الفصل الثامن

السيطرة على العاطفة

لكي يدوم الحب
كيف تقولينها؟ دعينا، يا يمامتي،
دعينا نفهم أرواحنا.
بينما ترقدُ الأرض عارية، للسماء في الأعلى!
كيف لنا أن نتحكم
في أن نحب، أو ألَّا نحب؟
روبرت برونينج
«اثنان في كامباجنا»

«كل خصائصها تبدو متغيرة، مع تغيُّر قدرها. أسفها، اكتئاب الروح، استرجعت كل بساطتها، وحيويتها، عقلها الشاب … كانت لعوبًا، وبكامل ثقتها، لطفها، وتعاطفها. شفت عيونها عن بريق جديد، وخداها عن لون جديد، ونعومة. أصبح صوتها مرحًا، ومزاجها خاليًا، مع لطف الكون. وابتسامتها العطوف الساحرة، من يوم إلى يوم، تُضيء محيَّاها.»

الوسيمة، الجريئة، سوداء الشعر «ماري ولفستون كرافت»، مؤسسة الحركة النسوية البريطانية، في أواخر القرن الثامن عشر، وقعت في الحب.١
تساءل «وليام كافنديش»: «هل المحبون منصفون حقًّا؟»٢ بالتأكيد، فنحن نُشعُّ حين نُحِب، وننتظم ونأمل ونشتاق، نحتاج لأن نرى، ونلمس ونضحك، نُحِب ونُحَب، وقودنا في هذا، أكثر كيميائيات الطبيعة تنبُّهًا، نركِّز اهتمامنا، وننتظر جائزتنا.

إن الحب الرومانسي واقع، مطلب، احتياج، دافع إلى اللقاء، يمكن أن يكون أقوى من الجوع.

(١) مدمنو الحب

يشير الشعر العالمي والأدبيات إلى الحب الرومانسي، باعتباره نوعًا من الجوع. كما في أغنية الأغنيات، شعر الحب العبري التراثي، صرخَت السيدة: «أنا جائعة لحبِّه.»٣ وفي الأسطورة الصينية، نجد أن الإلهة «تشانج بو»، وهي معبودة الجاد حجر كريم، تقول لمحبوبها «ميلان»: «أنا أشتاق أن أراك.»٤
وفي الحكايات العربية، يبكي المجنون ويقول: «محبوبتي أرسلَت لي سلامًا، رسالة، كلمة، إنني أتشوق لأي كلمة، أو إيماءة منك.»٥

أما ريتشارد دي فورنيفال، في كتابه «فضيحة في الحب» بالقرن الرابع عشر، تحدَّث عن هذا السحر، قائلًا: «الحب، حريق بلا انطفاء، وجوع بلا شبع.»

ولأن الغرام مثل النشوة «علو الدماغ»، ولأن هذه العاطفة يصعب جدًّا التحكم بها، ولأنها تبثُّ الاشتياق، الاستحواذية، القهرية، تحوير الواقع، والاعتماد العاطفي والجسماني، وتغيرات الشخصية، وفقدان القدرة على التحكم بالذات؛ لذلك يعتبر العديد من الأخصائيِّين الاجتماعيِّين، أن الحب الرومانسي (الغرام)، مثل الإدمان، وهو إدمان إيجابي، حين يكون متبادلًا، وتثبيت سلبي فظيع، حين يزدريك حبيبك، وتعجز عن فعل أي شيء.

وتجربتنا ﺑ «المرنان المغناطيسي الوظيفي FMRI»، على الأشخاص الواقعين في الحب، دعمت هذا المقترح: الغرام بصفته مادة إدمان.
بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن كل «أدوية سوء الاستعمال»، تؤثر على مسار واحد بالمخ، جهاز الميزوليمبك الإيثابي Mesolimbic، الذي ينشط بالدوبامين،٦ وكذلك الحب الرومانسي، يُنبهه أجزاء من هذا المسار، وبالمادة الكيميائية نفسها.
في الواقع، فحين قارن عالما الأعصاب، «أندرياس بارتيلز» و«سمير زكي» صورَ أشعات المخ لعينة من الناس المغرمين، مع رجال ونساء محقونين، بالكوكايين والهيروين، وجدَا أن العديد من مناطق الدماغ نفسها، أصبحت نشطة، بما فيها القشرة المنعزلة Insular Cortex، والقشرة الحزامية الأمامية Anterior cingulated cortex، والنواة المذنبة Caudate and Putamen.٧

فضلًا عن ذلك، فهذا المحب المسحور، يظهر الأعراض الثلاثة الكلاسيكية للإدمان: التحمل، الانسحاب، والانتكاس. في البداية، يحاول المحب أن يرى محبوبه، كلما أمكن. ولكن مع الإدمان، يحتاج إلى الأكثر والأكثر، من هذا «الدواء»، ومع الوقت يهمسون، «أنا أشتاق لك»، «أنا لا أشبع منك.»

انتهاءً ﺑ «أنا لا أستطيع الحياة من دونك.»

وحين يكون المحب بعيدًا عن محبوبه حتى لو لساعات محدودة فإنه يتلهف للالتقاء به، من جديد. وكل مكالمة هاتفية، ليست من المحبوب، تُصيبه بالإحباط. وإذا قطع المحبوب هذه العلاقة، نجد أن المحب يظهر كل الأعراض الشائعة لانسحاب الدواء من الجسم، بما فيها الاكتئاب، نوبات البكاء، القلق، الأرق، فقدان الشهية (أو الإفراط في تناول الطعام)، التبرم والضيق، والوحدة المزمنة، مثل كل المدمنين. يصبح المحب في حالة يُرثَى لها، ويسعى بشكل خطر على حياته للحصول على نوع مخدره المحبَّب.

كما ينتكس المحب، مثل انتكاس المدمنين كذلك؛ فحتى بعد مدة طويلة من قطع العلاقة مع محبوبه، فإن أحداثًا بسيطة، مثل سماع أغنية معينة، أو زيارة مكان محدد، تُؤجج اشتياقه، وتدفعه للاتصال أو الكتابة، للحصول على مبتغاه بشكل قهري، ألا وهو اللحظات الرومانسية مع المحبوب.

لقد كان «راسين» صائبَ الرأي حين قال: «إن المحب عبد الافتتان.»

كيف يمكن لنا أن نُعيدَ بلطف الرحلة للعقل والتحرر، حين يرفضنا حبُّنا؟

كيف نُعيد مشاعرنا الرومانسية لشخص آخر، أو لذواتنا؟ كيف نُنهي حبَّنا؟

(٢) مرض الحب: دعه يذهب

لا شيء يؤثر في/أو يوقف التهور الضاري لسرعته. يؤمن «شكسبير» أن عواطف الغرام لا يمكن التحكم بها. وأنا أعتقد أن هذا الإدمان يمكن التغلب عليه، فقط يلزمنا القرار والوقت، إن بعض المعلومات البسيطة حول وظيفة الدماغ، وطبيعة الإنسان، تساعد كثيرًا على ذلك.

كيف تبدأ؟ أولًا يجب أن تُزيل كل الدلائل على هذه المادة الإدمانية «المحبوب». ولهذا يجب وضع الكروت والخطابات، وباقي المتعلقات في صندوق بعيدًا عن متناولك. لا تتصل أو تكتب تحت أيِّ ظرف من الظروف. غادر فورًا، إذا دعَتْك الظروف لمقابلة حبيبك السابق، في المكتب أو الشارع. لماذا؟ لأن «تشارلز ديكنز» قال: «الحب سوف يزدهر لوقت معقول، مع أقل القليل من الغذاء، حتى أقل تواصل معه أو معها، فإن ذلك يمكنه من إشعال دوائر مخك لحرارة الغرام، إذا أردت التعافي، فيجب عليك أن تمحوَ كلَّ بقايا اللص الذي سرق قلبك.»

تأمل، طوِّر أفكارًا تتغنى بها، وبهدوء ردِّدْها بداخلك، تذكَّر شيئًا ما إيجابيًّا عن نفسك، وعن مستقبلك، هذا هو أفضل شيء، حتى لو لم يكن حقيقيًّا بعد. شيء مثل «أحب أن أكون ذاتي، مع توءم الروح التي هي مني.» التقِ شيئًا يرفع من روحك المعنوية، وتقديرك لذاتك، ويُشغل عقلك، بعيدًا عن العلاقة الفاشلة، وتجاه شيء آخر ناجح. وحينما لا تستطيع التوقف عن التفكير فيه أو فيها، تناول سماته السلبية، اكتب أخطاءَهم، واحتفظ بهذه القائمة في حافظتك، أو جيبك.

يمكنك أيضًا أن تحاول، تخيَّلْ نفسك تسير ذراعًا بذراع، مع شخص ما يغرم بك، وتعتز أنت به، تخيَّلْه الشريك المثالي، اختلقه في خيالك، وأَضْفِ عليه صفات رائعة، شخص يخيِّم في عقلك، فمن الواجب عليك إلقاء الوغد بعيدًا.

ويقوم «الفولبي» في شمال الكاميرون بمثل هذا الأمر تمامًا؛ حيث يقوم «الحبيب المجروح بتأجير ساحر، يؤدي مجموعة من الطقوس، لتخليص المحب الرافض من محبوبه.٨ ويستعمل الأزتيك القدماء التعاويذ بدلًا من ذلك «السحر»، ولقد تم الاحتفاظ بجزء من هذه التعاويذ.» «اخرج صاعدًا، تلابوزيللي سينيوتل، سوف تهدئ القلب الأصغر، الغضب الأخضر، الغضب الأصفر سوف يخرج، سوف أجعله يخرج، وأطرده بعيدًا. أنا الروح في الجسم، أنا الساحر، من خلال شراب الروح الطبي (الشافي)، سيتغير هذا القلب.»٩
من المهم جدًّا أن تبقى مشغولًا،١٠ لأنه من الصعب أن تخطط، وأنت ما زلت مكتئبًا جدًّا، ويصعب عليك القيام من فراشك. ادفع نفسك، وكما يقول الكتاب المقدس: «اترك فراشك وامشِ.» افعل هذا، شتِّت نفسك، اتصل بالأصدقاء، زُر جيرانك، اذهب لمكان ما، لمكان العبادة، العَب الورق، أو أي ألعاب أخرى. تذكَّر الشعراء، أو الأحداث التاريخية، تعلَّم كيف ترسم، أو أن تعزف على جيتار، استمع لموسيقى، ارقص، غنِّ، اقتنِ كلبًا أو قطة، احصل على تلك الإجازة، التي كنت دومًا تفكر فيها، اكتب خططك للمستقبل، تنفَّس بعمق، ومارِس تمارين الاسترخاء، افعل أيَّ شيء يدفعك لتركز ذهنك فيه، وخاصة تلك الأشياء، التي تُحسن صنْعَها.

لماذا؟ … لأن اليأس للحب المرفوض، غالبًا ما يُصاحبه هبوط في مستويات الدوبامين، وحين تركز اهتمامك للقيام بأشياء جديدة، فإنك تعمل على رفع هذه المادة، التي تُشعرك بالسعادة، وتُطلق الطاقة والأمل.

والرياضة بشكل خاص جيدة جدًّا للمحبين المرفوضين. ففي كل مرة تهوي إلى مقعد، تجلس إلى الهاتف، أو تحملق من النافذة، فأنت تعطي لحبيبك الذي هجرك الوقتَ المناسب، ليُذكيَ النار في قلبك المتألم.

والرياضة هي التي تستطيع إخماد اللهب، فأي نوع من أنواع التدريب البدني، سوف يعمل على رفع مزاجك،١١ الهرولة، قيادة دراجة هوائية، وكذلك الأنواع الأخرى من النشاط البدني الشاق، معروف عنها قدرتها على رفع مستويات الدوبامين، في النواة المتكئة Nucleus accumbens، بالمخ، وبالتالي، فهي تهَبُ لنا مشاعر النشوة والسعادة.١٢ كما تساعد الرياضة على رفع مستويات السيروتونين، وبعض أنواع الإندورفين، وهي مواد مهدئة، وتزيد من مستوى (BDNE) Brain-derived neurotropic factor (عناصر الموجهات العصبية الدماغية)، في منطقة الحصين Hippocampus، مركز الذاكرة، الذي يحمي ويصنع الخلايا العصبية الجديدة. في الحقيقة، فإن بعض أطباء الأمراض النفسية يعتقدون أن هذه التمارين تؤثر في شفاء الاكتئاب، بوصفها جلسات العلاج النفسي، أو مضادات (أدوية) الاكتئاب.١٣
ضوء الشمس، مقوٍّ آخر للمحبين المكتئبين،١٤ فهو يعمل على تنشيط الغدة الصنوبرية في المخ Pineal gland، وهي التي تُهيمن على رتابة الجسم (Rhythm)، بشكل يساعد على رفع المزاج؛ لذا حاول أن تنتقيَ النشاطات النهارية بقدر الإمكان. ويستحسن أن تكون في الهواء الطلق، وخارج الأبواب. وكما في تقويم ريتشارد المسكين لبنجامين فرانكلين، سوف أُضيف هذه الأفكار للمحبين المكتئبين: تجنب الحلويات، أو الأدوية التي تؤثر على جسدك وعقلك، عدِّد نعم الله عليك، التفاؤل يساعد على التئام الجروح، سِر مع السير الإنساني القديم، كما شرحت في الفصل السادس، إنه شيء ألطف، وسهل لعضلاتك، ومن ثَم لعقلك كذلك. ابتسم، اجعل وجهك سعيدًا، حتى لو كنت تبكي من الداخل. الأعصاب التي تتصل بعضلات وجهك سوف تنشط مساراتها بالمخ، وسوف تُعطيك الشعور بالسعادة،١٥ عندما تتخيل أنك سعيد، فإن ذلك سوف يحفز نشاط المخ السار.

«أبقني بتفاحات، أرحني بقناني الخمر، فأنا مريض بالحب.» صرخة مريض في أغنية الأغنيات. لقد ناشدت هؤلاء المحبين التعساء، البحث عن تشتيت الانتباه، ونور الصباح، وصناعة الأمثال والحكم المخففة، تناول علاجات من الأعشاب، والتمارين الرياضية، والابتسام، كي ينزاحَ عن كاهلهم مرض الحب، كما يحدث من مليون عام مضت.

(٣) نهج الخطوات الاثنتي عشرة: مدمنو الحب

هناك طريق واحد، لتُقابل أناسًا جددًا، وتتعلم آليات جديدة للتأقلم، وتطور منظورًا طازجًا للحياة والحب، ألا وهو أن تنضمَّ لبرنامج «الخطوات الاثنتي عشرة».

هذه الحركة المبتكرة بدأت في ثلاثينيات القرن المنصرم، حين وافق اثنان من الأمريكيين، دبليو بيل ودكتور بوب، على قهر إدمانهم على الخمور، بالتحدث للآخر، في أي وقت من اليوم أو الليل، حينما يشعران بإلحاح الشراب. وبناء على هذا التبادل، خلقَا مفاهيم وتقاليد «المدمن المجهول AA». واليوم فإن هذه الصيغة الداهية والبارعة، للتغلُّب على الإدمان، ولَّدت المئات من المجموعات المشابهة، من «المقامر المجهول»، إلى «الشَّرْهَى المجهولون»، وكذلك «مدمنو الجنس والحب المجهولون» SLAA. وكل مجموعة تتبع تصميم الخطوات نفسه الاثنتي عشرة للحياة، بمجموعة بارعة من الشعارات، والمفاهيم، والممارسات، التي تساعد المدمنين حول العالم في تعافيهم.

«اليوم بيومه»، هو الأساس. ولأعضاء «المدمنون المجهولون» فإن التوقف عن تعاطي الخمور، لباقي حياتهم، شيء غير واقعي إن لم يكن مستحيلًا، ولكن الواحد منهم يستطيع أن يقاوم الشيطان، ساعة بساعة.

«فقط لليوم»، هكذا يقولون، «لن أشرب». على نفس المنوال، فإن مدمني الشيكولاتة، يُقررون ألَّا يصلوا لقطعة الشيكولاتة، اليوم فقط. والمقامرون يقررون التوقف اليوم. والمحبون المرفوضون، يمكنهم القرار، بألَّا يتصلوا بالمحبوب اليوم.

«إذا كنت لا تريد أن تنزلق، فلا تذهب للأماكن الزلقة.» هذا شعار آخر للخطوات الاثنتي عشرة، ويمكن أن ينطبق على مدمني الحب.

وهذا يعني: ابتعد عن المطاعم، التي كنت تتناول فيها الطعام، مع حبيبك. اذهب لأماكن جديدة، للتسوق أو التريض مثلًا. لا تستمع للأغنيات، التي كنت تشاركه إياها. ابتعد عن الناس، والأماكن، والأشياء، التي تُؤجج الرغبة في شريكك الضال.

حكمة أخرى هي «إنها الجرعة/الكأس الأولى، التي تجعلك مخمورًا.» باختصار، يعرف المدمنون أنهم حين يبدءون في الكأس الأولى من المارتيني، أو الكعكات المحلَّاة بالشيكولاتة بالنسبة لمدمني الشيكولاتة فسوف يَصِل ذلك بهم إلى تناول الثانية والثالثة. وعلى المنوال نفسه، لا تبدأ الاتصال الأول، أو الرسالة الأولى، أو قيادة السيارة قرب بيته أو بيتها.

اتصال واحد بحبيب قلبك السابق، سوف يستدعي المزيد من الاتصالات، والمزيد من الشقاء ربما يكون شعار «فكر في الشراب عن طريق»، هو الشعار الأغرب لأعضاء «المدمنون المجهولون»، وهو يعني أنك إذا وقفت في حفلة زفاف راقية، وحملقت في الناس الجميلة، يحملون كئوس الخمر، والشامبانيا، فكِّر بالماضي، إن هذه اللحظة، ما هي نهايتها المحتملة، شيء مأساوي قد يستمر لمدة أشهر. على المنوال نفسه، فإن «المحبين المهجورين» يميلون إلى إضفاء الرومانسية، على الأيام الجميلة الرائعة؛ ولهذا فهم يلتقطون الهاتف، ويتصلون بحبيبهم النافر، وهم ممتلئون بكل هذه الذكريات الجميلة في أذهانهم، يفكرون بالماضي، واللحظات المفرحة. لكن ما يجب أن تفكر فيه هو فيما بعد هذه اللحظات الجميلة، في نهايات الأسبوع المريعة، التي لم يتصل بك فيها «حبك الحقيقي».

لقد كتب الشاعر الإيطالي «بترارك»، يقول: «حاولت أن أقتنص الرياح في شبكة.»١٦ إنه يعرف، كيف أن ذلك شيء مستحيل، أن تستردَّ حبيبًا راحلًا.
الأفضل لك، أن تُقلع عن هذا العقار،١٧ وتبني حياتك من جديد. وتذكر أن: حبيبك السابق لن يساعدَك. ولن يُؤنبَه ضميرُه، لأنه آذاك.١٨
إنه لا يعرف، كيف يتعامل مع مرارتك وكآبتك، أو مشاعره تجاه هذه العلاقة الممزقة.١٩ ورغم كونه ودودًا أثناء الاتصال معه، إلا أن معظم المحبين سيكونون مبلبلين، منزعجين، وحتى غاضبين، لأنك اخترقت حياتهم الجديدة.

(٤) تناول مضادات الاكتئاب

طردتك من الأبواب،
رغبة مستأجر.
لم تدفع أي إيجار.
طردتك من الأبواب،
أحلى غرفي كانت لك.
العقل والقلب.
غادر.
طردتك من الأبواب،
أطفئ الأنوار،
ارمِ الماء على النار.
طردتك من الأبواب؛
رغبة عنيدة وحرون.٢٠

لقد عرف الشاعر الفرنسي «ألين كارتيير»، بالقرن الخامس عشر، أن مشاعر الحب الرومانسي، يمكنها أن تبقى، باعتبارها محتلًّا عنيدًا بعقلك، وحينما تمضي الأشياء، بشكلٍ فظٍّ، فإنك يجب أن تطردَه.

والعلاج الحديث، يمكنه المساعدة.

هناك في الحقيقة أنواعٌ عديدة من الاكتئاب؛ فالمرأة التي تعاني من انخفاض المزاج بعد الولادة، لا تعاني الاكتئاب نفسه الذي يعانيه رجل فُصِل من عمله توًّا. والحب المرفوض، ربما يُحدث نوعًا آخر من الاكتئاب، مع بصمات كيميائية محددة، على المخ. علاوة على ذلك، فإن الناس الذين لا يزالون في المرحلة الأولى، «مرحلة الاعتراض»، من الحب المرفوض، يعانون من أعراض تختلف عن الذين فقدوا الأمل كليًّا.

وعلى الرغم من هذا، فإن كلَّ أنواع الاكتئاب «الإكلينيكي»، يبدو أنها تظهر بأربع علامات أساسية. اضطراب معرفي، ويشمل فقدان التركيز في العمل كالمعتاد، وعدم القدرة على تذكُّر الأحداث اليومية والواجبات. تفكير وسواسي حول مشكلتك وألمك. والاضطرابات الأخرى بالتفكير. اعتلال المزاج؛ فالرجال والنساء المكتئبون يكافحون ضد اليأس، والقلق، والخوف، والغضب، و/أو حالات الإعاقات المزاجية الأخرى.

كما تظهر مشاكل الجسم كذلك؛ فالمكتئبون بشكل عام يواجهون مشاكل بتناول الطعام، النوم، أو الولوج في ممارسات جنسية. والعديد منهم يفكرون في الانتحار.

الرجال والنساء المهجورون، غالبًا ما يصرِّحون بكل هذه الأعراض الخاصة بالاكتئاب الجسيم. ومنها عدم القدرة على التأقلم، كما يتناول العديد منهم مضادات الاكتئاب، ليخففوا من عذاباتهم.

أشهر هذه العقاقير حاليًّا، هي تلك العقاقير، التي تزيد من نسبة السيروتونين بالمخ، بشكل أو آخر. وأشهرها هي SSRI، أو مثبطات امتصاص السيروتونين الاختيارية.
واليوم، فإن عقاقير تحسين مستوى السيروتونين تبلغ ١٢ بليون (مليار) دولار، باعتبارها صناعة بالولايات المتحدة المريكية فقط. وحوالي ٧٫١ مليون أمريكي يتناولون أحد مشتقات مضادات الاكتئاب، التي تساعد على رفع مستوى السيروتونين أثناء نوبات الاكتئاب، التعرض للضغوط، الحرمان، أو اليأس نتيجة حب مأساوي.٢١
وحين يعطي العقار أثره، فإن الألم الجسدي والنفسي للحزن المطلق يبدأ في التبدد. فتجلس وقتًا أقلَّ محملقًا في الحائط، فيما يُطلق عليه الأطباء النفسيون «حالة البدائية»؛ حيث تبدأ في النوم أثناء الليل، تتناول وجباتك الثلاث، وتذهب لعملك في الوقت المناسب، وتتواصل وبطريقة فعالة ستُصبح أقل اندفاعية، للاتصال به/أو بها. ومشاعر الغضب واليأس والشوق، التي تغزو أفكارك تقل رويدًا. هذه العقاقير (مضادات الاكتئاب)، تستطيع حتى أن تُصلح حتى بعض التلفيات الجسمانية التي حدثت. كما تنشط نمو الخلايا العصبية في منطقة الحصين Hippocampus، مركز الذاكرة بالمخ، ونتيجة لهذا، فإنه يعكس الأذى، الذي غالبًا ما تصنعه الضغوط المستمرة.٢٢
ولكن هذه العقاقير، معززات السيروتونين، لها غالبًا أعراض جانبية. فبعض الناس يزيدون في الوزن، كما أن الأبحاث قدَّرت أن ٧٠٪ من المرضى، الذين يتناولون هذه العقاقير، يعانون من هبوط في الرغبة الجنسية، وتأخُّر في التنبيه الجنسي و/أو عدم القدرة على الانتصاب، أو القذف، أو النشوة الجنسية.٢٣ وهذه العقاقير قد تسبِّب ما يُطلق عليه الأطباء النفسيون تبلُّد المشاعر.
كل هذه الأعراض الجانبية تستحق المعاناة بالطبع، إذا كنت تشعر أنك ستقتل نفسك، أو أحدًا آخر. وبالرغم من هذا، فإنه من الحكمة، أن تُعيدَ تقييمَ حالتك كل فترة، وتضع في الحسبان، إضافةَ أحد العقاقير، التي تعمل على رفع مستوى الدوبامين، أو حتى التحول إلى أحد تلك العقاقير كليًّا، (محسنات الدوبامين)؛ حيث يوجد العديد منها بالأسواق، هذه المواد التي تعمل على رفع مستويات الدوبامين، ولا يمكنها — كما هو متوقع — أن تجتثَّ، الانتحار الاكتئابي، لكنها تعمل بكفاءة مع العديد من المرضى.٢٤ وعلى غير محسنات السيروتونين، لا يصاحبها زيادةٌ في الوزن، أو نقص في القدرة الجنسية بالضرورة، بل إن المرضى يقررون بأن الرغبة الجنسية قد زادت بشكل مطرد.٢٥

الأهم في قصتنا، فإن المحبين المرفوضين، حين يخضعون للعلاج بمضادات الاكتئاب، التي ترفع مستويات الدوبامين بالمخ، يملئون ثانية المادة، التي يسبِّب نقصُها في الأغلب، أعراضَهم الانسحابية.

أستراديول (أحد أنواع الإستروجين)، له تأثير مضاد للاكتئاب، مثلما يفعل هرمون التيستيستيرون، وهرمون الغدة الدرقية.٢٦ كذلك المادة (ب) Substance P، يبدو أن لها أيضًا تأثيرًا مضادًّا للاكتئاب. وأنا أشتبه أن مضادات الأفيونات Opioid antagonist، ربما تلطف بعض اشتياق الحب الرومانسي.
إضافة إلى ذلك، فإن العقاقير التي تُغلق هرمون إطلاق الكورتيزون CRH، وهو هرمون المخ الذي ينطلق، أثناء الضغوط النفسية، ربما يجد طريقه لسوق العقاقير، لكي يمحوَ التعاسة المزمنة. هذه العقاقير الجديدة، تعد بالتخفيف عن الكآبة الشديدة.

وحتى الآن لا يوجد عقار مضاد للاكتئاب، يخفف كل مريض؛ فالمرضى الذين يستعملونه، يجب أن يعملوا مع أطبائهم، ليجدوا ما هو مناسب لهم. علاوة على ذلك، لا يوجد هناك عقار، يتغلب تمامًا على عذاب حب ضائع. كما أن كلها ذات تأثيرات جانبية، بشكل أو بآخر.

ولكن حتى وإن لم يثبت أن مضادات الاكتئاب، رصاصة سحرية، في كل حالة، فإن هذه المنتجات الكيميائية بديلٌ أفضل بكثير من أن تترصد حبيبك السابق، في سيارتك، أو تبكي وتنشج، بشكل غير متحكم به، وأنت في الظلام، أو تجلس مذهولًا أمام التلفاز، مغمورًا بالغضب والأسى، وأي شيء يُنذر بالانتحار.

(٥) العلاج بالكلام

كتب «شكسبير» في رواية «هاملت» حكمة وهو يقول: «هل يمكن لنا أن نغيِّر من طبع الطبيعة؟»

إن الحديث عن ورطتك مع معالج، ومن ثَم تطوير طريقتك في التفكير والعمل (السلوك)، يمكن أن يغيِّر نشاط مخك.

بيَّنت الأبحاث أن العلاج النفسي يمكن أن يؤديَ إلى العديد من التغيرات في وظائف المخ، كما تعمل مضادات الاكتئاب.٢٧ في الحقيقة، أحيانًا يكون العلاج بالكلام فعالًا في تخفيف وتطبيب الاكتئاب الجسيم.٢٨
في إحدى الدراسات، قارن العلماء بين أربعةً وعشرين بالغًا، لم يعالجوا، ويعانون من التبلد، والسوداوية، وفقدان الأمل، المميزين للاكتئاب الجسيم. مع ستة عشر بالغًا، بدون أي مشاكل نفسية. في البداية كلُّ شخص تمَّ تصويرُ مخِّه باستعمال جهاز المرنان المغناطيسي الوظيفي FMRI، أظهر الرجال والنساء المكتئبون نشاطًا زائدًا غير طبيعي، في أجزاء من منطقة القشرة ما قبل الجبهة Prefrontal cortex، النواة المذنبة Caudate nucleus، والمهاد Thalamus أما العينة الحاكمة، فلم تُظهر هذا التغيير. بعد ذلك تم إعطاء عشرة من هؤلاء المكتئبين عقار «باركسوتين»، وهو يعمل على رفع مستويات السيروتونين، أما باقي المشاركين من العينة، التي تُعاني من الاكتئاب، فقد تلقَّوا اثنتَي عشرة جلسة نفسية، بدلًا من هذه العقاقير.
ثم تمَّ عملُ أشعة بالمرنان الوظيفي على كل العينة (البالغة أربعة وعشرون مريضًا) عقب نوعَي العلاج، فإن نشاط المخ، قلَّ في تلك المناطق، التي أظهرَت نشاطًا غير اعتيادي قبل ذلك.٢٩
المشوق، أن هؤلاء المرضى الذين خضعوا للعلاج النفسي فقط حصلوا على مكافأة؛ فلقد أظهرَت العينةُ نشاطًا جديدًا وملحوظًا في مناطق Insula، والتي تعمل بصفتها مثبطًا لمشاعر الاكتئاب.٣٠

بدلًا من قياس مزايا العلاج بالكلام، مقابل العلاج بالعقاقير، فإن العديد من الأطباء النفسيين يؤمنون أن دمجَ العلاجَين سويًّا، سيصبح أكثرَ تأثيرًا منه إذا تم الاعتماد على واحد منهما فقط.

(٦) وقتٌ للشفاء

«كل الأشياء تتدفق، لا شيءَ يثبت.» هكذا كتب «هيراكليتس» الفيلسوف اليوناني.

كما قمت بإزالة المحفزات، التي أثارت حماسك، سلِّح نفسك بذخيرة من الشعارات، ابنِ عادات يومية جديدة، قابِل أُناسًا جددًا، استغرقْ في اهتمامات جديدة، وربما ابحث عن مضاد الاكتئاب المناسب أو المعالج الصحيح، أو مرشد. مع كل ذلك فإن إدمانك لحبيب سابق بالتأكيد سيهدأ.

سنتماثل للشفاء، أحيانًا في أسابيع قليلة، وطبيعي أكثر نأخذ أشهرًا، وفي كثير من الأحيان، نأخذ أكثرَ من عامين من الانفصال.

ولكن سوف تلاحظ أيامًا رائعة، لم تَعُد تفكِّر فيها بشريكك المؤذي لمدة أسبوع أو أكثر. عدوُّك لم يَعُد يحشو رأسك بعد الآن.٣١
الناس بالطبع لا ينسون أبدًا حبًّا حقيقيًّا، وعلى الرغم من الإخلاص لزوجته «مارثا»، فإن «جورج واشنطن» احتفظ مدى الحياة، بعواطفه لزوجة رجل آخر، «سالي فيوفاكس». يؤمن المؤرخون أن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، لم يقبِّل «سالي»، ولا رُفِض من قِبَلها. لقد كانا صديقَين. ولكن «واشنطون» أُغرم بها، وكتب إلى «سالي» بعد ما يقارب خمسة وعشرين عامًا، من آخر لقاء بينهما، قائلًا لا شيء رغم كلِّ الأحداث العظيمة في مهنته، «ولا كلُّهم مجتمعون، كانوا قادرين على استئصال، ومحو اللحظات السعيدة، من عقلي، والأسعد في حياتي، والتي تمتعت بها بصحبتك.»٣٢
وفي السياق نفسه، كتب «سو تونج بو»، وهو شاعر صيني عاش بالقرن الحادي عشر: «عامًا بعد عام، أذكر في تلك الليلة المقمرة/بقينا معًا بمفردنا/بين تلال أشجار الصنوبر القزمة.»٣٣

«نحن نُدرك جيدًا ما نحن محرومون منه.» هكذا كتب الأديب الفرنسي «فرانسوا مورياك».

لا أحدَ ينسى، على الرغم من هذا، حتى هؤلاء الذين ألقوا من أحبائهم بوحشية جانبًا، يبدءون في فقد مشاعر الألم، والمرارة، والإحباط تدريجيًّا. لكنك تستطيع أن تُسرع من تعافيك، فالأمر يستحق عزمًا، وأحيانًا بعض العقاقير الطبية و/أو علاج نفسي، وما أطلق عليه «شكسبير»: «وقع خطوات الزمن، غير المسموع.»٣٤

لكن من ضمن كلِّ الذين شفوا، من تجربة عاطفية سيئة، فإن المؤثر الفعال، هو أن تجد حبيبًا جديدًا، ليملأ قلبك.

«الحبيب الجديد، يطرد الحبيب القديم.» ولم يتغير شيء منذ القرن الثانى عشر، حين كتب هذه الكلمات، رجل الدين الفرنسي «أندريا كابيلانس».

وقد وافق العلم الحديث على ذلك؛ فحين تقع في الحب مجددًا، سوف ترفع مستويات الدوبامين، وباقي المواد الكيميائية الأخرى بالدماغ، التي تُشعرك بأنك في حالة جيدة، مرة أخرى.

(٧) هل يمكننا استحضار الحب؟

عزيزتي «هيلين»، منذ أيام قليلة، تخطيت سنَّ السبعين وقد وقعت وأنا في هذه السن في الحب مجددًا، مع رجل مدهش، ويمثِّل لي العالمَ كلَّه، ولكنه اعترف لي بأنه لا يحبني. لدينا أوقات رائعة معًا، حين يسنح لنا الوقتُ بذلك (حيث إنه لا يزال يعمل). سؤالي لكِ الآن: هل تعتقدين أنه يمكن لشخص ما أن يقع في حبك، بعد عام من كونكما سويًّا؟ إنه يعتقد أنني رائعة، وكل هذه الأشياء الحسنة، ولكنه تأذى جدًّا بزواجه الأخير الفاشل، وأخبرني أنه لا يعلم، هل ما زالت لديه القدرة على الوقوع في الحب مجددًا، مشاعري، ليس لديَّ اختيار. سوف أُحبُّه حتى أسمع منك، لأن قلبي تحطَّم، ولا أعلم ماذا أفعل.

«ج. س.»

تلقيت هذا البريد الإلكترونى مؤخرًا من سيدة في كندا، ولقد كتبتُ لها أقول: «أعتقد أنها تستطيع أن تفوز بحب هذا الرجل مع قليل من الجهد.»

كيف تُشعل غرام مجنون، في آخر؟

افعل أشياء غير مألوفة معًا.

أثبتت التجارب المعملية أن الخبرات المثيرة تستطيع أن تُعزز شعور الانجذاب. والدراسة الكلاسيكية المثلى لذلك، قام بها الاختصاصيان النفسيان «دونالد دتون» و«أرت آرون»، والمعروفة باسم «تجربة الجسر ذي الصرير»٣٥

جسران للمشي يمتدان عبر وادي نهر«كابيلانو»، في شمالي «فانكوفر»، أحدهما جسرٌ معلق، غير متين، بعرض خمس أقدام، ويتأرجح ويهتز، من علو ٢٣٠ قدمًا، فوق صخور حادة صلبة، ونهر منحدر. والجسر الآخر على العكس، مستقر، واسع، ومنخفض.

«دتون» و«آرون»، سألَا عشرات الرجال، كي يعبرَا النهر، عبر أحد هذين الجسرين، في المنتصف من كلِّ جسر، وقفَت امرأة شابة جميلة، وكانت تسأل كلَّ الرجال العابرين، أن يجاوبوا على استبيان. وبعد أن يُكملوا الإجابة على تساؤلات البحث، تُبلغهم إذا كان لديهم أي سؤال عن الدراسة، فعليهم أن يتصلوا بها بالمنزل، وأعطَت كلًّا منهم هاتفها، ولم يكن أحد منهم يعلم أنها جزء من التجربة.

تسعة من اثنين وثلاثين رجلًا، من الذين مشوا على الجسر الضيق، العالي، المتأرجح، انجذبوا بشكلٍ كافٍ، ليتصلوا بها في المنزل. اثنان فقط، من هؤلاء الذين قابلوها على الجسر الثابت المنخفض، اتصلَا بها.

هذا الانجذاب التلقائي يترابط في الأغلب، بشكل مباشر مع الخاصية البدنية للخطر: الخطر يحفِّز إنتاج الأدرينالين، وهو بدنيٌّ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدوبامين والنوريبينفراين.

وكما ظن أخصائي النفس «إليان هاتفيلد» أن «الأدرينالين يجعل القلب عطوفًا».٣٦ وأنا سوف أُضيف أن الخطر هو شيء جديد لنا جميعًا.
وكما ذكرنا، الجدة ترفع مستويات الدوبامين، المادة الكيميائية المصاحبة للحب الرومانسي، والرجال الذين عبروا الجسر العالي المخيف، ربما اختبروا ارتفاع مستويات هذا المحفز. وفي دراسات أخرى عديدة أظهرَت أن الثنائيات، التي تفعل أشياء مثيرة معًا، يشعران بالإشباع أكثر في علاقتهما سويًّا.٣٧

لكن في دراسة أخرى، «أرت آرون» مع زملاء آخرين، «كريستينا نورمن»، أظهرَت أن النشاطات المثيرة فعلًا، تحفِّز الحب الرومانسي كذلك.

فقد سألوا ثمانية وعشرين ثنائيًّا، يتواعدون أو متزوجين، ليملئوا استبيانات متعددة، ثم يفعلوا نشاطًا معًا، ثم يعاودوا إجابة الاستبيانات مرة أخرى. واحدة من هذه النشاطات كانت مثيرة، والأخرى فاترة وقليلة النشاط، التجربة مع كلِّ ثنائي استغرقَت حوالي الساعة.

والمثير للاهتمام أن الاستجابات للاستبيانات، أشارَت إلى أن الثنائيات، الذين قاموا بنشاط مثير، اختبروا زيادة في مشاعر إشباع العلاقة، وزيادة في حدة مشاعر الحب الرومانسي.٣٨

ربما صديقة بريدي الإلكتروني في كندا، والنساء والرجال المغرمون، والذين ينشدون تأجج الحب الرومانسي، مع شريك لهم، يجب أن يودعوا التواني والكسل، كي يصاحبَهم في مواقف مثيرة، وخطرة إلى حدٍّ ما.

ربما يزورون مدينة أجنبية معًا، أو يسيرون عبرَ ممرٍّ جبليٍّ وعرٍ وخطير، وهو ما يُؤجج عاطفة الحب.

أخيرًا، شاهدت رجلًا وامرأة مربوطين معًا بحبل مطاطي، يغطس بهما من حافة رافعة، من علو مائتي قدم ارتفاعًا. وحينما هبطَا أرضًا، كانوا في عناق شديد. وأنا لا أنصح بذلك، ولكن ماذا عن تجربة مطعم جديد، في جزء آخر من البلدة، التي تعيش بها، شراء آخر تذكرتَين لمسرح، أو حدَث رياضي، الاندفاع لمشاهدة استعراض، أو العوم بعد أن يخيِّم الظلام.

أي شيء مثير للحماسة، وغير اعتيادي، يمكنه أن يؤجِّج الحب الرومانسي.

حتى الشجار قد يُصبح مثيرًا، وله إمكانيات الرومانسية. وأنا لستُ مع جانب العراك، مع حبٍّ حقيقي. ولكن بعض الثنائيات أقروا أن الجدال يبعث الحيوية في العلاقة.

وملكة السومريين القدماء «أنانا»، وقعَت في الحب مع «ديميزي»، عبر رحلة نهرية. كما سجَّل الشعر القديم، «من بداية الشجار، جاءَت رغبةُ المحبين.»٣٩ فمع الشجار تنطلق الشكاوى، وغالبًا ما تنزاح، ومن ثَم على الشريك يجب أن يُبدع كي يُعيدَ رتق/الرابطة من جديد.

والأهم من ذلك، الغضب يحفز العقل والجسم، مطلقًا شرارةَ اندفاع الأدرينالين، والمحفزات الأخرى المصاحبة للحب الرومانسي.

«الحب لوحة افترشت بالطبيعة، ومطرزة بالخيال.» هكذا كتب «فولتير».

طرز حياتك بالجديد والمغامرة، ربما تربح حبك.

(٨) الجنس الحميم

يمكن للجنس أن يكون شرارةَ الغرام الرومانسي.

الجنس شيءٌ طيب، إذا كنت تُمارسه مع أحدٍ تحبُّه، في الوقت المناسب، وقد تستمتع بهذا الشكل، من التعبير عن الذات، والتمرين البدني. إن التمسيد والتدليك يُثير إفرازَ هرمونَي «الأوكسيتوسين» و«الإندورفين». وهي مواد كيميائية بالدماغ تحرر من التوتر العصبى، وتؤدي لمشاعر الارتباط.٤٠

الجنس يساعدك على الاحتفاظ بجلدك وعضلاتك، وباقي أنسجة الجسم، في الحالة المثلى من التناغم. وهو يوفر الفرصة، كي تخلقَ الجدة والإثارة.

ومع النشوة، فإن المخ يُطلق «الأوكسيتوسين» في المرأة، و«الفازوبرسين» في الرجل، وهي الكيميائيات التي تُصاحب مشاعر الارتباط.

لكن العلاقة الجنسية ليست للاسترخاء، وتناغم العضلات، وإعطاء واستقبال البهجة فقط؛ فدائمًا ما يترافق الجنس مع ارتفاع مستويات التيستيستيرون، وهو ما ينمِّي إنتاج الدوبامين، الرحيق الذي يغذِّي الرومانسية.

لذا فمن الطريف، أن السائل المنوي يعتبر له القدرة على المساهمة في العواطف الرومانسية.

الاختصاصي النفسي «جوردن جالوب»، ومَن تعاونوا معه أعلنوا ذلك؛ فالسائل الذي يحيط بالحيوانات المنوية، يحتوي على مادتَي «الدوبامين» و«النوريبينفراين»، فضلًا عن «التيروسين»، وهو حمضٌ أميني، يحتاجه المخ لتصنيع «الدوبامين».٤١ هذا القذف يحتوي أيضًا على التيستيستيرون، الذي يُعلي من الدافعية الجنسية، واستيروجينات متعددة، الذي يعين في التهيئة الجنسية الأنثوية، والوصول للذروة الجنسية أو ما يُعرف بهزة الجماع، وكما ذكرنا فإن الأوكسيتوسين، والفازوبرسين يشجعان مشاعر الاتحاد مع الشريك.
كما أن العلاقة الجنسية لديها القدرة على تخلُّل هرمون الحفز الكيسي Follicle-stimulating hormone، وهرمونات أخرى في المهبل، وهي مواد تستخدمها النساء لتنظيم الدورة الشهرية. وكل هذه المواد لا تدخل مباشرة من مجرى الدم إلى خلايا المخ؛ حيث لا يستطيع البعض عبور ما يُطلق عليه طبيًّا (الحاجز الدموي-المخي)، وحتى، فليست كلها تستطيع المشاركة المحتملة في الشعور الرومانسي بشكل أو بآخر.
جالوب، وتلاميذه ريبيكا بيرتس، وستيفن بلاتيك، حددوا أن السائل المنوي يخفف أيضًا من علامات الاكتئاب في النساء.٤٢ وهذا قد يحدث عادة، لعدة أسباب. حيث يحتوي السائل المنوي على «بيتا إندورفين»، وهي المواد التي تَصِل إلى المخ مباشرة، وتُهدئ العقل والجسد. ولكن، كما لاحظت، فإن السائل المنوي، يحتوي أيضًا المواد الأولية اللازمة لكل أنواع الالتقاء الأساسية الثلاثة، التي شُرحت في هذا الكتاب، وهي الشهوة، والحب الرومانسي، والترابط الذكري-الأنثوي. ولا عجب أن المرأة أقل اكتئابًا، حينما تمارس الحب، وتستقبل هذا السائل المنوي، وكأنها تصبح حتى أكثر قدرة على استقبال الرومانسية.

كتب وليام بلاك: «الامتلاء بالحيوية والنشاط، جمال.» فكلا الجنسين ينجذبان للشريك السعيد، وهذا ربما لأننا نفتقد هؤلاء في الطبيعة، من حولنا. وحينما يبتسم الآخرون، فنحن نبتسم أيضًا بشكل لا شعوري، وإن يكن أحيانًا بشكل بطيء جدًّا.

والابتسام يحرِّك عضلات معينة بالوجه، وهي بدورها تُرسل إشارات عصبية للمخ، فتحفز شبكات البهجة.٤٣

وإلى حد بعيد، كلما دبرت جديدًا، وغامرت بأشياء مثيرة جنسيًّا، وفعلت ذلك مع شخص، تتمنى أن تفوز به، باعتباره شريكًا عاطفيًّا. افعل ذلك بسعادة بادية على وجهك، فربما تحفز مشاعر البهجة والمتعة لدى حبيبك، وتبدأ شعلة الحب الرومانسي البدائية.

(٩) أَعِد تقييمَ عقاقيرك المضادة للاكتئاب.

إذا أردت المغازلة بشكل جدي، يجب أن تُعيدَ تقييمَ تأثيرِ أيِّ عقاقير مضادات للاكتئاب، التي تتناولها، خصوصًا إذا كنتَ عانيتَ من مشكلات جنسية، كتأثيرٍ جانبي للعقاقير، أو حتى تبلُّد المشاعر.

أنا أذكر ذلك لسبب مهم: كما تعرف، شبكات المخ للشهوة، والحب الرومانسي، والارتباط، تتفاعل بطريقة معقدة؛ لذا فإن زميلي بالعمل، الطبيب النفسي «أندي تومسون»، وأنا آملنا أن رفع نشاط السيروتونين الصناعي،٤٤ يمكن له أن يعرِّض للخطر قدرتك على الوقوع في الحب. وكما تعرف أيضًا، فإن الحب الرومانسي، يترافق مع ارتفاع نسبة الدوبامين، وممكن أيضًا النورأدرينالين، هذه الناقلات العصبية، لها على وجه العموم علاقة سلبية بالسيروتونين. فكما تعمل على رفع مستوى «السيروتونين»، بشكل اصطناعى عبر الحبوب، يحتمل أنك تُثبط إنتاج وتوزيع، و/أو التعبير للدوبامين والنوريبينفراين، ويعرِّض للخطر قدرتك على الوقوع في الحب.٤٥
أشار «أندي»، أن الارتفاع غير الطبيعي لمستوى «السيروتونين»، له عواقب وخيمة على قدرتك على تقييم الخطبة، وانتقاء الخليلة المناسبة، وتكوين علاقة شراكة، والحفاظ عليها بقدر الإمكان.٤٦

على سبيل المثال، معظم هذه العقاقير تُقلِّل من المشاعر. فأنت عندما تكون مكتئبًا بشكل رهيب، من قصة حب فاشلة، تنشد هذا التأثير. ولكن حينما يستمر استعمال مضادات الاكتئاب، لفترات طويلة، بعد انتهاء علاقة الحب الفاشلة، فإنها قد تمنع قدرتهم على الاستجابة الطبيعية، عند ظهور شريك جديد ومثالي. ويبدو كأنهم متبلدو الحس، كي يلاحظوه أو يلاحظوها.

إن الدليل المباشر الأول، على «بلادة المغازلة» هذه، تم العثور عليها. حيث سألت «ماريان فيشر» السيدات اللاتي تناولن مضادات الاكتئاب، من نوع محسنات «السيروتونين»، وأخريات لم يأخذنَ أيَّ عقار، كي تقيِّمَ مدى انجذابهن إلى وجوه بعض الرجال، في صور فوتوغرافية.

المؤكد، أن السيدات اللاتى تناولنَ معززات «السيروتونين»، قيَّمن صورَ هؤلاء الرجال، بعبارة غير جذابين، بمعدل أعلى من الأخريات، وقد لوحظ أنهن تطلعنَ إلى الصور، وقيَّمنها في وقت أقل.٤٧
إذن فمحسنات «السيروتونين»، تُخمد الرغبة الجنسية، وتُثبط الاستجابة الجنسية (بما فيها القذف)، في العديد من مستعمليها.٤٨

نتيجة لذلك، الناس الذين يستعملون هذه العلاجات، يُصبحون خجولين في كثير من الأحيان، مما يُبعدهم عن أيِّ ارتباط رومانسي محتمل، إنهم يهابون الفشل في غرفة النوم، وبالتالي يمتنعون عن التمسيد، التقبيل، وممارسة الجنس، التي تؤجج الحب الرومانسي.

إنهم يفتقدون فورة الأوكسيتوسين والفازوبرسين، في النشوة الجنسية أثناء هزة الجماع، والتي تؤدي إلى مشاعر الارتباط. والرجال الذين لايستطيعون القذف يفشلون في سكب كيميائيات السائل المنوي، التي تستطيع أن تؤثر في مزاج شريكاتهم.

هذه العقاقير المعززة ﻟ «السيروتونين»، لديها تأثيرات سلبية أخرى مختفية؛ فهزة الجماع لدى المرأة، تطورت على الأرجح، كي تلائمَ أغراضًا عدة. لكن العلماء ظلوا طويلًا يعتقدون أنها برزت على الأقل بشكل جزئي، كي تفرقَ بين أستاذ «صح»، وأستاذ «خطأ». هذه الاستجابة «المتقلبة» للنشوة، تساعد أسلاف المرأة من تمييز المحبين الذين لديهم الاستعداد للالتزام بوقت قيم، وطاقة لإرضائهن، ولا تزال تفعل الشيء نفسه.

لذا فالنساء اللاتي يتناولن مضادات الاكتئاب، من محسنات السيروتونين، تُهدد قدرتهن على تقييم الالتزام العاطفي لشريكهن.

ربما أسوأ من ذلك، فإن العديد من الذين يتناولون محسنات «السيروتونين» يُرسلون إشارات خاطئة، بعدم الملاءمة، وفقدان الاهتمام في غرفة النوم (في علاقة جنسية)، والتي تنفر منها الرفيق.

وهم أيضًا عرضة للاستنتاج بشكل خاطئ، ويشعرون بأنهم غير متوافقين مع هذا الشريك، وهم في الحقيقة فقط متأثرون بهذا العقار (محسنات السيروتونين).

الناس الذين يعالجون بعقار مضاد للاكتئاب، محسنات «السيروتونين»، يحتمل تعرض قدرتهم على تقييم الشريك، وشَحْذ الرومانسية، وتكوين ارتباط مع شركائهم للخطر، ما يغيِّر حب حياتهم، ومستقبل جيناتهم.

(١٠) الحميمية الذكرية، الحميمية الأنثوية.

«على أنني، رسمتُ علامةً في المكان الذي سقطَت فيه رصاصةُ كيوبيد:/سقطت فوق زهرة غربية نحيلة، كانت بيضاء بلون الحليب، الآن غدَت قرمزية بلون جراح الحب،/يسمِّيه العذراوات «الحب الكسول»، فتِّشوا لي عن هذه الزهرة، تلك العشبة التي جلبتها لك مرةً:/عصيرُها الذي يرقدُ فوق جفون العيون الناعسة/يجعل الرجل أو المرأة تهوى بجنون/حتى يقع بصرُها على الكائن الحي التالي.»

أوبيرون – ملك فارس في رواية شيكسبير حلم ليلة صيف، يروي عن الزهرة القوية التي من شأنها أن تجعلَك تقع في الحب.

كم من ملايين، رجالًا ونساءً، خلال تطور الإنسانية، تاقوا إلى أن يجدوا هذه الزهرة؟ للأسف، إنها غير موجودة، حتى تناول العقاقير المخدرة، (أو مخدرات الشوارع، مثل الكوكايين والأمفيتامين)، وهي التي ترفع مستوى «الدوبامين» في المخ، لا تجعل أحدًا يقع في حبك، إذا لم يكن مستعدًّا، أو إذا كان يبحث عن شريك مختلف تمامًا.

لكن إذا كان خطيبًا موثوقًا، عبَّر عن اهتمامه لك، ما زالت هناك طرق أخرى لتحفز اهتمامه وقلبه، استعمل ما يعرف بالاختلافات الجنسية في المخ.

الحميمية شائعة هذه الأيام، العديد من الناس ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن في مجتمعات متنوعة كالمكسيك، والهند، والصين. يعتبرون هذا القرب والمشاركة شيئًا مركزيًّا في علاقات الحب الرومانسي.٤٩

لكن الرجال والنساء، غالبًا ما يعرفون ويعبرون عن هذا القرب بشكل مختلف.

كلا الجنسين يعتقدون أن المشاركة في الأسرار الشخصية، والنشاطات المبهجة معًا حميمية.٥٠ النساء غالبًا ما تعتبر أن الحميمية كالحديث وجهًا لوجه، بينما الرجال يميلون إلى الشعور بالقرب العاطفي، حينما يعملون أو يلعبون أو يتحدثون، جنبًا إلى جنب.٥١
بالفعل، الرجال غالبًا ما يشعرون بالتهديد الخفيف أو بالتحدي، حينما ينظرون مباشرةً لعيون أحد آخر. لهذا يجلسون بزاوية، ويتحاشَون النظر مباشرة إلى رفقائهم.٥٢ هذه الاستجابة تنبع غالبًا من أسلاف الرجال. من آلاف السنين؛ فالرجال يواجهون أعداءهم، بينما يجلسون مع الأصدقاء جنبًا إلى جنب في مباريات الصيد.

المرأة الذكية تُقدر هذا الاختلاف بين الجنسين، لكي تحقق الحميمية، مع شريك ذكر، يستطيعون أن يفعلوا الأشياء نفسها جنبًا إلى جنب، مثل السير في مجمع تجاري، أو حديقة، قيادة سيارة، الجلوس في السينما، أو الاحتضان لمشاهدة التلفاز بجانبه.

معظم الرجال يستمدون الحميمية من اللعب أو مشاهدة الرياضة. ولملايين السنين، فإن مطاردة، وإحاطة، وقنص الحيوانات، أصبح الرجال فيها أكثرَ براعة في تحديد المكان أكثر دقة من النساء، إنه شكل من أشكال الذكاء مرتبط بهرمون الذكورة «التيستيستيرون».٥٣
لذا فحينما تنضم امرأة لرجل لممارسة التزلج، أو تسلُّق الجبال، أو لعب الشطرنج، أو التشجيع في مباراة لكرة المضرب، أو مباراة لكرة القدم، فربما يشعر بأنه منتبهٌ لها.٥٤
المرأة تستمد اقترابًا هائلًا من الحديث وجهًا لوجه،٥٥ فهن يجلسن أقرب مما يفعل الرجل. وهن ينظرن مباشرةً إلى عيون الآخرين، مع ما أطلقَت عليه اللغوية «ديبورا تانين»، النظرة الراسخة.٥٦ هذه النكهة تعود بالذاكرة إلى الأمس، حينما كان أسلاف النساء يحملن أطفالهن أمام وجوههن، يعلمنَهم، يهدئنَهم، ويسلِّينَهم بالكلمات. لهذا، إذا كنت رجلًا داهية، ووجدت نفسك تجلس في دكة الحديقة مع سيدة تلوي قدمها، وركبتَيها، وحوضها، وصدرها، وكتفَيها، وعنقها، ووجهها، كي تنظرَ إلى وجهك، دُرْ وانظر مباشرةً إليها، وأنت تتحدث، أما إذا نظرت أمامك، وتجاهلتَ عيونها، فستشعر أنك تتهرب منها.

وبإعادة «النظرة الراسخة» لها، فسوف تُعطيها الهدية الأنثوية البدائية الحميمية، وربما تُشعل أيضًا الرغبة الرومانسية.

(١١) المغازلة

إذا كان الرجال يفضلون الأحداث الرياضية، وتلك التي تؤكد مهارتهم البدنية والجغرافية. فإن النساء يُحببن الكلام، البنات الصغيرات يتكلمن أسرع من الأولاد. مع دقة أعظم في النحو، ومفردات لغوية أكثر.

وفي كل المجتمعات حول العالم، فإن النساء على وجه العموم، موهوبات أكثر في اللغويات أكثر من الرجال ربما يكون السبب أن الكلمات هي سلاح المرأة وأدواتها، كي تُنشِّئَ الصغار، على الأقل لملايين السنين مضت.٥٧ في الواقع، فإن قدرات النساء اللغوية، متصلة مع هرمون المرأة «الإستروجين».

والرجال الأذكياء جدًّا، يغازلون بالكلمات في الهاتف، وفي اللقاء، أو على الوسادة.

صديقة لي أخبرتني مؤخرًا، أنها وقعت في الحب مع الرجل الذي أصبح زوجها، بعد أن بدأ في إرسال الشعر لها.

إن الرجال لا يحتاجون الموهبة الكلامية، إنهم فقط يحتاجون الشجاعة وبضع كلمات.

إن الرجال والنساء كليهما على وجه العموم، يصلون للعلاقة الحميمة عبر الكلام عن موضوعات مختلفة. على الرغم من ذلك، فإن رجالًا كثيرين يتمتعون بالكلام، عوضًا عن الرياضة، السياسة، العلاقات الدولية، والعمل. هذه عوالم النجاح والفشل، عوالم الأقوياء والفاشلين.

عوالم المكانة والتراتب؛ لأن الرجال دائمًا يحتاجون للمناورة بالمكانة كي يربحوا رفيقة.٥٨ النساء على الجانب الآخر يغرقن أكثر في الكلام المحمل بالعواطف، التحدث الكاشف عن ذواتهن، عن الأشياء الشخصية، والناس الآخرين،٥٩ ربما لأن النساء تطورن، في بيئة قديمة، حيث التواصل الاجتماعي مهمٌّ جدًّا للحياة.
يصبح الرجال والنساء، أكثر تشابهًا في منتصف العمر،٦٠ ربما جزئيًّا، حيث مستوى الاستروجين يتراجع في النساء، ومستوى التيستيستيرون ينخفض كذلك في الرجال.٦١ لكن بغض النظر عن العمر، الخطَّاب ينساقون في أحاديث، سوف تأسر الحب، والأمل أن يدوم القرب، الذي يُشعل الحب الرومانسي.

(١٢) الجنس كحميمية

الجنس أيضًا، يستطيع أن يؤديَ إلى حميمية، ولديه القدرة على تأجيج النشوة الرومانسية. الرجال لديهم احتمالية أكبر من النساء، بحوالي أربع مرات لمساواة النشاط الجنسي مع التقارب العاطفي.٦٢

هذا المنظور الذكري، له منطقٌ دارويني (نسبة إلى داروين). فالمضاجعة هي تذكرة الرجال للذرية، فإذا حملت شريكتُه، فهي ستُرسل جيناته إلى المستقبل. لذا على الرغم من أن الرجال لا يهتمون غالبًا على مستوى الوعي، بإنجاب الأطفال، هذه النتيجة التطورية، يبدو أنها ولدَت في الذكر نفسه، ميلًا لا شعوريًّا، لاعتبار العلاقة الجنسية، خلاصة للحميمية، والتعلق العاطفي، والرفعة.

أما المرأة، فهي تُقرُّ أنها تشعر بالحميمية أكثر، مع شريك، حينما يتحدثان سويًّا، قبل إقامة العلاقة مباشرةً.٦٣ وربما يرجع هذا إلى أن هذا الحوار، يؤكد لها أن حبيبها يمكنه الإنصات، صبورًا ومدعمًا لها، ويحتوي شهوته، إنها الصفات المميزة لأسلاف المرأة، التي تحتاجها في اللقاء.

على أيِّ حال، مهما كانت رؤيتك للجنس، فاعلم أنه لا يُنسى إطلاقًا، ومشبع حينما تكون الأشياء صحيحة. وهؤلاء الذين يمارسون الحب، ببراعة في علاقاتهم، لديهم سهام قوية في جعبتهم لتحفيز الحب الرومانسي.

(١٣) شراء الوقت

كلُّنا يعلم أن المرأة تنجذب إلى الرجل الذي يمتلك الموارد، ويشاركها بكرم أمواله، وقته، وعيه، ومكانته. لهذا فإن كل هذه الورود والشيكولاتة، وتذاكر الحفلات، ربما بالضرورة، تُوقعها في حبِّه.

وكما تتذكر، فإن الرجال يغرقون في امرأة، حينما يشعرون أنها في حاجة للإنقاذ.٦٤ لذا فإن المرأة، وغالبًا بشكل لا شعوري، تقول وتفعل الأشياء، التي تستعرض فيها ضعفها، وهو ما أُسميه، استراتيجية «الجناح المكسور». وهو كافٍ تمامًا، هذا الضعف والاحتياج، غالبًا ما يُؤجِّج الشهامة في الرجال، وحسن معاملة النساء، والحب الرومانسي. الضعف هو الشيء الأخير، الذي يحب الرجال أن يُعلنوه.٦٥ لماذا تستعرض ضعفك، حينما يمكنك التباهي بنقاط قوتك، وإنجازاتك بدلًا من ذلك؟

الرجال يفعلون هذا، يتباهون، والمرأة تُنصت على الرغم من أنها غالبًا ما تفزع من هذا التبجح، والكلام الطنان، ولكنهم يُعجبون بذلك. هذا مثل استعراض المرأة للضعف، إذن فإن الفخر والغرور لدى الرجال، ربما يساعد في إشعال النار بقلب النساء.

كتب «أوسكار وايلد»: «جوهر الرومانسية هو عدم اليقين.» إنها ملاحظة ذكية، فنحن نسير على خيط رفيع، حينما نخطب ودَّ المرأة، وإذا كنت متحمسًا جدًّا، فالمخطوبة المترددة، ربما تفرُّ منك. وغالبًا ما يلعب العامل البيولوجي في هذا السلوك دورًا، فالاكتساب المبكر للمكافأة يقلل مدة وقوة نشاط الدوبامين، في المخ، بينما التأخر في الفوز بها يُحفزه.٦٦ ونتيجة لهذا، فالناس من نوعية «الصعب الحصول عليه»، يميلون لإثارة المخطوبة.
أندرياس كابيلانس، عرف هذا منذ زمن بعيد، وهو من الشعراء المتجولين، في القرن الثانى عشر بفرنسا: «الحب السهل المنال، قيمته قليلة، والصعب الحصول عليه، يجعله ثمينًا.» لذا، فالذين يسعَون لقَدْح زِناد الرومانسية، في حبيب مأمول، يخلقون بدهاء بعض الغموض، والعقبات، وعدم اليقين في علاقاتهم.٦٧

أنا أعلم أن كل هذا الضجيج، مثل لعبة، لكن الحب لعبة، لعبة الطبيعة الوحيدة. وكل مخلوق على هذا الكوكب، يلعبها بشكل لا شعوري، كي يُمرِّرَ أيًّا من جيناته إلى المستقبل، إن الطبيعة تحافظ على تسجيلها للأهداف بعدد الأطفال الذين أُنجبوا للحياة.

(١٤) اجعل نفسك تقع في الحب

ما الذي كان سيحدث، لو أن «أوبيرون»، بطل قصة «شكسبير»، نثر عصارة «الزهرة الغريبة الصغيرة»، في عيونه هو نفسه؟

معظمنا قابل شخصًا ما، أُعجبنا به، واستمتعنا معه، هو أو هي كان لطيفًا، سخيًّا، أمينًا، سعيدًا، طموحًا، مرحًا، ناجحًا، جذابًا، مثيرًا للاهتمام، وعاشقًا بشكل يُلائمنا. لا يمكننا أن نستحضرَ مشاعر السحر، له أو لها. فهل يمكنك أن تُوقعَ نفسك في الحب؟

حسنًا يمكنك أن تحاول بصدق، ابحث عن الأشياء التي تُحبذها وتُحبها، لتفعلها مع الذي أُعجبت به. واجعلها أشياء جديدة مثيرة، أَبْعِد التشتيت، وخاصة المحبين الآخرين. افتح ذاتك بصدق، مع طريقته أو طريقتها في التفكير، والإحساس، وطريقة الحب. فربما تكون قادرًا على تحفيز دوائر المخ المناسبة للحب الرومانسي.

الأخصائي النفسي «روبرت إبستين» يحاول أن يفعل هذا. إنه كبير ناشري مجلة «علم النفس اليوم»، وصاحب أحد عشر كتابًا، وعشرات الموضوعات المدرسية.

حديثًا نشر «إبستين» في مقال افتتاحي بمجلته وبشكل إعلاني يدعو أي امرأة، لديها استعداد لملاقاته حصريًّا، مع التعبير بالرغبة عن الوقوع في الحب بشكل جنوني. ويأمل أن يتمَّ الموضوع في مدة تتراوح بين ستة أشهر إلى عام، وينتهي بالزواج.٦٨

ووضع «إبستين» عدة شروط، من بينها أن الاثنين سوف يتابعان إرشادًا نفسيًّا معًا، وسوف يقرأ الاثنان بشكل مكثف عن الحب في الروايات والكتب غير الخيالية، الاثنان سوف يقومان بكتابة يوميات، كما يقومان بعمل تمارين متعددة (مثل التنفس المتزامن)، وكلاهما سوف يعمل جاهدًا على أن يفهم الآخر فعلًا.

آمن «إبستين»، أنك تستطيع أن تقع في الحب؛ فكثيرون ممن دخلوا تجربةَ زواج مرتَّب له، أو اقتناء زوجات عبر الإعلان بالإنترنت، يبدو أنهم يؤمنون بأنك يمكنك القفز لتبدأ هذا السحر المسمَّى الحب.

أنا فعلت كذلك، وإذا أنت انتقيتَ شخصًا ما، جاهزًا أن يقع في الحب، ويلائم خريطةَ حبِّك، وإذا أنت احتفظتَ بقلب منفتح، وأقدمتَ على فعل أشياء جديدة معًا، فأنت ربما تكون قد نشطَت، دوائرُ مخِّك للمشاعر الرومانسية. إن رحيق كيوبيد «الزهرة الغريبة الصغيرة»، هو الإبداع والقرار.

لماذا يقلُّ الحب الرومانسي مع الوقت؟

«حياتهم خلال اللهب المتأجج للحب،

نوعٌ من فتيل الشمعة، سوف يخمد.»

هكذا قال «شكسبير»، الحب الرومانسي غالبًا ما يضمحل مع الوقت.

في البداية، تُقيم أسابيع، أو أشهرًا، عاشقًا لها، مع رسائل البريد الإلكتروني الطويلة، الحوارات الحميمة، مشاركة المغامرات في المطاعم، الحفلات الموسيقية، الحفلات، والأحداث الرياضية، وقت ممتع في الفراش. وتعمل بلا نهاية، كي تُبهر وتُسحر محبوبك. في أوقات تشعر بالنشوة التي تمنعك من النوم، ثم بعد أن تتحول الأشهر إلى سنين، فإن سعادتك الرومانسية، تبدأ في النضج نحو الاتحاد العميق: ارتباط طويل، أما الاتقاد الرومانسي فقد يستمر في بعض العلاقات الطويلة.٦٩ وهذه العواطف يمكن أن تظل قوية، أثناء الإجازات، وبعض الأوقات الأخرى، كالأحداث الجديدة، والمغامرات. لكن النشوة الرعوية، الحبور، والطاقة العنيفة الجامحة، والتفكير الوسواسي بالمحبوب، يضمحل على وجه العموم، مفسحًا الطريق لمشاعر الأمان، والاحتواء، تحديدًا، كيف يمكن للمخ أن يقمع العاصفة المبكرة، للعواطف الرومانسية، لا أحدَ يعرف. أحد ثلاثة أشياء يمكن أن تحدث: إما أن مناطق المخ، التي تُنتج وتنقل «الدوبامين»، ومن ثَم على الأغلب «النوريبينفراين»، تبدأ في توزيع أقل من هذه المنشطات. أو أن أماكن المستقبلات لهذه المواد الكيميائية، التي ارتفعت في النهايات العصبية، تُصبح أقل حساسية بشكل تدريجي.٧٠ أو أن بعض الكيميائيات الأخرى في المخ تبدأ في الاختفاء أو العمل ضد كيميائيات العاطفة. لكن على أي حال، فأيًّا ما كان السبب البيولوجي، فإن الجسم يبدأ في الهمود تدريجيًّا.

هذا التدهور في الحب الرومانسي، هو بلا جدال فعل تطوري. فالغرام الشديد يستهلك وقتًا وطاقة هائلة، وسوف يكون قرارًا محطمًا لسلامة الدماغ، والنشاطات اليومية (بما فيها تربية الأطفال)، كي تقضيَ سنوات متبعثرًا بوسوسة عن المحبوب. وبدلًا من ذلك، فإن هذه الدوائر المخية، تطورَت مبدئيًّا لسبب واحد، أن تقودَنا للبحث والعثور على شريك مميز للمواعدة، حصريًّا، معه أو معها، حتى يتمَّ التزاوج. عند هذه النقطة، فإن الأسلاف من الأزواج احتاجوا للتوقف عن التركيز على بعضهم البعض، والبدء ببناء عالم اجتماعي آمن؛ حيث يستطيعون تربية طفلهم الثمين معًا.

لقد حبَتنا الطبيعة بالعاطفة، ثم تُعطينا السلام، حتى نقعَ في الحب من جديد.

(١٥) اجعل الحب يدوم

لا يزال بعض الناس يستطيعون البقاء في الحب بحماس، طول العمر.٧١ بعض الأزواج الذين تزوجوا منذ أكثر من عشرين عامًا، أقرُّوا أنهم لا يزالون في الحب، حتى الآن.٧٢ في الواقع، فإن بعض الدراسات البارزة، أظهرَت أن الرجال والنساء الذين تزوجوا، منذ أكثر من عشرين عامًا، أكثر رومانسية، من هؤلاء، الذين مضى على زواجهم خمس سنوات فقط.٧٣ لقد أحرزوا نقاطًا كبيرة، كالتي يسجلها طلاب المدارس الثانوية.٧٤

لقد قابلت أزواجًا، مثل هؤلاء حديثًا، على عشاء عمل، وجدت نفسي أجلس بجوار رئيس واحدة من أكبر المنظمات غير التجارية، وهو في منتصف العمر، وكان وسيمًا، لامعًا، ولطيفًا. وحينما اكتشف أنني أكتب كتابًا عن الحب الرومانسي، أخبرني أنه لا يزال في حالة حب مع زوجته، وكانَا متزوجَين منذ ستة وعشرين عامًا. وفي الشهر التالي، كنت محظوظة بما فيه الكفاية، كي أقابلَ زوجته، وهي سيدة أنيقة، وذات أدب، ولم تُدرك أنني تحدثت مع زوجها، وقد أقرَّت واعترفت بأنها لا تزال تحب زوجها كثيرًا جدًّا، وحينما انضم إلينا زوجها، تجرأتُ لأسأل كليهما: كيف حافظَا على عاطفتهما، من التسلل والنفاد؟ ردَّت هي: المرح، بينما قال هو: الجنس.

لم أكن متفاجئة بإجابتيهما، حس المرح والفكاهة، يستند على التجديد والإبداع، غير المتوقع، وهو ما يعمل على رفع مستويات الدوبامين بالدماغ. والجنس يصاحبه ارتفاع مستوى التيستيستيرون، وهو في سلسلة تفاعلية، يستطيع أن يزيد من الدوبامين كذلك. إن هذا الثنائي الكاريزمي «ذا الصفات الفاتنة للآخرين»، استطاعَا إبقاءَ حبِّهما حيًّا، بشكل أو بآخر، فلقد كان كلاهما لديه مهنة استثنائية ومثيرة، ويصنعان العديد من الأشياء، غير المعتادة سويًّا. لهذا فأنا أعتقد أن أسلوبَ حياتهما يحفز مستوى «الدوبامين»، ومن ثَم استمرار عاطفتهم الرومانسية.

كتبت «أناتول فرانس»: «ليس مألوفًا، أن أحبَّ ما لديَّ.»

ولكي نُواجهَ هذا الفكر التقليدي، ينصح المعالجون الناس أن يتبعوا ممارساتٍ قياسيةً متعددة، الالتزام، الإنصات المتمعن لشريكك، اسألْ سؤالًا، أعطِ إجابةً، أعطِه قدرَه، ابقَ جذابًا، احتفظْ بنموِّك ونضجك العقلي، احتوِها، أعطِه خصوصيتَه، كُن أمينًا وجديرًا بالثقة، أخبِرْ شريكك بما تريد، تقبَّلْ أوجهَ القصور، فيه أو فيها، راعِ عاداتِك، مرِّنْ حسَّك الفكاهي، احترمِيه، احترمْها. وائِمْ، جادِلْ بشكل بنَّاء، أبدًا لا تُهدِّد بالهجر، انسَ الماضي، ارفض الخيانة الزوجية.

لا تفترض أن علاقتَكما سوف تستمرُّ للأبد، لكن ابْنِها يومًا بيوم، ولا تكفَّ أبدًا عن كلِّ هذا. والعديد من العادات الحكيمة يمكنها أن تبقى، مشاعر الارتباط الطويل. لكن ليس من المرجح أن ترفع مستويات الدوبامين، أو تبقى عاطفة الحب الرومانسي.

التيكتيكات (الوسائل) الأخرى يمكنها أن تحافظ على الشعلة متقدة. وينصح «خليل مطران» قائلًا: «لتجعلَا هناك حيِّزًا في وحدتكما.» وعلى الرغم من أن الشاعر اللبناني، بالتأكيد لا يعرف ذلك، فإن نصيحته سليمة للإبقاء على البيولوجيا المصاحبة للحب الرومانسي. وكما ذكرنا سابقًا، إذا تأخرت المكافأة في المجيء فإن التأخير يُطيل أمدَ نشاط خلايا الدوبامين، مزيدًا من السرعة، لهذا المنشط الطبيعي، لمراكز المكافأة بالمخ.٧٥ على الرغم من هذا، فإن الرجال يفضِّلون الخصوصية والاستقلالية، أكثر من النساء، فإن لكلا الجنسين التباعد،٧٦ بالتأكيد يساعد على استمرارية العاطفة الرومانسية، نظرًا لما نعرفه عن الحب، بالتأكيد سيكون من الحكمة الانخراط فيما يُطلق عليه المعالجون «وقت المواعدة».
تطوير نسق من الاهتمامات الشائعة، واجعل نقطة لفعل ما هو جديد ومثير معًا.٧٧ التنوع، التنوع، التنوع، يُنشط مراكز البهجة، في الدماغ.٧٨ ويحافظ على مناخ الرومانسية.

(١٦) العاطفة والمنطق

منذ زمن الإغريق القدامى، اعتبر الشعراء والفلاسفة، وكتَّاب المسرح، العاطفةَ والمنطق، ظواهرَ منفصلة، ومستقلة، وحتى متعارضة.

وقد لخص «أفلاطون» هذا الانقسام، قائلًا: «إن رغبات المرء، مثل الجياد البرية، والعقل كان العجلة الحربية، التي يجب عليها كبْح وتوجيه هذه الرغبات الشديدة.»٧٩

الاعتقاد أن المرء يجب أن يستخدم العقل كي ينتصرَ على رغباته الأساسية، تدفَّقت عبر العصور. اللاهوت المسيحيون الأوائل، عززوا هذا الإدراك في التفكير الغربي: المشاعر والرغبات فتن، خطايا يجب أن تُقهر بالعقل، وقوة الإرادة.

علماء الأعصاب يؤمنون الآن، مع ذلك، بأن العقل والعاطفة لا محالة مرتبطان في المخ. وأنا أعتقد أن هذه الارتباطات تقول شيئًا مهمًّا عن التحكم في الحب الرومانسي. وربما تتذكرون أن القشرة المخية ما قبل الجبهية للمخ تقع مباشرة خلف جبهتك، لقد تمدَّدَت بشكل كبير في الحجم، أثناء إنسان ما قبل التاريخ، وتكرَّست في معالجة المعلومات. إنه مركز الأعمال في العقل، مع القشرة ما قبل الجبهية (وترابطاتها)، فأنت تجمع وتعطي الأوامر التي تكتسبها/اكتسبتها، من الخطط وصناعة القرار.

لكن القشرة ما قبل الجبهية، لها ارتباطات مباشرة مع العديد من المناطق، التي تقع تحت القشرة المخية، متضمنة مراكز العاطفة، التركيب اللوزي «الأميجدالا» Amegdala، ومراكز الدافعية، النواة المذَنَّبة، وأخرى والعديد منها.
إذن التفكير، والعاطفة، والذاكرة، والدافعية، مندمجان ومتكاملان بشكل وثيق.٨٠ إن العقل والعاطفة مرتبطان ارتباطًا لا ينفصم.
في الواقع، فإن المرء نادرًا ما يفكر، بدون مشاعر مصاحبة وحث، والمرء قلما يكون له مشاعر ورغبة، بدون أفكار مصاحبة.٨١
ولسبب معقول، قال عالم الأعصاب «أنطونيو داماسيو»: «بدون مشاعر واحتياجات، لا نستطيع تعيين قِيَم مختلفة لاختيارات مختلفة؛ فأفكارنا، منطقنا، قراراتنا، سوف تكون جامدة، بدم بارد، تفتقد المكونات العاطفية الحية، التي نحتاجها لنوازن المتغيرات، ونصنع الخيارات، سوف نصبح أرواحًا من ثلج.»٨٢
عالم الأعصاب «جوزيف لودو»، اكتشف أن المخ له طريقان لإدماج المشاعر والعقل: «الطريق العالي»، و«الطريق السفلي».٨٣ وكلاهما مترابطان بجهاز الإثابة بالمخ، باحتياجاته ودوافعه.

فحينما يستقبل الفص اللوزي الإشارات مباشرة من القشرة المخية ما قبل الجبهية، لنتحكم في أنفسنا؛ فنحن نفكر قبل أن نشعر ونتحرك. هذا هو «الطريق الواسع العالي». لكن «الأميجدالا» أيضًا تستقبل معلوماتٍ مباشرةً من مناطق الإحساس بالقشرة المخية، والتي تتجنب منطقة القشرة، ما قبل الجبهية، الجزء المنطقي في المخ، هذا هو «الطريق السفلي»، وهو غير منطقي، عاطفي بقوة، أكبر بكثير من «الطريق العالي»، وصعب كبْحه جدًّا.

هذا الطريق السفلي يمكِّن المحب من أن يجرِّبَ النشوة الهائلة واللهفة، فيما يرون محبوبهم، حتى قبل أن يفكروا بعقلانية عنه أو عنها.

لكن هذا الطريق يستطيع أن يغمرَ المحب، المحبط، في غفلة، بغضب عارم خارج عن الإرادة، ويستفزهم كي ينفجروا باندفاعية، بضرب، أو حتى بذبح حبيب القلب!

هناك بطانة فضية لشبكة المخ؛ فنحن البشر نستطيع أن نأخذ «الطريق العالي»، حيث القشرة الجبهية تستطيع وغالبًا ما تمارس تحكمًا على الفص اللوزي، والباقي من أجهزة المخ، الأقدم تطورًا، التي تُولد مشاعرنا ودوافعنا،٨٤ وكما قال الفيلسوف جون ديوي: «العقل بداية فعل.»

وأنا أوافق على أن الفصَّ الجبهي للإنسان، الإنجاز الأكبر للحياة على الأرض، بُنيَ كي يفعلَ الأشياء، كي يحشدَ المعلومات بطريقة فريدة، يُعلل، يتخذ القرارات، ويتجاوز دوافعنا الأساسية.

وكما وضعها «أرسطو طاليس»: «المخ، يضبط الحرارة، ويغلي القلب.»

يمكننا السيطرة على الدافع إلى الحب، كيف سيكون هذا قويًّا، زئبقيًّا متقلبًا، قوة بدائية في عالمنا الحديث؟

(١٧) أعلام الفصل الثامن

فولتير Voltaire (١٦٩٤–١٧٧٨م): اسمه الحقيقي فرانسوا ماري أرويه، كاتب فرنسي شهير، عاش في عصر التنوير، وكان مدافعًا بقوة عن الإصلاح الاجتماعي.
سو تانج بو Su Tang Bo: شاعر صيني شهير، وُلد في عام ١٠٣٦م، وتأثَّر بالطاوية والبوذية.
ألين كارتير Alain Cartier (١٣٨٥–١٤٣٠م): شاعر وكاتب سياسي فرنسي.
بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin: أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية وكاتب وسياسي، شغل عدة مناصب سياسية منها حاكم ولاية بنسلفانيا، وأول سفير أمريكي لفرنسا، كتب تقويم ريتشارد المسكين، وهو اسم مستعار انتحله ليكتب هذه القصص المسلسلة لمدة ٢٥ عامًا، وقد كانت ذائعة الصيت في الولايات المتحدة الأمريكية وخارج حدودها كذلك.
بترارك Petrarch (١٣٠٤–١٣٧٤م): باحث وشاعر ومعلِّم إيطالي شهير.
تشارليز ديكينز Charles Dickens (١٨١٢–١٨٧٠م): روائي إنجليزي وعالمي شهير، من أشهر أعماله أوليفر تويست، وقصة مدينتين.
وليم كافينديتش William Cavendish (١٥٩٢–١٦٧٦م): دوق نيوكاسل، وكان من أسرة ثرية وشاعر.
جبران خليل جبران Khalil Gibran (١٨٨٣–١٩٣١م): كاتب وفنان ونحات لبناني الأصل، هاجر للولايات المتحدة الأمريكية، ومن أهم أعماله كتاب النبي.
ماري وولستون كرافت Mary Wallstonecraft (١٧٥٩–١٧٩٧م): كاتبة وفيلسوفة إنجليزية، مؤسسة الحركة النسائية الإنجليزية.
جون دوي John Dewey (١٨٥٩–١٩٥٢م): فيلسوف أمريكي وأخصائي نفسي ومصلح اجتماعي خصوصًا في مجال التعليم.
أنطونيو داماسيو Antonio Damasio: وُلد في لشبونة عاصمة البرتغال عام ١٩٤٤م. أستاذ علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا، ترأَّس معهد المخ والإبداع، وله عدة مؤلفات واسعة الانتشار وصاحب فرضيات تربط بين المشاعر الإنسانية والتركيب البيولوجي للمخ.
جوزيف لو دو Joseph E. leDoux: وُلد في ١٩٤٩م، عالم أعصاب معاصر بجامعة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ومدير مركز علم الأعصاب للخوف والقلق بنيويورك، له عدة أبحاث متعددة عن بيولوجية العواطف وخاصة الخوف والذاكرة، ومن مؤلفاته كتاب «المخ العاطفي» ١٩٩٦م.
أناتول فرانس (١٨٤٤–١٩٢٤م): روائي وشاعر وصحفي فرنسي شهير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤