الفصل الثاني

(١) بين «بُرُسْبِيرُو» و«آرْيِلَ»

وَلَمْ تَسْتَسْلِمْ «مِيرَنْدا» لِلنَّوْمِ، حَتَّى نادَى «بُرُسْبِيرُو» خادِمَهُ الْجِنِّيَّ الْمُخْلِصَ الْأَمِينَ «آرْيِلَ» وَقالَ مُتَلَطِّفًا: «هَلُمَّ إِلَيَّ — يا عَزِيزِي «آرْيِلُ» — وَنَفِّذْ ما آمُرُكَ بِهِ فِي الْحالِ، بِلا تَوانٍ (بِغَيْرِ بُطْءٍ وَلا تَراخٍ). هَلُمَّ أَيُّها الرَّفِيقُ الْكَرِيمُ».

فَتَقَدَّمَ «آرْيِلُ» — فِي نَشاطٍ وَخُضُوعٍ — وَقالَ لِسَيِّدِهِ مُتَأَدِّبًا: «تَحِيَّتِي إِلَيْكَ يا مَوْلايَ الْكَرِيمَ، يا ذا الْمَجْدِ وَالرِّفْعَةِ وَالسُّلْطانِ. هأَنَذا — يا سَيِّدِي — أُلَبِّيكَ وَأُجِيبُكَ مُطِيعًا خاضِعًا. فَمُرْنِي: أَطِرْ فِي الْجَوِّ، أَوْ أَسْبَحْ فِي قاعِ الْبَحْرِ، أَوْ أَعْدُ فِي فِجاجِ الْأَرْضِ (أَجْرِ فِي نَواحِي الدُّنْيا). مُرْنِي أَجْلِسْ عَلَى مُتُونِ الْغَمامِ، وَظُهُورِ السَّحابِ. مُرْنِي بِما تَشاءُ — يا مَوْلايَ — تَجِدْنِي أَطْوَعَ إِلَيْكَ مِنْ بَنانِكَ (أَطْرافِ أَصابِعِكَ).»

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «هَلْ أَنْفَذْتَ كُلَّ ما أَمَرْتُكَ بِهِ — فِي دِقَّةٍ وَإِخْلاصٍ — أَيُّها الْجِنِّيُّ الْعَزِيزُ؟»

فَقالَ لَهُ «آرْيِلُ»: «نَعَمْ، يا مَوْلايَ، فَقَدْ أَثَرْتُها عاصِفَةً هَوْجاءَ مُرَوِّعَةً (مُخَوِّفَةً مُفَزِّعَةً)، مَلَأَتْ قُلُوبَهُمْ ذُعْرًا وَخَوْفًا وَهَلَعًا؛ فَكانُوا — حَيْثُما أَدارُوا لِحاظَهُمْ (طافُوا بِعُيُونِهِمْ) — رَأَوْا هَلاكًا يَتَهَدَّدُهُمْ، وَمَوْتًا يَتَوَعَّدُهُمْ، وَلَهَبًا يَكْتَنِفُهُمْ، وَنارًا تُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جانِبٍ! فاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الْيَأْسُ، وَتَمَلَّكَهُمُ الْفَزَعُ وَالرُّعْبُ مِنْ هَوْلِ ما رَأَوْا».

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «وَهَلِ اسْتَطاعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَثْبُتَ لِلْهَوْلِ، وَيَحْتَفِظَ بِرَزانَتِهِ وَعَقْلِهِ فِي تِلْكَ الْغاشِيَةِ (الْمُصِيبَةِ النَّازِلَةِ)؟»

فَقالَ لَهُ «آرْيِلُ»: «كَلَّا يا سَيِّدِي، فَقَدْ عَرَتْهُمُ الْحُمَّى (أَصابَتْهُمْ)، وَتَمَلَّكَهُمُ الْخَوْفُ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الْيَأْسُ وَالذُّهُولُ جَمِيعًا؛ فَأَلْقَوْا بِأَنْفُسِهِمْ فِي الْيَمِّ (الْبَحْرِ)، مُؤْثِرِينَ (مُفَضِّلِينَ) الْأَمْواجَ الْهائِجَةَ الْمُزْبِدَةَ (الْقاذِفَةَ بِالزَّبَدِ) عَلَى ذَلِكَ الْجَحِيمِ الْمُسْتَعِرِ (الْمُلْتَهِبِ)، وَلَمْ يَبْقَ فِي السَّفِينَةِ إِلَّا الْمَلَّاحُونَ (النُّوتِيُّونَ) وَحْدَهُمْ! وَكانَ «فِرْدِنَنْدُ» ابْنُ الْمَلِكِ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي الْأَمْواجِ الثَّائِرَةِ الْهائِجَةِ، وَقَدْ قَفَّ (قامَ) شَعْرُ رَأْسِهِ — مِنْ شِدَّةِ الذُّعْرِ — فَأَصْبَحَ كَأَعْوادِ الْغابِ، وَصَرَخَ — وَقَدْ تَمَلَّكَهُ الْخَوْفُ وَالرُّعْبُ — «يا لَلَّهِ! لَقَدْ انْتَقَلَتِ الْجَحِيمُ كُلُّها إِلَى هذِهِ الْبُقْعَةِ وَفَتَحَتْ أَبْوابَها لَنا!»

(٢) «آرْيِلُ» يَلْتَمِسُ الْحُرِّيَّةَ

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «ما أَصْدَقَ ما قالَ! فَخَبِّرْنِي — أَيُّها الْجِنِّيُّ الْعَزِيزُ — هَلْ أَنْقَذْتَهُمْ جَمِيعًا مِنَ الْغَرَقِ؟»

فَقالَ لَهُ «آرْيِلُ»: «نَعَمْ يا سَيِّدِي، فَقَدْ سَلِمُوَا جَمِيعًا، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَهَكَذا أَنْفَذْتُ إِشارَتَكَ — فِي دِقَّةٍ وَأَمانَةٍ — وَفَرَّقْتُهُمْ شِيَعًا (طَوائِفَ) فِي أَنْحاءِ الْجَزِيرَةِ، وَأَقْصَيْتُ «فِرْدِنَنْدَ» ابْنَ الْمَلِكِ عَنْ أَصْحابِهِ، وَجَعَلْتُهُ فِي عُزْلَةٍ تامَّةٍ (انْفِرادٍ وَوَحْدَةٍ)».

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «شَدَّ ما أَحْسَنْتَ يا «آرْيِلُ»، فَقَدْ أَدَّيْتَ ما طَلَبْتُهُ إِلَيْكَ خَيْرَ أَداءٍ، وَلَكِنَّ أَمْرَهُمْ لَنْ يَقِفَ عِنْدَ هذا الْحَدِّ».

فَقالَ لَهُ «آرْيِلُ»: «أَيَسْمَحُ السَّيِّدُ أَنْ أَرْفَعَ إِلَيْهِ مُلْتَمَسًا؟»

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «اطْلُبْ ما شِئْتَ، أَيُّها الْجِنِّيُّ الْمُتَرَدِّدُ الْمُوَسْوِسُ».

فَقالَ لَهُ «آرْيِلُ»: «أَلْتَمِسُ يا سَيِّدِي أَنْ تَمْنَحَنِي حُرِّيَّتِي بَعْدَ هذا».

فَقالَ «بُرُسْبِيرُو»: «أَناةً أَيُّها الْجِنِّيُّ (مَهْلًا وَصَبْرًا)؛ فَإِنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَحِنْ بَعْدُ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ أَجَلٌ وَمِيقاتٌ (مَوِعِدٌ وَوَقْتٌ)».

(٣) «بُرُسْبِيرُو» يُهَدِّدُ «آرْيِلَ»

فَأَجابَهُ «آرْيِلُ»: «أَيُرِيدُ السَّيِّدُ مِنِّي أَنْ أَفْعَلَ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلْتُ؟»

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «أَتَمُنُّ عَلَيَّ أَنْ أَتَيْتَ أَمْرًا هَيِّنًا (سَهْلًا) لَمْ يُكَبِّدْكَ أَيَّ عَناءٍ؟ لَعَلَّكَ نَسِيتَ «سِكُورَكْسَ» السَّاحِرَةَ الْخَبِيثَةَ الْفَظَّةَ (الْخَشِنَةَ الطَّبْعِ)، وَما كانَتْ تُلْحِقُهُ بِكَ مِنْ نَكالٍ (عُقُوبَةٍ وَعَذابٍ) وَتَبْرِيحٍ (أَذًى شَدِيدٍ)! تُرَى هَلْ نَسِيتَ الصَّرَخاتِ الْمُؤْلِمَةِ الَّتِي كُنْتُ تُرْسِلُها فِي الْفَضاءِ — مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ — كَعُواءِ الذِّئابِ، فَتَرْجُفُ (تَرْتَعِدُ) الدِّبَبُ وَالْوُحُوشُ مِنْ هَوْلِها، وَأَنْتَ سَجِينٌ مَقْهُورٌ فِي جِذْعِ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ؟»

فَأَجابَهُ «آرْيِلُ» فِي ضَراعَةِ النَّادِمِ، وَتَذَلُّلِ الْآسِفِ: «رَحْمَةً بِي، وَتَجاوَزْ عَنْ هذِهِ السَّيِّئَةِ الَّتِي اقْتَرَفْتُها (ارْتَكَبْتُها)!»

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو» ضاحِكًا: «يا لَكَ مِنْ مُنْكِرٍ لِلْجَمِيلِ! عَلَى أَنَّكَ إِذا تَكَلَّمْتَ بَعْدَ هذا: شَقَقْتُ شَجَرَةَ بَلُّوطٍ وَجَعَلْتُها سِجْنَكَ إِلَى الْأَبَدِ. فاذْهَبِ الْآنَ وَأَنْجِزْ (أَتْمِمْ وَنَفِّذْ) ما آمُرُكَ بِهِ، فَإِنِّي — إِذا فَعَلْتَ — مُعْتِقُكَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. هأَنَذا آمُرُكَ، فَأَحْضِرْ لِي «فِرْدِنَنْدَ»، فَإِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَرَى عَنْ كَثَبٍ (أَشْهَدَ عَنْ قُرْبٍ) ابْنَ الرَّجُلِ الَّذِي ضَيَّعَ الْمُلْكَ مِنِّي».

فَقالَ لَهُ «آرْيِلُ»: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَكَ!»

ثُمَّ قَفَزَ — فِي خِفَّةٍ وَنَشاطٍ — وَاسْتَخْفَى عَنْ عَيْنَيْهِ لِيُحْضِرَ لَهُ ما طَلَبَ.

(٤) يَقَظَةُ «مِيرَنْدا»

وَثَمَّةَ انْحَنَى «بُرُسْبِيرُو» عَلَى ابْنَتِهِ وَهْيَ نائِمَةٌ، وَقالَ لَها: «اسْتَيْقِظِي يا بُنَيَّتِي الْعَزِيزَةَ، وَهُبِّي (قُومِي وَانْهَضِي) مِنْ رُقادِكِ. هَلُمِّي إِلَيَّ لِتَنْظُرِي ما فَعَلَ «كَلِيبانُ»».

فَقالَتْ لَهُ «مِيرَنْدا» وَهِيَ تَرْفَعُ جَفْنَيْها: «كَلَّا يا أَبَتِ، لا أُحِبُّ أَنْ أَرَى أَمامِي هذا الشَّيْطانَ».

فَقالَ لَها: «الْحَقُّ مَعَكِ يا عَزِيزَتِي، فَإِنَّهُ فَظٌّ بَغِيضٌ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ. عَلَى أَنَّنا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَسْتَغْنِيَ عَنْهُ. فَهُوَ الَّذِي يَجِيئُنا بِالْخَشَبِ، وَيَحْتَطِبُ (يُحْضِرُ الْحَطَبَ) لَنا — كُلَّ يَوْمٍ — وَيُوقِدُ النَّارَ».

(٥) بَيْنَ «بُرُسْبِيرُو» و«كَلِيبانَ»

ثُمَّ صاحَ: «هَلُمَّ إِلَيَّ يا «كَلِيبانَ». إِلَيَّ أَيَّتُها السُّلْحَفاةُ الَخِبيَثُة. أَلا تُلَبِّي نِدائِي؟»

فَسَكَتَ «كَلِيبانُ» لَحْظَةً، ثُمَّ قالَ لِسَيِّدِهِ «بُرُسْبِيرُو» غاضِبًا: «أَنَسِيتَ أَنَّ هذِهِ الْجَزِيرةَ الَّتِي تَعِيشُ فِيها هِيَ مِلْكٌ لِي وَحْدِي، وَأَنَّنِي قَدْ وَرِثْتُها عَنْ أُمِّي «سِكُورَكْسَ»؟ ثُمَّ سَلَبْتَنِيها وَاغْتَصَبْتَها مِنِّي بِقُوَّتِكَ، وَظُلْمِكَ وَجَبَرُوتِكَ؟ عَلَى أَنَّكَ لَمْ تَحُلَّ بِهذِهِ الْجَزِيرَةِ حَتَّى عَلَّمْتَنِي كَيْفَ أَنْطِقُ وَأَصِفُ ما حَوْلِي مِنَ الْأَشْياءِ، وَقَدْ أَحْبَبْتُكَ — حِينَئِذٍ — ومَحَضْتُكَ الْوُدَّ، وَأَخْلَصْتُكَ الْحُبَّ، فَأَرَيْتُكَ كُلَّ ما فِي الْجَزِيرَةِ مِنَ الْيَنابِيعِ الْعَذْبَةِ وَالْآبارِ الْمِلْحَةِ، وَالْمُرُوجِ (الْأَرْضِ الْمَمْلُوءَةِ بِالنَّباتِ) وَالْهِضابِ. فَعَلَيَّ اللَّعْنَةُ إِذْ أَرْشَدْتُكَ إِلَى كُلِّ هذِهِ الْخَيْراتِ. نَعَمْ، وَلْتَسْقُطْ عَلَيْكَ لَعَناتُ «سِكُورَكْسَ» يا جِنْسَ الْخَفافِيشِ، وَنَسْلَ الضَّفادِعِ وَسَلِيلَ الثَّعابِينِ!»

ثُمَّ وَقَفَ «كَلِيبانُ» عَنِ الْكَلامِ لَحْظَةً وَاسْتَأْنَفَ يَقُولُ: «لَقَدْ كُنْتُ — وَحْدِي — مَلِكَ الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا حَلَلْتُما سَلَبْتَنِي حُرِّيَّتِي، وَمَلَكْتَ رِقِّي، وَصَيَّرْتَنِي عَبْدًا وَاغْتَصَبْتَ مِنِّي مُلْكِي، وَلَمْ تَدَعْ لِي مِنَ الْجَزِيرَةِ إِلَّا مَكانًا ضَيِّقًا فِي هذِهِ الصَّخْرَةِ الْمُقْفِرَةِ (الْخالِيَةِ). فَيا لَكَ مِنْ جاحِدٍ مُنْكِرٍ لِلْجَمِيلِ! أَلا فَلْتَسْقُطْ عَلَيْكَ لَعَناتُ أُمِّي «سِكُورَكْسَ»، وَلْتُنَغِّصْ عَلَيْكَ حَياتَكَ الضَّفادِعُ وَالْخَنافِسُ وَالْخَفافِيشُ!»

(٦) «بُرُسْبِيرُو» يَتَوَعَّدُ «كَلِيبانَ»

وَلَمْ يُطِقْ «بُرُسْبِيرُو» أَنْ يَدَعَ «كَلِيبانَ» ماضِيًا فِي سبابِهِ (مُسْتَمِرًّا فِي شَتْمِهِ)، مُتَمادِيًا فِي وَقاحَتِهِ، فَقاطَعَهُ قائِلًا: «صَهْ (اسْكُتْ) أَيُّها الْأَثِيمُ، فَلَيْسَ يَجْدُرُ بِكَ إِلَّا السَّوْطُ، أَمَّا الْجَمِيلُ فَلا يَتْرُكُ فِي نَفْسِكَ إِلَّا أَسْوَأَ الْآثارِ. أَنَسِيتَ ما أَسْلَفْتُهُ (قَدَّمْتُهُ إِلَيْكَ) مِنْ إِحْسانٍ، وَما غَمَرْتُكَ بِهِ مِنْ عَطْفٍ وحَنانٍ؟ كَيَفْ ارْتَضَيْتَ أَنْ تُقابِلَ مَعْرُوفِي بِالْإِساءَةِ وَجَمِيلِي بِالْكُفْرانِ؟ هِيهِ أَيُّها الْجاحِدُ، لَقَدْ لَقِيتُكَ — أَوَّلَ أَمْرِكَ — حَيَوانًا أَبْكَمَ، وَلَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ مِنَ الْكَلامِ إِلَّا الصُّراخَ وَالْعُواءَ، فَعَلَّمْتُكَ كَيْفَ تَنْطِقُ وَكَيْفَ تُبِينُ عَنْ أَغْراضِكَ».

فَأَجابَهُ «كَلِيبانُ» حانِقًا غاضِبًا ثائرًا: «لَقَدْ عَلَّمْتَنِي اللُّغَةَ، فَشُكْرًا لَكَ إِذْ عَلَّمْتَنِي كَيْفَ أَلْعَنُكَ، وَأَدْعُو عَلَيْكَ أَنْ يُهْلِكَكَ الطَّاعُونُ جَزاءَ ما عَلَّمْتَنِيهِ!»

فَقالَ لَهُ «بُرُسْبِيرُو»: «صَهْ. اخْرَسْ أَيُّها السَّاقِطُ الْمُرُوءَةِ، وَحَذارِ أَنْ تَتَمادَى فِي سَفاهَتِكَ وشَتَمِكَ، وَهَذَرِكَ وَمُزاحِكَ وَهَذَيانِكَ. اذْهَبْ مِنْ هُنا — يا ابْنَ «سِكُورَكْسَ» — فَأَحْضِرْ لَنا وَقُودًا. أَسْرِعْ بِتَلْبِيَةِ أَمْرِي، وَلا تَتَوانَ فِي ذَلِكَ وَلا تُبْطِئْ، وَإِلَّا مَلَأْتُ عِظامَكَ بِالْأَوْجاعِ وَالْآلامِ الْمُبَرِّحَةِ (الشَّدِيدَةِ الْأَذَى وَالْأَلَمِ) جَزاءَ عِصْيانِكَ وَلُؤْمِ نَحِيزَتِكَ (خُبْثِ طَبِيعَتِكَ)، وَفَسادِ ضَمِيرِكَ وَطَوِيَّتِكَ».

فَمَلَأَ الْخَوْفُ نَفْسَ «كَلِيبانَ» الْغادِرَ، وَتَمَلَّكَهُ الذُّعْرُ، وَقَدْ خَشِيَ أَنْ يُنْفِذَ فِيهِ وَعِيدَهُ، فَقالَ لَهُ ضارِعًا (خاضِعًا): «كَلَّا، لا تَفْعَلْ، وَتَجاوَزْ بِفَضْلِكَ عَنْ خَطِيئَتِي وَذَنْبِي، وَسَتَرانِي مُذْعِنًا لِأَمْرِكَ، مُطِيعًا، مُلَبِّيًا كُلَّ ما تَطْلُبُهُ مِنِّي».

ثُمَّ أَسْرَعَ «كَلِيبانُ» لِيُنْجِزَ (لِيُتِمَّ) ما أَمَرَهُ بِهِ سَيِّدُهُ «بُرُسْبِيرُو» وَهُوَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «يا لَهُ مِنْ مُتَسَلِّطٍ جَبَّارٍ. فَمَتَى أَخْلُصُ مِنْ إِسارِي، وَأَنْجُو مِنْ حَبْسِي، فَأَسْتَرِيحَ مِنْ وَعِيدِهِ؟ لا بُدَّ لِي مِنْ تَلْبِيَةِ أَمْرِهِ. وَالْوَيْلُ لِي إِذا هَمَمْتُ بِعِصْيانِهِ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤