شكسپير

(١) نشأته

ولد مؤلف هذه القصص الرائعة، الشاعر العظيم «وليم شكسپير» في بلدة «ستراتفورد»؛ وهي مدينة صغيرة في «إنجلترا». وكانت ولادته في شهر أبريل عام ١٥٦٤م.

وكان أبوه «جون شكسپير» قصَّابًا (جزارًا)، وهو إلى ذلك يتجر في الأصواف في تلك المدينة. ولم تكن أمه السيدة «ماري أردن» متعلمة. وكان «شكسپير» أكبر إخوته.

وقد اشتهر أبوه بالكرم وطيبة القلب. وتفشَّى الوباء، وكثر الطاعون وانتشر في شهر يوليو عام ١٥٦٤م، أي في السنة التي ولد فيها «شكسپير»؛ فلم يقصّر أبوه في معاونة البائسين والمعوزين، فاستنفد ذلك ماله وأفنى مال زوجه، وأغرقها الدَّين، فعجزا عن الوفاء بما عليهما للدائنين. ولم يستطع «شكسپير» أن يتم دروسه التي كان يتلقاها في إحدى المدارس الريفية، بعد أن عجز أبواه عن الإنفاق عليه بسبب فقرهما؛ فلم يمكث في مدرسته إلا زمنًا قصيرًا.

(٢) فِي دُكَّانِ أبِيه

ولم يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتى اضُطرَّ إلى احتراف مهنة أبيه، بعد أن سُدَّت في وجهه كل أبواب الرزق.

ومما يحكونه عنه: أنه كان إذا ذبح عجلًا أو شاة (نعجة)، تألم لذلك أشد الألم، ووقف يخطب رفاقه — في بلاغة مؤثرة — ويُظهر أمامهم ما يشعر به من الألم العميق كلما هَمَّ بذبح حيوان.

ولقد قضى «شكسپير» حياته الأولى في هَمٍّ وضنك، وغَمٍّ وضيق، وتزوج وهو في الثامنةَ عشرةَ من عمره، ورُزِق ثلاثة أطفال: ولدًا وبنتين. ولم يكن سعيدًا في زواجه؛ فقد ألَحَّ عليه الفقر والبؤس حتى ساءت حاله واضطرب أمره.

(٣) هربه إلى «لندن»

ولم يبلغ العشرين حتى أوقعه فقره في مأزِق حرج وَضيق شديد. فقد خرج ذات يوم مع بعض رفاقه، وظلوا يصطادون الغِزلان والأرانب — على عادتهم — حتى ضبطهم السيد «توماس لوسي» وهم يصطادون في مزرعته في «شرليكونت» ورافعهم (شكاهم) إلى القضاء؛ فقضى عليهم بالسجن، وفرض عليهم غُرمًا فادحًا (عقوبة مالية كبيرة)، فاضطر «شكسپير» إلى الهرب. ولم يصل إلى مدينة «لندن» حتى نظم بعض الأشعار في هَجْوش السيد «توماس لوسي».

(٤) في مسرح «لندن»

وظل «شكسپير» يبحث في مدينة لندن عن عمل يقتات منه، فلم يجد أمامه غير المسرح، وهو بطبعه ميَّال إليه؛ فالتحق به، وتحققت فيه كل أمانيه.

وكان أول عمل عهدوا به إليه أن يحرس جِياد النَّظارة (الخيل التي يملكها جمهور الناظرين من شهود التمثيل)، ثم ارتقى فصار مُلقنًا، ثم ممثلًا ثم مؤلفًا صغيرًا، ثم نابغة فذًّا (مفردًا) منقطع النظير (لا مثيل له).

ولم يكن في مدينة «لندن» حينئذٍ إلا مسرح واحد مبني بالخشب، وليس له سقف. فلما جاء عام ١٥٩١م، ظهرت أولى رواياته، وهي قصة «رُوميو وچُلْيِت»، فنجحت نجاحًا باهرًا، وأعجب بها جمهور النَّظَّارة إعجابًا شديدًا، وكانت سِنُّهُ حينئذٍ سبعة وعشرين عامًا.

(٥) في ذروة المجد

ثم توالى نجاحه وذاع فضله، حتى دعته ملكة إنجلترا «إليصابات» ليمثل أمامها روايته التي ألفها عن أبيها «هنري الرابع». وقد كان لتشجيعها أكبر أثر في نفسه، فتغنى بفضلها في شعر رائع.

ولم يبلغ السابعة والأربعين حتى أتم ستًّا وثلاثين رواية تمثيلية، بعضها دِرامة وبعضها كومدْيا، وكان يؤلِّف في كل عام روايتين تقريبًا.

وهكذا ابتسم له الحظ، وصَفَتْ له الأيام، ونمت ثروته؛ فأنقذ أباه من الفقر وَوَفى دَينه وأسعد أسرته.

وما زال يرتقي ويكبر شأنه ويذيع فضله، حتى أصبح من أفذاذ شعراء العالم وعظماء الفكر الإنساني، فترجمت رواياته الرائعة (التي تَرُوعُك وتعجبك بحسنها) إلى أكثر اللغات.

وسترى أيها القارئ الصغير في هذه الروايات ما يَبْهجك من أسمى ألوان الخيال العالي التي جاد بها هذا الشاعر العظيم، وبدائع الصور البيانية التي ابتدعتها طبيعة نفسه الفتية الشاعرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤