، والدافعية للفوز بمكافأة.
وليس مستغربًا أن نجد أن الرجال والنساء المتماثلين في شكلهم، غالبًا ما يكون لديهم العديد من الخُطَّاب، كي يختاروا منهم. والنتيجة، نجد أن المرأة الفائقة الجمال، تميل إلى الزواج من رجل ذي مكانة أعلى.٢٠ جاكلين كينيدي وزواجها من المليونير أوناسيس، تمثِّل نموذجًا ذهبيًّا لهذه العملية التناسبية.
الرجال ذوو التماثل العالي، لديهم أيضًا هذه العلاوة التناسلية، فهم يبدءون علاقات جنسية، قد تصل لأربع سنوات، مبكرًا عن هؤلاء الأقران غير المتماثلين. ونجد لدى هؤلاء الرجال العديدَ من الشركاء الجنسيِّين، وعلاقات جنسية غير مشروعة أكثر من غيرهم.٢١
كذلك المرأة أيضًا، تصل لهزة الجماع، مرات أكثر مع هؤلاء الرجال.٢٢
حتى لو كانت هذه العلاقة غير مشبعة عاطفيًّا لهن، وحينما تختبر المرأة هزة الجماع، مع رجل متناسق فإن انقباضاتها تمتص عددًا أكبر من حيواناته المنوية.٢٣
لقد اعتبرتُ أنا حدوث هذه الاستجابة الجنسية، حيث تنظر المرأة لحبيبها الجميل المتماثل، تُفرز منطقة السقيفة الباطنية VTA في مخها، مادة الدوبامين، التي (في سلسلة من التفاعلات) تُطلق هرمون التيستيستيرون، وتُحسن من الاستجابة الجنسية.

وحيث يحسن التماثل، اختيارات الشخص في لعبة التزاوج، تلجأ المرأة إلى الأحوال اللاعادية، كي تحقق ذلك أو على الأقل تُشبه ذلك. بالمساحيق يتمكَّن من جعل جانبَي الوجه أكثر تماثلًا، وعن طريق الماسكرا، وتحديد العيون بالقلم، يجعل عيونهن تظهر أكثر تساويًا، وبملمع الشفاة يحسنَّ إحدى الشفتين، لتلائم الأخرى، وبجراحات التجميل، والرياضة، والأحزمة، حمالات الصدر، الجينز الضيق، والقمصان، يحسنَّ من هيأتهن، ويخلقنَ المقاسات المتناسبة، التي يُفضلها الرجال.

الطبيعة أيضًا تساعد. فلقد وجد العلماء أن أيدي النساء وآذانهن، أكثر تماثلًا أثناء التبويض الشهري — وهو وقت مهم للتكاثر — كي تجتذب الرجل.٢٤ ويصبح كذلك ثديا المرأة أكثر تماثلًا أيضًا أثناء فترة التبويض.٢٥ علاوة على ذلك، فإن صغار الرجال والنساء، غالبًا ما يبدو فيهم التماثل، يُصبحون أكثر ميلًا مع تقدم العمر يظهر عدم التماثل.

(٦) نسبة الوسط إلى الحوض

المتوسط الذهبي للتوازن، يطبق كذلك على الأعضاء الجسمانية الأخرى. بالنسبة لمجموعة من الرجال الأمريكيين، عرض الإخصائي النفسي الأمريكي «دفيندرا سينج» مجموعة من الصور لنساء وشابات، وسأل أي أنواع من تقاسيم الجسد يعتبر وجودها الأكثر جاذبية بالنسبة لهن،٢٦ واختار الأغلبية، النساء التي كان محيط خصرهن، يمثل حوالي ٧٠٪ من محيط حوضهن.

لقد أعيدت هذه التجربة في بريطانيا، ألمانيا، أستراليا، الهند، وأوغندا، وكذلك العديد من الدول الأخرى. واختلفت الاستجابات، ولكن كثيرًا من الرجال، فضلوا النسبة العامة نفسها لمحيط الخصر والحوض.

وحينما قاس «سينج» نسبةَ الوسط إلى الحوض ﻟ ٢٨٦ تمثالًا قديمًا من عدة قبائل أفريقية، وكذلك من الهند القديمة، ومصر، واليونان، وروما، وجد أن جميعهم فضَّلوا نسبة كانت أصغر في المرأة عنها في الرجل.

وفي دراسة عن ٣٣٠ عملًا فنيًّا بأوروبا، وآسيا، والأمريكتين، وأفريقيا، يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل ألفي عام، وجد العلماء أن معظم النساء رُسمت بنفس نسب الخصر إلى الحوض السابقة.٢٧

ومن المثير للاهتمام أن مجلة بلاي بوي الشهيرة، عرضَت الأبعاد نفسها أيضًا. وحتى «تويجي»، الموديل النحيفة الأكثر شهرة لعام ١٩٦٠م، كان لديها نسبة الخصر نفسها إلى الحوض تمامًا، وهي ٧٠٪.

إن نسبة الخصر/الحوض للنساء، تُورث بشكل كبير، فهي نتيجة الجينات، علاوة على ذلك، وبالرغم من أنها تتباين من امرأة إلى أخرى، فإن هذه النسبة تتعدل في أثناء التبويض، لتصبح أكثرَ قربًا من ٧٠٪.

لماذا تلجأ الطبيعة إلى هذه الأبعاد المدهشة لتبرز انحناءات المرأة؟ ولماذا يعجب الرجال حول العالم بهذه النسب المحددة للخصر/الحوض في المرأة؟

أغلب الظن أن الغرض تطوري، إن المرأة ذات هذه النسب أكثر استعدادًا لأن تحمل أطفالًا. حيث قرر «سينج» أنهن يقتنين القدرَ المناسب من الدهون، وبالأماكن الصحيحة لذلك، نتيجة النسب المرتفعة لهرمون الإستروجين، بالنسبة لهرمون التيستيستيرون بالجسم.

والمرأة التي تختلف نسبُها اختلافًا كبيرًا عن هذه النسب، تجد صعوبةً كي تحمل، وهي تُخفي ذلك لاحقًا في الحياة، كما نجد أنها معرَّضةٌ للإجهاض بدرجة أكبر.

الشكل البيضاوي، الشكل الكمثري، أو شكل العصا، أشكال متعددة تأخذها المرأة، ونجد أن مَن تتخذها، تُعاني من أمراض مزمنة؛ مثل السكري، ارتفاع ضغط الدم، الأمراض القلبية، بعض الأمراض السرطانية، وكذلك مشاكل بالدورة الدموية، كما أنهن عرضة للعديد من اضطرابات الشخصية.٢٨

لهذا نجد أن «سينج» وضع نظرية أن انجذاب الرجل لنسب محددة، للخصر/ الحوض، هو تفضيل طبيعي لوالدين أصحاء ومثمرين في الواقع؛ لأن هذا التفضيل عميق جدًّا متغلغل في الذكور أنفسهم؛ حيث يعبر الرجال من كل الأعمار عن هذا التذوق. حتى وإن لم يكن لديهم اهتمامٌ لأن يكونوا آباءً لصغار، أو إقامة علاقة جنسية مع امرأة، تعدَّت السنَّ الطبيعية لقدرتها على الإنجاب، وبالطبع فإن الرجال يفضِّلون أشياء أخرى في النساء.

(٧) الرجال … مَن يختارون

في دراسة تقليدية، لبضع عشرات الآلاف من الناس، في سبعة وثلاثين مجتمعًا، طالب العلماء كلًّا من الرجال والنساء، أن يرتبوا ١٨ صفة أو خاصية، من حيث الأهمية، لاختيار شريك الحياة،٢٩ ووضَعَ كلا الجنسين الحبَّ أو الانجذاب المشترك في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، وخاصية «من يعتمد عليه»، جاءت في المرتبة التالية، أُتبِعَت بالثبات الانفعالي والنضج، والطباع المبهجة واللطيفة.

كلا الجنسين ذكر أنهم سيختارون شخصًا ما عطوفًا، ذكيًّا، متعلمًا، اجتماعيًّا، بصحة جيدة، ومهتمًّا بالمنزل والأسرة.

ولكن أظهرَت هذه الدراسة فرقًا جنسيًّا، واضحًا في تذوُّق الرومانسية. فحين وصل كلا الجنسين إلى تكوين الرأي حول خاصية الرومانسية في الشركاء المحتملين، اختار الرجال في أغلب الأحوال، النساءَ اللاتي يكشفن عن دلالات واضحة للشباب والجمال.

وهذا التفضيل الرجولي مثبتٌ عبر العصور والثقافات،٣٠ فها هو «أوزوريس» القانون الأسطوري في مصر قبل الأُسَر، كان مغمورًا بحب زوجته المحبوبة «إيزيس»؛ حيث كتب قبل أربعة آلاف عام مضَت: «رمَت إيزيس الشباك، وأوقعَتني في شباكها (اصطادتني)، في أنشوطة شعرها، وتشبَّثتُ بعيونها، تلجمتُ بقلادة عنقها، سُجنتُ بعبير جسدها.»٣١
كما أن أحد أفراد قبيلة «تيف» في نيجيريا، اكتسحَته هيئة امرأة، فصاح هاتفًا: «حين رأيتها ترقص أخذَت حياتي بعيدًا، وأدركتُ أنني يجب أن أتبعها.»٣٢
كما أن الرجال الأمريكيين الذين يضعون إعلانات تعارف بالجنس الآخر، في الصحف والمجلات، يزيدون ثلاث مرات عن النساء، في ذكر أنهم يبحثون عن الجمال في الشريك.٣٣
وفي المتوسط، فإن الرجال حول العالم، يتزوجون المرأة التي تصغرهم بحوالي ثلاثة أعوام.٣٤ وفي الولايات المتحدة، نجد أن الرجال الذين يعاودون الزواج مرة أخرى، غالبًا ما يختارون امرأة تصغرهم بخمس سنوات، وإذا تزوجوا للمرة الثالثة، فإنهم غالبًا ما يأخذون عروسًا تصغرهم بحوالي ثمانية أعوام.٣٥

وحين سألوا لماذا يرغب الناس في جمال الجسد، أجاب «أرسطو طاليس»: «لا أحد غير الضرير، يسأل هذا السؤال.»

بلا منازع يجد الرجال أن المرأة التي تبدو جميلة، تدعوهم لأن يتذوقوا هذا الجمال بالنظر إليها. كما يفضل الرجل أن يتأثر أصدقاؤه وزملاؤه بفتاته التي تخطف الأنظار، أو الزوجة التي اغتنمها.

في الواقع، الناس بالعموم يرون في المرأة الجميلة (والرجال الوِسام كذلك)، أنها دافئة، ذكية، قوية، معطاءة، حبوبة، ومثيرة جنسيًّا، ويرونها مثيرة للاهتمام، ومؤمَّنة اقتصاديًّا، وشهيرة اجتماعيًّا.٣٦
لكن يعتقد اختصاصيو علم النفس التطوري الآن، أن الرجال، وعلى مستوى اللاشعور (لا شعوريًّا)، يفضلون أيضًا الشباب والجمال؛ لأن هذا يعطيهم نتيجة تكاثرية حاسمة.٣٧

إن المرأة الشابة ذات الجلد الناعم، والأسنان البيضاء كالثلج، والعيون البرَّاقة، والشعر الوامض، والعضلات المشدودة، والجسم الرشيق، والشخصية الحية، تبدو أكثر صحة وطاقة. وهي خصائص جيدة للحمل والولادة للأطفال. كما أن الجلد الناعم والرائق، وملامح الوجه الطفولية، هي أيضًا علامات لارتفاع مستوى هرمون الإستروجين الذي يساعد في الإنجاب.

لقد صاغ هؤلاء العلماء نظريةً بأنه عبر الماضي الطويل من الصيد والقنص، فإن هؤلاء الذكور الذين يختارون الشركاء، الأكثر صحةً وشبابًا وحيويةً ونشاطًا، لديهم أولاد أكثر، وعاش هؤلاء الأولاد الأقوياء. ومرَّت هذه الصفات عبر الزمن للرجال المعاصرين، لينحازوا أيضًا للنساء الشابات والجميلات.٣٨

(٨) دماغ الرجل في الحب

«لماذا يجب على المرأة أن تكون جميلة بدلًا من أن تكون ذكية؟»

«لأن الرجال يرَون بشكل أفضل من قدرتهم على التفكير.»

نكتة قديمة، فأنا أعرف الكثير من الرجال، الذين يفكرون جيدًا جدًّا، ولكن لا تحمل هذه الملاحظة اللاذعة بذرة من الحقيقة.

قلت هذا لأن بحثنا بواسطة FMRI المرنان الوظيفي، على دوائر المخ للناس الواقعين في الحب، أظهرَت بالصدفة بعض النتائج غير المتوقعة:
لقد وجدنا العديد من الاختلافات الجنسية،٣٩ هذه النتائج معقدة ومتباينة؛ فالرجال لا ينتظمون في فئة واحدة، والنساء في الأخرى، ولكن مع كلِّ هذه الاختلافات الجنسية؛ حيث يتراوح كلا الجنسين في ردود أفعالهم لصور أحبائهم، حتى إن بعض ردود الأفعال تمتدُّ أحيانًا فوق ردِّ فعل الجنس الآخر.

علاوة على ذلك، فإن هذه الاختلافات والتباينات، قد تكون غير شائعة لكل النساء أو الرجال. لكن وُجدت فروق إحصائية فارقة بين كلا الجنسين، لكني سأتكهن عن الرجال في التوِّ، وأنظر إلى المرأة لاحقًا.

في العينة التي اخترناها في البحث، يميل الرجال إلى إظهار نشاط زائد أكثر من المرأة، في مناطق المخ المصاحبة للعمليات البصرية، خاصة في الوجه.

هل تطور هذا الأمر لتحسين قدرة الرجال على الوقوع في الحب، عند رؤيتهم لامرأة صغيرة، متماثلة، ورهان على حسن نَسْلها؟ ربما هذا النشاط المخي يمكن أيضًا أن يساعد في شرح، لماذا يقع الرجال على وجه العموم في الحب، أسرع من المرأة.٤٠

حين يأتي الوقت المناسب، ويرى الرجل امرأة جذابة، فإنه مسلح تشريحيًّا، لكي تتصاحب الملامح البصرية الجذابة، سريعًا مع مشاعر الحب الرومانسي، والوسيلة الفعالة للمغازلة.

لقد وجدنا بالضرورة فرقًا جنسيًّا آخر، الذي ربما تطور ليساعد الرجال على المغازلة الفعالة في سالف الدهر. فحين نظر أفرادُ عينتنا البحثية لمحبوبهم، وُجِد أن الذكور يميلون لإظهار نشاط إيجابي زائد بمناطق المخ المصاحبة لانتصاب القضيب الذكري، وهو ما يشير إلى لمسة داروينية.

إن الغاية المطلوبة بالتحديد من الحب الرومانسي، هو الحث على لقاء هذا الآخر «المميز»، هذه الاستجابة الذكورية ترتبط مباشرة، مع الغرام الرومانسي، في مناطق المخ المصاحبة للإثارة الجنسية. وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد جلب من زمن بعيد، فإن استجابة المخ الذكوري هذه، ربما تُلقي الضوء أيضًا على سبب دعم الرجال بشكل نَهِم، للتجارة العالمية لمنتجات العري البصرية؛ (كالمجلات الإباحية، والأفلام الجنسية بأنواعها المختلفة) لماذا تكون المرأة أكثر اهتمامًا من الرجل، بالشكل والمظهر الشخصي، باعتباره مكونًا مهمًّا من تقدير الذات.٤١ ولماذا تذهب النساء إلى مثل هذه الأطوال اللاعادية كي تُعلن عن مميزاتها بمجرد النظر، وبكل الطرق الممكنة الأخرى من ملابس، مساحيق تجميل، والزينة؟

«إذا لم تقنعيه إلبخيه» هكذا يقول الرئيس الأمريكي الأسبق «هاري ترومان»، لقد وافقت النساء بدون رحمة. فاستغلت النساء ميزةَ ولع الرجال — واستجابات أمخاخهم — للإثارة البصرية.

(٩) مجهود المواعدة الذكوري

خاصية ذكورية أخرى، استحوذت على اهتمامي، لأنها أتت أيضًا كما أعتقد، مباشرة من عمق التاريخ. لقد قرر الأخصائيون النفسيون، أن الرجال يريدون مساعدة النساء كي يحلُّوا مشاكلهم، أن يُصبحوا مفيدين بعمل شيء،٤٢ ويشعر الرجال بالغبطة، حين يُنقذون آنسة في مأزق.

لا شك أن ملايين السنين من حماية المرأة، قد ولَّدَت في مخ الرجل هذا الميل؛ حيث يختار الرجل المرأة التي يشعر أنها تحتاج للإنقاذ.

في الواقع فإن مخ الرجل بُنيَ بشكل جيد لكي يساعد المرأة. فالرجال — في الأغلب الأعم — أكثر مهارة في معظم أنواع المهام الميكانيكية، والفراغية، من المرأة. فالرجال يحلون المشاكل.٤٣ والعديد من مهارات الرجال، صُمِّمَت في الرحم بالمستويات العالية من هرمون التيستيستيرون للجنين، وربما طور الرجال هذه الميكنة البيولوجية، على الأقل جزئيًّا، لكي يجتذبوا، ويساعدوا، أو ينقذوا النساء.

نجد أيضًا أن الرجال أكثر أحادية في الفكر من النساء حين يقعون في الحب، فقط ٤٠٪ من النساء الشابات في بحثي، يوافقنَ على جملة «عندما تصبح علاقتي جيدة مع … فهذا أهم من أن تكون علاقتي جيدة، مع أسرتي.» في حين أن ٦٠٪ من الشبان يقررون أن علاقة الحب تأتي أولًا. علاوة على ذلك، فإن معظم الناس يفكرون أن المرأة هي التي تنتظر الهاتف، تُغير من جدولها، وتتسكع حول المكتب أو الصالة الرياضية، لكي تلتقيَ بالمحبوب، لكن أظهر استبياني أن الرجال الأمريكيين يُعيدون ترتيبَ أولوياتهم، أكثر مما تفعل المرأة ذلك.

مهارة الوصول الذكورية تلك، بعيدة تمامًا عن الجديد. حتى «دانتي» الشاعر الفلورنسي، في عصر النهضة، صبر فوق جسر على نهر «أرنو» لمدة ساعات، على أمل أن يتحدث مع محبوبته «بياتريس». هذا الولع الذكوري، ربما كان نتيجة حقيقة أن الرجال لديهم تواصل حميمي أقل، مع عائلاتهم الأصلية والأصدقاء، من المرأة. لكن القوى التطورية العميقة، غالبًا ما تكون متضمنة. فالنساء مؤتمنات على البويضة، وهي سلعة قيمة. كما تقضي المرأة وقتًا أطول بكثير في تربية المواليد، وصغار الأطفال، وهي وظيفة حيوية. ولملايين السنين، احتاج الرجال أن يوفروا أنفسهم لشريك محتمل للتزاوج، حتى بالمخاطرة بحياتهم، من أجل إنقاذ هذه الأوعية التكاثرية الثمينة. ولا يزال هناك إرغام للرجال على بذل الكثير من «المجهود الزواجي» كي يفوزوا بلعبة التزاوج.

واقعيًّا، فإن مجهود الرجال في التودد والتزاوج واضح للعيان، في استجابتهم للعديد من الأسئلة في بحثي؛ فعلى سبيل المثال، كان الرجال أكثر قلقًا، من ذكر شيء سيئ في موعدهم الغرامي، وبدَوا أقل ثقة بكلماتهم، وهذا شيء مفهوم.

في المتوسط، نجد أن النساء بكل مكان بالعالم، أمهر لغويًّا، وهي قدرة ارتبطَت بهرمون الأنوثة «الإستروجين».٤٤

لكن المرأة في بحثي كانت أيضًا، أكثرَ حفظًا للكروت والخطابات التي يُرسلها المحبوب، ولا تحفظ النساء طريقة وكلمات الخطيب فقط، ولكنهن يحفظن أيضًا لا شعوريًّا، سجلًّا بمجهوده في اللقاء.

(١٠) المخ الأنثوي في الحب

إن الكثير من المقالات النفسية، تُقرر أن كلا الجنسين، يشعر بالحب والغرام الرومانسي، بنفس الشدة على وجه العموم.٤٥ وأنا اعتبرت ذلك حقيقيًّا؛ حيث كانت استجاباتهم مختلفة بقدر ضئيل. فعلى سبيل المثال، فإن الاستبيان الذي استعملته عن غرامهم (نوقش في الفصل الأول)، أظهر أن من النساء الأمريكيات واليابانيات، بنسب أكثر من الرجال، يقررنَ مشاعر «أخف من الهواء»، حينما يتأكدنَ، بأن محبوبهن مغرم بهن. كما تختبر النساء أيضًا، تفكيرًا وسواسيًّا أكثر قليلًا، عن المحب من عينة الرجال المفحوصة.
تجربتنا بالمرنان الوظيفي FMRI أظهرت أيضًا عدة طرق، يمكن أن تستجيبَ بها عينة النساء، بشكل مختلف عن مشاركينا الذكور. فحين تنظر المرأة لصورة محبوبها، نجد أنها تميل لإظهار نشاط أكثر في جسم النواة المذنبة Caudate nucleus والحاجز Septum وهي مناطق المخ المصاحبة للدافعية والانتباه. وتبين أن أجزاء من الحاجز Septum أيضًا تتواكب مع عملية المشاعر وصناعتها. كذلك أظهرت النساء نشاطًا في بعض مناطق المخ الأخرى، بما فيها واحدة تتواكب مع استرجاع الذكريات، والبعض الآخر مصاحب للانتباه والمشاعر.٤٦
مرة أخرى لا أحد يعلم ماذا تعني هذه النتائج، لكن حين تسترجع أنت الذكريات، وتسجل مشاعرك، فأنت تخبر نفسك عن مشاعرك،٤٧ وتحشد معلومات في تراتب، وكلا النشاطَين يساعدانك في اتخاذ القرارات.

ولملايين السنين، احتاجت المرأة لأن تأخذ القرارات المناسبة بشأن الشريك المحتمل للزواج. وإذا كانت امرأة من أسلافنا، حملت أثناء هذا الحب الرومانسي، فإنها مجبرة على احتضان الجنين لتسعة أشهر، ثم ولادة الطفل. وهو ما كان ولا يزال مكلفًا بالأيض وقضاء للوقت، وغير مريح، ومهمة خطرة جسديًّا. علاوة على ذلك، فعلى المرأة أن ترعى وليدها المسكين، عبر طفولة ومراهقة طويلة.

بينما الرجل يرى العديد مما تملكه المرأة مكرَّسًا للحمل وتنشئة الأطفال، لا ترى المرأة ذلك ظاهرًا في شكل الرجل «قيمة الشراكة». لذا يجب عليها أن تحسب قدرات الشريك على الحماية وما يوفره. هذا الاختلاف الجنسي يوحي بأن المرأة حين ترنو إلى حبيبها، تملك اختيارًا طبيعيًّا، أعطى لها استجابات مخية معينة، تساعدها على استعادة التفاصيل والمشاعر التي تحتاجها لتُقيِّم رَجُلَها.

«الوراثة ما هي إلا بيئة مخزنة.» هكذا كتب الروائي العظيم «لوثر بيربانك»

إن التقلبات أثناء تربية المواليد المسكينة في بيئة سالفة عدوانية، أنشأت بلا شك، آليات أخرى للمرأة، تستعملها لتختار الرفيق.

(١١) مَن تختار المرأة

في بحث على ٨٠٠ إعلان شخصي، وُضع في صحف ومجلات، بحثت نساء أمريكيات عن شركاء يوفرون لهن الأمان المادي، مرتين أكثر مما فعل الرجال.٤٨ العديد من السيدات، طبيبات، محاميات، ونساء ثريات جدًّا، يهتممن بالرجال، الذين هم أكثر ثراء ووضعية منهن.٤٩ في الواقع، إن المرأة في أي مكان بالعالم، تنجذب أكثر للشريك المتعلم، الطموح، الثري، المحترم، ذي الوضعية والمكانة، وهي أنواع من الإمكانات احتاجتها أسلاف ما قبل التاريخ في شريك ووالد.

كما أوجز العلماء مقولة «يبحث الرجال عن الموضوعات الجنسية، وتبحث المرأة عن الموضوعات الناجحة.»

تنجذب المرأة أيضًا إلى الرجل الطويل القامة، ربما لأن هؤلاء الرجال يميلون لاكتساب مكانة مرموقة في مجال الأعمال التجارية والسياسية، ويوفرون دفاعًا جسمانيًّا أكبر.٥٠ والمرأة تفضِّل الرجل الذي يُشغل وضعًا، يجعله خاليَ البال، كون ذلك علامة على السيطرة والرفعة، كذلك الرجال الواثقون من أنفسهم، كما تميل المرأة أكثر — إلى حد ما — لأن تختار الشريك الذكي على المدى الطويل.٥١ وتستجيب المرأة للرجال المتعاونين، الأقوياء، والشجعان.

كما أثبتت كلُّ الآداب والأساطير العالمية.

لقد نادت «إنانا» ملكة سومر القديمة، حبيبَها: «الذي بلا خوف، الذي يلمع.»٥٢ وفي أغنية الأغنيات في العهد القديم، كتبت بين ٩٠٠ و٣٠٠ق.م.، دندنة المرأة: «حبيبي مضيء، ومتورد الوجه، إنه الطول في حشد من عشرة آلاف رجل، ذراعاه كقضيب من ذهب، رجلاه كعمودين من مرمر.»٥٣

وفي شعر القرن التاسع عشر، ثبت بواسطة امرأة صومالية مجهولة، تدفق الشعر: «قويٌّ أنت كنسيج حديدي، صببت من ذهب نيروبي، النور الأول للفجر، وهج الشمس.»

لا عجب أن احترام الرجل لذاته، يرتبط بشكل أكثر، بحالته ووضعيته العامة، في العمل، وفي المجتمع.٥٤ ولا عجب أن الرجال يفضلون أيضًا تعريضَ صحتهم وأمانهم ووقت فراغهم للخطر، مقابل الوصول لمكانة أعلى.

يعرف الرجال بالبديهة، أنهم يجتذبون امرأة شابة وصحيحة بدنيًّا، ونشيطة، يجب عليهم أن يحاولوا الظهور بلا خوف، وأقوياء كقضبان الحديد، ومتمكنين كشمس متوهجة.

تفضِّل النساء كذلك الرجال، ذوي عظام الوجنات البارزة، والفك القوي، لسبب آخر لا شعوري. فعظام الوجنة الرجولية، والفك الخشن، ذلك الذي صنعه التيستيستيرون — وهو هرمون الذكورة — يُثبط نظام المناعة، لكن الأولاد المراهقين الأصحاء للغاية، هم فقط مَن يستطيع تحمل هذا التأثير، يبنون وجهًا خشنًا.٥٥

وليس مثيرًا للدهشة، في الوقت المقارب للتبويض الشهري، تصبح المرأة أكثرَ اهتمامًا بالرجال ذوي هذه العلامات الدالة على التيستيستيرون؛ حيث إنهن الآن يستطعن الحمل؛ ولهذا فإنهن يبحثن لا شعوريًّا عن الذكور ذوي الجينات القوية.

بشكل يدعو للتعجب، تنجذب النساء اللاتي على استعداد للحمل، للرجال ذوي الحس الفكاهي، ربما لأن سرعة البديهة، وخفة الدم، تترافق مع حدة الذكاء بشكل عام.

يعتقد البيولوجي «راندي ثورنهيل» أن المرأة تعبر نوعين من التفضيل الأساسي، ففي وقت التبويض، يبحثنَ عن الرجال ذوي الجينات القوية الحسنة، بقايا الشبق الموجود في كل الثدييات، وفي الأوقات الأخرى للدورة الشهرية، يفضلن الرجال ذوي علامات الالتزام.

عمليًّا، حينما أعطوا تعليمات للتلاعب بصور محفوظة بالكمبيوتر حتى يجدوا الصورة الأكثر جذبًا، وجدوا أن كلًّا من النساء البريطانيات واليابانيات، يفضلن وجوه الرجال الأكثر ذكورة، حول توقيت فترة التبويض، والوجوه اللينة، والأكثر أنثوية للرجال، في الأوقات الأخرى من الدورة الشهرية.٥٦

البيانات الجديدة توحي بأن المرأة التي بدون شريك، تظل تبحث رغم ذلك عن علامات الالتزام وقت التبويض.

ومن المتوقع أن تنجذب النساء طول الوقت للرجال الذين يُبدون الرغبة في إشراك النساء معهم في مرتبتهم، وأموالهم، ووضعيتهم. في الواقع فإن النساء أكثر براجماتية وواقعية، حين يحببن، على حين يميل الرجال أكثر للسخرية، أو المثالية، أو الغيرية Altruistic.٥٧

وربما تشرح هذه البراجماتية سببَ وقوع المرأة في الحب، بشكل أبطأ مما يفعل الرجل.

(١٢) هيام طارئ

عند ممارسة العلاقة الجنسية، يصبح الأشخاص أكثر مرونة في اختياراتهم الرومانسية، حينما يبحثون عن علاقة عاطفية قصيرة المدى، كما هي الحالة في الإجازات، أو الرغبة في علاقة غرامية مؤقتة، بينما يتابعون اهتماماتهم الأخرى.

تاريخيًّا، عندما تبحث المرأة عن غرام قصير المدى، تختار رجالًا عزَّابًا، ولهم مصادر للثروة، ويحبون تقديم الهدايا، والإجازات الوافرة الثرية، والعشاء الفاخر، كما أنهم ذوو علاقات اجتماعية وسياسية.٥٨ ويتضح من ذلك أن المرأة التي ترغب في قضاء وقت ممتع، لا تقبل الاقتصاد في التكاليف.
لكن نساء اليوم، الأكثر ثراءً واستقلالًا عن الماضي، واللائي يبحثنَ عن الهيام الطارئ، أكثر شغفًا إلى حدٍّ ما، باختيار الرجال طوال القامة، المتناسقين، ذوي الوجنات المصقولة، والفك الوعر، رجال يتمتعون غالبًا بجينات القوة والعضلات المفتولة.٥٩
وتختبر بعضٌ من هؤلاء النساء قيمتهن الخاصة، فيرَينَ أي نوع من الرجال يستطعنَ أن يجذبنَه.٦٠

بينما تستعمل الأخريات، العلاقات الطارئة، باعتبارها نوعًا من سياسة التأمين، إنهن يرغبن في مخزون من العلاقات، في حالة وجود عيوب في رفاقهن، أو في حالة إصابة الرفيق بالمرض، أو وفاته. ولكن تستخدم العديد من النساء الجنسَ العارض، «كتجربة» شخص محدد لعلاقة طويلة الأمد.

ويعرف الأخصائيون النفسيون هذا الأمر، لأن المرأة أقل حماسة من الرجال، في دخول تجربة الليلة الواحدة، مع شخص متزوج، أو مشغول بعلاقة عاطفية أخرى. ليس فقط لأنه غير متوفر دائمًا، ولكن لأن كلَّ موارده موجهة للأخرى. وطالما غشَّ شريكته الأصلية، فسيكون أكثرَ ميلًا لأن يخونها بالمثل.

لا تتدنى معظم النساء بمعاييرها، لتحظَى بعلاقة عاطفية قصيرة، حيث تبحث النساء عن شريك ذي صحة، ثابت، مرح، عطوف، وكريم.

وبالنسبة للنساء، نجد أن الجنس العارض، غالبًا ما يختلف عنه لدى الرجال.٦١ فحينما يسعى الرجال لحب قصير الأمد، فإنهم يميلون لاختيار النساء الأقل في نواحٍ عديدة مثل الأقل ذكاءً،٦٢ تعليمًا، وإخلاصًا، وثباتًا، والأقل مرحًا، وفي مجال أوسع بالنسبة للعمر.٦٣

وعلى عكس النساء، قد ينجذب الرجال للمرأة صاحبة السمعة السيئة فكما ذكرتها «ماي ويست» «بشكل ملائم»: «يفضِّل الرجال المرأة التي لها ماضٍ، لأملهم في أن يعيد التاريخ نفسه.»

إذا فكر الرجال في الالتزام، مع رفيقة على المدى البعيد، فإنهم يصبحون انتقائيِّين، بالنسبة للفضائل الأساسية. وحين يَصِل الأمر للزواج، فإن كلا الجنسين ينجذبون للشركاء، لأسباب لا شعورية من احتياجهم البدائي للإنجاب.

«أخبرني أين ولد الغرام والحب، في القلب، أم في الرأس؟ كيف وجد؟ كيف تغذَّى؟ … أجب … أجب.»٦٤ نستطيع الإجابة على الكثير من تساؤلات «شكسبير» والإجابات تتعدد، مثل اختبار التماثل، حب الرجال لامتلاء الشباب والجمال، احتياجهم لمساعدة النساء الواقعات تحت ضغوط، انجذاب المرأة لثروة الرجال، والمكانة الاجتماعية، هذه الميول البيولوجية، يمكنها أن تُؤجج دوائر المخ بالحب الرومانسي.

عنصر الغموض، مع التشابه في الخلفيات، والتعليم، والاعتقادات، توجه ذوقنا.

وفرصة توقيت، أو جوار، تلعب أيضًا جزءًا فيمن نختار.

لكن من بين كلِّ هذه القوى، التي توجِّه اختيارك لرفيق حياتك، أعتقد أن الأهم، هو تاريخك الشخصي، الخبرات التي لا تُحصى في الطفولة والمراهقة وما بعدها، التي شكَّلت وتُعيد تشكيل ما تحبُّه وما لا تحبُّه عبر حياتك.

كل هذا يتَّحد لخلق خريطتك النفسية اللاشعورية الواسعة. وهو ما يطلق عليه «خريطة الحب».

(١٣) خرائط الحب

نكبر في بحر من اللحظات، التي نحتت ببطء، اختياراتنا العاطفية. سرعة بديهة أمك وطريقة كلامها، استمتاع والدك بالسياسة وكرة المضرب، كيف يستعمل الناس الصمت في عائلتك؟ التعبير عن الحميمية والغضب، كيفية تعامل مَن حولك مع النقود، كمية الضحك على مائدة العشاء، كيف واجه أخوك الأكبر التحديات، تعليمك الديني وهويتك العقلية، أوقات التسلية مع أصدقاء المدرسة، ماهية الأدب؟ كيف يرى مجتمعك الشرف، العدل، الإخلاص، العرفان، والتفاني، ما الذي أعجب الأساتذة، وما الذي أَسِفوا عليه؟ ما الذي تراه في التليفزيون، والأفلام؟

كل هذه الأشياء، وآلاف من القوى المعقدة، تبني اهتماماتنا الفردية، قيمنا، وإيماننا.

وفي سنوات المراهقة، يؤسس كلٌّ منا قائمة بالاستعدادات، والعادات المميزة للشخص الذي نبحث عنه.

وهذه القائمة ليست موحدة؛ فحتى في التوائم المتماثلة، الذين يحملون الاهتمامات نفسها وأسلوب الحياة نفسه، وبالطبع الديانة نفسها، والقيم الاجتماعية، والسياسية. نجد أن هناك ميلًا لإنشاء نسق مختلف للحب، واختيار أنواع مختلفة من الشركاء.٦٥ اختلافات غامضة بخبراتهم، شكَّلَت تذوقَهم العاطفي.

هذه القائمة النفسية الخارجة عن المألوف، هائلة التعقيد، يبحث بعض الناس عن شريك يوافقهم فيما يقولونه، ويفضل الآخرون النقاش المتحمس، يحب البعض المقالب والمزاح، بينما يريد الاخرون التنبؤ بالأمر، أو البهرجة. يحب البعض التسلية، ويأمل آخرون في الإثارة العقلية، يحتاج العديد من الناس لشريك يدعم أهدافهم، ويُزيل مخاوفهم، أو يشاركهم غاياتهم، ويختار البعض شريكًا من أجل أسلوب حياة يأملون في أن يحققوها.

«سورن كيركجارد» الفيلسوف الدانماركي، أحس أن الحب يجب ألا يكون أنانيًّا، وأن يكون ممتلئًا بالإخلاص للمحبوب، لكن البعض لا يكون مرتاحًا لرفيق مغرم، على العكس، يرغبون في شريك يتحداهم، كي يتمتعوا بالنمو العقلي والروحي.

خرائط الحب معقدة وصعبة القراءة، وكمثال جيد، هناك صديقة لي، نشأت مع أب مدمن للخمر، لقد تأقلمَت على اللامتوقع، حول المنزل، لكنها صممَت ألَّا تتزوج أبدًا برجل مثل والدها، والغريب أنها لم تفعل، ولكنها تزوجت فنانًا فوضويًّا، غير متوقع، ولكنه اختيار ملائم لخريطةِ حبِّها اللاشعورية الواسعة.

الحب لا يُرى بالعيون، لكن بالعقل، ولهذا يُرسم كيوبيد المجنح، أعمى «هكذا كتب «شكسبير».»٦٦ ولهذا غالبًا ما يصبح صعبًا للغاية، أن نقدم صديقًا أعزب للآخر، وغالبًا ما تفشل خدمة المواعدة العاطفية بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت). وذلك لأن القائمين على التوفيق بين الأشخاص، لا يدركون كم التعقيد في قوالب الحب لدى زبائنهم، وغالبًا لا يدركه الرجال والنساء أنفسهم عن خرائطِ حبِّهم.

(١٤) نفسية المحبين

حاول مئات الاختصاصيين النفسيين فهْمَ الديناميات بين الشركاء المغرمين، وقدَّم العديدُ منهم أفكارًا مثيرة للاهتمام، حول أسباب اختيارنا لرفيق دون آخر.

وسوف أراجع القليل من هذه الأفكار.

يؤمن الاختصاصيان النفسيَّان ألين هاتفيلد وريتشارد رابسونان بأن البالغين يمثلون واحدًا من ستة أنماط للارتباط.٦٧
الارتباط المحكم/الآمن: ويمثله رجال ونساء، لديهم ميل اختيار حبيب الروح الذين يستطيعون القرب منه، كما أن لديهم القدرة على تكوين الصداقات، والحفاظ عليها بسهولة.
الارتباط المتقلب: ويمثله رجال ونساء ملولون؛ فإذا فازوا بمحبوب، فإنهم يضجون، وإذا غادرهم رفيقهم يلاحقون آخرين.
الارتباط المتشبث: ويمثله الأشخاص الميالون للتواصل في ثبات.
الارتباط غير المستقر: يمثله أشخاص يفضلون الاستقلال؛ وذلك لأنهم يختنقون بسهولة من الحميمية، والارتباط العميق، فيلجئون للهروب من العلاقة.
الارتباط العارض: والأشخاص من هذا النوع يرفضون استهلاك وقت أو طاقة كبيرة في الحب، فنجدهم يحبون المواعدة، ولكن تحوز القراءة، والسفر، والعمل، السبق على الالتزام مع الحبيب.

وهناك عدد قليل من الرجال والنساء، لا يأبهون/لا يهتمون بالحب، وبالتالي لا يبذلون أي جهد، لخطبِ ودِّ شخص ما، أو للاحتفاظ بحبيب ما.

وتبعًا لرأي الاختصاصي النفسي أيالا بنميس فإننا نختار الرفيق المقرب للوالد، الذي لم نحلَّ مواضيع الطفولة معه؛ حيث نبحث لا شعوريًّا، عن حلٍّ لهذه العلاقة، في فترة البلوغ.٦٨ في حين يرى «هارفيل هاندريكس»، أننا نختار الشركاء، الذين عانوا الصدمات نفسها في الطفولة، أو علقوا في المرحلة من النمو نفسها.٦٩
وتؤمن ميري باون أننا نختار الشركاء الذين يبدون على المستوى نفسه من التميز، أو التباين، أو المستقلين في الهوية، كذواتنا.٧٠ نحن نبحث عن الشركاء بقدرة متوافقة، كي يتعاملوا مع القلق.
والاختصاصيون النفسيون، سندي هازن، وفيليب شافر٧١ بنيا فوق نظريات جون بولبي٧٢ وماري أنسورث،٧٣ مقترحَين أننا نقع في الحب، ونشكِّل روابط تعكس نوعَ رابطة الطفولة، التي كوناها نحو أمهاتنا، هل هي آمنة، قلقة متناقضة، أو متحاشية.
إليوت أرونسون٧٤ سوف يلتصق بأحاسيس الشاعر تيودور رويثكس الذي كتب قصيدة «حب الحب الأكبر»٧٥ حيث إن بعض الأشخاص يختارون هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يحبونهم، هذا الإيمان يبادر بشلال من الخبرات الممتعة، والذي يؤدي إلى الزواج.

بياتريس وبندكت أبطال شكسبير خير مثال على ذلك، كلاهما وقع في حب الآخر، بعد أن سمعا من الآخرين كم يهيم كلٌّ منهما بالآخر.

يؤمن تيودور ريك أن الرجال والنساء، يختارون الرفيق الذي يشبع احتياجًا مهمًّا، بما يحمله من سمات مميزة تنقصهم. كما لخصها ريك: «أخبرنى مَن تحب، وسوف أخبرك من أنت، بالأخص ماذا تريد أن تكون.»٧٦

إن هناك بلا شك بعض الحقيقة في كل هذه الأفكار، ولكن كلهم تفرعوا من منطق أساسي. فكلٌّ منَّا لديه شخصية فريدة، نشأَت بخبرات طفولتنا، وبنائنا البيولوجي المحدد. وهذا البناء النفسي اللاشعوري العريض، يُرشدنا للوقوع في الحب، مع شخصٍ دون الآخر.

«خرائط الحب» الشخصية، غالبًا ما تبدأ في التشكل، في فترات الطفولة المبكرة، حيث نتوافق مع قوى بيئية، لا تُعدُّ ولا تُحصَى، والتي تؤثر بمشاعرنا وأفكارنا. وكما لاحظ «موريس سينداك» بحكمة: «الطفولة هي تجارة خطيرة ملعونة.» ثم حين نخطو للمدرسة، ونكون أصدقاء جددًا، فنحن ننخرط في أنواع من الافتتان، تلك التي تزيد من قوالب إعجابنا أو نفورنا من الأشياء. ومع نمونا وتطورنا، فإن علاقات حب أطول، تتكون لدينا كمراهقين، ونميل لأن نوسع هذه القائمة، النفسية والشخصية. وكما نمتطي أمواج الحياة، ونختبر كوارث عاطفية قليلة، فإننا نُقَلِّم ونُثري هذه القوالب العقلية.

ولهذا فحين تمضي إلى غرفة بها رفقاء محتملون، فأنت تحمل بين طيات مخك مجموعةً من التمايزات الثقافية، والبيولوجية اللاشعورية، واللاعادية المتناهية في الصغر، والتي يمكنها أن تُشعلَ الرغبة العاطفية.

لكي نجعل الأشياء أكثر تعقيدًا، فإن خطَّابنا أنفسهم متباينون جدًّا، هل تعرف شخصين متماثلين؟ أنا لا أعرف، فتباين شخصيات البشر شيءٌ بارز جدًّا.

البعض موسيقيون نوابغ، الآخرون يستطيعون كتابة شعر مؤثر، أو بناء كوبري، الآخرون يقذفون كرة الجولف بدقة متناهية، البعض يؤدي أدوار مسرحيات شكسبير من الذاكرة، والآخرون يولِّدون الفكاهة للآلاف من فوق خشبة المسرح، البعض يتفلسفون بترابط عن الكون، والآخرون يعظون بشكل مؤثر عن الله والواجبات، البعض يتنبأ بالأنماط الاقتصادية، أو بشكل كاريزمي، يُرسلون الجنود إلى ساحة المعركة.

وهذا هو مجرد بداية، لقد حَبَتْنا الطبيعة كما يبدو بتباين لا نهائي للشخصيات لنختار منها، حتى خلال محيطنا الاجتماعي، والاقتصادي، والعقلي. وهنا نقطة محورية في هذا الفصل، ألا وهو إيماني بأنه عبر تطور نوعنا الإنساني المتميز، تأتي الآليات أو الميكانيزمات الأساسية، التي نختار بها رفيق حياتنا، إنها دائرة المخ للحب الإنساني.

لماذا نحن جميعًا مختلفون عن بعضنا البعض؟ إن تفكيري في هذا الأمر ينبع من فكرة تشارلز داروين المبهرة للاختيار الجنسي.

كان «داروين» منزعجًا بكل هذه الزينات التي رآها في الطبيعة.٧٧ طوق من الريش الأحمر القاني حول عنق طائر، قضيب ذكري أزرق، أثداء مدلاة، رقصات دائرية، نغمات لحنية، وبخاصة ريش ذيل الطاووس، الذي يصعب حمله. لقد شعر أن هذا يبدو زخرفة زائدة عن الحد، تضعف نظريته؛ لأن كل السمات تطورت لسبب. وكما شكا هو: «إن رؤية هذا الريش في ذيل الطاووس تجعلني أمرض.»٧٨ لكن مع مرور الوقت، آمن داروين أن كلَّ هذه الزخرفة المبهرة، تطورت من أجل هدف مهم، كي يجتذبَ الرفيق/الرفيقة.

لقد برر ذلك بأن هؤلاء الذين يستعرضون بالمغازلة الفخمة، يجذبون شركاء للتزاوج، أكثر وأفضل. وهذه الديكة أنجبَت فقسًا غير متناسب، وتنتقل إلى نسلها هذه الزخارف عديمة الفائدة، على ما يبدو. لقد أسمى هذه العملية «الاختيار الجنسي».

في كتاب عالي القيمة والأصالة، «عقلية التزاوج» فإن الاختصاصي النفسي «جيوفري ميللر» أضاف لنظرية «داروين» «الاختيار الجنسي»؛ فلقد اقترح أن الجنس البشري طور أيضًا سمات، بشكل مبالغ فيه، كي يُبهرَ الشركاء المحتملين للتزاوج. كما علَّل ميللر فإن ذكاءَنا الإنساني، الموهبة اللغوية، وقابلية العزف، دافعنا كي نُبدعَ فنونًا تصويرية، قصصًا، أساطير، فكاهة، والدراما، وتذوقنا لكل أنواع الرياضة، فضولنا، قدرتنا على حل مسائل الرياضيات العويصة، فضائلنا الأخلاقية، شعورنا الديني العميق، اندفاعنا للعطاء لمؤسسات الخير، قناعاتنا السياسية، حس الفكاهة، الاحتياج للنميمة، الإبداع، حتى شجاعتنا، المشاكسة، الدأب، العطف، كلها زخرفات مبالغة، ومكلفة أيضًا، ليكون لدينا تطور، فقط لنعيش يومًا آخر.٧٩
هل احتاج أجدادنا هذه الاستعدادات المتطورة، فقط ليعيشوا، الشمبانزي، هل سيطور هذه المقدرات بالمثل، لم يفعلوا. لهذا، فقد آمن ميللر أن كل هذه القدرات الإنسانية الرائعة، تطورت كي نفوز في لعبة التزاوج. إننا «ماكينات تناسل»، هكذا كتب ميللر.٨٠

وأسلافنا الذين تحدثوا شعرًا، ورسموا بمهارة، ورقصوا بسرعة، أو قدموا خطابات أخلاقية نارية، اعتبرت أكثر جاذبية. هؤلاء الرجال والنساء البارعون، ينجبون أولادًا أكثر. وبالتدريج هذه القدرات الإنسانية، أصبحت محفورة في شفرة جيناتنا. علاوة على ذلك، كي يفرقوا فيما بينهم، فإن أسلافنا تخصصوا، فأبدعوا تنوعًا هائلًا في الشخصيات الإنسانية، نراها اليوم.

أقرَّ ميللر أنه في الأشكال البسيطة، فإن العديد من هذه السمات، كانت أيضًا مفيدة، كي يحيَا الإنسان على الأرض العشبية بأفريقيا القديمة، هذه المواهب كان لها فوائد متعددة، لكن هذه القابلية للإبداع، أصبحت أكثرَ طلبًا لأن الجنس الآخر أحبَّهم، واختار الرفيق الموهوب، لغويًّا، موسيقيًّا، أو غيرها من المواهب، واستنتج ما قاله أن «الدماغ تتطور بضوء القمر».٨١

أنا أوافق على افتراضية ميللر، خذ اللغة على سبيل المثال، فإن أجدادنا احتاجوا عدة آلاف من الكلمات، وبناء نحويًّا بسيطًا لكي يقولوا، «هنا جاء الأسد» و«أعطني حبات الفستق».

لكن مقاطعنا الشعرية المزهرة، وموسيقانا الرائعة، والعديد من المواهب الإنسانية المعقدة والمركبة تطورت بالأغلب على الأقل جزئيًّا باستعراض الرجال والنساء، لقدراتهم التزاوجية اللانهائية.

ولكن كيف تأتَّى لأسلافنا، من الرجال والنساء، أن يفضِّلوا هذه السمات غير العادية، في خطَّابهم ومعجبيهم؟ لا بد أن بعض آليات المخ لديهم قد تطورت هي الأخرى، لينجذبوا للإيقاع الرائع، والكلمات والسمات البراقة الأخرى، التي استعرضها هؤلاء المنتجون لها.

وفر داروين تعليقات قليلة، عن كيف استجابت المخلوقات فعليًّا لهذه الاستعراضات الجنسية والتزاوجية، وفضلت زوجًا واحدًا عن آخر. لقد آمن أن هذه العملية الاختيارية بشكل ما أو آخر، متصلة بتفضيل الجمال؛ فالأنثى في كل الأنواع، كما كتب، تنجذب للذكور الذين يمتلكون الوسامة، لكنه لم يستطع أن يشرح كيف يعمل هذا الانجذاب الأنثوي في دماغ الحيوان، وعقَّد الأمر بقوله «على الرغم من ذلك، فإنه من العسير أن نستخلص دليلًا مباشرًا على قدرتهم على تفضيل الجمال.»٨٢

كما لاحظ «ميللر» هذه المعضلة، ومع تطور السمات في الإنسان «العارض المنتج» فإنه لا بد من بعض الآليات بمخ الذين يختارون، تتساوى وتتماشى معها، كي تساعدهم على التمييز، عبر هذه الإشارات التزاوجية، فيفضلون البعض، ويختارون شريكًا محددًا للتزاوج.

لهذا فقد اقترح أنه عبر تطور قدراتنا العقلية، والجسمانية، الإنسانية الرائعة، أتت «الماكينة الدماغية/العقلية» أو معدات الاختيار الجنسي، كي نميز بينهم ونفضل هذه الحيل للتودد.

من هنا طوَّر أجدادنا تذوقًا للاستعداد اللغوي، وللرسوم الفنية على الرمال، وللخطباء ذوي الكاريزما، أو القوة الأخلاقية، والعديد من المواهب الإنسانية الأخرى الناشئة، كذلك القدرات للتميز، والتذكر، أو الحكم على هذه الإشارات التزاوجية.

لكن لم يوفر ميللر اقتراحات عيانية عن ماذا يحدث فعلًا ليتمكن الذي يختار من اختيار أحد تكتيكات الساعين للزواج، دون الأخرى. وقال إن هذا يُشبه إلى حدٍّ ما «لقاء سبَّب متعة كبيرة» بالمخ، والإندورفين ربما يكون له دور في ذلك.

أنا أقترح أن «عداد البهجة» عبارة عن دائرة بالمخ، للحب الرومانسي، يتم التحكم فيه بشكل كبير، بشبكات الدوبامين، عبر النواة المذنبة Caudate nucleus، ومسارات الإثابة الأخرى بالمخ. وكما أن أسلافنا من الرجال والنساء، تمَّت غربلتهم، عبر فرصهم المرتبة للتزاوج، فإن الدائرة الأساسية بالمخ للانجذاب، في الحيوانات، قد تطورَت للحب الرومانسي، لدى الإنسان، كي تساعدَ الذين يختارون شريكًا محددًا للزواج، أن يطاردَ هذا المحبوب بنَهمٍ، ويكرِّس طاقته ووقته لهذه الجائزة التكاثرية.

متى، وأين، ولماذا، بدأ أجدادنا في الاحتياج، لقدرات لغوية مركبة، والمواهب الرائعة الأخرى، التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، لكي يفوزَ بالزوج؟ الشامبنزي لم يحتَج لشعر، أو موسيقى جيتار، كي ينامَ مع حبيب.

ما الذي أشعل زنادَ تطور هذه المواهب الإنسانية الخاصة، التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، ودوائر المخ لكي يكون منجذبًا لأحدٍ دون آخر، الحب الرومانسي؟ كل شيء بدأ، كما كتبها «دريدن»: «حين جف الخشب، ركض الهمجي النبيل.»

(١٥) أعلام الفصل الخامس

إدوين أرنولد Sir Edwin Arnold (١٨٣٢–١٩٠٤م): شاعر إنجليزي أهم أعماله ضوء آسيا.
روبرت براوننج Robert Browning (١٨١٢–١٨٨٩م): هو شاعر إنجليزي شهير.
لوثر بيربانك Luther Burbank (١٨٤٩–١٩٢٦م): أحد رواد الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية والعالم.
سورن كير كجارد Soren Kierkegaard (١٨١٣–١٨٥٥م): كاتب وفيلسوف دانماركي.
بودلير Baudelaire (١٨٢١–١٨٦٧م): شاعر وناقد فرنسي شهير ويعتبر أحد رموز الحداثة في العالم.
جون كيتس John Keats (١٧٩٥–١٨٢١م): شاعر إنجليزي وأحد شعراء الحركة الرومانتيكية الإنجليزية.
جون دريدين John Dryden (١٦٣١–١٧٠٠م): كاتب وشاعر تأثيري إنجليزي وناقد ومترجم.
تيودور رويثك Theodore Roethke (١٩٠٨–١٩٦٣م): شاعر أمريكي.
إليزابيث تيلور Elizabeth Taylor (١٩٣٢–٢٠١١م): ممثلة أمريكية شهيرة.
ريتشارد بيرتون Richard Burton (١٩٢٥–١٩٨٤م): ممثل ويلزي عالمي شهير، وكان زوجًا للممثلة إليزابيث تيلور.
عزرا باوند Ezra Pound (١٨٨٥–١٩٧٢م): شاعر أمريكي من رواد الحركة الحديثة.
هاري ترومان Harry Truman (١٨٨٤–١٩٧٢م): وهو الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ١٩٤٥–١٩٥٣م.
دانتي Dante (١٥٣٦–١٥٨٦م): راهب وشاعر ورياضي إيطالي شهير، كما كانت له اهتمامات بالفضاء وظواهر الكون.
شيكسبير Shakespeare (١٥٦٤–١٦١٦م): يُعَد أحد عظماء الأدب العالمي الحديث، ومن أعماله: ماكبث، الملك لير، وحلم ليلة صيف.
راندي ثورنهيل Randy Thornhill: عالم بيولوجي أمريكي، يعمل أستاذًا لعلم الأحياء بجامعة نيو ميكسيكو بالولايات المتحدة، وله كتاب أصدره عام ٢٠٠٠م بعنوان «التاريخ الطبيعي للاغتصاب».
داروين Darwin (١٨٠٩–١٨٨٢م): كاتب وعالم إنجليزي شهير وصاحب نظرية التطور.
جيفري ميللر Geoffrey Miller: عالم نفس معاصر، وُلد في ١٩٦٥م، هو أستاذ علم النفس بجامعة ميكسيكو ومتخصص بعلم النفس التطوري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤