الفصل السادس والثلاثون

الخاتمة في نهاية الحرب

ألَا فابشروا يا قومِ إنَّ الوغى الكبرى
خبَتْ وكُفِينا مِن تسعُّرها الشرَّا
خبتْ نارُها والحمد لله بعدما
ذَكَتْ ولظاها أحرق البرَّ والبحرا
وقد وَضعَتْ أوزارَها بعدما طغتْ
وسجَّلتِ الدنيا على المعتدي الوزرا
تقلَّص عن وجه البسيطة ظلُّها
وكان عليه ظلُّها باسطًا سِتْرَا
وبعد تمادِي١ ليلِها لاحَ فجرُهُ
وكُنَّا ظننا أنه عدمَ الفجرا
قضَيْنا بها خمسين شهرًا نعدُّها
وشهرًا وكُنَّا اليومَ نحسبه شهرا
وكُنَّا نعد الشهرَ أطول من سني الـ
ـمجاعةِ بل كُنَّا نرى عامَها دهرا
وفيها أصابَ الكونَ ما إنَّ وصفَهُ
ليستنفدُ الأقلامَ والصحفَ والحبرا
وقد مرَّ إلْمامي به غير مرَّةٍ
فلستُ بمستحلٍ إعادةَ ما مرَّا
شعرتُ بما قاسَى الورى من شرورها
شعورًا بدا لي أنْ أُمَثِّلَه شِعْرا
أجبتُ به نفسي على الفور إذْ دعتْ
ولبَّيْتُها لم أعصِ فيه لها أمرا
وأودعتُ وصْفَ الحرب هذي القصائدَ الـ
ـتي اجتزأتْ باللُّبِّ لم تحتوِ القِشرا
وأعددتُها للطبع لَمَّا أنِ انطوتْ
على ما استحقَّ الطبعَ واستَأْهَل النشرا
وقد بُدِئتْ بالحرب والآن تنتهي
بذكر النجا٢ منها وتُختَم بالبشرى
ببشرى رآها المسك إذْ ضاع نشْرُها
على طيبه تسمو وتفضله نشرا
ولو أنها بِيعتْ وأُرخِصَ سِعْرُها
لكانتْ بأغلى مهجةٍ في الورى تُشْرَى
خلاصتها أنَّ الوَغَى قُلَّ نعشُها٣
وألمانيا عضَّتْ أنامِلَها العشرا
وأنَّ يدَ البغي التي امتدَّ شرُّها
وطالتْ عَراها القصر بل كسِرت كسرا
وأنَّ الذي بالأمس علَّل نفسهُ
بربحٍ نراه اليوم مُشتكِيًا خُسْرا
وذَيَّالك العُسرَ الذي اشتدَّ ضغطُه
على الناس طُرًّا زال واستمتعوا اليُسرا
فيا حُسْنها بشرى ملا الأرضَ بشرها
وكل امرئٍ في الخافقين بها سُرَّا
أُذيعتْ وفي الأفواه جهرًا حديثها
تكرَّر إذْ لم يبقَ موضوعها سِرَّا
ولَمَّا تهاداها الورى كان فعلها
بأذهانهم فعلَ الرحيق أيِ السُّكْرَا
فضجُّوا بأصوات الهتاف وعربدوا
وجاءوا بما أعيا تصوُّره الفكرا
أقاموا لها الزِّينات والنَّدوات في
جميع القرى والمدن حافلةً تترى
ولم يدَعوا أمرًا به يُعرِبون عن
مسرَّتهم إلا أتَوْا ذلك الأمرا
وإنْ همُ في بعض الأمور تجاوزوا
حدود المسرَّاتِ الْتَمَسْنا لهم عذرا
كفى الناسَ عُذرًا فيه قولُ مبشِّرٍ
لهم أبشروا قد أحرَز الحلفا النصرا
فتلكمُ بشرى لستُ وصْفَ جمالها
بموفٍ ولو أني قضيتُ به العُمْرا
ولله كم نفس بها يومَ أُعلِنت
خلاصتها طابتْ! وكم ناظرٍ قرَّا!
وكم شنَّفتْ أذنًا! وكم برَّدت حشًى!
وكم أبهجت قلبًا! وكم شرحت صدرا!
وكم بسط الناسُ الأكفَّ وقدَّموا
لخالقهم من أجلها الحمد والشكرا!
وبالحلفا خصُّوا جميلَ ثنائهم
وقد عمَّ حتى ما استطاعوا له حصرا
وأمَّا ملايين الضحايا فرَحَّموا
عليهم وأحيَوْا بالرِّثاءِ لهم ذِكرا

•••

مصائبُ هذي الحرب عمَّت بني الورى
فلم يبقَ مَن لم يشكُ مِن نارها حرَّا
ولكنه قد يُنتج الخيرَ شرُّها
ورُبَّ مفيدٍ نافعٍ يُعقِب الضُّرَّا
فإنْ تمَّ ما يسعى له الحلفاء في
مجالسهم واستأصَلُوا للوغى الجذرا
وصارتْ كبار المشكلات بأسرها
تُحال على جمعية الأمم الكبرى
ولم يَبْقَ خوفٌ من شعوبٍ كبيرةٍ
تجور على الصغرى وتحكمها قسرا
ولم يُهضَمِ الشعبُ الضعيفُ حقوقَه
وأصبح في الدنيا كما ينبغي حُرَّا
إذا تمَّ هذا كلُّهُ والرجاء أن
يتمَّ وعمَّ الخيرُ منه الورى طرَّا
محا إثمَ هذي الحرب عنها ولم تُرَقْ
دماءُ الملايين التي سُفِكتْ هَدْرا
١  طول.
٢  النجاة.
٣  أي انتهت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤