الفصل الخامس

عُبُورُ الْهاوِيَةِ

(١) عَلَى حافَةِ الْهاوِيَةِ

أَمَّا «يُوسُفُ» فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ — لِبُلوغِ الْقِمَّةِ بَعْدَ ذلِكَ — إِلَّا مَسافَةٌ قَلِيلَةٌ، لا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ السَّاعَةِ. وَقَدْ فَرِحَ وابْتَهَجَ حِينَ رَأَى سَعْيَهُ عَلَى وَشْكِ أَنْ يُكَلَّلَ بِالنَّجاحِ.

وَلكِنَّ سُرُورَهُ لَمْ يَطُلْ، فَقَدِ اعْتَرَضَتْهُ — فِي طَرِيقِهِ إِلَى غايَتِهِ — هاوِيَةٌ عَمِيقَةٌ.

وَكانَتِ الْهاوِيَةُ — إِلَى عُمْقِها — واسِعَةً فَسِيحَةً يَسْتَحِيلُ عَلَى كائِنٍ كانَ أَنْ يَعْبُرَها قَفْزًا أَوْ يَجْتازَها وَثْبًا.

فَوَقَفَ «يُوسُفُ» عَلَى حافَةِ الْهاوِيَةِ، وَأَطَلَّ عَلَيْها، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُبْصِرَ الْقاعَ لِعُمْقِها.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ «يُوسُفُ» عَلَى جانِبٍ عَظِيمٍ مِنَ الشَّجاعَةِ، لَدَبَّ إِلَى قَلْبِهِ الْيَأْسُ فَعادَ مِنْ حَيْثُ أَتَى.

وَلكِنَّ «يُوسُفَ» كانَ — كَما حَدَّثْتُكَ — أَقْوَى عَزِيمَةً، وَأَثْبَتَ قَلْبًا؛ مِنْ أَنْ يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الْيَأْسُ لحْظَةً واحِدَةً!!

(٢) حَيْرَةُ «يُوسُفَ»

وَقَدْ أَعمَلَ فِكْرَهُ لِتَذْلِيلِ هذِهِ العَقَبَةِ، فَمَشَى بِالْقُرْبِ مِنْ حافَةِ الْهاوِيَةِ، لَعَلَّهُ يَهْتَدِي إِلَى جِسْرٍ يَعْبُرُهُ إِلَى غايَتِهِ.

وَظَلَّ يُواصِلُ سَيْرَهُ أَيَّامًا. ثُمَّ انْتَهَى بِهِ السَّيْرُ إِلَى الْمَكانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ!

فَلَمَّا تَجَلَّتْ لَهُ خَيْبَةُ أَمَلِهِ فِي الْخَلاصِ، قالَ لِنَفْسِهِ: «تُرَى ماذا أَنا صانِعٌ! إِنَّنِي لا أَكادُ أَجْتازُ عَقَبَةً، حَتَّى تَقُومَ فِي وَجْهِي عَقَبَةٌ أُخْرَى لِتَعُوقَنِي عَمَّا أُرِيدُ. وَلَقَدْ أَفْلَحْتُ فِي تَذْلِيلِ ما صادَفَنِي مِنْ عَقَباتٍ سابِقَةٍ، فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى تَخَطِّي هذِهِ العَقَبَةِ الْجَدِيدَةِ؟ وَمَنْ لِي بِعُبُورِ هذِهِ الهاوِيَةِ السَّحِيقَةِ؟»١

وَشَعَرَ الطِّفْلُ — حِينَئِذٍ — أَنَّ عَيْنَيْهِ قَدِ امْتَلأَتَا بِالدُّمُوعِ.

•••

وَكانَتْ هذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَبْكِي فِيها صَغِيرُنا الْهُمامُ.

وَلكِنَّهُ مَعَ ذلِكَ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلْحُزْنِ، وَلَمْ يَتَمادَ فِي البُكاءِ. فَكَفْكَفَ مِنْ دَمْعِهِ، ثُمَّ راحَ يَبْحَثُ جاهِدًا عَنْ وَسِيلَةٍ تُهَيِّئُ لَهُ اجْتِيازَ الْهاوِيَةِ فَلَمْ يَهْدِهِ تَفْكِيرُهُ إِلَى نَتِيجَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْها.

(٣) عُواءُ الذِّئْبِ

فَجَلَسَ عَلَى حافَةِ الْهاوِيَةِ مُكْتَئِبًا حَزِينًا، وَهُوَ يَدْعُو اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى وَسِيلَةٍ يَتَوَسَّلُ بِها، أَو حِيلَةٍ تُساعِدُهُ عَلَى اجْتِيازِ هذِهِ الْعَقَبَةِ.

وَإِنَّهُ لَمُسْتَغْرِقٌ فِي تَفْكِيرِهِ؛ إِذْ طَرَقَ سَمْعَهُ — فَجْأةً — عُواءٌ هائِلٌ مُخِيفٌ.

فالْتَفَتَ؛ فَإِذا بِهِ يَرَى — عَلَى قِيدِ عَشْرِ خُطُواتٍ مِنْهُ — ذِئْبًا هائِلًا يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنَيْنِ مُلْتَهِبَتَيْنِ.

figure

ثُمَّ يَقُولُ لَهُ بِصَوْتٍ هائِلٍ مُفَزِّعٍ: «ما الَّذِي جاءَ بِكَ إِلَى هُنا، يا غُلامُ؟ وَعَنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْحَثُ فِي مَمْلَكَتِي، أَيُّها الرَّائِدُ الْجَريءُ؟»

فَأجابَهُ «يُوسُفُ»: «لَقَدْ جِئْتُ — يا أُوَيْسُ — باحِثًا عَنْ نَباتِ الْحَياةِ؛ لأُنْقِذَ بِهِ والِدَتِي الْمَرِيضَةَ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى التَّلَفِ. فَإِذا أَعَنْتَنِي عَلَى بُلُوغِ هذِهِ الْغايَةِ، وَيَسَّرْتَ لِي السَّبِيلَ إِلَى تَحْقِيقِها، أَصْبَحْتُ لَكَ تابِعًا أَمِينًا: أَئْتَمِرُ بِكُلِّ ما تَأْمُرُنِي بِهِ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَكَ الفَضْلُ فِي مُعاوَنَتِي عَلَى اجْتِيازِ الْهاوِيَةِ.»

فقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: «لَكَ ذلِكَ مِنِّي، مَتَى حَقَّقْتَ لِي مَطْلَبًا واحِدًا.»

(٤) أَدواتُ الصَّيْدِ

فَقالَ لَهُ «يُوسُفُ»: «لَبَّيْكَ — يا سَيِّدِي — فَإِنِّي رَهْنُ إشارَتِكَ، وَطَوْعُ أَمْرِكَ.»

فَقالَ لَهُ الذِّئْبُ: «إِذا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْطادَ كُلَّ ما تَحْوِيهِ غابَتِي مِنْ طَيْرٍ وَحَيَوانٍ؛ فَتَشْوِيَ لِي نِصْفَهُ، وَتَقْلِيَ النِّصْفَ الآخَرَ؛ فَلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ أَنْ أُيَسِّرَ لَكَ السَّبِيلَ لاجْتِيازِ الهاويَةِ السَّحِيقَةِ. وَسَتَرَى أَنَّ ذِئْبَ الجَبَلِ لا يَكْذِبُ وَعْدَهُ وَلا يَنْقُضُ عَهْدَهُ. وَسَتَجِدُ — عَلَى مَسافَةِ خُطُواتٍ قَلِيلَةٍ مِنْكَ — ما تَحْتاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَدَواتِ الصَّيْدِ والطَّبْخِ. فافْعَلْ ما أَمَرْتُكَ بِهِ، وَمَتَى وُفِّقْتَ إِلَى إِنْجازِهِ، نادَيْتَنِي فَوَجَدْتَنِي أَمامَكَ فِي الْحالِ.»

وَلَمْ يُتِمَّ الذِّئْبُ قَوْلَتَهُ، حَتَّى اسْتَخْفَى عَنْ ناظِرِهِ فِي الْحالِ.

فَتَذَرَّعَ «يُوسُفُ» بِالصَّبْرِ والشَّجاعَةِ، واعْتَصَمَ بِالثَّباتِ والْعَزْمِ، ثُمَّ تَناوَلَ مِنْ خِزانَةِ الذِّئْبِ قَوْسًا وَسِهامًا، وَراحَ يَرْمِي بِنبالِهِ ما يَمُرُّ بِهِ مِنَ الْعَصافِيرِ والْبَطِّ والْوَزِّ والدِّيَكَةِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى اخْتلافِ أَنْواعِها.

وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ الرِّمايَةَ، وَتَسْدِيد السِّهامِ إِلَى واحِدَةٍ مِنْها؛ فَلَمْ يَصْطَدْ شَيْئًا بِرَغْمِ ما بَذَلَهُ مِنْ جُهْدٍ عَظِيمٍ.

(٥) «أَبُو حاتِمٍ»

وَقَدْ أَمْضَى عَلَى هذِهِ الْحالِ المُؤْيِسَةِ ثَمانِيَةَ أيَّامٍ؛ فَدَبَّ إِلَى نَفْسِهِ الضَّجَرُ والسَّأَمُ، واسْتَوْلَى عَلَيْهِ الحُزْنُ والأَلَمُ، وَضاقَ صَدْرُهُ بِما هُوَ فِيهِ مِنْ غَمٍّ وَهَمٍّ.

وَلَكِنَّ أَمَلَهُ فِي الْفَوْزِ لَمْ يُفارِقْهُ لَحْظَةً وَاحِدَةً؛ فَقَدْ كانَ عَلَى ثِقَةٍ تامَّةٍ أَنَّ اللهَ — سُبْحانَهُ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْعادِلِينَ — لَنْ يَخْذُلَ الصَّابرينَ، وَلَنْ يُضِيعَ جُهُودَ الْعامِلِينَ.

•••

وَبَيْنَما هُوَ يَنْتَظِرُ الْفَرَجَ بَعْدَ الضِّيقِ، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الغُرابُ، وَحَيَّاهُ قائِلًا: «لَكَ الْخَيْرُ، أَيُّها الرَّائِدُ الشُّجاعُ! أَنا «أَبُو حاتِمٍ». وَما أَنْسَ لا أَنْسَ — ما حَيِيتُ — أَنَّكَ أَنْقَذْتَنِي مِنَ الْهَلاكِ، وَلَقَدْ وَعَدْتُكَ — حِينَئِذٍ — بِأَنْ أُكافِئَكَ عَلَى مَعْرُوفِكَ. فَالآنَ أَبَرُّ لَكَ بِوَعْدِي، وَأُخَلِّصُكَ مِنْ هذا الْمَأزِقِ الْخَطيرِ. فَإِنِّي لَعَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّ الذِّئْبَ آكِلُكُ — لا مَحالَةَ — إِذا عَجَزْتَ عَنِ الصَّيْدِ، أَوْ تَهَاوَنْتَ فِي إنجازِ ما يَطْلُبُهُ مِنْكَ. فَلَنْ يَسْتَطِيعَ صَبْرًا عَلَى الْجُوعِ، وَلن يَجِدَ أَمامَهُ — حِينَئِذٍ — شَيْئًا يَأْكُلُهُ سِواكَ. فَهَلُمَّ فاتْبَعْنِي، وَأَنا الْكَفِيلُ بصَيْدِ ما تَحْويهِ الْغابَةُ مِنْ طَيْرٍ وَحَيَوانٍ. وَلَنْ أُكَلِّفَكَ شَيْئًا أَكثَرَ مِنْ أَنْ تَجْمَعَ ما أُسْقِطُهُ لَكَ مِنَ الصَّيْدِ، ثُمَّ تُعِدَّ مِنْهُ لِلذِّئْبِ طَعامَهُ المَنْشُودَ.»

(٦) نَجاحُ الْمَسْعَى

وَلَمَّا أَتَمَّ «أُبو حاتِمٍ» قَوْلَتَهُ، أَسْرَعَ إِلَى الْفَضاءِ مُحَلِّقًا فَوْقَ الأَشْجارِ، وَظَلَّ يَضْرِبُ — بِمِنْقارِهِ وَمَخالبِهِ — كُلَّ ما يَلْقاهُ مِنْ طَيْرٍ وَحَيوانٍ؛ فَيَصْرَعُهُ فِي الحالِ، وَيَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ.

وَلَمْ تَنْقَضِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا، حَتَّى نَجَحَ الْغُرابُ فِي صَيْدِ الْعَدَدِ الكَبِيرِ؛ الَّذِي تَحْوِيهِ الْغابَةُ مِن طَيْرٍ وَحَيوانٍ.

وَلَمْ يُضِعْ «يُوسُفُ» شَيْئًا مِنْ وَقْتِهِ بِلا عَمَلٍ، فَقَدْ كانَ يُسْرِعُ إِلَى ما يَصْطادُهُ لَهُ الغُرابُ، فَيَنْزِعُ رِيشَ الطَّيْرِ، وَيَسْلَخُ جِلْدَ الْحَيَوانِ.

ثُمَّ أَوْقَدَ النَّارَ، وَجَعَلَ يَشْوِي نِصْفَ الصَّيْدِ، وَيَقْلِي نِصْفَهُ الآخَرَ؛ حَتَّى إِذا نَضِجَ الصَّيْدُ كُلُّهُ، جَمَعَهُ، وَرَتَّبَهُ صَفًّا صَفًّا …

وَلَمَّا اطْمَأَنَّ الغُرابُ إِلَى نَجاحِ مَسْعاهُ، قالَ لِصاحِبِهِ «يُوسُفَ» بَعْدَ أَنْ حَيَّاهُ، وَدَعا لَهُ بِتَحْقِيقِ ما يَتَمَنَّاهُ: «وَداعًا، أَيُّها الرَّائِدُ الْمِقْدامُ. لَقَدِ اجْتَزْتَ كُلَّ ما يَعْتَرِضُكَ مِن عَقَباتٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْكَ بَعْدَ ذلِكَ إِلَّا عَقَبَةٌ واحِدَةٌ. وَلَقَدْ كانَ يُسْعِدُنِي — لَوِ اسْتَطَعْتُ — أَنْ أُذَلِّلَ لَكَ كُلَّ ما يَعْتَرِضُكَ مِنْ مَصاعِبَ وَعَقَباتٍ. وَلكِنْ هَيْهاتَ هَيْهاتَ!! فَلَيْسَ ذلِكَ فِي حُدُودِ قُدْرَتِي وإِمْكانِي. فاذْهَبْ فِي رِعايَةِ اللهِ، واعْتَصِمْ بِما تَمَيَّزْتَ بِهِ مِنَ المُثابَرَةِ والصَّبْرِ؛ فَلَنْ يَضِيعَ جُهْدٌ يَبْذُلُهُ مُخْلِصٌ ثابِتُ الإِيمانِ، راجِحُ الْعَقْلِ، فِي سَبِيلِ غايَةٍ نَبِيلَةٍ؛ وَلَنْ تَخْذُلَ الْجِنِّيَّاتُ رائِدًا، لهُ مِثْلُ عَزِيمَتِكَ الْغَلَّابَةِ فِي مُواجَهَةِ الصِّعابِ والأَخْطارِ. إِنَّ طاعَةَ الأَبْناءِ وَمَحَبَّتَهُمْ لآبائِهِمْ وَأُمَّهاتِهِمْ كَفِيلَتانِ لَهُمْ بِالْفَوْزِ والنَّجاحِ والتَّغَلُّبِ عَلَى الشَّدائِدِ. وَإِنَّنا مَعْشَرَ الْجِنِّ لَنَعْجَبُ بِأَمْثالكَ مِمَّن يَتَحَلَّى بِهاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ؛ وَمَنْ كانَ كَذلِكَ فَإِنَّنا نَبْذُلُ كُلَّ جُهُودِنَا فِي نُصْرَتِهِ وَمَعُونَتِهِ.»

(٧) وَلِيمَةُ الذِّئْبِ

وَأَرادَ «يُوسُفُ» أَنْ يَشْكُرَ لِـ«أَبِي حاتِمٍ» صَنِيعَهُ، وَلكِنَّهُ سُرْعانَ ما غابَ عَنْ ناظِرهِ.

فَنادَى «يُوسُفُ» الذِّئْبَ، وَلَمْ يَكَدْ يَفْعَلُ حَتَّى حَضَرَ إِلَيْهِ! فَقالَ لَهُ «يُوسُفُ»: «هَلُمَّ يا سَيِّدِي «أُوَيْسًا»، فَقَدْ أَنْجَزْتُ لكَ ما طَلَبْتَ مِنْ لَحْم الطَّيْرِ والْحَيَوانِ؛ مَشْوِيًّا وَمَقْلِيًّا.»

•••

فابْتَهَجَ «أُوَيْسٌ» بِما رَأَى، وَأَقْبَلَ عَلَى الأَرَانِبِ وَالطَّيْرِ والْغِزْلانِ يَتَذَوَّقُها فَرْحانَ مَسْرُورًا.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الطِّفْلِ الشُّجاعِ، قائِلًا: «ما أَكْرَمَ نَفْسَكَ، أَيُّها الصَّغِيرُ الشُّجاعُ. فلا بُدَّ مِنْ مُكافَأَتِكَ عَلَى ما بَذَلْتَهُ فِي سَبِيلي مِنْ تَعَبٍ؛ حَتَّى لا يَقُولَ أَحَدٌ: إِنَّكَ أَدَّيْتَ لِذِئْبِ الْجَبَلِ عَمَلًا، دُونَ أَنْ تَصِيبَ عِنْدَهُ أَجْرًا.»

(٨) عَصا «أُوَيْسٍ»

ثُمَّ أَعْطاهُ «أُوَيْسٌ» عَصاهُ، قائِلًا: «سَتَكُونُ لَكَ هذِه الْعَصا خَيْرَ مُعِينٍ، بَعْدَ أَنْ تَحْصُلَ عَلَى نَباتِ الْحَياةِ. فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِذا أَرَدْتَ الْعَوْدَةَ إِلَى دارِكَ، أَوْ عَنَّ لَكَ الذَّهابُ إِلَى مَكانٍ — بَعِيدًا كانَ أَوْ قَرِيبًا — إِلَّا أَنْ تَرْكَبَ هذِهِ الْعَصا. فَهِيَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَسْرَعُ لِبُلُوغِ غَرَضِكَ مِنْ أَلفِ حِصانٍ.»

لَمْ يُصَدِّقْ «يُوسُفُ» أَنَّ لِهذِهِ الْعَصا قِيمَةً أَوْ خَطرًا، وَحَسِبَ الذِّئْبَ يَسْخَرُ مِنْهُ.

فَهَمَّ بِإلْقائِها إِلَى الْأَرْضِ؛ وَلكِنَّ حَياءَهُ وَأَدَبَهُ نَهَياهُ عَنِ احْتِقارِ الهَدِيَّةِ، مَهْما تَكُنْ قِيمَتُها.

(٩) نَجْدَةُ «أُوَيْس»

وانْتَبَهَ «يُوسُفُ» عَلَى صَوْتِ الذِّئبِ، وَهُوَ يَقُولُ: «هَلُمَّ فاصْعَدْ فَوْقَ ظَهْرِي لأَعْبُرَ بِكَ الْهاوِيَةَ أَيُّها الرَّائِدُ الشُّجاعُ.»

فَصَعِدَ «يُوسُفُ» عَلَى ظَهْرِ «أُوَيْسٍ».

وَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِي جِلْسَتِهِ، حَتَّى قَفَزَ بِهِ «أُوَيْسٌ» قَفْزَةً واسِعَةً جَبَّارَةً عاتِيَةً، بَلَغَ بِها النَّاحِيَةَ الأُخْرَى مِنَ الْهاوِيَةِ.

•••

وَنَزَلَ «يُوسُفُ» شاكِرًا لِلذِّئْبِ مَعْرُوفَهُ.

ثُمَّ اسْتَأنَفَ سَيْرَهُ إِلَى غايَتِهِ، وَهُوَ يَدْعُو اللهَ أَنْ يَكْلأَهُ وَيَرْعاهُ، وَيُبَلِّغَهُ ما يَتَمَنَّاهُ.

١  السحيقة: العميقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤